[391]
قال : فقال : والله ماهم سموكم بل الله سماكم ، أما علمت أنه كان مع فرعون
سبعون رجلا من بني إسرائيل يدينون بدينه ، فلما استبان لهم ضلال فرعون وهدى
موسى ، رفضوا فرعون ولحقوا موسى ، وكانوا في عسكر موسى أشد أهل ذلك العسكر
عبادة وأشدهم اجتهادا إلا أنهم رفضوا فرعون ، فأوحى الله إلى موسى أن أثبت
لهم هذا الاسم في التوارة ، فإني قد نحلتهم ، ثم ذخر الله هذا الاسم حتى سماكم
به إذ رفضتم فرعون وهامان وجنودهما واتبعتم محمدا وآل محمد .
يا أبا محمد فهل
سررتك ؟ قال : قلت : جعتل فداك زدني .
فقال : افترق الناس كل فرقة واستشيعوا كل شيعة ، فاستشعيتم مع أهل
بيت نبيكم ، فذهبتم حيث ذهب الله ، واخترتم ما اختار الله ، وأحببتم من أحب الله
وأردتم من أراد الله ، فابشروا ثم ابشروا ثم ابشروا ، فأتنم والله المرحومون ، المتقبل
من محسنكم ، والمتجاوز عن مسيئكم ، من لم يلق الله بمثل ما أنتم عليه لم يتقبل الله
منه حسنة ، ولم يتجاوز عنه سيئة ، يا أبا محمد فهل سررتم ؟ قال : قلت جعلت فداك
زدني .
فقال : إن الله وملائكته يسقطون الذنوب من ظهرو شيعتنا كما تسقط الريح
الورق عن الشجر في أوان سقوطه ، وذلك قول الله " والملائكة يسبحون بحمد ربهم
ويستغفرون لمن في الارض " ( 1 ) فاستغفارهم والله لكم دون هذا العالم ، فهل سررتك
يا أبا محمد ؟ قال : قلت : جعلت فداك زدني .
فقال : لقد ذكر كم الله في كتابه فقال " من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا
الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا " ( 2 ) والله ما عنى
غيركم إذ وفيتم بما أخذ عليكم ميثاقكم من ولايتنا إذ لم تبدلوا بنا غيرنا ، ولو
فعلتم لعيركم الله كما عير غيركم في كتابه إذ يقول " وما وجدنا لاكثرهم من
___________________________________________________________________
( 1 ) سورة الشورى ، الاية : 3 .
( 2 ) سورة الاحزاب ، الاية : 23 .
[392]
عهد وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين " ( 1 ) فهل سررتك ؟ قال : قلت جعلت فداك زدني .
قال : لقد ذكركم الله في كتابه فقال : " الاخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو
إلا المتقين " ( 2 ) فالخلق والله أعداء غيرنا وشيعتنا ، وما عنى بالمتقين غيرنا وغير
شيعتنا ، فهل سررتك يا أبا محمد ؟ .
قال : قلت : جعلت فداك زدني فقال : لقد ذكركم الله في كتابه فقال " ومن
يطع الله ورسوله فاولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء
والصالحين وحسن اولئك رفيقا " ( 3 ) فمحمد صلى الله عليه وآله النبيين و ، ونحن الصديقين و
الشهداء ، وأنتم الصالحون ، فتسموا بالصلاح كما سماكم الله ، فوالله ما عنى
غيركم فهل سررتك ؟ قال : قلت : جعلت فداك زدني .
فقال : لقد جمعنا الله وولينا وعدونا في آية من كتابه فقال : " قل [ يا محمد ]
هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر اولو الالباب " ( 4 ) .
فهل سررتك ؟ .
قال : قلت : جعلت فداك زدني ، فقال : ذكركم الله في كتابه
فقال : " ما لنالا نرى رجلال كنا نعدهم من الاشرار " ( 5 ) فأنتم في النار تطلبون
وفي الجنة والله تحبرون ، فهل سررتك يا أبا محمد ؟ قال : قلت : جعلت فداك
زدني .
قال : فقال لقد ذكركم الله في كتابه فأعاذكم من الشيطان فقال : " إن
عبادي ليس لك عليهم سلطان " ( 6 ) والله ما عني غيرنا وغشير شيعتنا ، فهل سررتك ؟
قال : قلت : جعلت فداك زدني ، قال : والله لقد ذكركم الله في كتابه فأوجب لكم
___________________________________________________________________
( 1 ) سورة الاعراف ، الاية : 102 .
( 2 ) سورة الاعراف ، الاية : 67 .
( 3 ) سورة النساء ، الاية 71 .
( 4 ) سورة الزمر ، الاية : 9 .
( 5 ) سورة ص ، الاية : 62 .
( 6 ) سورة الحجر ، الاية 42 .
[393]
المغفرة فقال : " " يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله
يغفر الذنوب جميعا " ( 1 ) قال : يا أبا محمد فاذا غفر الله الذنوب جميعا فمن يعذب ؟
والله ما عنى غيرنا وغير شيعتنا ، وإنها لخاصة لنا ولكم ، فهل سررتك ؟
قال : قلت جعلت فداك زدني ، قال : والله ما استثنى الله أحدا من الاوصياء
ولا أتباعهم ما خلا أمير المؤمنين وشيعته إذ يقول " يوم لا يغني مولى عن مولى شيئا
ولاهم ينصرون إلا من رحم الله إنه هو العزيز الرحيم " ( 2 ) والله ما عنى بالرحمة
غير أمير المؤمنين وشيعته ، فهل سررتك ؟ .
قال : قلت : جعلت فداك زدني .
قال :
فقال علي بن الحسين عليه السلام ليس على فطرة الاسلام غيرنا وغير شيعتنا وسائر الناس
من ذلك براء ( 3 ) .
115 - ختص : أحمد بن محمد بن يحيى ، عن عبدالله الحميري ، عن أحمد بن
هلال ، عن ابن فضال ، عن ابن بكير ، عن زرارة قال : شهد أبوكدينة الازدي
ومحمد بن مسلم الثقفي عند شريك بشهادة وهو قاض ، ونظر في وجههما مليا ، ثم
قال : جعفريين فاطميين ، فبكيا فقال لهما : ما يبكيكما ؟ فقالا : نسبتنا إلى أقوام
لا يرضون بأمثالنا أن نكون من إخوانهم ، لما يرون من سخف ورعنا ، ونسبتنا إلى
رجل لا يرضى بأمثالنا أن نكون من شيعته ، فإن تفضل وقلبنا فله المن علينا والفضل
قديما فينا فتبسم شريك ثم قال : إذا كانت الرجال فلتكن أمثالكم يا وليد أجزهما
هذه المرة ولا يعودا ، قال : فحججنا فخبرنا أبا عبدالله عليه السلام بالقصة فقال : وما
لشريك شركه الله يوم القيامة بشراكين من نار ( 4 ) .
116 - ختص : أحمد بن محمد بن يحيى ، عن سعد ، عن ابن يزيد ، عن
ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم قال : أقام محمد بن مسلم أربع سنين بالمدينة
___________________________________________________________________
( 1 ) سورة الزمر ، الاية : 53 .
( 2 ) سورة الدخان ، الاية 42 - 43 .
( 3 ) الاختصاص ص 104 وأخرجه الكلينى في الروضة ص 33 بتفاوت بين الجميع .
( 4 ) نفس المصدر ص 202 وأخرجه الكشى في رجاله ص 108 .
[394]
يدخل على أبي جعفر عليه السلام يسأله ، ثم كان يدخل على أبي عبدالله عليه السلام يسأله
قال ابن أبي عمير : سمعت عبدالرحمن بن الحجاج وحماد بن عثمان يقولان : ما
كان أحد من الشيعة أفقه من محمد بن مسلم ( 1 ) .
117 - ختص : أبوجعفر الاحول ، محمد بن النعمان ، مؤمن الطاق ، مولى لبجيلة
وكان صيرفيا .
ولقبه الناس شيطان الطاق ، وذلك أنهم شكوا في درهم فعرضوه
عليه فقال : لهم ستوق ( 2 ) فقالوا : ما هو إلا شيطان الطاق ، وأصحابنا يلقبونه
مؤمن الطاق ، كان من متكلمي الشيعة مدحه أبوعبدالله عليه السلام على ذلك ( 3 ) .
118 - ختص : ذكر أبوالنصر محمد بن مسعود أن ابن مسكان كان لا يدخل على
أبي عبدالله عليه السلام شفقة أن لا يوفيه حق إجلاله فكان يسمع من أصحابه ويأبى أن
يدخل عليه إجلالا له وإعظاما له عليه السلام ، وذكر يونس بن عبدالرحمن أن ابن
مسكان كان رجلا مؤمنا ، وكان يتلقى أصحابه إذا قدموا فيأخذ ما عندهم ( 4 ) .
119 - ختص : حريز بن عبدالله انتقل إلى سجستان وقتل بها ، وكان سبب قتله أن كان
له أصحاب يقولون بمقالته ، وكان الغالب على سجستان الشراة ( 5 ) وكان أصحاب
حريز يسمعون منهم ثلب أمير المؤمنين عليه السلام وسبه ، فيخبرون حريزا ويستأمرونه
في قتل من يسمعون منه ذلك فأذن لهم ، فلا يزال الشراة يجدون منهم القتيل
بعد القتيل فلا يتوهمون على الشعية لقلة عددهم ، ويطالبون المرجئة ويقاتلونهم
فلا يزال الامر هكذا حتى وقفوا عليه فطلبوهم ، فاجتمع أصحاب حريز إلى حريز
___________________________________________________________________
( 1 ) المصدر السابق ص 203 وأخرجه الكشى في رجاله ص 111 .
( 2 ) ستوق : درهم زيف ملبس بالفضة .
( 3 ) الاختصاص ص 204 وأخرجه الكشى في رجاله ص 122 .
( 4 ) نفس المصدر ص 207 وأخرجه الكشى في رجاله ص 243 .
( 5 ) الشراة : هم الخوارج بسموا بذلك لقولهم شرينا أنفسنا في طاعة الله .
[395]
في المسجد فعرقبوا ( 1 ) عليهم المسجد وقلبوا أرضه رحمهم الله ( 2 ) .
120 - ختص : محمد بن علي ، عن ابن المتوكل ، عن علي بن إبراهيم
عن اليقطيني ، عن أبي أحمد الازدي ، عن عبدالله بن الفضل الهاشمي قال : كنت
عند الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام إذ دخل المفضل بن عمر ، فلما بصر به
ضحك إليه ثم قال : إلي يا مفضل ! فو ربي إني لاحبك واحب من يحبك
يا مفضل ، لو عرفت جميع أصحابي ما تعرف ما اختلف اثنان ، فقال له المفضل :
يا ابن رسول الله لقد حسبت أن أكون قد انزلت فوق منزلتي ، فقال عليه السلام : بل انزلت
المنزلة التي أنزلك الله بها ، فقال : يا ابن رسول الله فما منزلة جابر بن يزيد منكم ؟
قال : منزلة سلمان من رسول الله صلى الله عليه وآله ، قال : فما منزلة داود بن كثير الرقي منكم
قال : منزلة المقداد من رسول الله صلى الله عليه وآله .
قال : ثم أقبل علي فقال : يا عبدالله بن الفضل إن الله تبارك وتعالى خلقنا
من نور عظمته ، وصنعنا برحمته ، وخلق أرواحكم منا ، فنحن نحن إليكم وأنتم
تحنون إلينا ، والله لوجهد أهل المشرق والمغرب أن يزيدوا في شيعتنا رجلا
وينقصوا منهم رجلا ما قدروا على ذلك ، وإنهم لمكتوبون عندنا بأسمائهم وأسماء
آبائهم وعشائرهم وأنسابهم ، يا عبدالله بن الفضل ولوشئت لارينك اسمك في
صحيفتنا ، قال : ثم دعا بصحيفة فنشرها فوجدتها بيضاء ليس فيها أثر الكتابة
فقلت : يا ابن رسول الله ما أرى فيها أثر الكتابة قال : فمسح يده عليها فوجدتها
مكتوبة ووجدت في أسفلها اسمي فسجدت لله شكرا ( 3 ) .
___________________________________________________________________
( 1 ) عرقبوا عليهم المسجد : أى هدموه عليهم من قواعده أخذا من قولهم عرقب
الفرس ضربه على قوائمه .
( 2 ) الاختصاص ص 207 وأخرجه الكشى في رجاله ص 244 .
( 3 ) نفس المصدر ص 216 وأخرجه الكشى في رجاله ص 108 .
[396]
1 - ج : البرقي ، عن أبيه ، عن شريك بن عبدالله ، عن الاعمش قال : اجتمعت
الشيعة والمحكمة عند أبي نعيم النخعي بالكوفة ، وأبوجعفر محمد بن النعمان مؤمن
الطاق حاضر ، فقال ابن أبي خدرة : أنا اقرر معكم أيتها الشيعة أن أبابكر
أفضل من علي وجميع أصحاب النبي صلى الله عليه وآله بأربع خصال لا يقدر على دفعها أحد من
الناس ، هو ثان مع رسول الله صلى الله عليه وآله في بيته مدفون ، وهو ثاني اثنين معه في الغار ، و
هو ثاني اثنين صلى بالناس آخر صلاة قبض بعده رسول الله صلى الله عليه وآله ، وهو ثاني
اثنين الصديق من الامة ، قال أبوجعفر مؤمن الطاق رحمة الله عليه : يا ابن أبي خدرة
وأنا اقرر معك أن عليا عليه السلام أفضل من أبي بكر وجميع أصحاب النبي صلى الله عليه وآله
بهذه الخصال التي وصفتها ، وأنها مثلبة لصاحبك والزمك طاعة علي صلى الله عليه
من ثلاث جهات من القرآن وصفا ، ومن خبر رسول الله صلى الله عليه وآله نصا ، ومن حجة العقل
اعتبارا ، ووقع الاتفاق على إبراهيم النخعي ، وعلى أبي إسحاق السبيعي ، وعلى
سليمان بن مهران الاعمش .
فقال أبوجعفر مؤمن الطاق : أخبرني يا ابن أبي خدرة عن النبي صلى الله عليه وآله أترك
بيوته التي أضافها الله إليه ، ونهى الناس عن دخولها إلا باذنه ميراثا لاهله وولده ؟
أو تركها صدقة على جميع المسلمين ؟ قل : ما شئت ، فانقطع ابن أبي خدرة لما أورد
عليه ذلك ، وعرف خطأ ما فيه ، فقال أبوجعفر مؤمن الطاق : إن تركها ميراثا
لولده وأزواجه فانه قبض عن تسع نسوة ، وإنما لعائشة بنت أبي بكر تسع ثمن هذا
[397]
البيت الذي دفن فيه صاحبك ولم يصبها من البيت ذراع ، وإن كان صدقة
فالبلية أطم وأعظم فإنه لم يصب له من البيت إلا مالادنى رجل من المسلمين ، فدخول
بيت النبي صلى الله عليه وآله بغير إذنه في حياته وبعد وفاته معصية إلا لعلي بن أبي طالب عليه السلام و
ولده ، فإن الله أحل لهم ما أحل للنبي صلى الله عليه وآله وسلم .
ثم قال : إنكم تعلمون أن النبي صلى الله عليه وآله أمر بسد أبواب جميع الناس التي
كانت مشرعة إلى المسجد ما خلا باب علي عليه السلام فسأله أبوبكر أن يترك له كوة
لينظرمنها إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأبى عليه ، وغضب عمه العباس من ذلك فخطب النبي
صلى الله عليه وآله خطبة وقال : إن الله تبارك وتعالى أمر لموسى وهارون أن تبوءا
لقومكما بمصر بيوتا ، وأمرهما أن لا يبيت في مسجدهما جنب ولا يقرب فيه النساء
إلا موسى وهارون وذريتهما ، وإن عليا مني هو بمنزلة هارون من موسى ، و
ذريته كذرية هارن ، ولا يحل لاحد أن يقرب النساء في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله
ولا يبيت فيه جنبا إلا علي وذريته عليهم السلام ، فقالوا بأجمعهم : كذلك كان .
قال أبوجعفر : ذهب ربع دينك يا ابن أبي خدرة وهذه منقبة لصاحبي ليس
لاحد مثلها ومثلبة لصاحبك ، وأما قولك ثاني اثنين إذهما في الغار أخبرني هل
أنزل الله سكينته على رسول الله صلى الله عليه وآله وعلى المؤمنين في غير الغار ؟ قال : ابن أبي
خدرة : نعم .
قال أبوجعفر : يا ابن خدرة ذهب نصف دينك ، وأما قولك ثاني اثنين
الصديق من الامة أوجب الله على صاحبك الاستغفار لعلي بن أبي طالب عليه السلام في قوله
عزوجل " والذين جاؤا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولاخوننا الذين سبقونا
-بحار الانوار مجلد: 43 من ص 397 سطر 19 الى ص 405 سطر 18
بالايمان ( 1 ) إلى آخر ، والذي ادعيت إنما هوشئ سماه الناس ، ومن
___________________________________________________________________
( 1 ) الحشر : 11 .
[398]
سماه القرآن وشهد له بالصدق والتصديق أولى به ممن سماه الناس ، وقد قال
علي عليه السلام على منبر البصرة : أنا الصديق الاكبر آمنت قبل أن آمن أبوبكر و
صدقت قبله قال الناس : صدقت .
قال أبوجعفر مؤمن الطاق : يا ابن أبي خدرة ذهب ثلاث أرباع دينك ، وأما
قولك في الصلاة بالناس كنت ادعيت لصاحبك فضيلة لم تقم له ، وإنها إلى التهمة
أقرب منها إلى الفضيلة ، فلو كان ذلك بأمر رسول الله صلى الله عليه وآله لما عزله عن تلك الصلاة
بعينها ، أما علمت أنه لما تقدم أبوبكر ليصلي بالناس خرج رسول الله صلى الله عليه وآله فتقدم
وصلى بالناس وعزله عنها ، ولا تخلو هذه الصلاة من أحد وجهين ، إما أن تكون
حيلة وقعت منه فلما حس النبي صلى الله عليه وآله وسلم بذلك خرج مبادرا مع علته فنحاه عنها
لكي لا يحتج بعده على امته فيكونوا في ذلك معذورين ، وإما أن يكون هو الذي
أمره بذلك وكان ذلك مفوضا إليه كما في قصة تبليغ براءة فنزل جبرئيل عليه السلام
وقال : لا يؤديها إلا أنت أو رجل منك فبعث عليا عليه السلام في طلبه وأخذها منه وعزله
عنها وعن تبليغا ، فكذلك كانت قصة الصلاة ، وفي الحالتين هو مذموم لانه كشف
عنه ما كان مستورا عليه ، وذلك دليل واضح لانه لا يصلح للاستخلاف بعده ، ولا
هو مأمون على شي ء من أمر الدين فقال الناس : صدقت .
قال أبوجعفر مؤمن الطاق : يا ابن أبي خدرة ذهب دينك كله وفضحت حيث
مدحت ، فقال الناس لابي جعفر : هات حجنك فيما ادعيت من طاعة علي عليه السلام
فقال أبوجعفر مؤمن الطاق :
أما من القرآن وصفا فقوله عزوجل " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله و
كونوا مع الصادقين " ( 1 ) فوجدنا عليا عليه السلام بهذه الصفة في القرآن في قوله عز
وجل " والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس " ( 2 ) يعني في الحرب والتعب
" اولئك الذين صدقوا واولئك هم المتقون " فوقع الاجماع من الامة بأن عليا
___________________________________________________________________
( 1 ) براءة 119 .
( 2 ) البقرة : 177 .
[399]
عليه السلام أولى بهذا الامر من غيره لانه لم يفر عن زحف قط كما فر غيره
في غير موضع ، فقال الناس : صدقت
وأما الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وآله نصا فقال : أني تارك فيكم الثقلين ما إن
تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي كتاب الله وعترتي أهل بيتي فإنهما لن يفترقا حتى
يردا على الحوض ، وقوله صلى الله عليه وآله مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها
نجا ، ومن تخلف عنها غرق ، ومن تقدمها مرق ، ومن لزمها لحق ، فالمتمسك
بأهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله هاد مهتد بشهادة من الرسول صلى الله عليه وآله ، والمتمسك بغيرهم
ضال مضل ، قال الناس : صدقت يا أبا جعفر .
وأما من حجة العقل فإن الناس كلهم يستعبدون بطاعة العالم ووجدنا
الاجماع قد وقع على علي عليه السلام أنه كان أعلم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله ، وكان
جميع الناس يسألونه ويحتاجون إليه ، وكان علي عليه السلام مستغينا عنهم هذا من الشاهد
والدليل عليه من القرآن قوله عزوجل " أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع
أمن لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون " ( 1 ) فما اتفق يوم أحسن
منه ودخل في هذا الامر عالم كثير .
وقد كانت لابي جعفر مؤمن الطاق مقامات مع أبي حنيفة فمن ذلك ما روي
أنه قال يوما من الايام لمؤمن الطاق : إنكم تقولون بالرجعة ؟ قال : نعم قال :
أبوحنيفة : فأعطني الآن ألف درهم حتى اعطيك ألف دينارا إذا رجعنا ، قال الطاقي
لابي حنيفة : فأعطني كفيلا بأنك ترجع إنسانا ولا ترجع خنزيرا .
وقال له يوما آخر : لم لم يطالب علي بن أبي طالب بحقه بعد وفاة رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم إن كان له حق ؟ فأجابه مؤمن الطاق فقال : خاف أن تقتله الجن كما
قتلوا سعد بن عبادة بسهم المغيرة بن شعبة .
وكان أبوحنيفة يوما آخر يتماشى مع مؤمن الطاق ، في سكة من سكك
الكوفة إذا بمناد ينادي من بدلني على صبي ضال ، فقال مؤمن الطاق : أما الصبي
___________________________________________________________________
( 1 ) يونس : 35 .
[400]
الضال فلم نره ، وإن أردت شيخا ضالا فخذ هذا - عنى به أبا حنيفة .
ولمات مات الصادق عليه السلام رأى أبوحنيفة مؤمن الطاق فقال له : ما إمامك
قال : نعم ، أما أمامك فمن المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم ( 1 ) .
2 - ج : إنه مر فضال بن الحسن بن فضال الكوفي بأبي حنيفة وهو في
جميع كثير يملي عليهم شيئا من فقهه وحديثه ، فقال لصاحب كان معه : والله لا أبرح
أو أخجل أبا حنيفة فقال صاحبه الذي كان معه : إن أبا حنيفة ممن قد علت حالته و
ظهرت حجته قال : مه هل رأيت حجة ضال علت على حجة مؤمن ! ثم دنا منه
فسلم عليه فردها ، ورد القوم السلام بأجمعهم ، فقال : يا أبا حنيفة إن أخالي يقول :
إن خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وآله علي بن أبيطالب عليه السلام وأنا أقول : أبوبكر خير
الناس وبعده عمر فما تقول أنت رحمك الله ؟ فأطرق مليا ثم رفع رأسه فقال : كفى
بمكانهما من رسول الله صلى الله عليه وآله كرما وفخرا أما علمت أنهما ضجيعاه في قبره فأي
حجة تريدا أوضح من هذا ! فقال له فضال : إني قد قلت ذلك لاخي فقال : والله
لئن كان الموضع لرسول الله صلى الله عليه وآله دونهما فقد ظلما بدفنهما في موضع ليس لهما فيه
حق ، وإن كان الموضع لهما فوهباه لرسول الله صلى الله عليه وآله لقد أساءا وما أحسنا إذ رجعا
في هبتهما ونسيا عهدهما .
فأطرق أبوحنيفة ساعة ثم قال له : لم يكن له ولالهما خاصة ، ولكنهما نظرا
في حق عائشة وحفصة فاستحقا الدفن في ذلك الموضع بحقوق ابنتيهما فقال له فضال :
قد قلت له ذلك فقال : أنت تعلم أن النبي صلى الله عليه وآله مات عن تسع نساء ونظرنا فاذا
لكل واحدة منهن تسع الثمن ، ثم نظرنا في تسع الثمن فإذا هو شبر في شبر ، فكيف
يستحق الرجلان أكثر من ذلك ؟ وبعد ذلك فما بال عائشة وحفصة يرثان رسول الله
صلى الله عليه وآله وفاطمة بنته تمنع الميراث ؟ فقال أبوحنيفة : يا قوم نحوه عني
فإنه رافضي خبيث ( 2 )
___________________________________________________________________
( 1 ) الاحتجاج ص 205 .
( 2 ) نفس المصدر ص 207 .