الفهرس

عَلاماتُ حُبِّهِم

 

5 / 1
الاِجتِهادُ فِي العَمَلِ
1 ـ الإمام عليّ عليه السّلام : أنَا مَعَ رَسولِ اللهِ صلّى الله عليه و آله ومَعي عِترَتي وسِبطايَ عَلَى الحَوضِ ، فَمَن أرادَنا فَليَأخُذ بِقَولِنا وَليَعمَل عَمَلَنا[1] .

2 ـ حَمّادٌ اللَّحّامُ عَن أبي عَبدِ اللهِ عليه السّلام
أنَّ أباهُ قالَ : يا بُنَيَّ ، إنَّكَ إن خالَفتَني فِي العَمَلِ لَم تَنزِل مَعي غَدًا فِي المَنزِلِ . ثُمَّ قالَ : أبَى اللهُ عَزَّوجَلَّ أن يَتَوَلّى قَومٌ قَومًا يُخالِفونَهُم في أعمالِهِم يَنزِلونَ مَعَهُم يَومَ القِيامَةِ ، كَلّا ورَبِّ الكَعبَةِ[2] .

3 ـ الإمام عليّ عليه السّلام :
مَن أحَبَّنا فَليَعمَل بِعَمَلِنا ، وليَتَجَلبَبِ الوَرَعَ[3] .

4 ـ عنه عليه السّلام :
مَن أحَبَّنا فَليَعمَل بَعَمَلِنا ، وَليَستَعِن بِالوَرَعِ ، فَإِنَّهُ أفضَلُ مايُستعانُ بِهِ في أمرِ الدُّنيا وَالآخِرَةِ[4] .

5 ـ الإمام الصادق عليه السّلام :
خَرَجتُ أنَا وأبي عليه السّلام حَتّى إذا كُنّا بَينَ القَبرِ وَالمِنبَرِ إذا هُوَ بِاُناسٍ مِنَ الشّيعَةِ فَسَلَّمَ عَلَيهِم فَرَدّوا عَلَيهِ السَّلامَ ، ثُمَّ قالَ : إنّي وَاللهِ لاُحِبُّ رِياحَكُم وأرواحَكُم ، فَأَعينوني عَلى ذلِكَ بِوَرَعٍ وَاجتِهادٍ ، وَاعلَموا أنَّ وَلايَتَنا لا تُنالُ إلّا بِالوَرَعِ وَالاِجتِهادِ ، ومَنِ ائتَمَّ مِنكُم بِعَبدٍ فَليَعمَل بِعَمَلِهِ[5] .

6 ـ الإمام المهديّ عليه السّلام
ـ فيما وَرَدَ عَنهُ إلَى الشَّيخِ المُفيدِ ـ : فَليَعمَل كُلُّ امرِئً مِنكُم بِما يَقرُبُ بِهِ مِن مَحَبَّتِنا ، وَليَتَجَنَّب ما يُدنيهِ مِن كَراهَتِنا وسَخَطِنا ، فَإِنَّ أمرَنا بَغتَةٌ فُجأَةٌ حينَ لا تَنفَعُهُ تَوبَةٌ ولا يُنجيهِ مِن عِقابِنا نَدَمٌ عَلى حَوبَةٍ[6] .
راجع : ص 319 «القسم السابع / وصايا أهل البيت / الاجتهاد في العمل» .

5 / 2
حُبُّ مُحِبّيهِم
7 ـ حَنَشُ بنُ المُعتَمِرِ : دَخَلتُ عَلى أميرِ المُؤمِنينَ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السّلام فَقُلتُ : السَّلامُ عَلَيكَ يا أميرَ المُؤمِنينَ ورَحمَةُ اللهِ وبَرَكاتُهُ ، كَيفَ أمسَيتَ ؟ قالَ : أمسَيتُ مُحِبًّا لُِمحِبِّنا ، ومُبغِضًا لِمُبغِضِنا ، وأمسى مُحِبُّنا مُغتَبِطًا بِرَحمَةٍ مِنَ اللهِ كانَ يَنتَظِرُها ، وأمسى عَدُوُّنا يُؤَسِّسُ بُنيانَهُ عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ ، وكَأَنَّ ذلِكَ الشَّفا قَدِ انهارَ بِهِ في نارِ جَهَنَّمَ ، وكَأَنَّ أبوابَ الرَّحمَةِ قَد فُتِحَت لِأَهلِها ، فَهَنيئًا لِأَهلِ الرَّحمَةِ رَحمَتُهُم ، وَالتَّعسُ لِأَهلِ النَّارِ وَالنّارُ لَهُم .
يا حَنَشُ ، مَن سَرَّهُ أن يَعلَمَ أمُحِبٌّ لَنا أم مُبغِضٌ فَليَمتَحِن قَلبَهُ ، فَإِن كانَ يُحِبُّ وَلِيًّا لَنا فَلَيسَ بِمُبغِضٍ لَنا ، وإن كانَ يُبغِضُ وَلِيَّنا فَلَيسَ بِمُحِبٍّ لَنا ، إنَّ اللهَ تَعالى أخَذَ الميثاقَ لُِمحِبِّنا بِمَوَدَّتِنا ، وكَتَبَ فِي الذِّكرِ اسمَ مُبغِضِنا ، نَحنُ النُّجَباءُ وأفراطُنا أفراطُ الأَنبِياءِ[7] .

8 ـ الإمام عليّ عليه السّلام :
مَن أحَبَّ اللهَ أحَبَّ النَّبِيَّ ، ومَن أحَبَّ النَّبِيَّ أحَبَّنا ، ومَن أحَبَّنا أحَبَّ شيعَتَنا[8] .

9 ـ الإمام الصادق عليه السّلام :
مَن تَوَلّى مُحِبَّنا فَقَد أحَبَّنا[9] .

5 / 3
بُغضُ عَدُوِّهِم
10 ـ صالِحُ بنُ مَيثَمٍ الَّتمارِرحمه الله : وَجَدتُ في كِتابِ مَيثَمٍ رضي الله عنه يَقولُ : تَمَسَّينا لَيلَةً عِندَ أميرِ المُؤمِنينَ عَلِيِّ بن أبي طالِبٍ عليه السّلام ، فَقالَ لَنا : لَيسَ مِن عَبدٍ اِمتَحَنَ اللهُ قَلبَهُ بِالإِيمانِ إلّا أصبَحَ يَجِدُ مَوَدَّتَنا عَلى قَلبِهِ ، ولا أصبَحَ عَبدٌ مِمَّن سَخَطَ اللهُ عَلَيهِ إلّا يَجِدُ بُغضَنا عَلى قَلبِهِ ، فَأَصبَحنا نَفرَحُ بِحُبِّ المُؤمِنِ لَنا ، ونَعرِفُ بُغضَ المُبغِضِ لَنا ، وأصبَحَ مُحِبُّنا مُغتَبِطًا بِحُبِّنا بِرَحمَةٍ مِنَ اللهِ يَنتَظِرُها كُلَّ يَومٍ ، وأصبَحَ مُبغِضُنا يُؤَسِّسُ بُنيانَهُ عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ ، فَكَأَنَّ ذلِكَ الشَّفا قَدِ انهارَ بِهِ في نارِ جَهَنَّمَ ، وكَأَنَّ أبوابَ الرَّحمَةِ قَد فُتِحَت لِأَصحابِ الرَّحمَةِ ، فَهَنيئًا لِأَصحابِ الرَّحمَةِ رَحمَتُهُم ، وتَعسًا لِأَهلِ النّارِ مَثواهُم . إنَّ عَبدًا لَن يُقَصِّرَ في حُبِّنا لِخَيرٍ جَعَلَهُ اللهُ في قَلبِهِ ، ولَن يُحِبَّنا مَن يُحِبُّ مُبغِضَنا ، إنَّ ذلِكَ لا يَجتَمِعُ في قَلبٍ واحِدٍ و ما جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِن قَلبَينِ في جَوفِهِ [10] يُحِبُّ بِهذا قَومًا ويُحِبُّ بالآخَرِ عَدُوَّهُم ، وَالَّذي يُحِبُّنا فَهُوَ يُخلِصُ حُبَّنا كَما يَخلُصُ الذَّهَبُ لا غِشَّ فيهِ .
نَحنُ النُّجَباءُ وأفراطُنا أفراطُ الأَنبِياءِ ، وأنَا وَصِيُّ الأَوصِياءِ ، وأنَا حِزبُ اللهِ ورَسولِهِ ، وَالفِئَةُ الباغِيَةُ حِزبُ الشَّيطانِ ، فَمَن أحَبَّ أن يَعلَمَ حالَهُ في حُبِّنا فَليَمتَحِن قَلبَهُ ، فَإِن وَجَد فيهِ حُبَّ مَن ألَّبَ[11] عَلَينا فَليَعلَم أنَّ اللهَ عَدُوُّهُ وجَبرَئيلُ وميكائيلُ ، وَاللهُ عَدُوٌّ لِلكافِرينَ[12] .

11 ـ أبُو الجارودِ عَن أبي جَعفَرٍعليه السّلام
ـ في قَولِهِ تَعالى : ما جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِن قَلبَينِ في جَوفِهِ ـ : قالَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ عليه السّلام : لا يَجتَمِعُ حُبُّنا وحُبُّ عَدُوِّنا في جَوفِ إنسانٍ ، إنَّ اللهَ لَم يَجعَل لِرَجُلٍ مِن قَلبَينِ في جَوفِهِ فَيُحِبَّ هذا ويُبغِضَ هذا ، فَأَمّا مُحِبُّنا فَيُخلِصُ الحُبَّ لَنا كَما يَخلُصُ الذَّهَبُ بِالنّارِ لا كَدَرَ فيهِ ، فَمَن أرادَ أن يَعلَمَ حُبَّنا فَليَمتَحِن قَلبَهُ ، فَإِن شارَكَهُ في حُبِّنا حُبُّ عَدُوِّنا فَلَيسَ مِنّا ولَسنا مِنهُ ، وَاللهُ عَدُوُّهُم وجَبرَئيلُ وميكائيلُ ، وَاللهُ عَدُوٌّ لِلكافِرينَ[13] .

12 ـ الإمام الصادق عليه السّلام
ـ لِمَن قالَ لَهُ : إنَّ فُلانًا يُواليكُم إلّا أنَّهُ يَضعُفُ عَنِ البَراءَ ةِ مِن عَدُوِّكُم ـ : هَيهاتَ ، كَذَبَ مَنِ ادَّعى مَحَبَّتَنا ولَم يَتَبَرَّأ مِن عَدُوِّنا[14] .

5 / 4
الاِستِعدادُ لِلبَلاءِ
13 ـ رسول الله صلّى الله عليه و آله ـ لَمّا شَكا إلَيهِ أبو سَعيدٍ الخُدرِيُّ حاجتَهُ ـ : اِصبِر أبا سَعيدٍ ، فَإِنَّ الفَقرَ إلى مَن يُحِبُّني مِنكُم أسرَعُ مِنَ السَّيلِ عَلى أعلَى الوادي ، ومِن أعلَى الجَبَلِ إلى أسفَلِهِ[15] .

14 ـ عنه صلّى الله عليه و آله
ـ لأَِبي ذَرٍّ لَمّا قالَ لَهُ : إنّي اُحِبُّكُم أهلَ البَيتِ ـ : اللهَ اللهَ ! فَأَعِدَّ لِلفَقرِ تِجفافـًا[16] ، فَإِنَّ الفَقرَ أسـرَعُ إلى مَن يُحِبُّنا مِنَ السَّيلِ مِن أعلَى الأَكَمَةِ إلى أسفَلِها[17] .

15 ـ اِبنُ عَبّاسٍ :
أصابَ نَبِيَّ اللهِ صلّى الله عليه و آله خَصاصَةٌ فَبَلَغَ ذلِكَ عَلِيًّاعليه السّلام ، فَخَرَجَ يَلتَمِس عَمَلاً لِيُصيبَ مِنهُ شَيئًا يَبعَثُ بِهِ إلى نَبِيِّ اللهِ صلّى الله عليه و آله ، فَأَتى بُستانًا لِرَجُلٍ مِنَ اليَهودِ ، فَاستَقى لَهُ سَبعَةَ عَشَرَ دَلوًا كُلَّ دَلوٍ بِتَمرَةٍ ، فَخَيَّرَهُ اليَهودِيُّ مِن تَمرِهِ سَبعَ عَشرَةَ تَمرَةً عَجوَةً ، فَجاءَ بِها إلى نَبِيِّ اللهِ صلّى الله عليه و آله فَقالَ : مِن أينَ هذا يا أبَا الحَسَنِ ؟ قالَ : بَلَغَني ما بِكَ مِنَ الخَصاصَةِ يا نَبِيَّ اللهِ فَخَرَجتُ ألَتمِسُ عَمَلاً لِاُصيبَ لَكَ طَعامًا . قالَ : فَحَمَلَكَ عَلى هذا حُبُّ اللهِ ورَسولِهِ ؟ قالَ عَلِيٌّ : نَعَم يا نَبِيَّ اللهِ ، فَقالَ نَبِيُّ اللهِ صلّى الله عليه و آله : وَاللهِ ما مِن عَبدٍ يُحِبُّ اللهَ ورَسولَهُ إلّا الفَقرُ أسرَعُ إلَيهِ مِن جَريَةِ السَّيلِ عَلى وَجهِهِ ، مَن أحَبَّ اللهَ ورَسولَهُ فَليُعِدَّ تِجفافًا ، وإنَّما يَعنِي الصَّبرَ[18] .

16 ـ عَنَمَةُ الجُهَنِيُّ :
خَرَجَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه و آله ذاتَ يَومٍ فَلَقِيَهُ رَجُلٌ مِنَ الأَنصارِ فَقالَ : يا رَسولَ اللهِ بِأَبي واُمّي أنتَ ، إنَّهُ لَيَسوؤُنِي الَّذي أرى بِوَجهِكَ وعَمّا هُوَ ؟ قالَ : فَنَظَرَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه و آله إلى وَجهِ الرَّجُلِ ساعَةً ثُمَّ قالَ : الجوعُ .
فَخَرَجَ الرَّجُلُ يَعدو ـ أو شَبيهًا بِالعَدوِ ـ حَتّى أتى بَيتَهُ فَالَتمَسَ فيهِ الطَّعامَ فَلَم يَجِد شَيئًا ، فَخَرَجَ إلى بَني قُرَيظَةَ فَأَجَّرَ نَفسَهُ بِكُلِّ دَلوٍ يَنزَعُها تَمرَةً حَتّى جَمَعَ حَفنَةً أو كَفًّا مِن تَمرٍ ، ثُمَّ رَجَعَ بِالـتَّمرِ حَتّى وَجَدَ النَّبِيَّ صلّى الله عليه و آله في مَجلِسٍ لَم يَرِم[19] ، فَوَضَعَهُ بَينَ يَدَيهِ وقالَ : كُل أي رَسولَ اللهِ ، فَقالَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه و آله : مِن أينَ لَكَ هذَا الَّتمرُ ؟ فَأَخبَرَهُ الخَبَرَ ، فَقالَ لَهُ رَسولُ اللهِ صلّى الله عليه و آله : إنّي لَأَظُنُّكَ تُحِبُّ اللهَ ورَسولَهُ ؟ قالَ : أجَل ، وَالَّذي بَعَثَكَ بِالحَقِّ لَأَنتَ أحَبُّ إلَيَّ مِن نَفسي ووُلدي وأهلي ومالي ، فَقالَ : امّا لا فَاصطَبِر لِلفاقَةِ ، وأعِدَّ لِلبَلاءِ تِجفافًا ، فَوَالَّذي بَعَثَني بِالحَقِّ لَهُما إلى مَن يُحِبُّني أسرَعُ مِن هُبوطِ الماءِ مِن رَأسِ الجَبَلِ إلى أسفَلِهِ[20] .

17 ـ الإمام عليّ عليه السّلام :
مَن أحَبَّنا فَليُعِدَّ لِلبَلاءِ جِلبابًا[21] .

18 ـ عنه عليه السّلام :
مَن تَوَلّانا فَليَلبَس لِلمِحَنِ إهابًا[22] .

19 ـ عنه عليه السّلام :
مَن أحَبَّنا أهلَ البَيتِ فَليَستَعِدَّ عُدَّةً لِلبَلاءِ[23] .

20 ـ عنه عليه السّلام :
مَن أحَبَّنا أهلَ البَيتِ فَليَستَعِدَّ لِلفَقرِ جِلبابًا[24] .

21 ـ الأَصبَغُ بنُ نُباتَةَ :
كُنتُ عِندَ أميرِ المُؤمِنينَ عليه السّلام قاعِدًا ، فَجاءَ رَجُلٌ فَقالَ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، وَاللهِ إنّي لَاُحِبُّكَ (فِي اللهِ) ، فَقالَ : صَدَقتَ ، إنَّ طينَتَنا مَخزونَةٌ ، أخَذَ اللهُ ميثاقَها مِن صُلبِ آدَمَ ، فَاتَّخِذ لِلفَقرِ جِلبابًا ، فَإِنّي سَمِعتُ رَسولَ اللهِ صلّى الله عليه و آله يَقولُ : وَاللهِ يا عَلِيُّ ، إنَّ الفَقرَ لَأَسرَعُ إلى مُحِبّيكَ مِنَ السَّيلِ إلى بَطنِ الوادي[25] .

22 ـ الأَصبَغُ بنُ نُباتَةَ :
كُنتُ جالِسًا عِندَ أميرِ المُؤمِنينَ عليه السّلام فَأَتاهُ رَجُلٌ فَقالَ : يا أميرَ المُؤمِنينَ إنّي لَاُحِبُّكَ فِي السِّرِّ كَما اُحِبُّكَ فِي العَلانِيَةِ ، قالَ : فَنَكَتَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السّلام الأَرضَ بِعودٍ كانَ في يَدِهِ ساعَةً ، ثُمَّ رَفَعَ رَأسَهُ فَقالَ : كَذَبتَ وَاللهِ ، ما أعرِفُ وَجهَكَ فِي الوُجوهِ ، ولَا اسمَكَ فِي الأَسماءِ .
فَعَجِبتُ مِن ذلِكَ عَجَبًا شَديدًا ، فَلَم أبرَح حَتّى أتاهُ رَجُلٌ آخَرُ فَقالَ : وَاللهِ يا أميرَ المُؤمِنينَ ، إنّي لَاُحِبُّكَ فِي السِّرِّ كَما اُحِبُّكَ فِي العَلانِيَةِ ، فَنَكَتَ بِعودِهِ ذلِكَ فِي الأَرضِ طَويلاً ثُمَّ رَفَعَ رَأسَهُ فَقالَ : صَدَقتَ ، إنّ طينَتَنا طينَةٌ مَرحومَةٌ ، أخَذَ اللهُ ميثاقَها يَومَ أخَذَ الميثاقَ ، فَلا يَشُذُّ مِنها شاذٌّ ، ولا يَدخُلُ فيها داخِلٌ إلى يَومِ القِيامَةِ . أما إنَّهُ فَاتَّخِذ لِلفاقَةِ جِلبابًا ، فَإِنّي سَمِعتُ رَسولَ اللهِ صلّى الله عليه و آله يَقولُ : الفاقَةُ إلى مُحِبّيكَ أسرَعُ مِنَ السَّيلِ المُنحَدِرِ مِن أعلَى الوادي إلى أسفَلِهِ[26] .

23 ـ مُحَمَّدُ بنُ مُسلِمٍ :
خَرَجتُ إلَى المَدينَةِ وأنَا وَجِعٌ ثَقيلٌ ، فَقيلَ لَهُ [أي لِأَبي جَعفَرٍعليه السّلام ] : مُحَمَّدُ بنُ مُسلِمٍ وَجِعٌ ، فَأَرسَلَ إلَيَّ أبو جَعفَرٍ بِشَرابٍ مَعَ الغُلامِ مُغَطًّى بِمِنديلٍ ، فَناوَلَنيهِ الغُلامُ وقالَ لي : اِشرَبهُ فَإِنَّهُ قَد أمَرَني أن لا أرجِعَ حَتّى تَشرَبَهُ ، فَتَناوَلتُهُ فَإِذا رائِحَةُ المِسكِ مِنهُ ، وإذا شَرابٌ طَيِّبُ الطَّعمِ بارِدٌ ، فَلَمّا شَرِبتُهُ قالَ لِيَ الغُلامُ : يَقولُ لَكَ إذا شَرِبتَ فَتَعالَ .
فَفَكَّرتُ فيما قالَ لي ولا أقدِرُ عَلَى النُّهوضِ قَبلَ ذلِكَ عَلى رِجلي ، فَلَمَّا استَقَرَّ الشَّرابُ في جَوفي كَأَنَّما نَشَطتُ مِن عِقالٍ ، فَأَتَيتُ بابَهُ فَاستَأذَنتُ عَلَيهِ ، فَصَوَّتَ بي : صَحَّ الجِسمُ ، ادخُل ادخُل . فَدَخَلتُ وأنا باكٍ ، فَسَلَّمتُ عَلَيهِ وقَبَّلتُ يَدَهُ ورَأسَهُ ، فَقالَ لي : وما يُبكيكَ يا مُحَمَّدُ ؟ فَقُلتُ : جُعِلتُ فِداكَ ، أبكي عَلَى اغتِرابي وبُعدِ الشُّقَّةِ وقِلَّةِ المَقدِرَةِ عَلَى المُقامِ عِندَكَ وَالنَّظَرِ إليكَ . فَقالَ لي : أمّا قِلَّةُ المَقدِرَةِ فَكَذلِكَ جَعَلَ اللهُ أولِياءَ نا وأهلَ مَوَدَّتِنا وجَعَلَ البَلاءَ إلَيهِم سَريعًا ، وأمّا ما ذَكَرتَ مِنَ الغُربَةِ فَلَكَ بِأَبي عَبدِاللهِ اُسوَةٌ بِأَرضٍ ناءٍ عَنّا بِالفُراتِ .
وأمّا ما ذَكَرتَ مِن بُعدِ الشُّقَّةِ ، فَإِنَّ المُؤمِنَ في هذِهِ الدّارِ غَريبٌ وفي هذَا الخَلقِ المَنكوسِ حَتّى يَخرُجَ مِن هذِهِ الدّارِ إلى رَحمَةِ اللهِ ، وأمّا ما ذَكَرتَ مِن حُبِّكَ قُربَنا وَالنَّظَرَ إلَينا وأنَّكَ لا تَقدِرُ عَلى ذلِكَ فَاللهُ يَعلَمُ ما في قَلبِكَ وجَزاؤُكَ عَلَيهِ[27] .


الهامش


(1) الخصال : 624 / 10 عن أبي بصير ومحمّد بن مسلم عن الإمام الصادق عن آبائه عليهم السّلام ، تفسير فرات الكوفيّ : 367 / 499 نحوه ، جامع الأخبار : 495 / 1376 ، غرر الحكم في هامش : 3763 نحوه .
(2) الكافي : 8 / 253 / 358 ، تنبيه الخواطر : 2 / 176 .
(3) غرر الحكم : 8483 .
(4) الخصال: 614/10 عن أبي بصير ومحمّدبن مسلم عن الإمام الصادق عن آبائه عليهم السّلام ، تحف العقول: 104 .
(5) الكافي : 8 / 212 / 259 عن عمرو بن أبي المقدام ، أمالي الصدوق : 500 / 4 عن أبي بصير ، وفيه «بالعمل» بدل «بالورع» ، فضائل الشيعة : 51 / 8 نحوه عن محمّد بن حمران عن أبيه .
(6) الاحتجاج : 2 / 599 .
(7) أمالي الطوسيّ : 113 / 172 ، أمالي المفيد : 334 / 4 ، بشارة المصطفى : 45 ، كشف الغمّة : 2 / 8 ، الغارات : 2 / 585 نحوه .
(8) تفسير فرات الكوفيّ : 128 / 146 عن زيد بن حمزة بن محمّد بن عليّ بن زياد القصّار معنعنًا .
(9) البحار : 100 / 124 / 34 نقلاً عن المزار الكبير عن عبد الرحمن بن مسلم .
(10) الأحزاب : 4 .
(11) الالب ـ بالفتح والكسر ـ : القوم يجتمعون على عداوة إنسان وألّبهم : جمّعهم . (لسان العرب : 1 / 215)
(12) أمالي الطوسيّ : 148 / 243 ، بشارة المصطفى : 87 ، كشف الغمّة : 2 / 11 ، تأويل الآيات الظاهرة : 439 نحوه عن أبي الجارود عن الإمام الصادق عليه السّلام .
(13) تفسير القمّيّ : 2 / 171 .
(14) مستطرفات السرائر : 149 / 2 .
(15) مسند ابن حنبل : 4 / 85 / 11379 ، شُعب الإيمان : 7 / 318 / 10442 ، وذكره أيضًا في : 2 / 174 / 1473 نحوه ، الفردوس : 3 / 155 / 4421 .
(16) تِجْفافًا ـ بكسر التاء وسكون الجيم ـ : شي ء من سلاح يترك على الفرس يقيه الأذى . (النهاية : 1 / 279)
(17) المستدرك على الصحيحين : 4 / 367 / 7944 ، وراجع سنن الترمذيّ : 4 / 576 / 2350 ، شُعب الإيمان : 2 / 173 / 1471 .
(18) السنن الكبرى : 6 / 197 / 11649 ، تاريخ دمشق «ترجمة الإمام عليّ عليه السّلام » : 2 / 449 / 966 نحوه .
(19) رام بالمكان : أقام وثبت ، ولم يزل فيه . (المنجد : 290)
(20) المعجم الكبير : 18 / 84 / 155 ، الإصابة : 4 / 611 / 6097 ، اُسد الغابة : 4 / 294 / 4112 .
(21) غرر الحكم : 9037 .
(22) غرر الحكم : 9038 .
(23) الغارات : 2 / 588 ، تأويل الآيات الظاهرة : 775 .
(24) نهج البلاغة : الحكمة 112 .
(25) المؤمن : 16 / 5 ، أعلام الدين : 432 .
(26) أمالي الطوسيّ : 409 / 921 ، وراجع بصائر الدرجات : 390 و391 ، الاختصاص : 311 و 312 .
(27) رجال الكشّي : 1 / 391 / 281 ، كامل الزيارات : 275 ، الاختصاص : 52 ، المناقب لابن شهرآشوب : 4 / 181 نحوه ، وفيهما «منكوس» بدل «المنكوس» .

الصفحة السابقة

          اهل البيت (ع) في الكتاب و السنة

طباعة

الصفحة اللاحقة