back page fehrest page next page

[93]

لو عرف بالرجل الدين كاملا لم يجز له مساكنة أهل الجهل و الخوف عليهم لأنه لا يؤمن أن يقع منه ترك العلم و الدخول مع أهل الجهل و التمادي في ذلك و حرم ما أهل به لغير الله للذي أوجب الله عز و جل على خلقه من الإقرار به و ذكر اسمه على الذبائح المحللة و لئلا يسوى بين ما تقرب به إليه و بين ما جعل عبادة للشياطين و الأوثان لأن في تسمية الله عز و جل الإقرار بربوبيته و توحيده و ما في الإهلال لغير الله من الشرك به و التقرب به إلى غيره ليكون ذكر الله و تسميته على الذبيحة فرقا بين ما أحل الله و بين ما حرم الله و حرم سباع الطير و الوحش كلها لأكلها من الجيف و لحوم الناس و العذرة و ما أشبه ذلك فجعل الله عز و جل دلائل ما أحل من الوحش و الطير و ما حرم كما قال أبي (ع) كل ذي ناب من السباع و ذي مخلب من الطير حرام و كل ما كانت له قانصة من الطير فحلال و علة أخرى يفرق بين ما أحل من الطير و ما حرم قوله (ع) كل ما دف و لا تأكل ما صف و حرم الأرنب لأنها بمنزلة السنور و لها مخاليب كمخاليب السنور و سباع الوحش فجرت مجراها مع قذرها في نفسها و ما يكون منها من الدم كما يكون من النساء لأنها مسخ و علة تحريم الربا إنما نهى الله عنه لما فيه من فساد الأموال لأن الإنسان إذا اشترى الدرهم بالدرهمين كان ثمن الدرهم درهما و ثمن الآخر باطلا فبيع الربا وكس .

[94]

على كل حال على المشتري و على البائع فحرم الله تبارك و تعالى الربا لعلة فساد الأموال كما حظر على السفيه أن يدفع ماله إليه لما يتخوف عليه من إفساده حتى يؤنس منه رشده فلهذه العلة حرم الله الربا و بيع الدرهم بالدرهمين يدا بيد و علة تحريم الربا بعد البينة لما فيه من الاستخفاف بالحرام المحرم و هي كبيرة بعد البيان و تحريم الله تعالى لها و لم يكن ذلك منه إلا استخفاف بالتحريم للحرام و الاستخفاف بذلك دخول في الكفر و علة تحريم الربا بالنسية لعلة ذهاب المعروف و تلف الأموال و رغبة الناس في الربح و تركهم القرض و الفرض و صنائع المعروف و لما في ذلك من الفساد و الظلم و فناء الأموال و حرم الخنزير لأنه مشوه جعله الله عز و جل عظة للخلق و عبرة و تخويفا و دليلا على ما مسخ على خلقته و لأن غذاءه أقذر الأقذار مع علل كثيرة و كذلك حرم القرد لأنه مسخ مثل الخنزير و جعل عظة و عبرة للخلق و دليلا على ما مسخ على خلقته و صورته و جعل فيه شبها من الإنسان ليدل على أنه من الخلق المغضوب عليهم و حرمت الميتة لما فيها من فساد الأبدان و الآفة و لما أراد الله عز و جل أن يجعل تسميته سببا للتحليل و فرقا بين الحلال و الحرام و حرم الله عز و جل الدم كتحريم الميتة لما فيه من فساد الأبدان و لأنه يورث الماء الأصفر و يبخر الفم و ينتن الريح و يسي‏ء الخلق و يورث القسوة للقلب و قلة الرأفة و الرحمة حتى لا يؤمن أن يقتل والده و صاحبه و حرم الطحال لما فيه من الدم و لأن علته و علة الدم و الميتة واحدة لأنه يجري مجراها في الفساد و علة المهر و وجوبه على الرجال و لا يجب على النساء أن يعطين أزواجهن لأن للرجل مئونة المرأة و لأن المرأة بائعة نفسها و الرجل مشتر و لا يكون البيع

[95]

إلا بثمن و لا الشراء بغير إعطاء الثمن مع أن النساء محظورات عن التعامل و المتجر مع علل كثيرة و علة التزويج للرجل أربعة نسوة و تحريم أن تتزوج المرأة أكثر من واحد لأن الرجل إذا تزوج أربع نسوة كان الولد منسوبا إليه و المرأة لو كان لها زوجان و أكثر من ذلك لم يعرف الولد لمن هو إذ هم مشتركون في نكاحها و في ذلك فساد الأنساب و المواريث و المعارف و علة التزويج العبد اثنتين لا أكثر منه لأنه نصف رجل حر في الطلاق و النكاح لا يملك نفسه و لا له مال إنما ينفق مولاه عليه و ليكون ذلك فرقا بينه و بين الحر و ليكون أقل لاشتغاله عن خدمة مواليه و علة الطلاق ثلاثا لما فيه من المهلة فيما بين الواحدة إلى الثلاث لرغبة تحدث أو سكون غضبه إن كان و ليكون ذلك تخويفا و تأديبا للنساء و زجرا لهن عن معصية أزواجهن فاستحقت المرأة الفرقة و المباينة لدخولها فيما لا ينبغي من معصية زوجها و علة ترحيم المرأة بعد تسع تطليقات فلا تحل له أبدا عقوبة لئلا يتلاعب بالطلاق و لا يستضعف المرأة و ليكون ناظرا في أموره متيقظا معتبرا و ليكون يأسا لهما من الاجتماع بعد تسع تطليقات و علة طلاق المملوك اثنتين لأن طلاق الأمة على النصف فجعله اثنتين احتياطا لكمال الفرائض و كذلك في الفرق في العدة للمتوفى عنها زوجها و علة ترك شهادة النساء في الطلاق و الهلال لضعفهن عن الرؤية و محاباتهن في النساء الطلاق فلذلك لا يجوز شهادتهن إلا في موضع ضرورة مثل شهادة القابلة و ما لا يجوز للرجال أن ينظروا إليه كضرورة تجويز شهادة أهل الكتاب إذا لم يوجد غيرهم و في كتاب الله عز و جل اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ مسلمين أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ كافرين و مثل شهادة الصبيان على القتل إذا لم يوجد غيرهم .

[96]

و العلة في شهادة أربعة في الزناء و اثنين في سائر الحقوق لشدة حد المحصن لأن فيه القتل فجعلت الشهادة فيه مضاعفة مغلظة لما فيه من قتل نفسه و ذهاب نسب ولده و لفساد الميراث و علة تحليل مال الولد لوالده بغير إذنه و ليس ذلك للولد لأن الولد مولود للوالد في قول الله عز و جل يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وَ يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ مع أنه المأخوذ بمؤنته صغيرا أو كبيرا و المنسوب إليه أو المدعو له لقول الله عز و جل ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ و قول النبي (ص) أنت و مالك لأبيك و ليس للوالدة كذلك لا تأخذ من ماله إلا بإذنه أو بإذن الأب لأن الأب مأخوذ بنفقة الولد و لا تؤخذ المرأة بنفقة ولدها و العلة في أن البينة في جميع الحقوق على المدعي و اليمين على المدعى عليه ما خلا الدم لأن المدعى عليه جاحد و لا يمكنه إقامة البينة على الجحود و لأنه مجهول و صارت البينة في الدم على المدعى عليه و اليمين على المدعي لأنه حوط يحتاط به المسلمون لئلا يبطل دم امرئ مسلم و ليكون ذلك زاجرا و ناهيا للقاتل لشدة إقامة البينة عليه لأن من يشهد على أنه لم يفعل قليل و أما علة القسامة أن جعلت خمسين رجلا فلما في ذلك من التغليظ و التشديد و الاحتياط لئلا يهدر دم امرئ مسلم و علة قطع اليمين من السارق لأنه يباشر الأشياء بيمينه و هي أفضل أعضائه و أنفعها له فجعل قطعها نكالا و عبرة للخلق لئلا يبتغوا أخذ الأموال من غير حلها و لأنه أكثر ما يباشر السرقة بيمينه و حرم غصب الأموال و أخذها من غير حلها لما فيه من أنواع الفساد و الفساد محرم لما فيه من الفناء و غير ذلك من وجوه الفساد

[97]

و حرمة السرقة لما فيه من فساد الأموال و قتل الأنفس لو كانت مباحة و لما يأتي في التغاصب من القتل و التنازع و التحاسد و ما يدعو إلى ترك التجارات و الصناعات في المكاسب و اقتناء الأموال إذا كان الشي‏ء المقتنى لا يكون أحد أحق به من أحد و علة ضرب الزاني على جسده بأشد الضرب لمباشرته الزناء و استلذاذ الجسد كله به فجعل الضرب عقوبة له و عبرة لغيره و هو أعظم الجنايات و علة ضرب القاذف و شارب الخمر ثمانين جلدة لأن في القذف نفي الولد و قطع النفس و ذهاب النسب و كذلك شارب الخمر لأنه إذا شرب هذى و إذا هذى افترى فوجب عليه حد المفتري و علة القتل بعد إقامة الحد في الثالثة على الزاني و الزانية لاستحقاقهما و قلة مبالاتهما بالضرب حتى كأنهما مطلق لهما ذلك الشي‏ء و علة أخرى أن المستخف بالله و بالحد كافر فوجب عليه القتل لدخوله في الكفر و علة تحريم الذكران للذكران و الإناث بالإناث لما ركب في الإناث و ما طبع عليه الذكران و لما في إتيان الذكران الذكران و الإناث الإناث من انقطاع النسل و فساد التدبير و خراب الدنيا و أحل الله تبارك و تعالى لحوم البقر و الغنم و الإبل لكثرتها و إمكان وجودها و تحليل بقر الوحش و غيرها من أصناف ما يؤكل من الوحش المحللة لأن غذاءها غير مكروه و لا محرم و لا هي مضرة بعضها ببعض و لا مضرة بالإنس و لا في خلقتها تشويه و كره كل لحوم البغال و الحمير الأهلية لحاجة الناس إلى ظهورها و استعمالها و الخوف من قلتها لا لقذر خلقتها و لا لقذر غذائها و حرم النظر إلى شعور النساء المحجوبات بالأزواج و إلى غيرهن من النساء لما فيه من تهييج الرجال و ما يدعو التهييج إليه من الفساد و الدخول فيما لا يحل و لا يجمل .

[98]

و كذلك ما أشبه الشعور إلا الذي قال الله تعالى وَ الْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُناحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجاتٍ بِزِينَةٍ أي غير الجلباب فلا بأس بالنظر إلى شعور مثلهن و علة إعطاء النساء نصف ما يعطى الرجال من الميراث لأن المرأة إذا تزوجت أخذت و الرجل يعطي فلذلك وفر على الرجال و علة أخرى في إعطاء الذكر مثلي ما يعطى الأنثى لأن الأنثى في عيال الذكر إن احتاجت و عليه أن يعولها و عليه نفقتها و ليس على المرأة أن تعول الرجل و لا تؤخذ بنفقته إن احتاج فوفر الله تعالى على الرجال لذلك و ذلك قول الله عز و جل الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَ بِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ و علة المرأة أنها لا ترث من العقار شيئا إلا قيمة الطوب و النقض لأن العقار لا يمكن تغييره و قلبه و المرأة يجوز أن ينقطع ما بينها و بينه من العصمة و يجوز تغييرها و تبديلها و ليس الولد و الوالد كذلك لأنه لا يمكن التفصي منهما و المرأة يمكن الاستبدال بها فما يجوز أن يجي‏ء و يذهب كان ميراثه فيما يجوز تبديله و تغييره إذا أشبهه و كان الثابت المقيم على حاله كمن كان مثله في الثبات و القيام .

2-   حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رحمه الله قال حدثنا علي بن الحسين السعدآبادي قال حدثنا أحمد بن محمد بن خالد عن أبيه عن محمد بن سنان قال سمعت أبا الحسن علي بن موسى الرضا (ع) يقول حرم الله الخمر لما فيها من الفساد و من تغييرها عقول شاربيها و حملها إياهم على إنكار الله عز و جل و الفرية عليه و على رسله و سائر ما يكون منهم من الفساد و القتل و القذف و الزناء و قلة الاحتجاز من شي‏ء من

[99]

الحرام فبذلك قضينا على كل مسكر من الأشربة أنه حرام محرم لأنه يأتي من عاقبتها ما يأتي من عاقبة الخمر فليجتنبه من يؤمن بالله و اليوم الآخر و يتولانا و ينتحل مودتنا كل شراب مسكر فإنه لا عصمة بيننا و بين شاربيها .

34-   باب العلل التي ذكر الفضل بن شاذان في آخرها أنه سمعها من الرضا علي بن موسى (ع) مرة بعده مرة و شيئا بعد شي‏ء فجمعها و أطلق لعلي بن محمد بن قتيبة النيسابوري روايتها عنه عن الرضا (ع) .

1-   حدثنا عبد الواحد بن محمد بن عبدوس النيسابوري العطار بنيسابور في شعبان سنة اثنتين و خمسين و ثلاثمائة قال حدثني أبو الحسن علي بن محمد بن قتيبة النيسابوري قال قال أبو محمد الفضل بن شاذان النيسابوري و حدثنا الحاكم أبو محمد جعفر بن نعيم بن شاذان عن عمه أبي عبد الله محمد بن شاذان قال قال الفضل بن شاذان إن سأل سائل فقال أخبرني هل يجوز أن يكلف الحكيم عبده فعلا من الأفاعيل لغير علة و لا معنى قيل له لا يجوز ذلك لأنه حكيم غير عابث و لا جاهل فإن قال قائل فأخبرني لم كلف الخلق قيل لعلل كثيرة فإن قال قائل فأخبرني عن تلك العلل معروفة موجودة هي أم غير معروفة و لا موجودة قيل بل هي معروفة موجودة عند أهلها فإن قال أ تعرفونها أنتم أم لا تعرفونها قيل لهم منها ما نعرفه و منها ما لا نعرفه فإن قال قائل فما أول الفرائض قيل له الإقرار بالله و برسوله و حجته و بما جاء من عند الله عز و جل فإن قال قائل لم أمر الخلق بالإقرار بالله و برسله و بحججه و بما جاء من عند الله عز و جل قيل لعلل كثيرة منها أن من لم يقر بالله عز و جل و لم يجتنب معاصيه و لم ينته عن ارتكاب الكبائر و لم يراقب أحدا فيما يشتهي و يستلذ عن الفساد و الظلم و إذا فعل الناس هذه الأشياء و ارتكب كل إنسان ما يشتهي و يهواه من غير مراقبة لأحد كان في ذلك فساد الخلق أجمعين و وثوب بعضهم على بعض فغصبوا الفروج و الأموال

[100]

و أباحوا الدماء و النساء و قتل بعضهم بعضا من غير حق و لا جرم فيكون في ذلك خراب الدنيا و هلاك الخلق و فساد الحرث و النسل و منها أن الله عز و جل حكيم و لا يكون الحكيم و لا يوصف بالحكمة إلا الذي يحظر الفساد و يأمر بالصلاح و يزجر عن الظلم و ينهى عن الفواحش و لا يكون حظر الفساد و الأمر بالصلاح و النهي عن الفواحش إلا بعد الإقرار بالله عز و جل و معرفة الآمر و الناهي و لو ترك الناس بغير إقرار بالله عز و جل و لا معرفته لم يثبت أمر بصلاح و لا نهي عن فساد إذ لا آمر و لا ناهي و منها أنا وجدنا الخلق قد يفسدون بأمور باطنة مستورة عن الخلق فلو لا الإقرار بالله و خشيته بالغيب لم يكن أحد إذا خلا بشهوته و إرادته يراقب أحدا في ترك معصية و انتهاك حرمة و ارتكاب كبيرة إذا كان فعله ذلك مستورا عن الخلق غير مراقب لأحد فكان يكون في ذلك خلاف الخلق أجمعين فلم يكن قوام الخلق و صلاحهم إلا بالإقرار منهم بعليم خبير يعلم السر و أخفى آمر بالصلاح ناه عن الفساد و لا تخفى عليه خافية ليكون في ذلك انزجار لهم عما يخلون به من أنواع الفساد فإن قال قائل فلم وجب عليهم معرفة الرسل و الإقرار بهم و الإذعان لهم بالطاعة قيل لأنه لما إن لم يكن في خلقهم و قواهم ما يكملون به مصالحهم و كان الصانع متعاليا عن أن يرى و كان ضعفهم و عجزهم عن إدراكه ظاهرا لم يكن بد لهم من رسول بينه و بينهم معصوم يؤدي إليهم أمره و نهيه و أدبه و يقفهم على ما يكون به اجترار منافعهم و مضارهم فلو لم يجب عليهم معرفته و طاعته لم يكن لهم في مجي‏ء الرسول منفعة و لا سد حاجة و لكان يكون إتيانه عبثا لغير منفعة و لا صلاح و ليس هذا من صفة الحكيم الذي أتقن كل شي‏ء فإن قال قائل فلم جعل أولي الأمر و أمر بطاعتهم قيل لعلل كثيرة منها أن الخلق لما وقفوا على حد محدود و أمروا أن لا يتعدوا ذلك الحد لما فيه من فسادهم لم يكن يثبت ذلك و لا يقوم إلا بأن يجعل عليهم فيه أمينا يمنعهم من .

[101]

التعدي و الدخول فيما حظر عليهم لأنه لو لم يكن ذلك لكان أحد لا يترك لذته و منفعته لفساد غيره فجعل عليهم قيما يمنعهم من الفساد و يقيم فيهم الحدود و الأحكام و منها أنا لا نجد فرقة من الفرق و لا ملة من الملل بقوا و عاشوا إلا بقيم و رئيس و لما لا بد لهم منه في أمر الدين و الدنيا فلم يجز في حكمة الحكيم أن يترك الخلق مما يعلم أنه لا بد له منه و لا قوام لهم إلا به فيقاتلون به عدوهم و يقسمون فيئهم و يقيم لهم جمهم و جماعتهم و يمنع ظالمهم من مظلومهم و منها أنه لو لم يجعل لهم إماما قيما أمينا حافظا مستودعا لدرست الملة و ذهب الدين و غيرت السنن و الأحكام و لزاد فيه المبتدعون و نقص منه الملحدون و شبهوا ذلك على المسلمين لأنا وجدنا الخلق منقوصين محتاجين غير كاملين مع اختلافهم و اختلاف أهوائهم و تشتت أنحائهم فلو لم يجعل لهم قيما حافظا لما جاء به الرسول (ص) لفسدوا على نحو ما بينا و غيرت الشرائع و السنن و الأحكام و الإيمان و كان في ذلك فساد الخلق أجمعين فإن قال قائل فلم لا يجوز أن لا يكون في الأرض إمامان في وقت واحد و أكثر من ذلك قيل لعلل منها أن الواحد لا يختلف فعله و تدبيره و الاثنين لا يتفق فعلهما و تدبيرهما و ذلك أنا لم نجد اثنين إلا مختلفي الهمم و الإرادة فإذا كانا اثنين ثم اختلفت هممهما و إرادتهما و تدبيرهما و كانا كلاهما مفترضي الطاعة لم يكن أحدهما أولى بالطاعة من صاحبه فكان يكون في ذلك اختلاف الخلق و التشاجر و الفساد ثم لا يكون أحد مطيعا لأحدهما إلا و هو عاص للآخر فتعم معصية أهل الأرض ثم لا يكون لهم مع ذلك السبيل إلى الطاعة و الإيمان و يكونون إنما أتوا في ذلك من قبل الصانع الذي وضع لهم باب الاختلاف و التشاجر و الفساد إذ أمرهم باتباع المختلفين و منها أنه لو كانا إمامين لكان لكل من الخصمين أن يدعو إلى غير الذي يدعو إليه صاحبه في الحكومة ثم لا يكون أحدهما أولى بأن يتبع صاحبه فيبطل الحقوق و الأحكام و الحدود و منها أنه لا يكون واحد من الحجتين .

[102]

أولى بالنطق و الحكم و الأمر و النهي من الآخر و إذا كان هذا كذلك وجب عليهما أن يبتديا بالكلام و ليس لأحدهما أن يسبق صاحبه بشي‏ء إذا كانا في الإمامة شرعا واحدا فإن جاز لأحدهما السكوت جاز السكوت للآخر و إذا جاز لهما السكوت بطلت الحقوق و الأحكام و عطلت الحدود و صار الناس كأنهم لا إمام لهم فإن قال قائل فلم لا يجوز أن يكون الإمام من غير جنس الرسول قيل لعلل منها أنه لما كان الإمام مفترض الطاعة لم يكن بد من دلالة تدل عليه و يتميزه بها من غيره و هي القرابة المشهورة و الوصية الظاهرة ليعرف من غيره و يهتدى إليه بعينه و منها أنه لو جاز في غير جنس الرسول لكان قد فضل من ليس برسول على الرسل إذ جعل أولاد الرسول أتباعا لأولاد أعدائه كأبي جهل و ابن أبي معيط لأنه قد يجوز بزعمهم أن ينتقل ذلك في أولادهم إذا كانوا مؤمنين فيصير أولاد الرسول تابعين و أولاد أعداء الله و أعداء رسوله متبوعين فكان الرسول أولى بهذه الفضيلة من غيره و أحق و منها أن الخلق إذا أقروا للرسول بالرسالة و أذعنوا له بالطاعة لم يتكبر أحد منهم عن أن يتبع ولده و يطيع ذريته و لم يتعاظم ذلك في أنفس الناس و إذا كان ذلك في غير جنس الرسول كان كل واحد منهم في نفسه أنهم أولى به من غيره و دخلهم من ذلك الكبر و لم تسنح أنفسهم بالطاعة لمن هو عندهم دونهم فكان لكون ذلك داعية لهم إلى الفساد و النفاق و الاختلاف فإن قال قائل فلم وجب عليهم الإقرار و المعرفة بأن الله واحد أحد قيل لعلل منها أنه لو لم يجب عليهم الإقرار و المعرفة لجاز لهم أن يتوهموا مدبرين أو أكثر من ذلك و إذا جاز ذلك لم يهتدوا إلى الصانع لهم من غيره لأن كل إنسان منهم كان لا يدري لأنه إنما يعبد غير الذي خلقه و يطبع غير الذي أمره فلا يكونون على حقيقة من صانعهم و خالقهم و لا يثبت عندهم أمر آمر و لا نهي ناه إذا لا يعرف الآمر بعينه و لا الناهي من غيره و منها أنه لو جاز أن يكون اثنين لم يكن أحد الشريكين أولى بأن يعبد و يطاع من الآخر و في إجازة أن يطاع ذلك الشريك إجازة أن لا يطاع الله و في إجازة .

[103]

أن لا يطاع الله كفر بالله و بجميع كتبه و رسله و إثبات كل باطل و ترك كل حق و تحليل كل حرام و تحريم كل حلال و الدخول في كل معصية و الخروج من كل طاعة و إباحة كل فساد و إبطال كل حق و منها أنه لو جاز أن يكون أكثر من واحد لجاز لإبليس أن يدعي أنه ذلك الآخر حتى يضاد الله تعالى في جميع حكمه و يصرف العباد إلى نفسه فيكون في ذلك أعظم الكفر و أشد النفاق فإن قال قائل فلم وجب عليهم الإقرار بالله بأنه ليس كمثله شي‏ء قيل لعلل منها أن لا يكونوا قاصدين نحوه بالعبادة و الطاعة دون غيره غير مشتبه عليهم أمر ربهم و صانعهم و رازقهم و منها أنهم لو لا يعلموا أنه ليس كمثله شي‏ء لم يدروا لعل ربهم و صانعهم هذه الأصنام التي نصبها لهم آباؤهم و الشمس و القمر و النيران إذا كان جائزا أن يكون عليهم مشتبه و كان يكون في ذلك الفساد و ترك طاعاته كلها و ارتكاب معاصيه كلها على قدر ما يتناهى إليهم من أخبار هذه الأرباب و أمرها و نهيها و منها أنه لو لم يجب عليهم أن يعرفوا أن ليس كمثله شي‏ء لجاز عندهم أن يجري عليه ما يجري على المخلوقين من العجز و الجهل و التغيير و الزوال و الفناء و الكذب و الاعتداء و من جازت عليه هذه الأشياء لم يؤمن فناؤه و لم يوثق بعدله و لم يحقق قوله و أمره و نهيه و وعده و وعيده و ثوابه و عقابه و في ذلك فساد الخلق و إبطال الربوبية فإن قال قائل لم أمر الله تعالى العباد و نهاهم قيل لأنه لا يكون بقاؤهم و صلاحهم إلا بالأمر و النهي و المنع من الفساد و التغاصب فإن قال قائل فلم تعبدهم قيل لئلا يكونوا ناسين لذكره و لا تاركين لأدبه و لا لاهين عن أمره و نهيه إذا كان فيه صلاحهم و قوامهم فلو تركوا بغير تعبد لطال عليهم الأمد فقست قلوبهم فإن قال قائل فلم أمروا بالصلاة قيل لأن في الصلاة الإقرار بالربوبية و هو صلاح عام لأن فيه خلع الأنداد و القيام بين يدي الجبار بالذل و الاستكانة و الخضوع

[104]

و الخشوع و الاعتراف و طلب الإقالة من سالف الذنوب و وضع الجبهة على الأرض كل يوم و ليلة ليكون العبد ذاكرا لله غير ناس له و يكون خاشعا وجلا متذللا طالبا راغبا في الزيادة للدين و الدنيا مع ما فيه من الانزجار عن الفساد و صار ذلك عليه في كل يوم و ليلة لئلا ينسى العبد مدبره و خالقه فيبطر و يطغى و ليكون في طاعة خالقه و القيام بين يدي ربه زاجرا له عن المعاصي و حاجزا و مانعا له عن أنواع الفساد فإن قال قائل فلم أمروا بالوضوء و بدئ به قيل له لأن يكون العبد طاهرا إذا قام بين يدي الجبار و عند مناجاته إياه مطيعا له فيما أمره نقيا من الأدناس و النجاسة مع ما فيه من ذهاب الكسل و طرد النعاس و تزكية الفؤاد للقيام بين يدي الجبار فإن قال قائل فلم وجب ذلك على الوجه و اليدين و الرأس و الرجلين قيل لأن العبد إذا قام بين يدي الجبار فإنما ينكشف عن جوارحه و يظهر ما وجب فيه الوضوء و ذلك بأنه بوجهه يسجد و يخضع و بيده يسأل و يرغب و يرهب و يتبتل و ينسك و برأسه يستقبل في ركوعه و سجوده و برجليه يقوم و يقعد فإن قال قائل فلم وجب الغسل على الوجه و اليدين و جعل المسح على الرأس و الرجلين و لم يجعل ذلك غسلا كله أو مسحا كله قيل لعلل شتى منها أن العبادة العظمى إنما هي الركوع و السجود و إنما يكون الركوع و السجود بالوجه و اليدين لا بالرأس و الرجلين و منها أن الخلق لا يطيقون في كل وقت غسل الرأس و الرجلين و يشتد ذلك عليهم في البرد و السفر و المرض و أوقات من الليل و النهار و غسل الوجه و اليدين أخف من غسل الرأس و الرجلين و إذا وضعت الفرائض على قدر أقل الناس طاقة من أهل الصحة ثم عم فيها القوي و الضعيف و منها أن الرأس و الرجلين ليس هما في كل وقت باديان ظاهران كالوجه و اليدين لموضع العمامة و الخفين و غير ذلك فإن قال قائل فلم وجب الوضوء مما خرج من الطرفين خاصة و من النوم دون .

[105]

سائر الأشياء قيل لأن الطرفين هما طريق النجاسة و ليس للإنسان طريق تصيبه النجاسة من نفسه إلا منهما فأمروا بالطهارة عند ما تصيبهم تلك النجاسة من أنفسهم و أما النوم فلأن النائم إذا غلب عليه النوم يفتح كل شي‏ء منه و استرخى فكان أغلب الأشياء عليه في الخروج منه الريح فوجب عليه الوضوء لهذه العلة فإن قال قائل فلم لم يؤمروا بالغسل من هذه النجاسة كما أمروا بالغسل من الجنابة قيل لأن هذا شي‏ء دائم غير ممكن للخلق الاغتسال منه كلما يصيب ذلك و لا يكلف الله نفسا إلا وسعها و الجنابة ليست هي أمر دائم إنما هي شهوة تصيبها إذا أراد و يمكنه تعجيلها و تأخيرها الأيام الثلاثة و الأقل و الأكثر و ليس ذلك هكذا فإن قال قائل فلم أمروا بالغسل من الجنابة و لم يؤمروا بالغسل من الخلاء و هو أنجس من الجنابة و أقذر قيل من أجل أن الجنابة من نفس الإنسان و هو شي‏ء يخرج من جميع جسده و الخلاء ليس هو من نفس الإنسان إنما هو غذاء يدخل من باب و يخرج من باب فإن قال قائل أخبرني عن الأذان لم أمروا قيل لعلل كثيرة منها أن يكون تذكيرا للساهي و تنبيها للغافل و تعريفا لمن جهل الوقت و اشتغل عن الصلاة و ليكون ذلك داعيا إلى عبادة الخالق مرغبا فيها مقرا له بالتوحيد مجاهرا بالإيمان معلنا بالإسلام مؤذنا لمن نسيها و إنما يقال مؤذن لأنه يؤذن بالصلاة فإن قال قائل فلم بدأ فيه بالتكبير قبل التهليل قيل لأنه أراد أن يبدأ بذكره و اسمه لأن اسم الله تعالى في التكبير في أول الحرف و في التهليل اسم الله في آخر الحرف فبدأ بالحرف الذي اسم الله في أوله لا في آخره فإن قال قائل فلم جعل مثنى مثنى قيل لأن يكون مكررا في آذان المستمعين مؤكدا عليهم إن سها أحد عن الأول لم يسه عن الثاني و لأن الصلاة ركعتان ركعتان و لذلك جعل الأذان مثنى مثنى فإن قال قائل فلم جعل التكبير في أول الأذان أربعا قيل لأن أول الأذان

back page fehrest page next page