back page fehrest page next page

[106]

إنما يبدأ غفلة و ليس قبله كلام ينبه المستمع له فجعل ذلك تنبيها للمستمعين لما بعده في الأذان فإن قال قائل فلم جعل بعد التكبير شهادتين قيل لأن أول الإيمان إنما هو التوحيد و الإقرار لله عز و جل بالوحدانية و الثاني الإقرار للرسول بالرسالة و أن طاعتهما و معرفتهما مقرونتان و أن أصل الإيمان إنما هو الشهادة فجعل الشهادتين في الأذان كما جعل في سائر الحقوق شهادتين فإذا أقر لله تعالى بالوحدانية و الإقرار للرسول بالرسالة فقد أقر بجملة الإيمان لأن أصل الإيمان إنما هو الإقرار بالله و برسوله فإن قال قائل فلم جعل بعد الشهادتين الدعاء إلى الصلاة قيل لأن الأذان إنما وضع لموضع الصلاة و إنما هو النداء إلى الصلاة فجعل النداء إلى الصلاة في وسط الأذان فقدم المؤذن قبلها أربعا التكبيرتين و الشهادتين و أخر بعدها أربعا يدعو إلى الفلاح حثا على البر و الصلاة ثم دعا إلى خير العمل مرغبا فيها و في عملها و في أدائها ثم نادى بالتكبير و التهليل ليتم بعدها أربعا كما أتم قبلها أربعا و ليختم كلامه بذكر الله كما فتحه بذكر الله تعالى فإن قال قائل فلم جعل آخرها التهليل و لم يجعل آخرها التكبير كما جعل في أولها التكبير قيل لأن التهليل اسم الله في آخره فأحب الله تعالى أن يختم الكلام باسمه كما فتحه باسمه فإن قال قائل فلم لم يجعل بدل التهليل التسبيح و التحميد و اسم الله في آخرهما قيل لأن التهليل هو إقرار لله تعالى بالتوحيد و خلع الأنداد من دون الله و هو أول الإيمان و أعظم من التسبيح و التحميد فإن قال فلم بدأ في الاستفتاح و الركوع و السجود و القيام و القعود بالتكبير قيل لعله التي ذكرناها في الأذان فإن قال فلم جعل الدعاء في الركعة الأولى قبل القراءة و لم جعل في ركعة الثانية القنوت بعد القراءة قيل لأنه أحب أن يفتح قيامه لربه و عبادته بالتحميد و التقديس و الرغبة و الرهبة و يختمه بمثل ذلك و ليكون في القيام عند القنوت أطول فأحرى أن يدرك المدرك الركوع و لا يفقه الركعة في الجماعة .

[107]

فإن قال فلم أمروا بالقراءة في الصلاة قيل لئلا يكون القراءة مهجورا مضيعا و ليكون محفوظا فلا يضمحل و لا يجهل فإن قال فلم بدأ بالحمد في كل قراءة دون سائر السور قيل لأنه ليس شي‏ء في القرآن و الكلام جمع فيه جوامع الخير و الحكمة ما جمع في سورة الحمد و ذلك أن قوله تعالى الْحَمْدُ لِلَّهِ إنما هو أداء لما أوجب الله تعالى على خلقه من الشكر و شكره لما وفق عبده للخير رَبِّ الْعالَمِينَ تمجيد له و تحميد و إقرار و أنه هو الخالق المالك لا غيره ا لرَّحْمنِ الرَّحِيمِ استعطاف و ذكر لآلائه و نعمائه على جميع خلقه مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ إقرار له بالبعث و النشور و الحساب و المجازات و إيجاب له ملك الآخرة كما أوجب له ملك الدنيا إِيَّاكَ نَعْبُدُ رغبة و تقرب إلى الله عز و جل و إخلاص بالعمل له دون غيره وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ استزادة من توفيقه و عبادته و استدامته لما أنعم الله عليه و بصره اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ استرشاد لأدبه و اعتصام بحبله و استزادة في المعرفة بربه و بعظمته و بكبريائه صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ توكيد في السؤال و الرغبة و ذكر لما تقدم من أياديه و نعمه على أوليائه و رغبة في مثل تلك النعم غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ استعاذة من أن يكون من المعاندين الكافرين المستخفين به و بأمره و نهيه وَ لَا الضَّالِّينَ اعتصام من أن يكون من الضالين الذين ضلوا عن سبيله من غير معرفة و هم يحسبون أنهم يحسنون صنعا فقد اجتمع فيه من جوامع الخير و الحكمة في أمر الآخرة و الدنيا ما لا يجمعه شي‏ء من الأشياء فإن قال فلم جعل التسبيح في الركوع و السجود قيل لعلل منها أن يكون العبد مع خضوعه و خشوعه و تعبده و تورعه و استكانته و تذلله و تواضعه و تقربه إلى ربه مقدسا له ممجدا مسبحا مطيعا معظما شاكرا لخالقه و رازقه فلا يذهب به الفكر و الأماني إلى غير الله فإن قال فلم جعل أصل الصلاة ركعتين و لم زيد على بعضها ركعة و على بعضها ركعتان و لم يزد على بعضها شي‏ء قيل لأن أصل الصلاة إنما هي ركعة واحدة لأن أصل العدد واحد فإن نقصت من واحدة فليست هي صلاة فعلم الله عز و جل أن العباد لا يؤدون تلك الركعة الواحدة التي لا صلاة أقل منها بكمالها و تمامها و الإقبال عليها فقرن إليها ركعة

[108]

أخرى ليتم بالثانية ما نقص من الأولى ففرض الله عز و جل أصل الصلاة ركعتين ثم علم رسول الله (ص) أن العباد لا يؤدون هاتين الركعتين بتمام ما أمروا به و كماله فضم إلى الظهر و العصر و العشاء الآخرة ركعتين ركعتين ليكون فيها تمام الركعتين الأوليين ثم إنه علم أن صلاة المغرب يكون شغل الناس في وقتها أكثر للانصراف إلى الإفطار و الأكل و الشرب و الوضوء و التهيئة للمبيت فزاد فيها ركعة واحدة ليكون أخف عليهم و لأن تصير ركعات الصلاة في اليوم و الليلة فردا ثم ترك الغداة على حالها لأن الاشتغال في وقتها أكثر و المبادرة إلى الحوائج فيها أعم و لأن القلوب فيها أخلى من الفكر لقلة معاملات الناس بالليل و لقلة الأخذ و الإعطاء فالإنسان فيها أقبل على صلاته منه في غيرها من الصلوات لأن الفكر أقل لعدم العمل من الليل فإن قال فلم جعلت التكبير في الاستفتاح سبع تكبيرات قيل إنما جعل ذلك لأن التكبير في الركعة الأولى التي هي الأصل سبع تكبيرات تكبيرة الاستفتاح و تكبيرة الركوع و تكبيرتان للسجود و تكبيرة أيضا للركوع و تكبيرتان للسجود فإذا كبر الإنسان أول الصلاة سبع تكبيرات فقد أحرز التكبير كله فإن سها في شي‏ء منها أو تركها لم يدخل عليه نقص في صلاته فإن قال فلم جعل ركعة و سجدتين قيل لأن الركوع من فعل القيام و السجود من فعل القعود و صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم فضوعف السجود ليستوي بالركوع فلا يكون بينهما تفاوت لأن الصلاة إنما هي ركوع و سجود فإن قال فلم جعل التشهد بعد الركعتين قيل لأنه كما تقدم قبل الركوع و السجود الأذان و الدعاء و القراءة فكذلك أيضا أمر بعدها التشهد و التحميد و الدعاء فإن قال فلم جعل التسليم تحليل الصلاة و لم يجعل بدله تكبيرا أو تسبيحا أو ضربا آخر قيل لأنه لما كان في الدخول في الصلاة تحريم الكلام للمخلوقين و التوجه .

[109]

إلى الخالق كان تحليلها كلام المخلوقين و الانتقال عنها و ابتداء المخلوقين في الكلام إنما هو بالتسليم فإن قال فلم جعل القراءة في الركعتين الأوليين و التسبيح في الأخيرتين قيل للفرق بين ما فرض الله عز و جل من عنده و ما فرضه من عند رسوله فإن قال فلم جعل الجماعة قيل لئلا يكون الإخلاص و التوحيد و الإسلام و العبادة لله إلا ظاهرا مكشوفا مشهورا لأن في إظهاره حجة على أهل الشرق و الغرب لله وحده عز و جل و ليكون المنافق و المستخف مؤديا لما أقر به بظاهر الإسلام و المراقبة و ليكون شهادات الناس بالإسلام بعضهم لبعض جائزة ممكنة مع ما فيه من المساعدة على البر و التقوى و الزهد عن كثير من معاصي الله عز و جل فإن قال فلم جعل الجهر في بعض الصلوات و لم يجعل في بعض قيل لأن الصلوات التي يجهر فيها إنما هي صلوات تصلي في أوقات مظلمة فوجب أن يجهر فيها لأن يمر المار فيعلم أن هاهنا جماعة فإذا أراد أن يصلي صلى و لأنه إن لم ير جماعة تصلي سمع و علم ذلك من جهة السماع و الصلاتان اللتان لا يجهر فيهما فإنما هما بالنهار و في أوقات مضيئة فهي تدرك من جهة الرؤية فلا يحتاج فيها إلى السماع فإن قال فلم جعل الصلوات في هذه الأوقات و لم تقدم و لم تؤخر قيل لأن الأوقات المشهورة المعلومة التي تعم أهل الأرض فيعرفها الجاهل و العالم أربعة غروب الشمس معروف مشهور يجب عنده المغرب و سقوط الشفق مشهور معلوم يجب عنده العشاء الآخرة و طلوع الفجر مشهور معلوم يجب عنده الغداة و زوال الشمس مشهور معلوم يجب عنده الظهر و لم يكن للعصر وقت معلوم مشهور مثل هذه الأوقات فجعل وقتها عند الفراغ من الصلاة التي قبلها

[110]

و علة أخرى أن الله عز و جل أحب أن يبدأ الناس في كل عمل أولا بطاعته و عبادته فأمرهم أول النهار أن يبدءوا بعبادته ثم ينتشروا فيما أحبوا من مرمة دنياهم فأوجب صلاة الغداة عليهم فإذا كان نصف النهار و تركوا ما كانوا فيه من الشغل و هو وقت يضع الناس فيه ثيابهم و يستريحون و يشتغلون بطعامهم و قيلولتهم فأمرهم أن يبدءوا أولا بذكره و عبادته فأوجب عليهم الظهر ثم يتفرغوا لما أحبوا من ذلك فإذا قضوا وطرهم و أرادوا الانتشار في العمل لآخر النهار بدءوا أيضا بطاعته ثم صاروا إلى ما أحبوا من ذلك فما وجب عليهم العصر ثم ينتشرون فيما شاءوا من مرمة دنياهم فإذا جاء الليل و وضعوا زينتهم و عادوا إلى أوطانهم ابتدءوا أولا بعبادة ربهم ثم يتفرغون لما أحبوا من ذلك فأوجب عليهم المغرب فإذا جاء وقت النوم و فرغوا مما كانوا به مشتغلين أحب أن يبدءوا أولا بعبادته و طاعته ثم يصيرون إلى ما شاءوا أن يصيروا إليه من ذلك فيكونوا قد بدءوا في كل عمل بطاعته و عبادته فأوجب عليهم العتمة فإذا فعلوا ذلك لم ينسوه و لم يغفلوا عنه و لم تقس قلوبهم و لم تقل رغبتهم فإن قال فلم إذا لم يكن للعصر وقت مشهور مثل تلك الأوقات أوجبها بين الظهر و المغرب و لم يوجبها بين العتمة و الغداة و بين الغداة و الظهر قيل لأنه ليس وقت على الناس أخف و لا أيسر و لا أحرى أن يعم فيه الضعيف و القوي بهذه الصلاة من هذا الوقت و ذلك أن الناس عامتهم يشتغلون في أول النهار بالتجارات و المعاملات و الذهاب في الحوائج و إقامة الأسواق فأراد أن لا يشغلهم عن طلب معاشهم و مصلحة دنياهم و ليس يقدر الخلق كلهم على قيام الليل و لا يشعرون به و لا ينتبهون لوقته لو كان واجبا و لا يمكنهم ذلك فخفف الله عنهم و لم يجعلها في أشد الأوقات عليهم و لكن جعلها في أخف الأوقات عليهم كما قال الله عز و جل يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَ لا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ .

[111]

فإن قال فلم يرفع اليدين في التكبير قيل لأن رفع اليدين هو ضرب من الابتهال و التبتل و التضرع فأحب الله عز و جل أن يكون العبد في وقت ذكره له متبتلا متضرعا مبتهلا و لأن في رفع اليدين إحضار النية و إقبال القلب على ما قال و قصده فإن قال فلم جعل صلاة السنة أربعا و ثلاثين ركعة قيل لأن الفريضة سبع عشرة ركعة فجعلت السنة مثلي الفريضة كمالا للفريضة فإن قال فلم جعل صلاة السنة في أوقات مختلفة و لم يجعل في وقت واحد قيل لأن أفضل الأوقات ثلاثة عند زوال الشمس و بعد المغرب و بالأسحار فأحب أن يصلى له في كل هذه الأوقات الثلاثة لأنه إذا فرقت السنة في أوقات شتى كان أداؤها أيسر و أخف من أن تجمع كلها في وقت واحد فإن قال فلم صارت صلاة الجمعة إذا كانت مع الإمام ركعتين و إذا كانت بغير إمام ركعتين و ركعتين قيل لعلل شتى منها أن الناس يتخطون إلى الجمعة من بعد فأحب الله عز و جل أن يخفف عنهم لموضع التعب الذي صاروا إليه و منها أن الإمام يحبسهم للخطبة و هم منتظرون للصلاة و من أنتظر الصلاة فهو في صلاة في حكم التمام و منها أن الصلاة مع الإمام أتم و أكمل لعلمه و فقهه و عدله و فضله و منها أن الجمعة عيد و صلاة العيد ركعتان و لم تقصر لمكان الخطبتين فإن قال فلم جعلت الخطبة قيل لأن الجمعة مشهد عام فأراد أن يكون للإمام سببا لموعظتهم و ترغيبهم في الطاعة و ترهيبهم عن المعصية و توقيفهم على ما أراد من مصلحة دينهم و دنياهم و يخبرهم بما ورد عليه من الأوقات و من الأحوال التي لهم فيها المضرة و المنفعة فإن قال فلم جعلت خطبتين قيل لأن تكون واحدة للثناء و التحميد و التقديس لله عز و جل و الأخرى للحوائج و الإعذار و الإنذار و الدعاء و ما يريد أن يعلمهم من أمره و نهيه بما فيه الصلاح و الفساد

[112]

فإن قال فلم جعلت الخطبة يوم الجمعة قبل الصلاة و جعلت في العيدين بعد الصلاة قيل لأن الجمعة أمر دائم يكون في الشهر مرارا و في السنة كثيرا فإذا أكثر ذلك على الناس صلوا و تركوه و لم يقيموا عليه و تفرقوا عنه فجعلت قبل الصلاة ليحتبسوا على الصلاة و لا يتفرقوا و لا يذهبوا و أما العيدان فإنما هو في السنة مرتان و هي أعظم من الجمعة و الزحام فيه أكثر و الناس منهم أرغب فإن تفرق بعض الناس بقي عامتهم و ليس هو بكثير فيميلوا و يستخفوا به قال مصنف هذا الكتاب رحمه الله جاء هذا الخبر هكذا و الخطبتان في الجمعة و العيد بعد الصلاة لأنهما بمنزلة الركعتين الأخيرتين و إن أول من قدم الخطبتين عثمان بن عفان لأنه لما أحدث ما أحدث لم يكن الناس يقفون على خطبة و يقولون ما نصنع بمواعظه و قد أحدث ما أحدث فقدم الخطبتين ليقف الناس انتظارا للصلاة و لا يتفرقوا عنه فإن قال لم وجبت الجمعة على من يكون على فرسخين لا أكثر من ذلك قيل لأن ما يقصر فيه الصلاة بريدان ذاهب أو بريد ذاهب و جائي و البريد أربعة فراسخ فوجبت الجمعة على من هو على نصف البريد الذي يجب فيه التقصير و ذلك أنه يجي‏ء على فرسخين و يذهب فرسخين فذلك أربعة فراسخ و هو نصف طريق المسافر فإن قال فلم زيد في الصلاة السنة يوم الجمعة أربع ركعات قيل تعظيما لذلك اليوم و تفرقة بينه و بين سائر الأيام فإن قال فلم قصرت الصلاة في السفر قيل لأن الصلاة المفروضة أولا إنما هي عشر ركعات و السبع إنما زيدت عليها بعد فخفف الله عنهم تلك الزيادة لموضع السفر و تعبه و نصبه و اشتغاله بأمر نفسه و ظعنه و إقامته لئلا يشتغل عما لا بد له من .

[113]

معيشة رحمة من الله عز و جل و تعطفا عليه إلا صلاة المغرب فإنها لم تقصر لأنها صلاة مقصورة في الأصل فإن قال فلم وجب التقصير في ثمانية فراسخ لا أقل من ذلك و لا أكثر قيل لأن ثمانية فراسخ مسيرة يوم للعامة و القوافل و الأثقال فوجب التقصير في مسيرة يوم فإن قال فلم وجب التقصير في مسيرة يوم لا أكثر قيل لأنه لو لم يجب في مسيرة يوم لما وجب في مسيرة سنة و ذلك أن كل يوم يكون بعد هذا اليوم فإنما هو نظير هذا اليوم فلو لم يجب في هذا اليوم لما وجب في نظيره إذ كان نظيره مثله و لا فرق بينهما فإن قال قد يختلف السير فلم جعلت مسيرة يوم ثمانية فراسخ قيل لأن ثمانية فراسخ مسير الجمال و القوافل و هو سير الذي تسيره الجمالون و المكارون فإن قال فلم ترك تطوع النهار و لم يترك تطوع الليل قيل لأن كل صلاة لا تقصير فيها فلا تقصير في تطوعها و ذلك أن المغرب لا تقصير فيها فلا تقصير فيما بعدها من التطوع و كذلك الغداة لا تقصير فيما قبلها من التطوع فإن قال فما بال العتمة مقصورة و ليس تترك ركعتاه قيل إن تلك الركعتين ليستا من الخمسين و إنما هي زيادة في الخمسين تطوعا ليتم بها بدل كل ركعة من الفريضة ركعتين من التطوع فإن قال فلم جاز للمسافر و المريض أن يصليا صلاة الليل في أول الليل قيل لاشتغاله و ضعفه ليحرز صلاته فليستريح المريض في وقت راحته و يشتغل المسافر باشتغاله و ارتحاله و سفره فإن قال فلم أمروا بالصلاة على الميت قيل ليشفعوا له و يدعوا له بالمغفرة لأنه لم يكن في وقت من الأوقات أحوج إلى الشفاعة فيه و الطلب و الاستغفار من تلك الساعة

[114]

فإن قال فلم جعلت خمس تكبيرات دون أن يكبر أربعا أو ستا قيل إن الخمس إنما أخذت من الخمس الصلوات في اليوم و الليلة فإن قال فلم لم يكن فيها ركوع أو سجود قيل لأنه إنما أريد بهذه الصلاة الشفاعة لهذا العبد الذي قد تخلى عما خلف و احتاج إلى ما قدم فإن قال فلم أمر بغسل الميت قيل لأنه إذا مات كان الغالب عليه النجاسة و الآفة و الأذى فأحب أن يكون طاهرا إذا باشر أهل الطهارة من الملائكة الذين يلونه و يماسونه فيما بينهم نظيفا موجها به إلى الله عز و جل و ليس من ميت يموت إلا خرجت منه الجنابة فلذلك أيضا وجب الغسل فإن قال فلم أمروا بكفن الميت قيل ليلقى ربه عز و جل طاهر الجسد و لئلا تبدو عورته لمن يحمله و يدفنه و لئلا يظهر الناس على بعض حاله و قبح منظره و تغير ريحه و لئلا يقسو القلب من كثرة النظر إلى مثل ذلك للعاهة و الفساد و ليكون أطيب لأنفس الأحياء و لئلا يبغضه حميم فيلقي ذكره و مودته فلا يحفظه فيما خلف و أوصاه و أمره به واجبا كان أو ندبا فإن قال فلم أمر بدفنه قيل لئلا يظهر الناس على فساد جسده و قبح منظره و تغير ريحه و لا يتأذى به الأحياء بريحه و بما يدخل عليه من الآفة و الفساد و ليكون مستورا عن الأولياء و الأعداء فلا يشمت عدوه و لا يحزن صديقه فإن قال فلم أمر من يغسله بالغسل قيل لعلة الطهارة مما أصابه من نضح الميت لأن الميت إذا خرج منه الروح بقي منه أكثر آفته فإن قال فلم لم يجب الغسل على من مس شيئا من الأموات غير الإنسان كالطير و البهائم و السباع و غير ذلك قيل لأن هذه الأشياء كلها ملبسة ريشا و صوفا و شعرا و وبرا هذا كله زكي طاهر و لا يموت و إنما يماس منه الشي‏ء الذي هو زكي من الحي و الميت .

[115]

فإن قال فلم جوزتم الصلاة على الميت بغير وضوء قيل لأنه ليس فيها ركوع و لا سجود و إنما هي دعاء و مسألة و قد يجوز أن تدعو الله و تسأله على أي حال كنت و إنما يجب الوضوء في الصلاة التي فيها الركوع و السجود فإن قال فلم جوزتم الصلاة عليه قبل المغرب و بعد الفجر قيل لأن هذه الصلاة إنما تجب في وقت الحضور و العلة و ليست هي موقتة كسائر الصلوات و إنما هي صلاة تجب في وقت حدوث الحدث ليس للإنسان فيه اختيار و إنما هو حق يؤدى و جائز أن تؤدى الحقوق في أي وقت إذا لم يكن الحق موقتا فإن قال فلم جعلت للكسوف صلاة قيل لأنه آية من آيات الله عز و جل لا يدرى لرحمة ظهرت أم لعذاب فأحب النبي (ص) أن يفزع أمته إلى خالقها و راحمها عند ذلك ليصرف عنهم شرها و يقيهم مكروهها كما صرف عن قوم يونس (ع) حين تضرعوا إلى الله عز و جل فإن قال فلم جعلت عشر ركعات قيل لأن الصلاة التي نزل فرضها من السماء إلى الأرض أولا في اليوم و الليلة فإنما هي عشر ركعات فجمعت تلك الركعات هاهنا و إنما جعل فيها السجود لأنه لا يكون صلاة فيها ركوع إلا و فيها سجود و لأن يختموا أيضا صلواتهم بالسجود و الخضوع و إنما جعلت أربع سجدات لأن كل صلاة نقص سجود من أربع سجدات لا يكون صلاة لأن أقل الفرض السجود في الصلاة لا يكون إلا على أربع سجدات فإن قال فلم لم يجعل بدل الركوع سجودا قيل لأن الصلاة قائما أفضل من الصلاة قاعدا و لأن القائم يرى الكسوف و الانجلاء و الساجد لا يرى فإن قال فلم غيرت عن أصل الصلاة التي افترضها الله قيل لأنه صلي لعلة تغير أمر من الأمور و هو الكسوف فلما تغيرت العلة تغير المعلول فإن قال فلم جعل يوم الفطر العيد قيل لأن يكون للمسلمين مجمعا يجتمعون فيه و يبرزون إلى الله عز و جل فيحمدونه على ما من عليهم فيكون يوم عيد و يوم اجتماع و يوم فطر و يوم زكاة و يوم رغبة و يوم تضرع و لأنه أول يوم من السنة يحل فيه الأكل و الشرب لأن أول شهور السنة عند أهل الحق شهر رمضان فأحب الله عز و جل

[116]

أن يكون لهم في ذلك اليوم مجمع يحمدونه فيه و يقدسونه فإن قال فلم جعل التكبير فيها أكثر منه في غيرها من الصلاة قيل لأن التكبير إنما هو تكبير لله و تمجيد على ما هدى و عافى كما قال الله عز و جل وَ لِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُمْ وَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ فإن قال فلم جعل فيها اثنتا عشرة تكبيرة قيل لأنه يكون في كل ركعتين اثنتا عشرة تكبيرة فلذلك جعل فيها اثنتا عشرة تكبيرة فإن قال فلم جعل سبع تكبيرات في الأولى و خمس في الثانية و لم يسو بينهما قيل لأن السنة في صلاة الفريضة أن يستفتح بسبع تكبيرات فلذلك بدئ هاهنا بسبع تكبيرات و جعل في الثانية خمس تكبيرات لأن التحريم من التكبير في اليوم و الليلة خمس تكبيرات و ليكون التكبير في الركعتين جميعا وترا وترا فإن قال فلم أمر بالصوم قيل لكي يعرفوا ألم الجوع و العطش فليستدلوا على فقر الآخرة و ليكون الصائم خاشعا ذليلا مستكينا مأجورا محتسبا عارفا صابرا على ما أصابه من الجوع و العطش فيستوجب الثواب مع ما فيه من الانكسار عن الشهوات و ليكون ذلك واعظا لهم في العاجل و رائضا لهم على أداء ما كلفهم و دليلا لهم في الأجل و ليعرفوا شدة مبلغ ذلك على أهل الفقر و المسكنة في الدنيا فيؤدوا إليهم ما افترض الله لهم في أموالهم فإن قال فلم جعل الصوم في شهر رمضان خاصة دون سائر الشهور قيل لأن شهر رمضان هو الشهر الذي أنزل الله تعالى فيه القرآن و فيه فرق بين الحق و الباطل كما قال الله عز و جل شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَ بَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَ الْفُرْقانِ و فيه نبئ محمد (ص) و فيه ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر و فيها يفرق كل أمر حكيم و هو رأس السنة يقدر فيها ما يكون في السنة من خير أو .

[117]

شر أو مضرة أو منفعة أو رزق أو أجل و لذلك سميت ليلة القدر فإن قال فلم أمروا بصوم شهر رمضان لا أقل من ذلك و لا أكثر قيل لأنه قوة العبادة الذي يعم فيها القوي و الضعيف و إنما أوجب الله الفرائض على أغلب الأشياء و أعم القوى ثم رخص لأهل الضعف و رغب أهل القوة في الفضل و لو كانوا يصلحون على أقل من ذلك لنقصهم و لو احتاجوا إلى أكثر من ذلك لزادهم فإن قال فلم إذا حاضت المرأة لا تصوم و لا تصلي قيل لأنها في حد نجاسة فأحب الله أن لا تعبده إلا طاهرا و لأنه لا صوم لمن لا صلاة له فإن قال فلم صارت تقضي الصوم و لا تقضي الصلاة قيل لعلل شتى فمنها أن الصيام لا يمنعها من خدمة نفسها و خدمة زوجها و إصلاح بيتها و القيام بأمرها و الاشتغال بمرمة معيشتها و الصلاة تمنعها من ذلك كله لأن الصلاة تكون في اليوم و الليلة مرارا فلا تقوى على ذلك و الصوم ليس كذلك و منها أن الصلاة فيها عناء و تعب و اشتغال الأركان و ليس في الصوم شي‏ء من ذلك و إنما هو الإمساك عن الطعام و الشراب و ليس فيه اشتغال الأركان و منها أنه ليس من وقت يجي‏ء إلا تجب عليها فيه صلاة جديدة في يومها و ليلتها و ليس الصوم كذلك لأنه ليس كلما حدث يوم وجب عليها الصوم و كلما حدث وقت الصلاة وجب عليها الصلاة فإن قال فلم إذا مرض الرجل أو سافر في شهر رمضان فلم يخرج من سفره أو لم يفق من مرضه حتى يدخل عليه شهر رمضان آخر وجب عليه الفداء للأول و سقط القضاء فإذا أفاق بينهما أو أقام و لم يقضه وجب عليه القضاء و الفداء قيل لأن ذلك الصوم إنما وجب عليه في تلك السنة في ذلك الشهر فأما الذي لم يفق فإنه لما أن مرت عليه السنة كلها و قد غلب الله تعالى عليه فلم يجعله له السبيل إلى أدائه سقط عنه و كذلك كلما غلب الله عليه مثل المغمى عليه الذي يغمى عليه يوما و ليلة فلا يجب عليه قضاء الصلوات كما قال الصادق (ع) كلما غلب الله عليه العبد فهو أعذر له لأنه دخل الشهر و هو مريض فلم يجب عليه الصوم في شهره و لا سنته للمرض الذي كان فيه

back page fehrest page next page