[381]

سلوه أن يستوهب أمته من الله فما أعرف أحدا توسل به إلى الله أكثر منه ومن آبائه وأجداه عليهم السلام .
قال : فرجعنا إلى أبي عبدالله عليه السلام فجعلنا نحدثه بما كان منها ، فجعل يبكي ويدعو لها ، ثم قلت : ليت شعري متى أرى فرج آل محمد عليهم السلام ؟ قال : يا بشار إذا توفي ولي الله وهو الرابع من ولدي في أشد البقاع بين شرار العباد ، فعندذلك يصل إلى ولد بني فلان مصيبة ساء ، فاذا رأيت ذلك التقت حلق البطان ولا مرد لامرالله .
بيان : المراد ببني فلان بني العباس ، وكان ابتداء وهي دولتهم عند وفات أبي الحسن العسكري عليه السلام والبطان للقتب الحزام الذي يجعل تحت بطن البعير ويقال : التقت حلقتا البطان للامر إذا اشتد .
102 محص : عن فرات بن أحنف قال : كنت عند أبي عبدالله عليه السلام إذ دخل عليه رجل من هؤلاء الملاعين فقال : والله لاسوءنه في شيعته فقال : يا أبا عبدالله أقبل إلي فلم يقبل إليه فأعاد ، فلم يقبل إليه ، ثم أعاد الثالثة فقال : ها أناذا مقبل فقل ولن تقول خيرا فقال : إن شيعتك يشربون النبيذ فقال : وما بأس بالنبيذ أخبرني أبي عن جابر عن عبدالله أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كانوا يشربون النبيذ فقال : لست أعنيك النبيذ أعنيك المسكر .
فقال : شيعتنا أزكى وأطهر من أن يجري للشيطان في أمعائهم رسيس ، وإن فعل ذلك المخذول منهم ، فيجد ربا رؤفا ، ونبيا بالاستغفار له عطوفا ، ووليا له
-بحار الانوار مجلد: 43 من ص 381 سطر 19 الى ص 389 سطر 18 عند الحوض ولوفا ، وتكون وأصحابك ببرهوت ( 1 ) عطوفا ، قال : فأفحم الرجل وسكت ، ثم قال : لست أعنيك المسكر إنما أعنيك الخمر فقال أبوعبدالله عليه السلام سلبك الله لسانك ، مالك تؤذينا في شيعتنا منذ اليوم ، أخبرني أبي ، عن علي بن الحسين ، عن أبيه ، عن علي بن أبي طالب عليه السلام ، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، عن جبرئيل

___________________________________________________________________
( 1 ) برهوت : بضم الهاء وسكون الواو وتاء فوقها نقطتان : واد في حضرموت فيه بئر يتصاعد منها لهيب الاسفلت مع صوت الغليان وروائح كريهة ، جاء أن فيه أرواح الكفار

[382]

عن الله تعالى أنه قال : يا محمد إنني حظرت الفردوس على جميع النبيين حتى تدخلها أنت وعلي وشيعتكما ، إلا من اقترف منهم كبيرة ، فاني أبلوه في ماله أو بخوف من سلطانه ، حتى تلقاه الملائكة بالروح والريحان ، وأنا عليه غير غضبان فهل عند أصحابك هؤلاء شئ من هذا ؟ ! .
اقول : روى البرسي في مشارق الانوار مثله عن أبي الحسن الثاني عليه السلام ( 1 ) بيان : الرسيس الشئ الثابت ، وابتداء الحب ، ويقال : ولف البرق إذا تتابع والولوف البرق المتتابع اللمعان ، ولا يبعد أن يكون بالكاف من وكف البيت أي قطر ، قوله عطوفا كذا في النسخة التي عندنا ، وفي مشارق الانوار ( 2 ) مكوفا من الكوف بمعنى الجمع وهو الصواب .
103 ختص : من أصحابه عليه السلام عبدالله بن أبي يعفور ، أبان بن تغلب ، بكير ابن أعين ، محمد بن مسلم الثقفي ، محمد بن النعمان ( 3 ) .
104 كا : العدة ، عن سهل ، عن العباس بن عامر ، عن أبي عبدالرحمان المسعودي ، عن حفص بن عمر البجلي قال : شكوت إلى أبي عبدالله عليه السلام حالي ، و انتشار أمري علي قال : فقال لي : إذا قدمت الكوفة فبع وسادة من بيتك بعشرة دراهم ، وادع إخوانك ، وأعدلهم طعاما ، وسلهم يدعون الله لك ، قال : ففعلت ، وما أمكنني ذلك حتى بعت وسادة ، واتخذت طعاما كما أمرني ، وسألتهم أن يدعوا الله لي قال : فوالله ما مكثت إلا قليلا حتى أتاني غريم لي فدق الباب علي وصالحني من مال لي كثير ، كنت أحسبه نحوا من عشرة آلاف درهم قال : ثم أقبلت الاشيآء علي ( 4 ) .
105 كا : علي بن محمد بن بندار ، عن إبراهيم بن إسحاق ، عن عبدالله

___________________________________________________________________
( 1 ) مشارق انوار اليقين ص 221 بتفاوت .
( 2 ) نفس المصدر ص 221 وفيه ( واماما له على الحوض عروفا ) .
( 3 ) الاختصاص ص 8 وليس في المطبوع ذكرابان بن تغلب مع الجماعة .
( 4 ) الكافى ج 5 ص 314 .

[383]

ابن حماد ، عن علي بن أبي حمزة قال كان لي صديق من كتاب بني امية فقال لي : استاذن لي على أبي عبدالله عليه السلام فاستأذنت له ، فأذن له فلما أن دخل سل وجلس ثم قال : جعلت فداك إني كنت في ديوان هؤلاء القوم ، فأصبت من دنياهم مالا كثيرا ، وأغمضت ( 1 ) في مطالبه .
فقال أبوعبدالله عليه السلام : لولا أن بني امية وجدوا من يكتب لهم ، ويجبي لهم الفئ ، ويقاتل عنهم [ ويشهد جماعتهم ] لما سلبونا حقنا ، ولوتركهم الناس وما في أيديهم ، ما وجدوا شيئا إلا ما وقع في أيديهم قال : فقال الفتى : جعلت فداك فهل لي مخرج منه ؟ قال : إن قلت لك تفعل ؟ قال : أفعل قال : فاخرج من جميع ما كسبت في ديوانهم ، فمن عرفت منهم رددت عليه ماله ، ومن لم تعرف تصدقت به ، وأنا أضمن لك على الله الجنة فأطرق الفتى طويلا ، ثم قال له : قد فعلت جعلت فداك .
قال ابن أبي حمزة : فرجع الفتى معنا إلى الكوفة فما ترك شيئا على وجهه الارض إلا خرج منه ، حتى ثيابه التي على بدنه ، قال : فقسمت له قسمة ، واشترينا له ثيابا ، وبعثنا إليه بنفقة قال : فما أتى عليه إلا أشهر قلائل حتى مرض ، فكنا نعوده قال : فدخلت عليه يوما وهو في السوق ( 2 ) قال : ففتح عينيه ثم قال : يا علي وفى لي والله صاحبك ، قال : ثم مات ، فتولينا أمره ، فخرجت حتى دخلت على أبي عبدالله عليه السلام فلما نظر إلي قال : يا علي وفينا والله لصاحبك قال : فقلت له : صدقت جعلت فداك ، هكذا والله قال لي عند موته ( 3 ) .
106 .
كا : علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن داود بن زربي ، قال : أخبرني مولى لعلي بن الحسن عليه السلام قال : كنت بالكوفة ، فقدم أبوعبدالله عليه السلام الحيرة ، فأتيته فقلت : جعلت فداك لو كلمت داود بن علي أو بعض هؤلاء فأدخل في بعض هذه الولايات ؟ فقال : ما كنت لافعل قال : فانصرفت إلى منزلي ، فتفكرت

___________________________________________________________________
( 1 ) أغمضت في مطالبه : أى تساهلت في تحصيله ولم أجتنب فيه الحرام والشبهات .
( 2 ) السوق : هو حالة نزع الروح من الميت .
( 3 ) الكافى ج 5 ص 106 .

[384]

فقلت : ما أحسبه منعني إلا مخافة أن أظلم أو أجور ، والله لآتينه ولا عطينه الطلاق والعتاق والايمان المغلظة أن لا أظلم أحدا ولا أجور ، ولاعدلن قال : فأتيته فقلت : جعلت فداك إني فكرت في إبائك علي فظننت أنك إنما كرهت ذلك مخافة أن أجور أو أظلم ، وإن كل امرأة لي طالق ، وكل مملوك ، لي حر ، وعلي وعلي إن ظلمت أحدا ، أو جرت عليه ، وإن لم أعدل ، قال : كيف قلت ؟ قال : فأعدت عيه الايمان ، فرفع رأسه إلى السماء فقال : تناول السمآء أيسر عليك من ذلك ( 1 ) .
107 كا : الحسين بن محمد ، عن محمد بن أحمد النهدي ، عن كثير بن يونس عن عبدالرحمان بن سيابة قال : لما أن هلك أبي سيابة جآء رجل من إخوانه إلي فضرب الباب علي فخرجت إليه فعزاني وقال لي : هل ترك أبوك شيئا ؟ فقلت له : لا ، فدفع إلي كيسا فيه ألف درهم وقال لي : أحسن حفظها وكل فضلها فدخلت إلى امي وأنا فرح فأخبرتها ، فلما كان بالعشي أتيت صديقا كان لابي فاشترى لي بضايع سابريا ( 2 ) وجلست في حانوت ، فرزق الله عزوجل فيها خيرا وحضر الحج فوقع في قلبي ، فجئت إلى امي فقلت لها : إنه قد وقع في قلبي أن أخرج إلى مكة فقالت لي : فرد دراهم فلان عليه ، فهياتها وجئت لها إليه ، فدفعتها إليه ، فكأني وهبتها له ، فقال : لعلك استقللتها ؟ فأزيدك ؟ قلت : لا ولكن وقع في قلبي الحج ، وأحببت أن يكون شيئا عندك ، ثم خرجت فقضيت نسكي ، ثم رجعت إلى المدينة فدخلت مع الناس على أبي عبدالله عليه السلام ، وكان يأذن إذنا عاما فجلست في مواخير ( 3 ) الناس ، وكنت حدثا فأخذ الناس يسألونه ويجيبهم .
فلما خف الناس عنه أشار إلي فدنوت إليه فقال لي : ألك حاجة ؟ فقلت له : جعلت فداك أنا عبدالرحمان بن سيابة فقال : ما فعل أبوك ؟ فقلت : هلك قال : فتوجع وترحم قال : ثم قال لي : أفترك شيئا ؟ قلت : لا قال : فمن أين حججت

___________________________________________________________________
( 1 ) نفس المصدر ج 5 ص 107 .
( 2 ) السابرى : ضرب من الثياب الرقاق تعمل بسابور موضع بفارس .
( 3 ) المواخير : جلس في مواخير الناس أى في مؤخر تهم .

[385]

قال : فابتدأت فحدثته بقصة الرجل قال : فما تركني أفرغ منها حتى قال لي : فما فعلت الالف ؟ قال : قلت : رددتها على صاحبها قال : فقال لي : قد أحسنت وقال لي : ألا اوصيك ؟ قلت : بلى جعلت فداك ، قال : عليك بصدق الحديث ، وأداء الامانة ، تشرك الناس في أموالهم ، هكذا ، وجمع بين أصابعه قال : فحفظت ذلك عنه ، فزكيت ثلاثمائة ألد درهم ( 1 ) .
108 كا : العدة ، عن أحمد بن محمد ، عن الحجال ، عن ثعلبة ، عن سعيد ابن عمرو الجعفي قال : خرجت إلى مكة وأنا من أشد الناس حالا ، فشكوت إلى أبي عبدالله عليه السلام فلما خرجت من عنده وجدت على بابه كيسا فيه سبع مائة دينار فرجعت إليه من فوري ذلك فأخبرته فقال : يا سعيد اتق الله وعرفه في المشاهد وكنت رجوت أن يرخص لي فيه ، فخرجت وأنا مغتم فأتيت منى فتنحيت عن الناس وتقصيت حتى أتيت الماروقه ( 2 ) .
فنزلت في بيت متنحيا من الناس ثم قلت : من يعرف الكيس قال : فأول صوت صوته إذا رجل على رأسي يقول : أنا صاحب الكيس قال : فقلت في نفسي : أنت فلا كنت ، قلت : ما علامة الكيس ؟ فأخبرني بعلامته فدفعته إليه قال : فتنحى ناحية فعدها فإذا الدنانير على حالها ، ثم عدمنها سبعين دينارا فقال : خذها حلالا خير من سبعمائة حراما فأخذتها ثم دخلت على أبي عبدالله عليه السلام فأخبرته كيف تنحيت ، وكيف صنعت ، فقال : أما إنك حين شكوت إلي أمرنا لك بثلاثين دينارا ، يا جارية هاتها ، فأخذتها وأنا من أحسن قومي

___________________________________________________________________
( 1 ) الكافى ج 5 ص 134 .
( 2 ) الماورقة : لم نعثر لهذه الكلمة على معنى مناسب سوى ما يستفاد من السياق من أنها اسم مكان لم نتحقق من موضعه ، وقد نقل انها وردت بصور مختلفة منها : الماروقة والماقوقة والمأفوقة وقد يكون في الكلمة تصحيف وأن الصواب فيها الماقوفة اسم مفعول من الوقف على غير القياس وأن المراد بها المنازل الموقوفة بمنى لمن لا فسطاط له ، كما ونقل أن في نسخة صحيحة من الكافى ( الموقوفة ) ومعناها ظاهر يغنى عن البيان .

[386]

حالا ( 1 ) .
109 .
كا : الحسين ، عن أحمد بن هلال ، عن زرعة ، عن سماعة قال : تعرض رجل من ولد عمر بن بن الخطاب بجارية رجل عقيلي فقالت له : إن هذا العمري قد آذاني فقال لها : عديه ، وأدخليه الدهليز ، فأدخلته فشد عليه فقتله وألقاه في الطريق ، فاجتمع البكريون والعمريون والعثمانيون وقالوا : ما لصاحبنا كفو ، لن نقتل به إلا جعفر بن محمد ، وما قتل صاحبنا غيره ، وكان أبوعبدالله عليه السلام قد مضى نحو قبا ، فلقيته بما اجتمع القوم عليه فقال : دعهم قال : فلما جآء ورأوه وثبوا عليه ، وقالوا : ما قتل صاحبنا أحد غيرك ، وما نقتل به أحدا غيرك .
فقال : لتكلمني منكم جماعة ، فاعزل قوم منهم فأخذ بأيديهم ، فأدخلهم المسجد ، فخرجواوهم يقولون شيخنا أبوعبدالله جعفر بن محمد ، معاذ الله أن يكون مثله يفعل هذا ، ولا يأمر به انصرفوا .
قال : فمضيت معه فقلت : جعلت فداك ما كان أقرب رضا هم من سخط ! ؟ قال : نعم دعوتهم فقلت : أمسكوا وإلا أخرجت الصحيفة فقلت : وما هذه الصحيفة جعلني الله فداك ؟ فقال : ام الخطاب كانت أمة للزبير بن عبدالمطلب فسطر ( 2 ) بها نفيل فأحبلها فطلبه الزبير ، فخرج هاربا إلى الطائف ، فخرج الزبير خلفه فبصرت به ثقيف فقالوا : يا أبا عبدالله ما تعمل ههنا ؟ قال : جاريتي سطربها نفيلكم ، فخرج منه إلى الشام ، وخرج الزبير في تجارة له إلى الشام ، فدخل على ملك الدومة ( 3 ) فقال له : يا أبا عبدالله لي إليك حاجة قال : وما حاجتك أيها الملك ؟ فقال : رجل

___________________________________________________________________
( 1 ) الكافى ج 5 ص 138 وفيه [ الموقوفة ] مكان [ الماورقة ] .
( 2 ) سطر : بالمهملات : أى زخرف لها الكلام وخدعها ، وفى بعض النسخ شطر بها بالمعجمة أى قصد قصدها ومن المحتمل قويا تصحيف الكلمة وصوابها ( فسطابها ) من السطو بمعنى الثوب عليها والقهر لها .
( 3 ) الدومة : بالضم وقد تفتح هى دومة الجندل ، قيل هى من أعمال المدينة حصن على سبعة مراحل من دمشق ، بينها وبين المدينة .

[387]

من أهلك قد أخذت ولده ، فاحب أن ترده عليه قال : ليظهر لي حتى أعرفه ، فلما أن كان من الغد دخل إلى الملك ، فلما رآه الملك ضحك فقال : ما يضحك أيها الملك قال : ما أظن هذا الرجل ولدته عربية ، لما رآك قد دخلت لم يملك استه أن جعل يضرط فقال : أيها الملك إذا صرت إلى مكة قضيت حاجتك ، فلما قدم الزبير تحمل ببطون قريش كلها أن يدفع إليه ابنه فأبى ثم تحمل عليه بعبدالمطلب فقال : ما بيني وبينه عمل أما علمتم ما فعل في ابني فلان ، ولكن امضوا أنتم إليه فقصدوه وكلموه ، فقال لهم الزبير : إن الشيطان له دولة ، وإن ابن هذا ابن الشيطان ولست آمن أن يترأس علينا ، ولكن أدخلوه من باب المسجد علي على أن أحمي له حديدة ، وأخط في وجهه خطوطا ، وأكتب عليه وعلى ابنه ، أن لا يتصدر في مجلس ولا يتأمر على أولادنا ولا يضرب معنا بسهم ، قال : ففعلوا وخط وجهه بالحديدة وكتب عليه الكتاب ، وذلك الكتاب عندنا ، فقلت لهم : إن أمسكتم وإلا أخرجت الكتاب ، ففيه فضيحتكم فأمسكوا .
وتوفي مولى لرسول الله صلى الله عليه وآله لم يخلف وارثا ، فخاصم فيه ولد العباس أبا عبدالله عليه السلام وكان هشام بن عبدالملك قد حج في تلك السنة ، فجلس لهم فقال داود ابن علي : الولاء لنا وقال أبوعبدالله عليه السلام : بل الولاء لي ، فقال داود بن علي : إن أباك قاتل معاوية فقال : إن كان أبي قاتل معاوية ، فقد كان حظ أبيك فيه الاوفر ثم فر بجنايته ( 1 ) وقال : والله لا طوقنك غدا طوق الحمامة ، فقال له داود بن

___________________________________________________________________
( 1 ) هذا الحديث من حديث الغالية ، ويكفى في الاعراض عنه ان في طريقه أحمد ابن هلال وهو العبرتائى الذى وصفه الشيخ بانه كان غاليا متهما في دينه ، وقال فيه العلامة : ورد فيه ذموم عن سيدنا أبى محمد العسكرى عليه السلام ، وقال الميرزا محمد في رجاله الكبير : وعندى ان روايته غير مقبولة .
هذا من جهة السند ، واما نسبة الخيانة إلى حبر الامة عبدالله بن عباس ( رض ) فهى من أحاديث الوضاعين وقد اشترك في تركيزها عدة عوامل أهمها سلطان بنى أمية بادئ الامر وخصوم بنى العباس أخيرا ، وقد استعرضنا في كتابنا الكبير في حياة عبدالله بن عباس ( رض )

[388]

علي : كلامك هذا أهون علي من بعرة في وادي الازق ( 1 ) فقال : أما إنه واد ليس لك ولا لابيك فيه حق قال : فقال هشام : إذا كان غدا جلست لكم ، فلما أن كان من الغد خرج أبوعبدالله عليه السلام ومعه كتاب في كرباسة ، وجلس لهم هشام ، فوضع أبوعبدالله عليه السلام الكتاب بين يديه ، فلما قرأه قال : ادعوا إلي جندل الخزاعي وعكاشة الضميري ، وكانا شيخين ، قد أدركا الجاهلية ، فرمى الكتاب إليهما فقال : تعرفان هذه الخطوط ؟ قالا : نعم هذا خط العاص بن امية ، وهذا خط فلان وفلان لفلان من قريش ، وهذا خط حرب بن امية فقال هشام : ياأبا بعدالله أرى خطوط أجدادي عندكم ؟ فقال : نعم ، قال : قد قضيت بالولاء لك قال : فخرج وهو يقول : إن عادت العقرب عدنا لها * وكانت النعل لها حاضرة ( 2 )

___________________________________________________________________
( 1 ) في الجزء الرابع منه جميع النقود التى طعن بها في ساحة ابن عباس ( رض ) ومنها وهو اهمها حديث الخيانة المزعوم ، وقد ذكرنا صوره وأدلة القائلين به ، وناقشناه من حيث السند والدلالة مضافا إلى ما ذكرناه من مكانة الحبر ابن عباس ( رض ) عند أئمة أهل البيت من معاصريه ، وشيعتهم ، وغير ذلك مما يكذب الحديث المزعوم ويبرى ساحة ذلك الحبر الجليل ، واسأل الله أن يوفقنا لطبعه ونشره ليعم نفعه .
( 1 ) وادى الازرق : بالحجاز .
( 2 ) هذا البيت من أبيان للفضل بن العباس بن عتبة اللهبى قالها في رجل من بنى كنانة يقال له عقرب بن أبى عقرب وكان تاجرا حناطا وهو شديد المطل حتى ضرب المثل بمطله فقيل ( أمطل من عقرب ) فداين الفضل اللهبى وكان شديد الاقتضاء ، فمطله عقرب ثم مر به الفضل وهو يبيع حنطة له ويقول : جاءت به ضابطة التجار * ضافية كقطع الاوتار فقال الفضل يهجوه : قد تجرت عقرب في سوقنا * يا عجبا للعقرب التاجرة قد صافت العقرب واستيقنت * أن مالها دنيا ولا آخرة ان عادت العقرب عدنالها * وكانت النعل لها حاضرة ان عدوا كيده في أسته * لغير ذى كيد ولا تائرة

[389]

قال : فقلت : ما هذا الكتاب جعلت فداك ؟ قال : فان نثيلة كانت أمة لام الزبير ولابي طالب وعبدالله ، فأخذها عبدالمطلب فأولدها فلانا فقال له الزبير : هذه الجارية ورثناها من امنا ، وابنك هذا عبد لنا ، فتحمل عليه ببطون قريش قال : فقال : قد أجبتك على خلة ، على أن لا يتصدر ابنك هذا في مجلس ، ولا يضرب معنا بسهم ، فكتب عليه كتابا وأشهد عليه ، فهو هذا الكتاب ( 1 ) .
اقول : قد مضى شرح الخبر في كتاب الفتن ، وسيأتي أحوال هشام بن الحكم في باب مفرد ، وقد مضى أحوال الهشامين في باب نفي الجسم والصورة ، وأحوال جماعة من أصحابه في باب مكارم أخلاقه عليه السلام .
110 - ختص : ابن الوليد ، عن الصفار ، عن إبراهيم بن هاشم ، عن ابن أبي عمير أن هشام بن سالم قال له : ما اختلفت أنا وزرارة فط فأتينا محمد بن مسلم فسألناه عن ذلك إلا قال لنا : قال أبوجعفر عليه السلام فيها كذا وكذا وقال أبوعبدالله عليه السلام فيها : كذا وكذا ( 2 ) .
111 - ختص : ابن قولويه عن جعفر بن محمد بن مسعود ، عن أبيه قال : سألت عبدالله بن محمد بن خالد ، عن محمد بن مسلم قال : كان رجلا شريفا موسرا فقال له أبوجعفر : تواضع يا محمد ، فلما انصرف إلى الكوفة أخذ قوسرة من تمرمع الميزان وجلس على باب مسجد الجامع ، وجعل ينادي عليه ، فأتاه قومه فقالوا له : فضحتنا فقال : إن مولاي أمرني بأمر فلن اخالفه ، ولن أبرح حتى أفرغ من بيع ما في هذه القوسرة ، فقال له قومه : أما إذ أبيت إلا أن تشتغل ببيع وشرى فاقعد في الطحانين
-بحار الانوار مجلد: 43 من ص 389 سطر 19 الى ص 397 سطر 18

___________________________________________________________________
كل عدو يتقى مقبلا * وعقرب تحشى من الدابرة كأنها اذ خرجت هودج * سدت كواه رقعة بائرة لا حظ الاغانى ج 15 ص 7 طبع الساسى ، والامثال للميدانى ص 133 طبع البهية بميدان الازهر بمصر ، وحياة الحيوان للدميرى طبع ايراه مادة " عقرب " الامثال .
( 1 ) الكافى ج 8 ص 258 .
( 2 ) الاختصاص ص 53 .

[390]

فقعد في الطحانين فهيأ رحى وجملا وجعل يطحن ، وذكر أبومحمد عبدالله بن محمد بن خالد البرقي : أنه كان مشهورا في العبادة ، وكان من العبد في زمانه ( 1 ) .
112 - ختص : ابن الوليد ، عن الصفار ، عن ابن يزيد ، عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم ، عن سليمان بن خالد قال : سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول : ما أحد أحيا ذكرنا وأحاديث أبي إلا زرارة وأبوبصير المرادي ، ومحمد بن مسلم ، و بريد بن معاوية ، ولولا هؤلاء ما كان أحد يستنبط هدى ، هؤلاء حفاظ الدين و امناء أبي على حلال الله وحرامه ، وهم السابقون إلينا في الدنيا وفي الاخرة ( 2 ) .
113 - ختص : ابن الوليد ، عن الصفار ، عن إبراهيم بن هاشم ، عن ابن أبي عمير ، عن إبراهيم بن عبدالحميد قال : قال أبوعبدالله عليه السلام : رحم الله زرارة بن أعين لولا زرارة لا ندرست أحاديث أبي ( 3 ) .
114 - ختص : ابن الوليد ، عن ابن متيل ، عن النهاوندي ، عن أحمد بن سليمان الديلمي ، عن أبيه ، عن أبي بصير قال : أتيت أبا عبدالله عليه السلام بعد أن كبرت سني ودق عظمي واقترب أجلي ، مع أني لست أرى ما أصبر إليه في آخرتي .
فقال : يا أبا محمد إنك لتقول هذا القول ؟ فقلت : جعلت فداك كيف لا أقوله ؟ ! فقال : أما علمت أن الله تبارك وتعالى يكرم الشباب منكم ، ويسحيي من الكهول .
قلت : جعلت فداك كيف يكرم الشباب منا ويسحيي من الكهول ؟ قال : يكرم الشباب منكم أن يعذبهم ، ويستحيي من الكهول أن يحاسبهم ، فهل سررتك ؟ قال : قلت جعلت فداك زدني فإنا قد نبزنا نبزا انكسرت له ظهرونا ، وماتت له أفئدتنا ، واستحلت به الولاة دماءنا في حديث رواه فقهاؤهم هؤلاء ، قال : فقال : الرافضة ؟ قلت : نعم .

___________________________________________________________________
( 1 ) الاختصاص ص 51 وأخرجه الكشى في رجاله ص 110 .
( 2 ) نفس المصدر ص 66 وأخرجه الكشى في رجاله ص 90 .
( 3 ) المصدر السابق ص 66 وأخرجه الكشى في رجاله ص 90 .