[191]

فإن لم تفعل لاضربن عنقك فقلت : نعم يا أميرالمؤمنين ثم قلت لغلماني وأصحابي : اذكروني بجعفر بن محمد إذا دخلنا المدينة إن شاء الله تعالى فلم يزل غلماني وأصحابي يذكروني به في كل وقت ومنزل ندخله وننزل فيه حتى قدمنا المدينة فلما نزلنا بها دخلت إلى المنصور فوقفت بين يديه وقلت له : يا أميرالمؤمنين جعفر بن محمد ! قال : فضحك وقال لي : نعم اذهب يا ربيع فائتني به ولا تأتني به إلا مسحوبا قال : فقلت له : يا مولاي يا أميرالمؤمنين حبا وكرامة ، وأنا أفعل ذلك طاعة لامرك قال : ثم نهضت وأنا في حال عظيم من ارتكابي ذلك قال : فأتيت الامام الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام وهو جالس في وسط داره فقلت له : جعلت فداك إن أميرالمؤمنين يدعوك إليه فقال لي : السمع والطاعة ، ثم نهض وهو معي يمشي قال : فقلت له : يا ابن رسول الله إنه أمرني أن لا آتيه بك إلا مسحوبا قال : فقال الصادق : امتثل يا ربيع ما أمرك به ، قال : فأخذت بطرف كمه أسوقه إليه ، فلما أدخلته إليه رأيته وهو جالس على سريره ، وفي يده عمود حديد يريد أن يقتله به ، ونظرت إلى جعفر عليه السلام وهو يحرك شفتيه ، فلم أشك أنه قاتله ، ولم أفهم الكلام الذي كان جعفر يحرك شفتيه به ، فوقفت أنظر إليهما .
قال الربيع : فلما قرب منه جعفر بن محمد قال له المنصور : ادن مني يا ابن عمي ، وتهلل وجهه ، وقربه منه ، حتى أجلسه معه على السرير ، ثم قال : يا غلام ائتني بالحقة ( 1 ) فأتاه بالحقة فإذا فيها قدح الغالية ( 2 ) فغلفه منها بيده ، ثم حمله على بغلة ، وأمرله ببدرة وخلعة ، ثم أمره بالانصراف قال : فلما نهض من عنده ، خرجت بين يديه حتى وصل إلى منزله فقلت له : بأبي أنت وامي ى ابن رسول الله إني لم أشك فيه ساعة تدخل عليه يقتلك ، ورأيتك تحرك شفتيك في وقت دخولك ، فما قلت ؟ قال لي : نعم يار بيع اعلم أني قلت ( حسبي الرب من المربوبين ) الدعاء ( 3 ) .

___________________________________________________________________
( 1 ) الحقة : الوعاء الصغير .
( 2 ) الغالية : أخلاط من الطيب جمع غوال .
( 3 ) مهج الدعوات ص 186 .

[192]

38 مهج : باسنادنا إلى الصفار في كتاب فضل الدعاء عن إبراهيم بن جبلة عن مخرمة الكندي قال : لما نزل أبوجعفر المنصور الربذة وجعفر بن محمد يومئذ بها قال : من يعذرني من جعفر هذا ، قدم رجلا وأخر اخرى يقول : أتنحى عن محمد أقول : يعني محمد بن عبدالله بن الحسن فان يظفر فإنما الامر لي ، وإن تكن الاخرى فكنت قد أحرزت نفسي ، أما والله لاقتلنه ، ثم التفت إلى إبراهيم بن جبلة ، قال يا ابن جبلة قم إليه ، فضع في عنقه ثيابه ، ثم أئتني به سحبا .
قال إبراهيم : فخرجت حتى أتيت منزله ، فلم اصبه فطلبته في مسجد أبي ذر فوجدته في باب المسجد قال : فاستحييت أن أفعل ما امرت به ، فأخذت بكمه فقلت له : أجب أميرالمؤمنين فقال : إنا لله وإنا إليه راجعون ، دعني حتى اصلي ركعتين ، ثم بكى بكاءا شديدا وأنا خلفه ثم قال : اللهم أنت ثقتي .
الدعاء ثم قال : اصنع ما امرت به فقلت : والله لا أفعل ولو ظننت أني اقتل ، فأخذت بيده فذهبت به ، لا والله ما أشك إلا أنه يقتله قال : فلما انتهيت إلى باب الستر قال : يا إليه جبرئيل الدعاء .
ثم قال إبراهيم : فلما أدخلته عليه قال : فاستوى جالسا ثم أعاد عليه الكلام فقال : قدمت رجلا وأخرت اخرى ، أما والله لاقتلنك فقال : يا أميرالمؤمنين ما فعلت فارفق بي ، فوالله لقل ما أصحبك ، فقال له أبوجعفر : انصرف ، ثم التفت إلى عيسى بن علي فقال له : يا أبا العباس الحقه فسله أبي ؟ أم به ؟ فخرج يشتد حتى لحقه .
فقال : يا أبا عبدالله إن أميرالمؤمنين يقول لك : أبك ؟ أم به ؟ فقال : لابل بي فقال أبوجعفر : صدق ، قال إبراهيم : ثم خرجت فوجدته قاعدا ينتظرني يتشكر لي صنعي به ، وإذا به يحمدالله ، وذكر الدعاء ( 1 ) .
بيان : ( قدم رجلا وأحرا خزى ) أي وافق محمد بن عبدالله في بعض الامر وحثه على الخروج ، وتنحى عنه ظاهرا ، أو حرف الناس عن ناحيتنا ، ولم يوافقه

___________________________________________________________________
( 1 ) نفس المصدر ص 188 .

[193]

في الخروج ( يقول ) أي الصادق عليه السلام أتنحى عن محمد بن عبدالله بن الحسن فإن يظفر محمد فالامر لي لكثرة شيعتي ، وعلم الناس بأني أعلم وأصلح لذلك ، وإن انهزم وقتل فقد نجيت نفسي من القتل .
ويحتمل أن يكون قدم رجلا وأخر اخرى بمعناه المعروف أي تفكر و تردد حتى عزم على ذلك ، لكنه بعيد عن السياق ، وقوله ( أقول يعني ) كلام السيد رحمه الله .
39 مهج : محمد بن أبي القاسم الطبري ، عن محمد بن أحمد بن شهريار ، عن محمد بن محمد بن عبدالعزيز العكبري ، عن محمد بن عمر بن القطان ، عن عبدالله بن خلف ، عن محمد بن إبراهيم الهمداني ، عن الحسن بن علي البصري ، عن الهيثم ابن عبدالله الرماني ، والعباس بن عبدالعظيم العنبري ، عن الفضل بن الربيع عن أبيه قال : بعث المنصور إبراهيم بن جبلة ليشخص جعفر بن محمد عليه السلام فحدثني إبراهيم أنه لما أخبره برسالة المنصور سمعه يقول : اللهم أنت ثقتي ، الدعاء .
قال الربيع : فلما وافى إلى حضرة المنصور ، دخلت فأخبرته بقدوم جعفر بن محمد وإبراهيم ، فدعا المسيب بن زهير الضبي فدفع إليه سيفا وقال له : إذا دخل جعفر ابن محمد فخاطبته وأومأت إليك فاضرب عنقه ، ولا تستأمر ، فخرجت إليه وكان صديقا لي الاقيه واعاشره إذا حججت فقلت : يا ابن رسول الله إن هذا الجبار قد أمر فيك بأمر كرهت أن ألقاك به ، وإن كان في نفسك شئ تقوله أو توصيني به فقال : لا يروعك ذلك فلو قدر آني لزال ذلك كله ثم أخذ بمجامع الستر فقال : يا إله جبرئيل ، الدعاء .
ثم دخل فحرك شفتيه بشئ لم أفهمه ، فنظرت إلى المنصور ، فما شبهته إلا بنار صب عليها مآء ، فخمدت ، ثم جعل يسكن غضبه ، حتى دنا منه جعفر ابن محمد عليه السلام وصار مع سريره فوثب المنصور فأخذ بيده ، ورفعه على سريره ، ثم قال له : يا أبا عبدالله يعز علي تعبك وإنما أحضرتك لاشكو إليك أهلك ، قطعوا رحمي ، وطعنوا دي ديني ، وألبوا الناس علي ، ولو ولي هذا الامر غيري ممن هو

[194]

أبعد رحما مني ، لسمعوا له وأطاعوا .
فقال له جعفر عليه السلام : يا أميرالمؤمنين فأين يعدل بك عن سلفك الصالح ، إن أيوب عليه السلام ابتلي فصبر ، وإن يوسف ظلم فغفر ، وإن سليمان اعطي فشكر فقال المنصور : ثقد صبرت وغفرت وشكرت ثم قال : يا أبا عبدالله حدثنا حديثا كنت سمعته منك في صلة الارحام قال : نعم حدثني أبي عن جدي أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : البر وصلة الارحام عمارة الدنيا ، وزيادة الاعمار ، قال : ليس هذا هو ، قال : نعم حدثني أبي عن جدي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : من أحب أن ينسى في أجله ، ويعافى في بدنه فليصل رحمه قال : ليس هذا هو قال : نعم حدثني أبي عن جدي أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : رأيت رحما متعلقا بالعرش يشكو إلى الله تعالى عزوجل قاطعها فقلت : يا جبرئيل كم بينهم ؟ فقال : سبعة آباء ، فقال : ليس هذا هو قال : نعم حدثني أبي عن جدي .
قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : احتضر رجل بارفي جواره رجل عاق قال الله عزوجل لملك الموت : يا ملك الموت كم بقي من أجل العاق ؟ قال : ثلاثون سنة قال : حولها إلى هذا البار .
فقال المنصور : يا غلام ائتني بالغالية فأتاه بها فجعل يغلفه بيده ، ثم دفع إليه أربعة آلاف ، ودعا بدابته فأتاه بها ، فجعل يقول : قدم قدم إلى أن أتى بها إلى عند سريره ، فركب جعفر بن محمد عليه السلام وعدوت بين يديه فسمعته يقول : الحمد لله ، الدعاء ، فقلت له : يا ابن رسول الله إن هذا الجبار يعرضني على السيف كل قليل ، وقد دعا المسيب بن زهير ، فدع إليه سيفا وأمره أن يضرب عنقك ، وإني رأيتك تحرك شفتيك حين دخلت بشئ لم أفهمه عنك فقال : ليس هذا موضعه ، فرحت إليه عشيا فعلمني الدعاء ( 1 ) .
بيان : يعرضني على السيف كل قليل : أي يأمرني بالقتل في كل زمان قليل ، أو لكل أمر قليل ، أو يأمر بقتلي كذلك ، والغرض بيان كونه سفا كا لا يبالي بالقتل .

___________________________________________________________________
( 1 ) مهج الدعوات ص 192 .

[195]

40 مهج : من كتاب عتيق به حدثنا محمد بن أحمد بن عبدالله بن صفوة ، عن محمد بن العباس العاصمي ، عن الحسن بن علي يقطين ، عن أبيه ، عن محمد بن الربيع الحاجب قال : قعد المنصور يوما في قصرة في القبة الخضراء وكانت قبل قتل محمدو إبراهيم تدعى الحمراء ، وكان له يوم يقعد فيه يسمى ذلك اليوم الذبح ، وكان أشخص جعفربن محمد عليه السلام من المدينة ، فلم يزل في الحمراء نهاره كله ، حتى جاء الليل ، ومضى أكثره ، قال : ثم دعا أبي الربيع فقال له : يا ربيع إنك تعرف موضعك مني ، وإني يكون لي الخبر ولا تظهر عليه امهات الاولاد ، وتكون أنت المعالج له .
فقال : قلت : يا أميرالمؤمنين ذلك من فضل الله علي وفضل أميرالمؤمنين ، و ما فوقي في النصح غاية قال : كذلك أنت ، سر الساعة إلى جعفر محمد بن فاطمة فائتني على الحال الذي تجده عليه ، لا تغير شيئا مما هو عليه ، فقلت : إنا لله وإنا إليه راجعون ، هذا والله هو العطب ، إن أتيت به علي ما أراه من غضبه قتله ، وذهبت الآخرة ، وإن لم آت به واد هنت في أمره قتلني ، وقتل نسلي ، وأخذه أموالي فخيرت بين الدنيا والآخرة ، فمالت نفسي إلى الدنيا .
قال محمد بن الربيع : فدعاني أبي وكنت أفظ ( 1 ) ولده وأغلظهم قلبا ، فقال لي : امض إلى جعفر بن محمد بن علي ، فتسلق على حائطه ، ولا تستفتح عليه بابا ، فيغير بعض ما هو عليه ، ولكن انزل عليه نزولا ، فأت به على الحال التي هو فيها ، قال : فأتيته وقد ذهب الليل إلى أقله ، فأمرت بنصب السلاليم ( 2 ) وتسلقت عليه الحائط فنزلت عليه داره ، فوجدته قائما يصلي ، وعليه قميص ، ومنديل قد ائتزربه ، فلما سلم من صلاته قلت له : أجب أميرالمؤمنين فقال : دعني ، أدعو وألبس ثيابي فقلت له : ليس إلى تركك وذلك سبيل ، قال : وأدخل المغتسل فأتطهر قال : قلت : وليس

___________________________________________________________________
( 1 ) الفظ : الغليظ السيئ الخلق الخشن الكلام جمع أفظاظ .
( 2 ) السلاليم : جمع سلم وهى ما يرتقى عليه ، سواء كان من خشب أو حجر أو مدر يذكر ويؤنث .

[196]

إلى ذلك سبيل فلا تشغل نفسك ، فإني لا أدعك تغير شيئا ، قال : فأخرجته حافيا حاسرا في قميصه ومنديله ، وكان قد جاوز عليه السلام السبعين .
فلما مضى بعض الطريق ، ضعف الشيخ فرحمته فقلت له : اركب ، فركب بغل شاكري ( 1 ) كان معنا ، ثم صرنا إلى الربيع فسمعته وهو يقول له : ويلك يا ربيع قد أبطأ الرجل ، وجعل يستحثه استحثاثا شديدا ، فلما أن وقعت عين الربيع على جعفر بن محمد وهو بتلك الحال بكى .
وكان الربيع يتشيع فقال له جعفر عليه السلام يا ربيع أنا أعلم ميلك إلينا ، فدعني اصلي ركعتين وأدعو قال : شأنك وما تشاء ، فصلى ركعتين خففهما ثم دعا بعدهما بدعاء لم أفهمه ، إلا أنه دعاء طويل ، والمنصور في ذلك كله يستحث الربيع ، فلما فرغ من دعائه على طوله ، أخذ الربيع بذراعيه فأدخله على المنصور .
فلما صار في صحن الايوان ، وقف ثم حرك شفتيه بشئ ، لم أدر ما هو ، ثم أدخلته فوقف بين يديه ، فلما نظر إليه قال : وأنت يا جعفر ما تدع حسدك وبغيك ، وإفسادك على أهل هذا البيت من بني العباس ، وما يزيدك الله بذلك إلا شدة حسد ونكد ، ما تبلغ به ما تقدره .
فقال له : والله يا أميرالمؤمنين ما فعلت شيئا من هذا ولقد كنت في ولاية بني امية ، وأنت تعلم أنهم أعدى الخلق لنا ولكم ، وأنهم لاحق لهم في هذا الامر فوالله ما بغيت عليهم ، ولا بلغهم عني سوء ، مع جفاهم الذي كان بي ، وكيف يا أميرالمؤمنين أصنع الآن هذا ؟ وأنت ابن عمي وأمس الخلق بي رحما ، وأكثرهم عطاء وبرا ، فكيف أفعل هذا ؟ ! فأطرق المنصور ساعة ، وكان على لبد ( 2 ) وعن يساره مرفقة جر مقانية ، وتحت لبده سيف ذوفقار ، كان لا يفارقه إذا قعد في القبة قال : أبطلت وأثمت ، ثم رفع ثني الوسادة فأخرج منها إضبارة كتب ، فرمى بها إليه وقال : هذه كتبك إلى أهل خراسان تدعوهم إلى نقض بيعتي ، وأن يبايعوك دوني

___________________________________________________________________
( 1 ) الشاكرى : الاجير والمستخدم جمع شاكرية ، والكلمة من الدخيل .
( 2 ) اللبد : الصوف المتلبد .

[197]

فقال : والله يا أميرالمؤمنين ما فعلت ، ولا أستحل ذلك ، ولا هو من مذهبي ، وإني لمن يعتقد طاعتك على كل حال ، وقد بلغت من السن ما قد أضعفني عن ذلك لو أردته فصيرني في بعض جيوشك ، حتى يأتيني الموت فهو مني قريب ، فقال : لا ولا كرامة ثم أطرق وضرب يده إلى السيف ، فسل منه مقدار شبر وأخذ بمقبضه ، فقلت : إنا لله ذهب والله الرجل ، ثم رد السيف ، وقال : يا جعفر أما تستحي مع هذه الشيبة ومع هذا النسب أن تنطق بالباطل ، وتشق عصا المسلمين ؟ تريد أن تريق الدماء ، وتطرح الفتنة بين الرعية ، والاوليآء ، فقال : لا والله يا أميرالمؤمنين ما فعلت ، ولا هذه كتبي ولا خطي ، ولا خاتمي ، فانتضى من السيف ذراعا فقلت : إنا لله مضى الرجل ، وجعلت في نفسي إن أمرني فيه بأمر أن أعصيه ، لانني ظننت أنه يأمرني أن آخذ السيف فأضرب به جعفرا ، فقلت : إن أمرني ضربت المنصور ، وإن أتى ذلك علي وعلى ولدي ، وتبت إلى الله عزوجل مما كنت نويت فيه أولا فأقبل يعاتبه وجعفر يعتذر ، ثم انتضى السيف إلا شيئا يسيرا منه فقلت : إنا لله مضى والله الرجل ، ثم أغمد السيف وأطرق ساعة ثم رفع رأسه وقال : أظنك صادقا يا ربيع هات العيبة ( 1 ) من موضع كانت فيه في القبة ، فأتيته بها فقال : أدخل يدك فيها ، فكانت مملوة غالية ، وضعها في لحيته وكانت بيضاء فاسودت ، وقال لي : احمله على فاره ( 2 ) من دوابي التي أركبها ، وأعطه عشرة آلاف درهم ، وشيعه إلى منزله مكرما ، وخيره إذا أتيت به إلى المنزل بين المقام عندنا فنكرمه والانصراف إلى مدينه جده رسول الله صلى الله عليه وآله فخرجنا من عندء وأنا مسرور فرح
-بحار الانوار مجلد: 43 من ص 197 سطر 19 الى ص 205 سطر 18 بسلامة جعفر عليه السلام ومتعجب مما أراد المنصور ، وما صار إليه من أمره ، فلما صرنا في الصحن قلت له : يا ابن رسول الله إني لاعجب مما عمد إليه هذا في بابك ، وما أصارك الله إليه من كفايته ودفاعه ، ولا عجب من أمر الله عزوجل ، وقد سمعتك تدعو في عقيب الركعتين بدعاء لم أدرما هو ، إلا أنه طويل ، ورأيتك قد حركت

___________________________________________________________________
( 1 ) العيبة : ما تجعل فيه الثياب كالصندوق جمع عيب وعياب وعيبات .
( 2 ) الفاره : البين الفراهة ورجل فاره اذا نشط وخف .

[198]

شفتيك ههنا أعني الصحن بشئ لم أدر ما هو .
فقال لي : أما الاول فدعاء الكرب والشدائد لم أدع به على أحد قبل يومئذ جعلته عوضا من دعاء كثير أدعوبه إذا قضيت صلاتى ، لاني لم أترك أن أدعو ما كنت أدعوبه ، وأما الذي حركت به شفتي فهو دعآء رسول الله صلى الله عليه وآله يوم الاحزاب ثم ذكر الدعاء .
ثم قال : لولا الخوف من أميرالمؤمنين لدفعت إليك هذا المال ، ولكن قد كنت طلبت مني أرضي بالمدينة ، وأعطيتني بها عشرة آلاف دينار ، فلم أبعك وقد وهبتها لك ، قلت : يا ابن رسول الله إنما رغبتي في الدعآء الاول والثاني ، فاذا فعلت هذا فهو البر ولا حاجة لي الآن في الارض ، فقال : إنا أهل بيت لا نرجع في معروفنا ، نحن ننسخك الدعآء ونسلم إليك الارض ، صرمعي إلى المنزل فصرت معه كما تقدم المنصور ، وكتب لي بعهدة الارض ، وأملى علي دعاء رسول الله صلى الله عليه وآله وأملى على الذي دعا هو بعد الركعتين ، قال : فقلت : يا ابن رسول الله ، لقد كثر استحثاث المنصور واستعجاله إياي وأنت تدعو بهذا الدعآء الطويل متمهلا كأنك لم تخشه ! ؟ .
قال : فقال لي : نعم ، قد كنت أدعو به بعد صلاة الفجر ، بدعآء لابد منه فأما الركعتان فهما صلاة الغداة خففتهما ودعوت بذلك الدعاء بعدهما ، فقلت له : أما خفت أبا جعفر وقد أعدلك ما أعد ؟ ! قال : خيفة الله دون خيفته ، وكان الله عزوجل في صدري أعظم منه .
قال الربيع : كان في قلبي ما رأيت من المنصور ومن غضبه وخيفته على جعفر ومن الجلالة له في ساعة مالم أظنه يكون في بشر ، فلما وجدت منه خلوة ، وطيب نفسي ، قلت : يا أميرالمؤمنين رأيت منك عجبا قال : ما هو ؟ قلت : يا أميرالمؤمنين رأيت غضبك على جعفر غضبا لم أرك غضبته على أحدقط ، ولا على عبدالله بن الحسن ولا على غيره من كل الناس ، حتى بلغ بك الامر أن تقتله بالسيف ، وحتى أنك أخرجت من سيفك شبرا ثم أغمدته ، ثم عاتبته ، ثم أخرجت منه ذراعا ، ثم عاتبته ثم أخرجته كله إلا شيئا يسيرا ، فلم أشك في قتلك له ، ثم انجلى ذلك كله

[199]

فعاد رضى ، حتى أمرتني فسودت لحيته بالغالية التي لا يتغلف منها إلا أنت ، ولا يغلف منها ولدك المهدي ، ولا من وليته عهدك ، ولا عمومتك ، وأجزته ، وحملته وأمرتني بتشييعه مكرما ! فقال : ويحك يا ربيع ، ليس هو كما ينبغي أن تحدث به وستره أولى ، ولا احب أن يبلغ ولد فاطمة فيفتخرون ويتيهون بذلك علينا حسبنا ما نحن فيه ، ولكن لا أكتمك شيئا ، انظر من في الدار فنحهم قال : فنحيت كل من في الدار .
ثم قال لي : ارجع ولا تبق أحدا ، ففعلت ثم قال لي : ليس إلا أنا وأنت والله لئن سمعت ما ألقيته إليك من أحد لاقتلنك وولدك ، وأهلك أجمعين ، ولآخذن مالك ، قال : قلت : يا أميرالمؤمنين اعيذك بالله قال : يا ربيع قد كنت مصرا على قتل جعفر ، وأن لا أسمع له قولا ، ولا أقبل له عذرا ، وكان أمره وإن كان ممن لا يخرج بسيف اغلظ عندي وأهم علي من أمر عبدالله بن الحسن ، فقد كنت أعلم هذا منه ومن آبائه على عهد بني امية ، فلما هممت به في المرة الاولى تمثل لي رسول الله صلى الله عليه وآله فإذا هو حائل بيني وبينه ، باسط كفيه ، حاسر عن ذراعيه قد عبس وقطب في وجهي عنه ، ثم هممت به في المرة الثانية وانتضيت من السيف أكثرمما انتضيت منه في المرة الاولى فإذا أنا برسول الله صلى الله عليه وآله قد قرب مني ودنا شديدا وهم لي أن لي أن لو فعلت لفعل فأمسكت ثم تجاسرت وقلت : هذا بعض أفعال الرئي ، ثم انتضيت السيف في الثالثة فتمثل لي رسول الله صلى الله عليه وآله باسط ذراعيه ، قد تشمر واحمر وعبس وقطب حتى كاد أن يضع يده علي فخفت والله لو فعلت لفعل ، وكان مني ما رأيت ، وهؤلاء من بني فاطمة صلوات الله عليهم لا يجهل حقهم إلا جاهل لا حظ له في الشريعة ، فإياك أن يسمع هذا منك أحد ، قال محمد بن الربيع : فما حدثني به أبي حتى مات المنصور ، وماحدثت أنا به حتى مات المهدي ، وموسى ، وهارون وقتل محمد ( 1 ) .
بيان : تسلق الجدار تسوره وعلاه ، والشاكري الاجير والمستخدم معرب

___________________________________________________________________
( 1 ) مهج الدعوات ص 192 .

[200]

جاكر قاله الفيروز آبادي ( 1 ) وقال : الجرامقة : قوم من العجم صاروا بالموصل في أوائل الاسلام ، الواحد جرمقاني وكساء جرمقي بالكسر ( 2 ) .
وقال : الاضبارة بالكسر والفتح الحزمة من الصحف ( 3 ) والرئي على فعيل التابع من الجن .
41 - مهج : وجدت في كتاب عتيق حدثنا محمد بن جعفر الرزاز ، عن محمد ابن عيسى بن عبيد ، عن بشير بن حماد ، عن صفوان بن مهران الجمال ، رفع رجل من قريش المدينة من بني مخزوم إلى أبي جعفر المنصور وذلك بعد قتله لمحمد وإبراهيم ابني عبدالله بن الحسن ، أن جعفر بن محمد بعث مولاه المعلى بن خنيس بجبابة الاموال من شيعته ، وأنه كان يمد بها محمد بن عبدالله ، فكاد المنصور أن يأكل كفه على جعفر غيظا ، وكتب إلى عمه داود ، وداود إذ ذاك أمير المدينة أن يسير إليه جعفر بن محمد ، ولا يرخص له في التلوم والمقام ، فبعث إليه داود بكتاب المنصور وقال : اعمل في المسير إلى أمير المؤمنين في غد ولا تتأخر ، قال صفوان : وكنت بالمدينة يومئذ ، فأنفذ إلي جعفر عليه السلام فصرت إليه فقال لي : تعهد راحلتنا فانا غادون في غد إن شاء الله إلى العراق ، ونهض من وقته ، وأنا معه إلى مسجد النبي صلى الله عليه وآله وكان ذلك بين الاولى والعصر ، فركع فيه ركعات ، ثم رفع يديه فحفظت يومئذ من دعآئه : يا من ليس له ابتداء ، الدعاء .
قال صفوان : سألت أبا عبدالله الصادق عليه السلام بأن يعيد الدعاء علي فأعاده و كتبته ، فلما أصبح أبوعبدالله عليه السلام رحلت له الناقة ، وسار متوجها إلى العراق حتى قدم مدينة أبي جعفر ، وأقبل حتى استأذن فأذن له .
قال صفوان : فأخبرني بعض من شهد عن أبي جعفر قال : فلما رآه أبوجعفر قربه وأدناه ، ثم أسند قصة الرافع على أبي عبدالله عليه السلام يقول : في قصته :

___________________________________________________________________
( 1 ) القاموس ج 2 ص 63 .
( 2 ) نفس المصدر ج 3 ص 217 .
( 3 ) نفس المصدر ج 2 ص 74 .