[231]
نجم ولدك ونجمه أنه يأتي عليكم فاحذروه ، ثم قال : يا أبا علي أبلغه عني يقول
لك موسى بن جعفر : رسولي يأتيك يوم الجمعة فيخبرك بما ترى ، وستعلم غدا إذا
جاثيتك ( 1 ) بين يدي الله من الظالم والمعتدي على صاحبه والسلام .
فخرج يحيى من عنده واحمرت عيناه من البكاء حتى دخل على هارون فأخبره
بقصته وماورد عليه فقال هارون : إن لم يدع النبوة بعد أيام فما أحسن حالنا
فلما كان يوم الجمعة توفي أبوإبراهيم عليه السلام وقد خرج هارون إلى المدائن قبل ذلك
فاخرج إلى الناس حتى نظروا إليه ، ثم دفن عليه السلام ورجع الناس ، فافترقوا
فرقتين فرقة تقول : مات ، وفرقة تقول : لم يمت ( 2 ) .
38 غط : أخبرنا أحمد بن عبدون سماعا وقراءة عليه قال : أخبرنا أبو
الفرج علي بن الحسين الاصبهاني قال : حدثني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال :
حدثنا علي بن محمد النوفلي ، عن أبيه ، قال الاصبهاني : وحدثني أحمد بن سعيد
قال : حدثني محمد بن الحسن العلوي وحدثني غيرهما ببعض قصته ، وجمعت ذلك
بعضه إلى بعض قالوا : كان السبب في أخذ موسى بن جعفر عليهما السلام أن الرشيد جعل
ابنه في حجر جعفر بن محمد بن الاشعث فحسده يحيى بن خالد البرمكي وقال : إن
أفضت الخلافة إليه زالت دولتي ، ودولة ولدي .
فاحتال على جعفر بن محمد وكان يقول بالامامة حتى داخله وآنس إليه
وكان يكثر غشيانه في منزله ، فيقف على أمره ، فيرفعه إلى الرشيد ، ويزيد عليه
بما يقدح في قلبه ثم قال يوما لبعض ثقاته : أتعرفون لي رجلا من آل أبي طالب
-بحار الانوار مجلد: 44 من ص 231 سطر 19 الى ص 239 سطر 18
ليس بواسع الحال يعرفني ماأحتاج إليه فدل على علي بن إسماعيل بن جعفر بن
محمد فحمل إليه يحيى بن خالد مالا وكان موسى يأنس إليه ويصله ، وربما أفضى
إليه بأسراره كلها ، فكتب ليشخص به فأحس موسى بذلك فدعاه فقال : إلى أين
___________________________________________________________________
( 1 ) جاثاه : جلس ازاءه ، بحيث تصير ركبتا احدهما ملاصقتين لركبتى الاخر .
( 2 ) غيبة الطوسي ص 21 وفيها في نسخة " البشيرة " مكان اليسيرة ، كما فيه " الهشيم "
بدل " الهيثم " واظنه تصحيفا .
[232]
يابن أخي ؟ قال : إلى بغداد قال : وماتصنع ؟ قال : علي دين وأنا مملق قال :
فأنا أقضي دينك ، وأفعل بك وأصنع ، فلم يلتفت إلى ذلك فقال له : انظر يابن أخي
لاتؤتم أولادي ، وأمر له بثلاثمائة دينار ، وأربعة آلاف درهم .
فلما قام من بين يديه قال أبوالحسن موسى عليه السلام لمن حضره : والله ليسعين
في دمي ، ويؤتمن أولادي فقالوا له : جعلنا الله فداك فأنت تعلم هذا من حاله و
تعطيه وتصله ؟ ! فقال لهم : نعم حدثني أبي عن آبائه عن رسول الله صلى الله عليه وآله أن الرحم
إذا قطعت فوصلت قطعها الله .
فخرج علي بن إسماعيل حتى أتى إلى يحيى بن خالد فتعرف منه خبر موسى
ابن جعفر ، ورفعه إلى الرشيد ، وزاد عليه وقال له : إن الاموال تحمل إليه من
المشرق والمغرب ، وإن له بيوت أموال وإنه اشترى ضيعة بثلاثين ألف دينار
فسماها اليسيرة ، وقال له صاحبها وقد أحضر المال : لا آخذ هذا النقد ، ولا
آخذ إلا نقد كذا فأمر بذلك المال فرد وأعطاه ثلاثين ألف دينار من النقد الذي
سأل بعينه ، فرفع ذلك كله إلى الرشيد ، فأمر له بمائتي ألف درهم يسبب له على
بعض النواحي فاختار كور المشرق ، ومضت رسله ليقبض المال ودخل هو في بعض
الايام إلى الخلاء فزحر زحرة ( 1 ) خرجت منها حشوته ( 2 ) كلها فسقط ، وجهدوا
في ردها فلم يقدروا ، فوقع لما به ، وجآءه المال وهو ينزع فقال : ماأصنع به وأنا
في الموت .
وحج الرشيد في تلك السنة فبدأ بقبر النبي صلى الله عليه وآله فقال : يارسول الله إني
أعتذر إليك من شئ اريد أن أفعله ، اريد أن أحبس موسى بن جعفر فإنه يريد التشتت
بين امتك وسفك دمائها ، ثم أمر به فاخذ من المسجد فادخل إليه فقيده ، وأخرج
من داره بغلان عليهما قبتان مغطاتان هو في إحداهما ، ووجه مع كل واحدة
___________________________________________________________________
( 1 ) زحر : اخرج الصوت او النفس بأنين عند عمل او شدة .
( 2 ) الحشوة : بكسر الحاء وضمها : من البطن الامعاء .
[233]
منهما خيلا فأخذ بواحدة على طريق البصرة ، والاخرى على طريق الكوفة ليعمي
على الناس أمره ، وكان في التي مضت إلى البصرة ، وأمر الرسول أن يسلمه إلى
عيسى بن جعفر بن المنصور ، وكان على البصرة حينئذ فمضى به فحبسه عنده سنة .
ثم كتب إلى الرشيد أن خذه مني ، وسلمه إلى من شئت ، وإلا خليت
سبيله ، فقد اجتهدت بأن أجد عليه حجة ، فما أقدر على ذلك ، حتى أني لاتسمع
عليه إذا دعا لعله يدعو علي أو عليك فما أسمعه يدعو إلا لنفسه ، يسأل الرحمة و
المغفرة فوجه من تسلمه منه ، وحبسه عند الفضل بن الربيع ببغداد ، فبقي عنده
مدة طويلة ، وأراده الرشيد على شئ من أمره فأبى فكتب بتسليمه إلى الفضل بن
يحيى فتسلمه منه وأراد ذلك منه فلم يفعل ، وبلغه أنه عنده في رفاهية وسعة ، وهو
حينئذ بالرقة .
فأنفذ مسرور الخادم إلى بغداد على البريد ، وأمره أن يدخل من فوره إلى
موسى بن جعفر فيعرف خبره ، فان كان الامر على ما بلغه أوصل كتابا منه إلى
العباس بن محمد وأمره بامتثاله ، وأوصل منه كتابا آخر إلى السندي بن شاهك يأمره
بطاعة العباس .
فقدم مسرور فنزل دار الفضل بن يحيى لايدري أحد مايريد ثم دخل على موسى
ابن جعفر عليه السلام فوجده على ما بلغ الرشيد ، فمضى من فوره إلى العباس بن محمد
والسندي فأوصل الكتابين إليهما ، فلم يلبث الناس أن خرج الرسول يركض إلى
الفضل بن يحيى فركب معه وخرج مشدوها دهشا حتى دخل على العباس فدعا بسياط
وعقابين فوجه ذلك إلى السندي وأمره بالفضل فجرد ثم ضربه مائة سوط ، وخرج
متغير اللون خلاف مادخل فأذهبت نخوته فجعل يسلم على الناى يمينا وشمالا و
كتب مسرور بالخبر إلى الرشيد فأمر بتسليم موسى إلى السندي بن شاهك وجلس
مجلسا حافلا وقال : أيها الناس إن الفضل بن يحيى قد عصاني ، وخالف طاعتي
ورأيت أن ألعنه فالعنوه فلعنه الناس من كل ناحية حتى ارتج البيت والدار بلعنه .
[234]
وبلغ يحيى بن خالد فركب إلى الرشيد ودخل من غير الباب الذي يدخل
الناس منه حتى جآءه من خلفه وهو لايشعر ثم قال : التفت إلي ياأمير المؤمنين
فأصغى إليه فزعا فقال له : إن الفضل حدث وأنا أكفيك ماتريد ، فانطلق وجهه
وسر وأقبل على الناس فقال : إن الفضل كان عصاني في شئ فلعنته وقد تاب وأناب
إلى طاعتي فتولوه ، فقالوا له : نحن أولياء من واليت وأعدآء من عاديت وقد
توليناه .
ثم خرج يحيى بن خالد بنفسه على البريد حتى أتى بغداد فماج الناس و
أرجفوا بكل شئ ، فأظهر أنه ورد لتعديل السواد ، والنظر في أمر العمال وتشاغل
ببعض ذلك ، ودعا السندي فأمره فيه بأمره ، فامتثله ، وسأل موسى عليه السلام السندي
عند وفاته أن يحضره مولى له ينزل عند دار العباس بن محمد في أصحاب القصب
ليغسله ففعل ذلك قال : وسألته أن يأذن لي أن اكفنه فأبى وقال : إنا أهل بيت
مهور نسائنا وحج صرورتنا ، وأكفان موتانا من طهرة ( 1 ) أموالنا ، وعندي كفني .
فلما مات أدخل عليه الفقهاء ووجوه أهل بغداد وفيهم الهيثم بن عدي وغيره
فنظروا إليه لا أثر به ، وشهدوا على ذلك واخرج فوضع على الجسر ببغداد ، ونودي :
هذا موسى بن جعفر قد مات فانظروا إليه ، فجعل الناس يتفرسون في وجهه وهو
عليه السلام ميت .
قال : وحدثني رجل من بعض الطالبيين أنه نودي عليه : هذا موسى بن
جعفر الذي تزعم الرافضة أنه لايموت ، فانظروا إليه ، فنظروا إليه .
قالوا : وحمل فدفن في مقابر قريش ، فوقع قبره إلى جانب رجل من النوفليين
يقال له عيسى بن عبدالله ( 2 ) .
39 شا : أحمد بن عبيد الله بن عمار ، عن علي بن محمد النوفلي ، عن
___________________________________________________________________
( 1 ) الطهرة ، بالضم النقاء .
والمراد به في المقام المال النقى من كل شبهة وشائبة .
( 2 ) غيبة الطوسي ص 22 .
[235]
أبيه ، وأبومحمد الحسن بن محمد بن يحيى ، عن مشايخهم مثله مع تغيير ما ( 1 ) .
بيان : الاملاق الافتقار قوله يسبب له أي يكتب له فان الكتاب سبب لتحصيل
المال ، وشده الرجل شدها فهو مشدوه أي دهش قوله : حافلا أي ممتلئا قوله فماج
الناس أي اضطربوا .
40 ير : عباد بن سليمان ، عن سعد بن سعد ، عن أحمد بن عمر قال : سمعته
يقول يعني أبا الحسن الرضا عليه السلام : إني طلقت ام فروة بنت إسحاق في رجب بعد
موت أبي بيوم قلت له : جعلت فداك طلقتها وقد علمت موت أبي الحسن ؟ قال :
نعم ( 2 ) .
بيان : قيل : الطلاق بعد الموت مبني على أن العلم الذي هو مناط الاحكام
الشرعية هو العلم الظاهر على الوجه المتعارف .
أقول : يمكن أن يكون هذا من خصائصهم عليهم السلام لازالة الشرف الذي حصل
لهن بسبب الزواج ، كما طلق أمير المؤمنين عليه السلام عائشة يوم الجمل ، أو أراد تطليقها
لتخرج من عداد امهات المؤمنين ولعله عليه السلام إنما طلقها لعلمه بأنها ستريد التزويج
ولا يمكنه عليه السلام منعها عن ذلك تقية فطلقها ليجوز لها ذلك ، ويحتمل وجهين آخرين :
الاول أن يكون التطليق بالمعنى اللغوي أي جعلت أمرها إليها تذهب حيث شآءت
الثاني أن يكون عليه السلام علم صلاحها في تزويجها قريبا فأخبرها بالموت لتعتد عدة
الوفاة ، وطلقها ظاهرا لعدم تشنيع العامة في ذلك .
41 ير : عباد بن سليمان ، عن سعد بن سعد ، عن صفوان قال : : قلت
لابى الحسن الرضا عليه السلام : رووا عنك في موت أبي الحسن أن رجلا قال لك : علمت
ذلك بقول سعيد ؟ فقال : جائني سعيد بما قد كنت علمته قبل مجيئه ( 3 ) .
42 خص ( 4 ) ير : أحمد بن محمد ، عن إبراهيم بن أبي محمود عن بعض
___________________________________________________________________
( 1 ) الارشاد ص 319 .
( 2 و 3 ) بصائر الدرجات ج 9 باب 11 ص 137 .
( 3 ) مختصر بصائر الدرجات ص 6 طبع النجف الاشرف بالمطبعة الحيدرية .
[236]
أصحابنا قال : قلت للرضا عليه السلام : الامام يعلم إذا مات ؟ قال : نعم ، يعلم بالتعليم
حتى يتقدم في الامر قلت : علم أبوالحسن عليه السلام بالرطب والريحان المسمومين
اللذين بعث إليه يحيى بن خالد ؟ قال : نعم قلت : فأكله وهو يعلم ؟ قال : أنساه
لينفذ فيه الحكم ( 1 ) .
43 خص ( 2 ) ير : أحمد بن محمد ، عن إبراهيم بن أبي محمود قال : قلت :
الامام يعلم متى يموت ؟ قال : نعم ، قلت : حيث مابعث إليه يحيى بن خالد برطب
وريحان مسمومين علم به ؟ قال : نعم ، قلت : فأكله وهو يعلم فيكون معينا على
نفسه ؟ فقال : لايعلم قبل ذلك ، ليتقدم فيما يحتاج إليه ، فاذا جاء الوقت ألقى الله
على قلبه النسيان ليقضي فيه الحكم ( 3 ) .
بيان : ماذكر في هذين الخبرين أحد الوجوه في الجمع بين مادل على علمهم
بما يؤل إليه أمرهم ، وبالاسباب التي يترتب عليها هلاكهم ، مع تعرضهم لها وبين
عدم جواز إلقاء النفس إلى التهلكة ، ويمكن أن يقال مع قطع النظر عن الخبر : أن
التحرز عن أمثال تلك الامور إنما يكون فيمن لم يعلم جميع أسباب التقادير الحتمية
وإلا فيلزم أن لايجرى عليهم شئ من التقديرات المكروهة ، وهذا مما لايكون .
والحاصل أن أحكامهم الشرعية منوطة بالعلم الظاهرة لا بالعلوم الالهامية
وكما أن أحوالهم في كثير من الامور مبائنة لاحوالنا فكذا تكاليفهم مغايرة
لتكاليفنا ، على أنه يمكن أن يقال لعلهم علموا أنهم لو لم يفعلوا ذلك لاهلكوهم
بوجه أشنع من ذلك ، فاختاروا أيسر الامرين ، والعلم بعصمتهم وجلالتهم وكون
جميع أفعالهم جارية على قانون الحق والصواب كاف لعدم التعرض لبيان الحكمة
في خصوصيات أحوالهم لاولي الالباب ، وقد مر بعض الكلام في ذلك في باب شهادة
أمير المؤمنين ، وباب شهادة الحسن ، وباب شهادة الحسين صلوات الله عليهم أجمعين .
___________________________________________________________________
( 1 ) بصائر الدرجات ج 10 باب 9 ص 141 .
( 2 ) مختصر بصائر الدرجات ص 7 .
( 3 ) بصائر الدرجات ج 10 باب 9 ص 141 .
[237]
44 غط : علي بن أحمد الموسوي ، عن إبراهيم بن محمد بن حمران ، عن
يحيى بن القاسم الحذاء وغيره ، عن جميل بن صالح ، عن داود بن زربي قال :
بعث إلي العبد الصالح عليه السلام وهو في الحبس فقال : ائت هذا الرجل يعني يحيى
ابن خالد فقل له : يقول لك أبوفلان : ماحملك على ماصنعت ؟ أخرجتني من بلادي
وفرقت بيني وبين عيالي ؟ فأتيته فأخبرته فقال : زبيدة طالق ، وعليه أغلظ الايمان
لوددت أنه غرم الساعة ألفي ألف ، وأنت خرجت فرجعت إليه فأبلغته فقال : ارجع
إليه فقل له : يقول لك : والله لتخرجنني أو لاخرجن ( 1 ) .
45 شا : قبض الكاظم صلوات الله عليه ببغداد في حبس السندي بن شاهك
لست خلون بن رجب سنة ثلاث وثمانين ومائة ، وله يومئذ خمس وخمسون سنة
وكانت مدة خلافته ومقامه في الامامة بعد أبيه عليه السلام خمسا وثلاثين سنة ( 2 ) .
46 قب : أبوالازهر ناصح بن علية البرجمي في حديث طويل أنه جمعني
مسجد بازاء دار السندي بن شاهك وابن السكيت ، فتفاوضنا في العربية ومعنا رجل
لانعرفه ، فقال : ياهؤلاء أنتم إلى إقامة دينكم أحوج منكم إلى إقامة ألسنتكم
وساق الكلام إلى إمام الوقت وقال : ليس بينكم وبينه غير هذا الجدار قلنا : تعني
هذا المحبوس موسى ؟ قال : نعم ، قلنا : سترنا عليك فقم من عندنا خيفة أن يراك
أحد جليسنا فنؤخذ بك .
قال : والله لايفعلون ذلك أبدا والله ما قلت لكم إلا بأمره ، وإنه ليرانا
ويسمع كلامنا ، ولو شآء أن يكون ثالثنا لكان ، قلنا : فقد شئنا فادعه إلينا فاذا
قد أقبل رجل من باب المسجد داخلا كادت لرؤيته العقول أن تذهل فعلمنا أنه موسى
ابن جعفر عليه السلام ثم قال : أنا هذا الرجل ، وتركنا ، وخرجنا ( 3 ) من المسجد مبادرا
___________________________________________________________________
( 1 ) غيبة الشيخ الطوسي ص 37 .
( 2 ) الارشاد ص 307 .
( 3 ) كذا في الاصل والمناقب ولعل الصواب " وخرج " بقرينة قوله : مبادرا .
[238]
فسمعنا وجيبا شديدا وإذا السندي بن شاهك يعدو داخلا إلى المسجد معه جماعة
فقلنا : كان معنا رجل فدعانا إلى كذا وكذا ، ودخل هذا الرجل المصلي وخرج
ذاك الرجل ولم نره ، فأمر بنا فأمسكنا ، ثم تقدم إلى موسى وهو قائم في المحراب
فأتاه من قبل وجهه ونحن نسمع فقال : ياويحك كم تخرج بسحرك هذا وحيلتك
من وراء الابواب والاغلاق والاقفال وأردك ، فلو كنت هربت كان أحب إلي من
وقوفك ههنا أتريد ياموسى أن يقتلني الخليفة ؟ .
قال : فقال موسى ونحن والله نسمع كلامه : كيف أهرب ولله في أيديكم موقت
لي يسوق إليها أقداره ، وكرامتي على أيديكم في كلامه قال : فأخذ السندي
بيده ومشى ثم قال للقوم : دعوا هذين واخرجوا إلى الطريق فامنعوا أحدا يمر
من الناس حتى أتم أنا وهذا إلى الدار .
وفي كتاب الانوار قال العامري : إن هارون الرشيد أنفذ إلى موسى بن
جعفر جارية خصيفة ، لها جمال ووضاءة لتخدمه في السجن فقال قل له " بل أنتم
يهديتكم تفرحون " ( 1 ) لا حاجة لي في هذه ولا في أمثالها ، قال : فاستطار هارون
غضبا وقال : ارجع إليه وقل له : ليس برضاك حبسناك ، ولا برضاك أخذناك ، و
اترك الجارية عنده وانصرف ، قال : فمضى ورجع ثم قام هارون عن مجلسه وأنفذ
الخادم إليه ليستفحص عن حالها فرآها ساجدة لربها لاترفع رأسها تقول : قدوس
سبحانك سبحانك .
فقال هارون : سحرها والله موسى بن جعفر بسحره ، علي بها ، فاتي بها وهي
ترعد شاخصة نحو السماء بصرها فقال : ماشأنك ؟ قالت : شأني الشأن البديع إني
كنت عنده واقفة وهو قائم يصلي ليله ونهاره ، فلما انصرف عن صلاته بوجهه وهو
يسبح الله ويقدسه قلت : ياسيدي هل لك حاجة اعطيكها ؟ قال : وما حاجتي إليك ؟
قلت : إني ادخلت عليك لحوائجك قال : فما بال هؤلاء ؟ قالت : فالتفت فاذا روضة
___________________________________________________________________
( 1 ) سورة النمل الاية : 36 .
[239]
مزهرة لاأبلغ آخرها من أولها بنظري ، ولا أولها من آخرها ، فيها مجالس
مفروشة بالوشي والديباج ، وعليها وصفاء ووصايف لم أر مثل وجوههم حسنا ، ولا مثل
لباسهم لباسا ، عليهم الحرير الاخضر ، والاكاليل والدر والياقوت ، وفي أيديهم
الاباريق والمناديل ومن كل الطعام ، فخررت ساجدة حتى أقامني هذا الخادم
فرأيت نفسي حيث كنت .
قال : فقال هارون : ياخبيثة لعلك سجدت فنمت فرأيت هذا في منامك ؟
قالت : لا والله ياسيدي إلا قبل سجودي رأيت فسجدت من أجل ذلك فقال الرشيد :
اقبض هذه الخبيثة إليك ، فلا يسمع هذا منها أحد ، فأقبلت في الصلاة ، فاذا قيل
لها في ذلك قالت : هكذا رأيت العبد الصالح عليه السلام فسئلت عن قولها قالت : إني
لما عاينت من الامر نادتني الجواري يافلانة ابعدي عن العبد الصالح ، حتى ندخل
عليه فنحن له دونك ، فما زالت كذلك حتى ماتت ، وذلك قبل موت موسى بأيام
يسيرة ( 1 ) .
47 قب : كان وفاته في مسجد هارون الرشيد وهو المعروف بمسجد المسيب
وهو في الجانب الغربي باب الكوفة لانه نقل إليه من دار تعرف بدار عمرويه ، و
كان بين وفاة موسى عليه السلام إلى وقت حرق مقابر قريش مائتان وستون سنة ( 2 ) .
48 كش : محمد بن قولويه القمي قال : حدثني بعض المشايخ ولم يذكر
اسمه ، عن علي بن جعفر بن محمد قال : جاءني محمد بن إسماعيل بن جعفر يسألني أن
أسأل أبا الحسن موسى عليه السلام أن يأذن له في الخروج إلى العراق ، وأن يرضى عنه
-بحار الانوار مجلد: 44 من ص 239 سطر 19 الى ص 247 سطر 18
ويوصيه بوصية قال فتجنب حتى دخل المتوضا ، وخرج وهو وقت كان يتهيأ لي
أن أخلو به واكلمه قال : فلما خرج قلت له : إن ابن أخيك محمد بن إسماعيل
يسألك أن تأذن له في الخروج إلى العراق وأن توصيه ، فأذن له عليه السلام .
___________________________________________________________________
( 1 ) المناقب ج 3 ص 414 .
( 2 ) نفس المصدر ج 3 ص 438 .
[240]
فلما رجع إلى مجلسه قام محمد بن إسماعيل وقال : ياعم احب أن توصيني
فقال : اوصيك أن تتقي الله في دمي فقال : لعن الله من يسعى في دمك ، ثم قال :
ياعم أوصني فقال : اوصيك أن تتقي الله في دمي ، قال : ثم ناوله أبوالحسن عليه السلام
صرة فيها مائة وخمسون دينارا فقبضها محمد ، ثم ناوله اخرى فيها مائة وخمسون
دينارا فقبضها ، ثم أعطاه صرة اخرى فيها مائة وخمسون دينارا فقبضها ، ثم أمر
له بألف وخمسمائة درهم كانت عنده ، فقلت له في ذلك ولاستكثرته فقال : هذا
ليكون أوكد لحجتي إذا قطعني ووصلته .
قال : فخرج إلى العراق فلما ورد حضرة هارون أتى باب هرون بثياب
طريقه قبل أن ينزل واستأذن على هارون وقال للحاجب : قل لامير المؤمنين إن
محمد بن إسماعيل بن جعفر بن محمد بالباب فقال الحاجب : انزل أولا وغير ثياب
طريقك وعد لادخلك إليه بغير إذن فقد نام أمير المؤمنين في هذا الوقت فقال : اعلم
أمير المؤمنين أني حضرت ولم تأذن لي فدخل الحاجب وأعلم هارون قول محمد بن
إسماعيل فأمر بدخوله فدخل قال : ياأمير المؤمنين خليفتان في الارض موسى بن
جعفر بالمدينة يجبى له الخراج وأنت بالعراق يجبى لك الخراج فقال : والله ! ؟ فقال :
في جوف ليلته فمات وحول من الغد المال الذي حمل إليه ( 1 ) .
بيان : روى في الكافي ( 2 ) قريبا من ذلك عن علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى
عن موسى بن القاسم ، عن علي بن جعفر وفيه : فرماه الله بالذبحة وهي كهمزة
وعنبة وكسرة وصبرة وجع في الحلق أو دم يخنق فيقتل ، ثم إن في بعض الروايات
محمد بن إسماعيل وفي بعضها علي بن إسماعيل ، ويمكن أن يكون فعل كل منهما ما
نسب إليه وسيأتي ذمهما في باب أحوال عشآئره عليه السلام .
___________________________________________________________________
( 1 ) رجال الكشى ص 170 .
( 2 ) الكافى ج 8 ص 124 .