[171]
15 - كشف : من دلائل الحميري مثله ( 1 ) .
بيان : قال الفيروز آبادي ( 2 ) النغنغ موضع بين اللهاة وشوارب الحنجور
واللحمة في الحلق عند اللهازم ، والذي يكون عند عنق البعير إذا اجتر تحرك .
16 - يج : روي عن هارون بن خارجة قال : كان رجل من أصحابنا طلق امرأته ثلاثا
فسأل أصحابنا فقالا : ليس بشئ فقالت امرأته : لا أرضى حتى تسأل أبا عبدالله
وكان بالحيرة إذ ذاك أيام أبي العباس ، قال : فذهب إلى الحيرة ولم أقدر على
كلامه إذ منع الخليفة الناس من الدخول على أبي عبدالله عليه السلام وأنا أنظر كيف
ألتمس لقاءه فاذا سوادي عليه جبة صوف يبيع خيارا فقلت له : بكم خيارك هذا
كله ؟ قال : بدرهم فأعطيته درهما وقلت له : أعطني جبتك هذه ، فأخذتها ولبستها
وناديت من يشتري خيارا ودنوت منه فاذا غلام من ناحية ينادي يا صاحب الخيار
فقال عليه السلام لي لما دنوب منه : ما أجود ما احتلت ، أى شئ حاجتك ؟ قلت :
إني ابتليت فطلقت أهلي في دفعة ثلاثا فسألت أصحابنا فقالوا : ليس بشئ وإن
المرأة قالت : لا أرضى حتى تسأل أبا عبدالله عليه السلام فقال : ارجع إلى أهلك فليس
عليك شئ ( 3 ) .
17 - يج : روي عن محرمة الكندي قال : إن أبا الدوانيق نزل بالربذة
وجعفر الصادق عليه السلام بها ، قال : من يعذرني من جعفر ، والله لاقتلنه ، فدعاه فلما
أبوالدوانيق : انصرف ، ثم قال لعيسى بن علي : الحقة فسله أبي ؟ أم به ؟ فخرج يشتد
حتى لحقه فقال : يا أبا عبدالله إن أمير المؤمنين يقول : أبك ؟ أم به ؟ قال : لا بل
بي ( 4 ) .
___________________________________________________________________
( 1 ) كشف الغمة ج 2 ص 429 .
( 2 ) القاموس ج 3 ص 114 وفيه " فوق " بدل " عند " .
( 3 ) الخرائج والجرائح ص 234 .
( 4 ) نفس المصدر ص 234 .
[172]
18 - يج : روي عن مهاجر بن عمار الخزاعي قال : بعثني أبوالدوانيق إلى
المدينة ، وبعث معي بمال كثير ، وأمرني أن أتضرع لاهل هذا البيت ، وأتحفظ
مقالتهم ، قال : فلزمت الزاوية التي مما يلي القبر ، فلم أكن أتنحى منها في وقت
الصلاة ، لا في ليل ولا في نهار ، قال : وأقبلت أطرح إلى السؤال الذين حول القبر
الدراهم ومن هو فوقهم الشئ بعد الشئ حتى ناولت شبابا من بني الحسن ومشيخة
حتى ألفوني وألفتهم في السر ، قال : وكنت كلما دنوت من أبي عبدالله يلاطفني و
يكرمني ، حتى إذا كان يوما من الايام دنوت من أبي عبدالله وهو يصلي ، فلما
قضى صلاته التفت إلي وقال : تعالى يا مهاجر - ولم أكن أتسمى ولا أتكنى بكنيتي -
فقال : قل لصاحبك : يقول لك جعفر : كان أهل بيتك إلى غير هذا منك أحوج منهم
إلى هذا ، تجئ إلى قوم شباب محتاجين فتدس إليهم ، فلعل أحدهم يتكلم بكلمة
تستحل بها سفك دمه ، فلو بررتهم ووصلتهم وأغنيتهم ، كانوا أحوج ما تريد منهم
قال : فلما أتيت أبا الدوانيق قلت له : جئتك من عند ساحر كذاب كاهن ، من
أمره كذا وكذا ، قال : صدق والله كانوا إلى غير هذا أحوج ، وإياك أن يسمع
هذا الكلام منك إنسان ( 1 ) .
19 - يح : روي عن الرضا ، عن أبيه عليهما السلام قال : جاء رجل إلى جعفر بن محمد
عليهما السلام فقال له : انج بنفسك ، هذا فلان بن فلان قد وشى بك إلى المنصور
وذكر أنك تأخذ البيعة لنفسك على الناس ، فتخرج عليهم ، فتبسم وقال : يا عبدالله
لا ترع فان الله إذا أراد فضيلة كتمت أو جحدت أثار عليها حاسدا باغيا
يحركها حتى يبينها ، اقعد معي حتى يأتيني الطلب ، فتمضي معي إلى هناك حتى
تشاهد ما يجري من قدرة الله ، التي لا معزل عنها لمؤمن ، فجاؤا وقالوا : أجب
أمير المؤمنين ، فخرج الصادق عليه السلام ودخل ، وقد امتلا المنصور غيظا وغضبا فقال له :
أنت الذي تأخذ البيعة لنفسك على المسلمين ، تريد أن تفرق جماعتهم ، وتسعى في
هلكتهم ، وتفسد ذات بينهم ؟ فقال الصادق عليه السلام : ما فعلت شيئا من هذا ، قال
___________________________________________________________________
( 1 ) نفس المصدر ص 244 .
[173]
المنصور : فهذا فلان يذكر أنك فعلت ، فقال : إنه كاذب قال المنصور ، إني احلفه
إن حلف كفيت نفسي مؤنتك فقال الصادق عليه السلام : إنه إذا حلف كاذبا باء باثم قال
المنصور لحاجبه : حلف هذا الرجل على ما حكاه عن هذا - يعني الصادق عليه السلام فقال
الحاجب : قل : والله الذي لا إله إلا هو ، وجعل يغلظ عليه اليمين فقال الصادق عليه السلام :
لا تحلفه هكذا ، فإني سمعت أبي يذكر عن جدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : إن
من الناس من يحلف كاذبا فيعظم الله في يمينه ويصفه بصفاته الحسنى ، فيأتي تعظيمه
لله على إثم كذبه ويمينه ، فيؤخر عنه البلاء ، ولكني احلفه باليمين التي حدثني
أبي عن جدي رسول الله أنه لا يحلف بها حالف إلا باء باثمه ، فقال المنصور : فحلفه
إذا يا جعفر .
فقال الصادق للرجل : قل إن كنت كاذبا عليك فقد برئت من حول الله
وقوته ولجأت إلى حولي وقوتي ، فقالها الرجل ، فقال الصادق عليه السلام :
اللهم إن كان كاذبا فأمته ، فما استتم حتى سقط الرجل ميتا واحتمل ، ومضى
وأقبل المنصور على الصادق عليه السلام فسأله عن حوائجه ، فقال عليه السلام :
مالي حاجة إلا أن أسرع إلى أهلي ، فان قلوبهم بي متعلقة فقال : ذلك إليك فا فعل
ما بدالك ، فخرج من عنده مكرما قد تحير منه المنصور ، فقال قوم : رجل فاجأه
الموت وجعل الناس يخوضون في أمر ذلك الميت وينظرون إليه ، فلما استوى على
سريره ، جعل الناس يخوضون ، فمن ذام له وحامد إذا قعد على سريره ، وكشف
عن وجهه وقال : يا أيها الناس إني لقيت ربي ، فلقاني السخط ، واللعنة ، واشتد
-بحار الانوار مجلد: 43 من ص 173 سطر 19 الى ص 181 سطر 18
غضب زبانيته علي ، على الذي كان مني إلى جعفر بن محمد الصادق ، فاتقوا الله ، ولا
تهلكوا فيه كما هلكت ، ثم أعاد كفنه على وجهه ، وعاد في موته ، فرأوه لاحراك
فيه وهو ميت فدفنوه ( 1 ) .
20 طب : الاشعث بن عبدالله ، عن محمد بن عيسى ، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام
___________________________________________________________________
( 1 ) الخرائج والجرائح ص 244 .
[174]
عن موسى بن جعفر قال : لما طلب أبوالدوانيق أبا عبدالله عليه السلام وهم بقتله ، فأخذه
صاحب المدينة ووجه به إليه ، وكان أبوالدوانيق استعجله ، واستبطأ قدومه حرصا
منه على قتله ، فلما مثل بين يديه ضحك في وجهه ، ثم رحب به ، وأجلسه عنده و
قال يا ابن رسول الله ، والله لقد وجهت إليك وأنا عازم على قتلك ولقد نظرت فالقي
إلي محبة لك ، فوالله ما أجد أحدا من أهل بيتي أعزمنك ، ولا آثر عندي ، ولكن
يا أبا عبدالله ما كلام يبلغني عنك تهجننا فيه ، وتذكرنا بسوء ؟ فقال : يا أميرالمؤمنين
ما ذكرتك قط بسوء ، فتبسم أيضا وقال : والله أنت أصدق عندي من جميع من
سعى بك إلي هذا مجلسي بين يديك وخاتمي ، فانبسط ولا تخشني في جليل أمرك و
صغيره ، فلست أردك عن شئ ، ثم أمره بالانصراف وحباه وأعطاه ، فأبى أن يقبل
شيئا ، وقال : يا أميرالمؤمنين أنا في غناء وكفاية وخير كثير ، فاذا هممت ببري
فعليك بالمتخلفين من أهل بيتي ، فارفع عنهم القتل ، قال : قد قبلت يا أبا عبدالله ، و
قد أمرت بمائة ألف درهم ، ففرق بينهم فقال : وصلت الرحم يا أميرالمؤمنين ، فلما
خرج من عنده مشى بين يديه مشايخ قريش وشبانهم من كل قبيلة ، ومعه عين أبي
الدوانيق ، فقال له : يا ابن رسول الله لقد نظرت نظرا شافيا حين دخلت على أميرالمؤمنين
فما أنكرت منك شيئا غير أني نظرت إلى شفتيك وقد حركتهما بشئ فما كان ذلك ؟
قال : إني لما نظرت إليه قلت : ( يا من لا يضام ولا يرام ، وبه تواصل الارحام
صل على محمد وآله ، واكفني شره بحولك وقوتك ) والله ما زدت على ما سمعت
قال : فرجع العين إلى أبي الدوانيق فأخبره بقوله ، فقال : والله ما استتم ما قال حتى
ذهب ما كان في صدري من غائلة وشر .
21 شا : روى نقلة الآثار أن المنصور لما أمر الربيع با حضار أبي عبدالله عليه السلام
فأحضره ، فلما بصربه المنصور قال له : قتلني الله إن لم أقتلك ، أتلحد في سلطاني ؟
وتبغيني الغوائل ؟ فقال له أبوعبدالله عليه السلام : والله ما فعلت ولا أردت فان كان بلغك
فمن كاذب ولو كنت فعلت لقد ظلم يوسف فغفر ، وابتلي أيوب فصبر ، واعطي سليمان
[175]
فشكر ، فهؤلاء أنبياء الله ، وإليهم يرجع نسبك .
فقال له المنصور : أجل ارتفع ههنا ، فارتفع ، فقال له : إن فلان بن فلان
أخبرني عنك بما ذكرت فقال : أحضره يا أميرالمؤمنين ليوافقني على ذلك ، فأحضر
الرجل المذكور فقال له المنصور : أنت سمعت ما حكيت عن جعفر ؟ قال : نعم
فقال له أبوعبدالله عليه السلام : فاستحلفه على ذلك .
فقال له المنصور : أتحلف ؟ قال : نعم وابتدأ باليمين فقال له أبوعبدالله عليه السلام :
دعني يا أميرالمؤمنين احلفه أنا ؟ فقال له : افعل فقال أبوعبدالله عليه السلام للساعي :
قل : برئت من حول الله وقوته ، والتجأت إلى حولي وقوتي ، لقد فعل كذا وكذا
جعفر ، فامتنع منها هنيئة ، ثم حلف بها ، فما برح حتى ضرب برجله ، فقال
أبوجعفر : جروا برجله ، فأخر جوه لعنه الله .
قال الربيع : وكنت رأيت جعفر بن محمد عليه السلام حين دخل على المنصور يحرك
شفتيه ، وكلما حركهما سكن غضب المنصور ، حتى أدناه منه ، وقد رضي عنه ، فلما
خرج أبوعبدالله عليه السلام من عند أبي جعفر المنصور اتبعته ، فقلت له : إن هذا
الرجل كان من أشد الناس غضبا عليك ، فلما دخلت عليه وأنت تحرك شفتيك
كلما حركتهما سكن غضبه ، فيأي شئ كنت تحركهما ؟ قال : بدعاء جدي الحسين
ابن علي عليهما السلام ، قلت : جعلت فداك وما هذا الدعاء ؟ قال : ( يا عدني عند شدتي ، و
يا غوثي في كربتي ، احرسني بعينك التي لاتنام ، و ؟ ؟ بركنك الذي لا يرام )
قال الربيع : فحفظت هذا الدعاء ، فما نزلت بي شدة قط إلا دعوت به ففرج
قال : وقلت لجعفر بن محمد عليه السلام : لم منعت الساعي أن يحلف بالله ؟ قال : كرهت
أن يراه الله يوحده ويمجده فيحلم عنه ، ويؤخر عقوبته ، فاستحلفته بما سمعت
فأخذه أخذة رابية ( 1 ) .
بيان : قال البيضاوي ( 2 ) في قوله تعالى ( أخذه رابية ) أي زائدة في الشدة
___________________________________________________________________
( 1 ) الارشاد ص 290 .
( 2 ) تفسير البيضاوى ج 4 ص 217 طبع مصر بمطبعة مصطفى محمد .
[176]
زيادة أعما لهم في القبح .
22 قب : موسى بن عبدالله بن حسن بن حسن ، ومعتب ومصادف موليا
الصادق عليه السلام في خبر أنه لما دخل هشام بن الوليد المدينة أتاه بنو العباس وشكوا
من الصادق عليه السلام أنه أخذ تركات ما هر الخصي دوننا ، فخطب أبوعبدالله عليه السلام فكان
مما قال : إن الله تعالى لما بعث رسوله محمدا صلى الله عليه وآله كان أبونا أبوطالب المواسي له
بنفسه ، والناصر له ، وأبوكم العباس وأبولهب يكذبانه ، ويؤلبان عليه ، شياطين الكفر
وأبوكم يبغي له الغوائل ، ويقود القبائل في بدر ، وكان في أول رعيلها ، وصاحب
خيلها ورجلها ، والمطعم يومئذ ، والناصب الحرب له ، ثم قال : فكان أبوكم طليقنا
وعتيقنا ، وأسلم كارها تحت سيوفنا ، لم يهاجر إلى الله ورسوله هجرة قط فقطع الله
ولايته منا بقوله : ( والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لك من ولايتهم من شئ ) ( 1 )
في كلام له ، ثم قال : هذا مولى لنا مات فحزنا تراثه ، إذ كان مولانا ، ولانا ولد
رسول الله صلى الله عليه وآله وامنا فاطمة ، أحرزت ميراثه ( 2 ) .
بيان : ألبت الجيش : أي جمعته ، والتأليب التحريثص ، والرعيل القطعة
من الخيل .
23 قب : أبوبصير قال : كنت مع أبي جعفر عليه السلام في المسجد إذ دخل عليه
أبوالدوانيق ، وداود بن علي ، وسليمان بن مجالد ، حتى قعدوا في جانب المسجد
فقال لهم : هذا أبوجعفر ، فأقبل إليه داود بن علي وسليمان بن مجالد فقال لهما : ما
منع جباركم أن يأتيني ؟ فعذروه عنده فقال عليه السلام : يا داود أما لا تذهب الايام
حتى يليها ويطأ الرجال عقبه ، ويملك شرقها وغربها ، وتدين له الرجل ، وتذل
رقابها ، قال : فلهامدة ؟ قال : نعم والله ليتلقفنها الصبيان منكم كما تتلقف الكرة
فانطلقا فأخبرا أبا جعفر بالذي سمعا من محمد بن علي عليه السلام فبشراه بذلك ، فلما
وليا دعا سليمان بن مجالد فقال : يا سليمان بن مجالد إنهم لا يزالوا في فسحة من
ملكهم مالم يصيبوا دما ، وأومأ بيده إلى صدره ، فاذا أصابوا ذلك الدم ، فبطنها
___________________________________________________________________
( 1 ) سورة الانفال الاية : 72 .
( 2 ) المناقب ج 1 ص 224 .
[177]
خيرلهم من ظهرها ، فجاء أبو الدوانيق إليه وسأله عن مقالهما ، فصدقهما ، الخبر
فكان كما قال ( 1 ) .
24 قب : روى الاعمش ، والربيع وابن سنان ، وعلي بن أبي حمزة ، و
حسين بن أبي العلا ، وأبوالمغرا ، وأبوبصير ، أن داود بن علي بن عبدالله بن العباس
لما قتل المعلى بن خنيس وأخذ ماله ، قال الصادق عليه السلام : قتلت مولاي ، وأخذت
مالي ، أما علمت أن الرجل ينام على الثكل ، ولا ينام على الحرب ؟ أما والله لادعون
الله عليك .
فقال له داود : تهددنا بدعائك ؟ كالمستهزئ بقوله ك فرجع أبوعبدالله عليه السلام
إلى داره فلم ليله كله قائما ، وقاعدا ، فبعث إليه داود خمسة من الحرس
وقال : ائتوني به ، فان أبى فائتوني برأسه ، فدخلوا عليه وهو يصلي فقالوا له :
أجب داود ، قال : فإن لم اجب ؟ قالوا : أمرنا بأمر ، قال : فانصرفوا فانه هو خير
لكم في دنياكم وآخرتك ، فأبوا إلا خروجه ، يديه فوضعهما على منكبيه
ثم بسطهما ، ثم دعا بسبابته فسمعناه يقول : الساعة الساعة ، حتى سمعنا صراخا
عاليا فقال لهم : إن صاحبكم قدمات ، فانصرفوا ! فسئل فقال : بعث إلي ليضرب
عنقي ، فدعوت عليه بالاسم الاعظم ، فبعث الله إليه ملكا بحربة فطعنه في مذاكيره
فقتله .
وفي رواية لبابة بنت عبدالله بن العباس : بات داود تلك الليلة حائرا قد
اغمي عليه ، فقمت أفتقده في الليل ، فوجدته مستلقيا على قفاه وثعبان قد انطوى
على صدره ، وجعل فاه على فيه ، فأدخلت يدي في كمي فتناولته فعطف فاه إلي
فرميت به فانساب في ناحية البيت ، وأنبهت داود فوجدته حائرا قد احمرت
عيناه ، فكرهت أن اخبره بما كان ، وجزعت عليه .
ثم انصرفت فوجدت ذلك الثعبان كذلك ، ففعلت به مثل الذي فعلت المرة
الاولى ، وحركت داود فأصبته ميتا ، فما رفع جعفر رأسه من سجوده حتى
___________________________________________________________________
( 1 ) نفس المصدر ج 3 ص 324 في احوال الامام الباقر ( ع ) .
[178]
سمع الواعية ( 1 ) .
بيان : الحرب بالتحريك نهب مال الانسان ، وتركه بلا شئ .
25 قب : قال الربيع الحاجب : أخبرت الصادق بقول المنصور : لاقتلنك
ولاقتلن أهلك حتى لا ابقي على الارض منكم قامة سوط ، ولاخرين المدينة
حتى لا أترك فيها جدارا قائما فقال : لاترع من كلامه ، ودعه في طغيانه ، فلما
صار بين السترين سمعت المنصور يقول : أدخلوه إلي سريعا ، فأدخلته عليه فقال :
مرحبا بابن العم النسيب ، وبالسيد القريب ، ثم أخذ بيده ، وأجلسه على سريره
وأقبل عليه ، ثم قال : أتدري لم بعثت إليك ؟ فقال : وأنى لي علم بالغيب ! ؟ فقال :
أرسلت إليك لتفرق هذه الدنانير في أهلك ، وهي عشرة آلاف دينار ، فقال : ولها
غيري فقال : أقسمت عليك يا أبا عبدالله لتفرقها على فقراء أهلك ، ثم عانقه بيده
وأجازه وخلع عليه وقال لي : يا ربيع أصحبه قوما يردونه إلى المدينة قال :
فلما خرج أبوعبدالله عليه السلام قلت له : يا أميرالمؤمنين لقد كنت من أشد الناس عليه
غيظا فما الذي أرضاك عنه ؟ ! قال : يا ربيع لما حضرت الباب رأيت تنينا عظيما
يقرض بأنيابه وهو يقول بألسنة الآدميين : إن أنت أشكت ابن رسول الله لافصلن
لحمك من عظمك ، فأفزعني ذلك ، وفعلت به ما رأيت ( 2 ) .
ايضاح : القرض بالمعجمة والمهملة القطع ، والقبض ، وأشكت أي أدخلت
الشوكة في جسمه ، مبالغة في تعميم أنواع الضرر .
26 قب : في الترغيب والترهيب عن أبي القاسم الاصفهاني والعقد ( 3 ) عن
ابن عبد ربه الاندلسي أن المنصور قال لما رآه : قتلني الله إن لم أقتلك فقال له :
إن سليمان اعطي فشكر ، وإن أيوب ابتلي فصبر ، وإن يوسف ظلم فغفر ، وأنت
على إرث منهم ، وأحق بمى تأسى بهم ، فقال : إلي يا أبا عبدالله ، فأنت القريب
___________________________________________________________________
( 1 ) نفس المصدر ج 3 ص 357 .
( 2 ) نفس المصدر ج 3 ص 357 .
( 3 ) العقد الفريد ج 3 ص 224 والحديث فيه أوفى مما في الاصل بكثير .
[179]
القرابة ، وذوالرحم الواشجة ، السليم الناحية ، والقليل الغائلة ، ثم صافحه بيمينه
وعانقه بشماله ، وأمرله بكسوة وجائزة .
وفي خبر آخر عن الربيع أنه أجلسه إلى جانبه فقال له : ارفع حوائجك
فأخرج رقاعا لاقوام ، فقال المنصور : ارفع حوائجك في نفسك فقال : لا تدعوني
حتى أجيئك فقال : ما إلى ذلك سبيل ( 1 ) .
بيان : وشجت العروق والاغصان اشتبكت .
27 قب : الحسين بن محمد قال : سخط علي بن هبيرة على رفيد فعاذ
بأبي عبدالله عليه السلام فقال له : انصرف إليه واقرأه مني السلام وقل له : إني أجرت
عليك مولاك رفيدا ، فلا تهجه بسوء ، فقال : جعلت فداك ، شامي خبيث الرأي ! !
فقال : اذهب إليه كما أقول لك ، قال : فاستقبلني أعرابي ببعض البوادي فقال :
أين تذهب ؟ إني أرى وجه مقتول ، ثم قال لي : أخرج يدك ، ففعلت ، فقال :
يد مقتول ثم قال لي : أخرج لسانك ففعلت فقال : امض ، فلا بأس عليك ، فإن
في لسانك رسالة لو أتيت بها الجبال الرواسي لا نقادت لك قال : فجئت فلما دخلت
عليه أمر بقتلي ، فقلت : أيها الامير لم تظفر بي عنوة ، وإنما جئتك من ذات
نفسي ، وههنا أمر أذكره لك ، ثم أنت وشأنك ، فأمر من حضر فخرجوا فقلت له :
مولاك جعفر بن محمد يقرئك السلام ويقول لك : قد أجرت عليك مولاك رفيدا فلا تهجه
بسوء فقال : الله لقد قال لك جعفر هذه المقالة ؟ وأقر أني السلام ؟ فحلفت فرددها
علي ثلاثا ، ثم حل كتافي ثم قال : لا يقنعني منك حتى تفعل بي ما فعلت بك قلت :
ما تكتف يدي يديك ، ولا تطيب نفسي فقال : والله ما يقنعني إلا ذلك ، ففعلت كما
فعل ، وأطلقته ، فناولني خاتمه وقال : أمري في يدك فدبر فيها ما شئت .
التمس محمد بن سعيد من الصادق رقعة إلى محمد بن [ أبي حمزة ] الثمالي في تأخير
خراجه فقال عليه السلام : قل له : سمعت جعفر بن محمد يقول : من أكرم لنا مواليا فبكرامة
الله تعالى بدا ، ومن أهانه فلسخط الله تعرض ، ومن أحسن إلى شيعتنا فقد أحسن
___________________________________________________________________
( 1 ) المناقب ج 3 ص 358 .
[180]
إلى أميرالمؤمنين ، ومن أحسن إلى أميرالمؤمنين فقد أحسن إلى رسول الله ، ومن
أحسن إلى رسول الله فقد أحسن إلى الله ومن أحسن إلى الله كان والله معنا في
الرفيع الاعلى قال : فأتيته وذكرته فقال : بالله سمعت هذا الحديث من الصادق
عليه السلام ؟ فقلت : نعم فقال : اجلس ثم قال : يا غلام ما على محمد بن سعيد من
الخراج ؟ قال : ستون ألف درهم قال : امح اسمه من الديوان ، وأعطاني بدرة
وجارية وبغلة بسرجها ولجامها ، قال : فأتيت أبا عبدالله فلما نظر إلي تبسم فقال :
يا أبا محمد تحدثني أو احدثك ؟ فقلت : يا ابن رسول الله منك أحسن فحدثني والله
الحديث كأنه حاضر معي ( 1 ) .
محمد بن سنان ، عن المفضل بن عمر : أن المنصور قد كان هم بقتل أبي عبدالله
عليه السلام غير مرة فكان إذا بعث إليه ودعاه ليقتله ، فاذا نظر إليه هابه ولم يقتله
غير أنه منع الناس عنه ، ومنعه من القعود للناس ، واستقصى عليه أشد الاستقصاء
حتى أنه كان يقع لاحدهم مسألة في دينه ، في نكاح أو طلاق أو غير ذلك فلا يكون
علم ذلك عندهم ، ولا يصلون إليه فيعتزل الرجل وأهله ، فشق ذلك على شيعته
وصعب عليهم حتى ألقى الله عزوجل في روع المنصور أن يسأل الصادق عليه السلام
ليتحفه بشئ من عنده ، لا يكون لاحد مثله ، فبعث إليه بمخصرة كانت للنبي صلى الله عليه وآله
طولها ذراع ، ففرح بها فرحا شديدا ، وأمر أن تشق له أربعة أرباع وقسمها في
أربعة مواضع ، ثم قال له : ما جزاؤك عندي إلا أن اطلق لك ، وتفشي علمك
لشيعتك ولا أتعرض لك ، ولا لهم ، فاقعد غير محتشم وأفت الناس ، ولا تكن في بلد
أنا فيه ، ففشى العلم عن الصادق عليه السلام ( 2 ) .
بيان : في القاموس ( 3 ) المخصرة كمكنسة ما يتوكأ عليها ، كالعصا ونحوه
وما يأخذه الملك يشيربه إذا خاطب ، والخطيب إذا خطب .
___________________________________________________________________
( 1 ) المناقب ج 3 ص 361 .
( 2 ) نفس المصدر ج 3 ص 364 .
( 3 ) القاموس ج 2 ص 20 .