ص 1
إحقاق الحق وإزهاق الباطل
تأليف
العلامة في العلوم العقلية والنقلية متكلم الشيعة
نابغة الفضل والأدب القاضي
السيد نور الله الحسيني المرعشي التستري الشهيد في بلاد
الهند
سنة 1019
الجزء الأول
مع تعليقات نفيسة هامة
بقلم فضيلة الأستاد الفقيه
الجامع العلامة البارع
آية الله السيد شهاب الدين النجفي دام ظله
باهتمام السيد
محمود المرعشي
ص 2
خطبة الكتاب 
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي جعل مقام شيعة الحق (1) عليا (2)، وصيرهم مع
نبيه إبراهيم في ذلك الاسم سميا، ورقاهم إلى طور الطاعة بخفض جناح الإطاعة، ورفض
سنن أهل السنة والمجاعة (3) المتسمين (4) بأهل السنة والجماعة،
(هامش)
(1) إيماء إلى قوله تعالى: وإن من شيعته لإبراهيم الصافات. الآية 88 وقد ورد تفسيره
بذلك في الخبر. (2) عليا من العلو. (3) المجاعة من الجوع أي زمان الجوع كما في
مقدمة شرح البخاري فتح الباري لابن حجر، ويقال: أرض بني فلان سنة إذا كانت غير
مجدبة منه ره أقول: وقد تجعل السنة بكسر السين وهي مقدمة النوم، ولا يخفى لطف
الجمع بين كلمتي السنة والمجاعة، والجمع بين الرفض والسنة فيه براعة الاستهلال. (4)
إنما قال: المتسمين، لأن هذه التسمية لا تليق إلا بالشيعة المجبولين على حب النبي
صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام، فإنهم المحافظون للسنة وجماعة النبي
صلى الله عليه وآله، كما يدل عليه الحديث الطويل الذي ذكره صاحب الكشاف وفخر الدين
الرازي في تفسير قوله تعالى: قل لا أسئلكم عليه أجرا إلا المودة في القربى، حيث
رويا عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: من مات على حب آل محمد مات شهيدا إلى
قوله صلى الله عليه وآله. ألا ومن مات على حب آل محمد مات على السنة والجماعة. فإن
هذا يدل على أن السنة هي المتلقاة من آل محمد صلى الله عليه وآله، وأن الجماعة
جماعتهم وأما المتسمين بأهل السنة فهم يدينون ببغض الآل عليهم السلام كما أظهر ذلك
قاضيهم (ابن خلكان في كتاب وفيات الأعيان) عند ذكر أحوال علي بن جهم القرشي الناصبي
الباغض لآل النبي صلى الله عليه وآله حيث قال: ما حاصله أنه كان معذورا في ذلك لا
حب على لا يجتمع مع التسنن انتهى. منه قده أقول ونقل الثعلبي في التفسير
والواحدي في الوسيط وغيرهما هذه الجمل المنقولة عنه صلى الله عليه وآله. (*)
ص 3
فأشرق نورهم سنيا، ووفقهم لكشف الحق والتزام نهج الصدق (1)، فلم يزل كانوا للحق
شيعة (2)، وللصدق وليا، نحمده حمدا كثيرا طيبا زكيا (3)، ونشكره شكرا لا يزال غصنه
بالزيادة جنيا (4)، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة نكررها بكرة
وعشيا (5) ونسلك بها صراطا سويا (6) ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الذي ارتضاه
صفيا (7) وقربه نجيا (8) واختار له ابن عمه وكاشف غمه (9) وصيا ووليا، فأمره يوم
الغدير بالنص في شانه نصا جليا، قائلا: من كنت مولاه فمولاه هذا عليا (10) صلى الله
عليه وآله صلاة ينال بها
(هامش)
(1) فيه لطف وإيماء إلى كتاب المصنف آية الله العلامة قده . (2) أريد بها
الأتباع. (3) من الهواجس والشوائب والرذائل (4) من جنى بمعنى اقتطف ومنه قول
الشاعر: هذا جناي وخياره فيه * وكل جان يده إلى فيه (5 ) في الصلوات اليومية
وغيرها. (6) إيماء إلى قوله تعالى في سورة مريم. الآية 42: فاتبعني أهدك صراطا
سويا. (7) إشارة إلى ما في خطبة الزهراء عليها الصلاة والسلام في المسجد بمعشر من
المسلمين. (8) إيماء إلى قوله تعالى في سورة مريم. الآية 51: وقربناه نجيا. (9)
بنصرته في الغزوات ووفاء دينه وأداء ما حمله من وصيته. (10) الظاهر أن يكون عليا في
هذا التركيب علما، ووجه حاليته مع كونه غير مشتق كونه كالبسر في قولهم: هذا بسرا
أطيب منه رطبا، لأنه يدل على صفة هي العلو، كما أشار إليه الفاضل التفتازاني في شرح
التلخيص عند التمثيل لإيراد المسند إليه علما لتعظيم أو إهانة بقوله: ركب علي وهرب
معاوية فإن عليا يدل على العلو ومعاوية على عوي الكلب. ويحتمل أن يكون صفة بمعنى
العالي والرفيع وح لا إشكال في الحالية ويتضمن إشارة لطيفة إلى ما روى من أن النبي
صلى الله عليه وآله عندما قال في شأن أمير المؤمنين عليه السلام قوله:
ص 4
المؤمنون يوم العطش ريا (1)، ويحوزون (2) بها في جنة المأوى حليا (3) وعيشا رضيا
(4)،
مقدمة الكتاب 
أما بعد فإن الله تعالى بعث رسوله محمدا على فترة (5) من الرسل وحين شتات (6)
من السبل، والناس كانوا حيارى في فلوات حب الشهوات، سكارى من نشوات (7) الجهل
والهفوات، يعبدون الأوثان والأصنام (8) ويعكفون على
(هامش)
من كنت مولاه فعلي مولاه، أخذ بضبعه ورفعه حتى ظهر بياض إبطيهما، فيكون معنى الكلام
قائلا: من كنت مولاه فمولاه هذا حال كونه رفيعا عاليا بيدي من وجه الأرض، ولفظ علي
مرفوعا في أصل الحديث يحتمل ذلك أيضا فتأمل منه قده . (10 مكرر) ارتكب جعل عليا
حالا بالتأويل أي بتأويل المسمى به رعاية للسجع فافهم منه قده . (1) روى من
الماء واللبن كرضى ورياه. منه قده . (2) من الحيازة بمعنى الجمع. منه قده .
(3) إشارة إلى ما رواه عدة من مشاهير القوم، كالثعلبي والواحدي والزمخشري في
تفاسيرهم من قوله صلى الله عليه وآله في حجة الوداع: ألا من مات على حب آل محمد دخل
الجنة وعليه حلة. (4) إشارة إلى قوله تعالى: في عيشة راضية الحاقة. الآية 21 (5)
الفترة: الانكسار والضعف، وقد فتر الحر وغيره يفتر فتورا، وفترة، والفترة الزمان
بين الرسولين. (6) الشتات: التفرق. (7) رجل نشوان: سكران بين النشوة. منه قده .
(8) أكثر هذه الجمل مقتبسة من كلمات درة صدف الرسالة ومشكاة الوحي والسفارة، سيدتنا
ومولاتنا الزهراء البتول، في خطبتها الغراء التي ألقتها بمسجد المدينة، وقد خاطبت
بها المهاجرين والأنصار من أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله، وتصدى لشرحها فطاحل
العلم والأدب، وأظهر كل شارح عجزه عن أداء حقها في الختام. (*)
ص 5
الخمر والميسر والأنصاب (1) والأزلام (2) يخرون في سجود اللات والعزى، ويصرون في
كفران من نعمه لا تجزى، يرفلون (3) في ثياب الاعجاب (4) ويستكبرون عن استماع الخطاب
واتباع طريق الصدق والصواب (5) فكشف الله تعالى برسوله طريق الحق وأوضح لهم نهج
الصدق (6) فأسلم القليل شوقا إلى نور الأنوار، أو خوفا من دخول النار، واستسلم (7)
الكثير رغبة في جاه الرسول المختار لما سمعوا في ذلك عن راهبيهم من الأخبار (8) أو
رهبة عن اعتضاده بصاحب ذي الفقار، والذين معه أشداء على الكفار (9) فداموا مجبولين
على توشح (10) النفاق
(هامش)
(1) إشارة إلى قوله تعالى في سورة المائدة. الآية 89: إنما الخمر والميسر والأنصاب.
الآية. وقال في شمس العلوم: النصب ما ينصب فيعبد من دون الله تعالى من حجر وغيره.
(2) الزلم واحد الأزلام وهي السهام التي كانوا في الجاهلية يستهمون بها. منه قده
. (3) يقال: رفل في ثيابه يرفل. إذا أطالها وجرها متبخترا منه قده . (4)
الاعجاب من العجب بالضم وهو أن يظن الشخص بنفسه بعض الظنون. منه قده (5) الصدق
في المقال والصواب في المعتقدات، ولكن الظاهر في المقام كون العطف تفسيريا (6)
إيماء إلى اسم كتاب المصنف قده (7) فيه إشارة إلى ما روي عن أمير المؤمنين عليه
الصلاة والسلام في نهج البلاغة، أنه قال في خطبته لأصحابه في حرب الصفين: والذي خلق
الخلق وبرء النسمة إنهم ما أسلموا قط، ولكن استسلموا وأسروا الكفر فلما وجدوا
أعوانا عليه أظهروه. (8) وفي بعض النسخ الأحبار جمع الحبر وعليه فكلمة من غير
بيانية. (9) اقتباس من قوله تعالى في سورة الفتح. الآية 28: محمد رسول الله والذين
معه أشداء على الكفار رحماء بينهم الآية. (10) لا يخفى على العارف بأساليب الكلام
العربي ما من اللطائف والدقايق والتشبيه والاستعارة في التعبير بالتوشح والترشح.
(*)
ص 6
وترشح الشقاق، يتبسم (1) في كل وقت ثغورهم، والله يعلم ما تكن صدورهم (2) وإذ قد تم
الدليل (3) واتضح السبيل، وأداروا عليهم كؤوس (خ ل كأس) السلسبيل (4) فما شرب منهم
إلا قليل، عزم صاحب المجلس على الرحيل (5) وأزمع على التحويل، (6) فأحال الجلاس
فيما بقي من ذلك الكأس على الساقي الذي لا يقاس بالناس، وأوفاه في غدير خم من كأس
من كنت مولاه فعلي مولاه فبخبخ (7)
(هامش)
(1) لا يخفى ما في إسناد التبسم إلى الثغر من اللطف في هذا المقام. (2) إشارة إلى
قوله تعالى في سورة النمل الآية 73: وإن ربك ليعلم ما تكن صدورهم الآية. (3) فيه
إشارة إلى قوله تعالى في شأن خلافة أمير المؤمنين عليه السلام: اليوم أكملت لكم
دينكم وأتممت عليكم نعمتي الآية. منه قده (4) إشارة إلى قوله تعالى في سورة
الدهر. الآية 17 و18: عينا فيها تسمى سلسبيلا الآية. (5) أي قصد السير. منه ره
(6) من هذه النشأة إلى الآخرة. (7 ) قول عمر يوم الغدير: بخ بخ لك يا بن أبي طالب
لقد أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة. روي في ينابيع المودة (ص 239 ط اسلامبول) عن
البراء بن عازب رضي الله عنه في قوله تعالى: يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من
ربك، أي بلغ من فضائل علي ما نزلت في غدير خم، فخطب رسول الله (صلعم) قال: من كنت
مولاه فهذا علي مولاه فقال عمر رضي الله عنه: بخ بخ لك يا علي أصبحت مولاي ومولى كل
مؤمن ومؤمنة، رواه أبو نعيم وذكر أيضا الثعلبي في كتابه، انتهى ما ذكره، أقول: وفي
ذخائر العقبى (المطبوع بمصر بدرب السعادة تحت إشراف مكتبة حسام الدين القدسي ص 67)
ما هذا لفظه: عن البراء بن عازب رضي الله عنهما، قال: كنا عند النبي صلى الله عليه
وسلم في سفر، فنزلنا بغدير خم فنودي، فينا: الصلاة جامعة وكسح لرسول الله صلى الله
عليه وسلم تحت شجرة فصلى الظهر وأخذ بيد علي وقال: ألستم تعلمون أني أولى بالمؤمنين
من (*)
ص 7
عليه عمر، وهناه، وبايعه جل من حضر وحياه، فلما رحل صاحب الكأس وانتفى أثر تلك
الأنفاس، خرج الأغيار من الكمين، وضيعوا وصية الرسول الأمين، فنسوا الكأس الذي
عليهم أدير، ونقضوا ونكثوا عهد الغدير، وبيعة الأمير، إذا سقاهم حب الجاه وعقد
اللواء كأس الهوى فأعرضوا عن الساقي الباقي مليا، وتركوه نسيا منسيا، فصار جديد
عهدهم (1) رثا، وشمل بيعتهم هباء منبثا وانجز دائهم الدفين، وانتهى بهم إلى أن
عادوا إلى الخلاف الأول، وارتدوا على أعقابهم كما يدل عليه حديث الحوض الذي رواه
(2) مسلم والبخاري والحميدي و
(هامش)
أنفسهم قالوا: بلى، فأخذ بيد علي، وقال: اللهم من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال
من والاه، وعاد من عاداه، قال: فلقيه عمر بعد ذلك فقال: هنيئا لك يا ابن أبي طالب
أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة، أخرجه أحمد في مسنده، وأخرجه في المناقب من حديث
عمر الخ. (1) من إضافة الصفة إلى موصوفها كجرد قطيفة، فالمعنى عهدهم الجديد، ولا
يخفى ما في التعبير عن بيعتهم بالعهد الجديد من الايماء ولطف الإشارة. (2) إشارة
إلى ما رواه البخاري (الجزء الثامن في باب الحوض ص 119 ط الأميرية) بقوله وحدثني
عمرو بن علي، قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن المغيرة، قال سمعت أبا
وائل، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال:
أنا فرطكم على الحوض وليرفعن معي رجال منكم ثم ليختلجن دوني فأقول: يا رب أصحابي،
فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك. وروى مسلم بن الحجاج في صحيحه (الجزء السابع في
باب الحوض ص 65 ط مصر) عدة روايات بهذا المضمون والحميدي في كتابه الجمع بين صحيحي
المسلم والبخاري. وكذا أحمد بن حنبل في مسنده (الجزء 5 ص 333 ط مصر). وأيضا في
الجزء الخامس ص 388 بإسناده عن حذيفة. ولبعض علماء الجمهور: قد أوتي المصطفى له عظم
* من خير ما قد آتاه الله للرسل لا شك فيه كما صح الحديث به * عن صدق وعد فيسقي كل
ذي عمل
ص 8
8 أضرابهم، فهدموا أركان الشرع وأكنافه، وكسروا أضلاع الدين وقطعوا أكتافه (1)
وهضموا حق أهل البيت، ولم يلحقهم فيه مخافة، ومنعوا إرث فاطمة من غير أن تأخذهم
فيها رأفة ولا رحمة، انتصبوا من غاية الجهل والجلافة للخلاف على الخلافة، وغصبها
بكل حيلة وجزافة، فنصبوا الخالي عن العلم والشرافة، المملو من الجهل والكثافة (2)،
فلم يزل كانوا بآيات الله يمترون، نبذوا الحق وراء ظهورهم، فاشتروا به ثمنا قليلا
فبئس ما يشترون (3)، وكأنه إلى ما ذكرناه من القضية أشار عباس بن عتبة بن أبي لهب
(4) الهاشمي عند وقوع الرزية بقوله شعرا:
(هامش)
أصفى بياضا من الألبان أجمعها * من أعذب الماء بل أحلى من العسل يذاد عنه أناس لا
خلاق لهم * قد قابلوا الدين بالتغيير والبدل (1) إيماء إلى مجيئهم إلى باب بيت
النبوة ومعدن الرسالة وكسرهم ضلع الزهراء البتول عليها السلام وشدهم كتفي وصي
الرسول صلى الله عليه وآله، وجعل الحبل أو نجاد السيف في عنقه وهذه السيئات مذكورة
في كتاب سليم بن قيس وبعض كتب أهل السنة المخطوطة وكذا المطبوعات القديمة منها،
وأما المطبوعات الحديثة فلا اعتماد عليها ولا قيمة، إذ اللجنة الخائنة تدس فيها
وتحذف ما تفصح عن سوء صنيع أسلافهم بآل الرسول وتكشف المخبيات، ولو ساعدتني سواعد
التوفيق لجمعت تلك المحذوفات في كتاب وسميته (بخيانة الأقلام) أو جناية اللجنة. (2)
الحاصلة من مساوئ الأخلاق ورذائل الصفات. (3) اقتباس من قوله تعالى في سورة آل
عمران الآية 187: واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون. (4) القائل هو العباس بن
عتبة بن أبي لهب بن عبد المطلب، وأم عتبة أم جميل وهي حمالة الحطب بنت حرب بن أمية
بن عبد شمس، وفيها يقول الأحوص: ما ذات حبل يراها الناس كلهم * وسط الجحيم ولا يخفى
على أحد كل الحبال حبال الناس من شعر * وحبلها وسط أهل النار من مسد (*)
ص 9
من مبلغ عنا النبي محمدا * إن الورى عادوا إلى العدوان إن الذين أمرتهم أن يعدلوا *
لم يعدلوا إلا عن الايمان غصبوا أمير المؤمنين مكانه، * واستأثروا بالملك والسلطان
بطشوا بفاطمة البتول وأحرزوا (خ ل أحوزوا) ميراثها طعنا على القرآن (1) وتلك النكث
والنقض والابرام والغصب والنصب والاهتضام، غير مستبعد عن أقوام، صرفوا أكثر أعمارهم
في عبادة الأصنام، وليس أول قارورة كسرت في الإسلام، (2) فقد صدر من أصحاب موسى
عليه السلام عند توجهه إلى الطور، أعظم من هذا الفتور والفطور، إذ قد ارتد جمهور
أصحابه من بني إسرائيل، فضلوا وأضلوا السبيل حتى وافقوا السامري في عبادة العجل،
وعمدوا قتل هارون الوصي ودفعوه باليد والرجل، وقد روي (3) عن نبينا صلى الله عليه
وآله أنه قال: يقع في أمتي ما وقع في أمة خلت من قبل حذو القذة بالقذة، والنعل
بالنعل.
(هامش)
(1) وفي بعض كتب السير نسبة هذه الأبيات إلى الفضل بن العباس الشاعر المشهور. (2)
من الأمثال الدائرة السائرة بين الناس. (3) رواه في مجمع الزوائد (ج 7 ص 261 ط مصر)
عن عبد الله بن مسعود، عن رسول الله صلى الله عليه وآله، ويقرب منه ما رواه الحاكم
في المستدرك (ج 1 ص 129 ط حيدر آباد) عن علي بن حمشاذ: حدثنا العدل، حدثنا إسماعيل
بن إسحاق القاضي والعباس بن فضل الأسفاطي، قالا حدثنا إسماعيل بن أبي أويس، حدثني
كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف بن زيد، عن أبيه، عن جده قال: كنا قعودا حول رسول
الله صلى الله عليه وسلم في مسجده فقال: لتسلكن سنن من قبلكم حذو النعل بالنعل،
ولتأخذن مثل أخذهم، إن شبرا فشبر، وإن ذراعا فذراع، وإن باعا فباع حتى لو دخلوا جحر
ضب دخلتم فيه ألا إن بني إسرائيل افترقت على موسى على إحدى وسبعين فرقة، كلها ضالة
إلا فرقة واحدة، الإسلام وجماعتهم، وإنها افترقت على عيسى بن مريم على إحدى وسبعين
فرقة كلها ضالة إلا فرقة واحدة، الإسلام وجماعتهم، ثم إنهم يكونون على اثنتين
وسبعين فرقة كلها ضالة إلا فرقة واحدة الإسلام وجماعتهم، (*)
ص 10
ثم لما قصروا على أنفسهم المسافة، مدة امتداد مس الآفة، (1) وغصب الخلافة بإناطة
صحتها فيها على مجرد اختيار الأمة، ونفوا اشتراط النص والعصمة في الأئمة، ليتسع لكل
جلف جاف بين الكثافة، (2) تصدى الخلافة بلا توجه ملامة، وتوقع مخافة، عن الكافة،
وجعلوا ذلك من الأصول المطاعة، وأهم مقالات المتسمين بأهل السنة والجماعة، لا جرم
كل من جاء بعدهم متقمصا للسلطنة (3) والإيالة مع خلوه عن العصمة والعدالة، بادر إلى
تعظيم علماء المتسمين بأهل السنة واستمالتهم، ومال إلى تكريم شأنهم وترويج مقالتهم،
وأبغض علماء الشيعة الحاكمين بجلافتهم القائلين: بعدم صحة خلافتهم، فقد كان لهذه
الفرقة الناجية (4)، خصماء عظماء جهلاء سفهاء، وأعداء أشداء وأغوياء و
(هامش)
وبهذا المضمون عدة روايات بأسانيد مختلفة، منها روايتا عبد الله بن عمر، وأبي هريرة
وغيرهما عن النبي صلى الله عليه وآله، أورد بعضها الحاكم في المستدرك وغيره في غيره
فليراجع. (1) لا يخفى لطف تقابل لفظي المسافة ومس الآفة. (2) قال الجزري في
النهاية: في الحديث فجائه رجل جلف جاف. الجلف: الأحمق، وأصله من الجلف، وهي الشاة
المسلوخة التي قطع رأسها وقوائمها، ويقال للدن أيضا. جلف، شبه الأحمق بهما لضعف
عقله. وقال: في الحديث، من بدا جفا بالدال المهملة، أي من سكن بالبادية غلظ طبعه
لقلة مخالطة الناس، والجفاء غلظ الطبع منه قده (3) لا يخفى ما في العدول عن
لفظي الخلافة والوصاية إلى السلطنة والإيالة من الايماء إلى كونهم متقمصين من غير
أهلية لذلك، وأن سلطتهم على المسلمين ليست من باب الخلافة. (4) التعبير بهذه الكلمة
وقع اقتباسا واتباعا من قوله صلى الله عليه وآله: ستفترق أمتي على اثنين وسبعين
كلها هالكة، وواحدة منها ناجية، وقد ذكر علامة الجمهور في عصره السيد إبراهيم
الراوي البغدادي من مشايخنا في رواية صحاحهم ذات يوم في مجلس درسه للبخاري: أن حديث
افتراق الأمة على العدد المذكور مما رواه أعلام القوم (*)
ص 11
أقوياء، أولوا السيف والسنان، والبغض والشنآن، والزور والبهتان، والبغي والعدوان،
والكفر والطغيان، لما في قلوبهم من نتائج الأحقاد الجاهلية، والأضغان (1) البدرية،
التي توارثونها بالعهود عداوة لمولانا أمير المؤمنين ووصي رسول رب العالمين، إمام
البررة وقاتل الكفرة والفجرة، ولأولاده السادة المعصومين والأئمة القادة المظلومين،
ولهذا كانوا في أكثر الاعصار مختفين في زاوية التقية، متوقعين عن ملوك عصرهم نزول
البلية، إلى أن وفق الله تعالى السلطان الفاضل الفاصل (2) السعيد غياث الدين
اولجايتو محمد خدا بنده أنار الله برهانه لخلع قلادة التقليد، وكشف الحق ونهج الصدق
(3) بالتأمل الصادق والنظر السديد فنقل (4) أولا عن مذهب الحنفي الذي الذي نشأ فيه
من الصغر إلى مذهب الشافعي
(هامش)
إنتهى، وكان الراوي من أجلائهم في الإحاطة والتتبع حضرت حلقة دروسه في ثلاثيات
البخاري والتفسير وغيرها في بغداد بجامع السلطان على روما لتحصيل الإجازة منه في
رواية مروياتهم وكتب لي إجازة مبسوطة ذكر فيها مشايخه إلى أرباب الصحاح. (1)
الأضغان والضغائن: ما يضمر من السوء ويتربص به إمكان الفرصة. والجملة مشيرة إلى
مضمون بعض الأخبار المروية في كتب أصحابنا الإمامية رضوان الله عليهم من أعمال
القوم وإظهارهم أحقاد بدر وحنين. (2) إيماء إلى تمييزه الحق عن الباطل وتشرفه
بالتشيع، وكان ره من أعدل الملوك وأرأفهم وأعبدهم، توفي حدود سنة 726 وقبره في
سلطانية قريبة من بلدة زنجان وهو معروف إلى الآن، وتعد بقعته من الآثار الخالدة
والأبنية الإسلامية العجيبة. وبجنبه قرية فيها سادة أجلاء وبيدهم مصحف منسوب إلى
الأئمة عليهم السلام وتحكى أمور وكرامات عن ذلك المصحف. (3) إيماء إلى كتاب المصنف
العلامة قده (4) ولعل كلمة نقل مبنية للمفعول عبر بها لأن انتقاله من باطل إلى
باطل كان بإغواء الغير، وأما تشرفه بالتشيع كان بإرادته واختياره، ولذا عبر فيما
سيأتي بقوله واختاره.
ص 12
الذي كان أقل شناعة من المذاهب الأخر، (1) ثم لما ظهر له من مناظرة ولد صدر جهان
البخاري الحنفي (2) مع المولى نظام الدين عبد الملك المراغي الشافعي (3) بطلان كلا
المذهبين، واطلع على مجمل من حقيقة مذهب الشيعة في البين،
(هامش)
(1) وذلك لأخذ الشافعي عن جماعة من أهل البيت وبني السبطين مضافا إلى انتهاء نسب
الشافعي إلى آباء النبي الأكرم وكونه من قريش، وارتضاعه من ثدي كانت موالية لآل
الرسول صلى الله عليه وآله، ومن هذا الباب تراه من المتفادين للعترة في ولائه،
وقريبا لهم في الفقه والفروع، فكم له من منظومات في مديحهم والثناء عليهم أوردها
الثقاة في كتبهم وممن نقل ذلك العلامة السيد أبو بكر بن الشهاب العلوي الحضرمي في
كتابه رشف الصادي في فضائل بني النبي الهادي الشبلنجي المصري في النور. وصاحب
الإسعاف. ومؤلف المطالب وغيرهم من أعلام القوم. (2) هو صدر الشريعة عبيد الله بن
مسعود بن تاج الشريعة الحنفي البخاري المتوفى 750 شارح الوقاية في الفقه الحنفي
ومصنف كتاب تنقيح الأصول في أصول الفقه وغيرهما من الكتب والزبر (3) هو المولى
الفاضل نظام الدين عبد الملك الشافعي المراغي نسبة إلى (مراغة) آذربايجان (لا مراغة
مصر) وكان المترجم من أعيان عصره في الفضل والعلم ومن أجلة الشافعية في عصره وله
تآليف وتصانيف كثيرة منها (التوضيح تصدى فيه لشرح كتاب الأم للشافعي لم يتمه)
(وكتاب المشيخة) ذكر فيه طرقه وأسانيده وجرت بينه وبين صدر جهان البخاري الحنفي
مناظرات وكان البخاري شديد العصبية لأبي حنيفة وعلى الشافعي والمراغي بالعكس فذكر
كل منهما مثالب أمام الآخر والفتاوى الغريبة التي تستمجها الطباع المعتدلة من فتيا
الإمامين وكان هذا الباعث على انزجار طبع السلطان من مذهب الرجلين فلما آل الأمر
إلى هنا أمر الملك بإحضار علماء سائر فرق المسلمين من المالكية والحنابلة والزيدية
والشيعة الإمامية، فأشخص من الحنابلة (الشيخ مجد الدين الدمشقي وحماته) ومن
المالكية (الشيخ تاج الدين المصري وحماته) ومن الزيدية (السيد محمد أبي المجد
وغيره) ومن الإمامية مولينا (الشيخ جمال الدين العلامة الحلي) وجرى (*)
ص 13
حكم بإحضار علماء الإمامية من الأمصار، واختار من بينهم لمناظرة الأغيار، الشيخ
الأجل المصنف العلامة تاج أرباب العمامة، حجة الخاصة على العامة: لسان المتكلمين،
سلطان الحكماء المتأخرين، جامع المعقول والمنقول، المجتهد في الفروع والأصول، الذي
نطق الحق على لسانه، ولاح الصدق من بنانه (1)، آية الله في العالمين جمال الحق
والحقيقة الحسن بن الشيخ المؤيد في استنباط الحكم الملي بالسداد الفطري الجبلي سديد
الدين يوسف بن المطهر الحلي (2)
(هامش)
البحث بين كل فريق وبين الآخر وكان السلطان محمد خدا بنده رجلا فاضلا ناقدا بصيرا
حاذقا ذا قريحة وقادة فاستشعر بفساد المذاهب كلها إلا مذهب شيعة أهل بيت رسول الله
صلى الله عليه وآله واختار ذلك وتشيع وأمر بذكر أسماء أئمة الهدى ومصابيح الدجى في
الخطبة وضرب السكة مزينة بأساميهم عليهم السلام كما ترى صورتها الفوتوغرافية التي
أخذناها عن عددين من تلك السكك المضروبة عثرت عليهما في التنقيبات الحفرية بين مسجد
الكوفة وبين مسجد السهلة زمن أقامتي في الغري الشريف وهما من الفضة، وفي متحف بلدة
قم المشرفة الكائن في صحن الست الجليلة كريمة أهل البيت فاطمة المعصومة سلام الله
عليها يوجد عدد واحد من تلك السكك، وفي متحف طهران توجد أعداد منها. وبالجملة صنيع
السلطان وأمره بضرب السكة كذلك مما لا شك في وقوعه بنص المؤرخين ووجود هذه الدراهم
وشهادة بعض الآثار والأبنية الباقية من ذلك الزمان في بلاد ايران وقراها وعلى الله
الاتكال. (1) في بعض النسخ المخطوطة بيانه بدل بنانه. (2) هو الشيخ الإمام، قدوة
علماء الإسلام: صاحب التآليف الكثيرة في الفنون الإسلامية، ولد سنة 648 توفي سنة
726 وقبره في النجف الأشرف في حجرة ملاصقة لباب الحضرة الشريفة ومن سعاداته بعد
موته كونه مع مولينا المقدس الأردبيلي بمنزلة البواب للحرم الشريف العلوي إذ قبر
مولينا العلامة على يمين الداخل إلى الروضة المنورة وقبر مولينا الأردبيلي على
يساره طوبى لهما وحسن مآب. (*)
ص 14
أحله الله في جوار النبي وآله صلى الله عليه وآله وألبسه من حلل رحمته وحلي إفضاله،
فناظرهم العلامة وأثبت عليهم بالبراهين العقلية، والحجج النقلية، بطلان مذاهبهم
العامية وحقيقة مذهب الإمامية، على وجه تمنوا أن يكونوا جمادا أو شجرا، وبهتوا (1)
كأنهم التقموا حجرا (2)، ثم أكد ذلك بتصنيف الكتاب المستطاب، المزيل للارتياب،
الموسوم بكشف الحق ونهج الصدق والصواب فعدل السلطان والأمراء والعساكر، وجم غفير من
العلماء والأكابر، إلى التزام المذهب الحق، وزينوا
(هامش)
(1) إيماء إلى قوله تعالى في سورة البقرة الآية 257: فبهت الذي كفر. (2) إيماء إلى
كتاب التقام الحجر للسيد العلامة القاضي الشهيد قده صاحب الكتاب في الرد على
ابن حجر، ولا يخفى لطف التعبير بالتقام الحجر. وهو كتاب نفيس تصدى فيه مولينا
القاضي لرد بعض كلمات ابن حجر بأبلغ وجه وأحسن طريقة وأرجو من فضله تعالى أن يقيظ
الهمم في نشره وإشاعته. والعجب من بعض المثرين حيث انصرف من طبعه بعد ما كان عازما
على ذلك مع أنه بعد من أهل الفضل.
ص 15
الخطبة والسكة (1) بسوامي (2) أسامي الأئمة المعصومين الذين هم بالخلافة أولى وأحق،
وكان المعاصرون المناظرون للمصنف العلامة، خلقا كثيرا من علماء العامة كالمولى قطب
الدين الشيرازي (3) وعمر الكاتبي القزويني (4) وأحمد ابن محمد الكيشي (5) (1)
وعندنا شيئ من تلك السكك والضروب، وقد نقشت أسماء المعصومين متصلة بمحيط الدائرة
الكائنة على السكة، وفي وسطها اسم السلطان خدا بنده. (2) من إضافة الصفة إلى
موصوفها. (3) هو الشيخ المحقق في الرياضيات والمنطق والفلسفة قطب الدين محمود بن
مسعود ابن مصلح الشيرازي من تلاميذ المحقق الطوسي قده ومن شركائه في رصد مراغة
توفي 24 رمضان سنة 710 وقيل 716 له تصانيف، منها شرح قانون الشيخ الرئيس، ودفن بجنب
قبر القاضي البيضاوي في مقبرة چرنداب من مقابر بلدة تبريز. وللمترجم يد طولى في
الطب أيضا. (4) هو أبو الحسن القزويني المشهور بالكاتبي، العلامة في الرياضيات
والمنطق والجدل والكلام، وكان من تلاميذ المحقق الطوسي قده ومن شركائه في رصد
مراغة له تصانيف، منها الرسالة الشمسية في المنطق وشرحها العلامة قطب الدين الرازي
من أصحابنا وهو الشرح الدائر السائر بين المحصلين الكرام ويعبر عن هذا الشرح
بالقطبية ليمتاز عن شرح المحقق التفتازاني الذي يعبر عنه بالسعدية ثم من أشهر
تصانيف الكاتبي كتاب حكمة العين وكم له من شروح توفي المترجم سنة 675. (5) نسبة إلى
كيش من الجزائر الواقعة في (خليج فارس) وكان الرجل من نوابغ عصره وله حاشية على
الشفاء وغيره. وفي بعض المجاميع أن المناظر لمولينا العلامة قده هو أحمد بن محمد
الكبسي بالباء الموحدة بعد الكاف ثم السين المهملة وفي نسخة من الاحقاق أحمد بن
محمد الكشنى بالشين المعجمة بعد الكاف ثم النون وكل نسبة إلى مكان فالكيشي كما
ذكرناه، والظاهر أنه الصحيح المراد هنا نسبة إلى تلك الجزيرة والكبسي نسبة إلى محل
باليمن وآخر في الشام وآخر في مصر، والكشني نسبة إلى (*)
ص 16
وركن الدين المتسيد الموصلي (1) والمولى نظام الدين (2) المذكور وغيرهم من الموالي
والصدور ولم يتعرض هؤلاء الأفاضل الأنجاب لذلك الكتاب المستطاب، مع اشتماله على قدح
أسلافهم وأجلتهم، ونقض ما اعتمدوا عليه من أدلتهم حذرا عن ظهور زيادة لجاجهم
وإعوجاجهم، وحياء عن اطلاع الناقدين على قصور عيار إحتجاجهم. ثم لما وصل ذلك الكتاب
الذي لا ريب فيه (3) إلى نظر الفضول السفيه، المعدود في خفافيش ظلمة العمى وخوافيه،
فضل بن روزبهان (4) الذي يخرج فضلته من فيه
(هامش)
كشن محل بما وراء النهر قريب من بلدة كش التي هي من أعمال سمرقند، ومنه شيخنا الكشى
الرجالي الشهير الذي من بتأليفه علينا وكتابه المعروف بالمختار من رجال الكشى من
أمهات كتب الرجال التي عليها التعويل والاعتماد ثم إن بما وراء النهر بلد آخر سمي
(كش) بضم الكاف وإليه تنسب جماعة فلا تغفل. (1) هو ركن الدين الحسيني العبيدلي
الأعرجي من ذرية نقباء الموصل العبيدليين وكان ذا فضل وقريحة له تصانيف وتآليف وكان
يدرس في بغداد مدة، وفي الموصل ثم اتصل بالسلطان شاه خدا بنده وصار في علماء دولته
السنية وجرت بينه وبين مولينا العلامة مناظرات وكانت الغلبة للعلامة والرجل كان من
المتعصبين في المذهب وله حاشية على الكشاف ثم ليعلم أنه غير السيد ركن الدين
الجرجاني نزيل الموصل فإنه كان شيعيا وغير السيد ركن الدين الشيرازي الحسنى الحنفي
صاحب رسالة المنطق وغير السيد ركن الدين البغدادي نزيل الموصل الحنبلي المذهب فلا
تغفل. (2) قد مرت ترجمته فلاحظ. (3) اقتباس من قوله تعالى في سورة البقرة الآية 2:
ذلك الكتاب لا ريب فيه. (4) بكسر الباء الموحدة. وقد مرت ترجمة الفضل في المقدمة.
(*)
ص 17
(1) خلع العذار (2) ولم يتأس (خ ل يتأسن) بحياء إمامه قتيل الدار (3)، فطوى الكشح
عن الحياء، ونهى النفس عن الوقاء (4)، واستهدف نفسه لسهام الملام، بجسارته وجرأته
على المصنف العلامة الإمام، وتزييف كلامه بالشتم وركيك الكلام، كأنه قد نزل عليه
نزول الضيف على أقوام لئام، فعاملوه بغير ما يليق به من الاجلال والاكرام، وكأنه
أشار المولوي الأولوي (5) إلى مثل هذا الخفاش (6) المحروم عن رؤية الأنوار، المرجوم
الظالم المظلوم (7) المحبوس في ظلام الجهل والاستكبار في مقابلته لنير براهين
العلامة الذي كان في عالم العلوم كالشمس في نصف النهار بقوله في المثنوي المعنوي
(8):
(هامش)
(1) وكان الحري ترك هذه التعبيرات، ولكن الذي حمل القاضي قده على ذلك ارتكاب
ابن روزبهان أسوء من ذلك بالنسبة إلى مولينا العلامة قده المشتهر في الآفاق
(كما تدين تدان، لا تهتك فتهتك). (2) خلع عذاره وهو خليع العذار أي اتبع هواه
وانهمك في الغي وصار يقول ويفعل وما يبالي كالدابة بلا رسن. (3) المراد به عثمان بن
عفان، وعدم تأسي الفضل به من جهة أنه لما حوصر في الدار أظهر الندم فيما فعله ببيت
المال وتسليطه بني أمية على رقاب المسلمين. (4) في قبال قوله تعالى: ونهى النفس عن
الهوى. (5) شاعت أمثال هذه الكلمات كالجمالي والكمالي والملكي في أواخر المأة
الخامسة بإلحاق حرف الياء أواخر الألقاب والصفات، بل الأعلام والمولوي هو الشيخ
جلال الدين محمد العارف الرومي صاحب كتاب المثنوي المتوفى سنة 672 والمدفون ببلدة
قونية. (6) الخفاش كرمان طائر معروف ولود تحيض وترضع. (7) الظالم لنفسه ولغيره
والمظلوم بإغواء غيره إياه وغلبة جهله. (8) في الدفتر الثالث. (*)
ص 18
از همه محروم تر خفاش (1) بود * كو عدوى آفتاب فاش بود نى تواند در مصافش زخم خورد
* نى بنفرين تاندش مهجور كرد دشمن ار گيرى بحد خويش گير * تا بود ممكن كه گردانى
اسير قطره باقلزم چه استيزه كند * ابلهست او ريش (2) خود برميكند با عدوى آفتاب اين
بد عتاب * اى عدوى آفتاب (3) آفتاب وكأني أسمع من لسان حال ذلك العلم العلامة إلى
هذا الجاهل الجالب على نفسه الملامة السالب للعافية والسلامة، شعر: اى مگس عرصه
سيمرغ نه جولانگه تواست عرض خود ميبرى وزحمت ما ميدارى هيهات هيهات أين هو من
المبارزة مع فرسان الكلام، والمعارضة مع البدر التمام، أين الثريا من الثرى،
والنعامة من الكرى أطرق (4) كرى أطرق كرى، إن النعامة
(هامش)
(1) الخفاش بضم الخاء ثم الفاء المشددة كرمان: الوطواط وهو الطائر المعروف الولود
التي تحيض وترضع ولا تبصر في النهار. (2) ريش أصله ريشه، خفف ورخم لضرورة الشعر،
ويجوز في الشعر ما لا يجوز في النثر. (3) مثله مثل قول العرب ظل ظليل وداهية دهياء
وليل أليل وبهيم أبهم، ويمكن جعل المورد من باب قاعدة التجريد في البديع كما لا
يخفى على من ذاق حلاوة علوم البلاغة وارتضع من درها. (4) أطرق أي غض، من إطراق
العين وهو خفض النظر. والكرى هو الكروان بفتح الكاف والراء، وجمعه الكروان بكسر
الكاف وسكون الراء، وهو طائر صغير شبهوا به الذليل، وشبهوا الأجلاء بالنعام.
والجملة تضرب مثلا للرجل الحقير إذا تكلم في الموضوع الجليل بما لا يتكلم فيه
أمثاله ونعم ما قيل: (جائى كه عقاب پر بريزد * از پشه لاغرى چه خيزد) ثم إن بعض أهل
الأدب ذكر أن قولهم: أطرق كرى الخ كان بمنزلة رقية عند العرب لتسخير الكروان
واصطياده، كما نص عليه بعض الأفاضل في تعليقته على شرح الجامي. (*)
ص 19
في القرى، فهو فيما قرن به كلام المصنف من النقض والقدح، وذيل من الشرح المقصور على
الكلم (1) والجرح، قد قرن الظلمة بالنور، وعقب نغم الزبور (2) بدوي (3) الزنبور، أو
قابل (4) شوهاء بحسناء، ونظر إلى حوراء بعين عوراء، بل نظم خرزة في سلك اللئال،
ودفع عن جمال المصنف (5) عين الكمال، ولعله جعل هذا النقض والابرام، والجرح
والايلام، انتقاما لما جرى على أصحابه في إصفهان من القتل العام (6) عند طلوع صبح
السلطنة العلية، وظهور نير الدولة المؤيدة (7) الصفوية الموسوية، أنار الله
براهينهم الجلية فاستولى عليه الحقد الناشي عن مصيبة الأهل (8) والأصحاب، وعاق عين
بصيرته عن رؤية الحق والصواب، حتى نظر
(هامش)
(1) كلمه كلما: جرحه، فالعطف تفسيري. (2) إشارة إلى إلحان داود النبي (ع) صاحب
الزبور. (3) دوى الرعد إذا سمع له دوي أي صوت، وكذا دوي النحل وغيرهما، شمس العلوم.
(4) مثل معروف لدى العرب. (5) إشارة إلى لقب مولانا العلامة المصنف قده وهو
جمال الدين. (6) والعلة في تلك القضية كما في بعض مجاميع المخطوطة الانتقام
والمكافئة من طرف السلاطين الصفوية، وذلك لأنه أفتى جماعة من علماء العامة القاطنين
في إصبهان بإباحة دماء الشيعة فقتل بسببها جمع كثير من الإمامية، فلما تسلط السلطان
المؤيد، الشاه إسماعيل الماضي الصفوي قتل منهم مقتلة عظيما انتقاما وتشفيا، وكان
ممن هرب من القتل الرجل الناصب. (7) إشارة إلى رواية ملاحم مولينا الأمير عليه
السلام التي طبقها جمع من المحدثين ومنهم مولينا صاحب البحار على ظهور السلطان
المؤيد شاه إسماعيل الماضي الصفوي، ويؤيدها كلمات المؤرخين في بيان غزوات السلطان
المذكور وفتوحاته، فليراجع (8) بل يقال إن ابن روزبهان كان ممن أصيب في تلك الواقعة
بماله وجاهه وحاله ومناله فلهفه ونعيره من كبد حراء وهو ممن توسل في مضمار الانتقام
بالبنان واللسان بدل السيف والسنان. (*)
ص 20
في شمايل كلام المصنف بعين غير صحيحة، وارتاب في مقدمات حقة صريحة، كما قيل: إذا لم
تكن للمرء عين صحيحة * فلا غرو أن يرتاب والصبح مسفر وها أنا بتوفيق الله تعالى
أنبه على بطلان ما أورده على المصنف العلامة، من القدح والملامة، وأبين أنه من
الجهل في بحر عميق، وبدوام الحريق حقيق، وأن شبهاته أضعف من احتجاجه على حقية الجبت
والطاغوت، وأدلته أوهن من بيت العنكبوت (1) وتأويلات ملاحدة (2) الموت، وأوضح أنه
فيما أتى به تعصبا وغلوا واستكبارا أو علوا، جدير بأن يتخذ عدوا، ويلعن آصالا
وغدوا، ولعمري أن قصور باعه وكساد متاعه غير خاف على من له أدنى مناسبة بحقايق هذا
المذهب الشريف، فلم يكن لنا حاجة إلى تلقي شرحه الكثيف بالرد والتزييف لكن لما صار
ذلك الشرح المنحرف عن النهج المثير للرهج (3) غبارا على مرايا صات الكتاب، ومزايا
خطابه المستطاب، وأورث التباس الحق على ذهن القاصر المرتاب، رأيت إزالة ذلك على من
الفرض، وحرمت لي جنبي القرار على الأرض، حتى أزلت بتوفيقه سبحانه ذلك الغبار وأوضحت
نهج الحق كضوء النهار، فأفضحت الشارح الجارح الذي آل إلى شفا جرف هار (4) وبال في
بئر زمزم للاشتهار (5)
(هامش)
(1) إشارة إلى قوله تعالى في سورة العنكبوت الآية 40: وإن أوهن البيوت لبيت
العنكبوت. (2) وهم فرقة من الإسماعيلية تأمروا مدة في حصن الموت وهي من أعمال قزوين
والديلم وتوابعهما، ولهم أقاصيص وأخبار ذكرها المؤرخون. فليراجع الباحث إلى روضة
الصفا وحبيب السير والملوك الإسماعيلية وسيرة الحسن الصباح. (3) الرهج: الغبار
المثار. (4) اقتباس من قوله تعالى في سورة التوبة الآية 108: أفمن أسس بنيانه على
تقوى من الله ورضوان خير أم من أسس بنيانه على شفا جرف هار. (5) مثل يضرب به لمن
ارتكب شنيعا في غاية الشناعة لأجل أن يعرف ويشتهر. (*)
ص 21
وأفصحت عما وقع له من الخبط والعوار، وعار نصبه (1) ونصبه في تقليد كل عجل جسد له
خوار (2) وسميت ما جهزته لنصرة جند الحق من الجيوش الهواطل (3) وأحرزته لجهاد حزب
الباطل، من كل نصل قاتل، ودرع ماطل (4) بإحقاق الحق وإزهاق الباطل، مناديا على
أولياء الشارح الذين مرقوا عن الدين مروقا، وملؤا من تعصب الباطل عصبا وعروقا،
فاتخذوا خفض النصب (5) لأنفسهم علوا وشهوقا، وقد جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل
كان زهوقا (6) حامدا لله تعالى ثانيا، وللصلاة على النبي صلى الله عليه وآله عنان
العزيمة ثانيا، قائلا: الحمد لله الذي نصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده (7)
والصلاة على من لا نبي بعده، وآله المعصومين الذين أنجز الله فيهم وعده، وصب على
أعدائهم برقه ورعده ثم لما ضمن الشارح الجارح الناصب خفضه الله تعالى خطبة شرحه
الإشارة إلى حقية مذهب أصحابه، المتسمين بأهل السنة والجماعة، وبطلان مذهب غيرهم،
رأينا تقديم نقلبها، واستيصال (8) بقلها، فنقول: إنه افتتح على شاكلة
(هامش)
(1) النصب بفتح النون وسكون الصاد المهملة: بغض علي عليه السلام وتقديم غيره عليه
كذا ذكره ابن حجر في مقدمة شرح صحيح البخاري، وغيره في غيره. والنصب بفتح النون
والصاد هو التعب والكلفة والمشقة. منه قده (2) اقتباس من قوله تعالى في سورة طه
الآية 87: فأخرج لهم عجلا جسدا له خوار (3) الهواطل: جمع هاطلة، وهو المطر الكثير.
(4) من مطل الحديد إذا ضربه ومده ليطول. (5) لا يخفى ما في تقابل الخفض بالنصب من
اللطف. (6) اقتباس من قوله تعالى في سورة الاسرا آية 80: قل جاء الحق وزهق الباطل
(7) اقتباس من قوله (ع) في الدعاء: لا إله إلا الله وحده وحده أنجز وعده ونصر عبده
وأعز جنده الخ، (8) إشارة إلى المثل العربي الذي يضرب في من غلب على خصمه واستأصله
بالكلية. (*)
ص 22
الحامدين الشاكرين مع ظهور كفرانه وكونه من الماكرين فقال: الحمد لله المتعزز
بالكبرياء والرفعة والمناعة، المتفرد بإبداع الكون في أكمل نظام وأجمل بداعة،
المتكلم بكلام أبكم كل منطيق من قروم (1) أهل البراعة، فانخزلوا (2) آخرا في حجر
العجز وإن بذلوا الوسع والاستطاعة، أحمده على ما تفضل بمنح (3) كرائم الأجور على
أهل الطاعة، وفضل على فرق الإسلام، الفرقة الناجية من أهل السنة والجماعة، حتى كشف
نقاب الارتياب عن وجوه مناقبهم صاحب المقام المحمود والعظمى من الشفاعة بقوله صلى
الله عليه وسلم (4) لا يزال طائفة من أمتي منصورين لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم
الساعة، صلى الله عليه وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد الذي فرض الله على كافة
الناس اتباعه، وجعل شيعة الحق وأئمة الهدى أشياعه، وهدى إلى انتقاد نهج الحق وإيضاح
كشف الصدق اتباعه، ثم السلام والتحية والرضوان على عترته وأهل بيته وكرام (5) صحبه
أرباب النجدة والجود والشجاعة، الذين جعل الله موالاتهم في سوق الآخرة خير البضاعة،
ما دام ذب الباطل عن حريم الحق أفضل عمل وخير صناعة.
(هامش)
(1) القروم: جمع القرم بفتح القاف وسكون الراء بمعنى السيد العظيم. (2) الانخزال:
الانعزال والانقطاع. (3) المنح: جمع المنحة بكسر الميم أي العطية. (4) رواه في مجمع
الزوائد (ج 7 ص 312 ط مصر) ويقرب منه ما رواه البخاري (في كتاب الاعتصام الجزء
التاسع ص 101 ط الأميرية): عن عبيد الله بن موسى، عن إسماعيل، عن قيس، عن المغيرة
بن شعبة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: لا يزال طائفة من أمتي ظاهرين حتى
يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون. (5) لا يخفى أن من يرى كل صحابي عادلا جليلا ثقة ورعا
لا يسوغ له هذا التعبير، إلا أن يجعل الكلام من باب جرد قطيفة، ويريد من الصحب
المضاف إلى الضمير العموم. (*)
ص 23
(أما بعد) فإن الله تعالى بعث نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم (1) حين تراكم الأهواء
الباطلة، وتصادم الآراء العاطلة، والناس هائمون في معتكر حندس (2) ليل الضلال
يعبدون الأوثان ويخرون للأذقان سجدا (3) عندها بالغدو والآصال، لا يعرفون ملة ولا
يهتدون إلى نحلة، ولا سير لهم إلى مراتع الحق ولا رحلة، فأقام الله تعالى برسوله
الملة العوجاء (4)، وهداهم بإيضاح الحق إلى السنن المتناء [خ ل الغراء]، فأوضح
للملة منارها وأعلم آثارها وأسس قواعد الدين، على رغم من الكفرة الماردين، هم الذين
أبو إلا الإقامة على الكفر والبوار وإن هداهم إلى سبيل النجاح، فما أذعنوا للحق إلا
بعد ضرب القواضب (5) وطعن الرماح، فندب صلى الله عليه وسلم لنصرة الدين، وإعانة
الحق، عصبة من صحبه الصادقين، فانتدبوا ونصروا ونصحوا وأوذوا في سبيل الله ثم
هاجروا (6) واغتربوا، هم كانوا
(هامش)
(1) تعسا لقوم رووا عن النبي صلى الله عليه وآله، أنه نهى عن الصلاة البتراء عليه
وقيدوا أنفسهم بعدم إلحاق الآل بعد اسم النبي، مع أنهم فسروا البتراء بعدم ذكر الآن
بعده. والبتراء فعلاء من البتر، بمعنى قطع الآخر والذيل. (2) المعتكر: محل الاحتكار
وهو الظلام. الحندس: الظلمة، والمراد أن الله تعالى بعث نبيه صلى الله عليه وآله في
وقت الظلام ليل الضلال وشدة ظلمته. من الفضل على ما في بعض النسخ المخطوطة. (3)
اقتباس من قوله تعالى في سورة الاسراء الآية 107 (4) المراد بإقامة الملة ارجاعها
بعد الاعوجاج إلى الاستقامة. والمراد بالملة ملة م إبراهي حيث غيرها العرب فأقامها
رسول الله صلى الله عليه وسلم. من الفضل. (5) القواضب: جمع القاضب أي القاطع. (6)
إشارة إلى هجرة أصحابه صلى الله عليه وآله إلى حبشة، وفي رأسهم جعفر بن أبي طالب
الطيار الهاشمي، أخو مولانا أمير المؤمنين علي عليه السلام. (*)
ص 24
لرسول الله صلى الله عليه وسلم الكرش (1) والعيبة، حين كذبه عتبة وشيبة (2)، فأثنى
الله تعالى عليهم في مجيد كتابه (3) ورضي عنهم وتاب عليهم، وجعل مناط أمور الدين
مرجوعة إليهم (4)، ثم وثب فرقة بعد القرون المتطاولة، والدول المتداولة، يلعنونهم
ويشتمونهم ويسبونهم، ولكل قبيح ينسبونهم، فويل لهذه الفئة الباغية التي يسخطون
العصبة الرضية، يمرقون (5) من الدين كما يمرق السهم من الرمية، شاهت الوجوه (6)،
ونالت كل مكروه، ثم إن زماننا قد أبدى من الغرائب ما لو
(هامش)
(1) الكرش ما يضعه البعير في جوفه ليمضغه مرة أخرى. والعيبة مخزن الثياب. والمراد
بهما محل الذخيرة وموطن السر، والغرض أنهم كانوا مختصين برسول الله (ص) وكانوا محل
ذخائره ونصيحته. من الفضل. وستأتي عدة روايات بهذا المضمون وكلها وردت في حق
الأنصار دون المهاجرين، فالناصب من قلة تتبعه نسبها إلى المهاجرين. (2) قد مر حال
عتبة، وشيبة هو شيبة بن عثمان بن طلحة جد بني شيبة. (3) من إضافة الصفة إلى
موصوفها. (4) إيماء إلى الحديث الموضوع المفترى على النبي صلى الله عليه وآله
بشهادة بعض أعاظمهم: أصحابي النجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم، فراجع إلى كتاب
الموضوعات للسبكي وغيره. (5) مرق من الدين: خرج منه بضلالة أو بدعة. (5 مكرر) إشارة
إلى عدة أحاديث قد عبر النبي فيها عن هذه الطائفة بالمروق وهي كثيرة متضافرة
بأسانيد عديدة منها ما رواه أبو عبد الله الحاكم في المستدرك الجزء الثاني ص 146
بسنده المنتهي إلى مسلم بن أبي بكرة عن أبيه رضي الله عنه قال قال رسول الله (ص) إن
أقواما من أمتي رشدة ذلقة ألسنتهم بالقرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الدين كما
يمرق السهم من الرمية إلى آخر الحديث. ونقل الذهبي في ذيله في تلخيص المستدرك في
تلك الصة بسنده المنتهي إلى أبي بكرة عن أبيه مرفوعا. وروى الذهبي في تلخيص
المستدرك عين هذا الخبر وأيده. (6) شاهت الوجوه: قبحت والعبارة مأخوذة من قوله (ص)
في الغزوة شاهت الوجوه للحي القيوم. (*)
ص 25
رآه محتلم في رؤياه لطار من وكر (1) الجفن نومه، ولو شاهده يقظان في يومه لاعتكر من
ظلام الهموم بومه (2)، ومما شاع فيه أن فئة من أصحاب البدعة استولوا على البلاد،
وأشاعوا الرفض والابتداع بين العباد، فاضطرني حوادث الزمان، إلى المهاجرة عن
الأوطان، وإيثار الاغتراب وتوديع الأحبة والخلان، وأزمعت الشخوص (3) من وطني
إصفهان، حتى حططت (4) الرحل بقاسان (5) عازما على أن لا يأخذ جفني الغرار (6)، ولا
يضاجعني الأرض بقرار، حتى أستوكر مربعا (7) من مرابع الإسلام، لم يسمعني فيه الزمان
صيت هؤلاء اللئام وأستوطن مدينة أتخذها دار هجرتي (8) ومستقر رحلتي تكون فيها السنة
والجماعة فاشية،
(هامش)
(1) الوكر: عش الطائر. (2) بوم: الطائر المعروف بالنحوسة. (3) الشخوص: الذهاب
والارتفاع. (4) حططت الرحل: وضعته. (5) قاسان معرب كاسان مدينة بما وراء النهر منه
أحمد بن سليمان القاساني من علماء الأصول وعدة من رجال الحديث، وأيضا قاسان قرية
بنواحي أصفهان منها علي بن محمد القاساني الأصفهاني المرمى بالضعف في كتب الرجال.
وقاسان أيضا معرب كاشان بلدة معروفة بين قم وأصفهان وقد خرج منه ثلة من أرباب الفقه
والحديث والنجوم والأدب منهم المولى فتح الله الكاشاني المفسر والمولى محمد محسن
صاحب الوافي والسيد العلامة أبو الرضا فضل الله الراوندي وغيرهم وقد يعبر عن كاسان
بقاشان كما في رجال شيخ الطائفة في ترجمة علي بن شبرة القاشاني من أصحاب الهادي (ع)
والمراد بقاسان المذكورة في المتن هو المحل الأول فلا تغفل. (6) الغرار: الخدعة.
(7) المربع: محل الإقامة (8) انظر إلى قلة أدب هذا الرجل في استعماله كلمتي الهجرة
والمدينة في سفره ومقصده بقوله: أستوطن مدينة أتخذها دار هجرتي. (*)
ص 26
ولم يكن فيها شيئ من البدعة والالحاد ناشية، وأتمسك بسنة النبي صلى الله عليه وسلم
الرصين (1) وأعبد ربي حتى يأتيني اليقين (2) فإن التمسك بالسنة عند فساد الأمة طريق
رشيد، وأمر سديد، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، من (3) تمسك بسنتي عند
فساد أمتي فله أجر مائة شهيد، فلما استقر ركابي بمدينة قاسان اتفق لي مطالعة كتاب
من مؤلفات المولى الفاضل جمال الدين (4) بن المطهر الحلي غفر الله ذنوبه قد سماه
بكتاب نهج الحق وكشف الصدق قد ألفه في أيام دولة السلطان غياث الدين اولجايتو (5)
محمد خدابنده وذكر أنه صنفه بإشارته وقد كان ذاك الزمان أوان فشو البدعة ونبغ نابغة
الفرقة الموسومة بالإمامية من فرق الشيعة، فإن عامة الناس يأخذون المذاهب من
السلاطين وسلوكهم، والناس على دين ملوكهم إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل
ماهم، وقد ذكر في مفتتح ذلك الكتاب: أنه حاول بتأليفه إظهار الحق وبيان خطاء الفرقة
الناحية (6) من أهل السنة والجماعة لئلا يقلدهم المسلمون (7) ولئلا يقتدوا بهم فإن
الاقتداء بهم ضلالة، وذكر: أنه أراد بهذا إقامة مراسم الدين وحوز [حرز خ ل] أجور
الآخرة واقتناء ثواب الذين يبينون الحق ولا يكتمونه، ومع ذلك فإن جل كتابه مشتمل
على مطاعن
(هامش)
(1) الرصين: المحكم الثابت، وتوصيف السنة به بدون التاء غير رصين. (2) قف أيها
الناطر على تأنف هذا الرجل كيف يعبر عن نفسه بكلمات وردت في القرآن الشريف خطابا
للنبي الأكرم: واعبد ربك حتى يأتيك اليقين؟!. (3) الخبر مرمى بالوضع فراجع الكتب
المعدة لهذا الشأن ككتاب الموضوعات للسبكي (4) قد مرت ترجمته الشريفة في المقدمة
على نحو الاختصار. (5) قد مرت ترجمته مختصرة. (6) وهل هذا إلا مصادرة وتحكم؟! (7)
قف على دنائة هذا الرجل الناصب في تعبيره وتعريضه لشيعة آل الرسول صلى الله عليه
وآله. (*)
ص 27
الخلفاء (1) الراشدين، والأئمة المرضيين، وذكر مثالب العلماء المجتهدين، فهو في هذا
كما ذكر بعض الظرفاء على ما يضعونه على ألسنة البهائم: أن الجمال سأل جملا من أين
تخرج قال الجمل: من الحمام قال: صدقت ظاهر من رجلك النظيف، وخفك اللطيف (2) فنقول:
نعم ظاهر على ابن المطهر أنه من دنس الباطل ودرن التعصب مطهر، وهو خائض في مزابل
المطاعن (3) وغريق في حشوش الضغائن (4) فنعوذ بالله من تلبيس إبليس، وتدليس ذلك
الخسيس، كيف سول له وأملى له، وكثر في إفشاء الباطل على رغم الحق إملائه؟ ومن
الغرايب أن ذلك الرجل وأمثاله ينسبون مذهبهم إلى الأئمة الاثني عشر رضوان الله
عليهم أجمعين، وهم صدور إيوان الاصطفاء، وبدور سماء الاجتباء، ومفاتيح أبواب الكرم،
ومجاديح (5) هو اطل النعم، وليوث غياض (6) البسالة، وغيوث رياض الإيالة، وسباق
مضامير السماحة،
(هامش)
(1) غير خفي لدى المنصف إن مولينا العلامة لم يذكر من المطاعن ما لم يورده علماء
الجمهور في الكتب كما سنحققه ونشير إلى المدارك والمستندات لتلك المطاعن في محلها
إن شاء الله تعالى. (2) آن يكى پرسيد اشتر را كه هى! * از كجا ميآئى اى فرخنده پى؟
گفت از حمام گرم كوى تو * گفت اين پيدا است از زانوى تو (3) ولعمري من خرج عن زيه
وفتح في المقالات العلمية باب السب والشتم وتفوه بكلمات تستمجها الغريزة الإنسانية
وسلك مسالك المكارين والجاملين والحمالين والحجامين، جدير بأن يسلط الله عليه صقرا
من صقور الشيعة وسيفا شاهرا وقاضيا هنديا من آل الرسول صلى الله عليه وآله كالشريف
السعيد الشهيد القاضي السيد نور الله المرعشي قده بأن يعقبه ويرد عليه ترهاته
وخزعبلاته. (4) الحشوش: جمع الحش وهو المزبل والضغائن جمع الضغينة وهي بالفارسية
كينه، من الفضل. (5) المجاديح: جمع المجداح وهو السحاب الماطر منه. (6) الغياض: جمع
الغيضة، والبسالة الشجاعة منه. (*)
ص 28
وخزان نقود الرجاحة والأعلام الشوامخ في الارشاد والهداية، والجبال الرواسخ في
الفهم والدراية، وهم كما قلت فيهم شعر: شم (1) المعاطس من أولاد فاطمة * علوا رواسي
طود (2) العز والشرف فاقوا العرانين (3) في نشر الندى كرما * بسمح كف خلا من هجنة
السرف تلقاهم في غداة الروح إذ رجفت * أكتاف اكفائهم من رهبة التلف مثل الليوث إلى
الأهوال سارعة * حماسة النفس لا ميلا إلى الصلف بنو علي وصي المصطفى حقا * أخلاف
صدق نموا من أشرف السلف (4) وهؤلاء (5) الأئمة العظام قد كانوا يثنون على الصحابة
الكرام الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم بما هم أهله من ذكر المناقب والمزايا، وقد
ذكر الشيخ
(هامش)
(1) الشم بضم الشين مأخوذ من الشمم بفتح الشين الارتفاع في قصبة الأنف وحسنها
واستواء أعلاها، وإن كان فيها أحد يداب فهو القنا، ثم الشمم في الأنف علامة علو
الهمة وسعة الصدر وقوة القلب كما ذكره علماء علم القيافة والفراسة، والمعاطس جمع
معطس كمجلس ومقعد الأنف ومن المجاز العاطس الصبح، ثم شم المعاطس كناية عن جلالة قدر
الأئمة الميامين والهداة المرضيين. (2) الطود الجبل العظيم المتطاول في السماء. (3)
عرانين الناس وجوههم وسادتهم وأشرافهم قال العجاج يصف حبيشا تهدى قداماه عرانين مضر
فلله در هذه الأبيات الواقعة في محلها قد انطق الله لسان الناصب وأجرى قلمه في بيان
فضائل آل الرسول (ص). (4) الحمد لله الذي أظهر الحجة وبين المحجة، فإن أخذ الفرقة
الاثني عشرية عن هؤلاء الأئمة الأخيار معلوم وظاهر لكل خبير ظهور الشمس في رايعة
النهار. واعتراف الناصب على حقيتهم دليل واضح، وأخذ الشيعة عنهم بين ولائح. إنتهى.
ويظن كون هذه التعليقة من العلامة الشيخ مفيد الدين الشيرازي الأديب الأريب المتخلص
بداور (5) وهؤلاء (وهذه) في بعض النسخ المخطوطة. (*)
ص 29
علي بن عيسى الإربلي (1) رحمه الله تعالى في كتاب كشف الغمة في معرفة الأئمة واتفق
جميع الإمامية على أن علي بن عيسى من عظمائهم والأوحدي النحرير من جملة علمائهم، لا
يشق غباره (2) ولا يبتدر آثاره، وهو المعتمد المأمون في النقل، وما ذكره هو في
الكتاب المذكور نقل عن كتب الشيعة لاعن كتب علماء السنة (3) إن الإمام أبا جعفر
محمدا الباقر صلوات الله وسلامه عليه سئل عن حلية السيف هل يجوز؟ فقال: نعم يجوز قد
حلى أبو بكر الصديق سيفه بالفضة، قال الراوي: فقال السائل: أتقوى هكذا، فوثب الإمام
من مكانه وقال نعم الصديق فمن لم يقل له الصديق فلا صدقه (4) الله في الدنيا
والآخرة، هذه عبارة كشف الغمة وهو كتاب مشهور معتمد عند الإمامية وذكر أيضا في
الكتاب المذكور: أن الإمام أبا عبد الله جعفر بن محمد الصادق قال ولدني أبو بكر
الصديق مرتين وذلك لأن أم الإمام جعفر كانت أم فروة (5) بنت القاسم بن محمد بن أبي
بكر الصديق وكذا (6) كانت إحدى
(هامش)
(1) هو الشيخ الجليل العلامة بهاء الدين أبو الحسن علي الوزير بن عيسى بن فخر الدين
الإربلي المتوفى سنة 692 صاحب كتاب كشف الغمة في معرفة الأئمة، والإربلي نسبة إلى
بلدة إربل بكسر الهمزة وسكون الراء المهملة وكسر الباء الموحدة ثم اللام قال ياقوت
في المراصد: هي مدينة تقرب من الموصل. (2) إشارة إلى مثل مشهور. (3) نعم وإن كان
الإربلي من أجلة أصحابنا ولكنه نقل الكلام المذكور في المتن عن كتاب صفة الصفوة
لابن الجوزي، والرجل معروف بالتسنن والتحامل في حق الشيعة، وببالي إن عدة من علماء
القوم ضعفوه بالوضع والتدليس في متون الأحاديث وأسانيدها. (4) في نسخة مخطوطة مصححة
(فلا صدق الله له قولا في الدنيا ولا في الآخرة) (5) أم فروة هي بنت القاسم الفقيه
المدني ابن محمد بن أبي بكر، وأمها أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر، وكانت أم فروة
من رواة الحديث جليلة الشأن. (6) هي بنت عبد الرحمن بن أبي بكر كما مر. (*)
ص 30
جداته الأخرى من أولاد أبي بكر، وذكر الإمام الحاكم أبو عبد الله النيسابوري (1)
المحدث الكبير والحافظ المتقن الفاضل النحرير في كتاب معرفة علوم الحديث بإسناده عن
الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه وعلى آبائه السلام أنه قال: أبو بكر
الصديق جدي وهل يسب أحد آبائه لا قدمني الله إن لا أقدمه إنتهى وقد اشتهر بين
المحدثين والعلماء أن الحاكم أبا عبد الله المذكور كان مائلا إلى التشيع فمن عجبي
(2) كيف يجوز لهم ذكر المطاعن لذلك الإمام الحكيم الرشيد، وقد ذكر الأئمة الذين
يدعون الاقتداء بهم في مناقبهم: أمثال هذه المناقب ومع هذا يزعمون أنهم لهم (3)
مقتدون وبآثارهم مهتدون، نسأل الله العصمة عن التعصب فإنه ساء الطريق وبئس الرقيق.
ثم إني لما نظرت في ذلك الكتاب الموسوم بنهج الحق وكشف الصدق رأيت أن صاحبه عدل عن
نهج الحق وبالغ في الانكار على أهل السنة حتى ذكر: أنهم كالسوفسطائية ينكرون
المحسوسات والأوليات فلا يجوز الاقتداء بهم، ووضع في هذا مسائل ذكرها من علم أصول
الدين ومن علم أصول الفقه ومن *
(هامش)*
(1) هو محمد بن عبد الله بن محمد بن حمدويه النيسابوري، المعروف بالحاكم وابن البيع
من أجلاء الشافعية فقها وأدبا وحديثا، له تصانيف شهيرة. منها المستدرك على الصحيحين
وتاريخ نيسابور وغيرهما، توفي سنة 403 أو 405 وكتاب المستدرك من أحسن كتب القوم.
وأبعدها عن الكذب، وهو مشتمل على أحاديث في فضل آل الرسول (ص) كحديث الغدير وغيره،
ومن ثم نسب المؤلف إلى التشيع وليس كذلك فإن الرجل من العامة كما يفصح عنه بعض
كلماته في المستدرك ومعرفة علوم الحديث وإن صح، فكفى به فخرا عند من يرى نفسه مسلما
تابعا للنبي الأكرم صلى الله عليه وآله. (2) لو عبر بلفظة فمن العجب أو فمما يعجبني
وأمثالهما بدل ما في المتن لكان أولى (3) اقتباس من قوله تعالى في سورة الزخرف
الآية 23 وتبا لهذا الرجل السيئ الأدب وعادمه حيث عبر هكذا في بيان تبعية الشيعة
لأهل البيت المقتبس علمهم من علم النبي صلى الله عليه وآله. (*)
ص 31
المسائل الفقهية، وطعن على الأئمة (1) الأربعة بمخالفتهم نص الكتاب وبالغ في هذا
أقصى المبالغة، ولم يبلغني أن أحدا من علماء السنة رد عليه كلامه ومطاعنه في كتاب
وضعه لذلك، وذلك الاعراض يحتمل أن يكون لوجهين، أحدهما: عدم الاعتناء بكلامه وكلام
أمثاله لأن أكثره ظاهر عليه أثر المكابرة والتعصب، وقد ذكر ما ذكر في كلام بالغ في
الركاكة على شاكلة كلام المتعربة (2) من عوام حلة وبغداد وشين الرطانة (3) وهجنة
(4) العوراء تلوح من مخايله كرطانات جهلة أهل السواد كما ستراه واضحا غير خفي على
أهل الفطانات.
(هامش)
(1) ومن نظر وسبر في كلام المخالفين رأي ما أودع فيها من المطاعن في حق أسلافهم
فترى الشافعية تطعن في أبي حنيفة وبالعكس، وكذا أتباع مالك وأحمد والليث والأوزاعي
والظاهرية أتباع داود بن علي الأصفهاني وغيرهم، كلما دخلت أمة لعنت أختها. وانظر ما
ذكره الخطيب البغدادي في ترجمة أبي حنيفة ترى ما يقضى منه العجب من كثرة المطاعن
بحيث دعى بعض الحنفية إلى تأليف كتاب في دفع تلك المطاعن وسماه بالسهم المصيب في
كبد الخطيب فراجع، وهكذا ابن حزم في أصوله وابن رشد وابن القيم وغيرهم. (2) انظر
إلى هذا الرجل كيف أساء الأدب بالنسبة إلى مولانا العلامة قد مع أنه ممن اتفق
علماء الفريقين في عصره على جلالة شأنه وكونه من أئمة كلام العرب ومن فرسان مضامير
البلاغة والفصاحة، ويكفي في ذلك ما كتبه البيضاوي صاحب التفسير في كتابه إليه في
مسألة من تيقن بالطهارة والحدث وشك في المتقدم منهما والمتأخر وكذا ما ذكره ابن حجر
في الدرر وغيرهما من أعلامهم حيث أطنبوا وأطروا في الثناء عليه بما لا مزيد عليه،
ومن رام الوقوف عليها فليراجع كتب التراجم سيما المذكورة فيها رجال القرن الثامن.
(3) إمالة كلام العرب إلى طريقة العجم. من الفضل. (4) هجنة: بضم الهاء، ما يعيب
الكلام. (*)
ص 32
والوجه الثاني: أن تتبع ذلك الكلام وتكراره وإشاعته مما ينجر إلى اتساع الخرق
وتشهير ما حقه الاعراض عنه، ولم تكن داعية دينية تدعو إلى ذلك الرد لسلامة الزمان
(1) عن آفة البدعة، ومن عادة أجلة علماء الدين رضي الله عنهم أنهم لا يخوضون في
التصانيف إلا لضرورة الدين (2) لا يصبغون بالمداد ثياب
(هامش)
(1) لا يقال: ذكرت أن ذلك الكتاب صنف بحكم السلطان اولجايتو وهو كان شيعيا فكيف
تقول: إن ترك الجواب بسلامة الزمان عن البدعة؟! لأنا نقول: لم يمتد زمان ثبات
السلطان على التشيع ورجع بعد زمان يسير من تشيعه، فسلم الزمان من البدعة، ولم يتوجه
إلى رده أحد من العلماء. من الفضل بن روزبهان في الهامش. أقول: فيا للعجب من هذا
الناصب كيف يأتي بأكاذيب ومفتريات؟! وكيف يتعامى عن ما في كتب التواريخ من أن
السلطان مات شيعيا، ومضى إلى رحمة الله. ووصيته بجعل تربة الحسين وأسماء الأئمة
عليهم السلام في قبره مشهورة مأثورة. (2) فكأن الرجل غافل أو يتغافل عن عدة كتب من
آثار مشاهير علمائهم كالسيوطي والقشيري والشعراني، فإنهم قد ألفوا كتبا تضحك منها
الثكلى ويبكي العريس لعدم جدويها ككتاب تنوير العلك في تعيين تكاليف الجن والملك
وآكام المرجان في أحكام الجان وإزاحة الشبهات عن أحكام الجنيات والرسائل المؤلفة في
تعيين أن فرس النبي صلى الله عليه وآله كان إناثا أو ذكورا والرسائل المؤلفة في شكل
نعل النبي صلى الله عليه وآله والرسائل المؤلفة في أن الأبدال ورجال الغيب ما أكلهم
وشربهم والرسائل المؤلفة في تعيين من زوج أمنا حواء من أبينا آدم؟ ومن كان رابطة
وواسطة في إصلاح هذا الأمر ونحوها من الترهات والخز عبلات التي يقف الناظر البصير
النقاد في كلماتهم وكتبهم وقد رأيت في آثارهم الوفا من أشباه ما ذكرنا عصمنا الله
من اللغو واللهو في القول والعمل والبنان والبيان ثم للسائل أن يسئل عن هذا الرجل
متى كان قصد الشيعة كذلك؟ ومن الذي ذكر هذا من علماء الفريقين الذين يعتمد عليهم؟
وهل هو إلا الافتراء والكذب بل الأمر بالعكس حيث ذكر أرباب التراجم أنه أحرقت كتب
الشيعة زمن العباسية
ص 33
الأقلام، إلا لقصارة الدنس الواقع على جيوب حلل الإسلام، ولما اطلعت على مضامين ذلك
الكتاب وتأملت فيما سنح في الزمان من ظهور بدعة الفرقة الإمامية وعلوهم في البلاد
حتى قصدوا محو آثار كتب السنة وغسلها وتخريقها بل تمزيقها وتحريقها حدثتني نفسي بأن
فساد الزمان ربما ينجر إلى أن أئمة الضلال يبالغون بعد هذا في تشهير هذا الكتاب،
وربما يجعلونه مستندا لمذهبهم الفاسد (1) ويحصلون من قدح أهل السنة بذلك الكتاب جل
المقاصد، ويظهرون على الناس ما ضمن ذلك الرجل ذلك الكتاب من ضعف آراء الأئمة
الأشاعرة من أهل السنة والجماعة، ويصححون على العوام والجهلة أنهم كالسوفسطائية فلا
يصح الاقتداء بهم وربما يصير هذا سببا لوهن قواعد السنة فهنا لك تحتم على ورأيت
المفروض علي أن أنتقد كلام ذلك الرجل في ذلك الكتاب وأقابل في كل مسألة من العلوم
الثلاث المذكورة فيه ما يكون تحقيقا (2) لحقيقة تلك المسألة وأبين فيه حقية مذهب
أهل السنة والجماعة في تلك المسألة أو أرد عليه ما يكون باطلا، وعن
(هامش)
في محلة الكرخ وخزانة كتب شيخ الطائفة رئيس الشيعة قده وكتب المحقق الطوسي
قده وكتب ابن فتال الشهيد النيسابوري مؤلف روضة الواعظين. وكتب بني زهرة في حلب
وكتب بعض علماء الشيعة في دولة أبي سعيد المغولي وهكذا كان ديدنهم حتى تبع خلفهم
لسلفهم فأحرقت الأفاغنة خزائن الكتب كمكتبة مولينا المجلسي في أصفهان وخانوا العلم
والفضل كافئهم الله بصنيعهم. (1) قف على تعبير هذا الرجل وإسائة أدبه، مع أنه يبرئ
نفسه من مساوئ الأخلاق ومذام الصفات. (2) ولعمري الرجل الناصب قد أورد بدل
التحقيقات العلمية والأفكار الدقيقة في أكثر الموارد السب والشتم واللوم، وقل نظيره
بين مؤلفيهم في بذائة اللسان، مع ما رووا بأسانيدهم الصحيحة لديهم من أنه صلى الله
عليه وآله قال: إن الله يبغض بذئ اللسان، (*)
ص 34
حلية الحق الصريح عاطلا على وجه التحقيق والانصاف (1) لاعن جهة التعصب والاعتساف،
وقد أردت أولا أن أذكر حاصل كلامه في كل مسألة بعبارة موجزة خالية عن التطويل الممل
الفارغ عن الجدوى وليسهل على المطالع أخذه وفهمه، ولا يذهب إلى أباطيله ذهنه ووهمه،
ثم بدا لي أن أذكر كلامه بعينه وبعباراته الركيكة لوجهين أحدهما: أن الفرقة
المبتدعة لا يأتمنون علماء السنة وربما يتمسك (2) بعض أصحاب التعصب بأن المذكور ليس
من كلام ابن المطهر ليدفع بهذا الالزام عنه. والثاني: أن آثار التعصب والغرض في
تطويلات عباراته ظاهرة، فأردت نقل كلامه بعينه ليظهر على أرباب الفطنة أنه كان من
المتعصبين لا من (3) قاصدي تحقيق مسائل الدين، وهذان الوجهان حداني إلى ذكر كلامه
في ذلك الكتاب بعينه، والله تعالى أسأل أن يجعل سعيي مشكورا وعملي لوجهه خالصا
مبرورا، وأن يزيد بهذا تحقيقا في ديني ورجحانا في يقيني، ويثقل به يوم القيامة عند
الحساب
(هامش)
(1) أيها الرجل الناصب، في قلبه عداوة أهل بيت النبوة وشيعتهم ومواليهم، العاملين
بقوله تعالى: قل لا أسئلكم عليه أجرا. الآية، التابعين لهم في الأصول والفروع، كيف
تنسب الانصاف إلى نفسك مع أنك تعاند الحق الصريح، وتنكر الأدلة الواضحة، وتغمض
العين، وتغض الطرف عن الحقيقة الراهنة؟! (2) ترى هذا الرجل الغريق في ماء اللجاج
والحريق بنار العناد، يتشبث بكل حشيش، ويسرع إلى كل سراب بقيعة يحسبه ماء حتى
الافتراء والكذب والبهت والسب والشتم، أخذه الله بنكاله وعامله بما يستحقه بنيته
وباله. (3) أيها القارئ الكريم بالله عليك، انظر كلمات ابن روزبهان نظر منصف عدل،
حتى يتحقق لديك أنه من أشد المتعصبين، وأن غرضه اللجاج والتعمية وإثارة الشحناء
والبغضاء في مضمار العلم ومجال التفكر والتعمق. (*)
ص 35
موازيني، وأن يوفقني للتجنب (1) عن التعصب والتأدب في إظهار الحق أحسن التأدب إنه
ولي التوفيق وبيده أزمة التحقيق، وها أنا أشرع في المقصود متوكلا على الله الودود،
وأريد أن أسميه بعد الاتمام إن شاء الله تعالى بكتاب إبطال نهج الباطل، وإهمال كشف
العاطل (انتهت الخطبة).
جواب القاضي عن فقرات خطبة الفضل: 
وأقول: لا يخفى أن الفقرة (2) الأولى والثانية لا مناسبة
لهما (3) بما هو مقصوده الأصلي مع ما يظهر من سوق كلامه وحواشيه على بعض الفقرات من
شدة اهتمامه برعاية ذلك، والثالثة والرابعة (4) إنما يناسب كتب التفسير والمعاني
ونحوهما من العلوم، وما ذكره في الفقرة الرابعة مشيرا إلى أن الأجر والثواب فضل من
الله تعالى لا أنه يجب عليه كما ذهب إليه أهل العدل من الإمامية والمعتزلة
(هامش)
(1) والعجب كل العجب من هذا الرجل، أنه يرى نفسه متجنبة عن التعصب، مع أنه فتح في
مضمار العلم والبحث عن الحق الحقيق بالقبول، باب السب والشتم وإسائة القول، والتفوه
بكلمات هي أقدر من كل قذارة عند أهل المعرفة وذوي الحجى، ونعم ما قال بعض السادة
الشرفاء لو أمر بغسل الفم بعد التلفظ بالركيك لما كان بعيدا لدى العقلاء وأرباب
الادراك والحجى. (2) الفقرة بفتح الفاء وسكون القاف ويجمع على فقر بفتح الفاء وسكون
القاف. والفقرة بكسر الفاء وسكون القاف يجمع على فقر بكسر الفاء وفتح القاف، وفقرات
بكسر الفاء وسكون القاف وفتحها. (3) المراد بالفقرة الأولى والثانية قوله: الحمد
لله المتعزز إلى قوله: وأجمل بداعة، وعدم المناسبة من حيث إن الفضل على ما صرح،
بصدد الرد على كلمات مولانا العلامة قده ودفع مقالات الشيعة، فالحري للبليغ
الذي ينسب الرطائة إلى كلام غيره أن يراعي الاستهلال وساير المناسبات في مفتتح
كتابه. (4) والمراد بالفقرة الثالثة والرابعة قوله: المتكلم بكلام أبكم إلى قوله:
وإن بذلوا الوسع والاستطاعة. (*)