[ 71 ]

التعجب قال عليه السلام : اخبرك بما هو أعجب منه إن الامام يعلم منطق الطير ومنطق كل ذي روح خلقه الله وما يخفى على الامام شئ ( 1 ) .
95 يج : روي عن علي بن أبي حمزة قال : أخذ بيدي موسى بن جعفر عليه السلام يوما فخرجنا من المدينة إلى الصحراء فاذا نحن برجل مغربي على الطريق يبكي وبين يديه حمار ميت ، ورحله مطروح ، فقال له موسى عليه السلام : ماشأنك ؟ قال : كنت مع رفقائي نريد الحج فمات حماري ههنا وبقيت ومضى أصحابي وقد بقيت متحيرا ليس لي شئ أحمل عليه ، فقال موسى : لعله لم يمت قال : أما ترحمني حتى تلهو بي قال : إن عندي رقية ( 2 ) جيدة قال الرجل : ليس يكفيني ماأنا فيه حتى تستهزء بي ، فدنا موسى من الحمار ونطق بشئ لم أسمعه ، وأخذ قضيبا كان
-بحار الانوار مجلد: 44 من ص 71 سطر 10 الى ص 79 سطر 10 مطروحا فضربه وصاح عليه ، فوثب الحمار صحيحا سليما فقال : يا مغربي ترى ههنا شيئا من الاستهزاء ؟ الحق بأصحابك ، ومضينا وتركناه .
قال علي بن أبي حمزة : فكنت واقفا يوما على بئر زمزم بمكة فاذا المغربي هناك ، فلما رآني عدا إلي وقبل يدي فرحا مسرورا فقلت له : ماحال حمارك ؟ فقال : هو والله سليم صحيح وما أدري من أين ذلك الرجل الذي من الله به علي فأحيى لي حماري بعد موته ، فقلت له : قد بلغت حاجتك فلا تسأل عما لاتبلغ معرفته ( 3 ) .
96 يج : روي عن أبي خالد الزبالي قال : قدم أبوالحسن موسى عليه السلام زبالة ومعه جماعة من أصحاب المهدي بعثهم في إشخاصه إليه ، قال : وأمرني بشراء حوائج ونظر إلي وأنا مغموم ، فقال : يا أبا خالد مالي أراك مغموما ؟ قلت : هو ذا تصير إلى هذا الطاغية ولا آمنك منه قال : ليس علي منه بأس إذا كان يوم كذا فانتظرني في أول الميل .

___________________________________________________________________
( 1 ) الجرائح والخرائج ص 201 .
( 2 ) الرقية : بالضم العوذة والجمع رقى .
( 3 ) الخرائج والجرائح ص 201 .

[ 72 ]

قال : فما كانت لي همة إلا إحصاء الايام حتى إذا كان ذلك اليوم وافيت أول الميل فلم أرد أحدا حتى كادت الشمس تجب ( 1 ) فشككت ، ونظرت بعد إلى شخص قد أقبل فانتظرته فاذا هو أبوالحسن موسى عليه السلام على بغلة قد تقدم فنظر إلي فقال : لاتشكن ، فقلت : قد كان ذلك ، ثم قال : إن لي عودة ولا أتخلص منهم فكان كما قال .
97 عم : محمد بن جمهور ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي خالد مثله ( 2 ) .
98 يج : قال خالد بن نجيح : قلت لموسى عليه السلام : إن أصحابنا قدموا من الكوفة وذكروا أن المفضل شديد الوجع فادع الله له ، قال : قد استراح ، وكان هذا الكلام بعد موته بثلاثة أيام .
99 قب : بيان بن نافع التفليسي قال : خلفت والدي مع الحرم في الموسم وقصدت موسى بن جعفر عليه السلام فلما أن قربت منه هممت بالسلام عليه فأقبل علي بوجهه وقال : بر حجك باابن نافع آجرك الله في أبيك فانه قد قبضه إليه في هذه الساعة ، فارجع فخذ في جهازه فبقيت متحيرا عند قوله ، وقد كنت خلفته وما به علة فقال : ياابن نافع أفلا تؤمن ؟ فرجعت فاذا أنا بالجواري يلطمن خدودهن فقلت : ماوراكن ؟ قلن : أبوك فارق الدنيا ، قال ابن نافع : فجئت إليه أسأله عما أخفاه وأراني فقال : لي ابد ماأخفاه واراك ( 3 ) ثم قال : ياابن نافع إن كان في امنيتك كذا وكذا أن تسأل عنه فأنا جنب الله وكلمته الباقية وحجته البالغة .
أبوخالد الزبالي وأبويعقوب الزبالي ، قال كل واحد منهما : استقبلت أبا الحسن عليه السلام بالاجفر ( 4 ) في المقدمة الاولى على المهدي ، فلما خرج ودعته وبكيت ، فقال لي : مايبكيك ؟ قلت : حملك هؤلاء ولا أدري مايحدث ؟ قال : فقال

___________________________________________________________________
( 1 ) تجب : بمعنى تغيب فيقال وجبت الشمس اذا غابت .
( 2 ) اعلام الورى ص 295 .
( 3 ) كذا .
( 4 ) الاجفر : موضع بين فيدو الخزيمية بينه وبين فيد ستة وثلاثون فرسخا نحو مكة .

[ 73 ]

لي : لابأس علي منه في وجهي هذا ، ولا هو بصاحبي وإني لراجع إلى الحجاز ومار عليك في هذا الموضع راجعا فانتظرني في يوم كذا وكذا في وقت كذا فانك تلقاني راجعا ، قلت له : خير البشرى ، لقد خفته عليك قال : فلا تخف فترصدته ذلك الوقت في ذلك الموضع فاذا بالسواد قد أقبل ومناد ينادي من خلفي فأتيته فاذا هو أبوالحسن عليه السلام على بغلة له ، فقال لي : إيها أبا خالد ، قلت : لبيك ياابن رسول الله الحمد لله الذي خلصك من أيديهم ، فقال : أما إن لي عودة إليهم لاأتخلص من أيديهم ( 1 ) .
يعقوب السراج قال : دخلت على أبي عبدالله عليه السلام وهو واقف على رأس أبي الحسن وهو في المهد فجعل يساره طويلا ، فقال لي : ادن إلى مولاك ، فدنوت فسلمت عليه فرد علي السلام بلسان فصيح ، ثم قال : اذهب فغير اسم ابنتك التي سميتا أمس فانه اسم يبغضه الله ، وكانت ولدت لي ابنة فسميتها بفلانة ، فقال لي أبوعبدالله : انته إلى أمره ترشد فغيرت اسمها ( 2 ) .
بيان : في كا فسميتها بالحميراء .
100 قب : أبوعلي بن راشد وغيره في خبر طويل : انه اجتمعت عصابة الشيعة بنيسابور واختاروا محمد بن علي النيسابوري فدفعوا إليه ثلاثين ألف دينار وخمسين ألف درهم وشقة من الثياب ، وأتت شطيطة بدرهم صحيح وشقة خادم من غزل يدها تساوي أربعة دراهم فقالت : إن الله لايستحيي من الحق ، قال : فثنيت درهمها وجاؤا بجزء فيه مسائل ملء سبعين ورقة في كل ورقة مسألة وباقي الورق بياض على كل حزام خاتم ، وقالوا : ادفع إلى الامام ليلة وخذ منه في غد ، فان وجدت الجزء صحيح الخواتيم فاكسر منها خمسة وانظر هل أجاب عن المسائل ، فان لم تنكسر الخواتيم فهو الامام المستحق للمال فادفع إليه ، وإلا فرد إلينا أموالنا .

___________________________________________________________________
( 1 ) المناقب ج 3 ص 406 .
( 2 ) نفس المصدر ج 3 ص 407 .

[ 74 ]

فدخل على الافطح عبدالله بن جعفر وجربه وخرج عنه قائلا رب اهدني إلى سواء الصراط ، قال : فبينما أنا واقف إذا أنا بغلام يقول : أجب من تريد ، فأتى بي دار موسى بن جعفر فلما رآني قال لي لم تقنط ياأبا جعفر ؟ ولم تفزغ إلى اليهود والنصارى ؟ إلي فأنا حجة الله ووليه ، ألم يعرفك أبوحمزة على باب مسجد جدي ، وقد أجبتك عما في الجزء من المسائل بجميع ما تحتاج إليه منذ أمس ، فجئني به وبدرهم شطيطة الذي وزنه درهم ودانقان الذي في الكيس الذي فيه أربعمائة درهم للوازوري ( 1 ) ، والشقة التي في رزمة الاخوين البلخيين .
قال : فطار عقلي من مقاله ، وأتيت بما أمرني ووضعت ذلك قبله ، فأخذ درهم شطيطة وإزارها ، ثم استقبلني وقال : إن الله لايستحيي من الحق ياأبا جعفر أبلغ شطيطة سلامي وأعطها هذه الصرة وكانت أربعين درهما ثم قال : وأهديت لها شقة من أكفاني من قطن قريتنا صيدا قرية فاطمة عليها السلام وغزل اختي حليمة ابنة أبي عبدالله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام ، ثم قال : وقل لها ستعيشين تسعة عشر يوما من وصول أبي جعفر ووصول الشقة والدراهم ، فأنفقي على نفسك منها ستة عشر درهما ، واجعلي أربعة وعشرين صدقة عنك وما يلزم عنك ، وأنا أتولى الصلاة عليك ، فاذا رأيتني ياأبا جعفر فاكتم علي ، فانه أبقى لنفسك ، ثم قال : واردد الاموال إلى أصحابها ، وافكك هذه الخواتيم عن الجزء وانظر هل أجبناك عن المسائل أم لا من قبل أن تجيئنا بالجزء ؟ فوجدت الخواتيم صحيحة .
ففتحت منها واحدا من وسطها فوجدت فيه مكتوبا : مايقول العالم عليه السلام في رجل قال : نذرت لله لاعتقن كل مملوك كان في رقي قديما وكان له جماعة من العبيد ؟ الجواب بخطه : ليعتقن من كان في ملكه من قبل ستة أشهر ، والدليل على صحة ذلك قوله تعالى " والقمر قدرناه " ( 2 ) الآية والحديث من ليس له ستة أشهر .

___________________________________________________________________
( 1 ) كذا .
( 2 ) سورة يس ، الاية : 39 .

[ 75 ]

وفككت الختام الثاني فوجدت ماتحته : ما يقول العالم في رجل قال : والله لاتصدقن بمال كثير فما يتصدق ؟ الجواب تحته بخطه : إن كان الذي حلف من أرباب شياه فليتصدق بأربع وثمانين شاة وإن كان من أصحاب النعم فليتصدق بأربع وثمانين بعيرا ، وإن كان من أرباب الدراهم فليتصدق بأربع وثمانين درهما ، والدليل عليه قوله تعالى : " ولقد نصركم الله في مواطن كثيرة " ( 1 ) فعددت مواطن رسول الله صلى الله عليه وآله قبل نزول تلك الآية فكانت أربعة وثمانين موطنا .
فكسرت الختم الثالث فوجدت تحته مكتوبا : مايقول العالم في رجل نبش قبر ميت وقطع رأس الميت وأخذ الكفن ؟ الجواب بخطه : يقطع السارق لاخذ الكفن من وراء الحرز ، ويلزم مائة دينار لقطع رأس الميت لانا جعلناه بمنزلة الجنين في بطن امه قبل أن ينفخ فيه الروح فجعلنا في النطفة عشرين دينارا ، المسألة إلى آخرها .
فلما وافى خراسان وجد الذين رد عليهم أموالهم ارتدوا إلى الفطحية ، و شطيطة على الحق فبلغها سلامه وأعطاها صرته وشقته ، فعاشت كما قال عليه السلام فلما توفيت شطيطة جآء الامام على بعير له ، فلما فرغ من تجهيزها ركب بعيره وانثنى نحو البرية ، وقال : عرف أصحابك واقرأهم مني السلام وقل لهم : إني ومن يجري مجراي من الائمة لابد لنا من حضور جنائزكم في أي بلد كنتم ، فاتقوا الله في أنفسكم ( 2 ) .
علي بن أبي حمزة قال : كنا بمكة سنة من السنين فأصاب الناس تلك السنة صاعقة كبيرة حتى مات من ذلك خلق كثير ، فدخلت على أبي الحسن عليه السلام فقال مبتدئا من غير أن أسأله : يا علي ينبغي للغريق والمصعوق أن يتربص به ثلاثا إلى أن يجئ منه ريح يدل على موته ، قلت له : جعلت فداك كأنك تخبرني إذ دفن ناس كثير أحياء ؟ قال : نعم يا علي قد دفن ناس كثير أحياء ، ما ماتوا إلا في

___________________________________________________________________
( 1 ) سورة التوبة ، الاية : 25 .
( 2 ) المناقب ج 3 ص 409 .

[ 76 ]

قبورهم .
علي بن أبي حمزة قال : أرسلني أبوالحسن عليه السلام إلى رجل قدامه طبق يبيع بفلس فلس وقال : أعطه هذه الثمانية عشر درهما وقل له : يقول لك أبوالحسن : انتفع بهذه الدراهم فانها تكفيك حتى تموت ، فلما أعطيته بكى ، فقلت : وما يبكيك ؟ قال : ولم لا أبكي وقد نعيت إلي نفسي ، فقلت : وما عند الله خير مما أنت فيه فسكت ، وقال : من أنت يا عبدالله ؟ فقلت علي بن أبي حمزة قال : والله لهكذا قال لي سيدي و مولاي إني باعث إليك مع علي بن أبي حمزة برسالتي ، قال علي : فلبثت نحوا من عشرين ليلة ثم أتيت إليه وهو مريض فقلت : أوصني بما أحببت أنفذه من مالي قال : إذا أنا مت فزوج ابنتي من رجل دين ، ثم بع داري وادفع ثمنها إلى أبي الحسن ، واشهد لي بالغسل والدفن والصلاة ، قال : فلما دفنته زوجت ابنته من رجل مؤمن وبعت داره وأتيت بثمنها إلى أبي الحسن عليه السلام فزكاه وترحم عليه وقال : رد هذه الدراهم فادفعها إلى ابنته ( 1 ) .
علي بن أبي حمزة قال : أرسلني أبوالحسن عليه السلام إلى رجل من بني حنيفة و قال : إنك تجده في ميمنة المسجد ، ورفعت إليه كتابه فقرأه ثم قال : آتني يوم كذا وكذا حتى اعطيك جوابه فأتيته في اليوم الذي كان وعدني ، فأعطاني جواب الكتاب ، ثم لبثت شهرا فأتيته لاسلم عليه فقيل : إن الرجل قد مات ، فلما رجعت من قابل إلى مكة فلقيت أبا الحسن وأعطيته جواب كتابه فقال : رحمه الله ، فقال : ياعلي لم لم تشهد جنازته ؟ قلت : قد فاتت مني ( 2 ) .
شعيب العقرقوفي قال : بعثت مباركا مولاي إلى أبي الحسن عليه السلام ومعه مائتا دينار وكتبت معه كتابا فذكر لي مبارك أنه سأل عن أبي الحسن عليه السلام فقيل : قد خرج إلى مكة فقلت : لاسير بين مكة والمدينة بالليل ، إذا هاتف يهتف بي يا مبارك مولى شعيب العقرقوفي ، فقلت : من أنت يا عبدالله ؟ فقال : أنا معتب يقول لك

___________________________________________________________________
( 1 ) نفس المصدر ج 3 ص 411 .
( 2 ) المناقب ج 3 ص 412 .

[ 77 ]

أبوالحسن : هات الكتاب الذي معك وواف بالذي معك إلى منى ، فنزلت من محملي ودفعت إليه الكتاب ، وصرت إلى منى فادخلت عليه وصببت الدنانير التي معي قدامه فجر بعضها إليه ودفع بعضها بيده ، ثم قال لي : يا مبارك ادفع هذه الدنانير ؟ إلى شعيب وقل له : يقول لك أبوالحسن : ردها إلى موضعها الذي أخذتها منه فان صاحبها يحتاج إليها ، فخرجت من عنده وقدمت على سيدي وقلت ما قصة هذه الدنانير قال : إني طلبت من فاطمة خمسين دينارا لاتم بها هذه الدنانير فامتنعت علي و قالت : اريد أن أشتري بها قراح ( 1 ) فلان بن فلان فأخذتها منها سرا ولم ألتفت إلى كلامها ثم دعا شعيب بالميزان فوزنها فاذا هي خمسون دينارا ( 2 ) .
أبوخالد الزبالي قال : نزل أبوالحسن عليه السلام منزلنا في يوم شديد البرد في سنة مجدبة ، ونحن لا نقدر على عود نستوقد به ، فقال : ياأبا خالد ائتنا بحطب نستوقد به ، قلت : والله ماأعرف في هذا الموضع عودا واحدا ، فقال : كلا ياأبا خالد ترى هذا الفج ( 3 ) خذ فيه فانك تلقى أعرابيا معه حملان حطبا فاشترهما منه ولاتماكسه ، فركبت حماري وانطلقت نحو الفج الذي وصف لي فاذا أعرابي معه حملان حطبا فاشتريتهما منه وأتيته بهما ، فاستوقدوا منه يومهم ذلك ، وأتيته بطرف ( 4 ) ماعندنا فطعم منه ، ثم قال : ياأبا خالد انظر خفاف الغلمان ونعالهم فأصلحها حتى تقدم عليك في شهر كذا وكذا .
قال أبوخالد : فكتبت تاريخ ذلك اليوم ، فركبت حماري اليوم الموعود حتى جئت إلى لزق ميل ونزلت فيه فاذا أنا براكب يقبل نحو القطار فقصدت إليه فاذا يهتف بي ويقول : ياأبا خالد ، قلت : لبيك جعلت فداك قال : أتراك وفيناك بما وعدناك .

___________________________________________________________________
( 1 ) القراح : الارض لا ماء فيها ولا شجر ، جمع أقرحة .
( 2 ) المناقب ج 3 ص 412 .
( 3 ) الفج : الطريق الواسع الواضح بين جبلين ، جمع فجاج .
( 4 ) الطرف : الطائفة من الشئ ويجوز ان يكون المقصود الطرف بالضم جمع طرفة .

[ 78 ]

ثم قال : ياأبا خالد مافعلت بالقبتين اللتين كنا نزلنا فيهما ؟ فقلت : جعلت فداك قد هيأتهما لك ، وانطلقت معه حتى نزل في القبتين اللتين كان نزل فيهما ، ثم قال : ما حال خفاف الغلمان ونعالهم ؟ قلت : قد أصلحناها فأتيته بهما فقال : ياأبا خالد سلني حاجتك فقلت جعلت : فداك اخبرك بما كنت فيه كنت زيدي المذهب حتى قدمت علي وسألتني الحطب وذكرت مجيئك في يوم كذا ، فعلمت أنك الامام الذي فرض الله طاعته ، فقال : ياأبا خالد من مات لا يعرف إمامه مات ميتة جاهلية ، وحوسب بما عمل في الاسلام ( 1 ) .
في كتاب أمثال الصالحين قال شقيق البلخي : وجدت رجلا عند فيد يملا الاناء من الرمل ويشربه ، فتعجبت من ذلك واستسقيته فسقاني فوجدته سويقا وسكرا القصة وقد نظموها : سل شقيق البلخي عنه بما شاهد منه وما الذي كان أبصر قال : لما حججت عاينت شخصا ناحل الجسم شاحب اللون أسمر سائرا وحده وليس له زاد فما زلت دائبا أتفكر وتوهمت أنه يسأل الناس ولم أدر أنه الحج الاكبر ثم عاينته ونحن نزول دون فيد على الكثيب الاحمر يضع الرمل في الاناء ويشربه فناديته وعقلي محير اسقني شربة فلما سقاني منه عاينته سويقا وسكر فسألت الحجيج من يك هذا ؟ قيل هذا الامام موسى بن جعفر ( 2 ) علي بن أبي حمزة قال : كنت معتكفا في مسجد الكوفة إذ جآءني أبوجعفر الاحول بكتاب مختوم من أبي الحسن عليه السلام فقرأت كتابه ، فاذا فيه : إذا قرأت

___________________________________________________________________
( 1 ) المناقب ج 3 ص 413 .
( 2 ) نفس المصدر ج 3 ص 419 وشقيق البلخى هذا من الزهاد وقد ترجمه أبونعيم في الحلية ج 8 ص 59 71 وابن حجر في لسان الميزان ج 3 ص 151 .

[ 79 ]

كتابي الصغير الذي في جوف كتابي المختوم فاحرزه حتى أطلبه منك ، فأخذ علي الكتاب فأدخله بيت بزه ( 1 ) في صندوق مقفل في جوف قمطر في جوف حق ( 2 ) مقفل و , باب , البيت مقفل ، ومفاتيح هذه الاقفال في حجرته ، فاذا كان الليل فهي تحت رأسه وليس يدخل بيت البز غيره ، فلما حضر الموسم خرج إلى مكة وافدا بجميع ماكتب إليه من حوائجه .
فلما دخل عليه قال له العبد الصالح : ياعلي مافعل الكتاب الصغير الذي كتبت إليك فيه أن احتفظ به ؟ فحكيته قال : إذا نظرت إلى الكتاب أليس تعرفه ؟ قلت : بلى قال : فرفع مصلى تحته فاذا هو أخرجه إلي فقال : احتفظ به فلو تعلم مافيه لضاق صدرك قال : فرجعت إلى الكوفة والكتاب معي فأخرجته في دروز ( 3 ) جيبي عند إبطي ، فكان الكتاب حياة علي في حبيبه ، فلما مات علي قال محمد وحسن
-بحار الانوار مجلد: 44 من ص 79 سطر 11 الى ص 87 سطر 11 ابناه : فلم يكن لنا هم إلا الكتاب ففقدناه ، فعلمنا أن الكتاب قد صار إليه ( 4 ) .
بيان : القمطر ، بكسر القاف وفتح الميم وسكون الطاء : ما يصان فيه الكتب .
101 قب : ومن معجزاته مانظم قصيدة ابن الغار البغدادي : وله معجز القليب فسل عنه رواة الحديث بالنقل تخبر ولدى السجن حين أبدى إلى السجان قولا في السجن والامر مشهر ثم يوم الفصاد حتى أتى الآسى ( 5 ) إليه فرده وهو يذعر

___________________________________________________________________
( 1 ) البز : من الثياب أمتعة التاجر ، والمقصود أنه أدخله في بيت تحرز فيه الامتعة وتحفظ .
( 2 ) الحق : بالضم وعاء صغير من خشب ، ومنه حق الطيب ، جمع حقاق .
و ( 3 ) دروز : جمع درز وهو الارتفاع الذي يحصل في الثوب عند جمع طرفيه في الخياطة .
( 4 ) المناقب ج 3 ص 412 .
( 5 ) الاسى : الطبيب جمع أساة واساء .

[ 80 ]

ثم نادى آمنت بالله لا غير وأن الامام موسى بن جعفر واذكر الطائر الذي جآء بالصك إليه من الامام وبشر ولقد قدموا إليه طعاما فيه مستلمح أباه وأنكر وتجافى عنه وقال حرام أكل هذا فكيف يعرف منكر واذكر الفتيان أيضا ففيها فضله أذهل العقول وأبهر عند ذاك استقال من مذهب كان يوالي أصحابه وتغير ( 1 ) 102 كشف : عن محمد بن طلحة ( 2 ) قال : قال خشنام بن حاتم الاصم قال : قال لي أبي حاتم : قال لي شقيق البلخي : خرجت حاجا في سنة تسع وأربعين ومائة فنزلت القادسية ( 3 ) فبينا أنا أنظر إلى الناس في زينتهم وكثرتهم ، فنظرت إلى فتى حسن الوجه شديد السمرة ضعيف ، فوق ثيابه ثوب من صوف مشتمل بشملة في رجليه نعلان وقد جلس منفردا ، فقلت في نفسي : هذا الفتى من الصوفية يريد أن يكون كلا على الناس في طريقهم والله لامضين إليه ولاوبخنه ، فدنوت منه .
فلما رآني مقبلا قال : ياشقيق " اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم " ( 4 ) ثم تركني ، ومضى ، فقلت في نفسي إن هذا الامر عظيم قد تكلم بما في نفسي ونطق باسمي ، وما هذا إلا عبد صالح لالحقنه ولاسألنه أن يحللني فأسرعت في أثره فلم ألحقه وغاب من عيني ، فلما نزلنا واقصة ( 5 ) وإذا به يصلي وأعضاؤه تضطرب ودموعه تجري ، فقلت : هذا صاحبي أمضي إليه وأستحله .

___________________________________________________________________
( 1 ) المناقب ج 3 ص 421 .
( 2 ) مطالب السؤول ص 83 طبع ايران ملحقا بتذكرة الخواص .
( 3 ) القادسية : قرية قرب الكوفة ، من جهة البر ، بينها وبين الكوفة خمسة عشر فرسخا ، وبينها وبين العذيب أربعة أميال ، عندها كانت الوقعة العظمى بين المسلمين وفارس وتعرف اليوم بنفس الاسم قرب قضاء أبي ضخير في لواء الديوانية .
( 4 ) سورة الحجرات الاية : 12 .
( 5 ) واقصة : بكسر القاف ، والصاد المهملة ، موضعان ، منزل في طريق مكة بعد القرعاء نحو مكة ، وناء لبنى كعب ، وواقصة ايضا بارض اليمامة .