[161]
فرتبت عمالي وميزت اموري ، تمييز مالك لها ، قال : فلما ولي أبوجعفر
الخلافة سمى جعفر الصادق ، وكان إذا ذكره قال : قال لي الصادق جعفر بن محمد
كذا وكذا ، فبقيت عليه ( 1 ) .
اقول : روى محمد بن المشهدي في المزار الكبير بإسناده ، عن سفيان الثوري
قال : سمعت الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام وهو بعرفة يقول : اللهم اجعل خطواتي
هذه التى خطوتها في طاعتك كفارة لما خطوتها في معصيتك ، وساق الدعاء إلى
قوله : وأنا ضيفك فاجعل قراي الجنة ، وأطعمني عنبا ورطبا ، قال سفيان :
فوالله لقد هممت أن أنزل واشتري له تمرا وموزا وأقول له هذا عوض العنب
والرطب .
وإذا أنا بسلتين مملوتين قد وضعتا بين يديه إحداهما رطب والاخرى
عنب ، تمام الخبر .
___________________________________________________________________
( 1 ) مقاتل الطالبيين ص 257 .
[162]
1 - ما : الحسين بن إبراهيم القزويني ، عن محمد بن وهبان ، عن علي بن حبيش
عن العباس بن محمد بن الحسين ، عن أبيه ، عن صفوان ، عن الحسين بن أبي غندر ، عن
أبي بصير قال : سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول : اتقوا الله ، وعليكم بالطاعة لائمتكم
قولوا ما يقولون ، واصمتوا عما صمتوا ، فانكم في سلطان من قال الله تعالى :
" وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال " ( 1 ) يعني بذلك ولد العباس فاتقوا الله فانكم
في هدنة ، صلوا في عشائرهم واشهدوا جنائزهم ، وأدوا الامانة إليهم الخبر ( 2 ) .
2 - ن : أحمد بن محمد بن الصقر ، وعلي بن محمد بن مهرويه ، معا ، عن
عبدالرحمان بن أبي حاتم ، عن أبيه ، عن الحسن بن الفضل ، عن الرضا ، عن
أبيه صلوات الله عليهما قال : أرسل أبوجعفر الدوانيقي إلى جعفربن محمد عليهما السلام ليقتله
وطرح له سيفا ونطعا وقال : يا ربيع إذا أنا كلمته ثم ضربت باحدى يدي على
الاخرى ، فاضرب عنقه ، فلما دخل جعفر بن محمد عليهما السلام ونظر إليه من بعيد تحرك
أبوجعفر على فراشه قال : مرحبا وأهلا بك يا أبا عبدالله ما أرسلنا إليك إلا رجاء
أن نقضي دينك ، ونقضي ذمامك ( 3 ) ثم ساءله مسألة لطيفة عن أهل بيته ، وقال :
___________________________________________________________________
( 1 ) سورة ابراهيم الاية : 46 .
( 2 ) أمالى ابن الشيخ الطوسى ص 61 وفيه ( في هذه ) بدل ( هدنة ) ولعله تحريف وسهو
من الناسخ .
( 3 ) الذمام : والمذمة : الحق والحرمة جمع أذمة ( القاموس ) .
[163]
قد قضى الله حاجتك ودينك ، وأخرج جائزتك ، يا ربيع لا تمضين ثلاثة حتى يرجع
جعفر إلى أهله ، فلما خرج قال له الربيع : يا أبا عبدالله رأيت السيف ؟ إنما كان
وضع لك ، والنطع ، فأي شئ رأيتك تحرك به شفتيك ؟ قال جعفر بن محمد عليه السلام :
نعم يا ربيع ، لما رأيت الشر في وجهه ، قلت : " حسبي الرب من المربوبين ، وحسبي
الخالق من المخلوقين ، وحسبي الرازق من المرزوقين ، وحسبي الله رب العالمين
حسبي من هو حسبي ، حسبي من لم يزل حسبي ، حسبي الله لا إلا إلا هو ، عليه
توكلت ، وهو رب العرش العظيم " ( 1 ) .
3 - ما : جماعة ، عن المفضل ، عن إبراهيم بن عبدالصمد الهاشمي ، عن أبيه ، عن
عمه عبدالوهاب بن محمد بن إبراهيم ، عن أبيه قال : بعث أبوجعفر المنصور إلى أبي عبدالله
جعفر بن محمد عليهما السلام وأمر بفرش فطرحت له إلى جانبه ، فأجلسه عليها ، ثم قال : علي
بمحمد ، علي بالمهدي ، يقول ذلك مرارا فقيل له الساعة الساعة يأتي يا أمير المؤمنين
ما يحبسه إلا أنه يتبخر ، فمالبث أن وافى وقد سبقته رائحته ، فأقبل المنصور على
جعفر عليه السلام فقال : يا أبا عبدالله حديث حدثتنيه في صلة الرحم اذكره يسمعه المهدي
قال : نعم ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن جده ، عن علي عليه السلام قال : قال رسول الله
صلى الله عليه وآله : إن الرجل ليصل رحمه وقد بقي من عمره ثلاث سنين فيصيرها
الله عزوجل ثلاثين سنة ، ويقطعها وقد بقي من عمره ثلاثون سنة فيصيرها الله ثلاث
سنين ، ثم تلا عليه السلام " يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده ام الكتاب " ( 2 ) قال : هذا احسن
يا أبا عبدالله وليس إياه أردت ، قال أبوعبدالله : نعم حدثني أبي ، عن أبيه ، عن جده
عن علي عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : صلة الرحم تعمر الديار ، وتزيد في
الاعمار وإن كان أهلها غير أخيار ، قال : هذا حسن يا أبا عبدالله وليس هذا أردت
فقال أبوعبدالله : نعم حدثني أبي ، عن أبيه ، عن جده ، عن علي عليه السلام قال : قال
رسول الله صلى الله عليه وآله صلة الرحم تهون الحساب تقي ميته السوء ، قال المنصور :
___________________________________________________________________
( 1 ) عيون أخبار الرضا ج 1 ص 304 .
( 2 ) سورة الرعد الاية : 39 .
[164]
نعم هذا أردت ( 1 ) .
4 - ما : جماعة ، عن أبي المفضل ، عن أحمد بن محمد بن عيسى العراد ، عن
محمد بن الحسن بن شمون ، عن الحسن بن الفضل بن الربيع حاجب المنصور ، لقيته
بمكة قال : حدثني أبي ، عن جدي الربيع قال : دعاني المنصور يوما فقال : يا
ربيع أحضر جعفر بن محمد ، والله لاقتلنه ، فوجهت إليه ، فلما وافى قلت : يا ابن
رسول الله إن كان لك وصية أو عهد تعهده فافعل ، فقال : استأذن لي عليه فدخلت
إلى المنصور فأعلمته موضعه ، فقال : أدخله ، فلما وقعت عن جعفر عليه السلام على المنصور
رأيته يحرك شفتيه بشئ لم أفهمه ومضى ، فلما سلم على المنصور نهض إليه فاعتنقه
وأجلسه إلى جانبه ، وقال له : ارفع حوائجك ، فأحرج رقاعا لاقوام ، وسأل في
آخرين فقضيت حوائجه ، فقال المصنور ارفع حوائجك في نفسك ، فقال له جعفر :
لا تدعني حتى أجيئك فقال له المنصور : مالي إلى ذلك سبيل ، وأنت تزعم للناس
يا أبا عبدالله أنك تعلم الغيب ، فقال جعفر عليه السلام : من أخبرك بهذا ؟ فأومأ المنصور
إلى شيخ قاعد بين يديه فقال جعفر عليه السلام للشيخ : أنت سمعتني أقول هذا ؟ قال
الشيخ : نعم ، قال جعفر للمنصور : أيحلف يا أمير المؤمنين ؟ فقال له المنصور : احلف
فلما بدأ الشيخ في اليمين قال جعفر عليه السلام للمنصور : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن
جده ، عن أمير المؤمنين إن العبد إذا حلف باليمين التي ينزه الله عزوجل فيها
وهو كاذب امتنع الله عزوجل من عقوبته عليها في عاجلته لما نزه الله عزوجل
ولكني أنا أستحلفه ، فقال المنصور : ذلك لك فقال جعفر عليه السلام للشيخ : قل أبرأ
إلى الله من حوله وقوته ، وألجا إلى حولي وقوتي إن لم أكن سمعتك تقول
هذا القول ، فتلكأ الشيخ ، فرفع المنصور عمودا كان في يده فقال : والله لئن لم تحلف
لاعلونك بهذا العمود ، فحلف الشيخ فما أتم اليمين حتى دلع لسانه ، كما يدلع
الكلب ، ومات لوقته ، ونهض جعفر عليه السلام قال الربيع : فقال لي المنصور : ويلك
اكتمها الناس لا يفتتنون قال الربيع : فحلفت جعفرا عليه السلام فقلت له : يا ابن رسول الله
___________________________________________________________________
( 1 ) أمالى الشيخ الطوسى ص 306 .
[165]
إن منصورا كان قدهم بأمر عظيم ، فلما وقعت عينك عليه ، وعينه عليك ، زال ذلك
فقال : يا ربيع إني رأيت البارحة رسول الله صلى الله عليه وآله في النوم فقال لي : يا جعفر خفته ؟
فقلت : نعم يا رسول الله ، فقال لي : إذا وقعت عينك عليه فقل : ببسم الله أستفتح
وببسم الله أستنجح ، وبمحمد صلى الله عليه وآله أتوجه ، اللهم ذلل لي صعوبة أمري ، وكل
صعوبة ، وسهل لي حزونة ، أمري ، وكل حزونة ، واكفني مؤنة أمري وكل
مؤنة ( 1 ) .
بيان : تلكأ عليه اعتل ، وعنه : أبطأ .
5 - ما : المفيد ، عن ابن قولويه ، عن محمد بن همام ، عن أحمد بن موسى
النوفلي ، عن محمد بن عبدالله بن مهران ، عن معاوية بن حكيم ، عن عبدالله بن سليمان
التميمي قال : لما قتل محمد وإبراهيم ابنا عبدالله بن الحسن بن الحسن عليه السلام صار
إلى المدينة رجل يقال له شيبة بن غفال ، ولاه المنصور على أهلها ، فلما قدمها ، و
حضرت الجمعة ، صار إلى مسجد النبي صلى الله عليه وآله فرقى المنبر وحمدالله وأثنى عليه ثم
قال : أما بعد فان علي بن أبي طالب شق عصا المسلمين ، وحارب المؤمنين ، وأراد
الامر لنفسه ، ومنعه أهله ، فحرمه الله عليه وأماته بغصته ، وهؤلاء ولده يتبعون أثره
في الفساد ، وطلب الامر بغير استحقاق له ، فهم في نواحي الارض مقتولون ، وبالدماء
مضرجون ، قال : فعظم هذا الكلام منه على الناس ولم يجسر أحدمنهم ينطق بحرف
فقام إليه رجل عليه إزار قومسي سخين فقال ، ونحن نحمدالله ونصلي على محمد خاتم
النبيين وسيد المرسلين ، وعلى رسل الله وأنبيائه أجمعين ، أما ما قلت من خير فنحن
-بحار الانوار مجلد: 43 من ص 165 سطر 19 الى ص 173 سطر 18
أهله وما قلت من سوء فأنت وصاحبك به أولى فاختبريا من ركب غير راحلته وأكل
غير زاده ، ارجع مأزورا ، ثم أقبل على الناس فقال : ألا انبئكم بأخلى الناس ميزانا
يوم القيامة ، وأبينهم خسرانا ، من باع آخرته بدنيا غيره ، وهو هذا الفاسق
فأسكت الناس وخرج الوالي من المسجد لم ينطق بحرف ، فسألت عن الرجل فقيل
لي : هذا جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب صلوات الله عليهم ( 2 ) .
___________________________________________________________________
( 1 ) أمالى الشيخ الطوسى ص 294 .
( 2 ) نفس المصدر ص 31 - 32 .
[166]
بيان : ضرجه بالدم : أدماه ، وقومس : بالضم وفتح الميم ، صقع كبير بين :
خراسان وبلاد الجبل ، وإقليم بالاندلس ، وقومسان قرية بهمدان ، ذكرها
الفيروزآبادي ( 1 ) .
أقول : روى الصدوق في كتاب صفات الشيعة باسناده قال أبوجعفر الدوانيقي
بالحيرة أيام أبي العباس للصادق عليه السلام : يا أبا عبدالله ما بال الرجل من شيعتكم
يستخرج ما في جوفه في مجلس واحد ، حتى يعرف مذهبه ؟ ! فقال عليه السلام : ذلك
لحلاوة الايمان في صدورهم ، من حلاوته يبدونه تبديا .
6 - ع : ما جيلويه ، عن عمه ، عن البرقي ، عن أبيه ، عمن ذكره ، عن
الربيع صاحب المنصور قال : قال المنصور يوما لابي عبدالله عليه السلام وقد وقع على
المنصور ذباب فذبه عنه ثم وقع عليه فذبه عنه ثم وقع عليه فذبه عنه فقال : يا
أبا عبدالله لاي شئ خلق الله عزوجل الذباب ؟ قال : ليذل به الجبارين ( 2 ) .
7 - قب : حلية الاولياء ( 3 ) ، عن أحمد بن المقدام الرازي مثله ( 4 ) .
8 - ع : ابن المتوكل ، عن محمد بن علي ما جيلويه ، عن البرقي ، عن أبيه
عن حماد بن عثمان ، عن عبيد بن زرارة ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : كنت عند
زياد بن عبيدالله وجماعة من أهل بيتي فقال : يا بني علي وفاطمة ما فضلكم على
الناس ؟ فسكتوا فقلت : إن من فضلنا على الناس أنا لا نحب أن نكون من أحد
سوانا ، وليس أحد من الناس لا يحب أن يكون منا إلا أشرك ، ثم قال : ارووا
هذا الحديث ( 5 ) .
___________________________________________________________________
( 1 ) القاموس ج 2 ص 242 .
( 2 ) علل الشرائع ص 496 .
( 3 ) حلية الاولياء ج 3 ص 198 وأخرجه ابن طلحة في مطالب السؤول ص 82 .
( 4 ) المنافب ج 3 ص 375 .
( 5 ) علل الشرائع ص 583 .
[167]
9 - لى : ابن البرقي ، عن أبيه ، عن جده ، عن جعفر بن عبدالله النماونجي
عن عبدالجبار بن محمد ، عن داود الشعيري ، عن الربيع صاحب المنصور قال : بعث المنصور
إلى الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام يستقدمه لشئ بلغه عنه ، فلما وافى بابه خرج إليه
الحاجب فقال : اعيذك بالله من سطوة هذا الجبار ، فإني رأيت حرده عليك شديدا
فقال الصادق عليه السلام : علي من الله جنة واقية ، تعينني عليه إن شاء الله ، استأذن لي
عليه ، فستأذن فأذن له ، فلما دخل سلم فرد عليه السلام ثم قال له : يا جعفر قد علمت
أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال لابيك علي بن أبي طالب عليه السلام : لولا أن تقول فيك طوائف
من امتي ما قالت النصارى في المسيح لقلت فيك قولا لا تمر بملا إلا أخذوا من
تراب قدميك ، يستشفون به ، وقال علي عليه السلام يهلك في اثنان ولا ذنب لي ، محب
غال ، ومبغض مفرط ؟ قال : قال ذلك ، اعتذارا منه أنه لا يرضى بما يقول فيه الغالي
والمفرط ، ولعمري إن عيسى بن مريم عليهما السلام لو سكت عما قالت فيه النصارى
لعذبه الله ، ولقد تعلم ما يقال فيك من الزور والبهتان ، وإمساكك عن ذلك ورضاك
به سخط الديان ، زعم أوغاد الحجاز ، ورعاع الناس ، أنك حبر الدهر ، وناموسه
وحجة المعبود وترجمانه ، وعيبة علمه ، وميزان قسطه ، مصباحه الذي يقطع به
الطالب عرض الظلمة إلى ضيآء النور ، وأن الله لا يقبل من عامل جهل حدك في
الدنيا عملا ، ولا يرفع له يوم القيامة وزنا ، فنسبوك إلى غير حدك ، وقالوا فيك
ماليس فيك ، فقل فان أول من قال الحق جدك ، وأول من صدقه عليه أبو
وأنت حري أن تقتص آثارهما ، وتسلك سبيلهما .
فقال الصادق عليه السلام : أنا فرع من فرع الزيتونة ، وقنديل من قناديل بيت
النبوة ، وأديب السفرة ، وربيب الكرام البررة ، ومصباح من مصابيح المشكاة ، التي
فيها نور النور وصفوة الكلمة الباقية في عقب المصطفين إلى يوم الحشر ، فالتفت المنصور إلى
جلسائه فقال : هذا قد أحالني على بحر مواج لا يدرك طرفه ، ولا يبلغ عمقه ، تحارفيه
العلماء ، ويغرق فيه السبحاء ، ويضيق بالسابح عرض الفضاء ، هذا الشجى المعترض
في حلوق الخلفاء ، الذي لا يجوز نفيه ، ولا يحل قتله ، ولولا ما يجمعني وإياه
[168]
شجرة طاب أصلها ، وبسق فرعها ، وعذب ثمرها ، وبوركت في الذر ، وقد ست في
الزبر ، لكان مني إليه ما لا يحمد في العواقب ، لما يبغني عنه من شدة عيبه لنا ، و
سوء القول فينا .
فقال الصادق عليه السلام : لا تقبل في ذي رحمك ، وأهل الرعاية من
أهل بيتك ، قول من حرم الله عليه الجنة ، وجعل مأواه النار ، فان النمام شاهد
زور ، وشريك إبليس في الاغراء بين الناس ، فقد قال الله تعالى : " يا أيها الذين
آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم
نادمين " ( 1 ) .
ونحن لك أنصار وأعوان ، ولملكك دعائم وأركان ، ما أمرت بالمعروف و
الاحسان ، وأمضيت في الرعية أحكام القرآن ، وأرغمت بطاعتك لله أنف الشيطان
وإن كان يجب عليك في سعة فهمك ، وكثرة علمك ، ومعرفتك بآداب الله ، أن تصل
من قطعك ، وتعطي من حرمك ، وتعفو عمن ظلمك ، فان المكافي ليس بالواصل
إنما الواصل من إذا قطعته رحمه وصلها ، فصل رحمك يزد الله في عمرك ، ويخفف
عنك الحساب يوم حشرك .
فقال المنصور : قد صفحت عنك لقدرك ، وتجاوزت عنك لصدقك ، فحدنثي
عن نفسك ، بحديث أتعظ به ، ويكون لي زاجر صدق عن الموبقات ، فقال الصادق
عليه السلام : عليك بالحلم ، فانه ركن العلم واملك نفسك عند أسباب القدرة
فانك إن تفعل ما تقدر عليه كنت كمن شفى غيظا ، أو تداوى حقدا ، أويحب أن
يذكر بالصولة ، واعلم بأنك إن عاقبت مستحقا لم تكن غاية ما توصف به إلا
العدل ، والحال التي توجب الشكر أفضل من الحال التي توجب الصبر ، فقال
المنصور : وعظت فأحسنت ، وقلت فأوجزت ، فحدثني عن فضل جدك علي بن
أبي طالب عليه السلام حديثا لم تأثره العامة .
فقال الصادق عليه السلام : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن جده قال : قال رسول
___________________________________________________________________
( 1 ) سورة الحجرات الاية : 35 .
[169]
الله صلى الله عليه وآله : لما اسري بي إلى السماء عهد إلي ربي جل جلاله في علي ثلاث
كلمات فقال : يا محمد فقلت : لبيك ربي وسعديك فقال عزوجل ، إن عليا إمام المتقين
وقائد الغر المحجلين ، ويعسوب المؤمنين ، فبشره بذلك ، فبشره النبي صلى الله عليه وآله
بذلك ، فخر علي عليه السلام ساجدا شكرا لله عزوجل ، ثم رفع رأسه فقال : يا رسول
الله بلغ من قدري حتى أني اذكر هناك ؟ ! قال : نعم ، وإن الله يعرفك ، وإنك
لتذكر في الرفيق الاعلى ، فقال المنصور : ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ( 1 ) .
10 - كتاب الاستدراك : باسناده عن الحسين بن محمد بن عامر باسناده مثله .
بيان : الحرد : المغضب ، والوغد : الاحمق الضغيف الرذل الدني ، وخادم
القوم ، والجمع أوغاد ، والرعاع : بالفتح الاحداث الطغام ، والحبر بالكسر
ويفتح العالم بتحبير الكلام والعلم وتحسينه ، والناموس : العالم بالسر وصاحب
الوحي ، والفرع : بضمتين جمع فرع ، والسفرة الملائكة ، والشجى ما اعترض
في الحلق من عظم ونحوه .
11 - خص ( 2 ) ير : أحمد بن محمد ، عن الحسن بن علي ، عن بن
ميسر قال : لما قدم أبوعبدالله عليه السلام على أبي جعفر أقام أبو جعفر مولى له على
رأسه وقال له : إذا دخل علي فاضرب فنقه ، فلما ادخل أبو عبدالله عليه السلام نظر إلى
أبي جعفر ، وأسر شيئا بينه وبين نفسه لا يدرى ما هو ، ثم أظهر " يا من يكفي خلقه
كلهم ، ولا يكفيه أحد ، اكفني شر عبدالله بن علي " فصار أبوجعفر لا يبصر مولاه
وصار مولاه لا يبصره قال : فقال أبوجعفر يا جعفر بن محمد قد أتعبتك في هذا
الحر فانصرف ، فخرج أبوعبدالله عليه السلام من عنده فقال أبوجعفر لمولاه : ما منعك
أن تفعل ما أمرتك به ؟ ! فقال : لا والله ما أبصرته ، ولقد جاء شئ حال بيني وبينه
فقال أبوجعفر : والله لئن حدثت بهذا الحديث لاقتلنك ( 3 ) .
___________________________________________________________________
( 1 ) أمالى الصدوق ص 611 .
( 2 ) مختصر البصائر ص 8 .
( 3 ) البصائر ج 10 باب 15 144 .
[170]
12 - يج : عن علي بن ميسره مثله ( 1 ) .
13 - يج : روي أن أبا عبداله عليه السلام قال : دعاني أبوجعفر الخليفة ، ومعي
عبدالله بن الحسن ، وهو يومئذ نازل بالحيرة قبل أن تبنى بغداد ، يريد قتلنا ، لا
يشك الناس فيه ، فلما دخلت عليه دعوت الله بكلام فقال لابن نهيك وهو القائم
على رأسه : إذا ضربت باحدى يدي على الاخرى ، فلا تناظره حتى تضرب عنقه
فلما تكلمت بما أردت ، نزع الله من قلب أبي جعفر الخليفة الغيظ ، فلما دخلت
أجلسني مجلسه وأمرلي بجائزة ، وخرجنا من عنده ، فقال له أبوبصير وكان حضر
ذلك المجلس : ما كان الكلام ؟ قال : دعوت الله بدعاء يوسف فاستجاب الله لي و
لاهل بيتي ( 2 ) .
14 - يج : روي عن صفوان الجمال قال : كنت بالحيرة مع أبي عبدالله
عليه السلام إذا أقبل الربيع وقال : أجب أمير المؤمنين ، فلم يلبث أن عاد ، قلت :
أسرعت الانصراف ، قال : إنه سألني عن شئ ، فاسأل الربيع عنه ، فقال صفوان :
وكان بيني وبين الربيع لطف ، فخرجت إلى الربيع وسألته فقال : اخبرك بالعجب
إن الاعراب خرجوا يجتنون الكماة ، فأصابوا في البر خلقا ملقى ، فأتوني به
فأدخلته على الخليفة ، فلما رآه قال : نحه وادع جعفرا ، فدعوته فقال : يا أبا -
عبدالله أخبرني عن الهواء ما فيه ؟ قال : في الهواء موج مكفوف قال : ففيه سكان ؟
قال : نعم ، قال : وما سكانه ؟ قال : خلق أبدانهم أبدان الحيتان ورؤوسهم رؤوس الطير
ولهم أعرفة كأعرفة الديكة ، ونغانغ كنانغ الديكة ، وأجنحة كأجنحة الطير
من ألوان أشد بياضا من الفضة المجلوة فقال الخليفة : هلم الطشت ، فجئت بها
وفيها ذلك الخلق ، وإذا هو الله كما وصفه جعفر فلما نظر إليه جعفر قال : هذا
هو الخلق الذي يسكن الموج المكفوف ، فأذن له بالانصراف ، فلما خرج قال :
ويلك يا ربيع هذا الشجى المعترض في حلقي من أعلم الناس ( 3 ) .
___________________________________________________________________
( 1 ) الخرائج والجرائح ص 245 .
( 2 ) نفس المصدر ص 234 .
( 3 ) الخرائج والجرائح ص 234 .