[ 81 ]

فصبرت حتى جلس ، وأقبلت نحوه فلما رآني مقبلا قال : ياشقيق اتل " وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى " ( 1 ) ثم تركني ومضى فقلت : إن هذا الفتى لمن الابدال ، لقد تكلم على سري مرتين ، فلما نزلنا زبالة ( 2 ) إذا بالفتى قائم على البئر وبيده ركوة ( 3 ) يريد أن يستقي ماءا فسقطت الركوة من يده في البئر وأنا أنظر إليه ، فرأيته قد رمق السماء وسمعته يقول : أنت ربي إذا ظمئت إلى الماء وقوتي إذا أردت الطعاما اللهم سيدي مالي غيرها فلا تعدمنيها ، قال شقيق : فوالله لقد رأيت البئر وقد ارتفع ماؤها فمد يده وأخذ الركوة وملؤها ماء ، فتوضأ وصلى أربع ركعات ، ثم مال إلى كثيب ( 4 ) رمل فجعل يقبض بيده ويطرحه في الركوة ويحركه ويشرب ، فأقبلت إليه وسلمت عليه فرد علي عليه السلام فقلت : أطعمني من فضل ماأنعم الله عليك ، فقال : ياشقيق لم تزل نعمة الله علينا ظاهرة وباطنة فأحسن ظنك بربك ، ثم ناولني الركوة فشربت منها فاذا هو سويق وسكر ، فوالله ماشربت قط ألذ منه ولا أطيب ريحا فشبعت ورويت ، وأقمت أياما لاأشتهي طعاما ولا شرابا .
ثم لم أره حتى دخلنا مكة ، فرأيته ليلة إلى جنب قبة الشراب في نصف الليل قائما يصلي بخشوع وأنين وبكآء ، فلم يزل كذلك حتى ذهب الليل ، فلما رأى الفجر جلس في مصلا يسبح ثم قام فصلى الغداة ، وطاف بالبيت اسبوعا وخرج فتبعته وإذا له غاشية وموال وهو على خلاف مارأيته في الطريق ، ودار به الناس من حوله يسلمون عليه ، فقلت لبعض من رأيته يقرب منه : من هذا الفتى ؟ فقال : هذا موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام ، فقلت : قد

___________________________________________________________________
( 1 ) سورة طه الاية : 82 .
( 2 ) زبالة : بضم اوله : موضع معروف بطريق مكة بين واقصة والثعلبية ، بها بركتان ( 3 ) الركوة : مثلثة ، اناء صغير من جلد يشرب فيه الماء جمع ركاء وركوات .
( 4 ) الكثيب : التل من الرمل جمع كثب وكثبان وأكثبة .

[ 82 ]

عجبت أن يكون هذه العجائب إلا لمثل هذا السيد ، ولقد نظم بعض المتقدمين واقعة شقيق معه في أبيات طويلة اقتصرت على ذكر بعضها فقال : سل شقيق البلخي عنه وما عاين منه وما الذي كان أبصر قال لما حججت عاينت شخصا شاحب اللون ناحل الجسم أسمر سائرا وحده وليس له زاد فمازلت دائما أتفكر وتوهمت أنه يسأل الناس ولم أدر أنه الحج الاكبر ثم عاينته ونحن نزول دون فيد على الكثيب الاحمر يضع الرمل في الاناء ويشربه فناديته وعقلي محير اسقني شربة فناولني منه فعاينته سويقا وسكر فسألت الحجيج من يك هذا ؟ قيل هذا الامام موسى بن جعفر ( 1 ) بيان : قال الفيروزآبادي : الغاشية السؤال يأتونك والزوار والاصدقاء ينتابونك ، وحديدة فوق موخرة الرحل وغشاء القلب والسرج والسيف وغيره ماتغشاه ( 2 ) .
وقال : شحب لونه كجمع ونصر وكرم وعنى شحوبا وشحوبة تغير من هزال أو جوع أو سفر ( 3 ) والنحول الهزال .
أقول : رأيت هذه القصة في أصل كتاب محمد بن طلحة مطالب السؤوال ( 4 ) وفي الفصول المهمة ( 5 ) وأوردها ابن شهر آشوب أيضا مع اختصار ، وقال صاحب كشف الغمة وصاحب الفصول المهمة : هذه الحكاية رواها جماعة من أهل التأليف رواها ابن الجوزي في كتابيه " إثارة العزم الساكن إلى أشرف الاماكن " و " كتاب صفة

___________________________________________________________________
( 1 ) كشف الغمة ج 3 ص 4 .
( 2 ) القاموس ج 4 ص 370 .
( 3 ) نفس المصدر ج 1 ص 85 .
( 4 ) مطالب السؤول ص 83 .
( 5 ) الفصول المهمة ص 219 .

[ 83 ]

الصفوة " ( 1 ) والحافظ عبد العزيز بن الاخضر الجنابذي في كتاب معالم العترة النبوية ، ورواها الرامهرمزي في كتاب كرامات الاولياء ( 2 ) .
أقول : وذكر محمد بن طلحة في مطالب السؤول ( 3 ) .
103 وروى في كشف الغمة عنه أيضا أنه قال : ولقد قرع سمعي ذكر واقعة عظيمة ذكرها بعض صدور العراق أثبتت لموسى عليه السلام أشرف منقبة ، وشهدت له بعلو مقامه عند الله تعالى وزلفى منزلته لديه ، وظهرت بها كرامته بعد وفاته ، ولا شك أن ظهور الكرامة بعد الموت أكبر منها دلالة حال الحياة : وهي أن من عظماء الخلفاء مجدهم الله تعالى من كان له نائب كبير الشأن في الدنيا من مماليكه الاعيان في ولاية عامة طالت فيها مدقه ، وكان ذا سطوة وجبروت فلما انتقل إلى الله تعالى : اقتضت رعاية الخليفة أن تقدم بدفنه في ضريح مجاور لضريح الامام موسى بن جعفر عليهما السلام بالمشهد المطهر ، وكان بالمشهد المطهر نقيب معروف مشهود له بالصلاح ، كثير التردد والملازمة للضريح والخدمة له ، قائم بوظائفها .
فذكر هذا النقيب أنه بعد دفن هذا المتوفى في ذلك القبر بات بالمشهد الشريف فرأى في منامه أن القبر قد انفتح والنار تشتعل فيه ، وقد انتشر منه دخان ورائحة قتار ذلك المدفون فيه إلى أن ملات المشهد ، وأن الامام موسى عليه السلام واقف ، فصاح لهذا النقيب باسمه وقال له : تقول للخليفة يافلان وسماه باسمه لقد آذيتني بمجاورة هذا الظالم وقال كلاما خشنا .

___________________________________________________________________
( 1 ) صفة الصفوة ج 2 ص 104 .
( 2 ) جامع كرامات الاولياء ج 2 ص 229 ، وأخرج قصة شقيق البلخى مع الامام موسى " ع " غير من ذكر في المتن جمع كثير من الفريقين منهم الفرغولى في جوهرة الكلام ص 140 والاسحاقي في أخبار الدول والبدخشى في مفتاح النجا في مناقب آل العبا " مخطوط " والشبلنجى في نور الابصار ص 135 كما وردت في مختار صفة الصفوة ص 153 وهؤلاء من اعلام العامة ، وأما الخاصة فهم كثير .
( 3 ) مطالب السؤول 84 .

[ 84 ]

فاستيقظ ذلك النقيب وهو يرعد فرقا وخوفا ولم يلبث أن كتب ورقة وسيرها منهيا فيها صورة الواقعة بتفصيلها ، فلما جن الليل جاء الخليفة إلى المشهد المطهر بنفسه واستدعى النقيب ودخلوا الضريح وأمر بكشف ذلك القبر ونقل ذلك المدفون إلى موضع آخر خارج المشهد ، فلما كشفوه وجدوا فيه رماد الحريق ولم يجدوا للميت أثرا ( 1 ) .
توضيح : القتار بالضم ريح القدر والشواء والعظم المحرق .
104 عيون المعجزات : عن محمد بن الفضل عن داود الرقي قال : قلت لابي عبدالله عليه السلام : حدثني عن أعداء أمير المؤمنين وأهل بيت النبوة ، فقال : الحديث أحب إليك أم المعاينة ؟ قلت : المعاينة ، فقال لابي إبراهيم موسى عليه السلام : ائتني بالقضيب فمضى وأحضره إياه ، فقال له : ياموسى اضرب به الارض وأرهم أعداء أمير المؤمنين عليه السلام وأعداءنا ، فضرب به الارض ضربة فانشقت الارض عن بحر أسود ، ثم ضرب البحر بالقضيب فانفلق عن صخرة سوداء ، فضرب الصخرة فانفتح منها باب ، فاذا بالقوم جميعا لا يحصون لكثرتهم ووجوههم مسودة وأعينهم زرق ، كل واحد منهم مصفد مشدود في جانب من الصخرة ، وهم ينادون يامحمد والزبانية تضرب وجوههم ويقولون لهم : كذبتم ليس محمد لكم ولا أنتم له .
فقلت له : جعلت فداك من هؤلاء ؟ فقال : الجبت والطاغوت والرجس واللعين ابن اللعين ، ولم يزل يعددهم كلهم من أولهم إلى آخرهم حتى أتى على أصحاب السقيفة ، وأصحاب الفتنة ، وبني الازرق والاوزاع وبني امية جدد الله عليهم العذاب بكرة وأصيلا .
ثم قال عليه السلام للصخرة : انطبقي عليهم إلى الوقت المعلوم ( 2 ) .
بيان : يمكن أن يكون أصحاب الفتنة إشارة إلى طلحة والزبير وأصحابهما

___________________________________________________________________
( 1 ) كشف الغمة ج 3 ص 7 .
( 2 ) عيون المعجزات ص 86 .

[ 85 ]

وبنو الازرق الروم ولا يبعد أن يكون إشارة إلى معاوية وأصحابه وبنو زريق حي من الانصار والاوزاع الجماعات المختلفة .
105 ومن الكتاب المذكور : عن محمد بن علي الصوفي قال : استأذن إبراهيم الجمال رضي الله عنه على أبي الحسن علي بن يقطين الوزير فحجبه ، فحج علي بن يقطين في تلك السنة فاستأذن بالمدينة على مولانا موسى بن جعفر فحجبه ، فرآه ثاني يومه فقال علي بن يقطين : ياسيدي ماذنبي ؟ فقال : حجبتك لانك حجبت أخاك إبراهيم الجمال وقد أبى الله أن يشكر سعيك أو يغفر لك إبراهيم الجمال ، فقلت : سيدي ومولاي من لي باب راهيم الجمال في هذا الوقت وأنا بالمدينة وهو بالكوفة ؟ فقال : إذا كان الليل فامض إلى البقيع وحدك من غير أن يعلم بك أحد من أصحابك و غلمانك واركب نجيبا هناك مسرجا قال : فوا في البقيع وركب النجيب ولم يلبث أن أناخه على باب إبراهيم الجمال بالكوفة فقرع ال باب وقال : أنا علي بن يقطين .
فقال إبراهيم الجمال من دار الدار : وما يعمل علي بن يقطين الوزير ببابي ؟ ! فقال علي بن يقطين : ياهذا إن أمري عظيم وآلى عليه أن يأذن له ، فلما دخل قال : ياإبراهيم إن المولى عليه السلام أبى أن يقبلني أو تغفر لي ، فقال : يغفر الله لك فآلى علي بن يقطين على إبراهيم الجمال أن يطأ خده فامتنع إبراهيم من ذلك فآلى عليه ثانيا ففعل ، فلم يزل إبراهيم يطأ خده وعلي بن يقطين يقول : اللهم اشهد ، ثم انصرف وركب النجيب وأناخه من ليلته بباب المولى موسى بن جعفر عليه السلام بالمدينة فأذن له ودخل عليه فقبله ( 1 ) .
106 كا : أحمد بن مهران ، وعلي بن إبراهيم جميعا ، عن محمد بن علي عن الحسن بن راشد ، عن يعقوب بن جعفر بن إبراهيم قال : كنت عند أبي الحسن موسى عليه السلام إذ أتاه رجل نصراني ونحن معه بالعريض ، فقال له النصراني : إني أتيتك من بلد بعيد وسفر شاق وسألت ربي منذ ثلاثين سنة أن يرشدني إلى خير الاديان وإلى خير العباد وأعلمهم ، وأتاني آت في النوم فوصف لي رجلا بعليا دمشق

___________________________________________________________________
( 1 ) نفس المصدر ص 90 .

[ 86 ]

فانطلقت حتى أتيته فكلمته فقال : أنا أعلم أهل ديني وغيري أعلم مني .
فقلت : أرشدني إلى من هو أعلم منك فاني لاأستعظم السفر ولا تبعد علي الشقة ، ولقد قرأت الانجيل كلها ومزامير داود ، وقرأت أربعة أسفار من التوراة وقرأت ظاهر القرآن حتى استوعبته كله ، فقال لي العالم : إن كنت تريد علم النصرانية فأنا أعلم العرب والعجم بها ، وإن كنت تريد علم اليهود فباطي بن شراحيل السامري أعلم الناس بها اليوم ، وإن كنت تريد علم الاسلام وعلم التوراة وعلم الانجيل والزبور وكتاب هود وكلما انزل على نبي من الانبياء في دهرك ودهر غيرك ، وما نزل من السماء من خير فعلمه أحد أو لم يعلم به أحد فيه تبيان كل شئ وشفاء للعالمين ، وروح لمن استروح إليه ، وبصيرة لمن أراد الله به خيرا وأنس إلى الحق فأرشدك إليه ، فائته ولو ماشيا على رجليك ، فان لم تقدر فحبوا على ركبتيك ، فان لم تقدر فزحفا على استك ، فان لم تقدر فعلى وجهك .
فقلت : لا بل أنا أقدر على المسير في البدن والمال ، قال : فانطلق من فورك حتى تأتي يثرب ، فقلت : لا أعرف يثرب ، فقال : فانطلق حتى تأتي مدينة النبي الذي بعث في العرب ، وهو النبي العربي الهاشمي فاذا دخلتها فسل عن بني غنم بن مالك بن النجار ، وهو عند باب مسجدها وأظهر بزة النصرانية وحليتها ، فان واليها يتشدد عليهم والخليفة أشد ، ثم تسأل عن بني عمرو بن مبذول ، وهو ببقيع الزبير ثم تسأل عن موسى بن جعفر وأين منزله وأين هو مسافر أم حاضر ، فان كان مسافرا فالحقه فان سفره أقرب مما ضربت إليه ، ثم أعلمه أن مطران عليا الغوطة .
غوطة دمشق هو الذي أرشدني إليك ، وهو يقرئك السلام كثيرا ويقول لك : إني لاكثر مناجات ربي أن يجعل إسلامي على يديك .
فقص هذه القصة وهو قائم معتمد على عصاه ، ثم قال : إن أذنت لي ياسيدي كفرت لك وجلست فقال : آذن لك أن تجلس ولا آذن لك أن تكفر ، فجلس ثم

[ 87 ]

ألقى عنه برنسه ، ثم قال : جعلت فداك تأذن لي في الكلام ؟ قال : نعم ماجئت إلا له .
فقال له النصراني : اردد على صاحبي السلام أو ما ترد السلام ؟ فقال أبو الحسن عليه السلام : على صاحبك أن هداه الله ، فأما التسليم فذاك إذا صار في ديننا .
فقال النصراني : إني أسألك أصلحك الله ؟ قال : سل ، قال : أخبرني عن كتاب الله الذي انزل على محمد ونطق به ثم وصفه بما وصفه به فقال " حم والكتاب المبين إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين ، فيها يفرق كل أمر حكيم " ( 1 ) ماتفسيرها في الباطن ؟ فقال : أما حم فهو محمد صلى الله عليه وآله وهو في كتاب هود الذي أنزل عليه وهو منقوص الحروف ، وأما الكتاب المبين فهو أمير المؤمنين علي عليه السلام وأما الليلة ففاطمة صلوات الله عليها وأما قوله : فيها يفرق كل أمر حكيم يقول : يخرج منها خير كثير
-بحار الانوار مجلد: 44 من ص 87 سطر 12 الى ص 95 سطر 12 فرجل حكيم ورجل حكيم ورجل حكيم .
فقال الرجل : صف لي الاول والآخر من هؤلآء الرجال ، قال : إن الصفات تشتبه ، ولكن الثالث من القوم أصف لك ما يخرج من نسله ، وإنه عندكم لفي الكتب التي نزلت عليكم إن لم تغيروا وتحرفوا وتكفروا ، وقديما مافعلتم .
فقال له النصراني : إني لاأستر عنك ماعلمت ولا أكذبك وأنت تعلم ما أقول وكذبه والله لقد أعطاك الله من فضله ، وقسم عليك من نعمه مالايخطره الخاطرون ، ولا يستره الساترون ، ولا يكذب فيه من كذب ، فقولي لك في ذلك الحق كلما ذكرت فهو كما ذكرت .
فقال له أبوإبراهيم عليه السلام أعجلك أيضاك خبرا لا يعرفه إلا قليل ممن قرأ الكتب أخبرني مااسم ام مريم ، وأي يوم نفخت فيه مريم ؟ ولكم من ساعة من النهار ؟ وأي يوم وضعت مريم فيه عيسى عليه السلام ؟ ولكم من ساعة من النهار ؟ فقال النصراني : لا أدري .

___________________________________________________________________
( 1 ) سورة الدخان الاية : 1 .

[ 88 ]

فقال أبوإبراهيم عليه السلام : أما ام مريم فاسمها مرثا وهي وهيبة بالعربية ، وأما اليوم الذي حملت فيه مريم فهو يوم الجمعة للزوال ، وهو اليوم الذي هبط فيه الروح الامين وليس للمسلمين عيد كان أولى منه عظمه الله تبارك وتعالى ، وعظمه محمد صلى الله عليه وآله فأمر أن يجعله عيدا فهو يوم الجمعة ، وأما يوم الذي ولدت فيه مريم فهو يوم الثلاثا لاربع ساعات ونصف من النهار ، والنهر الذي ولدت عليه مريم عيسى عليه السلام هل تعرفه ؟ قال : لا ، قال : هو الفرات ، وعليه شجر النخل والكرم وليس يساوي بالفرات شئ للكروم والنخيل .
فأما اليوم الذي حجبت فيه لسانها ونادى قيدوس ولده وأشياعه فأعانوه و أخرجوا آل عمران لينظروا إلى مريم فقالوا لها ما قص الله عليك في كتابه وعلينا في كتابه فهل فهمته ؟ فقال : نعم وقرأته اليوم الاحدث قال إذا لا تقوم من مجلسك حتى يهديك الله .
قال النصراني : ماكان اسم امي بالسريانية وبالعربية ؟ فقال : كان اسم امك بالسريانية عنقالية ، وعنقورة كان اسم جدتك لابيك ، وأما اسم امك بالعربية فهومية ، وأما اسم أبيك فعبد المسيحد وهو عبدالله بالعربية ، وليس للمسيح عبد قال : صدقت وبررت فما كان اسم جدي ؟ قال : كان اسم جدك جبرئيل ، وهو عبدالرحمن سميته في مجلسي هذا ، قال : أما إنه كان مسلما .
قال ابوإبراهيم : نعم وقتل شهيدا دخلت عليه أجناد فقتلوه في منزله غيلة و الاجناد من أهل الشام .
قال : فما كان اسمي قبل كنيتي ؟ قال : كان اسمك عبد الصليب ، قال : فما تسميني ؟ قال : اسميك عبدالله ، قال : فاني آمنت بالله العظيم وشهدت أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له فردا صمدا ، ليس كما يصفه النصارى ، وليس كما يصفه اليهود ولا جنس من أجناس الشرك ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله بالحق فأبان به لاهله وعمي المبطلون ، وأنه كان رسول الله صلى الله عليه وآله إلى الناس كافة إلى الاحمر والاسود كل فيه مشترك فأبصر من أبصر ، واهتدى من اهتدى ، وعمي

[ 89 ]

المبطلون وضل عنهم ما كانوا يدعون ، وأشهد أن وليه نطق بحكمته وأن من كان قبله من الانبياء نطقوا بالحكمة البالغة ، وتوازروا على الطاعة لله ، وفارقوا الباطل وأهله ، والرجس وأهله ، وهجروا سبيل الضلالة ، ونصرهم الله بالطاعة له وعصمهم من المعصية ، فهم لله أولياء ، وللدين أنصار ، يحثون على الخير ، ويأمرون به آمنت بالصغير منهم والكبير ، ومن ذكرت منهم ومن لم أذكر ، وآمنت بالله تبارك وتعالى رب العالمين .
ثم قطع زناره وقطع صليبا كان في عنقه من ذهب ، ثم قال : مرني حتى أضع صدقتي حيث تأمرني فقال عليه السلام : ههنا أخ لك كان على مثل دينك ، وهو رجل من قومك من قيس بن ثعلبة ، وهو في نعمة كنعمتك فتواسيا وتجاورا ، ولست أدع أن اورد عليكما حقكما في الاسلام ، فقال : والله أصلحك الله إني لغني ولقد تركت ثلاثمائة طروق بين فرس وفرسة ، وتركت ألف بعير فحقك فيها أوفر من حقي فقال له : أنت مولى الله ورسوله وأنت في حد نسبك على حالك ، فحسن إسلامه وتزوج امرأة من بني فهر وأصدقها أبوإبراهيم خمسين دينارا من صدقة علي بن أبي طالب عليه السلام وأخدمه وبوأه وأقام حتى اخرج أبوإبراهيم عليه السلام فمات بعد مخرجه بثمان و عشرين ليلة ( 1 ) .
بيان : العريض : كزبير واد بالمدينة ، وعليا دمشق بالضم والمد : أعلاها والشقة : السفر الطويل ، والسامرة : قوم من اليهود يخالفونهم في بعض أحكامهم فعلمه أحد أي غير الامام ، أو لم يعلم به أحد غيره ، ويحتمل التعميم بناءا على ما يلقى إلى الامام من العلوم الدائبة .
قوله : فيه تبيان كل شئ الضمير راجع إلى الامام ويحتمل رجوعه إلى ما نزل ، والروح : بالفتح الرحمة ، والاسترواح طلب الروح ، وتعديته بالى بتضمين معنى التوجه والاصغاء ، والحبو : المشي باليدين والرجلين ، والزحف : الانسحاب على الاست ، فعلى وجهك أي بأن تجر نفسك على الارض مكبوبا على وجهك ، و

___________________________________________________________________
( 1 ) الكافى ج 1 ص 478 .

[ 90 ]

" هو " كأن الضمير راجع إلى مصدر تسأل ، والبزة : بالكسر الهيئة ، والحلية بالكسر الصفة ، وضمير عليهم راجع إلى من يبعثه لطلبه وشيعته ، مما ضربت أي سافرت من بلدك إليه .
ومطران النصارى : بالفتح وقد تكسر لقب للكبير والهيم منهم ، والغوطة : بالضم مدينة دمشق أو كورتها ، والتكفير : أن يخضع الانسان لغيره ، كما يكفر العلج للدهاقين يضع يده على صدره ويتطأطأ له ، وكان إلقاء البرنس للتعظيم كما هو دأبهم اليوم ، أو ما ترد : الترديد من الراوي ، والهمزة للاستفهام الانكاري ، والواو للعطف ، وكأنه أظهر ، على صاحبك أن هداه الله ، الظاهر كون أن بالفتح أي ترد أو ندعو على صاحبك أن يهديه الله إلى الاسلام ، ويمكن أن يقرأ بالكسر أي نسلم عليه بشرط الهداية لا مطلقا أو بعدها لا في الحال ، ثم وصفه أي الرب تعالى الكتاب بما وصفه به من كونه مبينا ، وكونه منزلا في ليلة مباركة ، وهو في كتاب هود أي اسمه فيه كذلك ، وهو منقوص الحروف أي نقص منه حرفان الميم الاول والدال وأما التعبير عن فاطمة عليها السلام بالليلة فباعتبار عفافها ومستوريتها عن الخلائق صورة ورتبة .
يخرج منها : بلا واسطة وبها خير : بالتخفيف أو بالتشديد .
أقول : هذا بطن الآية لدلالة الظهر عليه بالالتزام ، إذ نزول القرآن في ليلة القدر إنما هو لهداية الخلق وإرشادهم إلى شرايع الدين وإقامتهم على الحق إلى انقضاء الدنيا ، ولا يتأتى ذلك إلا بوجود إمام في كل عصر يعلم جميع مايحتاج إليه الخلق ، وتحقق ذلك بنصب أمير المؤمنين عليه السلام وجعله مخزنا لعلم القرآن لفظا و معنى ، وظهرا وبطنا ، ليصير مصداقا للكتاب المبين ، ومزاوجته مع سيدة النساء ليخرج منهما الائمة الهادون إلى يوم الدين ، فظهر أن الظهر والبطن متطابقان ومتلازمان .
صف لي : كأن مراده التوصيف بالشمائل ، فان الصفات تشتبه : أي تتشابه لاتكاد تنتهي إلى شئ تسكن إليه النفس ، مايخرج من نسله أي القائم أو الجميع ، واستعمل مافي موضع من ، وقديما ظرف لفعلتم ، ، وما للابهام في صدق