[201]

إن معلى بن خنيس مولى جعفر بن محمد يجبي له الاموال .
فقال أبوعبدالله عليه السلام : معاذ الله من ذلك يا أمير المؤمنين ، قال له : تحلف على برائتك من ذلك ؟ قال : نعم أحلف بالله أنه ما كان من ذلك شئ ، قال أبوجعفر : لابل تحلف بالطلاق والعتاق ، فقال أبوعبدالله : أما ترضى يمني بالله الذي لا إله إلا هو ؟ ! قال أبوجعفر : فلا تفقه علي ! فقال أبوعبدالله عليه السلام : فأين يذهب بالفقه مني يا أمير المؤمنين ! ؟ قال له : دع عنك هذا ، فاني أجمع الساعة بينك وبين الرجل الذي رفع عنك حتى يواجهك ، فأتوا بالرجل وسألوه بحضرة جعفر فقال : نعم هذا صحيح ، وهذا جعفر بن محمد ، والذي قلت فيه كما قلت فقال أبوعبدالله عليه السلام : تحلف أيها الرجل أن هذا الذي رفعته صحيح ؟ قال : نعم .
ثم ابتدأ الرجل باليمين فقال : والله الذي لا إله إلا هو الطالب الغالب ، الحي القيوم ، فقال له جعفر عليه السلام : لا تعجل في يمينك ، فاني أنا أستحلف .
قال المنصور : وما أنكرت من هذه اليمين ؟ قال : إن الله تعالى حيي كريم يستحيي من عبده إذا أثنى عليه ، أن يعاجله بالعقوبة ، لمدحه له ، ولكن قل يا أيها الرجل : أبرأ إلى الله من حوله وقوته ، وألجأ إلى حولي وقوتي إني لصادق بر فيما أقول ، فقال المنصور المقرشي : احلف بما استحلفك به أبوعبدالله ، فحلف الرجل بهذه اليمين ، فلم يستنم الكلام ، حتى أجذم وخر ميتا ، فراع أبا جعفر ذلك ، وارتعدت فرائصه فقال : يا أبا عبدالله سر من غد إلى حرم جدك إن اخترت ذلك ، وإن اخترت المقام عندنا لم نأل في إكرامك وبرك ، فوالله لا قبلت عليك قول أحد بعدها أبدا ( 1 ) .
بيان : تلوم في الامر : تمكث وانتظر ، وقوله : لم نأل أي لم نقصر .
42 - مهج : روى محمد بن عبيدالله الاسكندري أنه قال : كنت من جملة ندماء أمير المؤمنين المنصور أبي جعفر وخواصه ، وكنت صاحب سره من بين الجميع ، فدخلت عليه يوما فرأيته مغتما وهو يتنفس نفسا باردا فقلت : ما هذه

___________________________________________________________________
( 1 ) مهج الدعوات ص 198 .

[202]

الفكرة يا أمير المؤمنين ؟ فقال لي : يا محمد لقد هلك من أولاد فاطمة مقدار مائة وقد بقي سيدهم وإمامهم .
فقلت له ، من ذلك ؟ قال : جعفر بن محمد الصادق فقلت له : يا أمير المؤمنين إنه رجل أنحلته العبادة واشتغل بالله عن طلب الملك والخلافة .
فقال : يا محمد وقد علمت أنك تقول به وبامامته ، ولكن الملك عقيم ، وقد آليت على نفسي أن لا امسي عشيتي هذه ، أو أفرغ منه ، قال محمد : والله لقد ضاقت علي الارض برحبها ، ثم دعا سيافا وقال له : إذا أنا أحضرت أبا عبدالله الصادق وشغلته بالحديث ، ووضعت قلنسوتي عن رأسي فهي العلامة بيني وبينك فاضرب عنقه .
ثم أحضر أبا عبدالله عليه السلام في تلك الساعة ، ولحقته في الدار وهو يحرك شفتيه فلم أدر ما الذي قرأ ؟ فرأيت القصر يموج كأنه سفينة في لجج البحار ، فرأيت أبا جعفر المنصور وهو يمشي بين يديه حافي القدمين ، مكشوف الرأس ، قد اصطكت أسنانه ، وارتعدت فرائصه ، يحمر ساعة ، ويصفر اخرى ، وأخذ بعضد أبي عبدالله الصادق عليه السلام وأجلسه على سرير ملكه ، وجثا بين يديه ، كما يجثو العبد بين يدي مولاه .
ثم قال له : يا ابن رسول الله ما الذي جاءبك في هذه الساعة ؟ قال : جئتك يا أمير المؤمنين طاعة لله عزوجل ولرسول الله صلى الله عليه وآله ولامير المؤمنين أدام الله عزه قال : ما دعوتك والغلط من الرسول ، ثم قال : سل حاجتك ، فقال : أسألك أن لا تدعوني لغير شغل ، قال : لك ذلك وغير ذلك .
ثم انصرف أبوعبدالله عليه السلام سريعا ، وحمدت الله عزوجل كثيرا ودعا أبوجعفر المنصور بالدواويج ونام ، ولم ينتبه إلا في نصف الليل ، فلما انتبه كنت عند رأسه جالسا فسره ذلك وقال لي : لا تخرج حتى أقضي ما فاتني من صلاتي فاحدثك بحديث ، فلما قضى صلاته أقبل علي وقال لي : لما أحضرت أبا عبدالله الصادق ، وهممت به ما هممت من السوء ، رأيت تنينا قد حوى بذنبه جميع داري وقصري ، وقد وضع شفتيه العليا في أعلاها ، والسفلى في أسفلها ، وهو يكلمني بلسان طلق ذلق عربي مبين : يا منصور إن الله تعالى جده قد بعثني إليك ، وأمرني إن

[203]

أنت أحدثت في أبي عبدالله الصادق عليه السلام حدثا فأنا أبتلعك ومن في دارك جميعا فطاش عقلي وارتعدت فرائصي واصطكت أسناني .
قال محمد بن عبدالله الاسكندري قلت له : ليس هذا بعجيب يا أمير المؤمنين ، و عنده من الاسماء وسائر الدعوات التى لو قرأها على الليل لانار ، ولو قرأها على النهار لاظلم ، ولو قرأها على الامواج في البحور لسكنت ، قال محمد : فقلت له بعد أيام : أتأذن لي يا أمير المؤمنين أن أخرج إلى زيارة أبي عبدالله الصادق ؟ فأجاب ولم يأب ، فدخلت على أبي عبدالله وسلمت وقلت له : أسألك يا مولاي بحق جدك محمد رسول الله صلى الله عليه وآله أن تعلمني الدعاء الذي تقرأه عند دخولك إلى أبي جعفر المنصور قال : لك ذلك ثم علمه عليه السلام الدعاء على ما سيأتي في موضعه ( 1 ) .
43 - مهج : علي بن عبدالصمد ، عن عم والده محمد بن علي بن عبدالصمد عن جعفر بن محمد الدوريستي ، عن والده ، عن الصدوق قال : وحدثني الشيخ جدي عن والده علي بن عبدالصمد ، عن محمد بن إبراهيم بن نبال ، عن الصدوق ، عن أبيه عن شيوخه ، عن محمد بن عبيدالله الاسكندري مثله ( 2 ) .
بيان : الدواج كرمان وغراب اللحاف الذي يلبس ذكره الفيروز آبادي ( 3 ) 44 - كا : عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن أبي عبدالله ، عن بعض أصحابه ، عن صفوان الجمال قال : حملت أبا عبدالله الحملة الثانية إلى الكوفة ، وأبوجعفر المنصور بها ، فلما أشرف على الهاشمية مدنية أبي جعفر ، أخرج رجله من غرز الرحل ( 4 ) ثم نزل ودعا ببغلة شهباء ، ولبس ثيابا بيضا وتكة بيضاء ، فلما دخل عليه قال له أبوجعفر : لقد تشبهت بالانبياء ؟ ! فقال أبوعبدالله : وأنى تبعدني من أبناء الانبياء ؟

___________________________________________________________________
( 1 ) مهج الدعوات ص 251 .
( 2 ) نفس المصدر ص 18 .
( 3 ) القاموس ج 1 ص 189 .
( 4 ) غرز الرحل : هو ركاب من جلد يقال : غرز رجله في الغرز اذا وضعها فيه كاغترز ( القاموس ) .

[204]

قال : لقد هممت أن أبعث إلى المدينة من يعقر نخلها ، ويسبي ذريتها ، فقال : ولم ذاك يا أمير المؤمنين ؟ .
فقال : رفع إلي أن مولاك المعلى بن خنيس يدعو إليك ويجمع لك الاموال فقال : والله ما كان فقال : لست أرضى منك إلا بالطلاق والعتاق والهدي والمشي ، فقال : أبا لانداد من دون الله تأمرني أن أحلف ؟ إنه من لم يرض بالله فليس من الله في شئ .
فقال : أتتفقه علي ؟ فقال : وأنى تبعدني من التفقة ، وأنا ابن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : فإني أجمع بينك وبين من سعى بك قال : فافعل قال : فجاء الرجل الذي سعى به فقال أبوعبدالله عليه السلام : يا هذا ، قال : فقال : نعم والله الذي لا إله إلا هو ، عالم الغيب والشهادة ، الرحمن الرحيم ، لقد فعلت .
فقال له أبوعبدالله عليه السلام : يا ويلك تجلل الله فيستحيي من تعذيبك ، ولكن قل : برئت من حول الله وقوته وألجأت إلى حولي وقوتي ، فحلف بها الرجل فلم يستتمها ؟ حتى وقع ميتا ، فقال له أبوجعفر : لا اصدق بعدها عليك أبدا ، وأحسن جائزته ورده ( 1 ) .
45 - مهج : رأيت بخط عبدالسلام البصري بدمينة السلام أخبرنا أبوغالب أحمد بن محمد الرازي ، عن جده من بن سليمان ، عن ابن أبي الخطاب ، عن ابن سنان عن ابن مسكان ، وأبي سعيد المكاري وغير واحد من عبدالاعلى بن أعين ، عن رزام ابن مسلم مولى خالد قال : بعثني أبوالدوانيق أنا ونفرا معي إلى أبي عبدالله عليه السلام و هو بالحيرة لنقتله ، فدخلنا عليه في رواقه ليلا فنلنا منه حاجتنا ، ومن ابنه إسماعيل ، ثم رجعنا إلى أبي الدوانيق فقلنا له : فرغنا مما أمرتنا به ، فلما أصبحنا من الغد وجدنا في رواقه ناقتين منحورتين ، قال أبوالحسن محمد بن يوسف : إن جعفر بن محمد حال الله بينهم وبينه ( 2 ) .
46 - مهج : من كتاب الخصائص للحافظ أبي الفتح محمد بن أحمد بن علي

___________________________________________________________________
( 1 ) الكافى ج 6 ص 445 وفيه ( تمجد ) بدل ( تجلل ) .
( 2 ) مهج الدعوات ص 212 .

[205]

النطنزي ، عن عبدالواحد بن علي ، عن أحمد بن إبراهيم ، عن منصور بن أحمد الصيرفي عن إسحاق بن عبد الرب بن المفضل ، عن عبدالله بن عبدالحميد ، عن محمد بن مهران الاصفهاني ، عن خلاد بن يحيى ، عن قيس بن الربيع ، عن أبيه قال : دعاني المنصور يوما قال : أما ترى ما هو هذا يبلغني عن هذا الحبشي ؟ قلت : ومن هو يا سيدي ؟ قال : جعفر بن محمد ، والله لاستأصلن شأفته ، ثم دعا بقائد من قواده ، فقال : انطلق إلى المدينة في ألف رجل ، فاهجم على جعفر بن محمد ، وخذ رأسه ورأس ابنه موسى ابن جعفر ، في مسيرك ، فخرج القائد من ساعته حتى قدم المدينة ، وأخبر جعفر بن محمد فأمر فاتي بناقتين ، فأوثقهما على باب البيت ودعا بأولاده موسى ، وإسماعيل ، ومحمد وعبدالله ، فجمعهم وقعد في المحراب ، وجعل يهمهم .
قال أبوبصير : فحدثني سيدي موسى بن جعفر أن القائد هجم عليه ، فرأيت أبي وقد همهم بالدعاء ، فأقبل القائد وكل من كان معه قال : خذوا رأسي هذين القائمين ، فاجتزوا رأسهما ، ففعلوا وانطلقوا إلى المنصور ، فلما دخلوا عليه اطلع المنصور في المخلاة التي كان فيها الرأسان ، فاذا هما رأسا ناقتين .
فقال المنصور : أى شئ هذا ؟ قال : يا سيدي ما كان بأسرع من أني دخلت البيت الذي فيه جعفر بن محمد ، فدار رأسي ولم أنظر ما بين يدي ، فرأيت شخصين قائمين خيل إلي أنهما جعفر بن محمد وموسى ابنه فأخذت رأسيهما .
فقال المنصور : اكتم علي فما حدثت به أحدا حتى مات قال الربيع : فسألت موسى بن جعفر عليه السلام عن الدعاء فقال : سألت أبي عن الدعاء فقال : هو دعاء الحجاب
-بحار الانوار مجلد: 43 من ص 205 سطر 19 الى ص 213 سطر 18 وذكر الدعاء ( 1 ) .
بيان : قال الجوهري : الشأفة ( 2 ) قرحة تخرج في أسفل القدم ، فتكوى فتذهب وإذا قطعت مات صاحبها ، والاصل واستأصل الله شأفته أذهبه كما تذهب تلك القرحة أو معناه أزاله من أصله .

___________________________________________________________________
( 1 ) مهج الدعوات ص 213 .
( 2 ) هذا نص القاموس ج 2 ص 184 .

[206]

47 - كشف : وقال الحافظ عبدالعزيز : روى عن جعفر بن محمد عليه السلام قال : لما دفعت إلى أبي جعفر المنصور ، انتهرتي وكلمني بكلام غليظ ثم قال لي : يا جعفر قد علمت بفعل محمد بن عبدالله الذي يسمونه النفس الزكية وما نزل به ، وإنما أنتظر الآن أن يتحرك منكم أحد فالحق الكبير بالصغير ، قال : فقلت : يا أمير المؤمنين حدثني محمد بن علي ، عن أبيه علي بن الحسين ، عن الحسين بن علي ، عن علي بن أبي طالب أن النبي صلى الله عليه وآله قال : إن الرجل ليصل رحمه وقد بقي من عمره ثلاث سنين فيمدها الله إلى ثلاث وثلاثين سنة ، وإن الرجل ليقطع رحمه وقد بقي من عمره ثلاث وثلاثون سنة فيبترها الله إلى ثلاث سنين قال : فقال لي : الله لقد سمعت هذا من أبيك ؟ قلت : نعم حتى رددها علي ثلاثا ، ثم قال : انصرف ( 1 ) .
ومن كتاب الحافظ عبدالعزيز قال : حدث أبوالحسين يحيى بن الحسين بن جعفر ابن عبدالله بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام قال : كتب إلي عباد بن يعقوب يخبرني عن محمد بن إسحاق بن جعفر بن محمد ، عن أبيه قال : دخل جعفر بن محمد على أبي جعفر المنصور ، فتكلم ، فلما خرجوا من عنده أرسل إلى جعفر بن محمد عليه السلام فرده ، فلما رجع حرك شفتيه بشئ فقيل له : ما قلت ؟ قال : قلت : اللهم أنت كفي من كل شئ ولا يكفي منك شئ فاكفنيه ، فقال لي : ما يبرك عندي فقال له أبوعبدالله عليه السلام : قد بلغت أشياء لم يبلغها أحد من آبائي في الاسلام .
وما أراني أصحبك إلا قليلا ، ما أرى هذا السنة تتم لي قال : فإن بقيت ؟ قال : ما أراني أبقى قال : فقال أبوجعفر : احسبوا له فحسبوا فمات في شوال ( 2 ) .
48 - كا : محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن مرازم ، عن أبيه قال : خرجنا مع أبي عبدالله عليه السلام حيث خرج من عند أبي جعفر من الحيرة فخرج ساعة أذن له وانتهى إلى السالحين ( 3 ) في أول الليل فعرض له عاشر ( 4 ) كان يكون في السالحين

___________________________________________________________________
( 1 ) كشف الغمة ج 2 ص 383 .
( 2 ) نفس المصدر ج 2 ص 384 .
( 3 ) السالحين موضع على أربعة فراسخ من بغداد إلى المغرب .
( 4 ) العاشر : من يأخذ العشر ، يقال عشرت ماله أعشره عشرا فأنا عاشر ، وعشرته فأنا معشر وعشار ، اذا أخذت عشره .
" النهاية " .

[207]

في أول الليل فقال له : لا أدعك تجوز ، فألح عليه ، وطلب إليه ، فأبى إباء ومصادف معه ، فقال له مصادف : جعلت فداك إنما هذا كلب قد آذاك ، وأخاف أن يردك ، و ما أدري ما يكون من أمر أبي جعفر ، وأنا مرازم أتأذن لنا أن نضرب عنقه ثم نطرحه في النهر ؟ فقال : كف يا مصادف ، فلم يزل يطلب إليه حتى ذهب من الليل أكثره فأذن له فمضى ، فقال : يا مرازم هذا خير أم الذي قلتماه ؟ قلت : هذا جعلت فداك فقال : يا مرازم إن الرجل يخرج من الذل الصغير فيدخله ذلك في الذل الكبير ( 1 ) .
49 - اعلام الدين للديلمى : روي عن الحسن بن علي بن يقطين ، عن أبيه ، عن جده قال : ولي علينا بالاهواز رجل من كثاب يحيى بن خالد ، وكان علي بقايا من خراج ، كان فيها زوال نعمتي وخروجي من ملكي ، فقيل لي : إنه ينتحل هذا الامر ، فخشيت أن ألقاه مخافة أن لا يكون ما بلغني حقا فيكون خروجي من ملكي وزوال نعمتي ، فهربت منه إلى الله تعالى وأتيت الصادق عليه السلام مستجيرا فكتب إليه رقعة صغيرة فيها " بسم الله الرحمن الرحيم إن لله في ظل عرشه ظلا له يسكنه إلا من نفس عن أخيه كربة ، وأعانه بنفسه ، أو صنع إليه معروفا ولو بشق تمرة ، وهذا أخوك المسلم " ثم ختمها ودفعها إلي وأمرني أن اوصلها إليه ، فلما رجعت إلى بلادي صرت إلى منزله فاستأذنت عليه وقتل : رسول الصادق عليه السلام بالباب فإذا أنابه وقد خرج إلي حافيا ، فلما بصربي سلم علي وقبل ما بين عيني ، ثم قال لي : يا سيدي أنت رسول مولاي ؟ فقال : نعم فقال : هذا عتقي من النار إن كنت صادقا ، فأخذ بيدي وأدخلني منزله ، وأجلسني في مجلسه وقعد بين يدي ، ثم قال : يا سيدي كيف خلفت مولاي ؟ فقال : بخير فقال : الله الله ؟ قلت : الله حتى أعادها ، ثم ناولته الرقعة فقرأها وقبلها ، ووضعها على عينيه ، ثم قال : يا أخي مر بأمرك ! فقلت : في جريدتك علي كذا وكذا ألف درهم ، وفيه عطبي ( 2 ) وهلاكي ، فدعا بالجريدة فمحا عني كل ما كان فيها ، وأعطاني براءة منها .

___________________________________________________________________
( 1 ) الكافى ج 8 ص 87 .
( 2 ) العطب : الهلاك يقال عطب كفرح ، هلك .

[208]

ثم دعا بصانديق ماله فناصفني عليها ، ثم دعا بدوابه فجعل يأخذ دابة ويعطيني دابة ، ثم بغلمانه فجعل يعطيني غلاما وأخذ غلاما .
ثم دعا بسكوته فجعل يأخذ ثوبا ويعطيني ثوبا ، حتى شاطرني جميع ملكه ويقول : هل سررتك ؟ وأقول : أي والله وزدت على السرور ، فلما كان في الموسم قلت : والله لا كان جزاء هذا الفرح بشئ أحب إلى الله وإلى رسوله من الخروج إلى الحج والدعآء له ، والمصير إلى مولاي وسيدي الصادق عليه السلام وشكره عنده وأسأله الدعاء له فخرجت إلى مكة ، وجعلت طريقي إلى مولاي عليه السلام فلما دخلت عليه رأيته والسرور في وجهه وقال : يا فلان ما كان من خبرك من الرجل ؟ فجعلت اورد عليه خبرى وجعل يتهلل وجهه ويسر السرور فقلت : يا سيدي هل سررت بما كان منه إلي ؟ فقال : أى والله سرني إي والله لقد سر آبائي إي والله لقد سر رسول الله صلى الله عليه وآله إي والله لقد سر الله في عرشه .
50 - عدة : عن الحسين مثله ( 1 ) .
ورواه في الاختصاص ( 2 ) وفيه مكان الصادق الكاظم عليهما السلام ولعله أظهر .
51 - كا : علي بن محمد ، عن إبراهيم بن إسحاق الاحمر ، عن أبي القاسم الكوفي ، عن محمد بن إسماعيل ، عن معاوية بن عمار ، والعلا بن سيابة ، وظريف ابن ناصح قال : لما بعث أبو الدوانيق إلى أبي عبدالله رفع يده إلى السماء ثم قال : اللهم إنك حفظت الغلامين لصلاح أبويهما فاحفظني لصلاح آبائي محمد وعلي والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي عليهم السلام اللهم إني أدرءبك في نحره ، وأعوذ بك من شره ، ثم قال للجمال : سر ، فلما استقبله الربيع بباب أبي الدوانيق قال له : يا أبا عبدالله ما أشد باطنه عليك لقد سمعته يقول : والله لا تركت لهم نخلا إلا

___________________________________________________________________
( 1 ) عدة الداعى ص 136 .
( 2 ) لم نقف على هذا الخبر في المصدر المطبوع ، والموجود فيه رسالة الامام الصادق عليه السلام إلى النجاشى في شأن بعض أهل عمله لخراج كان عليه في ديوانه ، وهى تقرب من هذه الرواية في بعض معانيها فلا حظ ص 260 من الاختصاص .

[209]

عقرته ، ولا مالا إلا نهبته ، ولا ذرية إلا سبيتها قال : فهمس بشئ خفي وحرك شفتيه ، فلما دخل سلم وقعد ، فرد عليه السلام ثم قال : أما والله لقد هممت أن لا أترك لك نخلا إلا عقرته ، ولا مالا إلا أخذته ، فقال أبوعبدالله عليه السلام : يا أمير المؤمنين إن الله عزوجل ابتلى أيوب فصبر وأعطى داود فشكر ، وقدر يوسف فغفر ، وأنت من ذلك النسل ، ولا يأتي ذلك النسل إلا بما يشبهه فقال : صدقت قد عفوت عنكم فقال له : يا أمير المؤمنين إنه لم ينل منا أهل البيت أحد دما إلا سلبه الله ملكه فغضب لذلك واستشاط ، فقال : على رسلك يا أمير المؤمنين إن هذا الملك كان في آل أبي سفيان فلما قتل يزيد لعنه الله حسينا سلبه الله ملكه ، فورثه آل مروان فلما قتل هشام زيدا سلبه الله ملكه ، فورثه مروان بن محمد ، فلما قتل مروان إبراهيم سلبه الله ملكه فأعطا كموه ، فقال : صدقت هات ارفع حوائجك فقال : الاذن فقال : هو في يدك متى شئت فخرج فقال له الربيع : قد أمر لك بعشرة آلاف درهم قال : لا حاجة لي فيها قال : إذن تغضبه فخذها ثم تصدق بها ( 1 ) .
بيان : الرسل بالكسر الرفق التؤدة .
52 - كا : محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن أبي نجران ، عن حماد بن عثمان ، عن المسمعي قال : لما قتل داود بن علي المعلى بن خنيس قال أبوعبدالله عليه السلام : لادعون الله تعالى على من قتل مولاي وأخذ مالي ، فقال له داود بن علي : إنك لتهددني بدعآئك قال حماد : قال المسمعي : فحدثني معتب أن أبا عبدالله عليه السلام لم يزل ليلته راكعا وساجدا فلما كان في السحر سمعته يقول وهو ساجد : اللهم إني أسألك بقوتك القوية ، وبجلالك الشديد ، الذي كل خلقك له ذليل أن تصلي على محمد وأهل بيته ، وأن تأخذه الساعة الساعة ، فما رفع رأسه حتى سمعنا الصيحة في دار داود بن علي ، فرقع أبوعبدالله عليه السلام رأسه وقال : إني دعوت الله عليه بدعوة بعث الله عزوجل عليه ملكا فضرب رأسه بمرزبة من حديد

___________________________________________________________________
( 1 ) الكافى ج 2 ص 562 .

[210]

انشقت منها مثانته فمات ( 1 ) .
بيان : المرزبة بالكسر المطرقة الكبيرة التى تكون للحداد .
53 - كا : محمد بن يحيى ، عن محمد بن أحمد ، عن أيوب بن نوح ، عن العباس ابن عامر ، عن داود بن الحصين ، عن رجل من أصحابه ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال وهو بالحيرة في زمان أبي العباس : إني دخلت عليه وقد شك الناس في الصوم وهو والله من شهر رمضان فسلمت عليه فقال : يا أبا بدالله أصمت اليوم ؟ فقلت : لا والمائدة بين يديه ، قال : فادن فكل قال : فدنوت فأكلت قال : وقلت : الصوم معك والفطر معك ، فقال الرجل لابي عبدالله عليه السلام : تفطر يوما من شهر رمضان ! ؟ فقال : إي والله افطر يوما من شهر رمضان أحب إلي من أن يضرب عنقي ( 2 ) .
54 - كا : العدة ، عن سهل ، عن علي بن الحكم ، عن رفاعة ، عن رجل عن أبي عبدالله عليه السلام قال : دخلت على أبي العباس بالحيرة فقال : يا أبا عبدالله ما تقول في الصيام اليوم ؟ فقلت : ذاك إلى الامام ، إن صمت صمنا وإن أفطرت أفطرنا ، فقال : يا غلام علي بالمائدة فأكلت معه ، وأنا أعلم والله أنه يوم من يوم شهر رمضان ، فكان إفطاري يوما وقضاؤه أيسر علي بمن أين يضرب عنقي ، ولا يعبدالله ( 3 ) .
أقول : روى أبوالفرج الاصفهاني في كتاب مقاتل الطالبيين باسناده إلى أيوب بن عمر قال : لقي جعفر عليه السلام أبا جعفر المنصور فقال : اردد علي عين أبي زياد آكل من سعفها ، قال : إياي تكلم بهذا الكلام ؟ والله لازهقن نفسك قال : لا تعجل قد بلغت ثلاثا وستين ، وفيها مات أبي وجدي علي بن أبي طالب ، فعلي كذا وكذا إن آذيتك بنفسي أبدا ، وإن بقيت بعدك إن آذيت الذي يقوم مقامك ، فرق له وأعفاه ( 4 ) .

___________________________________________________________________
( 1 ) نفس المصدر ج 2 ص 513 .
( 2 ) نفس المصدر ج 3 ص 83 .
( 3 ) المصدر السابق ج 3 ص 82 .
( 4 ) مقاتل الطالبين ص 273 وأخرجه الطبرى في تاريخه ج 9 ص 232 .