[241]
49 كش : محمد بن الحسين بن أحمد الفارسي ، عن أبي القاسم الحليسي ، عن
عيسى بن هوذا ، عن الحسن بن ظريف بن ناصح فقال : قد جئتك بحديث من يأتيك
حدثني فلان ونسي الحليسي اسمه عن بشار مولي السندي بن شاهك قال : كنت من
أشد الناس بغضا لآل أبي طالب ، فدعاني السندي بن شاهك يوما فقال لي : يابشار إني
اريد أن أئتمنك على ماائتمنني عليه هارون ، قلت : إذن لا ابقي فيه غاية فقال :
هذا موسى بن جعفر قد دفعه إلي وقد وكلتك بحفظه ، فجعله في دار دون حرمه
ووكلني عليه ، فكنت أقفل عليه عدة أقفال ، فاذا مضيت في حاجة وكلت امرأتي
بالباب فلا تفارقه حتى أرجع .
قال بشار : فحول الله ماكان في قلبي من البغض حبا قال : فدعاني عليه السلام
يوما فقال : يابشار امض إلى سجن القنطرة فادع لي هند بن الحجاج وقل له :
أبوالحسن يأمرك بالمصير إليه ، فانه سينهرك ويصيح عليك فإذا فعل ذلك ، فقل له :
أنا قد قلت لك وأبلغت رسالته فإن شئت فافعل ماأمرني ، وإن شئت فلا تفعل ، و
اتركه وانصرف قال : ففعلت ماأمرني وأقفلت الابواب كما كنت أقفل وأقعدت
امرأتي على الباب وقلت لها : لاتبرحي حتى آتيك .
وقصدت إلى سجن القنطرة فدخلت إلى هند بن الحجاج فقلت : أبوالحسن
يأمرك بالمصير إليه قال : فصاح علي وانتهرني فقلت له : أنا قد أبلغتك وقلت لك فان
شئت فافعل ، وإن شئت فلا تفعل ، وانصرف وتركته وجئت إلى أبي الحسن عليه السلام
فوجدت امرأتي قاعدة على الباب والابواب مغلقة فلم أزل أفتح واحدا واحدا منها
حتى انتهيت إليه فوجدته وأعلمته الخبر فقال : نعم قد جآءني وانصرف فخرجت
إلى امرأتي فقلت لها : جاء أحد بعدي فدخل هذا الباب ؟ فقالت : لا واله مافارقت
الباب ولا فتحت الاقفال حتى جئت .
قال : وروى لي علي بن محمد بن الحسن الانباري أخو صندل قال : بلغني من
جهة اخرى أنه صار إليه هند بن الحجاج قال له العبد الصالح عليه السلام عند انصرافه
إن شئت رجعت إلى موضعك ولك الجنة وإن شئت انصرفت إلى منزلك ، فقال :
[242]
أرجع إلى موضعي إلى سجن رحمه الله .
قال : وحدثني علي بن محمد بن صالح الصيمري أن هند بن الحجاج رضي الله
عنه كان من أهل الصيمرة وأن قصره لبين ( 1 ) .
بيان : قوله بحديث من يأتيك أي بحديث تخبر به كل من يأتيك أو بحديث
من يأتي ذكره وهو الكاظم عليه السلام .
50 كش : وجدت في كتاب محمد بن الحسن بن بندار بخطه : حدثني الحسن
ابن أحمد المالكي ، عن عبدالله بن طاووس قال : قلت للرضا عليه السلام : إن يحيى بن
خالد سم أباك موسى بن جعفر صلوات الله عليهما ؟ قال : نعم سمه في ثلاثين رطبة .
قلت له : فلما كان يعلم أنها مسمومة ؟ قال : غاب عنه المحدث ، قلت : ومن المحدث
قال : ملك أعظم من جبرئيل وميكائيل كان مع رسول الله صلى الله عليه وآله وهو مع الائمة عليهم السلام
وليس كلما طلب وجد ، ثم قال : إنك ستعمر ، فعاش مائة سنة ( 2 ) .
51 كا : عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن إسماعيل بن مهران ، عن
محمد بن منصور ، عن علي بن سويد قال : كتبت إلى أبي الحسن موسى عليه السلام وهو في
الحبس كتابا أسأله عن حاله وعن مسائل كثيرة فاحتبس الجواب علي ، ثم أجابني
بجواب هذه نسخته : بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله العلي العظيم الذي بعظمته
ونوره أبصر قلوب المؤمنين ، وبعظمته ونوره عاداه الجاهلون ، وبعظمته ونوره
ابتغى من في السماوات ومن في الارض إليه الوسيلة بالاعمال المختلفة والاديان
المتضادة فمصيب ومخطئ ، وضال ومهتد ، وسميع وأصم ، وبصير وأعمى حيران
فالحمد لله الذي عرف ووصف دينه محمدا صلى الله عليه وآله .
أما بعد فإنك امرؤ أنزلك الله من آل محمد بمنزلة خاصة ، وحفظ مودة ما
استرعاك من دينه ، وماألهمك من رشدك ، وبصرك من أمر دينك ( و ) بتفضيلك إياهم
وبردك الامور إليهم كتبت تسألني عن امور كنت منها في تقية ومن كتمانها في
___________________________________________________________________
( 1 ) رجال الكشى ص 274 .
( 2 ) نفس المصدر ص 371 ذيل ذيل حديث .
[243]
سعة ، فلما انقضى سلطان الجبابرة ، وجآء السلطان ذي السلطان العظيم ، بفراق
الدنيا المذمومة إلى أهلها ، العتاة على خالقهم ، رأيت أن افسر لك ما سألتني عنه
مخافة أن يدخل الحيرة على ضعفآء شيعتنا من قبل جهالتهم فاتق الله جل ذكره
وخص بذلك الامر أهله ، واحذر أن تكون سبب بلية الاوصيآء ، أو حارشا ( 1 )
عليهم بافشاء مااستودعتك واظهار مااستكتمتك ، ولن تفعل إن شاء الله .
إن أول ماانهي إليك أني أنعى إليك نفسي في ليالي هذه ، غير جازع ولا
نادم ، ولا شاك فيما هو كائن ، مما قد قضى الله عزوجل وحتم ، فاستمسك بعروة
الدين آل محمد ، والعروة الوثقى الوصي بعد الوصي والمسالمة لهم والرضا بما قالوا
ولا تلتمس دين من ليس من شيعتك ، ولا تحبن دينهم فانهم الخائنون الذين خانوا
الله ورسوله وخانوا أماناتهم ، وتدري ماخانوا أماناتهم ؟ ائتمنوا على كتاب الله
فحرفوه وبدلوه ، ودلوا على ولاة الامر منهم فانصرفوا عنهم ، فأذاقهم الله لباس
الجوع والخوف بما كانوا يصنعون .
وسألت عن رجلين اغتصبا رجلا مالا كان ينفقه على الفقراء والمساكين و
أبنآء السبيل وفي سبيل الله ، فلما اغتصباه ذلك لم يرضيا حيث غصباه حتى حملاه
إياه كرها فوق رقبته إلى منزلهما ، فلما أحرزاه توليا إنفاقه أيبلغان بذلك كفرا ؟
فلعمري لقد نافقا قبل ذلك وردا على الله عزوجل كلامه وهزءا برسوله صلى الله عليه وآله
وهما الكافران عليهما لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، والله مادخل قلب
أحد منهما شئ من الايمان منذ خروجهما من حالتيهما ، وما ازدادا إلا شكا كانا
خداعين مرتابين منافقين حتى توفتهما ملائكة العذاب إلى محل الخزي في دار المقام
وسألت عمن حضر ذلك الرجل وهو يغصب ماله ويوضع على رقبته منهم عارف و
منكر ، فاولئك أهل الردة الاولى ومن هذه الامة فعليهم لعنة الله والملائكة و
الناس أجمعين .
___________________________________________________________________
( 1 ) حرش بين القوم : اذا أغرى بعضهم ببعض .
[244]
وسألت عن مبلغ علمنا وهو على ثلاثة وجوه : ماض وغابر وحادث ، فأما
الماضي فمفسر وأما الغابر فمكتوب ، وأما الحادث فقذف في القلوب ونقر في الاسماع
وهو أفضل علمنا ولا نبي بعد نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسألت عن امهات أولادهم فهن عواهر
إلى يوم القيامة نكاح بغير ولي وطلاق لغير عدة ، وأما من دخل في دعوتنا فقد هدم
إيمانه ضلاله ويقينه شكه ، وسألت عن الزكاة فيهم فما كان من الزكوات فأنتم أحق
به لانا قد أحللنا ذلك لكم من كان منكم وأين كان ، وسألت عن الضعفاء فالضعيف
من لم ترفع إليه حجة ، ولم يعرف الاختلاف ، فاذا عرف الاختلاف فليس
بضعيف .
وسألت عن الشهادات لهم فأقم الشهادة لله عزوجل ولو على نفسك أو الوالدين
والاقربين فيما بينك وبينهم ، فان خفت على أخيك ضيما فلا وادع إلى شرائط الله
عز ذكره بمعرفتنا من رجوت إجابته ، ولا تحضر حصن زنا ( 1 ) ووال آل محمد ولا تقل
بما بلغك عنا ونسب إلينا هذا باطل ، وإن كنت تعرف منا خلافه فإنك لاتدري
لما قلناه ، وعلى أي وجه وصفناه آمن بما أخبرك ولا تفش مااستكتمناك من خبرك
إن من واجب حق أخيك أن لاتكتمه شيئا تنفعه به لامر دنياه وآخرته ، ولا
تحقد عليه وإن أساء ، وأجب دعوته إذا دعاك ، ولا تخل بينه وبين عدوه من الناس
وإن كان أقرب إليه منك ، وعده في مرضه ، ليس من أخلاق المؤمنين الغش ، ولا
الاذى ، ولا الخيانة ، ولا الكبر ، ولا الخنا ، ولا الفحش ولا الامر به ، فاذا رأيت
المشوه الاعرابي في جحفل ( 2 ) جرار فانتظر فرجك ولشيعتك المؤمنين ، فاذا
انكسفت الشمس فارفع بصرك إلى السمآء وانظر مافعل الله عزوجل بالمجرمين
فقد فسرت لك جملا جملا وصلى الله على محمد وآل الاخيار ( 3 ) .
___________________________________________________________________
( 1 ) في الكافي : ولا تحصن بحصن رياء .
( 2 ) الجحفل كجعفر : الجيش الكثير الكبير .
( 3 ) الكافى ج 8 ص 124 بتفاوت .
[245]
بيان : الخبر مفسر في كتاب الروضة من هذا الكتاب وفي شرح روضة
الكافي .
52 مهج : باسناد صحيح عن عبدالله بن مالك الخزاعي قال : دعاني هارون
الرشيد فقال : ياأبا عبدالله كيف أنت وموضع السر منك ؟ فقلت : ياأمير المؤمنين
ماأنا إلا عبد من عبيدك فقال : امض إلى تلك الحجرة وخذ من فيها واحتفظ به
إلى أن أسألك عنه ، قال : فدخلت فوجدت موسى بن جعفر عليه السلام فلما رآني سلمت
عليه وحملته على دابتي إلى منزلي فأدخلته داري وجعلته مع حرمي وقفلت عليه
والمفتاح معي وكنت أتولى خدمته ، ومضت الايام فلم أشعر إلا برسول الرشيد
يقول : أجب أمير المؤمنين .
فنهضت ودخلت عليه وهو جالس وعن يمينه فراش وعن يساره فراش ، فسلمت
عليه فلم يرد غير أنه قال مافعلت بالوديعة ؟ فكأني لم أفهم ماقال فقال : مافعل
صاحبك ؟ فقلت : صالح ، فقال : امض إليه وادفع إليه ثلاثة آلاف درهم واصرفه إلى
منزله وأهله ، فقمت وهممت بالانصراف فقال لي : أتدري ماالسبب في ذلك وماهو ؟
قلت : لا ياأمير المؤمنين ، قال : نمت على الفراش الذي عن يميني فرأيت في منامي
قائلا يقول لي : ياهارون أطلق موسى بن جعفر فانتبهت فقلت : لعلها لما في نفسي منه
فقمت إلى هذا الفراش الآخر فرأيت ذلك الشخص بعينه وهو يقول : ياهارون
أمرتك أن تطلق موسى بن جعفر فلم تفعل ، فانتبهت وتعوذت من الشيطان ، ثم قمت
إلى هذا الفراش الذي أنا عليه وإذا بذلك الشخص بعينه وبيده حربة كأن أولها
بالمشرق وآخرها بالمغرب وقد أومأ إلي وهو يقول : والله ياهارون لئن لم تطلق
موسى بن جعفر لاضعن هذه الحربة في صدرك وأطلعها من ظهرك ، فأرسلت إليك
فامض فيما أمرتك به ولاتظهره إلى أحد فأقتلك فانظر لنفسك .
قال : فرجعت إلى منزلي وفتحت الحجرة ودخلت على موسى بن جعفر عليه السلام
فوجدته قد نام في سجوده فجلست حتى استيقظ ورفع رأسه وقال : ياأبا عبدالله افعل
ماامرت به ، فقلت له : يامولاي سألتك بالله وبحق جدك رسول الله هل دعوت الله
[246]
عزوجل في يومك هذا بالفرج ؟ فقال : أجل إني صليت المفروضة وسجدت و
غفوت في سجودي فرأيت رسول الله صلى الله عليه وآله فقال : ياموسى أتحب أت تطلق ؟ فقلت :
نعم يارسول الله صلى الله عليه وآله فقال : ادع بهذه الدعاء ( 1 ) ثم ذكر الدعاء فلقد دعوت به
ورسول الله يلقنيه حتى سمعتك ، فقلت : قد استجاب الله فيك ، ثم قلت له ماأمرني
به الرشيد وأعطيته ذلك ( 2 ) .
53 كا : علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن مسافر قال : أمر أبو
إبراهيم عليه السلام حين اخرج به أبا الحسن أن ينام على بابه في كل ليلة أبدا ماكان
حيا إلى أن يأتيه خبره .
قال : فكنا في كل ليلة نفرش لابي الحسن في الدهيلز ثم
يأتي بعد العشآء فينام ، فاذا أصبح انصرف إلى منزله ، قال : فمكث على هذه الحال
أربع سنين ، فلما كان ليلة من الليالي أبطأ عنا وفرش له فلم يأت كما كان يأتي
فاستوحش العيال وذعروا ودخلنا أمر عظيم من إبطائه .
فلما كان من الغد أتى الدار ودخل إلى العيال وقصد إلى ام أحمد فقال
لها : هاتي الذي أودعك أبي فصرخت ولطمت وجهها وشقت جيبها وقالت : مات
والله سيدي فكفها وقال لها : لاتكلمي بشئ ولا تظهريه حتى يجئ الخبر إلى
الوالي ، فأخرجت إليه سفطا وألفي دينار أو أربعة آلاف دينار فدفعت ذلك أجمع
إليه دون غيره .
وقالت : إنه قال لي فيما بيني وبينه وكانت أثيرة عنده احتفظي بهذه
الوديعة عندك لاتطلعي عليها أحدا حتى أموت ، فاذا مضيت فمن أتاك من ولدي
___________________________________________________________________
( 1 ) الدعاء المذكور هو " ياسابغ النعم ، يادافع النقم يابارى النسم ، يا مجلى
الهمم ، يامغشى الظلم ، ياكاشف الضر والالم ، ياذا الجود والكرم ، وياسامع كل صوت
ويامدك كل فوت ، ويامحيى العظام وهى رميم ومنشئها بعد الموت ، صل على محمد وآل
محمد واجعل لى من أمرى فرجا ومخرجا ياذا الجلال والاكرام " .
كما في مهج
الدعوات ص 247 .
( 2 ) مهج الدعوات ص 245 .
[247]
فطلبها منك فادفعيها إليه واعلمي أني قدمت ، وقد جائتني والله علامة سيدي .
فقبض ذلك منها وأمرهم بالامساك جميعا إلى أن ورد الخبر وانصرف
فلم يعد بشئ من المبيت كما كان يفعل ، فما لبثنا إلا أياما يسيرة حتى جائت
الخريطة بنعيه فعددنا الايام وتفقدنا الوقت ، فاذا هو قد مات في الوقت الذي فعل
أبوالحسن عليه السلام مافعل من تخلفه عن المبيت وقبضه لما قبض ( 1 ) .
54 كا : الحسين بن محمد ، عن المعلى ، عن محمد بن جمهور ، عن يونس ، عن
طلحة قال : قلت للرضا عليه السلام : إن الامام لايغسله إلا الامام ؟ فقال : أما تدرون
من حضر يغسله ، قد حضره خبر ممن غاب عنه ، الذين حضروا يوسف في الجب
حين غاب عنه أبواه وأهل بيته ( 2 ) .
بيان : ظاهرة تقية إما من المخالفين بقرينة الراوي ، أو من نواقص العقول
من الشيعة واباطنه حق ، إذ كان عليه السلام حاضرا وهو خير من غاب وحضرت
الملائكة أيضا .
55 كا : محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن صفوان قال : قلت للرضا
عليه السلام : أخبرني عن الامام متى يعلم أنه إمام ؟ حين يبلغه أن صاحبه قد مضى أو حين
يمضي ؟ مثل أبي الحسن عليه السلام قبض ببغداد وأنت ههنا ؟ قال : يعلم ذلك حين يمضي
صاحبه ، قلت : بأي شئ ؟ قال : يلهمه الله ( 3 ) .
56 عيون المعجزات : في كتاب الوصايا لابي الحسن علي بن محمد بن زياد
الصيمري وروي من جهات صحيحة أن السندي بن شاهك حضر بعد ما كان بين
-بحار الانوار مجلد: 44 من ص 247 سطر 19 الى ص 255 سطر 18
يديه السم في الرطب وأنه عليه السلام أكل منها عشر رطبات ، فقال له السندي : تزداد ؟
فقال عليه السلام له : حسبك قد بلغت مايحتاج إليه فيما امرت به ، ثم إنه أحضر القضاة
___________________________________________________________________
( 1 ) الكافى ج 1 ص 381 .
( 2 ) نفس المصدر ج 1 ص 385 .
( 3 ) المصدر السابق ج 1 ص 381 .
[248]
والعدول قبل وفاته بأيام وأخرجه إليهم وقال : إن الناس يقولون : إن أبا الحسن
موسى في ضنك وضر ، وها هو ذا لا علة به ولا مرض ولا ضر .
فالتفت عليه السلام فقال لهم : اشهدوا على أني مقتول بالسم ، منذ ثلاثة أيام
اشهدوا أني صحيح الظاهر لكني مسموم ، وسأحمر في آخر هذا اليوم حمرة شديدة
منكرة ، وأصفر غدا صفرة شديدة ، وأبيض بعد غد وأمضي إلى رحمة الله ورضوانه
فمضى عليه السلام كما قال في آخر اليوم الثالث في سنة ثلاث وثمانين ومائة من الهجرة
وكان سنه عليه السلام أربعا وخمسين سنة ، أقام منها مع أبي عبدالله عليه السلام عشرين سنة ، و
منفردا بالامامة أربعا وثلاثين سنة ( 1 ) .
57 عمدة الطالب : كان موسى الكاظم عليه السلام أسود اللون ، عظيم الفضل
رابط الجأش ، واسع العطاء ، وكان يضرب المثل بصرار موسى ، وكان أهله يقولون
عجبا لمن جاءته صرة موسى فشكا القلة ، قبض عليه موسى الهادي وحبسه فرأى
أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام في نومه يقول ياموسى " هل عسيتم إن توليتم
أن تفسدوا في الارض وتقطعوا أرحامكم " ( 2 ) فانتبه من نومه ، وقد عرف أنه
المراد ، فأمر باطلاقه ، ثم تنكر له من بعد ، فهلك قبل أن يوصل إلى الكاظم
عليه السلام أذى .
ولما ولي هارون الرشيد الخلافة أكرمه وعظمه ثم قبض عليه وحبسه عند
الفضل بن يحيى ، ثم أخرجه من عنده فسلمه إلى السندي بن شاهك ، ومضى الرشيد
إلى الشام فأمر يحيى بن خالد السندي بقتله ، فقيل : إنه سم ، وقيل : بل لف في
بساط وغمز حتى مات ، ثم اخرج للناس وعمل محضرا بأنه مات حتف أنفه و
تركه ثلاثة أيام على الطريق يأتي من يأتي فينظر إليه ثم يكتب في المحضر ( 3 ) .
___________________________________________________________________
( 1 ) عيون المعجزات ص 95 .
( 2 ) سورة محمد الاية : 22 .
( 3 ) عمدة الطالب ص 185 بتفاوت يسير .
طبعة النجف الاولى .
[249]
اقول : رأيت في بعض مؤلفات أصحابنا : روي أن الرشيد لعنه الله لما أراد
أن يقتل الامام موسى بن جعفر عليه السلام عرض قتله على سائر جنده وفرسانه فلم يقبله
أحد منهم ، فأرسل إلى عماله في بلاد الافرنج يقول لهم : التمسوا لي قوما لا
يعرفون الله ورسوله فإني اريد أن أستعين بهم على أمر ، فأرسلوا إليه قوما لا يعرفون
من الاسلام ولا من لغة العرب شيئا ، وكانوا خمسين رجلا ، فلما دخلوا إليه
أكرمهم وسألهم من ربكم ؟ ومن نبيكم ؟ فقالوا : لا نعرف لنا ربا ولا نبيا أبدا
فأدخلهم البيت الذي فيه الامام عليه السلام ليقتلوه ، والرشيد ينظر إليهم من روزنة
البيت ، فلما رأوه رموا أسلحتهم وارتعدت فرائصهم وخروا سجدا يبكون رحمة
له ، فجعل الامام يمر يده على رؤوسهم ويخاطبهم بلغتهم وهم يبكون ، فلما
رأى الرشيد خشي الفتنة وصاح بوزيره أخرجهم وهم يمشون القهقرى
إجلالا له ، وركبوا خيولهم ومضوا نحو بلادهم من غير استيذان .
85 كا : محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن البزنطي ، عن الرضا عليه السلام
قال في حديث طويل فلولا أن الله يدافع عن أوليائه وينتقم لاوليائه من أعدائه
أما رأيت ماصنع الله بآل برمك وما انتقم الله لابي الحسن عليه السلام ، وقد كان بنو
الاشعث على خطر عظيم فدفع الله عنهم بولايتهم لابي الحسن عليه السلام ( 1 ) .
بيان : جزاء الشرط في قوله " فلولا أن الله " محذوف أي لاستؤصلوا ونحوه .
___________________________________________________________________
( 1 ) لقد فحصنا عن الحديث في مظانه فلم نعثر عليه في الكافي ، ولعل القارئ
يعثر عليه .
[250]
1 غط : أما الذي يدل على فساد مذهب الواقفة الذين وقفوا في إمامة
أبي الحسن موسى عليه السلام وقالوا إنه المهدي فقولهم باطل بما ظهر من موته عليه السلام و
اشتهر واستفاض كما اشتهر موت أبيه وجده ومن تقدمه من آبائه عليهم السلام ولو
شككنا لم ننفصل من الناووسية والكيسانية والغلاة والمفوضة الذين خالفوا في
موت من تقدم من آبائه عليهم السلام على أن موته اشتهر مالم يشتهر موت أحد من آبائه
عليهم السلام لانه اظهر ، وأحضروا القضاة والشهود ونودي عليه ببغداد على الجسر
وقيل : هذا الذي تزعم الرافضة أنه حي لا يموت مات حتف أنفه ، وما جرى
هذا المجرى لا يمكن الخلاف فيه ( 1 ) .
اقول : ثم نقل الاخبار الدالة على وفاته عليه السلام على ما نقلنا عنه في باب
شهادته عليه السلام .
ثم قال : ( 2 ) فموته عليه السلام أشهر من أن يحتاج إلى ذكر الرواية به لان
المخالف في ذلك يدفع الضرورات ، والشك في ذلك يؤدي إلى الشك في موت كل
واحد من آبائه وغيرهم ، فلا يوثق بموت أحد ، على أن المشهور عنه عليه السلام أنه وصى
إلى ابنه علي بن موسى عليه السلام ، وأسند إليه أمره بعد موته ، والاخبار بذلك أكثر
___________________________________________________________________
( 1 ) غيبة الشيخ الطوسي ص 20 .
( 2 ) نفس المصدر ص 26 .