[181]
أقول : روى البرسي في مشارق الانوار ( 1 ) عن أبي بصير قال : قال
أبوعبدالله عليه السلام إن المعلى بن خنيس ينال درجتنا ، وإن المدينة من قابل يليها
داود بن عروة ، ويستدعيه ويأمره أن يكتب له أسماء شيعتنا فيأبى فيقتله ويصلبه
فينا ، وبذلك ينال درجتنا ، فلما ولي داود المدينة من قابل أحضر المعلى وسأله عن
الشيعة فقال : ما أعرفهم فقال : اكتبهم لي وإلا ضربت عنقك فقال : بالقتل تهددني ؟ !
والله لو كانت تحت أقدامي ما رفعتها عنهم ، فأمر بضرب عنقه وصلبه ، فلما دخل عليه
الصادق عليه السلام قال : يا داود قتلت مولاي ووكيلي ، وما كفاك القتل حتى صلبته ، والله
لادعون الله عليك ليقتلك كما قتلته ، فقال له داود : تهددني بدعائك ادع الله لك
فاذ استجاب لك فادعه علي فخرج أبوعبدالله عليه السلام مغضبا فلما جن الليل اغتسل
واستقبل القبلة ثم قال : يا ذا ياذي يا ذوا إرم داود بسهم من سهامك ، تقلقل به قلبه
ثم قال لغلامه : اخرج واسمع الصائح فجاء الخبر أن داود قدهلك ، فخر الامام
ساجدا وقال : إنه لقد دعوت الله عليه بثلاث كلمات لو أقسمت على أهل الارض
لزلزلت بمن عليها .
قال : وروي أن المنصور لما أراد قتل أبي عبدالله استدعى قوما من الاعاجم
لا يفهمون ولا يعقلون ، فخلع عليهم الديباج والوشي ، وحمل إليهم الاموال ، ثم
استدعاهم وكانوا مائة رجل وقال للترجمان : قل لهم : إن لي عدوا يدخل علي
الليلة فاقتلوه إذا دخل ، قال : فأخذوا أسلحتهم ووقفوا متمثلين لامره فاستدعى
جعفرا وأمره أن يدخل وحده ، ثم قال للترجمان : قل لهم : هذا عدوي فقطعوه
-بحار الانوار مجلد: 43 من ص 181 سطر 19 الى ص 189 سطر 18
فلما دخل عليه السلام تعاووا عوى الكلب ، ورموا أسلحتهم ، وكتفوا أيديهم إلى ظهورهم
وخرواله سجدا ومرغوا وجوههم على التراب ، فلما رأى المنصور ذلك خاف على
نفسه وقال : ما جاء بك ؟ قال : أنت ، وما جئتك إلا مغتسلا محنطا ، فقال المنصور :
معاذ الله أن يكون ما تزعم ارجع راشدا فرجع جعفر عليه السلام والقوم على وجوههم
سجدا فقال للترجمان : قل لهم : لم لا قتلتم عدو الملك ؟ فقالوا : نقتل ولينا الذي
___________________________________________________________________
( 1 ) مشارق انوار اليقين ص 111 .
[182]
يلقانا كل يوم ويدبر أمرنا كما يدبر الرجل ولده ، ولا نعرف ولياسواه ؟ فخاف
المنصور من قولهم ، وسرحهم تحت الليل ثم قتله عليه السلام بالسم ( 1 ) .
28 كشف : من كتاب محمد بن طلحة ( 2 ) قال : حدث عبدالله بن الفضل بن
الربيع ، عن أبيه قال : حج المنصور سنة سبع وأربعين ومائة فقدم المدينة وقال
للربيع : ابعث إلى جعفر بن محمد من يأتينا به متعبا ، قتلني الله إن لم أقتله ، فتغافل
الربيع عنه لينساه ، ثم أعاد ذكره للربيع وقال : ابعث من يأتي به متعبا ، فتغافل
عنه ، ثم أرسل إلى الربيع رسالة قبيحة أغلظ عليه فيها ، وأمره أن يبعث من يحضر
جعفرا ، ففعل ، فلما أتاه قال له الربيع : يا أبا عبدالله اذكر الله فانه قد أرسل
إليك بما لا دافع له غير الله ، فقال جعفر : لاحول ولاقوة إلا بالله .
ثم إن الربيع
أعلم المنصور بحضوره ، فلما دخل جعفر عليه أو عده وأغلظ وقال : أي عدو الله
اتخذك أهل العراق إماما ، يبعثون إليك زكاة أموالهم ، وتلحد في سلطاني ، وتبغيه
الغوائل ، قتلني الله إن لم أقتلك ، فقال له : يا أميرالمؤمنين إن سليمان عليه السلام اعطي
فشكر ، وإن أيوب ابتلي فصبر ، وإن يوسف ظلم فغفر ، وأنت من ذلك النسخ ، فلما
سمع المنصور ذلك منه قال له : إلي وعندي أبا عبدالله أنت البرئ الساحة ، السليم
الناحية ، القليل الغائلة ، جزاك الله من ذي رحم ، أفضل ما جزى ذوي الارحام
عن أرحامهم ، ثم تناول يده فأجلسه معه على فرشه ، ثم قال : علي بالطيب ، فاتي
بالغالية فجعل يغلف لحية جعفر عليه السلام بيده ، حتى تركها تقطر ، ثم قال : قم في
حفظ الله وكلاءته ثم قال : يا ربيع الحق أبا عبدالله جائزته ، وكسوته ، انصرف
أبا عبدالله في حفظه وكنفه ، فانصرف .
قال الربيع : ولحقته فقلت : إني قد رأيت قبلك
مالم تره ، ورأيت بعدك مالا رأيته ، فما قلت يا أبا عبدالله حين دخلت ؟ قال : قلت :
( اللهم احرسني بعينك التي لا تنام واكنفني بركنك الذي لايرام ، واغفرلي بقدرتك
علي ولا أهلك وأنت رجآئي ، اللهم أنت أكبر وأجل مما أخاف وأحذر ، اللهم
___________________________________________________________________
( 1 ) مشارق انوار اليقين 112 .
( 2 ) مطالب السؤول ص 82 .
[183]
بك أدفع في نحره ، وأستعيذبك من شره ، ففعل الله بي ما رأيت ( 1 ) .
توضيح : قال الجزري ( 2 ) فيه كنت اغلف لحية رسول الله صلى الله عليه وآله بالغالية أي
ألطخها به واكثر ، والغالية ضرب مركب من الطيب .
29 كشف : من كتاب الدلائل للحميري عن رزام بن مسلم مولى خالد بن
عبدالله القسري قال : إن المنصور قال لحاجبه : إذا دخل علي جعفر بن محمد عليه السلام
فاقتله ، قبل أن يصل إلي ، فدخل أبوعبدالله عليه السلام فجلس ، فأرسل إلى الحاجب
فدعاه ، فنظر إليه وجعفر عليه السلام قاعد ، قال : ثم قال : عد إلى مكانك ، قال : وأقبل
يضرب يده على يده ، فلما قام أبوعبدالله عليه السلام وخرج دعا حاجبه ، فقال : بأي شئ
أمرتك ؟ قال : لا والله ما رأيته حين دخل ، ولاحين خرج ، ولا رأيته إلا وهو قاعد
عندك ( 3 ) .
وعن عبدالله بن أبي ليلى قال : كنت بالربذة مع المنصور وكان قد وجه إلى
أبي عبدالله عليه السلام فاتي به ، وبعث إلي المنصور فدعاني ، فلما انتهيت إلى الباب
سمعته يقول : عجلوا ! علي به ، قتلني إن لم أقتله ، سقى الله الارض من دمي
إن لم أسق الارض من دمه ، فسألت الحاجب من يعني ؟ قال : جعفر بن محمد عليه السلام
فإذا هو قد اتي به مع عدة جلاوزة ، فلما انتهى إلى الباب قبل أن يرفع الستر
رأيته قد تململت شفتاه عند رفع الستر ، فدخل ، فلما نظر إليه المنصور قال : مرحبا
يا ابن عم ، مرحبا يا ابن رسول الله ، فما زال يرفعه حتى أجلسه على وسادته ثم دعا
بالطعام ، فرفعت رأسي وأقبلت أنظر إليه ويلقمه جديا باردا ، وقضى حوائجه ، وأمره
بالانصراف ، فلما خرج قلت له : قد عرفت موالاتي لك وما قد ابتليت به في دخولي
عليهم ، وقد سمعت كلام الرجل وما كان يقول ، فلما صرت إلى الباب رأيتك قد
تململت شفتاك وما أشك أنه شئ ق ته ، ورأيت ما صنع بك ، فإن رأيت أن تعلمني
___________________________________________________________________
( 1 ) كشف الغمة ج 2 ص 374 .
( 2 ) النهاية ج 3 ص 169 وليس الموجود فيها مطابقا لما نقله المجلسى عنه فلا حظ .
( 3 ) كشف الغمة ج 2 ص 421 .
[184]
ذلك فأقوله إذا دخلت عليه ، قال : نعم ، قلت : ( ما شاء الله ما شاء الله ، لا يأتي
بالخير إلا الله ما شاء الله ، ما شاء الله لا يصرف السوء إلا الله ما شاء الله ما شاء الله كل
نعمة فمن الله ما شاء الله لا حول ولا قوة إلا بالله ) ( 1 ) .
وقال الآبي : قال للصادق عليه السلام أبوجعفر المنصور : إني قد عزمت على أن
اخرب المدينة ولا أدع بها نافخ ضرمة ، فقال : يا أميرالمؤمنين لا أجد بدا من النصاحة
لك فاقبلها إن شئت أولا ، قال : قل ، قال : إنه قد مضى لك ثلاثة أسلاف أيوب
ابتلي فصبر ، وسليمان اعطي فشكر ويوسف قدر فغفر ، فاقتد بأيهم شئت قال : قد
عفوت ( 2 ) .
وقال : وقف أهل مكة وأهل المدينة بباب المنصور ، فأذن الربيع لاهل مكة
قبل أهل المدينة فقال جعفر عليه السلام : أتأذن لاهل مكة قبل أهل المدينة ؟ فقال الربيع :
مكة العش فقال جعفر عليه السلام : عش والله طار خياره وبقي شراره ( 3 ) .
وقيل له : إن أبا جعفر المنصور لا يلبس منذ صارت الخلافة إليه إلا الخشن
ولا يأكل إلا الجشب فقال : يا ويحه مع ما قد مكن الله له من السلطان وجبي إليه
من الاموال ، فقيل : إنما يفعل ذلك بخلا وجمعا للاموال ، فقال : الحمدلله
الذي حرمه من دنياه ماله ترك دينه ( 4 ) .
وقال ابن حمدون : كتب المنصور إلى جعفر بن محمد عليهما السلام : لم لا تغشانا كما
يغشانا سائر الناس ؟ فأجابه : ليس لنا ما نخافك من أجله ، ولا عندك من أمر الآخرة
ما نرجوك له ، ولا أنت في نعمة فنهنئك ، ولا تراها نقمة فنعزيك بها ، فما نصنع
عندك ! ؟ قال : فكتب إليه : تصحبنا لتنصحنا فأجابه : من أراد الدنيا لا ينصحك ومن
أراد الآخرة لا يصحبك ، فقال المنصور : والله لقد ميز عندي منازل الناس ، من
___________________________________________________________________
( 1 ) نفس المصدر ج 2 ص 428 .
( 2 ) نفس المصدر ج 2 439 .
( 3 ) نفس المصدر ج 2 ص 439 .
( 4 ) نفس المصدر ج 2 ص 440 .
[185]
يريد الدنيا ممن يريد الآخرة ، وإنه ممن يريد الآخرة لا الدنيا ( 1 ) .
30 كش : صدقة بن حماد ، عن سهل ، عن موسى بن سلام ، عن الحكم
ابن مسكين ، عن عيص بن القاسم ، قال : دخلت على أبي عبدالله عليه السلام مع خالي
سليمان بن خالد فقال لخالي : من هذا الفتى ؟ قال : هذا ابن اختي قال : فيعرف
أمركم ؟ فقال له : نعم ، فقال : الحمدلله الذي لم يجعله شيطانا ، ثم قال : يا ليثني
وإياكم بالطائف ، احدثكم وتؤنسوني ، وأضمن لهم أن لا نخرج عليهم أبدا ( 2 ) .
31 كش : علي بن الحكم ، عن منصور بن يونس ، عن عنبسة قال : سمعت
أبا عبدالله عليه السلام يقول : أشكوا إلى الله وحدتي ، وتقلقلي من أهل المدينة ، حتى
تقدموا وأراكم وأسربكم ، فليت هذه الطاغية أذن لي فاتخذت قصرا فسكنته ، و
أسكنتكم معي ، وأضمن له أن لا يجئ من ناحيتنا مكروه أبدا ( 3 ) .
32 كا : محمد ين يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم مثله ( 4 ) .
33 تم : ذكر الكراجكي في كتاب كنز الفوائد قال : جاء في الحديث أن
أبا جعفر المنصور خرج في يوم جمعة متوكئا على يد الصادق جعفر بن محمد عليه السلام فقال
رجل يقال له رزام مولى خالدبن عبدالله : من هذا الذي بلغ من خطره ما يعتمد
أميرالمؤمنين على يده ؟ فقيل له : هذا أبوعبدالله جعفر بن محمد الصادق صلى الله عليه
فقال : إني والله ما علمت لوددت أن خد أبي جعفر نعل لجعفر ، ثم قام فوقف بين
يدي المنصور ، فقال له : أسأل يا أميرالمؤمنين ؟ فقال له المنصور : سل هذا فقال : إني
اريدك بالسؤال ، فقال له المنصور : سل هذا فالتفت رزام إلى الامام جعفر بن محمد
عليه السلام فقال له : أخبرني عن الصلاة وحدودها ، فقال له الصادق عليه السلام : للصلاة
أربعة آلاف حد لست تؤاخذ بها ، فقال : أخبرني بما لا يحل تركه ، ولا تتم
___________________________________________________________________
( 1 ) نفس المصدر ج 2 ص 448 .
( 2 ) معرفة أخبار الرجال للكشى 231 .
( 3 ) نفس المصدر ص 233 .
( 4 ) الكافى ج 8 ص 215 وفيه ( فاتخذ قصرا بال ؟ ؟ ئف ) .
[186]
الصلاة إلا به فقال أبو عبدالله عليه السلام : لا تتم الصلاة إلا لذي طهر سابغ ، وتمام
بالغ ، غير نازغ ، ولا زائغ ، عرف فوقف ، وأخبت فثبت فهو واقف بين اليأس والطمع
والصبر والجزع ، كأن الوعدله صنع ، والوعيد به وقع ، بذل عرضه ، وتمثل
غرضه ، وبذل في الله المهجة ، وتنكب إليه غير المحجة مرتغم بارتغام ، يقطع علائق
الاهتمام بعين من له قصد ، وإليه وفد ، ومنه استرفد ، فاذا أتى بذلك كانت هي الصلاة
التي بها امر ، وعنها اخبر ، وإنها هي الصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر .
فالتفت المنصور إلى أبي عبدالله عليه السلام فقال له : يا أبا عبدالله لا نزال من بحرك نغترف
وإليك نزدلف ، تبصر من العمى ، وتجلوا بنورك الطخياء ، فنحن نعوم في سبحات
قدسك وطامي بحرك ( 1 ) .
بيان : النزع : الطعن ، والاغتياب ، والافساد ، والوسوسة ، والزيغ : الميل
والطخياء : الظلمة ، وطمى الماء علا .
34 نبه : قيل للمنصور : في حبسك محمد بن مروان فلو أمرت باحضاره وسألته
عماجرى بينه وبين ملك النوبة ( 2 ) فقال : صرت إلى جزيرة النوبة في آخر أمرنا
فأمرت بالمضارب فضربت ، فخرج النوب يتعجبون ، وأقبل ملكهم ، رجل طويل
أصلع حاف عليه كسآء ، فسلم وجلس على الارض فقلت : مالك لا تقعد على البساط
قال : أنا ملك ، وحق لمن رفعه الله أن يتواضع له إذا رفعه ، ثم قال : ما بالكم
تطأون الزرع بدوابكم ، والفساد محرم عليكم في كتابكم ؟ ! فقلت : عبيدنا فعلوه
بجهلهم ، قال : فما بالكم تشربون الخمر وهي محرمة عليكم في دينكم ؟ قلت :
أشياعنا فعلوه بجهلهم .
___________________________________________________________________
( 1 ) فلاح السائل ص 23 .
( 2 ) النوبة : بالضم ، ثم السكون ، وباء موحدة ، وهى بلاد واسعة عريضة في جنوبى
مصر ، حدودها القطر المصرى والبحر الاحمر وصحراء ليبيا وبلاد الخرطوم ، فيها يجرى
النيل من قرب أسوان إلى ملتقى النيل الابيض بالازرق ، يتكلم سكانها بالعربية والنوبية
وهم نصارى أهل شدة في العيش .
( مراصد الاطلاع المنجد ) .
[187]
قال : فما بالكم تلبسون الديباج ، وتتحلون بالذهب وهي محرمة عليكم
على لسان نبيكم ؟ قلت : فعل ذلك أعاجم من خدمنا ، كرهنا الخلاف عليهم ، فجعل
ينظر في وجهي ، ويكرر معاذيري على وجه الاستهزاء ، ثم قال : ليس كما تقول
يا ابن مروان ، ولكنكم قوم ملكنم فظلمتم ، وتركتم ما امرتم ، فأذا قكم الله وبال
أمركم ، ولله فيكم نقم لم تبلغ ، وإني أخشى أن ينزل بك وأنت في أرضى فيصيبني
معك ، فارتحل عني .
35 غو : قال الصادق عليه السلام : طلب المنصور علماء المدينة ، فلما وصلنا
إليه خرج إلينا الربيع الحاجب فقال : ليدخل على أميرالمؤمنين منكم اثنان
فدخلت أنا وعبدالله بن الحسن ، فلما جلسنا عنده ، قال : أنت الذي تعلم الغيب ؟
فقلت : لا يعلم الغيب إلا الله فقال : أنت الذي يجبى إليك الخراج ؟ فقلت : بل
الخراج يجبى إليك ، فقال : أتدري لم دعوتكم ؟ فقلت : لا فقال : إنما دعوتكم
لاخرب رباعكم ، وأو غر قلوبكم ، وأنزلكم بالسراة ، فلا أدع أحدا من أهل الشام
والحجاز يأتون إليكم فانهم لكم مفسدة .
فقلت : إن أيوب ابتلي فصبر ، وإن يوسف ظلم فغفر ، وإن سليمان اعطي
فشكر ، وأنت من نسل اولئك القوم ، فسري عنه .
ثم قال : حدثني الحديث الذي حدثتني به منذ أوقات عن رسول الله صلى الله عليه وآله
قلت : حدثني أبي عن جدي عن رسول الله أنه قال : الرحم حبل ممدود من الارض
إلى السماء ، يقول : من قطعني قطعه الله ، ومن وصلني وصله الله فقال : لست أعني
هذا فقلت : حدثني أبي عن جدي عن رسول الله قال الله تعالى : أنا الرحمن
خلقت الرحم وشققت لها اسما من أسمائي ، فمن وصلها وصلته ، ومن قطعها قطعته
قال : لست أعني ذلك ، فقلت : جدثني أبي عن جدي عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال :
إن ملكا من ملوك بني إسرائيل كان قد بقي من عمره ثلاث سنين ، ووصل رحمه
فجعلها الله ثلاثين سنة ، وإن ملكا من ملوك بني إسرائيل كان قد بقي من عمره
ثلاثون سنة فقطع رحمه فجعله الله ثلاث سنين ، فقال : هذا الذي قصدت والله لاصلن
[188]
اليوم رحمي ، ثم سرحنا إلى أهلنا سراحا جميلا .
بيان : الوغر : الحقد ، والضغن ، والعداوة ، والتوقد من الغيظ ، وأو غر صدره
أدخلها فيه ، وسراة الطريق : ظهره ، ومعظمه ، أي أجعلكم فقراء تجلسون على
الطرق للسؤال ، وسري عنه على بناء التفعيل مجهولا أي كشف عنه الحزن والغضب .
36 مهج : روينا باسنادنا إلى الشيخ أبي محمد هارون موسى التلعكبري
رضي الله عنه عن محمد بن علي الصيرفي ، عن ابن أبي نجران ، عن ياسر مولى الربيع
قال : سمعت الربيع يقول : لما حج المنصور ، وصار بالمدينة سهر ليلة فدعاني
فقال : يا ربيع انطلق في وقتك هذا على أخفض جناح وألين مسير ، فان استطعت
أن تكون وحدك فافعل ، حتى تأتي أبا عبدالله جعفر بن محمد فقل له : هذا ابن
عمك يقرأ عليك السلام ويقول لك إن الدار وإن نأت ، والحال وإن اختلفت
فانا نرجع إلى رحم ، أمس من يمين بشمال ، ونعل بقبال ، وهو يسألك المصير
إليه في وقتك هذا فان سمح بالمسير معك فأوطه خدك وإن امتنع بعذر أو غيره فاردد
الامر إليه في ذلك فإن أمرك بالمصير إليه في تأن فيسر ولا تعسر واقبل العفو ، ولا
تعتف في قول ولا فعل .
قال الربيع : فصرت إلى بابه فوجدته في دار خلوته ، فدخلت عليه من غير
استيذان ، فوجدته معفرا خديه ، مبتهلا بظهر يديه قد أثر التراب في وجهه وخديه
فأكبرت أن أقول شيئا حتى فرغ من صلاته ودعائه ، ثم انصرف بوجهه فقلت :
السلام عليك يا أبا عبدالله فقال : وعليك السلام يا أخي ما جاء بك ؟ فقلت : ابن
عمك يقرأ عليك السلام ، ويقول حتى بلغت إلى آخر الكلام فقال : ويحك يا
ربيع ! ( ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ول
يكونوا كالذين اوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الامد فقست قلوبهم ) ( 1 ) ويحك
يا ربيع ( أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتا وهم نائمون أو أمن أهل القرى
أن يأتيهم بأسنا ضحى وهم يلعبون أفأمنوا مكرالله فلا يأمن مكرالله إلا القوم
___________________________________________________________________
( 1 ) سوره الحديد الاية : 16 .
[189]
الخاسرون ) ( 1 ) قرأت على أميرالمؤمنين السلام ورحمة الله وبركاته ، ثم أقبل على
صلاته وانصرف إلى توجهه .
فقلت : هل بعد السلام من مستعتب عليه ؟ أو إجابة ؟ فقال : نعم قل له :
( أفرأيت الذي تولى وأعطى قليلا وأكدى أعنده علم الغيب فهويرى أم لم ينبأ بما في
صحف موسى وإبراهيم الذي وفى ألا تزر وازرة وزراخرى وأن ليس للانسان إلا
ما سعى وأن تسعيه سوف يرى ) ( 2 ) إنا والله يا أميرالمؤمنين قد خفناك ، وخافت
لخوفنا النسوة اللاتي أنت أعلم بهن ، ولا بدلنا من الايضاح به ، فان كففت وإلا
أجرينا اسمك على الله عزوجل في كل يوم خمس مرات ، وأنت حدثتنا عن أبيك
عن جدك أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : أربع دعوات لا يحجبن عن الله تعالى : دعاء
الوالد لولده ، والاخ بظهر الغيب لاخيه ، والمظلوم ، والمخلص .
قال الربيع : فما استتم الكلام حتى أتت رسل المنصور تقفو أثري ، وتعلم
خبري ، فرجعت وأخبرته بما كان فبكى ، ثم قال : ارجع إليه وقل له : الامر
في لقائك إليك ، والجلوس عنا ، وأما النسوة اللاتي ذكرتهن فعليهن السلام
فقد آمن الله روعهن ، وجهلاهمهن ، قال : فرجعت إليه فأخبرته بما قال المنصور
فقال : قل له : وصلت رحما ، وجزيت خيرا ، ثم اغرو رقت عيناه حتى قطره من
الدمع في حجره قطرات ، ثم قال : يا ربيع إن هذه الدنيا وإن أمتعت ببهجتها
وغرت بزبرجها فان آخرها لا يعدو أن يكون كآخر الربيع الذي يروق بخضرته .
ثم يهيج عند انتهاء مدته ، وعلى من نصح لنفسه وعرف حق ما عليه وله أن
-بحار الانوار مجلد: 43 من ص 189 سطر 19 الى ص 197 سطر 18
ينظر إليها نظر من عقل عن ربه جل وعلا ، وحذر سوء منقلبه ، فان هذه الدنيا
قد خدعت قوما فارقوها أسرع ما كانوا إليها وأكثر ما كانوا اغتبا طابها ، طرقتهم آجالهم
بياتاوهم نائمون أو ضحى وهم يلعبون ، فكيف اخرجوا عنها ، وإلى ما صار وابعدها
أعقبتهم الالم ، وأورثتهم الندم ، وجرعتهم مر المذاق ، وغصصتهم بكأس الفراق
___________________________________________________________________
( 1 ) سورة الاعراف الاية : 97 99 .
( 2 ) سورة النجم الاية : 33 40 .
[190]
فياويح من رضي عنها ، وأقر عينا بها ، أما رأى مصرع آبائه ، ومن سلف من أعدائه
وأوليائه ، يا ربيع أطول بها حيرة وأقبح بها كثرة ، وأخسربها صفقة ، وأكبربها
ترحة ، إذا عاين المغروربها أجلة ، وقطع بالاماني أمله ، وليعمل على أنه اعطي
أطول الاعمار وأمدها ، وبلغ فيها جميع الآمال ، هل قصاراه إلا الهرم ؟ أو غايته
إلا الوخم ؟ نسأل الله لنا ولك عملا صالحا بطاعته ، ومآبا إلى رحمته ، ونزوعا
عن معصيته ، وبصيرة في حقه ، فانما ذلك له وبه ، فقلت : يا أبا عبدالله أسألك بكل
حق بينك وبين الله جل وعلا إلا عرفتني ما ابتهلت به إلى ربك تعالى ، وجعلته
حاجزا بينك وبين حذرك وخوفك ، لعل الله يجبر بدوائك كسيرا ، ويغني به فقيرا
والله ما أعني غير نفسي قال الربيع : فرفع يده وأقبل على مسجده كارها أن يتلو
الدعاء صحفا ( 1 ) ولا يحضر ذلك بنية فقال : اللهم إني أسألك يا مدرك الهاربين
إلى آخر ما سيأتي في كتاب الدعاء ( 2 ) .
بيان : قبال النعل ككتاب زمام بين الاصبع الوسطى والتي تليها ، والزبرج
بالكسر الزينة ، وراقه أعجبه ، وهاج النبت يبس ، والترح محركة اللهم قوله عليه السلام
وقطع بالاماني أمله ينبغي أن يقرأ على بناء المجهول أي قطع أمله مع الاماني
التي كان يأمل حصولها ، ويقال : طعام وخيم أي غير موافق .
37 ق ، مهج : الحسن بن محمد النوفلي ، عن الربيع صاحب المنصور قال :
حججت مع أبي جعفر المنصور فلما كان في بعض الطريق قال لي المنصور : يا ربيع
إذا نزلت المدينة فاذكر لي جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي فوالله العظيم
لا يقتله أحد غيري احذر تدع أن تذكرني به ، قال : فلما صرنا إلى المدينة أنساني
الله عزوجل ذكره قال : فلما صرنا إلى مكة قال لي : يا ربيع ألم آمرك أن
تذكرني بجعفر بن محمد إذا دخلنا المدينة ؟ قال : فقلت : نسيت ذلك يا مولاي يا
أميرالمؤمنين قال : فقال لي : إذا رجعت إلى المدينة فاذكرني به ، فلابد من قتله
___________________________________________________________________
( 1 ) الصحفى محركة من يخطئ في قراءة الصحيفة والمراد ان يتلو الدعاء غلطا .
( 2 ) مهج الدعوات ص 175 وفيه ( الاتضاح ) بدل ( الايضاح ) .