[231]
إن أهل المدينة شكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله تغير الماء ، وفساد طبائعهم ، فأمرهم أن
ينبذوا ، فكان الرجل يأمر خادمه أن ينبذ له ، فيعمد إلى كف من التمر فيقذف به
في الشن فمنه شربه ومنه طهوره .
فقلت : وكم كان عدد التمر الذي في الكف ؟ فقال : ما حمل الكف ، فقلت : واحدة
وثنتان ؟ فقال : ربما كانت واحدة ، وربما كانت ثنتين ، فقلت : وكم كان يسع الشن ؟
فقال : ما بين الاربعين إلى الثمانين إلى مافوق ذلك فقلت بالارطال ؟ فقال : نعم
أرطال بمكيال العراق قال سماعة : قال الكلبي : ثم نهض عليه السلام فقمت فخرجت
وأنا أضرب بيدي على الاخرى ، وأنا أقول : إن كان شئ فهذا ، فلم يزل الكلبي
يدين الله بحب أهل هذا البيت حتى مات ( 1 ) .
توضيح : المرفقة بالكسر المخدة ، والرذعة الحلس الذي يلقى تحت الرحل
والوبر بسكون الباء ، دويبة على قدر السنور غبراء أو بيضاء ، والورل محركة
دابة كالضب ، والعكر : دردي الزيت وغيره ، وشاه وجهه شوها قبح وشاهه يشيهه
عابه .
20 يب : محمد بن يعقوب ، عن علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن
يونس ، عن محمد بن مسلم ، والحسين بن محمد ، عن عبدالله بن عامر ، عن علي بن
مهزيار ، عن فضالة بن أيوب ، عن أحمد بن سليمان جميعا ، عن قرة مولى خالد
قال : صاح أهل المدينة إلى محمد بن خالد في الاستسقاء فقال لي : انطلق إلى أبي عبدالله
عليه السلام فسله ما رأيك ؟ فان هؤلاء قدصا حوا إلي ، فة أتيته فقلت له ما قال لي
فقال لي : قل له : فليخرج ! قلت له ك متى يخرج جعلت فداك ؟ قال : يوم الاثنين قلت
له : كيف يصنع ؟ قال : يخرج المنبر ثم يخرج يمشي كما يخرج يوم العيدين ، وبين
يديه المؤذنون في أيديهم عنزهم ( 2 ) حتى إذا انتهى إلى المصلى صلى بالناس ركعتين
___________________________________________________________________
( 1 ) الكافى ج 1 ص 348 .
( 2 ) العنزة : بالتحريك جمع عنز وعنزات كقصبة وقصبات وقصب ، وهى أطول من
العصا وأقصر من الرمح ، فيها زج كزج الرمح .
[232]
بغير أذان ولا إقامه ثم يصعد المنبر فيقلب رداءه ، فيجعل الذي على يمينه على يساره
والذي علي يساره على يمينه ، ثم يستقبل القبلة ، فيكبر الله مائة تكبيرة ، رافعا
بها صوته ، ثم يلتفت إلى الناس عن يمينه ، فيسبح الله مائة تسبيحة رافعا بها صوته
ثم يلتفت إلى الناس عن يساره فيهلل الله مائة تهليلة رافعا بها صوته ، ثم يستقبل
الناس فيحمدالله مائة تحميدة ، ثم يرفع يديه فيدعو ، ثم يدعون ، فاني لارجو
أن لا يخيبوا ، قال : ففعل ، فلما رجعنا قالوا : هذا من تعليم جعفر ، وفي رواية
يونس : فما رجعنا حتى أهمتنا أنفسنا ( 1 ) .
21 كا : الحسين بن محمد ، عن علي بن محمد ، عن الحسن بن علي أو غيره
عن حماد بن عثمان قال : كان بمكة رجل مولى لبني امية يقال له : ابن أبي عوانة
له عباءة وكان إذا دخل إلى مكة أبوعبدالله عليه السلام أو أحد من أشياخ آل محمد يعبث
به ، وإنه أتى أبا عبدالله عليه السلام وهو في الطواف فقال : يا أبا عبدالله ! ما تقول في
استلام الحجر ؟ فقال : استلمه رسول الله صلى الله عليه وآله .
فقال : ما أراك استلمته قال : أكره أن أوذي ضعيفا أو أتأذى قال : فقال :
قد زعمت أن رسول الله صلى الله عليه وآله استلمه قال ك نعم ، ولكن كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا
رأوه عرفوا له حقه ، وأنا فلا يعرفون لي حقي ( 2 ) .
22 كا : علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن هارون بن مسلم ، عن مسعدة
ابن صدقة قال : دخل سفيان الثوري على أبي عبدالله عليه السلام فرأى عليه ثياب بياض ، كأنها
غرقئ البيض فقال له : إن هذا اللباس ليس من لباسك فقال له : اسمع مني وع ما
أقول لك ، فانه خير لك عاجلا وآجلا إن أنت مت على السنة والحق ، ولم تمت
على بدعة ، اخبرك أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان في زمان مقفري جدب ، فأما إذا أقبلت
الدنيا ، فأحق أهلها بها أبرارها ، لا فجارها ، ومؤمنوها ، لا منافقوها ، ومسلموها
لا كفارها ، فما أنمكرت يا ثوري ؟ ! فوالله إنني لمع ما ترى ، ما أتى علي مذ عقلت
___________________________________________________________________
( 1 ) التهذيب ج 3 ص 148 .
( 2 ) الكافى ج 4 ص 409 .
[233]
صباح ولا مساء ، ولله في مالي حق أمرني أضعه موضعا إلا وضعته ، قال : وأتاه
قوم ممن يظهرون التزهد ويدعون الناس أن يكونوا معهم على مثل الذي هم عليه
من التقشف فقالوا له : إن صاحبنا حصر عن كلامك ، ولم يحضره حججه فقال لهم :
فهاتوا حججكم ! فقالوا له : إن حججنا من كتاب الله فقال لهم فأدلوا بها فإنها
أحق ما اتبع وعمل به .
فقالوا : يقول الله تبارك وتعالى ، مخبرآ عن قوم من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله :
( ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فاولئك هم المفلحون ) ( 1 )
فمدح فعلهم .
وقال في موضع آخر ( ويطعمون الطعام على جبه مسكينا ويتيما وأسيرا ) ( 2 )
فنحن نكتفي بهذا ، فقال رجل من الجلساء : إنا رأينا كم تزهدون في الاطعمة الطيبة
ومع ذلك تأمرون الناس بالخروج من أموالهم حتى تمتعوا أنتم منها ، فقال له
أبوعبدالله عليه السلام : دعوا عنكم ما لانتفع به ، أخبروني أيها النفرأ لكم علم بناسخ
القرآن من منسوخه ، ومحكمه من متشابهه الذي في مثله ضل من ضل ، وهلك من
هلك من هذه الامة ؟ فقالوا له : أو بعضه ، فأما كله فلا ، فقال لهم : فمن ههنا اتيتم
وكذلك أحاديث رسول الله صلى الله عليه وآله ، فأما ما ذكرتم من إخبار الله عزوجل إيانا
في كتابه عن القوم الذين أخبر عنهم بحسن فعالهم ، فقد كان مباحا جائزا ، ولم
يكونوا نهوا عنه ، وثوابهم منه على الله عزوجل ، وذلك أن الله جل وتقدس
أمر بخلاف ما عملوا به ، فصار أمره ناسخا لفعلهم ، وكان نهي الله تبارك وتعالى
رحمة منه للمؤمنين ونظرا ، لكي لا يضروا بأنفسهم وعيالاتهم ، منهم الضعفة
الصغار ، والولدان ، والشيخ الفاني ، والعجوزة الكبيرة ، الذين لا يصبرون على
الجوع ، فان تصدقت برغيفي ولا رغيف لي غيره ضاعوا وهلكوا جوعا ، فمن ثم
قال رسول الله صلى الله عليه وآله : خمس تمرات أو خمس قرص ، أو دنانير أو درهم يملكها الانسان
___________________________________________________________________
( 1 ) سورة الحشر الاية : 9 .
( 2 ) سورة الدهر الاية : 8 .
[234]
وهو يريد أن يمضيها ، فأفضلها ما أنفقه الانسان على والديه ، ثم الثانية على نفسه
وعياله ، ثم الثالثة على قرابته الفقراء ، ثم الرابعة على جيرانه الفقراء ، ثم
الخامسة في سبيل ، وهو أحسنها أجرا .
وقال صلى الله عليه وآله للانصاري حين أعتق عند موته خمسة أو ستة من الرقيق ، ولم
يكن يملك غيرهم وله أولاد صغار : لو أعلمتموني أمره ما تركتكم تدفنوه مع
المسلمين يترك صبيته صغارا يتكففون الناس ! .
ثم قال : حدثني أبي أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : ابدأ بمن تعول الادني فالادنى
ثم هذا ما نطق به الكتاب ردا لقولكم ، ونهيا عنه مفروضا من الله العزيز الحكيم
قال : ( والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما ) ( 1 ) أفلا ترون
أن الله تبارك وتعالى قال غيرما أراكم تدعون الناس إليه من الاثرة على أنفسهم و
سمى من فعل ما تدعون إليه مسرفا ، وفي غيرآية من كتاب الله يقول : ( إنه لا يحب
المسرفين ) ( 2 ) فنهاهم عن الاسراف ، ونهاهم عن التقتير ، لكن أمر بين الارمين لا
يعطي جميع ما عنده ثم يدعو الله أن يرزقه فلا يستجيب له للحديث الذي جاء
عن النبي صلى الله عليه وآله إن أصنافا من امتي لا يستجاب لهم دعاؤهم : رجل يدعو على
والديه ، ورجل يدعو على غريم ذهب له بمال ، فلم يكتب عليه ، ولم يشهد
عليه ، ورجل يدعو على امرأته ، وقد جعل الله عزوجل تخلية سبيلها بيده ، و
رجل يقعد في بيته ويقول : رب ارزقني ولا يخرج ، ولا يطلب الرزق ، فيقول الله
عزوجل له : عبدي ألم أجعل لك السبيل إلى الطلب والضرب في الارض بجوارح
صحيحة ، فتكون قد أعذرت فيما بيني وبينك في الطلب لاتباع أمري ولكيلا
تكون كلا على أهلك فان شئت رزقتك وإن شئت قترت عليك ، وأنت معذور
عندي .
ورجل رزقه الله عزوجل مالا كثيرا فأنفقه ، ثم أقبل يدعو يا رب ارزقني
فيقول الله عزوجل : ألم أرزقك واسعا ؟ فهلا اقتصدت فيه كما أمرتك ، ولم
___________________________________________________________________
( 1 ) سورة الفرقان الاية : 67 .
( 2 ) سورة الانعام الاية : 141 .
[235]
تسرف ، وقد نهيتك عن الاسراف ، ورجل يدعو في قطيعة رحم ، ثم علم الله عزوجل
اسمه نبيه صلى الله عليه وآله كيف ينفق ، وذلك إنه كانت عنده أو قية من الذهب فكره أن
تبيت عنده ، فتصدق بها ، فأصبح وليس عنده شئ ، وجاء من يسأله ، فلم يكن
عنده ما يعطيه ، فلامه السائل ، واغتم هو حيث لم يكن عنده ما يعطيه وكان رحيما
رقيقا فأدب الله عزوجل نبيه صلى الله عليه وآله بأمره فقال : ( ولا تجعل يدك مغلولة إلى
عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا ) ( 1 ) يقول : إن الناس قد
يسألونك ، ولا يعذرونك فاذا أعطيت جميع ما عندك من المال كنت قد حسرت من المال
فهذه أحاديث رسول الله صلى الله عليه وآله يصدقها الكتاب والكتاب يصدقه أهله من المؤمنين ، و
قال أبوبكر عند موته ، حيث قيل له : أوص ، فقال : اوصي بالخمس ، والخمس
كثير ، فإن الله عزوجل قد رضي بالخمس ، فأوصى بالخمس ، وقد جعل الله عز
وجل له الثلث عند موته ، ولو علم أن الثلث خيره أوصى بها ، ثم من قد علمتم
بعده في فضله وزهده سلمان رض وأبوذر ره .
فأما سلمان فكان إذا أخذ عطاءه رفع منه قوته لسنته ، حتى يحضر عطاؤه من
قابل ، فقيل له : يا أبا عبدالله أنت في زهدك تصنع هذا ؟ وأنت لا تدري لعلك تموت
اليوم أو غدا ؟ فكان جوابه أن قال : ما لكم لا ترجون لي البقاء ، كما خفتم علي
الفناء ؟ ! أما علمتم يا جهلة أن النفس قد تلتات على صاحبها ، إذا لم يكن لها من
العيش ما تعتمد عليه ، فإذا هي أحرزت معيشتها اطمأنت .
وأما أبوذر رض فكانت له نويقات وشويهات يحلبها ، ويذبح منها إذا اشتهى
أهله اللحم ، أو نزل به ضيف ، أو رأى بأهل الماء الذين هم معه خصاصة ، نحر لهم
الجزور أو من الشاة على قدر ما يذهب عنهم بقوم اللحم ، فيقسمه بينهم ، ويأخذ
هو كنصيب واحد منهم ، لا يتفضل عليهم ، ومن أزهد من هؤلاء ؟ وقد قال فيهم رسول
الله صلى الله عليه وآله ما قال ، ولم يبلغ من أمرهما أن صارا لا يملكان شيئا البتة ، كما تأمرون
الناس بإلقاء أمتعتهم وشيئهم ، ويؤثرون به على أنفسهم وعيالاتهم .
___________________________________________________________________
( 1 ) سورة الاسراء الاية : 29 .
[236]
واعلموا أيها النفرا إني سمعت أبي يروي عن آبائه عليهم السلام أن رسول الله صلى الله عليه وآله
قال يوما : ما عجبت من شئ كعجبي من المؤمن ، إنه إن قرض جسده في دار الدنيا
بالمقاريض كان خيرا له ، وإن ملك ما بين مشارق الارض ومغاربها كان خيرا له ، و
كل ما يصنع الله عزوجل به فهو خيرله ، فليت شعري هل يحق فيكم ما قد شرحت
لكم منذ اليوم أم أزيدكم .
أما علمتم أن الله عزوجل قد فرض على المؤمنين في أول الامر يقاتل الرجل
منهم عشرة من المشركين ليس له أن يولي وجهة عنهم ، ومن ولاهم يومئذ دبره
فقد تبوأ مقعده من النار ، ثم حولهم من حالهم رحمة منه لهم ، فصار الرجل منهم
عليه أن يقاتل رجلين امن المشركين ، تخفيفا من الله عزوجل للمؤمنين فنسخ الرجلان
العشرة .
وأخبروني أيضا عن القضاة أجورة هم حيث يقضون على الرجل منكم نفقة
امرأته إذا قال : إني زاهد ، وإني لا شئ لي ؟ فان قلتم جورة ظلمكم أهل الاسلام
وإن قلتم بل عدول خصمتم أنفسكم ، وحيث يردون صدقة من تصدق على المساكين
عند الموت بأكثر من الثلث ، أخبروني لوكان الناس كلهم كالذين تريدون زهادا لا
حاجة لهم في متاع غيرهم ، فعلى من كان يصدق بكفارات الايمان والنذورو الصدقات
من فرض الزكاة من الذهب والفضة والتمر والزبيب وسائر ما وجب فيه الزكاة
من الابل والبقر والغنم وغير ذلك ، إذا كان الامر كما تقولون لا ينبغي لاحد أن
يحبس شيئا من عرض الدنيا إلا قدمه ، وإن كان به خصاصة ، فبئس ما ذهبتم فيه
وحملتم الناس عليه من الجهل بكتاب الله عزوجل ، وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وأحاديثه
التي يصدقها الكتاب المنزل ، وردكم إياها بجهالتكم ، وترككم النظر في غرائب
القرآن من التفسير بالناسخ من المنسوخ ، والمحكم والمتشابه ، والامر والنهي .
وأخبروني أين أنتم عن سليمان بن داود عليه السلام حيث سأل الله ملكا لا ينبغي لاحد من
بعده ، فأعطاه الله عزوجل اسمه ذلك وكان يقول الحق ويعمل به .
ثم لم نجدالله عزوجل عاب عليه ذلك ، ولا أحدا من المؤمنين ، وداود النبي
[237]
قبله في ملكه وشدة سلطانه .
ثم يوسف النبي صلى الله عليه وآله حيث قال لملك مصر : ( اجعلني خزائن الارض
إني حفيظ عليم ) ( 1 ) فكان أمره الذي كان أن اختار مملكة الملك وما حولها
إلى اليمن ، وكانوا يمتارون الطعام من عنده لمجاعة أصابتهم ، وكان يقول الحق و
يعمل به ، فلم نجدأ حدا عاب ذلك عليه ، ثم ذوالقرنين عليه السلام عبد أحب الله فأحبه
الله طوى له الاسباب ، وملكه مشارق الارض ومغاربها ، وكان يقول الحق ويعمل
به ، ثم نجدأ حدا عاب ذلك عليه ، فتأدبوا أيها النفر بآداب الله عزوجل
للمؤمنين ، اقتصروا على أمرالله ونهيه ، ودعوا عنكم ما اشتبه عليكم مما لا علم لكم
به ، وردوا العلم إلى أهله تؤجروا وتعذروا عندالله تبارك وتعالى ، وكونوا في طلب
علم ناسخ القرآن من منسوخه ، ومحكمه من متشابهه ، ومال أحل الله فيه مما حرم
فانه أقرب لكم من الله ، وأبعد لكم من الجهل ، ودعوا الجهالة لاهلها ، فان أهل
الجهل كثير ، وأهل العلم قليل ، وقد قال الله عزوجل ( 2 ) ( وفوق كل ذي علم
عليم ) ( 3 ) .
بيان : الغرقئ كزبرج القشرة الملتزقة ببياض البيض ، والمتقشف المتبلغ
بقوت ومرقع ، ومن لا يبالي بما يلطخ بجسده ، وأدلى بحجته : أي أظهرها ،
قوله عليه السلام : حسرت على بناء المجهول من الحسر بمعنى الكشف ، أي مكشوفا عاريا
من المال ، أو من الجسور وهو الانقطاع ، يقال : حسره السفر إذا قطع به ، وعلى
التقديرين تفسير لقوله تعالى محسورا .
-بحار الانوار مجلد: 43 من ص 237 سطر 19 الى ص 245 سطر 18
والالتياث : الاختلاط والالتاف والابطاء ، والقرم محركة : شهوة اللحم
قوله عليه السلام : ظلمكم على بناء التفعيل أي نسبوكم إلى الظلم ، وقوله حيث يردون
معطوف على قوله حيث يقضون .
___________________________________________________________________
( 1 ) سورة يوسف ، الاية 55 .
( 2 ) نفس السورة ، الاية : 76 .
( 3 ) الكافى ج 5 ص 65 .
[238]
23 ج : بالاسناد إلى أبي محمد العسكري عن آبائه ، عن الصادق عليهم السلام أنه
قال : قوله عزوجل ( اهدنا الصراط المستقيم ) ( 1 ) يقول : أرشدنا الصراط
المستقيم ، أرشدنا للزوم الطريق المؤدي إلى محبتك ، والمبلغ إلى جنتك من أن
نتبع أهواء نا فنعطب ، أو نأخذ بآرائنا فنهلك ، فان من اتبع هواه وأعجب برأيه
كان كرجل سمعت غثاء الناس تعظمه وتصفه فأحببت لقاءه من حيث لا يعرفني
لانظر مقداره ومحله فرأيته في موضع قدأحق به خلق من غثاء العامة فوقفت منتبذا
عنهم مغشيا بلثام أنظر إليه وإليهم ، فما زال يراوغهم حتى خالف طريقهم وفارقهم ، ولم
يقر ، فتفرقت العوام عنه لحوائجهم وتبعته أقتفي أثره فلم يلبث أن مر بخباز
فتغفله ، فأخذ من دكانه رغيفين مسارقة ، فتعجبت منه ، ثم قلت في نفسي : لعله
معاملة ، ثم مر من بعده بصاحب رمان فما زال به حتى تغفله فأخذ من عنده رمانتين
مسارقة ، فتعجبت منه ثم قلت في نفسي : لعله معاملة .
ثم أقول : وما حاجته إذا إلى المسارقة ؟ ! ثم لم أزل أتبعه حتى مر بمريض
فوضع الرغيفين والرمانتين بين يديه ومضى ، وتبعته حتى استقر في بقعة من صحراء
فقلت له : يا عبدالله لقد سمعت بك وأحببت لقاءك ، فلقيتك كلني رأيت منك ما
شغل قلبي ، وإني سائلك عنه ليزول به شغل قلبي .
قال : ما هو ؟ قلت : رأيتك مررت بخباز وسرقت منه رغيفين ، ثم بصاحب
الرمان فسرقت منه رمانتين ، فقال لي : قبل كل شئ : حدثني من أنت ؟ قلت :
رجل من ولد آدم من امة محمد صلى الله عليه وآله ، قال : حدثني ممن أنت ؟ قلت : رجل من
أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله قال : أين بلدك ؟ قلت : المدينة قال : لعلك جعفر بن محمد
ابن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ؟ قلت : بلى قال لي : فما ينفعك شرف
أصلك مع جهلك بما شرفت به ، وتركك علم جدك وأبيك ، لان لا تنكر ما يجب
أن يحمد ويمدح فاعله .
قلت : وما هو ؟ قال : القرآن كتاب الله قلت : وما الذي جهلت ؟ قال : قول
___________________________________________________________________
( 1 ) سورة الفاتحة ، الاية : 6 .
[239]
الله عزوجل ( من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا
مثلها ) ( 1 ) إني لما سرقت الرغيفين كانت سيئتين ، ولما سرقت الرمانتين كانت
سيئتين فهذه أربع سيئات ، فلما تصدقت بكل واحد منها كانت أربعين حسنة
فانتقص من أربعين حسنة أربع سيئات بقي لي ست وثلاثون ، قلت : ثكلتك امك أنت
الجاهل بكتاب الله ، أما سمعت الله عزوجل يقول ( إنما يتقبل الله من المتقين ) ( 2 )
إنك لما سرقت الرغيفين كانت سيئتين ، ولما سرقت الرمانتين كانت سيئتين
ولما دفعتهما إلى غير صاحبهما ، بغير أمر صاحبهما ، كنت إنما أضفت أربع سيئات
إلى أربع سيئات ، ولم تضف أربعين حسنة إلى أربع سيئات ، فجعل يلا حيني
فانصرفت وتركته ( 3 ) .
بيان : قال الفيروز آبادي : راغ الرجل : مال وحاد عن الشئ ( 4 ) وروغان
الثعلب مشهور بين العجم والعرب ، ولاحاه نازعه .
24 ختص : عن سماعة قال : سأل رجل أبا حنيفة عن اللاشئ وعن الذي
لا يقبل الله غيره ، فعجز عن لا شئ ، فقال : اذهب بهذه البغلة إلى إمام
الرافضة فبعها منه بلا شئ واقبض الثمن ، فأخذ بعذارها وأتى بها أبا عبدالله عليه السلام
فقال له أبوعبدالله عليه الصلاة والسلام : استأمر أبا حنيفة في بيع هذه البغلة ، قال :
فأمرني ببيعها قال : بكم ؟ قال : بلا شئ قال : لا ما تقول ؟ ! قال : الحق أقول
فقال : قد اشتريتها منك بلا شئ ، قال : وأمر غلامه أن يدخله المربط .
قال : فبقي محمد بن الحسن ساعة ينتظر الثمن ، فلما أبطأ الثمن قال : جعلت
فداك الثمن ؟ قال : الميعاد إذا كان الغداة ، فرجع إلى أبي حنيفة فأخبره فسر
بذلك فريضة منه ، فلما كان من الغدوافى أبوحنيفة فقال أبوعبدالله عليه السلام
جئت لتقبض ثمن البغلة لا شئ ؟ قال : نعم ولا شئ ثمنها ؟ قال : نعم
___________________________________________________________________
( 1 ) سورة الانعام ، الاية : 160 .
( 2 ) سورة المائدة ، الاية : 27 .
( 3 ) احتجاج الطبرسى ص 200 طبع النجف .
( 4 ) القاموس ج 3 ص 107 .
[240]
فركب أبوعبدالله عليه السلام البغلة وركب أبوحنيفة بعض الدواب فتصحرا جميعا
فلما ارتفع النهار نظر أبوعبدالله عليه السلام إلى السراب يجري قد ارتفع كأنه المآء .
الجاري ، فقال أبوعبدالله عليه السلام : يا أبا حنيفة ما ذا عند الميل كأنه يجري ؟ قال :
ذاك المآء يا ابن رسول الله ، فلما وافيا الميل وجداه أما مهما فتباعد ، فقال أبوعبدالله
عليه السلام : اقبض ثمن البغل قال الله تعالى : ( كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء
حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجدالله عنده ) ( 1 ) .
قال : خرج أبوحنيفة إلى أصحابه كئيبا حزينا فقالواله : مالك يا أبا حنيفة ؟
قال : ذهبت البغلة هدرا ، وكان قد أعطى بالبغلة عشرة آلاف درهم ( 2 ) .
25 كنز الفوائد للكراجكي : ذكر أن أبا حنيفة أكل طعاما الامام الصادق
جعفر بن محمد عليهما السلام فلما رفع عليه السلام يده من أكله قال : ( الحمدلله رب العالمين اللهم
إن هذا منك ومن رسولك ) .
فقال أبوحنيفة : يا أبا عبدالله أجعلت مع الله شريكا ؟
فقال له : ويلك إن الله تعالى يقول في كتابه : ( وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله
من فضله ) ( 3 ) .
ويقول في موضع آخر : ( ولو أنهم رضواما آتيهم الله ورسوله وقالوا : حسبنا
الله سيؤتينا الله من فضله ورسوله ) ( 4 ) فقال أبوحنيفة : والله لكأني ما قرأتهما
قط من كتاب الله ولا سمعتهما إلا في هذا الوقت ، فقال أبوعبدالله عليه السلام : بلى قد
قرأتهما وسمعتهما ، ولكن الله تعالى أنزل فيك وفي أشباهك ( أم على قلوب أقفالها ) ( 5 )
وقال ( 6 ) : ( كلابل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون ( 7 ) .
___________________________________________________________________
( 1 ) سورة النور الاية : 39 .
( 2 ) الاختصاص ص 190 وأخرجه السيد البحرانى في تفسيره البرهان ج 3 ص 140 .
( 3 ) سورة التوبة ، الاية : 74 .
( 4 ) سورة التوبة ، الاية : 59 .
( 5 ) سورة محمد صلى الله عليه وآله الاية : 24 .
( 6 ) سوره المطففين ، الاية : 14 .
( 7 ) كنز الفوائد للكراجكى ص 196 طبع ايران سنة 1322 .