الصفحة السابقة الصفحة التالية

شرح إحقاق الحق (ج1)

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب

ص 36

مدخول بأن العدلية في الحقيقة قائلون: بأن كل ما يصل من الله إلى عباده تفضل منه وإحسان (1) والنزاع لفظي كيف؟ وهم قائلون: بأن أصول النعم من خلق الحي وخلق حياته وخلق شهوته وتمكنه من المشتهى وإكمال العقل الذي يميز به بين الحسن والقبيح كلها تفضل منه تعالى سابقة على استحقاق العبد، فالفروع أولى بذلك، وفي الأدعية المأثورة عن أهل البيت عليهم السلام: يا مبتدئا بالنعم (2) قبل استحقاقها! لكن تسمية بعضها استحقاقا وثوابا إنما هو لأنه تعالى وعد به على الطاعات، وهو الموجب له على نفسه بصادق وعده، فالوجوب الذي أثبته أهل العدل ليس المراد به الوجوب التكليفي الثابت بإيجاب الغير حتى يستلزم دعوى ويستدعي حاكما، ولا يتصور بدونه كما زعمه الخصم (3) بل المراد الوجوب العقلي وهو لا يستلزم ذلك، لأن مرجعه إلى صدور بعض الأشياء عنه تعالى باقتضاء حكمته له. وقد استدلوا على الوجوب المذكور بقوله تعالى: كتب على نفسه الرحمة (4) وقال السيد معين الدين الإيجي (5) الشافعي في بعض رسائله: أي

(هامش)

(1) انظر إلى كلمات المحققين من أصحابنا سيما بعض المتأخرين منهم تنادي بإنكار استحقاق الثواب والأجر على امتثال التكاليف، وأن ما ورد في الأدلة السمعية في ترتب الثواب محمول على التفضل ونحوه من المحامل، وقد حققنا ذلك أيضا في محله. (2) هذه العبارة من فقرات الدعاء المروي عن أبي عبد الله عليه السلام بعد صلاة جعفر، أولها: يا من أظهر الجميل وستر القبيح ثم إن هذا الدعاء الشريف مما اشتمل على جوامع الكلم ومضامين لم تمسسه أيدي الأفكار كيف لا وهي صادرة من منابع الحكمة والعلم والمشاكي النبوية الموقدة من عالم القدس. (3) وقد عرفت أن من أظهر المحامل التفضل، ومنهم من جعل الثواب في مقابل الانقياد. (4) الأنعام الآية 12. (5) هو السيد معين الدين محمد بن عبد الرحمان بن محمد بن عبد الله الحسنى الحسيني؟؟؟؟،

ص 37

أوجب على نفسه بموجب وعده أن يجازي الحسنة بعشرة (1) على أن الأشاعرة قد اشتركوا في إطلاق الوجوب على الله تعالى مع المعتزلة حيث قالوا في كتبهم الكلامية: بوجوب إرسال الأنبياء على الله تعالى، وبوجوب عدم خلق المعجزة على يد الكاذب بطريق جري العادة، وبسببية القتل الذي يخلق الله عقيبه الموت بذلك الطريق (2) فإنه لو لم يكن جريان العادة واجبا عليه تعالى لم يكن مفيدا في إثبات شيئ مما ادعوه وبنوه على هذه المقدمة، وتفصيل الكلام في هذا المرام مذكور في بعض رسائلنا، وسنذكر جملة منه فيما سيأتي إن شاء الله تعالى. وأما ما ذكره في الفقرة الخامسة من كون الفرقة الناجية المفضلة على سائر فرق الإسلام هم المتسمون بأهل السنة والجماعة (3) فمقتضاه خروج أهل السنة عن جملة فرق الإسلام وإلا لزم تفضيل الشيئ على نفسه، ولو سلم الدخول مع ظهور خروجهم فتفضيل الله تعالى لهم ممنوع واستدلالهم على ذلك بحديث ستفترق (4) مدفوع، إذ بعد تسليم ما رووا من تعيينه عليه الصلاة والسلام الفرقة الواحدة الناجية نحو تعيين بقوله: الذين هم على ما أنا عليه وأصحابي (5) نقول: لا دلالة

(هامش)

صاحب كتاب جامع البيان في تفسير القرآن المتوفى سنة 905 والإيجي نسبة إلى إيج وهي من كورة دارا بجرد من بلاد فارس. وأهل فارس يسمونها إيك كما في المراصد ثم إن هذا السيد بيته بيت الفضل والأدب. (1) إشارة إلى قوله تعالى في سورة الأنعام الآية 160. من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها. (2) وممن عبر بالوجوب هو الناصب ابن روزبهان في مسائل الادراك والتزم بوجوب وجود المعاليل عند وجود عللها حسب العادة وأسندها إلى كتيبته الأشعرية كما سيأتي. (3) على أن الظاهر من الحديث الذي رواه المولى علي المتقي في الكنز كون الشيعة التابعين لعلي والعترة النبوية أهل السنة والجماعة. (4) وقد سبق سند هذا الحديث ومدركه ومأخذه. (5) كما في مجمع الزوائد (ج 7 ص 259 ط مصر) رواه عن أبي الدرداء وأبي أمامة واصلة بن أصقع وأنس بن مالك. (*)

ص 38

له على مطلوبهم، إذ المراد بالأصحاب (1) إما كل الصحابة جمعا أو أفرادا أو بعض مبهم أو معين، لا سبيل إلى الأول، لأن معنى العبارة يكون حينئذ: أن كل من اتبع ما يتفق عليه مجموع أصحابي فهو الناجي، وهذا معنى الاجماع ولا دخل له في الاستدلال على أن الفرقة الناجية أهل السنة أو غيرهم، بل يكون هذا دليل صحة الاجماع وحجيته، ولا نزاع في أن إجماع الصحابة بمعنى اتفاقهم على أمر من الأمور يجب متابعته (2) وأين هذا من ذاك؟! ولو قيل متابعة الاجماع مخصوصة بأهل السنة دون غيرهم فهو مكابرة، لأن الاجماع بعد ثبوته لم يخالفه أحد من أهل الإسلام، وأيضا يلزم على هذا التقدير أن من اتبع قول بعض الصحابة وترك العمل بقول البعض الآخر لم يكن من أهل النجاة، وهو خلاف ما ذهب إليه بعض أهل السنة: من أن قول الخلفاء الثلاث حجة، وأيضا يلزم أن من قال: بإمامة أبي بكر يكون خارجا من أهل النجاة، لأن إجماع الصحابة لم يتحقق على خلافته، إذ كثير من خيار الصحابة تخلف عن بيعته كعلي عليه السلام وسائر بني هاشم وأبي ذر وسلمان وعمار ومقداد وسعد بن عبادة وأولاده وأصحابه وغيره ممن صرح

(هامش)

(1) إذ القضية خارجية لا حقيقية، ثم قوله: جمعا أي مجموعا، والحاصل أنه بعد فرض القضية الخارجية فإما أن يراد من هيئة الجمع الكل أو البعض المبهم أو المعين، وعلى الأول العموم إما مجموعي أو أفرادي، وعلى كونه أفراديا فأفراده الجماعات أو الآحاد، وعلى التقادير العموم إما وضعي أو حكمي عقلي، وعلى أي تقدير لا يثبت مدعى الناصب. وأنت أيها القارئ الكريم إذا أحطت الخبر بما تلونا عليك عرفت أن مولينا القاضي الشهيد المرعشي لم يستوف جميع الأقسام في العبارة، بل اكتفى بأمهات الأقسام روما للاختصار. (2) أما عند أصحابنا فلكون الاتفاق كاشفا عن قول المعصوم، وأما عند الجمهور الذين جعلوا الاتفاق أصلا أصيلا فلأجل كونه حجة في نفسه. (*)

ص 39

بهم رواة الطرفين، واتفاق البعض ليس بحجة فالتابع له يكون خارجا عن ربقة أهل النجاة، ولا سبيل إلى الثاني أيضا وإلا لاستحال المتابعة والإطاعة، ولزم أيضا تأخير البيان عن وقت الحاجة (1) ولا إلى الثالث: بأن يراد أي بعض كان كما يترائى من روايتهم عنه صلى الله عليه وآله: أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم (2) إذ على تقدير صحة الرواية يلزم منها أن كل من اتبع قول بعض الجهال بل الفساق والمنافقين منهم وترك العمل بقول بعض العلماء الصالحين منهم يكون من أهل النجاة، وهو بديهي البطلان، وأيضا يلزم أن يكون التابع لقتلة عثمان والذي تقاعد عن نصرته تابعا للحق، وأن يكون أتباع عائشة وطلحة وزبير ومعاوية الذين بغوا وخرجوا على علي عليه السلام وقاتلوه، على الحق، وأن يكون المقتول من الطرفين في الجنة، ولو أن رجلا حارب معاوية مثلا إلى نصف النهار في نصرة علي عليه السلام، ثم عاد في نصفه وحاربه عليه السلام في نصرة معاوية لكان في الحالين جميعا مهتد يا للحق، والتوالي بأسرها باطلة ضرورة واتفاقا، فتعين الرابع وهو أن يكون المراد بعضا معينا، ولا بد أن يكون ذلك المعين متصفا بمزايا العلم والكمال ليكون متابعته وسيلة إلى النجاة وذريعة إلى الفوز بالدرجات، إذ على تقدير التساوي يلي م الترجيح بلا مرجح، والمخصوص بهذه الأوصاف من بين الصحابة هو علي وأولاده المعصومون عليهم السلام، كما سيتضح في بحث الإمامة، ولا نزاع في أن من كان تابعا لهم

(هامش)

(1) على أن بيعة المبهم مما لا تصدر عن ذي مسكة ومن له أدنى مراتب الادراك كما لا يخفى. (2) هذه الرواية ضعفها بعض علماء القوم بوجود الوضاعين في طريقه وفي إحدى أسانيده المغيرة بن شعبة وأبو هريرة وابن أشته وأضرابهم من الصحابة والتابعين وغيرهم المرميين بالضعف والوضع والتدليس ونحوها من العيوب، ومن راجع في المظان صدق ما قلناه. (*)

ص 40

كان من أهل النجاة، فالفرقة الناجية من تابعهم في العقايد الإسلامية وهم الشيعة الإمامية، فظهر أن هذا الحديث دليل عليهم لا لهم كما موه (1) به العلامة الدوابي (2) في شرحه على العقايد العضدية، على أنه لا دلالة للحديث المذكور على أن أهل السنة هم اللذون على ما عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، إذ ما من فرقة إلا ويزعم أنها الناجية التي على ما عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، والباقية مالكون، وكل حزب بما لديهم فرحون (3) فكل من ادعى أن الفرقة الناجية أهل السنة لا بد له أولا من دليل يدل على أن طريقهم واعتقادهم يكون موافقا لما عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وأصحابه، حتى يلزم أنهم الفرقة الناجية دون غيرهم. وأنت خبير بأن مجرد الحديث لا يدل على هذا المطلوب بإحدى الدلالات، ولو استند في ذلك بمجرد قول علماء أهل السنة يكون مصادرة على المطلوب وهو ظاهر، ولنا هنا زيادة بحث وتحقيق ذكرناها في كتابنا المسمى بمصائب النواصب (4) فليرجع إليه من أراد، والله الموفق للسداد. ثم ما روى الشارح الناصب من قوله: لا يزال طائفة من أمتي منصورين لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة، فلا يخفى أنه

(هامش)

(1) موه الشيئ طلاه بفضة وذهب وتحته نحاس أو حديد. ق. (2) هو العلامة جلال الدين محمد بن أسعد الدواني صاحب التآليف الشهيرة والتصانيف الكثيرة توفي في حدود سنة 907 أو 908 وغيرهما من المحتملات. والدواني نسبة إلى دوان من توابع بلدة شيراز. (3) اقتباس من قوله تعالى في سورة المؤمنون الآية 53: فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا كل حزب بما لديهم فرحون. (4) وقد ترجمه جماعة من الأعلام، منهم العلامة شيخنا الأستاذ آية الله الميرزا محمد علي الرشتي الچهاردهى النجفي قده وطبعت تلك الترجمة منذ أعوام ببلدة طهران بمساعي حفيده الفاضل الآقا مرتضى المدرس أدام الله توفيقه. (*)

ص 41

أشد انطباقا بحال الشيعة الإمامية، فإن المتبادر من شأن المقام (1) وتنكير لفظ طائفة، الطائفة القليلة وقلة فرقة الشيعة وكثرة جماعة أهل السنة ظاهرتان. وأيضا احتمال الخذلان إنما يناسب الطائفة القليلة التي استمرت عليها الخوف والتقية دون الكثيرين الذين كانوا متكئين دائما على أرائك الأمن (2) وعز الدنيا الدنية، فحاصل الحديث لا يزال طائفة قليلة من أمتي منصورين بالحجة والبرهان، لا يضرهم خذلانهم في مواقف استعمال السيف والسنان وهذا المفهوم المحصل لا مصداق له سوى الإمامية. وأيضا لو لم يكن المراد بالنصر الموعود به الأنبياء والأولياء وسائر المؤمنين في القرآن والحديث النصر بالحجج والبراهين كما ذكرناه، وقد ذكره المفسرون، للزم كذب القرآن المجيد، لأن كثيرا من أنبياء بني إسرائيل لم ينصروا في الدنيا كما روي (3) من أن بني إسرائيل كانوا يقتلون ما بين طلوع الشمس إلى غروبها سبعين نبيا، ثم يجلسون يتحاكون في الأسواق كأنهم لم يصنعوا شيئا، وكذلك فعل بحبيب النجار مؤمن آل ياسين فإنهم وطؤه (4) حتى

(هامش)

(1) أي المقام الذي وردت فيه الرواية المذكورة. منه قده . (2) مأخوذ من قوله تعالى في سورة الدهر الآية 14، متكئين فيها على. (3) في تفسير ابن كثير (الجزء 1 ص 355 ط مصر) في ذيل قوله تعالى: إن الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير حق الآية. قال رسول الله (صلعم) مخاطبا لأبي عبيدة: يا أبا عبيدة، قتلت بنو إسرائيل ثلثة وأربعين نبيا من أول النهار في ساعة واحدة الحديث. وهكذا رواه ابن جرير. وعن عبد الله بن مسعود، قال: قتلت بنو إسرائيل ثلاثمأة نبي من أول النهار وأقاموا سوق بقتلهم. وفي تفسير الدر المنثور للسيوطي في ذيل الآية 61 البقرة: أخرج أبو داود والطيالسي وابن أبي حاتم عن ابن مسعود، قال: كانت بنو إسرائيل في اليوم تقتل ثلثمأة مأة نبي. (4) بالأرجل وداسوه. (*)

ص 42

خرجت أمعاؤه، ويحيى بن زكريا أهدي رأسه إلى بغي من بغايا بني إسرائيل، وأبوه زكريا نشر، (1) والحسين بن علي عليه السلام أحد سيدي شباب أهل الجنة قتل وطيف برأسه البلاد (2) وأيضا قد قتل إمام الناصب وأصحابه يوم الدار، فكانوا غير منصورين، والذين قاتلوا إمامه وهازموا أصحابه كانوا منصورين، فلم يكن إمامه وأصحابه مؤمنين بموجب ما زعمه في معنى الحديث وأيضا سيقول في خطبته هذا: إن في زمانه قد استولى فئة أصحاب البدعة على البلاد وأشاعوا الرفض والابتداع وقتلوا وشردوا وطردوا أصحابه من أهل السنة، وهذا الناصب الشقي كان من جملة من هرب منهم إلى بلاد ما وراء النهر (3) فيجب على قوله أيضا أن لا يكون هو وأصحابه بمؤمنين، بل إنما المؤمنون الذين قتلوا أصحابه وطردوهم ومن كأس الحمام (4) جرعوهم فرحمة الله عليهم، أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم الغالبون (5). هذا وقد أجرى الله الحق على لسانه حيث قال عند توجيه الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام: إنه جعل شيعة الحق وأئمة الهدى أتباعه (6)، إذ يفهم منه الميل إلى أئمة أهل البيت عليهم السلام، لتبادرهم من هذا الوصف في لسان أهل الإسلام وشيوع استعماله في شأنهم عليهم السلام. وكذا يفهم منه الاعتراف بحقية الشيعة، فإن الشيعة اسم قديم لهذه الفرقة وليس لأغيارهم لو ارتقوا إلى السماء سوى اسم أهل السنة والجماعة بمعنى أهل

(هامش)

(1) بالمنشار. (2) وهو أول رأس حمل على الرمح في الإسلام، كما ذكره السيوطي وغيره وهو المشهور بين المؤرخين. (3) ونزل بلدة قاسان من بلاد ما وراء النهر كما مر. (4) الحمام: بكسر الحاء المهملة الموت، وبالفتح الطير. (5) اقتباس من قوله تعالى في سورة المجادلة الآية 22. (6) في بعض النسخ أشياعه بدل أتباعه. (*)

ص 43

سنة معاوية وجماعته الغاوية الذين سنوا سب علي عليه السلام، واجتمعوا عليه فلما قطع دابر دولة الشجرة الملعونة الأموية وآل الملك إلى العباسية المبغضين للأموية أولوا ذلك خوفا منهم ومن شناعته بسنة النبي وجماعته. ثم الفقرة المذكورة بقوله: وهدى إلى انتقاد نهج الحق وكشف الصدق أتباعه إنما يناسب في شأن طائفة الشيعة التي صنف عالمهم العلامة لهدايتهم الكتاب الموسوم بكشف الحق ونهج الصدق، وهذا مما لا يخفى على من له صدق تأمل في فنون المقال ووجوه براعة الاستهلال. ثم نعم ما فعل من تخصيص كرام الصحب بالذكر فإن توصيف مطلق الصحب بالجود والشجاعة يشكل [خ ل مشكل] بحال من تخلف، لغاية بخله عن تقديم شيئ بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم عند النجوى (1) وبحال من فر في خيبر (2) وغيرها من المواقف التي عم بها البلوى، كما نطق بها ما سيجئ من النصوص والأحاديث المأثورة، وصرح بمضمونها ابن أبي الحديد المعتزلي (3) في بعض قصائده المشهورة حيث قال:( شعر ) وأعجب إنسانا (4) من القوم كثرة * فلم تغن شيئا ثم هرول مدبرا

(هامش)

(1) إشارة إلى قوله تعالى في سورة المجادلة الآية 12: يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجويكم صدقة. (2) المراد بالفار في خيبر هو الأول. (3) هو العلامة الشيخ عز الدين عبد الحميد بن محمد بن محمد بن الحسين ابن أبي الحديد المدائني شارح نهج البلاغة ولد سنة 586 توفي ببغداد سنة 655 وله قصائد شهيرة في مدح مولانا أمير المؤمنين عليه السلام تعرف بالعلويات منها قوله في قصيدة: ورأيت دين الاعتزال وإنني * أهوى لأجلك كل من يتشيع. (4) الإنسان يريد به الأول فإنه قال في ذلك اليوم: لن نغلب اليوم من قلة فأصابهم بعينه حتى انكسروا. وقال: في ذلك بعض الفصحاء: أبو بكر عانهم وعلي أعانهم،

ص 44

وضاقت عليه الأرض من بعد رحبها * وللنص حكم لا يدافع بالمراء

وليس بنكر في حنين فراره * ففي أحد قد فر خوفا وخيبرا

وأما قوله بعد أما بعد: يعبدون الأصنام ويخرون للأذقان سجدا الخ، فهو مشير إلى عنوان حال أئمته وخلفائه في عبادة الأصنام الملاعين فإنهم ما أسلموا إلا بعد أن مضى من عمرهم أكثر من أربعين وقد روي عمن سبح في كفه الحصاة: من بلغ أربعين ولم يحمل العصا فقد عصى (1) وفسر العصا بالاسلام كما اشتهر من مناظرة جرت في ذلك بين عبد الرحمن الجامي (2) وبعض

(هامش)

ويريد بالنص قول الله تعالى: ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين. والمراء ممدودا: المجادلة وقصره ضرورة، وليس بنكر إلى قوله وخيبرا يقول: في ذم الأول وفراره من الجهاد وغرضه الرد على من يقول: إنه أفضل من علي عليه السلام لعن الله من يقول به. ويوم حنين فر جميع الناس ولم يثبت مع النبي إلا تسعة من بني هاشم وأيمن بن عبيد بن أم أيمن مولاة رسول الله فقتل رحمه الله وبقي التسعة حول رسول الله وهم أمير المؤمنين والعباس والفضل بن عباس وأبو سفيان ونوفل وربيعة وابن الزبير وعتبة ومعتب، وأما يوم أحد وهو جبل كانت الوقعة عنده ففر الناس بأسرهم إلا أمير المؤمنين وأبا دجانة، ولم يزل أمير المؤمنين يذب عن الرسول ويحمي عنه كالليث الباسل حتى انكسر سيفه وأعطاه رسول الله سيفه ذا الفقار فقاتل حتى عجبت الملائكة من صبره وشجاعته، وإن قيل: كيف خص أبا بكر بالفرار يوم حنين ويوم أحد وعيره بذلك وقد فر الناس جميعهم إلا من استثنى يقال: إنما خصه بذلك ردا على من يقول: إنه أفضل من أمير المؤمنين فذكر المناقب المشهورة لعلي والمثالب الظاهرة لأبي بكر وأما يوم خيبر فهزيمة أبي بكر ورجوعه بالراية مشهورة لا يخفى (إنتهى ما أخذ من شرح العلويات لصاحب المدارك وغيره من الكتب) (1) وسيأتي مستنده في باب المطاعن إن شاء الله تعالى. (2) هو المولى عبد الرحمن بن أحمد الدشتي الجامي العارف النحوي الشهير المتوفى (*)

ص 45

الأعلام (1). ثم قوله: فندب صلى الله عليه وسلم لنصرة الدين وإعانة الحق عصبة من صحبه الصادقين إلى قوله ثم هاجروا، غير مصدق لمقصوده ضرورة أن مصداق الصادقين المهاجرين، هم اللذون لم يكن مهاجرتهم إليه صلى الله عليه وآله مشوبة بالأغراض الدنية والأعراض (2) الزائلة الدنيوية، كما روي في صحاح الجمهور (3) من قوله عليه الصلاة والسلام من كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه. وقد ذكر شراح الحديث أن سبب وروده ما نقل عن ابن مسعود رضي الله عنه من أنه لما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم هاجر بعض أصحابه لله ولرسوله وهاجر بعض آخر للدنيا وهاجر رجل لامرأة يقال لها أم قيس حتى يتزوجها فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هذا الحديث تذكيرا لأهل الاعتبار وتوبيخا لمن ليس له الإدكار إنتهى. وقد اتضح بما ذكرناه ونقلناه أن كون من وقع فيهم النزاع من الصحابة مصداقا للهجرة الحقيقية والصدق والإصابة محل بحث لا بد له من دليل، بل سيقوم الدليل القويم على نفيه في مسألة الإمامة إن شاء الله تعالى، وأما الوصف: بالكرش

(هامش)

سنة 898 وله تصانيف شهيرة كالفوائد الضيائية في النحو المعروف بشرح الجامي والرشحات وشرح اللمعات وتاريخ هراة وغيرها. (1) والمراد ببعض الأعلام المولى النحرير علم العلامة الشيخ حسن النقوي الهروي وذكرنا المناظرة المشار إليها مفصلا عند ذكر أحواله في كتابنا الموسوم بمجالس المؤمنين. والنقوي منسوب إلى الإمام علي النقي ابن محمد التقى عليهما السلام. (2) الأعراض: جمع العرض بفتح الأول والثاني: المتاع وحطام الدنيا. (3) رواه في البخاري (ج 5 ص 56 ط مصر) عن مسدد بالسند المتصل إلى علقمة بن وقاص قال: سمعت عمر قال: سمعت النبي صلى الله عليه وآله. الحديث. (*)

ص 46

والعيبة فإنما روي (1) عن النبي صلى الله عليه وسلم في شان الأنصار الذين فتنوا بحيلة الأغيار أولا ورجعوا إلى علي عليه السلام آخرا، فلا نصيب للمتنازع فيهم من قريش في ذلك، وكذا الكلام في قوله: فأثنى الله تعالى عليهم في مجيد كتابه ورضي عنهم وتاب عليهم، إذ ليس في القرآن ما يدل على ثناء الصحابة المبحوث عنهم، ولا على عفوه تعالى ورضاءه عنهم، وأيضا الرضاء الذي وقع في حق أهل بيعة الرضوان كان مشروطا بعدم النكث، كما قال تعالى بعد ما أخبر بالرضا عنهم: ومن نكث فإنما ينكث على نفسه (2) والحاصل أن رضوان الله تعالى عن العباد إنما يكون بحسب أفعالهم وأعمالهم، فإذا فعلوا عبادة رضي الله تعالى عنهم. وإن فعلوا معصية سخط الله عليهم، ولا يلزم من الرضاء في وقت باعتبار أمر دوام الرضاء له كما قال سبحانه:

(هامش)

(1) قد تصنا مظان الحديث في الصحاح الستة وغيرها من كتب العامة فلم نجد رواية في توصيف غير الأنصار بالكرش والعيبة بل هما من خصائص الأنصار وقد ورد في توصيفهم بهما روايات (منها) ما رواه البخاري في صحيحه (ج 5 ص 35 ط أميرية) بالسند المنتهي إلى هشام بن زيد قال سمعت أنس بن مالك يقول مر أبو بكر والعباس رضى الله عنهما بمجلس من مجالس الأنصار وهم يبكون فقال: ما يبكيكم قالوا: ذكرنا مجلس النبي (صلعم) منا فدخل على النبي (صلعم) فأخبره بذلك قال فخرج النبي (صلعم) قد عصب على رأسه حاشية برد قال فصعد المنبر ولم يصعده بعد ذلك اليوم فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أوصيكم بالأنصار فإنهم كرشي وعيبتي وقد قضوا الذي عليهم وبقي الذي لهم فاقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم (إنتهى) ورواه عن عكرمة عن ابن عباس أيضا ملخصا عن قتادة عن أنس وعن عكرمة عن ابن عباس. ووردت في صحيح مسلم (الجزء السابع صة 174 ط مصر) وفي مجمع الزوائد (الجزء العاشر ص 30 و36 و37 ط مصر) أحاديث بهذا المضمون. (2) الفتح. الآية 10. (*)

ص 47

إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا (1) فإن الله تعالى يرضى بإيمانهم، ويسخط بكفرهم، ثم قوله وجعل أمور الدين مرجوعة إليهم، مدفوع بأن الله تعالى لم يجعل أمور الدين مرجوعة إلى الخلفاء الثلاثة الذين قصدهم الناصب بهذه العبارة، لتصريح الجمهور على ما ذكر في المواقف (2) وغيره: أن إمامة أبي بكر إنما ثبتت باختيار طائفة من الصحابة، بل ببيعة عمر وحده، وإمامة عمر ثبتت بتفويض أبي بكر إليه، وخلافة عثمان بالشورى، اللهم إلا أن يبنى ذلك على قاعدة الجبر، ويقال: إن اختيار تلك الطائفة وبيعة عمر كسائر القبائح كان من فعل الله سبحانه، وتعالى عن ذلك علوا كبيرا. ثم قوله: ثم وثب فرقة بعد القرون المتطاولة والدول المتداولة يلعنونهم ويشتمونهم ويسبونهم إلى آخره، إن أراد به أن تلك الفرقة التي عني بهم الشيعة يلعنون جميع الصحابة فهو افتراء ظاهر، وإن أراد به أنهم يلعنون بعض الصحابة ممن اعتقدوا أنه أظهر بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله آثار الجلافة، وغصب الخلافة، وظلم أهل البيت بكل بلية وآفة، ففي هذا أسوة حسنة (3) بالله تعالى ورسوله ووصيه، إذ قد لعن الله تعالى في محكم كتابه على الجاحدين والظالمين والمنافقين، وأشار إلى وجوب متابعة ذلك أو استحبابه بقوله: أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون (4) و

(هامش)

(1) النساء. الآية 137. (2) صاحب المواقف هو القاضي عضد الدين عبد الرحمان بن ركن الدين أحمد بن عبد الغفار الإيجي الشيرازي المتوفى محبوسا سنة 756 أو 760، وله تصانيف كثيرة، منها المواقف في الكلام وقد شرحه المحقق التفتازاني والشريف الجرجاني وغيرهما، وما ذكره القاضي الشهيد قده في المتن موجود في الشرح الشريف من ص 72 إلى 76. (3) اقتباس من قوله تعالى في سورة الأحزاب الآية 21: لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة. (4) البقرة: الآية 159. (*)

ص 48

بقوله: أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين (1) واللعن في الآية وإن وقع بصورة الاخبار، لكن المراد منه الانشاء والأمر، كما في قوله تعالى: والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء (2) فإن المراد منه ومن نظائره الأمر دون الاخبار على ما صرح به المفسرون. إذ لو كان خبرا لم يكن مطابقا للواقع، وعدم المطابقة في خبره تعالى محال. وقد روي (3) عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه لعن

(هامش)

(1) البقرة: الآية 161. (2) البقرة: الآية 228. (3) كما في شرح ابن أبي الحديد في نهج البلاغة (جزء 2 ص 102 ط مصر) فيما خطبه الحسن بن علي عليه السلام وخاطب فيها معاوية إلى أن توجه إلى المسلمين وقال (ع) أيها الرهط نشدتكم الله ألا تعلمون أن رسول الله (ص) لعن أبا سفيان في سبعة مواطن لا يستطيعون ردها أولها يوم لقي رسول الله خارجا من مكة إلى طائف يدعو ثقيفا إلى الدين فوقع به وسبه وسفهه وشتمه وكذبه وهم أن يبطش به فلعنه الله ورسوله وصرف عنه الثانية يوم العير إذ عرض على رسول الله وهي جائية من الشام فطردها أبو سفيان وساحل بها فلم يظفر المسلمون بها ولعنه رسول الله (ص) ودعى عليه فكانت وقعة بدر لأجلها والثالثة يوم أحد حيث وقع تحت الجبل ورسول الله (ص) في أعلاه وهو ينادي (أعل هبل) مرارا فلعنه رسول الله عشر مرات ولعنه المسلمون والرابعة يوم جاء بالأحزاب وعطفان واليهود فلعنه رسول الله (ص) فابتهل والخامسة يوم جاء أبو سفيان في قريش فصدوا رسول الله ص عن المسجد الحرام والهدي معكوفا أن يبلغ محله ذلك يوم الحديبية فلعن رسول الله ص أبا سفيان ولعن القادة والأتباع وقال ملعونون كلهم وليس فيهم من يؤمن فقيل يا رسول الله أفما يرجى الإسلام لأحد منهم فكيف باللعنة فقال لا تصيب اللعنة أحدا من الأتباع أما القادة فلا يفلح منهم أحد والسادسة يوم الجمل الأحمر والسابعة يوم وقفوا رسول الله في العقبة ليستنفروا ناقته وكانوا اثنى عشر رجلا منهم أبو سفيان فهذا لك يا معاوية إلى آخر ما قال عليه السلام. أقول وكفى في ذلك نقل ابن أبي الحديد وهو من أعاظم المعتزلة ولو تفحصت كتب السير والغزوات لوقفت على مواطن قد لعن فيها الرسول (ص) أبا سفيان وعليك بالبحث والتنقيب. (ج 3) (*)

ص 49

أبا سفيان. وعن علي (1) عليه السلام أنه كان يلعن في الصفين معاوية وعمرو بن العاص وأمثالهم من أهل البغي والعصيان، ولا ريب في أن المكلف إذا عمل بمقتضى أمر الله تعالى أو تأسى بفعل نبيه ووصيه عليهما السلام، وكان عمله مقارنا للاخلاص يصير مستحقا للثواب. ثم إن أراد بالشتم والسب ما يرادف اللعن في المعنى، فلا نزاع معه في المعنى، ولا محذور فيه كما مر، وإن أراد بهما القذف الذي مآله القدح من جهة العرض والتعييب من جهة الآباء والأمهات ونحوهم، فلا يجوز عند الشيعة الإمامية شيئ من ذلك بالنسبة إلى كافر مشرك مجاهر بالشرك فضلا عن مسلم أو متظاهر بالاسلام، نعم لما قصد المتسمون بأهل السنة والجماعة تنفير العوام عن اتباع مذهب الشيعة، اصطلحوا على إطلاق السب على الأعم من القذف والشتم واللعن، حتى يتأتي لهم أن يقولوا: إن الشيعة الإمامية يتكلمون بالفحش، كما هو دأب العوام السوقية، والحاصل أنا معشر الإمامية لا نسب أصلا ولا نلعن كل الصحابة، ولا جلهم بل نلعن من كان منهم أعداء لأهل البيت عليهم السلام، ونتقرب بذلك إلى الله تعالى ورسوله وذوي القربى الذين أمرنا الله تعالى بمودتهم أجرا (2) لتبليغ الرسالة، لاستحالة أن يجتمع الضدان أو يحل قلبا واحدا نقيضان، كما قال الشاعر:

تود عدوي ثم تزعم أنني * صديقك إن الرأي عنك لعاذب (3)

(هامش)

(1) في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد (جلد 3 ص 288 ط مصر) كان علي عليه السلام يقول: اللهم العن معاوية أولا وعمروا ثانيا، وأبا الأعور السلمي ثالثا، وأبا موسى الأشعري رابعا. (2) إشارة إلى قوله تعالى في سورة الشورى، الآية 23: قل لا أسئلكم عليه أجرا إلا المودة في القربى. (3) قوله: لعاذب: من العذب، وهو المنع والامتناع. (*)

ص 50

ثم قوله: فويل لهذه الفئة الباغية التي يسخطون العصبة الرضية يمرقون من الدين الخ، لا يناسب ما قصده من جعل ذلك كناية عن الشيعة، لأن الفئة الباغية سمة قد اختص بها أصحاب معاوية الباغي (1) إمام هذا الشارح الناصب الطاغي، والمروق (2) لقب من خرج على علي عليه السلام، وقدح في عصمته وإمامته، فهو أنسب بأن يكون لقب الشارح الناصب وعلامته. ثم في قوله: من الغرائب ما لو رآه محتلم في روياه لطار من وكر الجفن نومه الخ، تطويل وركاكة لا يخفى، ولو قال من الغرائب ما أطار نشأة البنج (3) عن أو كار رؤوس أهل السنة لكان أول وأخصر (4) فإنهم يبيحون (5) تناول البنج المسمى بالحشيش، بل يوجبون مقدار كف منه على ما نقلوا من لطائف صدر الشريعة البخاري (6) أنه لما سئل عن حكم ذلك، أجاب: بأن الكف منه واجب، ولا ريب في أن إطارة هذه النشأة عن رؤسهم أشد بلية عليهم من إطارة نومهم. ثم قوله: ومما شاع فيه أن فئة من أصحاب البدعة استولوا على البلاد وأشاعوا الرفض والابتداع بين العباد، كلام فيه اشتباه والتباس، إذ لا يخفى أن

(هامش)

(1) عبر به تبعا لكلام النبي صلى الله عليه وآله خطابا لعمار بن ياسر الصحابي، تقتلك الفئة الباغية. (2) المروق: الخروج من الدين ببدعة أو ضلالة. (3) البنج: معرب بنگ وهو المعروف بالحشيش يتخذ من شاهدانج ويستعملها أهل النشوة بالآلات الخاصة التي يعبر عنها عند العوام في المقاهي بغليان بالا (4) وفي بعض النسخ (أجدر). (5) يبيحون: من أباح، يبيح، إباحة. (6) هو عبيد الله بن مسعود بن محمود الحنفي البخاري المتوفى سنة 745 أو 747 أو 750 صاحب كتاب شرح الوقاية في الفقه الحنفي، ووجه اللطف في كلامه أن قوله: الكف منه واجب، كلام ذو وجهين، وله إيهام إلى إرادة المنع من لفظ الكف أو اليد. (*)

ص 51

بمرور الزمان وتعاقب تحريفات أهل العدوان تصير السنة بدعة (1) والبدعة سنة، كما تصير بذلك الحجة شبهة والشبهة حجة، والمتسمون بأهل السنة والجماعة لما استمروا على متابعة ما ابتدعه خلفائهم الثلاثة في دين الله تعالى زعموا أن ما أظهره الشيعة عليهم بعد مرور زمان التقية من أصل ما كان عليه النبي صلى الله عليه وآله وأهل بيته الزكية، إنما هو بدعة ناشئة من الجهل والعصبية، فإن من جملة ما زعموه من بدع الشيعة تقريرهم حي على خير العمل في الأذان وإنكارها صلاة التراويح (2) في شهر رمضان، وانعكاس القضية بإنكار الأول وتقرير الثاني (3) من بدع عمر كما سيجئ بيانه إن شاء الله تعالى. ومن البدائع أن الشيعة يتبعون ما هو سنة النبي صلى الله عليه وسلم اتفاقا، كالتختم باليمين وتسطيح قبور المؤمنين، والمتسمين بأهل السنة والجماعة، يعدلون عنهما إلى التياسر والتسنيم (4) ومع ذلك يسمون أنفسهم بأهل السنة، والشيعة بأهل البدعة، وهذا من أعدل الشهود على أنهم أشد تحريفا من ملاعين اليهود. وأما قوله: ولم يسمعني فيه الزمان صيت هؤلاء اللئام، فلا يخفى ما فيه، إذ من البين أن اللئيم هو من يرضى في دينه بمتابعة تيمي (5) لكع (6) رذل

(هامش)

(1) قد استعمل الشارح في المقام قاعدة رد العجز إلى الصدر وهي من المحسنات البديعية. (2) يأتي في باب مطاعن الثاني. (3) يأتي في باب مطاعن الثاني أيضا من بدعه. (4) التسنيم: ضد التسطيح وجعل القبر كسنام البعير، كما تفعله العامة في قبورهم وعليه ديدنهم. (5) لأن أبا بكر ينتهي نسبه إلى تيم هكذا: أبو بكر عبد الله بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة. (6) لكع. كصرد: العبد، والشاهد على كونه لكعا ما ذكره ابن أبي الحديد في شرح النهج (ج 1 ص 52) أن أبا بكر كان يقال له الطليق، وأما كونه ابن لكع فلما ذكره

ص 52

كرابيسي (1) معلم للصبيان لا يعرف أبا (2) ولا كلالة (3) من القرآن

(هامش)

هو أيضا هناك من أن أبا قحافة كان من أسلم يوم الفتح، أتى به أبو بكر إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فأسلم، فيكون من طلقائه صلى الله عليه وآله يوم الفتح، فتحقق مصداق ما رواه في مجمع الزوائد (ج 7 ص 320) وغيره عن ابن نيار، قال سمعت رسول الله (صلعم) يقول: لا تذهب الدنيا حتى تكون عند لكع بن لكع، وأيضا ما رواه عن بعض أصحاب النبي (صلعم) قال النبي (صلعم): يوشك أن يغلب على الدنيا لكع بن لكع. (1) كنز العمال جلد 4 كتاب البيوع، الحديث 167، عن النبي (ص): لو كان في الجنة تجارة لأمرت بتجارة البز، إن أبا بكر الصديق كان بزازا، رواه الديلمي عن أنس. (2) روى ابن كثير في تفسيره (ج 4 ص 473 ط مصر) عن أبي عبيد القاسم بن سلام، حدثنا محمد بن يزيد، حدثنا العوام بن حوشب عن إبراهيم التيمي، قال سئل أبو بكر الصديق رضي الله عنه عن قوله تعالى: وفاكهة وأبا، فقال: أي سماء تظلني، وأي أرض تقلني بأن قلت: في كتاب الله ما لم أعلم. وقد روى الطبري في تفسيره (ج 30 ص 33 ط مصر) عدة روايات في جهل عمر أيضا بذلك، منها ما رواه عن ابن المثنى عن محمد بن جعفر، حدثنا شعبة عن موسى بن أنس، عن أنس قال: قرء عمر وفاكهة وأبا ومعه عصاء في يده، فقال: ما الأب، ثم قال: يحسبنا ما قد علمنا وألقى العصاء من يده. (3) حيث قال في الكلالة لما سئل عنها: أقول فيها برأيي فإن كان صوابا فمن الله وإن كان خطاءا فمني، كما في شرح النهج لابن أبي الحديد في الطعن السادس (ج 5 ص 183) وغير الكلالة مما نقل القوم جهله بها من معاني آيات القرآن، ومن قلة فهمه بأحكام الله جهله بميراث الجدة حيث سئلته امرأة كانت جدة لميت عن إرثها فقال في جوابها: لا أجد لك شيئا في كتاب الله وسنة نبيه، فأخبره المغيرة ومحمد بن سلمة بأن الرسول ص أعطاه السدس وقالوا: اطعموا الجدات السدس. وهذا الأثر مروي في مسند أحمد (جزء 4 ص 225 ط الأول بمصر) وكذا في الصواعق (ص 21 مصر) ومما يحكى من جهله بالأحكام أنه قطع يسار السارق كما في الصواعق (ص 21 مصر) ومنها أنه لم يعرف ميراث العمة والخالة كما في السياسة والإمامة لابن قتيبة (جزء أول ص 31 مصر) إلى غير ذلك مما يجده الباحث في خلال تلك الديار والواقف على الآثار في كتب الفريقين. (*)

ص 53

أو عدوي (1) فظ غليظ (2) جاهل اعترف بأنه أقل فهما فقها من النسوان (3) وأما الشيعة

(هامش)

(1) منسوب إلى عدي. والعامة أنهت نسبه إلى عدي. (2) قد ذكر ابن أبي الحديد في الشرح (ج 1 ص 62) قضايا كثيرة في غلظة عمر منها ما ذكره بقوله: وعمر هو الذي أغلظ على جبلة بن الايهم حتى اضطره إلى مفارقة دار الهجرة، بل مفارقة بلاد الإسلام كلها، وعاد مرتدا داخلا دين النصرانية لأجل لطمة لطمها، وابن عباس أخفى حكم العول ما دام عمر حيا خوفا منه، واستدعى عمر امرأة ليسألها عن أمر وكانت حاملا، فلشدة هيبته ألقت ما في بطنها، ودفع عمر في صدر المقداد، ووطأ في السقيفة سعد بن عبادة، وحطم أنف الحباب بن المنذر، وتوعد من لجأ إلى دار فاطمة عليها السلام من الهاشميين وأخرجهم منها، وروي أيضا أن أخت عمر وبعلها أسلما سرا من عمر فوشي بهما واش إلى عمر فجاء دار أخته، فقال ختنه: أرأيت إن كان هو الحق؟ فوثب عليه عمر فوطأه وطئا عظيما، فجائت أخته فدفعته عنه، فنقحها بيده فدمى وجهها، وفي الصحيح إن نسوة كن عند رسول الله قد كثر لغطهن، فجاء عمر فهر بن منه، فقال لهن: يا عديات أنفسهن أتهبنني ولا تهبن رسول الله ص ؟ قلن نعم أنت غلظ فظ ورواه في البخاري (ج 8 ص 23). (3) قال ابن أبي الحديد (ج 1 ص 61 ط مصر) وكان عمر يفتي كثيرا بالحكم ثم ينقضه ويفتي بضده وخلافه. قضى في الجد مع الإخوة قضايا كثيرة مختلفة ثم خاف من الحكم في هذه المسئلة فقال: من أراد أن يقتحم جراثيم جهنم فليقل في الجد برأيه وقال مرة: لا يبلغني أن امرأة تجاوز صداقها صداق نساء النبي إلا ارتجعت ذلك منها، فقالت له امرأة: ما جعل الله لك ذلك أنه تعالى قال وآتيتم إحديهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا. فقال: كل الناس أفقه من عمر حتى ربات الحجال ومر يوما بشاب من فتيان الأنصار وهو ظمآن فاستسقاه فجدح له ماء بعسل فلم يشربه وقال: إن الله تعالى يقول أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا. فقال له الفتى: يا أمير المؤمنين إنها ليست لك ولا لأحد من أهل القبلة، إقرأ ما قبلها ويوم يعرض الذين كفروا على النار أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا. فقال عمر: كل الناس أفقه من عمر. وقيل: إن عمر كان يمس بالليل فسمع صوت رجل وامرأة في بيت فتسور الحائط فوجد امرأة ورجلا وعندهما (*)

ص 54

فقد اتبعوا. في دينهم وتحصيل يقينهم من أجمع على طهارته (1) وكرامته (2) وشرفه (3) وعلمه (4) وإمامته (5) أهل الإسلام، وهم الأئمة الهداة وسفن النجاة الذين ورد فيهم: إن المتمسك بهم لن يضل أبدا (6) وإن مثلهم كمثل سفينة نوح من ركبها نجى ومن تخلف عنها غرق (7) فلينظر الناصب الغريق المتشبث بكل حشيش، أي الفريقين أحق بالأمن، ثم ما روي من قول النبي صلى الله عليه وسلم: من تمسك بسنتي عند فساد أمتي فله أجر مأة شهيد (8) إنما ينطبق على حال الشيعة حيث

(هامش)

زق خمر فقال: يا عدو الله أكنت ترى أن الله يسترك وأنت على معصيته. قال: يا أمير المؤمنين إن كنت قد أخطأت في واحدة فقد أخطأت في ثلاث قال الله تعالى ولا تجسسوا وقد تجسست، وقال وأتوا البيوت من أبوابها وقد تسورت، وقال إذا دخلتم بيوتا فسلموا وما سلمت. (1) في المولد ونزاهته من رذائل الأخلاق ومذام الصفات ووسمة الكفر. (2) في النفس وقوة الروح وشدة الايمان. (3) بالنسب والسبب والحجى والأدب. (4) بالأحكام والأقضية وغيرهما. (5) بتقدمه على غيره وافتقارهم إليه واستغنائه عنهم. (6) إشارة إلى حديث الثقلين، وله أسانيد متضافرة. وسيجيئ الكلام فيه. وقد طبعت رسالة جامعة للأسانيد من كتب القوم ألفها بعض الفضلاء الأتقياء حرسه الله بعينه التي لا تنام، وقامت بطبعها جامعة دار التقريب بين المذاهب الإسلامية بمصر المحمية. (7) أخرجه ابن حجر في مجمع الزوائد في باب فضيلة أهل البيت (ج 9 ص 166 ط مصر) بأسانيد متعددة ومتون مختلفة، منها ما رواه أبو سعيد الخدري قال: سمعت النبي (صلعم) يقول: إنما مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح، من ركبها نجى، ومن تخلف عنها غرق، وإنما مثل أهل بيتي مثل باب حطة في بني إسرائيل من دخله غفر له. (8) ويقرب منه ما رواه في كنز العمال (الجزء الأول ص 194 ط حيدرآباد) بسنده المنتهي إلى أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلعم: المتمسك بسنتي عند فساد أمتي له أجر شهيد ومثله في هذا الجزء ص 192. (*)

ص 55

تمسكوا عند فساد الأمة وظهور الغمة (1) في زمان بني أمية وبني العباس وغيرهم، ممن ملك رقاب الناس بسنة النبي صلى الله عليه وسلم المنتهية إليهم بتوسط أولاده المعصومين المنزهين عن الكذب وساير الأرجاس، وأما السنة التي في أيدي المتسمين بأهل السنة فأكثرها موضوعات مأخوذة من غير مآخذها (2) متلقاة من منافقي الصحابة والجاهلين منهم بأكثر شرائط الرواية بل فاقدها، كما أشار إليه مولانا أمير المؤمنين عليه السلام في جواب سليم بن قيس الهلالي. قال سليم: (3) قلت لأمير المؤمنين عليه السلام: إني سمعت من سلمان والمقداد وأبي ذر شيئا من تفسير القرآن وأحاديث عن نبي الله صلى الله عليه وسلم غير ما في أيدي الناس (4) ثم سمعت منك تصديقك ما سمعت

(هامش)

(1) الغمة جمع الغمم الحزن والكرب. (2) وفي نسخة مخطوطة: من غير ناقدها. (3) وكتابه معروف طبع بمرات، وهو من أقدم الكتب عند الشيعة وأصحها، بل حكم بعض العامة بصحته أيضا وممن نقل عنه واعتمد عليه شيخنا أبو عبد الله النعماني ره في كتاب الغيبة، وشيخنا الصدوق ره في الفقيه والخصال، والكليني ره في الكافي، ومن العامة السبكي في كتابه محاسن الوسائل في معرفة الأوائل وقال فيه: إن أول كتاب صنف للشيعة هو كتاب سليم بن قيس إنتهى وسليم هو سليم بن قيس الهلالي أبو صادق العامري الكوفي التابعي، أدرك مولينا الأمير والحسنين والسجاد والباقر عليهم السلام أجمعين وتوفي حدود سنة 90 ويروي عنه أبان بغير مناولة، وفيروز بالمناولة. ونقل عن الصادق عليه السلام في حق هذا الكتاب أنه قال: من لم يكن عنده من شيعتنا ومحبينا كتاب سليم بن قيس الهلالي فليس عنده من أمرنا شيئ، ولا يعلم من أسبابنا شيئا وهو أبجد الشيعة وهو سر من أسرار آل محمد عليهم السلام. وقد حكى حجة الإسلام صدوق الطائفة هذا الخبر الشريف في كتاب الخصال عن كتاب سليم هذا واعتمد عليه. (4) وفي نسخة سليم المطبوعة بالنجف ص 83. بدل قوله: (وأحاديث عن نبي الله إلى قوله: في أيدي الناس) قوله: (من الرواية عن النبي عليه السلام): (*)

ص 56

منهم ورأيت في أيدي الناس أشياء كثيرة من تفسير القرآن ومن الأحاديث عن نبي الله صلى الله عليه وسلم أنتم تخالفونهم وتزعمون أن ذلك كله باطل أفترى الناس يكذبون على رسول الله صلى الله عليه وسلم متعمدين، ويفسرون القرآن بآرائهم؟ قال فأقبل علي فقال: قد سألت، فافهم الجواب، إن في أيدي الناس حقا وباطلا وصدقا وكذبا وناسخا ومنسوخا وعاما وخاصا ومحكما ومتشابها وحفظا ووهما، وقد كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم على عهده حتى قام خطيبا فقال: أيها الناس قد كثرت علي الكذابة فمن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار (1) ثم كذب عليه من بعده، وإنما أتاكم الحديث من أربعة ليس لهم خامس، رجل منافق مظهر للايمان متصنع بالاسلام لا يتأثم ولا يتحرج أن يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم متعمدا، فلو علم الناس أنه منافق كذاب لم يقبلوا منه ولم يصدقوه، ولكنهم قالوا: هذا قد صحب رسول الله ورآه وسمع منه وأخذ عنه ولا هم يعرفون حاله، وقد أخبره الله تعالى عن المنافقين بما أخبره ووصفهم بما وصفهم، وقال عز وجل: وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وأن يقولوا تسمع لقولهم (2) ثم بقوا بعده فتقربوا إلى أئمة الضلالة والدعاة إلى النار بالزور (3) والكذب والبهتان فولوهم الأعمال وحملوهم على رقاب الناس وأكلوا بهم الدنيا، وإنما الناس مع الملوك

(هامش)

(1) رواه في كنز العمال (ج 3 ص 355 حديث 3105) عن صحيح أبي يعلى، عن سعيد بن زيد، وعن صحيحي البخاري والمسلم. في حديث قال: رسول الله (صلعم): من كذب علي متعهدا فليتبوء مقعده من النار. وهذه الرواية الشريفة مما وردت بأسانيد عديدة في كتب الفريقين: بل قد ادعى بعض المحدثين تواترها اللفظي فإن لم يكن كذلك فالتواتر المعنوي مسلم فراجع. (2) سورة المنافقين. الآية 4. (3) الزور يقال: زور الكذب أي زينه. والكذب مخالفة الواقع في الخبر كان بالتزيين أو لم يكن. والبهتان، الافتراء. (*)

ص 57

والدنيا (1) إلا من عصمه الله، فهذا أحد الأربعة، ورجل سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا لم يحفظه على وجهه ووهم فيه، ولم يتعمد كذبا فهو في يده يقول به ويعمل به ويرويه فيقول: أنا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم فلو علم المسلمون أنه وهم فيه لم يقبلوه، ولو علم هو أنه وهم لرفضه، ورجل ثالث سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا أمر به ثم نهى عنه وهو لا يعلم أو سمعه ينهى عن شيئ ثم أمر به وهو لا يعلم فحفظ منسوخه ولم يحفظ الناسخ، فلو علم أنه منسوخ لرفضه، ولو علم المسلمون إذ سمعوه منه أنه منسوخ لرفضوه، وآخر رابع لم يكذب على الله تعالى ولا على رسوله صلى الله عليه وسلم مبغض للكذب خوفا من الله تعالى، وتعظيما لرسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينسه بل حفظ ما سمع على وجهه، فجاء به كما سمع لم يزد فيه، ولم ينقص منه، وعلم الناسخ من المنسوخ فعمل بالناسخ ورفض المنسوخ، فإن أمر النبي صلى الله عليه وآله مثل القرآن (2) ناسخ ومنسوخ وعام وخاص ومحكم ومتشابه، وقد كان يكون (3) من رسول الله صلى الله عليه وآله الكلام له وجهان، فكلام عام وكلام خاص مثل

(هامش)

(1) ونعم ما قيل: فإن الناس قد ذهبوا إلى من عنده ذهب * فمن لا عنده ذهب فعنه الناس قد ذهبوا

فإن الناس قد مالوا إلى من عنده مال * فمن لا عنده مال فعنه الناس قد مالوا

فإن الناس منفضة إلى من عنده فضة * فمن لا عنده فضة فعنه الناس منفضة

الناس عبيد الدينار والدراهم

(2) أي في بعض الجهات لا في كلها، فإن النسخ في القرآن والنسخ في الحديث يتفارقان في بعض الأمور، كما حقق في محله. (3) هذا بيان أن الرجل الرابع يوجه الحديث على معرفته بمعناه وما قصد به وما خرج لأجله، وقد يكون يوجهه على غير معرفته بمعناه وما قصد به لأجله، مثلا قوله: صلى الله عليه وآله من كنت مولاه فعلي مولاه الخ، نقله الموافق والمخالف: وهو كلام صدر عنه ولم يهم فيه الناقل، وليس مما يقبل النسخ إلا أن الموافق حمله على (*)

ص 58

القرآن، وقال الله عز وجل: ما آتاكم الرسول فخذوه، وما نهاكم عنه فانتهوا (1) فيسمعه من لا يعرف ما عني الله به، ولا ما عني به رسول الله صلى الله عليه وآله، فيحمله السامع ويوجهه على غير معرفة بمعناه، وما قصد به وما خرج لأجله [من أجله خ ل]، فيشتبه على من لم يعرف ولم يدر ما عني الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم وليس كل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسأله عن الشيئ فيفهم، وكان منهم من يسأله ولا يستفهمه، حتى أن كانوا ليحبون أن يجيئ الأعرابي (2) والطاري فيسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا كل يوم دخلت عليه وكل ليلة دخلت عليه فيخليني فيها أدور (3) معه حيث دار، وقد علم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لم يصنع ذلك بأحد من الناس غيري، فربما كان في بيتي وكنت إذا دخلت عليه بعض منازله أخلا بي، وأقام عني نساءه فلا يبقى عنده غيري، وإذا أتاني للخلوة معي في منزلي لم يقم عني فاطمة ولا أحد من بني، وكنت

(هامش)

ما هو معناه وما قصد به، وما خرج لأجله، والمخالف حمله على غير ذلك، وقد ظهر بما ذكرنا أنه ليس رجل خامس في نقل الحديث كما لا يخفى. (1) الحشر الآية 7. (2) الأعرابي منسوب إلى الأعراب، يقال: رجل أعرابي إذا كان بدويا وإن لم يكن من العرب، والعربي منسوب إلى العرب، ويقال: رجل عربي إذا كان من العرب، وإن لم يكن بدويا، كما يقال: رجل أعجم وعجمي إذا كانت في لسانه عجمة وإن كان من العرب، ويقال أيضا: رجل عجمي أي منسوب إلى العجم وإن كانت فصيحا. كذا يستفاد من كلمات السجستاني في الغريب ومن القاموس والنهاية والصحاح وغيرها. (3) ومن ثم قيل: علي مع الحق والحق مع علي، يدور معه حيثما دار. وفي كتب القوم عدة روايات تدل عليها، منها ما نقله القندوزي البلخي في ينابيع المودة (ص 91 ط اسلامبول) عن كتاب الحمويني عن ابن عباس، قال: قال رسول الله (صلعم) الحق مع علي حيث دار انتهى، وفي كتاب التذكرة لسبط بن الجوزي البغدادي ص 38 قال النبي (صلعم): اللهم أدر الحق مع علي حيث ما دار وكيف ما دار. (*)

ص 59

إذا سألته أجابني، وإذا سكت وفنيت مسائلي ابتدأني، فما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وآله آية من القرآن إلا أقرأنيها وأملاها علي فكتبتها بخطي وعلمني تأويلها وتفسيرها وناسخها ومنسوخها ومحكمها ومتشابهها وخاصها وعامها، ودعا الله أن يملأ قلبي علما وفهما وحكما ونورا، فقلت يا نبي الله: بأبي أنت وأمي، منذ دعوت الله لي بما دعوت لم أنس شيئا ولم يفتني شيئ لم أكتبه، أفتتخوف علي النسيان فيما بعد فقال: لا لست أتخوف النسيان والجهل. إنتهى كلامه عليه الصلوة والسلام، وأما قوله: والناس على دين ملوكهم إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم (1) فالمستثنى منه فيه إنما ينطبق على الشيعة الذين وصفهم الناصب في مواضع من جرحه هذا بالقلة والشذوذ دون أصحابه الذين افتخر بكثرتهم وعمومهم، وإنهم السواد الأعظم فالتعريض الذي قصده في هذه الفقرة قد رجع إليه كما لا يخفى، وأما قوله: وقد ذكر في مفتتح ذلك الكتاب أنه حاول بتأليفه إظهار الحق وبيان خطاء الفرقة الناجية من أهل السنة (الخ): ففيه إيهام أن المصنف قدس سره حاول بيان خطاء أهل السنة مع وصفه إياهم بأنهم الفرقة الناجية، وهذا كذب بحث (2) لأن خطاء الفرقة الناجية غير معقول، وبالجملة الوصف بالنجاة مما أضافه الناصب في أثناء تقرير كلام المصنف التحرير على طريقه، قصد تقرير سعر المتاع في خلال المشاحة والنزاع (3) ثم في قوله: وقد ألفه في أيام دولة السلطان غياث الدين اولجايتو محمد خدابنده غفلة عظيمة، حيث لقب مروج مذهب الإمامية الذين هم مبتدعة عنده بغياث الدين، اللهم إلا أن يقال: إنه لقبه بذلك على طريقة تسمية الشيئ باسم ما كان أو يكون، لما افتراه في حاشية

(هامش)

(1) اقتباس من قوله تعالى في سورة ص الآية 24. (2) البحت، الخالص الذي لا يشوبه شيئ. (3) وهذا يساوق ما يقال في الفارسية: در أثناء نزاع تعيين نرخ ميكند. (*)

ص 60

شرحه على السلطان الفاضل المستبصر بالدليل، من رجوعه آخرا عن ذلك السبيل، وأما ما أشار إليه من أن شيوع مذهب الشيعة في ذلك الزمان إنما كان بمجرد اتباع ميل السلطان، من غير دلالة حجة وبرهان مردود، بما أشرنا إليه سابقا من فضيلة هذا السلطان، وأنه كان من أهل البصيرة والفحص عن حقائق المذاهب والأديان، وأن نقل للمذهب وتغيير الخطبة والسكة إنما وقع بعد ما ناظر المصنف العلامة الهمام، علماء سائر المذاهب وأوقعهم في مضيق الالزام والافحام، وأثبت عليهم حقية مذهب أهل البيت الكرام، فمن اختار مذهب الإمامية في تلك الأيام كان المجتهد دليله (1) وظهور الحق بين أظهر الناس سبيله، فكانوا آخذين عن المجتهد وسلوكه، لا عمن روج المذهب من ملوكه، فلا يتوجه هيهنا ما كان يتوجه في بعض الملوك وسلوكهم، أن عامة الناس يأخذون المذاهب من السلاطين وسلوكهم، والناس على دين ملوكهم، والحاصل أن السلطان المغفور المذكور لم يكن مدعيا لخلافة النبي صلى الله عليه وسلم، ولا كان له حاجة في حفظ سلطنته إلى ما ارتكبه ملوك تيم وعدي وبني أمية وبني العباس، من هضم أقدار أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم وتغيير ديته أصولا (2) وفروعا (3) ترويجا لدعوى خلافتهم، وليسلك الناس مسلكهم من

(هامش)

(1) أي كان المجتهد الذي رجع إليه هو دليله. (2) كالقول بقدم القرآن والكلام النفسي، والجبر في الأفعال، وقدم صفات الفعل. والتجسم وجواز الرؤية، وعدم اشتراط العصمة في الأنبياء، وتجويز القبيح العقلي في حقه تعالى ونحوها. (3) كابتداع صلاتي الضحى والتراويح: والقول بالعول والتعصيب، وتحريم طواف النساء ومتعتهن: والمسح على الخفين، وترك الحيعلة العملية في الأذان، وطهارة جلد الكلب بالدباغ، وإلحاق الولد بالزوج مع عدم الدخول، ونحوها مما تضحك منها ربات الخدور وتستهزئ بها أوائل العقول، بل البهائم العجم. (*)

ص 61

مخافتهم، بخلاف هؤلاء الذين تقمصوا (1) الملك والخلافة، وابتلوا الدين بكل بلية وآفة، فحرفوا كتاب الله وغيروا سنة رسول الله، متعمدين بخلافه، ناقضين لعهده، مبالغين في محو آثار أهل بيته، مهتمين في غصب حقهم وأخذ مستحقهم (2) ليوقعوا بذلك في أوهام الناس أنهم من أصحاب الرأي والاجتهاد، المطلعين على أسرار شريعة النبي صلى الله عليه وآله وأحكامها [خ ل المسطلعين] المتطلعين لطلع (3) الخلافة من أكمامها (4) وليتدرجوا إلى إذلال أهل البيت وخفض معاليهم، وتشتت شملهم (5) وتفرق مواليهم، فيتم الأمر لهم بلا منازع، كما أشار إليه مولانا أمير المؤمنين عليه السلام في أثناء بعض خطبه (6) مقبلا بوجهه إلى من كان حوله من أهل بيته وخاصته وشيعته، فقال: قد عملت الولاة قبلي أعمالا، خالفوا فيها رسول الله صلى الله عليه وآله

(هامش)

(1) إشارة إلى كلام علي عليه السلام في خطبته الغراء المشتهرة بالشقشقية التي ألقاها بمعشر من المهاجرين والأنصار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله: وهي مما تنفس فيه الصعداء وتنفث تنفث المصدور وبث الشكوى من كبد حراء وأراق الدموع من العيون، وأعلى الزفرات، فيالها من خطبة كادت أن تنصدع منه الجبال الشوامخ وتتفطر منها الرواسخ!! (2) ولله در شاعر أهل البيت دعبل الخزاعي حيث يقول: أرى فيئهم في غيرهم متقسما * وأيديهم من فيثهم صفرات. (3) الطلع. شيئ يخرج من النخل كأنه نعلان مطبقان: (4) الكم بالكسر الغلاف الذي يحيط بالطلع فيستره، ولا يخفى لطف الاستعارة حسون التشبيه في هذه العبائر. (5) قال دعبل المذكور ويشير إلى تفرقهم وخلو منازلهم الشريفة منهم. مدارس آيات خلت من تلاوة * ومنزل وحي مقفر العرصات. (6) هذه الخطبة الشريفة مذكورة في كتاب سليم بن قيس الكوفي الهلالي (ص 130 ط نجف) بأدنى تفاوت، وقد مر اعتبار ذلك الكتاب وترجمة سليم فليراجع، وتقرب منه خطبة أخرى له عليه السلام مذكورة في ذلك الكتاب ص 121. (*)

ص 62

معتمدين بخلافه، ناقضين لعهده، مغيرين لسنته، ولو حملت الناس على تركها، وحولتها إلى مواضعها، وإلى ما كانت في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله لتفرق عني جندي حتى أبقى وحدي، أو مع قليل من شيعتي الذين عرفوا فضلي وفرض إمامتي من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وآله، ثم في قوله: فإن جل كتابه مشتمل على مطاعن الخلفاء الراشدين (الخ) إهمال وإخلال، وحق العبارة أن يقال: بعض الخلفاء (1) لظهور أن المصنف قدس سره من خلص (2) شيعة علي عليه السلام فلا يطعن فيه، وحينئذ ينبغي ترك الوصف بالراشدين، إذ الخصم لا يسلم رشد من عدا علي عليه السلام في الدين، وكذا الكلام في وصف أئمته بالمرضيين، وعلمائه بالمجتهدين (3) وأما ما نقله عن بعض الظرفاء (4) في تمثيل قدح المصنف على خلفاء أهل السنة وأئمتهم ومجتهديهم، بمقال جرى بين الجمال وبعض الجمال، فلا يخفى على الظرفاء الأذكياء عدم مناسبته بالمصنف المكنى بابن المطهر، وكونه من أناس يتطهرون، وإنما يناسب ذلك حال الأنجاس، من الناصبة الذين لا يبالون بالبول قائما كالجمال، وفي إزالة البول والغائط لا يوجبون الاغتسال بل يمسون أنفسهم كالحمار على الجدار، ويمسحون أخفافهم (5) في وضوئهم ولو وطئت الأقذار وأشد مناسبة من بين هؤلاء

(هامش)

(1) وذلك لأن الجمع المعرف باللام يفيد العموم. (2) الخلص. جمع الخالص وهو المحض الصافي. (3) فواعجبا! كيف يصف الرجل علماء القوم بالمجتهدين، بعد انسداد باب الاجتهاد عندهم، ولزوم تقليد أحد أئمتهم الأربعة على كل مسلم وإن بلغ ما بلع من العلم؟! اللهم إلا أن يريد بالاجتهاد معناه اللغوي. (4) من قوله: إن الجمال سأل جملا الخ. (5) المسح على الخفين قد اشتهر من مذهبهم، وقد نطقت كلمة أهل البيت عليهم السلام ببطلانه، وعدم جواز المسح إلا على البشرة،، وكذا أفتى فقهاء الشيعة تبعا لهم عليهم السلام. (*)

ص 63

الأنجاس هذا الناصب الرجس الفضول الذي سمي بالفضل، ومسماه فضلة فضول آخر، وقد خرج عن مزبلة فمه بعرة الجمل مرة وخرء الكلب أخرى (1) أما ما أنشده وذكره من مدحه للأئمة المهديين الاثنى عشر عليهم السلام، فإنما ذلك حيلة وتلبيس منه، لدفع (2) تهمة النصب الذي قد انخفض (3) به في نظر أهل زمانه، ولا اختصاص لهذا الناصب بذلك اللوم، فإن قلب أكثر نحلته في الأمس واليوم، خالية عن حب أهل البيت (4) ومشكاة صدورهم (5) فاقدة لهذا الزيت، ولقد أظهر القاضي ابن خلكان (6) هذ الداء الدفين الذي ورثه من بغاة صفين، حيث

(هامش)

(1) ونعم ما قال بعض علماء الأخلاق: إن السباب والفحش التي تخرج من فم الإنسان ما أشبهها بخرء الكلاب إن كانت شديدة، وببعرة المواشي إن كانت خفيفة!. (2) لا يخفى على من له أدنى درية بأساليب الكلام أن الرفع أنسب من الدفع في هذا المقام وكأنه من تصحيفات أولي الأقلام. منه قده . (3) لا يخفى لطف تقابل النصب والخفض. (4) وإني لقيت عدة من علماء المذاهب الأربعة كالسيد إبراهيم الراوي ببغداد والسيد محمد رشيد رضا المصري صاحب المنار زمن تسفيره إلى العراق والسيد ياسين الحنفي مفتي كربلا والسيد علي خطيب النجف والسيد محمود شكري الآلوسي وجمال الدين العاني والشيخ عبد السلام الكردي السنندجي والشيخ نور الدين الشافعي المشتهر بالنوري والشيخ داود الحلي الأصل وغيرهم، فما رأيت منهم أحدا اشتبه عليه الأمر واطلخم وأظلم، بل ألفيته متيقنا لحقية أهل البيت عليهم السلام ولكنه غير مظهر لذلك عند أشياعه، بغضا وعنادا أو حبا للجاه وملاذ الدنيا وزبرجها وزخرفها ومشتهياتها أو تقية من صناديد قومه ووجدت أكثرهم صفر القلوب من حب آل الرسول (ص) للنصب الدفين والداء العياء كما ذكره القاضي الشهيد قده (5) مضمونه متخذ من آية النور في سورة النور الآية 35. (6) هو أبو العباس أحمد بن محمد بن إبراهيم الإربلي القاضي المشتهر بابن خلكان الشافعي المتوفى 26 رجب سنة 681 بدمشق ودفن بسفح جبل قاسيون، وله تأليفات كثيرة أشهرها وفيات الأعيان. (*)

ص 64

قال في كتابه المشهور والموسوم بوفيات الأعيان عند ذكر ترجمة علي بن جهم القرشي (1) وكونه منحرفا عن علي عليه السلام: إن محبة علي لا تجتمع مع التسنن، هذا كلامه بعبارته الملعونة التي قصد بها الاعتذار عن انحراف ابن جهم المذكور، والفكر فيهم طويل، وأما ما زعمه الناصب من وقوع ثناء أئمة أهل البيت عليهم السلام على الصحابة والخلفاء الثلاثة، فليس على ظاهره وإطلاقه، ولعله غفل عن مغزى (2) كلامهم ومساقه على ما سيجري عليه القلم إن شاء الله تعالى مشمرا عن ساقه، وأما ما ذكر: من أن ما ذكر صاحب كتاب كشف الغمة فيه إنما ذكره نقلا عن كتب الشيعة لاعن كتب السنة، فهو أول أكاذيبه الصريحة، ومفترياته الفضيحة، التي حاول بها ترويج مذهبه الفاسد وتصحيح مطلبه الكاسد، ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا ليضل الناس بغير علم إن الله لا يهدي القوم الظالمين (3) ولا يستبعد ذلك من الناصب الشقي، فقد أباح بعض أعاظم أصحابه وضع الحديث لنصرة المذهب

(هامش)

(1) هو علي بن جهم بن بدر الشاعر المتوفى سنة 249 وكان من ندماء المتوكل العباسي منحرفا عن علي عليه السلام وكافة أهل البيت، معروفا ببغضهم والميل عنهم. وذكر الخطيب وابن خلكان وغيرهما مطاعن في حقه فليراجع. ثم إنك أيها القارئ الكريم المنصف، لو نظرت إلى كتب القوم في الرجال والتراجم والسير لرأيت أمرا مهولا عجيبا فلاحظ حال ابن حجر في الدرر والذهبي في التهذيب والميزان وتذكرة الحفاظ، والخزرجي في الخلاصة، وأبو حاتم في الجرح والتعديل والفتني في المغني وابن عساكر في تاريخ دمشق، وغيرهم في غيرها، حيث إنهم يصفون رجلا بالزهد والورع والتقي ويقدحون فيه بقولهم: إنه كان شيعيا أو يتشيع. وهذا هو البخاري ينقل عن أشد الخوارج الخارجين عن حوزة المسلمين ويعتمد عليه ولا يعتني بالشيعة، وما ذلك إلا للداء الدفين. الذي أشار إليه سيدنا ومولينا القاضي الشهيد قده . (2) غزاه غزوا. أراده وطلبه وقصده ومغزى الكلام مقصده. ق. (3) الأنعام. الآية 144. (*)

ص 65

كما ذكره الحافظ عبد العظيم المنذري الشافعي (1) في آخر كتابه المسمى بالترغيب والترهيب وغيره في غيره. وإنما قلنا بكذب ما ذكره في شأن صاحب كتاب كشف الغمة: لأنه صرح بخلاف ذلك في خطبة كتابه، وقال: اعتمدت في الغالب النقل من كتب الجمهور ليكون أدعى إلى تلقيه بالقبول، وأوفق برأي الجميع متى رجعوا إلى الأصول، ولأن الحجة متى قام الخصم بتشييدها، والفضيلة متى نهض المخالف بإثباتها وتقييدها، كانت أقوى يدا وأحسن مردا (2) وأصفى موردا، وأورى (3)

(هامش)

(1) قال عبد العظيم. إن نعيم بن حماد الخزاعي المروزي الإمام المشهور قال: الأزدي كان يضع الحديث في تقوية السنة انتهى منه قده أقول: وقال الشريف الجرجاني في حاشية الكشاف، أنه سئل رجل كان يروي فضائل سور القرآن: من أين تروي هذا وتنسبه إلى النبي صلى الله عليه وآله؟ أوما سمعت قوله (ص): من كذب علي فليتبوء مقعده من النار؟! قال: ما كذبت عليه بل كذبت له، حيث رأيت الناس معرضين عن كتاب الله فأردت أن أحثهم إليه، وما أكثر من الوضاعين في طرق روايات القوم، فلله در العلامة السيد محمد بن عقيل العلوي الحضرمي من مشايخنا في الإجازة المتوفى سنة 1350 حيث أفاد وأجاد وأتى فوق المراد في كتابه العتب الجميل على أهل الجرح والتعديل وكذلك سيدنا الشريف الغطريف السيد عبد الحسين شرف الدين في كتاب أبي هريرة وغيره، والمنذري في طبقات المدلسين، والقاوقچي في اللؤلؤ المصنوع، والسيوطي في الموضوعات، والدمشقي في مزيل الخفا: وابن الديبع في الموضوعات إلى غير ذلك من أعلام الفريقين. ثم إن عبد العظيم كان شيخ الإسلام ببلاد مصر وتوفي سنة 656، وكتابه الترغيب والترهيب قد طبع بمصر. مرات: (2) قال الله تعالى في سورة مريم: والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير مردا، قال الطبرسي: أي خير مرجعا وعاقبة، وخير منفعة من قولهم: ليس لهذا إلا مرد، وهو أرد عليك أي أنفع انتهى: منه ره أقول الآية 76 من تلك السورة: (3) من ورت النار اتقدت. (*)

ص 66

زنادا (1) وأثبت قواعد، وأركانا وأحكم أساسا وبنيانا، وأقل شانئا، وأعلى شأنا، والتزم بتصديقها وإن أرمضته (2) وحكم بتحقيقها وإن أمرضته، وأعطى القياد وإن كان حرونا (3) وجرى في سبيل الوفاق وإن كان حزونا (4) ووافق ويود لو قدر على الخلاف، وأعطى النصف من نفسه وهو بمعزل عن الانصاف ولأن نشر الفضيلة حسن لا سيما إذا نبه عليه الحسود، وقيام الحجة بشهادة الخصم أو كد، وإن تعددت الشهود. شعر: ومليحة شهدت لها ضراتها * والفضل ما شهدت به الأعداء ونقلت من كتب أصحابنا ما لم يتعرض له الجمهور إنتهى ما قصدنا نقله من كتاب كشف الغمة، وهو صريح في كذب الشارح الناصب وانحرافه وتحريفه كما قلناه، وكذا الحال فيما نقله عن رأس التعصب والحيف من حديث حلية السيف، إذ ليس في ذلك الكتاب عنه خبر ولا عين ولا أثر (5) وأيضا لا مناسبة لذكر ذلك في هذا

(هامش)

(1) جمع زند وهي العود الأعلى الذي يقتدح به النار. (2) أرمضه: أوجعه وأحرقه. ق. قال الجوهري: ارتمضت من كذا اشتد علي وأقلقني وارتمضت كبده: فسدت، وارتمضت لفلان: حزنت له. (3) حرون: الفرس الواقف الذي لا يتحرك من مكان. (4) حزون: المكان الغليظ، والأرض المختلفة السطوح. (5) الحديث قد وجدناه في النسخة المخطوطة الموجودة عندنا، ولعله كان ساقطا عن نسخة المصنف على أنه قده كان حين الاشتغال بتأليف هذا الكتاب في حصار التقية وضغط المخالفين كما أشار إليه في آخر هذا الكتاب، ولم تكن الكتب تحت يده: بل على ما سمعناه أنه ألف أكثره عن ظهر القلب، وعليه فالأنسب في رد الفضل ما ذكره القاضي ثانيا من حمله على التقية، بل الحديث صريح فيها ويزيد في ضعفه أنه نقل على نحو الارسال وما يوجد في بعض النسخ من ذكره مسندا لا يسمن ولا يغني، إذ بعض المذكورين في السند من المجاهيل وبعضهم من الوضاعين والمدلسين حسب اعتراف القوم.

ص 67

الكتاب المقصور على ذكر النبي صلى الله عليه وآله والأئمة الاثني عشر عليهم السلام، وذكر أسمائهم وكناهم وأسماء آبائهم وأمهاتهم ومواليدهم ووفياتهم ومناقبهم ومعجزاتهم كما لا يخفى على من طالع ذلك الكتاب، ولو أغمضنا عن ذلك كله نقول: لقائل أن يحمل ذلك الكلام منه عليه السلام على التقية عن بعض المخالفين الحاضرين في مجلسه الشريف، ومع ذلك لا يكون مقصوده عليه السلام الاحتجاج بفعل أبي بكر، بل بكونه مقررا بتقرير النبي صلى الله عليه وآله بأن يكون معنى قوله عليه السلام: قد حلى أبو بكر سيفه بالفضة، أنه فعل ذلك في زمان النبي صلى الله عليه وآله وقرره عليه، فالحجة حقيقة في تقرير النبي صلى الله عليه وآله لا في فعل أبي بكر. وأما ما نقله الناصب بعد ذلك من حديث تولد مولانا أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام فليس في المنقول عنه وصف أبي بكر بالصديق (1) وإنما المذكور فيه في باب أحواله ومناقبه مجرد قوله: ولقد ولدني أبو بكر مرتين، ولا إشعار لسوقه هناك أيضا بما يفيد الثناء والتعظيم بل الظاهر أنه ذكر ذلك عند تفصيل حال الآباء والأمهات من غير إرادة الافتخار والمباهات. وأما استناده بالحديث الذي رواه عن الحاكم أبي عبد الله النيشابوري فمن قبيل استشهاد الثعلب بذنبه، فإنه أيضا عندنا من جمهور ذوي الأذناب، وأما ما نقل من ميله إلى التشيع إنما كان بمجرد قدحه في عثمان فقط دون أبي بكر، وعمر،

(هامش)

(1) التعبير بالصديق وقع في كلام الحافظ عبد العزيز بن الأخصر الجنابذي من علماء الجمهور لا في كلام الصادق عليه السلام، وكأنه خلط الأمر على الفضل واشتبه حيث أسند التوصيف بالصديق إلى الإمام عليه السلام مع أن كلام الإمام هكذا على ما نقله في كشف الغمة عن الجنابذي: ولقد ولدني أبو بكر مرتين ويحتمل قويا أن يكون الفضل دلس في متن الخبر ليروج متاعه كما هو ديدن أبناء السنة في أكثر كتبهم، والأمر واضح لمن كان من فرسان مضمار التتبع والإحاطة بكلماتهم ولمن عاشر علمائهم وحضر نواديهم. (*)

ص 68

كما صرح به الذهبي (1) الشافعي ذهب الله بنوره (2) في بعض تصانيفه، وغيره في غيره، وهذا القدر لا يوجب التشيع المانع عن وضع الحديث في مناقب أبي بكر على أن سوق الحديث المذكور صريح في صدوره على وجه التقية، إذ الظاهر كون ما روى عنه عليه السلام جوابا عن سؤال من اتهمه بسب أبي بكر، ودفع تلك التهمة لم يمكن بأدنى من ذلك كما لا يخفى، مع أن كلامه عليه السلام قد وقع على اسلوب جوامع الكلم حيث قال: الصديق جدي يعني من جانب الأم، ثم أظهر إنكار سب الآباء يعني لا من ذلك الجانب، فإن إطلاق الأب على الجد من قبل الأم إطلاق مجازي (3) على ما يدل عليه كلام الناصب في ما سيأتي من مبحث الميراث، وأيضا إنما نفى عليه السلام السب، وقد سمعت منا أن السب بمعنى الشتم لا يجوز عند آحاد الإمامية أيضا بالنسبة إلى أحد، وإنما المجوز اللعن، ولما اتهمه السائل المخالف بالسب الذي استعملوه في الأعم من الشتم واللعن، غالطه عليه السلام بنفي السب مستعملا له في معناه الأصلي الذي هو الشتم فقط كما مر، فلا يلزم من كلامه عليه السلام نفيه للعن، على أنه لا مانع شرعا ولا عقلا من لعن المؤمن، بل المسلم بل الكافر آباءه إذا كانوا ظالمين، ألا لعنة الله على الظالمين (4).

(هامش)

(1) هو محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز الدمشقي التركماني الشافعي المتعصب المتوفي سنة 848، وله كتاب ميزان الاعتدال وسير النبلاء والتهذيب وتاريخ الإسلام وغيرها والرجل معروف بالانحراف عن أهل البيت عليهم السلام والتحامل على الشيعة فلا قيمة لما ينفرد في نقله. (2) متخذ من قوله تعالى في سورة البقرة: الآية 17. (3) لا يخفى أن الموجود في كلام الحاكم هكذا: ومن أولاد البنات جعفر بن محمد الصادق (ع) وكان يقول: أبو بكر جدي، أفيسب الرجل جده لا قدمني الله إن لم أقدمه. وأنت ترى أن هذه العبارة لم تشتمل على إطلاق لفظة أب ولكن مخائل التقية عليها لائحة كالنار على المنار. (4) كما في قوله تعالى في سورة هود الآية 18. (*)

ص 69

وأما الدعاء بجملة لا قدمني الله إن لم أقدمه. فمع ظهور مخائل الوضع عليه، لعدم ظهور ارتباطه بما قبله، يمكن أن يحمل على نحو من التقديم كتقديمه في الزمان، أو تقديمه على عمر وعثمان مثلا في إظهار الايمان، فلا دلالة له على تقديمه على علي عليه السلام كما توهمه الناصبة، ولا يستبعدن عنهم عليهم السلام صدور أمثال هذه الكلمات الإيهامية الجامعة في مقام التقية ومغالطة أهل الخلاف والعصبية، فقد صدر عنهم أكثر من ذلك وأظهر: منها ما روى (1) أنه سأل رجل من المخالفين

(هامش)

(1) ويقرب منه ما رواه في مستدرك الوسائل (ج 2 ص 376 ط طهران): جاء رجل إلى علي بن محمد عليه السلام فقال: يا ابن رسول الله بليت اليوم بقوم من عوام البلدة فأخذوني وقالوا: أنت لا تقول بإمامة أبي بكر بن أبي قحافة؟، فخفتهم يا ابن رسول الله وأردت أن أقول: بلى: أقولها للتقية، فقال لي بعضهم، ووضع يده على فمي وقال: أنت لا تتكلم إلا بمخوفة أجب عما لقنك قلت: قل فقال لي: أتقول إن أبا بكر بن أبي قحافة هو الإمام بعد رسول الله صلى الله عليه وآله إمام حق عدل ولم يكن لعلي عليه السلام حق البتة، قلت: نعم وأنا أريد نعما من الأنعام الإبل والبقر والغنم، فقال: لا اقنع بهذا حتى تحلف، قل، والله الذي لا إله إلا هو الطالب الغالب العدل المدرك العالم من السر ما يعلم من العلانية فقلت: نعم وأريد نعما من الأنعام، فقال: لا أقنع منك إلا أن تقول أبو بكر بن أبي قحافة هو الإمام، والله الذي لا إله إلا هو، وساق اليمين فقلت: أبو بكر بن أبي قحافة إمام أي هو إمام من ائتم به واتخذه إماما والله الذي لا إله إلا هو ومضيت في صفات الله، فقنعوا بهذا مني وجزوني خيرا، ونجوت منهم فكيف حالي عند الله؟ قال: خير حال قد أوجب الله لك مرافقتنا في عليين لحسن تقيتك إنتهى . وتقرب منه عدة روايات نقلها شيخ مشايخنا الإسلام النوري قده في تلك الصة من هذا الجزء من كتابه مستدرك الوسائل وكذا شيخنا العلامة الحاج الشيخ محمد باقر البيرجندي قده في تعاليقه على كتاب الوسائل، وكذا شيخنا واستاذنا العلامة الشريف أبو محمد الحسن صدر الدين الكاظمي في شرحه للوسائل وغيرهم في غيرها. (*)

ص 70

عن الإمام الصادق عليه السلام وقال: يا ابن رسول الله ما تقول في أبي بكر وعمر: فقال عليه السلام: هما إمامان عادلان قاسطان كانا على الحق، وماتا عليه، فعليهما رحمة الله يوم القيامة، فلما انصرف الناس قال له، رجل من خاصته: يا ابن رسول الله لقد تعجبت مما قلت في حق أبي بكر وعمر! فقال: نعم، هما إماما أهل النار كما قال الله سبحانه: وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار (1) وأما القاسطان فقد قال الله تعالى: وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا (2) وأما العادلان فلعدولهم عن الحق كقوله تعالى ثم الذين كفروا بربهم يعدلون (3) والمراد من الحق الذي كانا مستوليين عليه هو أمير المؤمنين عليه السلام حيث أذياه وغصبا حقه عنه، والمراد من موتهما على الحق أنهما ماتا على عداوته من غير ندامة عن ذلك، والمراد من رحمة الله، رسول الله صلى الله عليه وآله، فإنه كان رحمة للعالمين (4) وسيكون خصما لهما ساخطا عليهما منتقما منهما يوم الدين. وبما قررناه اندفع أيضا العجب الذي فرعه الناصب على تلك الأحاديث الموضوعة تعصبا وحيفا وظهر أن سؤاله للعصمة عن التعصب وذمه إياه: بأنه ساء الطريق وبئس الرفيق، من قبيل المثل المشهور: الشعير يؤكل ويذم (5) وأما ما ذكره في وجه إعراض علماء السنة عن رد كلام المصنف من الوجهين،

(هامش)

(1) القصص: الآية 41. (2) الجن الآية 15. (3) الأنعام. الآية 1. (4) إشارة إلى قوله تعالى في سورة الأنبياء. الآية 107. (5) مثل معروف يضرب في ما فعل الرجل فعلا ثم ذمه، أو كان متصفا وواجدا صفة ثم يذمها، وقد ذكر المثل في فرائد الأدب ص 1070 وفي غيره من كتب الأمثال. (*)

 

الصفحة السابقة الصفحة التالية

شرح إحقاق الحق (ج1)

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب