[161]

فرتبت عمالي وميزت اموري ، تمييز مالك لها ، قال : فلما ولي أبوجعفر الخلافة سمى جعفر الصادق ، وكان إذا ذكره قال : قال لي الصادق جعفر بن محمد كذا وكذا ، فبقيت عليه ( 1 ) .
اقول : روى محمد بن المشهدي في المزار الكبير بإسناده ، عن سفيان الثوري قال : سمعت الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام وهو بعرفة يقول : اللهم اجعل خطواتي هذه التى خطوتها في طاعتك كفارة لما خطوتها في معصيتك ، وساق الدعاء إلى قوله : وأنا ضيفك فاجعل قراي الجنة ، وأطعمني عنبا ورطبا ، قال سفيان : فوالله لقد هممت أن أنزل واشتري له تمرا وموزا وأقول له هذا عوض العنب والرطب .
وإذا أنا بسلتين مملوتين قد وضعتا بين يديه إحداهما رطب والاخرى عنب ، تمام الخبر .

___________________________________________________________________
( 1 ) مقاتل الطالبيين ص 257 .

[162]


باب 6 : ماجرى بينه عليه السلام وبين المنصور وولاته وسائر الخلفاء الغاصبين والامراء الجائرين وذكر بعض أحوالهم  

1 - ما : الحسين بن إبراهيم القزويني ، عن محمد بن وهبان ، عن علي بن حبيش عن العباس بن محمد بن الحسين ، عن أبيه ، عن صفوان ، عن الحسين بن أبي غندر ، عن أبي بصير قال : سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول : اتقوا الله ، وعليكم بالطاعة لائمتكم قولوا ما يقولون ، واصمتوا عما صمتوا ، فانكم في سلطان من قال الله تعالى : " وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال " ( 1 ) يعني بذلك ولد العباس فاتقوا الله فانكم في هدنة ، صلوا في عشائرهم واشهدوا جنائزهم ، وأدوا الامانة إليهم الخبر ( 2 ) .
2 - ن : أحمد بن محمد بن الصقر ، وعلي بن محمد بن مهرويه ، معا ، عن عبدالرحمان بن أبي حاتم ، عن أبيه ، عن الحسن بن الفضل ، عن الرضا ، عن أبيه صلوات الله عليهما قال : أرسل أبوجعفر الدوانيقي إلى جعفربن محمد عليهما السلام ليقتله وطرح له سيفا ونطعا وقال : يا ربيع إذا أنا كلمته ثم ضربت باحدى يدي على الاخرى ، فاضرب عنقه ، فلما دخل جعفر بن محمد عليهما السلام ونظر إليه من بعيد تحرك أبوجعفر على فراشه قال : مرحبا وأهلا بك يا أبا عبدالله ما أرسلنا إليك إلا رجاء أن نقضي دينك ، ونقضي ذمامك ( 3 ) ثم ساءله مسألة لطيفة عن أهل بيته ، وقال :

___________________________________________________________________
( 1 ) سورة ابراهيم الاية : 46 .
( 2 ) أمالى ابن الشيخ الطوسى ص 61 وفيه ( في هذه ) بدل ( هدنة ) ولعله تحريف وسهو من الناسخ .
( 3 ) الذمام : والمذمة : الحق والحرمة جمع أذمة ( القاموس ) .

[163]

قد قضى الله حاجتك ودينك ، وأخرج جائزتك ، يا ربيع لا تمضين ثلاثة حتى يرجع جعفر إلى أهله ، فلما خرج قال له الربيع : يا أبا عبدالله رأيت السيف ؟ إنما كان وضع لك ، والنطع ، فأي شئ رأيتك تحرك به شفتيك ؟ قال جعفر بن محمد عليه السلام : نعم يا ربيع ، لما رأيت الشر في وجهه ، قلت : " حسبي الرب من المربوبين ، وحسبي الخالق من المخلوقين ، وحسبي الرازق من المرزوقين ، وحسبي الله رب العالمين حسبي من هو حسبي ، حسبي من لم يزل حسبي ، حسبي الله لا إلا إلا هو ، عليه توكلت ، وهو رب العرش العظيم " ( 1 ) .
3 - ما : جماعة ، عن المفضل ، عن إبراهيم بن عبدالصمد الهاشمي ، عن أبيه ، عن عمه عبدالوهاب بن محمد بن إبراهيم ، عن أبيه قال : بعث أبوجعفر المنصور إلى أبي عبدالله جعفر بن محمد عليهما السلام وأمر بفرش فطرحت له إلى جانبه ، فأجلسه عليها ، ثم قال : علي بمحمد ، علي بالمهدي ، يقول ذلك مرارا فقيل له الساعة الساعة يأتي يا أمير المؤمنين ما يحبسه إلا أنه يتبخر ، فمالبث أن وافى وقد سبقته رائحته ، فأقبل المنصور على جعفر عليه السلام فقال : يا أبا عبدالله حديث حدثتنيه في صلة الرحم اذكره يسمعه المهدي قال : نعم ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن جده ، عن علي عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : إن الرجل ليصل رحمه وقد بقي من عمره ثلاث سنين فيصيرها الله عزوجل ثلاثين سنة ، ويقطعها وقد بقي من عمره ثلاثون سنة فيصيرها الله ثلاث سنين ، ثم تلا عليه السلام " يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده ام الكتاب " ( 2 ) قال : هذا احسن يا أبا عبدالله وليس إياه أردت ، قال أبوعبدالله : نعم حدثني أبي ، عن أبيه ، عن جده عن علي عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : صلة الرحم تعمر الديار ، وتزيد في الاعمار وإن كان أهلها غير أخيار ، قال : هذا حسن يا أبا عبدالله وليس هذا أردت فقال أبوعبدالله : نعم حدثني أبي ، عن أبيه ، عن جده ، عن علي عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله صلة الرحم تهون الحساب تقي ميته السوء ، قال المنصور :

___________________________________________________________________
( 1 ) عيون أخبار الرضا ج 1 ص 304 .
( 2 ) سورة الرعد الاية : 39 .

[164]

نعم هذا أردت ( 1 ) .
4 - ما : جماعة ، عن أبي المفضل ، عن أحمد بن محمد بن عيسى العراد ، عن محمد بن الحسن بن شمون ، عن الحسن بن الفضل بن الربيع حاجب المنصور ، لقيته بمكة قال : حدثني أبي ، عن جدي الربيع قال : دعاني المنصور يوما فقال : يا ربيع أحضر جعفر بن محمد ، والله لاقتلنه ، فوجهت إليه ، فلما وافى قلت : يا ابن رسول الله إن كان لك وصية أو عهد تعهده فافعل ، فقال : استأذن لي عليه فدخلت إلى المنصور فأعلمته موضعه ، فقال : أدخله ، فلما وقعت عن جعفر عليه السلام على المنصور رأيته يحرك شفتيه بشئ لم أفهمه ومضى ، فلما سلم على المنصور نهض إليه فاعتنقه وأجلسه إلى جانبه ، وقال له : ارفع حوائجك ، فأحرج رقاعا لاقوام ، وسأل في آخرين فقضيت حوائجه ، فقال المصنور ارفع حوائجك في نفسك ، فقال له جعفر : لا تدعني حتى أجيئك فقال له المنصور : مالي إلى ذلك سبيل ، وأنت تزعم للناس يا أبا عبدالله أنك تعلم الغيب ، فقال جعفر عليه السلام : من أخبرك بهذا ؟ فأومأ المنصور إلى شيخ قاعد بين يديه فقال جعفر عليه السلام للشيخ : أنت سمعتني أقول هذا ؟ قال الشيخ : نعم ، قال جعفر للمنصور : أيحلف يا أمير المؤمنين ؟ فقال له المنصور : احلف فلما بدأ الشيخ في اليمين قال جعفر عليه السلام للمنصور : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن جده ، عن أمير المؤمنين إن العبد إذا حلف باليمين التي ينزه الله عزوجل فيها وهو كاذب امتنع الله عزوجل من عقوبته عليها في عاجلته لما نزه الله عزوجل ولكني أنا أستحلفه ، فقال المنصور : ذلك لك فقال جعفر عليه السلام للشيخ : قل أبرأ إلى الله من حوله وقوته ، وألجا إلى حولي وقوتي إن لم أكن سمعتك تقول هذا القول ، فتلكأ الشيخ ، فرفع المنصور عمودا كان في يده فقال : والله لئن لم تحلف لاعلونك بهذا العمود ، فحلف الشيخ فما أتم اليمين حتى دلع لسانه ، كما يدلع الكلب ، ومات لوقته ، ونهض جعفر عليه السلام قال الربيع : فقال لي المنصور : ويلك اكتمها الناس لا يفتتنون قال الربيع : فحلفت جعفرا عليه السلام فقلت له : يا ابن رسول الله

___________________________________________________________________
( 1 ) أمالى الشيخ الطوسى ص 306 .

[165]

إن منصورا كان قدهم بأمر عظيم ، فلما وقعت عينك عليه ، وعينه عليك ، زال ذلك فقال : يا ربيع إني رأيت البارحة رسول الله صلى الله عليه وآله في النوم فقال لي : يا جعفر خفته ؟ فقلت : نعم يا رسول الله ، فقال لي : إذا وقعت عينك عليه فقل : ببسم الله أستفتح وببسم الله أستنجح ، وبمحمد صلى الله عليه وآله أتوجه ، اللهم ذلل لي صعوبة أمري ، وكل صعوبة ، وسهل لي حزونة ، أمري ، وكل حزونة ، واكفني مؤنة أمري وكل مؤنة ( 1 ) .
بيان : تلكأ عليه اعتل ، وعنه : أبطأ .
5 - ما : المفيد ، عن ابن قولويه ، عن محمد بن همام ، عن أحمد بن موسى النوفلي ، عن محمد بن عبدالله بن مهران ، عن معاوية بن حكيم ، عن عبدالله بن سليمان التميمي قال : لما قتل محمد وإبراهيم ابنا عبدالله بن الحسن بن الحسن عليه السلام صار إلى المدينة رجل يقال له شيبة بن غفال ، ولاه المنصور على أهلها ، فلما قدمها ، و حضرت الجمعة ، صار إلى مسجد النبي صلى الله عليه وآله فرقى المنبر وحمدالله وأثنى عليه ثم قال : أما بعد فان علي بن أبي طالب شق عصا المسلمين ، وحارب المؤمنين ، وأراد الامر لنفسه ، ومنعه أهله ، فحرمه الله عليه وأماته بغصته ، وهؤلاء ولده يتبعون أثره في الفساد ، وطلب الامر بغير استحقاق له ، فهم في نواحي الارض مقتولون ، وبالدماء مضرجون ، قال : فعظم هذا الكلام منه على الناس ولم يجسر أحدمنهم ينطق بحرف فقام إليه رجل عليه إزار قومسي سخين فقال ، ونحن نحمدالله ونصلي على محمد خاتم النبيين وسيد المرسلين ، وعلى رسل الله وأنبيائه أجمعين ، أما ما قلت من خير فنحن
-بحار الانوار مجلد: 43 من ص 165 سطر 19 الى ص 173 سطر 18 أهله وما قلت من سوء فأنت وصاحبك به أولى فاختبريا من ركب غير راحلته وأكل غير زاده ، ارجع مأزورا ، ثم أقبل على الناس فقال : ألا انبئكم بأخلى الناس ميزانا يوم القيامة ، وأبينهم خسرانا ، من باع آخرته بدنيا غيره ، وهو هذا الفاسق فأسكت الناس وخرج الوالي من المسجد لم ينطق بحرف ، فسألت عن الرجل فقيل لي : هذا جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب صلوات الله عليهم ( 2 ) .

___________________________________________________________________
( 1 ) أمالى الشيخ الطوسى ص 294 .
( 2 ) نفس المصدر ص 31 - 32 .

[166]

بيان : ضرجه بالدم : أدماه ، وقومس : بالضم وفتح الميم ، صقع كبير بين : خراسان وبلاد الجبل ، وإقليم بالاندلس ، وقومسان قرية بهمدان ، ذكرها الفيروزآبادي ( 1 ) .
أقول : روى الصدوق في كتاب صفات الشيعة باسناده قال أبوجعفر الدوانيقي بالحيرة أيام أبي العباس للصادق عليه السلام : يا أبا عبدالله ما بال الرجل من شيعتكم يستخرج ما في جوفه في مجلس واحد ، حتى يعرف مذهبه ؟ ! فقال عليه السلام : ذلك لحلاوة الايمان في صدورهم ، من حلاوته يبدونه تبديا .
6 - ع : ما جيلويه ، عن عمه ، عن البرقي ، عن أبيه ، عمن ذكره ، عن الربيع صاحب المنصور قال : قال المنصور يوما لابي عبدالله عليه السلام وقد وقع على المنصور ذباب فذبه عنه ثم وقع عليه فذبه عنه ثم وقع عليه فذبه عنه فقال : يا أبا عبدالله لاي شئ خلق الله عزوجل الذباب ؟ قال : ليذل به الجبارين ( 2 ) .
7 - قب : حلية الاولياء ( 3 ) ، عن أحمد بن المقدام الرازي مثله ( 4 ) .
8 - ع : ابن المتوكل ، عن محمد بن علي ما جيلويه ، عن البرقي ، عن أبيه عن حماد بن عثمان ، عن عبيد بن زرارة ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : كنت عند زياد بن عبيدالله وجماعة من أهل بيتي فقال : يا بني علي وفاطمة ما فضلكم على الناس ؟ فسكتوا فقلت : إن من فضلنا على الناس أنا لا نحب أن نكون من أحد سوانا ، وليس أحد من الناس لا يحب أن يكون منا إلا أشرك ، ثم قال : ارووا هذا الحديث ( 5 ) .

___________________________________________________________________
( 1 ) القاموس ج 2 ص 242 .
( 2 ) علل الشرائع ص 496 .
( 3 ) حلية الاولياء ج 3 ص 198 وأخرجه ابن طلحة في مطالب السؤول ص 82 .
( 4 ) المنافب ج 3 ص 375 .
( 5 ) علل الشرائع ص 583 .

[167]

9 - لى : ابن البرقي ، عن أبيه ، عن جده ، عن جعفر بن عبدالله النماونجي عن عبدالجبار بن محمد ، عن داود الشعيري ، عن الربيع صاحب المنصور قال : بعث المنصور إلى الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام يستقدمه لشئ بلغه عنه ، فلما وافى بابه خرج إليه الحاجب فقال : اعيذك بالله من سطوة هذا الجبار ، فإني رأيت حرده عليك شديدا فقال الصادق عليه السلام : علي من الله جنة واقية ، تعينني عليه إن شاء الله ، استأذن لي عليه ، فستأذن فأذن له ، فلما دخل سلم فرد عليه السلام ثم قال له : يا جعفر قد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال لابيك علي بن أبي طالب عليه السلام : لولا أن تقول فيك طوائف من امتي ما قالت النصارى في المسيح لقلت فيك قولا لا تمر بملا إلا أخذوا من تراب قدميك ، يستشفون به ، وقال علي عليه السلام يهلك في اثنان ولا ذنب لي ، محب غال ، ومبغض مفرط ؟ قال : قال ذلك ، اعتذارا منه أنه لا يرضى بما يقول فيه الغالي والمفرط ، ولعمري إن عيسى بن مريم عليهما السلام لو سكت عما قالت فيه النصارى لعذبه الله ، ولقد تعلم ما يقال فيك من الزور والبهتان ، وإمساكك عن ذلك ورضاك به سخط الديان ، زعم أوغاد الحجاز ، ورعاع الناس ، أنك حبر الدهر ، وناموسه وحجة المعبود وترجمانه ، وعيبة علمه ، وميزان قسطه ، مصباحه الذي يقطع به الطالب عرض الظلمة إلى ضيآء النور ، وأن الله لا يقبل من عامل جهل حدك في الدنيا عملا ، ولا يرفع له يوم القيامة وزنا ، فنسبوك إلى غير حدك ، وقالوا فيك ماليس فيك ، فقل فان أول من قال الحق جدك ، وأول من صدقه عليه أبو وأنت حري أن تقتص آثارهما ، وتسلك سبيلهما .
فقال الصادق عليه السلام : أنا فرع من فرع الزيتونة ، وقنديل من قناديل بيت النبوة ، وأديب السفرة ، وربيب الكرام البررة ، ومصباح من مصابيح المشكاة ، التي فيها نور النور وصفوة الكلمة الباقية في عقب المصطفين إلى يوم الحشر ، فالتفت المنصور إلى جلسائه فقال : هذا قد أحالني على بحر مواج لا يدرك طرفه ، ولا يبلغ عمقه ، تحارفيه العلماء ، ويغرق فيه السبحاء ، ويضيق بالسابح عرض الفضاء ، هذا الشجى المعترض في حلوق الخلفاء ، الذي لا يجوز نفيه ، ولا يحل قتله ، ولولا ما يجمعني وإياه

[168]

شجرة طاب أصلها ، وبسق فرعها ، وعذب ثمرها ، وبوركت في الذر ، وقد ست في الزبر ، لكان مني إليه ما لا يحمد في العواقب ، لما يبغني عنه من شدة عيبه لنا ، و سوء القول فينا .
فقال الصادق عليه السلام : لا تقبل في ذي رحمك ، وأهل الرعاية من أهل بيتك ، قول من حرم الله عليه الجنة ، وجعل مأواه النار ، فان النمام شاهد زور ، وشريك إبليس في الاغراء بين الناس ، فقد قال الله تعالى : " يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين " ( 1 ) .
ونحن لك أنصار وأعوان ، ولملكك دعائم وأركان ، ما أمرت بالمعروف و الاحسان ، وأمضيت في الرعية أحكام القرآن ، وأرغمت بطاعتك لله أنف الشيطان وإن كان يجب عليك في سعة فهمك ، وكثرة علمك ، ومعرفتك بآداب الله ، أن تصل من قطعك ، وتعطي من حرمك ، وتعفو عمن ظلمك ، فان المكافي ليس بالواصل إنما الواصل من إذا قطعته رحمه وصلها ، فصل رحمك يزد الله في عمرك ، ويخفف عنك الحساب يوم حشرك .
فقال المنصور : قد صفحت عنك لقدرك ، وتجاوزت عنك لصدقك ، فحدنثي عن نفسك ، بحديث أتعظ به ، ويكون لي زاجر صدق عن الموبقات ، فقال الصادق عليه السلام : عليك بالحلم ، فانه ركن العلم واملك نفسك عند أسباب القدرة فانك إن تفعل ما تقدر عليه كنت كمن شفى غيظا ، أو تداوى حقدا ، أويحب أن يذكر بالصولة ، واعلم بأنك إن عاقبت مستحقا لم تكن غاية ما توصف به إلا العدل ، والحال التي توجب الشكر أفضل من الحال التي توجب الصبر ، فقال المنصور : وعظت فأحسنت ، وقلت فأوجزت ، فحدثني عن فضل جدك علي بن أبي طالب عليه السلام حديثا لم تأثره العامة .
فقال الصادق عليه السلام : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن جده قال : قال رسول

___________________________________________________________________
( 1 ) سورة الحجرات الاية : 35 .

[169]

الله صلى الله عليه وآله : لما اسري بي إلى السماء عهد إلي ربي جل جلاله في علي ثلاث كلمات فقال : يا محمد فقلت : لبيك ربي وسعديك فقال عزوجل ، إن عليا إمام المتقين وقائد الغر المحجلين ، ويعسوب المؤمنين ، فبشره بذلك ، فبشره النبي صلى الله عليه وآله بذلك ، فخر علي عليه السلام ساجدا شكرا لله عزوجل ، ثم رفع رأسه فقال : يا رسول الله بلغ من قدري حتى أني اذكر هناك ؟ ! قال : نعم ، وإن الله يعرفك ، وإنك لتذكر في الرفيق الاعلى ، فقال المنصور : ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ( 1 ) .
10 - كتاب الاستدراك : باسناده عن الحسين بن محمد بن عامر باسناده مثله .
بيان : الحرد : المغضب ، والوغد : الاحمق الضغيف الرذل الدني ، وخادم القوم ، والجمع أوغاد ، والرعاع : بالفتح الاحداث الطغام ، والحبر بالكسر ويفتح العالم بتحبير الكلام والعلم وتحسينه ، والناموس : العالم بالسر وصاحب الوحي ، والفرع : بضمتين جمع فرع ، والسفرة الملائكة ، والشجى ما اعترض في الحلق من عظم ونحوه .
11 - خص ( 2 ) ير : أحمد بن محمد ، عن الحسن بن علي ، عن بن ميسر قال : لما قدم أبوعبدالله عليه السلام على أبي جعفر أقام أبو جعفر مولى له على رأسه وقال له : إذا دخل علي فاضرب فنقه ، فلما ادخل أبو عبدالله عليه السلام نظر إلى أبي جعفر ، وأسر شيئا بينه وبين نفسه لا يدرى ما هو ، ثم أظهر " يا من يكفي خلقه كلهم ، ولا يكفيه أحد ، اكفني شر عبدالله بن علي " فصار أبوجعفر لا يبصر مولاه وصار مولاه لا يبصره قال : فقال أبوجعفر يا جعفر بن محمد قد أتعبتك في هذا الحر فانصرف ، فخرج أبوعبدالله عليه السلام من عنده فقال أبوجعفر لمولاه : ما منعك أن تفعل ما أمرتك به ؟ ! فقال : لا والله ما أبصرته ، ولقد جاء شئ حال بيني وبينه فقال أبوجعفر : والله لئن حدثت بهذا الحديث لاقتلنك ( 3 ) .

___________________________________________________________________
( 1 ) أمالى الصدوق ص 611 .
( 2 ) مختصر البصائر ص 8 .
( 3 ) البصائر ج 10 باب 15 144 .

[170]

12 - يج : عن علي بن ميسره مثله ( 1 ) .
13 - يج : روي أن أبا عبداله عليه السلام قال : دعاني أبوجعفر الخليفة ، ومعي عبدالله بن الحسن ، وهو يومئذ نازل بالحيرة قبل أن تبنى بغداد ، يريد قتلنا ، لا يشك الناس فيه ، فلما دخلت عليه دعوت الله بكلام فقال لابن نهيك وهو القائم على رأسه : إذا ضربت باحدى يدي على الاخرى ، فلا تناظره حتى تضرب عنقه فلما تكلمت بما أردت ، نزع الله من قلب أبي جعفر الخليفة الغيظ ، فلما دخلت أجلسني مجلسه وأمرلي بجائزة ، وخرجنا من عنده ، فقال له أبوبصير وكان حضر ذلك المجلس : ما كان الكلام ؟ قال : دعوت الله بدعاء يوسف فاستجاب الله لي و لاهل بيتي ( 2 ) .
14 - يج : روي عن صفوان الجمال قال : كنت بالحيرة مع أبي عبدالله عليه السلام إذا أقبل الربيع وقال : أجب أمير المؤمنين ، فلم يلبث أن عاد ، قلت : أسرعت الانصراف ، قال : إنه سألني عن شئ ، فاسأل الربيع عنه ، فقال صفوان : وكان بيني وبين الربيع لطف ، فخرجت إلى الربيع وسألته فقال : اخبرك بالعجب إن الاعراب خرجوا يجتنون الكماة ، فأصابوا في البر خلقا ملقى ، فأتوني به فأدخلته على الخليفة ، فلما رآه قال : نحه وادع جعفرا ، فدعوته فقال : يا أبا - عبدالله أخبرني عن الهواء ما فيه ؟ قال : في الهواء موج مكفوف قال : ففيه سكان ؟ قال : نعم ، قال : وما سكانه ؟ قال : خلق أبدانهم أبدان الحيتان ورؤوسهم رؤوس الطير ولهم أعرفة كأعرفة الديكة ، ونغانغ كنانغ الديكة ، وأجنحة كأجنحة الطير من ألوان أشد بياضا من الفضة المجلوة فقال الخليفة : هلم الطشت ، فجئت بها وفيها ذلك الخلق ، وإذا هو الله كما وصفه جعفر فلما نظر إليه جعفر قال : هذا هو الخلق الذي يسكن الموج المكفوف ، فأذن له بالانصراف ، فلما خرج قال : ويلك يا ربيع هذا الشجى المعترض في حلقي من أعلم الناس ( 3 ) .

___________________________________________________________________
( 1 ) الخرائج والجرائح ص 245 .
( 2 ) نفس المصدر ص 234 .
( 3 ) الخرائج والجرائح ص 234 .