ص 421
(هامش)
عظيم الثواب وأو عده على معصيته العقاب فخالف العبد إرادة مالكه ولم يقف أمره
ونهيه، فأي أمر أمره به أو نهي نهاه عنه لم يأته على إرادة المولى بل كان العبد
يتبع إرادة نفسه وبعثه في بعض حوائجه، وفيما الحاجة له فصدر العبد بغير تلك الحاجة
خلافا على مولاه وقصد إرادة نفسه واتبع هواه فلما رجع إلى مولاه نظر إلى ما آتاه
فإذا هو خلاف ما أمره، فقال العبد اتكلت على تفويضك الأمر إلي فاتبعت هواي وإرادتي
لأن المفوض إليه غير محظور عليه لاستحالة اجتماع التفويض والتحظير، ثم قال (ع) فمن
زعم أن الله تعالى فوض قبول أمره ونهيه إلى عباده فقد أثبت عليه العجز وأوجب عليه
قبول كل ما عملوا من خير أو شر وأبطل أمر الله ونهيه. ثم قال (ع): إن الله خلق
الخلق بقدرته وملكهم استطاعة ما تعبدهم من الأمر والنهي، وقبل منهم اتباع أمره ورضي
بذلك منهم ونهاهم عن معصية وذم من عصاه وعاقبه عليها، ولله الخيرة في الأمر والنهي
يختار ما يريد ويأمر به وينهى عما يكره ويثيب ويعاقب بالاستطاعة التي ملكها عباده
لاتباع أمره واجتناب معاصيه، لأنه العدل ومنه النصفة والحكمة بالغ الحجة بالاعذار
والانذار، وإليه الصفوة يصطفي من يشاء من عباده اصطفى محمدا (ص) وبعثه بالرسالة إلى
خلقه. ولو فوض اختيار أمره إلى عباده لأجاز لقريش اختيار أمية ابن أبي الصلت وأبي
مسعود الثقفي إذ كانا عندهم أفضل من محمد (ص)، لما قالوا لولا نزل هذا القرآن على
رجل من القريتين عظيم يعنونهما بذلك فهذا هو القول بين القولين ليس بجبر ولا تفويض.
بذلك أخبر أمير المؤمنين (ع) حين سأله عتابة بن ربعي عن الاستطاعة، فقال أمير
المؤمنين (ع): تملكها من دون الله أو مع الله؟ فسكت عتابة ابن ربعي، فقال له: قل يا
عتابة، قال: وما أقول؟ يا أمير المؤمنين، قال: تقول تملكها بالله الذي يملكها من
دونك، فإن يملكها كان ذلك من عطائه وإن سلبكها كان ذلك من بلائه هو المالك لما ملك
والمالك لما عليه أقدرك، أما سمعت الناس يسألون الحول والقوة حيث يقولون: لا حول
ولا قوة إلا بالله، فقال الرجل وما تأويلها يا أمير المؤمنين قال لا حول منا عن
معاصي الله إلا بعصمة الله ولا قوة لنا عن طاعة الله إلا بعون الله قال: فوثب الرجل
فقبل يده ورجليه. والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة. (*)
ص 422
قال المصنف رفع الله درجته
المطلب الرابع في أن الله تعالى يفعل لغرض وحكمة 
قالت
الإمامية: إن الله تعالى إنما يفعل لغرض (1) وحكمة وفائدة ومصلحة ترجع إلى المكلفين
ونفع يصل إليهم. وقالت الأشاعرة: إنه لا يجوز أن يفعل شيئا لغرض ولا لمصلحة ترجع
إلى العباد ولا لغاية من الغايات، ولزمهم من ذلك محالات، منها أن يكون الله تعالى
لاعبا عابثا (2) في فعله فإن العابث ليس إلا الذي يفعل لا لغرض وحكمة
(هامش)
(1) مسألة كون أفعاله تعالى معللة بالأغراض والغايات مما وقع التشاجر فيه بين
المسلمين فأصحابنا والمعتزلة وابن هيثم من قدماء الأشاعرة وضياء الدين البلخي من
متأخريهم ذهبوا إلى كونها معللة بحكم ومصالح وغايات عائدة إلى الخلق لا إليه تعالى
لغنائه واستغنائه عما سواه. وذهب جل الأشاعرة إلى عدم كونها معللة وتمسكوا بوجوه
ضعيفة سيشير إليها المصنف والقاضي الشهيد قدهما ويرد أن تلك الوجوه بما لا مزيد
عليه. ومن الأشاعرة من فصل كابن هيثم وقال: إنها ليست بمعللة عقلا، ولكن حيث دلت
النصوص والظواهر الكتابية على كونها معللة كقوله تعالى: ما خلقت الجن والإنس إلا
ليعبدون فلا بد من الأخذ بتلك الظواهر من دون تأويل للتعبد المحض. وأنت خبير بأن
العقل السليم الفطري مساعد لها فلا وجه لاحتمال صرفها عن ظواهرها. واعلم أن الذي
دعى المفصل إلى التفصيل كونه من الظاهرية أتباع داود بن علي الأصفهاني. ثم اعلم أن
الأخبار المأثورة عن أهل البيت المستفاد علمهم من علم النبي صلى الله عليه وسلم
ناصة على كونها معللة، وتنادي بحيث لا يبقى ريب لمريب على بطلان عدم كونها معللة،
فراجع كتب أصحابنا والجوامع الحديثية حتى ترى ذلك بعين العيان بحيث تستغني عن
البيان والله العاصم. (2) النسبة بين العبث واللعب العموم من وجه لصدق الأول على
فعل لغوي لا يعد في (*)
ص 423
بل مجانا، والله تعالى يقول: وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين (1)، ربنا
ما خلقت هذا باطلا (2)، والفعل الذي لا غرض للفاعل فيه باطل ولعب تعالى الله عن ذلك
علوا كبيرا. قال الناصب خفضه الله أقول: قد سبق أن الأشاعرة ذهبوا إلى أن أفعال
الله تعالى ليست معللة بالأغراض، وقالوا: لا يجوز تعليل أفعاله تعالى بشيئ من
الأغراض والعلل الغائية، ووافقهم على ذلك جهابذة (3) الحكماء وطوائف الإلهيين،
وذهبت المعتزلة ومن تابعهم من الإمامية إلى وجوب تعليلها، ومن دلائل الأشاعرة أنه
لو كن فعله تعالى لغرض من تحصيل مصلحة أو دفع مفسدة لكان هو ناقصا لذاته مستكملا
بتحصيل ذلك الغرض لأنه لا يصلح غرضا للفاعل إلا ما هو أصلح له من عدمه، وذلك لأن ما
استوى وجوده وعدمه بالنظر إلى الفاعل وكان وجوده مرجوحا بالقياس إليه لا يكون باعثا
له على الفعل وسببا لإقدامه عليه بالضرورة، فكل ما كان غرضا وجب أن يكون وجوده أصلح
للفاعل وأليق به من عدمه وهو معنى الكمال، فإذا يكون الفاعل مستكملا بوجوده ناقصا
بدونه هذا هو الدليل، وذكر هو الرجل أنه يلزم من هذا المذهب محالات، منها أن يكون
الله تعالى لاعبا عابثا، والجواب التحقيقي أن العبث ما كان خاليا عن الفوائد
والمنافع وأفعاله
(هامش)
العرف لعبا وصدق الثاني على الألعاب الدائرة كالشطرنج والآس والنرد ونحوها مع تعلق
غرض عقلائي به وصدقهما على الألعاب التي لم يتعلق بها غرض كذلك. (1) الأنبياء.
الآية 16. (2) آل عمران. الآية 191. (3) الجهابذة جمع الجهبذ: الناقد العارف بتمييز
الجيد من الردئ. (*)
ص 424
تعالى محكمة متقنة مشتملة على حكم ومصالح لا تحصى راجعة إلى مخلوقاته تعالى، لكنها
ليست أسبابا باعثة على إقدامه وعللا مقتضية لفاعليته فلا تكون أغراضا له ولا عللا
غائية لا فعاله حتى يلزم استكماله بها، بل تكون غايات ومنافع لأفعاله وآثارا مترتبة
عليها فلا يلزم أن يكون شيئ من أفعاله تعالى عبثا خاليا عن الفوائد، وما ورد من
الظواهر الدالة (1) على تعليل أفعاله تعالى، فهو محمول على الغاية والمنفعة دون
الغرض والعلة إنتهى . أقول: قد سبق أن ما نسبه إلى الحكماء الإلهيين افتراء
عليهم، وإنما نفوا عنه تعالى الغرض المستلزم للاستكمال أو لإظهار الكمال لا مطلقا،
وقد أيدنا ذلك هناك بكلام بعض المتألهين (2)، ونشد عضده (3) هيهنا بكلام بعض
المحققين (4) حيث قال: قالت الفلاسفة: إن واجب الوجود تعالى وتقدس جواد مطلق وهو
المعطي لمن ينبغي لا لعوض (5) أي لا لطلب المجازاة والتعويض في مقابلة تلك الإفاضة،
(هامش)
(1) كالآيتين المتقدمتين. (2) هو مصنف مسالك الأفهام منه قده . (3) هو السيد
الفاضل الشاه طاهر الانجداني الإسماعيلي رحمه الله في شرحه لباب الحادي عشر. منه
قده أقول: هو إسماعيلي نسبا لا مذهبا كما أفاده بعض الأجلة. (5) قال بعض
العارفين: شعر: آفريدم تا زمن سودى كنند * تا ز شهدم دست آلودى كنند من نكردم خلق
(أمر خ ل) تا سودى كنم * بلكه تا بر بندگان جودى كنم (*)
ص 425
بل ولا مع قصد ذلك، إذ من كان فاعلا لذلك لا يعد جوادا بل مصانعا ومتاجرا (1)
ومستفيدا، فلا يكون جوادا مطلقا، بل الجواد المطلق من تنزه فيضه وعطاؤه عن قصد شيئ
من ذلك، ولهذا تنزهت أفعاله عن الأغراض المستلزمة لشيئ مما ذكرناه (2) حتى قصد
إفاضة الكمال لأجل الكمال أو لا ظهار الكمال، فإنه حينئذ لا يكون كاملا مطلقا ولا
جوادا كذلك، وأما ما ذكره من دليل الأشاعرة (3) فهو مما أخذه (4) بعض متأخري
الأشاعرة من ظاهر كلام الفلاسفة تقوية لمذهب
(هامش)
(1) من تاجر بمعنى اتجر. (2) هذا محل الاعتضاد حيث خص الأغراض التي تنزه سبحانه
عنها بما ذكره هيهنا من قبل. (3) قال المصنف رفع الله درجته في بحث القياس من نهاية
الوصول بعد ذكر الايرادات على القول بنفي الغرض: وبالجملة قول الأشاعرة: الفاعل
لغرض مستكمل به حكم أخذوه من الحكماء وهم لم ينكروا العلل الغائية ولا شوق سوق خ
ل الأشياء إلى كمالاتها وإلا لبطل علم منافع الأعضاء وفوائد الغايات وعلم الهيئة
وأكثر الطبيعيات وغيرها، بل قالوا: إيجاد الموجودات عنه تعالى على أكمل ما يمكن، لا
بأن يخلق الشيئ ناقصا، ثم يكمله بقصد ثان، لأنه تعالى كامل لذاته، قادر على تكميل
كل ناقص بحسب استعداده، فيخلقه مشتاقا إلى كماله من غير استيناف تدبير، والغرض الذي
نفوه استيناف ذلك التدبير في الاكمال بالقصد الثاني، واستقصاء الكلام في هذا المقام
ذكرناه في نهاية المرام، لأنه الفن المتعلق به انتهى منه قده . (4) قال فخر
الدين الرازي في المحصل: أن ليس للواجب تعالى غرض في فعله، لأن كل من كان كذلك كان
مستكملا بفعل ذلك الشيئ، والمستكمل بغيره ناقص لذاته. وقال المحقق الطوسي قده
في نقده: إن هذا حكم أخذه من الحكماء واستعمله في غير موضعة فإنهم لا ينفون شوق
الأشياء إلى كمالاتها الذي هو الغرض من أفعاله وإلا لبطل علم منافع الأعضاء وقواعد
العلوم الحكمية من الطبيعيات والإلهيات وغيرهما وسقطت العلة الغائية (*)
ص 426
شيخه الأشعري مع تشنيعهم دائما على الإمامية والمعتزلة بتوهم موافقتهم إياهم في بعض
المطالب والدلائل وفيه نظر، إذ لا يلزم من قوله: لو كان فعله تعالى لغرض، أن يكون
مستكملا بتحصيل ذلك الغرض. بل اللازم كونه مكملا لوجود ذلك الفعل، لأن الاستكمال
عبارة عن الحصول بالفعل لما له ذلك الحصول، ولا حصول هيهنا متجدد إلا لوجود ذلك
الفعل لا للفاعل بل هو مستجمع لجميع كمالاته من الأزل إلى الأبد ولأسباب الكمالات
لغيره التي هي صفات واعتبارات لذاته من جملتها التكميل والايجاد الحاصل له دائما من
غير تجدد، بل المتجدد له هو تعلقه بأفراد المكلفين، وأيضا إنما يلزم الاستكمال أن
لو كان الغرض عائدا إليه تعالى ونحن لا نقول بذلك، بل الغرض إما عائد إلى مصلحة
العبد أو إلى اقتضاء نظام الوجود بمعنى أن نظام الوجود لا يتم إلا بذلك الغرض فيكون
الغرض عائدا إلى النظام لا إليه، وعلى كل من الأمرين لا يلزم الاستكمال. فإن قيل:
أولوية عود الغرض إلى الغير يفيد استكماله بالغير، ومساواته بالنسبة إلى تعالى
تنافي الغرضية، على أن تخلية الكفار في النار وإماتة الأنبياء وإبقاء إبليس أفعال
لا مصلحة فيها أصلا، قلت: لا نسلم أنه لو استوى حصول الغرض وعدم حصوله بالنسبة إليه
تعالى لم يصلح لأن يكون غرضا داعيا إلى فعله، وإنما يلزم لو لم يكن الفعل أولى من
الترك بوجه من الوجوه، وهيهنا ليس كذلك فإنه بالنسبة إلى العبد أولى، ولو سلم
فنقول: الغرض كالاحسان مثلا أولى و
(هامش)
بأسرها عن الاعتبار، بل يقولون: إن إفاضة الموجودات عن مبدئها يكون على أكمل ما
يمكن، لا بأن يخلق ناقصا ثم يكمله بقصد ثان، بل بها يخلقه مشتاقا إلى كماله لا
باستيناف تدبير، ويعنون بالغرض المنفي عنه استيناف ذلك التدبير لا كماله بالمقصد
الثاني انتهى. منه ره . (*)
ص 427
أرجح من عدمه عنده تعالى بمعنى (يعني خ ل): أنه عالم بأرجحية الإنسان في نفس الأمر،
ولا يلزم من أولوية الاحسان بالمعنى المذكور عنده استكماله تعالى لأن الأنفع أرجح
في نفس الأمر، فلو لو يكن عالما بالأرجحية يلزم عدم علمه بكونه أنفع، فيلزم النقص
فيه وهو تعالى منزه عن النقص هذا، والنفع في التخليد راجع إلى المؤمنين حيث يلتذون
بإيمانهم عند علمهم بتخليد الكفار في النار كما يفهم من قوله تعالى: ونادى أصحاب
الجنة أصحاب النار أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا (1)،
وفي إماتة الأنبياء راجع إليهم عليهم السلام وهو خلاصهم من مكاره الدنيا وفوزهم
برغائب العقبى واتصالهم بنور القدس (2) وفي إبقاء إبليس راجع إلى المؤمنين حيث
يحاربونه ويجاهدونه فيفوزون بسبب ذلك إلى الأجر والثواب، فظهر أن فعله تعالى لا بد
أن يشتمل على غرض سواء كان راجعا إلى المفعول أو إلى غيره. ثم أقول: يمكن أن يختار
في الجواب أن فعله تعالى لغرض عائد إليه ومنع لزوم نقصانه قبل حصول ذلك الغرض،
لجواز أن يكون حصول ذلك الغرض في هذا الزمان كمالا، فلا يلزم أن يكون الواجب قبل
حصوله ناقصا ولا أن يكون عريا عن صفة كمال (3)، بل اللازم أن يكون عريا عن شيئ لم
يكن كمالا إلى ذلك الزمان، وأيضا لا نسلم أن يكون الاحتياج في الفاعلية إلى الغير
مطلقا موجبا
(هامش)
(1) سورة الأعراف. الآية 44. (2) كلها مأخوذ من كلمات أهل البيت في الأحاديث
الشريفة. (3) فإنا نعلم قطعا في الشاهد أن الخلو عن بعض الصفات الكمالية في بعض
الأوقات كمال دون بعض كالالتحاء بالنسبة إلى ابن عشر سنين مثلا فلم لا يجوز أن يكون
في الغائب كذلك. منه قده . (*)
ص 428
للنقصان، فإنه تعالى محتاج في صفاته الفعلية إلى مخلوقاته (1)، وأيضا لا يجوز أن
يكون الواجب تعالى علة تامة لوجود الحادث وإلا يلزم قدمه، فاحتاج إيجاده إلى حادث
آخر، وهكذا، فيلزم أن يكون كل حادث مسبوقا بمواد غير متناهية، والاحتياج في فاعليته
إليها غير مستلزم للنقصان، فكيف يكون الاحتياج فيها إلى الغرض مستلزما له؟! وأيضا
يحتاج الواجب في إيجاد العرض إلى وجود المحل وفي إيجاد الكل إلى وجود الجزء، والشيخ
الأشعري وإن قال: بأنه لا علاقة بين الحوادث المتعاقبة إلا بإجراء العادة بخلق
بعضها عقيب بعض كالاحراق عقيب مماسة النار والري بعد شرب الماء، وليس للماسة والشرب
مدخل في الاحراق والري، لكن بديهة العقل شاهدة بأن وجود المحل له مدخل في وجود
العرض ووجود الجزء في وجود الكل. وأيضا تعليل أفعاله تعالى راجع إلى الصفات
والكمالات الفعلية (2) كخالقية العالم ورازقية العباد، والخلو عنها ليس بنقص قطعا،
وإنما النقص خلوه عن الصفات الحقيقية، وبهذا يندفع ما قيل: إن الغرض علة لعلية
العلة الفاعلية، فلو كان لفعله تعالى غرض لاحتاج في عليته إليه والمحتاج إلى الغير
مستكمل به بلا مرية إنتهى . ووجه الدفع ظاهر مما ذكرناه، ويمكن أن يدفع بوجه آخر
وهو: أن غرض الفاعل يكون سببا للفاعل على الاقدام بفعله، بمعنى أن العلم بالغاية
المترتبة على المعلوم يكون سببا للفاعل على الاقدام بالفعل، ألا ترى؟ أن الغرض
(هامش)
(1) والحاصل أن كل ما اتصف به تعالى من النسب المتجددة ونحوها كمال فعلي، فعلى
تقدير تجدد تلك النسب يلزم أن يكون تعالى خاليا عنها قبل تجددها فيكون ناقصا قبل
تجددها. منه قده . (2) والحاصل أن الغرض كمال فعلي ككونه محمودا أو مشكورا مثلا.
منه قده . (*)
ص 429
باعتبار الوجود الذهني الغير الأصيل يكون باعثا على الاقدام وهو بهذا الوجود كيفية
فيك وعلم، فعلى هذا إنما يلزم استكماله تعالى عن علمه في مذهب الأشاعرة وهو عندهم
جائز، بل يجوز عن سائر أوصافه الثمانية، وعندنا علمه ليس صفة موجودة حتى يلزم
الاستكمال من الغير، بل ليس هيهنا إلا عالمية محضة وذات عالم يعبر عنه في الفارسية
بدانا فلا يلزم علينا استكماله من الغير ويلزم عليهم استكماله عن أمر آخر سوى
ما جوزوا استكماله عنه. لا يقال: إن الأشاعرة إنما قالوا بعدم الغرض في أفعاله
تعالى، لأن الغرض عند من قال به فاعل لفاعلية الفاعل وهم لا يقولون بفاعل غير (1)
الله تعالى. لأنا نقول: لا قائل بأن الغرض فاعل لفاعلية الفاعل، بل المشهور أنه
علة، وهو أعم من الفاعل، ولو سلم فنقول: إنهم لا يقولون بفاعل غير الله تعالى يكون
مؤثرا في الوجود (2) والفاعلية (3) أمر اعتباري (4)، وأيضا لو صح ذلك يلزم أن لا
يقولوا بالغرض في أفعالنا أيضا، ويمكن أن يجاب عن أصل الشبهة أيضا بأن الغرض إذا
كان عاديا كما أن النار سبب عادي للإحراق عند الأشاعرة لا يلزم منه الاستكمال، فإن
الذات يمكن أن يفعل بلا سبب فلا يكون ناقصا. لا يقال: إن الأشاعرة إنما استدلوا على
نفي تعليل أفعال الله تعالى بالغرض حقيقة، وليس مقصودهم نفي السبية العادية. لأنا
نقول: لا فرق بين الباعث الحقيقي والعادي في أنه لا بد أن يكون وجوده أولى وأصلح
بالنسبة إلى الفاعل، وأيضا يتوجه على أصل مدعى الخصم ما مر: من أنهم يقولون بحجية
القياس وهي فرع أن تكون أفعاله تعالى معللة
(هامش)
(1) أي الصفات السبعة أو الثمانية. (2) لا في كل شيئ حتى الأمور الاعتبارية. (3) أي
الفاعلية التي قيل إن الغرض فاعل له. منه قده . (4) فيجوز أن يكون العبد فاعلا
له عندهم أيضا. (*)
ص 430
بالأغراض، ونقل شارح الطوالع (1) عن أكثر الفقهاء: أنهم قالوا بتعليلها، وقد اعترف
بذلك شارح المقاصد (2)، حيث قال: ألحق أن تعليل بعض الأفعال سيما شرعية الأحكام
والمصالح ظاهر كإيجاب الحدود والكفارات وتحريم المسكرات وما أشبه ذلك، والنصوص (3)
أيضا شاهدة بذلك كقوله تعالى: وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون (4)، ومن أجل ذلك
كتبنا على بني إسرائيل (5) الآية، فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكيلا يكون على
المؤمنين حرج (6) الآية. ولهذا يكون القياس حجة إلا عند شرذمة، وأما تعميم ذلك فمحل
بحث إنتهى كلامه : وفيه أن النصوص كما دلت على إثبات الغرض في البعض دلت على
الكل، لأن الحديث القدسي: لولاك لما خلقت الأفلاك (7)، ويا انسان (1) الطوالع: هو
كتاب طوالع الأنوار في الكلام للقاضي البيضاوي، وعليه شروح أشهرها شرح الشيخ شمس
الدين محمود بن عبد الرحمان الأصفهاني المتوفى 749 ويليه في الاشتهار شرح المحقق
الشريف الجرجاني المتوفى 816، ولعل المراد به هنا الأول كما هو المنصرف إليه عند
الاطلاق. (2) المقاصد: للمحقق التفتازاني واشهر شروحه شرح الشريف الجرجاني ولعله
المراد هيهنا. (3) مراده من النصوص الأدلة الصريحة سواء كانت من الكتاب أو السنة.
(4) سورة الذاريات. الآية 56. (5) سورة المائدة. الآية 32. (6) سورة الأحزاب. الآية
37. (7) قال المحدث القاوقچي في اللؤلؤ المرصوع (ص 66 ط مصر) حديث (لولاك لما خلقت
الأفلاك) لم يرد بهذا اللفظ، بل ورد (لولاك ما خلقت الجنة، ولولاك ما خلقت النار)
وعند ابن عساكر (لولاك لما خلقت الدنيا) إنتهى . أقول: وقد ورد في أخبارنا
المروية ما يدل على هذا المعنى تعابير مختلفة، فليراجع (*)
ص 431
خلقت الأشياء لأجلك وخلقتك لأجلي (1)، وكنت كنزا مخفيا فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق
لأعرف (2). وأمثالها (3) تدل على التعميم، وأيضا العقل كاف في
(هامش)
إلى ما ألف في سيرته صلى الله عليه وآله سيما أحاديث خلقته ص . وفي ذلك غنى
وكفاية لمن تبصر. (1) رواه في الجواهر السنية (ص 292 ط بمبئى). (2) قال العجلوني في
كتابه مزيل الخفاء (ج 2 ص 132 ط مصر): كنت كنزا لا أعرف فأحببت أن أعرف فخلقت خلقا
فعرفتهم بي فعرفوني، وفي لفظ فتعرفت إليهم فبي عرفوني قال ابن تيمية: ليس من كلام
النبي ص ولا يعرف له سند صحيح ولا ضعيف، وتبعه الزركشي والحافظ ابن حجر في
اللآلي والسيوطي وغيرهم، وقال القارئ: لكن معناه صحيح مستفاد من قوله تعالى: (وما
خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) أي ليعرفوني كما فسره ابن عباس رضي الله، والمشهور
على الألسنة كنت كنزا مخفيا فأحببت أن أعرف فخلقت خلقا، فبي عرفوني، وهو واقع كثيرا
في كلام الصوفية واعتمدوه وبنوا عليه أصولا لهم إنتهى . وقال ابن الديبع
الشيباني في كتاب تمييز الطيب (ص 153 ط مصر) ما لفظه: كنت كنزا لا أعرف فأحببت أن
أعرف فخلقت خلقا فعرفتهم فعرفوني، قال ابن تيمية: إنه ليس من كلام النبي ص ولا
يعرف له سند صحيح ولا ضعيف وتبعه الزركشي وابن حجر إنتهى . أقول: وكذا يظهر من
بعض الأصحاب، وبعد ذلك فمن العجب! إنه شرح هذه الجملة بعض العلماء زعما منه، أنه
خبر مروي وحديث مأثور عنه ص وعليك بالتثبت والتحري. (3) في دلالة الحديث الأول
على ثبوت الغرض في جميع أفعاله تعالى نظر، اللهم إلا أن يقال: إذا ثبت أن الأفلاك
وهي الأشراف خلقت لغرض وجود النبي ص ثبت كون الأرض وما فيها بطفيل وجوده بطريق
أولى. أو يقال: إن المراد السماوات مع ما فيها، أو يقال: لا قائل بالفصل. منه قده
(*)
ص 432
الحكم بأن المختار لا بد لفعله من غرض، والمانع كان النقص، فإذا ارتفع النقص
بالوجوه السابقة بقي الحكم صحيحا مؤيدا بالنقل، والحق أن القول بتعليل الأفعال هو
الحق الذي ليس للشبهة إلى ساحته مجال، والصواب الذي لا ترتع حوله خطأ واختلال، لكن
الأشعري قد سبق على لسانه ذلك المحال لقلة شعوره، تور طه (1) في مخالفة أهل
الاعتزال، وطمعه بذلك رفعة شأنه عند الجهال. ثم وسع أصحابه دائرة المقال بضم أضعافه
(2) من الأغاليط والتيتال (3) ليوقعوا في الأوهام أن ما ذكره شيخهم كلام دقيق لا
يفهم ولا يرام إلا بعد طي مراتب النقض والابرام، والذي يشهد على ذلك ما ذكره السيد
معين الدين الإيجي الشافعي (4) في رسالة ألفها لتحقيق مسألة الكلام حيث ساق الكلام
فيها من تشنيع شيخه الأشعري في تلك المسألة على ما ذكرناه سابقا إلى تشنيعه في هذه
المسألة، فقال: إعلم أنه رضي الله عنه قد يرعوي (5) إلى عقيدة جديدة بمجرد اقتباس
قياس لا أساس له، مع أنه مناف لصرائح القرآن وصحاح الأحاديث مثل أن أفعال الله
تعالى غير معللة بغرض، ودليله (6) كما صرح به في كتبه أنه يلزم تأثر الرب عن شعوره
(هامش)
(1) تورط الرجل: وقع في الورطة أو في أمر مشكل وهلك. (2) جمع الضعف بكسر الضاد
المعجمة لا الضعف بالفتح والضعف بالضم، والكلمة من المثلثات. (3) التيتال لفظ فارسي
مولد يطلق على الكلام المشتمل على الخبط والفساد الكثير الذي لا يأتي به إلا الأحمق
الذي لا شعور له كالأشعري ومن تبعه من معاشر الأشاعرة. منه قده . (4) قد مرت
ترجمته سابقا فليراجع. (5) أي رجع. والارعواء مطلق الرجوع، والكف عن الجهل. (6)
أقول: يمكن أن يجاب عن دليله هذا بمثل ما أجيب به عن الاستدلال على المقدمة (ج 27)
ص 433
بخلقه، وأنت تعلم أنه لا يشك ذو مرة (1) أن علمه تعالى (2) بالممكنات والغايات
المترتبة عليه صفة ذاتية وفعله موقوف على صفة ذاتية وكم من الصفات الذاتية موقوفة
على صفة مثلها وتعالى (3) جد ربنا عن أن يحصل له بواسطة شعوره بغاية الشيئ شوق
وانفعال في ذاته الأقدس كما في الحيوانات إنتهى كلامه . ولا يخفى أنه كما يدل
على أن كلام الأشعري في هذه المسألة مبني على قياس لا أساس له يدل على أن ذلك
القياس قياس الغائب على الشاهد، مع أن أهل السنة لا يجوزون ذلك فتأمل، فإن الفكر
فيه طويل، والله الهادي للسبيل، وأما ما ذكره من الجواب الذي سماه تحقيقيا فبطلانه
ظاهر، لأنه مع منافاته لما ذكروه في بحث الحسن والقبح من أنه ليس في الأفعال قبل
ورود الأمر
(هامش)
القائلة ببطلان قيام الحادثان بذاته تعالى: بأنه يلزم تأثره تعالى من غيره حيث أجيب
عنه في بعض حواشي التلويح في بحث المقدمات الأربع: بأنه إن أراد أنه تعالى لا يتأثر
عن غيره أصلا فممنوع، وإن أراد أنه لا يتأثر عن غيره في الوجود فمسلم، لكن لا نسلم
(لا يخفى خ ل) أنه يلزم هذا التأثر على تقدير قيام الحادث بذاته تعالى، وأيضا لو صح
هذا الدليل لزم أن لا يتصف الواجب بالنسب المتجددة لأنها أيضا توجب التأثر والتغير
في الذات (إنتهى) فتأمل فيه. منه قده . (1) المرة بالكسر: أصالة العقل. وبالضم
الخلط الصفراوي وضد الحلاوة. (2) حاصله: أن علمه تعالى بالممكنات والغايات المترتبة
عليها صفة له تعالى، فلو توقف فعله تعالى عليها لا يلزم استكماله عن الغير، بل
اللازم توقف فاعليته على بعض الصفات ولا محذور فيه، لأن صفات الذات بعضها متوقفة
على بعض كالقدرة على العلم والحياة، فلا يلزم من توقف فاعليته التي هي صفة إضافية
على العلم محذور. منه قده (3) اقتباس من قوله تعالى، في سورة الجن الآية 3:
وإنه تعالى جد ربنا ما اتخذ صاحبة ولا ولدا. (*)
ص 434
والنهي جهة محسنة أو مقبحة يصير منشئا للأمر والنهي مردود، بأن الفاعل إذا فعل فعلا
من غير ملاحظة فائدة ومدخليتها فيه يعد ذلك الفعل عبثا أو في حكم العبث في القبح،
وإن اشتمل على فوائد ومصالح في نفس الأمر، لأن مجرد الاشتمال عليها لا يخرجه عن ذل،
ضرورة أن ما لا يكون ملحوظا للفاعل عند إيقاع الفعل ولا مؤثرا في إقدامه عليه في
حكم العدم كما لا يخفى على من اتصف بالانصاف. قال المصنف رفع الله درجته ومنها أنه
يلزم أن لا يكون الله تعالى محسنا إلى العباد، ولا منعما عليهم، ولا راحما، ولا
كريما في حق عباده، ولا جوادا، وكل هذا ينافي نصوص الكتاب العزيز، والمتواتر من
الأخبار النبوية، وإجماع الخلق كلهم من المسلمين وغيرهم، فإنهم لا خلاف بينهم في
وصف الله تعالى بهذه الصفات على سبيل الحقيقة، لا على سبيل المجاز، وبيان لزوم ذلك
أن الاحسان إنما يصدق لو فعل الحسن نفعا لغرض الاحسان إلى المنتفع، فإنه لو فعله لا
لذلك لم يكن محسنا، ولهذا لا يوصف مطعم الدابة لتسمن حتى يذبحها بالاحسان في حقها
ولا بالانعام عليها، ولا بالرحمة، لأن التعطف والشفقة إنما يثبت مع قصد الاحسان إلى
الغير لأجل نفعه، لا لغرض آخر يرجع إليه، وإنما يكون كريما وجوادا لو نفع الغير
للاحسان وبقصده، ولو صدر منه النفع لا لغرض لم يكن كريما ولا جوادا، تعالى الله عن
ذلك علوا كبيرا، فلينظر العاقل المنصف من نفسه، هل يجوز أن ينسب ربه جل وعز إلى
العبث في أفعاله، وأنه ليس بجواد ولا محسن ولا رحيم ولا كريم؟! نعوذ بالله من مزال
الأقدام والانقياد إلى مثل هذه الأوهام إنتهى . قال الناصب خفضه الله أقول:
جوابه منع الملازمة، لأن خلو الفعل من الغرض لا يستدعي كون
ص 435
الفاعل غير محسن ولا راحم ولا منعم، فأن معنى الغرض ما يكون باعثا للفاعل على
الفعل، ويمكن صدور الاحسان والرحم والانعام من الفاعل من غير باعث له، بل للإفاضة
الذاتية التي تلزم ذات الفاعل، نعم لو كان خاليا من المصلحة والغاية، لكان ذلك
الفعل عبثا، وقد بينا أن أفعاله تعالى مشتملة على الحكم والغايات والمصالح، فلا
تكون أفعاله عبثا، وأما قوله: إن التعطف والشفقة إنما يثبت مع قصد الاحسان إلى
الغير لأجل نفعه فإن أراد بالقصد الغرض والعلة الغائية ممنوع وإن أراد الاختيار
وإرادة إيصال الاحسان إلى المحسن إليه بالتعيين، فذلك في حقه تعالى ثابت، وهذا لا
يتوقف على وجود الغرض والعلة الغائية إنتهى . أقول: ما ذكره في منع الملازمة منع
لمقدمة أثبتها المصنف بقوله: فإنه لو فعله لا كذلك لم يكن محسنا الخ وقد أشرنا إليه
أيضا في دفع ما سبق من جوابه الذي سماه تحقيقيا، وكذا الكلام فيما ذكره في ترديده
الآتي من المنع على أن ما سلمه في هذا الترديد من أن يراد من قصد الاحسان إلى الغير
لأجل نفعه إرادة إيصال الاحسان إلى المحسن إليه، فهو عين القول بالغرض في المعنى
لأن إرادة إيصال الاحسان إلى المحسن إليه يستلزم ما ذكرنا من ملاحظة فائدة ذلك
الفعل ومدخليتها فيه، وهو معنى الغرض والعلة الغائية كما لا يخفى. قال المصنف رفع
الله درجته ومنها أنه يلزم أن يكون جميع المنافع التي جعلها الله تعالى منوطة
بالأشياء غير مقصودة، ولا مطلوبة لله تعالى، بل وضعها وخلقها عبثا (1) فلا يكون خلق
العين
(هامش)
(1) إشارة إلى قوله تعالى في سورة المؤمنون الآية 115. (*)
ص 436
للابصار (1) ولا خلق الأذن للسماع (2) ولا اللسان للنطق ولا اليد للبطش (3) ولا
الرجل للمشي (4) وكذا جميع الأعضاء التي في الإنسان وغيره من الحيوانات، ولا خلق
الحرارة في النار للإحراق (5) ولا الماء للتبريد (6) ولا خلق الشمس والقمر والنجوم
للإضاءة (7) ومعرفة الليل والنهار للحساب (8) وكل هذا مبطل للأغراض والحكم
والمصالح، ويبطل علم الطب بالكلية، وأنه لم يخلق الأدوية للإصلاح، ويبطل علم الهيئة
وغيرها، ويلزم العبث في ذلك كله، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. قال الناصب خفضه
الله أقول: إذا قلنا: إن أفعاله تعالى محكمة متقنة مشتملة على حكم ومصالح لا تحصى
هي راجعة إلى مخلوقاته تعالى لا يلزم أن تكون منافع الأشياء غير مقصودة لله تعالى،
بل هو الحكيم خلق الأشياء ورتب عليها (عليه خ ل) المصالح، وقيل:
(هامش)
(1) إشارة إلى قوله تعالى في سورة الأعراف الآية 179. (2) إشارة إلى قوله تعالى في
سورة الأعراف الآية 179 والآية 195. (3) إشارة إلى قوله تعالى في سورة الأعراف
الآية 195. (4) إشارة إلى قوله تعالى في سورة الأعراف الآية 195. (5) إشارة إلى
قوله تعالى في سورة القصص الآية 29. (6) إشارة إلى ما ورد في عدة أحاديث التي وردت
في باب الحمى (منها) ما رواه ابن
حجر في مجمع الزوائد (ج 5 ص 94 ط مصر) بسنده عن أبي بشير الأنصاري عن النبي (ص) أنه
قال في الحمى: أبردوها بالماء إنها من فيح جهنم إنتهى وغيرها. (7) إشارة إلى
قوله تعالى في سورة يونس الآية 5 وفي سورة نوح الآية 16 وفي سورة الأنعام
الآية 97. (8) إشارة إلى قوله تعالى في سورة الأنعام الآية 96. (*)
ص 437
خلق الأشياء قدرها ودبرها، ولكن ليست أفعاله محتاجة إلى علة غائية كأفعالنا
الاختيارية، فإنا لو فقدنا العلة الغائية لم نقدر على الفعل الاختياري، وليس هو
تعالى كذلك للزوم النقص والاحتياج، بل الآثار والمصالح تترتب على أفعاله من غير نقص
الاحتياج إلى العلة الغائية الباعثة للفاعل، ولولاها لم يتصور الفعل الاختياري من
الفاعل، هذا هو المطلوب من كلام الأشاعرة، لا نفي منافع الأشياء وأنها لم تكن
معلومة لله تعالى وقت خلق الأشياء، مثلا اقتضت حكمة خلق العالم أن يخلق الشمس
مضيئة، وفي إضاءتها منافع للعباد، فالله تعالى قبل أن يخلق الشمس كان يعلم هذه
المنافع المترتبة عليها فخلقها، وترتبت المنافع عليها من غير احتياج إلى حالة باعثة
إلى هذا الخلق، فلا يلزم أن لا تكون المنافع مقصودة، بل هي مقصودة بمعنى ملاحظة
المصلحة والغاية المترتبة عليها، لا بمعنى الغرض الموجب لإثبات النقص له إنتهى .
أقول إن قوله أولا: لا يلزم أن تكون منافع الأشياء غير مقصودة لله تعالى كقوله
ثانيا، بل هي مقصودة بمعنى ملاحظة المصلحة الخ كلام مجمل، إن أراد به أنها
مقصودة لله تعالى ملحوظة له عند الاتيان بالفعل فقد ثبت الغرض كما مر بيانه، وإن
أراد أنها ملحوظة قبل ذلك غير ملحوظة عند الاتيان بالفعل فهو عبث أو في حكم العبث
كما مر أيضا، وأما ما ذكره: من أنا لو فقدنا العلة الغائية، لم نقدر على الفعل
الاختياري، وليس هو تعالى كذلك للزوم النقص والاحتياج الخ، فيتوجه عليه ما ذكرناه
آنفا: من أنا لا نسلم أن الاحتياج في الفاعلية إلى الغير مطلقا موجب للنقصان، فإنه
تعالى محتاج في صفاته الفعلية إلى مخلوقاته اتفاقا، على أنا قد ذكرنا هناك ما يدفع
ذلك بوجه آخر، وهو ما حاصله: أنه إنما يلزم استكماله
ص 438
تعالى عن علمه، واحتياجه إليه وهو جائز عند الأشاعرة فتذكر. قال المصنف رفع الله
درجته ومنها أنه تلزم منه الطامة العظمى والداهية الكبرى عليهم، وهو إبطال النبوات
بأسرها، وعدم الجزم بصدق أحد منهم، بل يحصل الجزم بكذبهم أجمع، لأن النبوة إنما تتم
بمقدمتين، إحديهما: أن الله تعالى خلق المعجزة على يد مدعي النبوة، لأجل التصديق،
والثانية: أن كل من صدقه الله تعالى فهو صادق، ومع عدم القول بإحديهما، لا يتم دليل
النبوة فإنه تعالى لو خلق المعجزة لا لغرض التصديق لم تدل على صدق المرعي، إذ لا
فرق بين النبي وغيره، فإن خلق المعجزة لو لم يكن لأجل التصديق لكان لكل أحد أن يدعي
النبوة، ويقول: إن الله تعالى صدقني لأنه خلق هذه المعجزة، وتكون نسبة النبي وغيره
إلى هذه المعجزة على السواء، ولأنه لو خلقها لا لأجل التصديق لزم الاغراء بالجهل،
لأنه دال عليه، فإن في الشاهد لو ادعى شخص، أنه رسول السلطان، وقال للسلطان إن كنت
صادقا في دعوى رسالتك فخالف عادتك، واخلع خاتمك، ففعل السلطان ذلك، ثم تكرر هذا
القول ممن يدعي رسالة السلطان، وتكرر من السلطان هذا الفعل عقيب الدعوى، فإن
الحاضرين بأجمعهم يجزمون بأنه رسول ذلك السلطان، كذا هيهنا إذا ادعى النبي الرسالة،
وقال: إن الله تعالى يصدقني بأن يفعل فعلا لا يقدر الناس عليه مقارنا لدعواه، وتكرر
هذا الفعل من الله تعالى عقيب تكرر الدعوى فإن كل عاقل يجزم بصدقه، فلو لم يخلقه
لأجل التصديق لكان الله تعالى مغريا بالجهل، وهو قبيح لا يصدر عنه تعالى، وكان مدعي
النبوة كاذبا، حيث قال: إن الله تعالى خلق المعجزة على يدي لأجل تصديقي، فإذا
استحال عندهم أن يفعل لغرض كيف يجوز للنبي هذه الدعوى؟ والمقدمة الثانية: وهي أن كل
من صدقه الله تعالى فهو صادق ممنوعة عندهم أيضا، لأنه يخلق الاضلال والشرور، وأنواع
الفساد، والشرك
ص 439
والمعاصي الصادرة من بني آدم، فكيف يمتنع عليه تصديق الكاذب؟ فتبطل المقدمة الثانية
أيضا، هذا نص مذهبهم، وصريح معتقدهم، نعوذ بالله من عقيدة أدت إلى إبطال النبوات
وتكذيب الرسل، والتسوية بينهم وبين مسيلمة، حيث كذب في ادعاء الرسالة، فلينظر
العاقل المنصف ويخاف ربه ويخشى من أليم (خ ل ألم) عقابه ويعرض على عقله هل بلغ كفر
الكافر إلى هذه المقالات الردية والاعتقادات الفاسدة؟! وهل هؤلاء أعذر في مقالتهم
أم اليهود والنصارى الذين حكموا بنبوة الأنبياء المتقدمين عليهم السلام وحكم عليهم
جميع الناس بالكفر حيث أنكروا نبوة محمد صلى الله عليه وآله؟ وهؤلاء قد لزمهم
إنكارا جميع الأنبياء عليهم السلام، فهم شر من أولئك، ولهذا قال الصادق عليه السلام
حيث عدهم وذكر اليهود والنصارى: إنهم شر الثلاثة (1) ولا يعذر المقلد نفسه، فإن
فساد هذا القول معلوم لكل أحد، وهم معترفون بفساده أيضا إنتهى . قال الناصب خفضه
الله أقول: حاصل ما ينقعه (2) في هذا الاستدلال من هذا الكلام: أن الله تعالى لو لم
يخلق المعجزة لغرض تصديق الأنبياء، لم يثبت النبوة، فعلم أن بعض أفعاله
(هامش)
(1) وفي الحدائق (ج 1 ص 462 ط تبريز) ما لفظه: وما رواه الصدوق في العلل في الموثق
عن عبد الله بن أبي يعفور عن الصادق (ع) في حديث قال فيه بعد أن ذكر اليهودي
النصرانوي والمجوس قال: والناصب لنا أهل البيت وهو شرهم إن الله تعالى لم يخلق خلقا
أنجس من الكلب وإن الناصب لنا أهل البيت عليهم السلام لأنجس منه، ورواه شيخنا
العلامة الحر العاملي في الوسائل (ج 1 ص 31 باب 11) عن كتاب العلل أيضا. (2)
النقيع: صوت الغراب. (*)
ص 440
تعالى معللة بالأغراض، والجواب: أنه إن أراد بهذا الغرض العلة الغائية الباعثة
للفاعل المختار على فعله الاختياري فهو ممنوع، وإن أراد أن الله تعالى يفيض المعجزة
بالقصد والاختيار، وغايته وفائدته تصديق النبي صلى الله عليه وسلم من غير أن يكون
تصديق النبي صلى الله عليه وسلم باعثا له على إفاضة المعجزة، فهذا مسلم، ويحصل من
تصديق الأنبياء من غير إثبات الغرض، وهذا مذهب الأشاعرة كما قدمنا. ثم إن هذا الرجل
يفتري عليهم المدعيات المخترعة من عند نفسه من غير تفهم لكلامهم، وتأمل في غرضهم،
فإنهم يعنون بنفي الغرض نقص الاحتياج من الله تعالى، ووافقهم في ذلك جميع الحكماء
الإلهيين، فإن كان هذا المدعى صادقا، فكيف يكفرهم ويرجح عليهم اليهود والنصارى؟ وإن
كان باطلا فيكون غلطا منهم في عقيدة بعثهم على اختيارها تنزيه الله تعالى من
الأغراض والنقص والاحتياج، فكيف يجوز ترجيح اليهود والنصارى عليهم؟ ومع ذلك افترى
(1) على الصادق عليه السلام كذبا في حقهم، وإن كان قد قال الصادق هذا الكلام، فيجب
حمله على طائفة أخرى غير الأشاعرة، كيف؟! والشيخ الأشعري الذي هو مؤسس هذه المقالة
تولد بعد سنين كثيرة من أزمان الصادق عليه السلام والأشاعرة كانوا بعده، فكيف ذكر
الصادق فيهم هذه المقالة؟ فعلم أن الرجل مفتر كودن كذاب مثل كوادن حلة وبغداد لا
أفلح من رجل سوء إنتهى .
(هامش)
(1) انظر إلى تعنت هذا الرجل ولجاجه كيف ينسب مولانا العلامة إلى الافتراء؟ مع أنك
اطلعت في التعليقة السابقة على كون الخبر مرويا ومأثورا عن صادق أهل البيت عليهم
السلام، روته الفطاحل من العلماء وحفظة الحديث، وأزمنتهم متقدمة على زمان العلامة
بمئات سنين كما لا يخفى. (*)
ص 441
أقول: قد مر رد ما نهق (1) به الناصب الحمار المهذار من الترديد بشقيه وبيان كذب ما
ادعاه من مواقة الحكماء مع الأشاعرة في هذه المسألة، وأما قوله: وإن كان هذا المدعى
باطلا، فيكون غلطا منهم في عقيدة الخ ففيه أنهم أصروا على تلك العقيدة الباطلة
ولم يتأملوا في حجج أهل الحق عنادا واستكبارا، ولم يلتفتوا إلى نصحهم إياهم
وإيضاحهم ذلك لهم بأوضح بيان أن النقص والاحتياج الذي توهموه، غير لازم كما مر،
وهذا دليل التعنت والجرأة على الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله فإذا أصروا
فيما يؤدي إلى إنكار جميع الأنبياء صح صدق أنهم أشر من اليهود والنصارى. ثم ما
توهمه من منافات تأخر الشيخ الأشعري عن زمان مولانا الصادق عليه السلام لصدق الحديث
الذي رواه المصنف عنه عليه السلام، مدفوع (2) بأنه لا يلزم من وصف شخص أحدا، أو
جماعة بوصف كلي أن يكون ذلك الواحد المبهم الموصوف به أو جميع الجماعات الموصوفة به
موجودة عند الوصف وذلك ظاهر، وإلا لزم أن يكون الموصوف بالايمان في قوله تعالى: يا
أيها الذين آمنوا ونحوه الموجودين في زمان نزول الآية دون من بعدهم من المؤمنين،
وبطلانه ظاهر، وبالجملة مرجع الضمير البارز في قول المصنف: حيث عدهم الناصبة
المجبرة، وهذا الوصف صادق على الأشعري وأتباعه المجبرة المتسترين بالكسب الذي لا
محصل له كما مر وسيجئ، وإن وجدوا بعد زمان مولانا الصادق عليه السلام، وكذا الحال
في الحديث (3) المشهور: من أن القدرية مجوس هذه الأمة، فإن المعتزلة يقولون: المراد
بالقدرية
(هامش)
(1) نهق الحمار كضرب وسمع نهيقا ونهاقا: صوت. (2) وحاصل مراده قدس سره: أن القضية
حقيقية بحسب الاصطلاح لا خارجية. فلا تغفل. (3) روي في كنز العمال (ج 1 ص 121 ط
حيدرآباد حديث 677) بسنده إلى الشيرازي (*)
ص 442
الأشاعرة، والأشاعرة يقولون المراد بها المعتزلة مع أن مبدء ظهور كل من هاتين
الفرقتين متأخر عن زمان النبي صلى الله عليه وآله بأكثر من مأة سنة، ولا يخفى أن
قصور شعور الناصب عن إدراك هذا المعنى المعلوم المعهود، من أعدل الشهود على أنه
أجهل وأبلد من كوادن اليهود. قال المصنف رفع الله درجته ومنها أنه يلزم مخالفة
الكتاب العزيز، لأن الله تعالى قد نص نصا صريحا في عدة مواضع من القرآن: أنه يفعل
لغرض وغاية لا عبثا ولعبا، قال الله تعالى وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما
لاعبين (1) وقال الله تعالى: أفحسبتم أنما
(هامش)
في الألقاب بسنده عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن رسول الله (ص) أنه قال: إن لكل
أمة مجوس ومجوس أمتي هذه القدرية (إنتهى). وروي في الكنز أيضا في تلك الصفحة (حديث
649) بسنده المنتهي إلى نعيم، بسنده عن أسن عن ابن عمر: القدرية مجوس أمتي. وروي في
تلك الصفحة أيضا: القدرية أوله مجوسي وآخره زنديق. إلى غير ذلك من الآثار المروية
في كتب القوم، وأما الأخبار المأثورة عن أهل البيت عليهم السلام فكثيرة متواترة
معنى، مستفيضة لفظا، مشهورة نقلا، صحيحة طريقا، مذكورة في الكتب المعتمدة، ومن راجع
إليها بانت له صحة هذه المقالة. وروي من الخاصة ثقة الإسلام الكليني في أصول الكافي
في باب الجبر والقدر (ص 155 الجزء الأول ط جديد طهران) بإسناده عن أمير المؤمنين
(ع) في حديث طويل إلى أن قال: تلك مقالة إخوان عبدة الأوثان وخصماء الرحمان وحزب
الشيطان وقدرية هذه الأمة ومجوسها الحديث . (1) الأنبياء. الآية 16. (*)
ص 443
خلقناكم عبثا (1) وقال الله تعالى وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون (2) وهذا
الكلام نص صريح في الغرض والغاية، وقال الله تعالى: فبظلم من الذين هادوا حرمنا
عليهم طيبات أحلت لهم وبصدهم عن سبيل الله (3) وقال الله تعالى: لعن الذين كفروا من
بني إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون (4) وقال الله
تعالى: ولنبلو أخباركم (5) والآيات الدالة على الغرض والغاية في أفعال الله تعالى
أكثر من أن تحصى، فليتق الله المقلد في نفسه ويخشى عقاب ربه وينظر فيمن يقلده، هل
يستحق التقليد أم لا؟ ولينظر إلى ما قال، ولا ينظر إلى من قال، وليستعد لجواب رب
العالمين، حيث قال: أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير (6) فهذا كلام
الله تعالى على لسان النذير، وهاتيك الأدلة العقلية المستندة إلى العقل الذي جعله
الله تعالى حجة على بريته، وليدخل في زمرة الذين قال الله تعالى عنهم: فبشر عبادي
الذين يستمعون القول، فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا
الألباب (7) ولا يدخل نفسه في زمرة الذين قال الله عنهم: قالوا ربنا أرنا اللذين
أضلانا من الجن والإنس نجعلهما تحت أقدامنا ليكونا من الأسفلين (8) ولا يعذر بقصر
(هامش)
(1) المؤمنون. الآية 115. (2) الذاريات. الآية 56. (3) النساء. الآية 160. (4)
المائدة. الآية 78. (5) محمد (ص). الآية 31. (6) فاطر. الآية 37. (7) الزمر. الآية
17. (8) فصلت. الآية 29. (*)
ص 444
العمر، فهو به طويل على الفكر (1) لوضوح الأدلة وظهورها، ولا بعدم المرشدين، فالرسل
متواترة، والأئمة متتابعة، والعلماء متظافرة إنتهى . قال الناصب خفضه الله أقول:
قد ذكرنا فيما سبق: أن ما ورد من الظواهر الدالة على تعليل أفعاله أفعاله تعالى فهو
محمول على الغاية والمنفعة دون الغرض والعلة، فقوله تعالى: وما خلقت الجن والإنس
إلا ليعبدون، فالمراد منه أن غاية خلق الجن والإنس والحكمة والمصلحة فيه، كانت هي
العبادة، لا أن العبادة كانت باعثا لنا على الفعل كما في أرباب الإرادة الناقصة
الحادثة، وكذا غيره من نصوص الآيات، فإنها محمولة على الغاية والحكمة لا على الغرض
إنتهى . أقول: قد بينا فيما سبق: أن ما توهموه من استلزام إثبات الغرض للنقص،
مردود لا يصلح باعثا لتأويل النصوص، فالصواب إبقاؤها على ظواهرها. قال المصنف رفع
الله درجته ومنها أنه يلزم تجويز تعذيب أعظم المطيعين لله تعالى كالنبي صلى الله
عليه وآله، بأعظم أنواع العذاب، وإثابة أعظم العاصين له كإبليس وفرعون بأعظم مراتب
الثواب، لأنه إذا كان يفعل لا لغرض وغاية، ولا لكون الفعل (2) حسنا ولا يترك الفعل
لكونه
(هامش)
(1) أي العمر وإن قصر فهو طويل عند الفكر، لأنه لا يقتضي زمانا طويلا لتحقيق الحق
لوضوح الأدلة. منه قده (2) فيه إشارة إلى أن ما قالوه في هذه المقام من أن
أفعاله تعالى مشتملة على الحكمة والمصلحة في ذاته لكن ليس ملحوظا له ذلك على وجه
العلية والغرضية ينافي ما قالوا في بحث الحسن والقبح من أنه لا حسن للفعل في نفسه
قبل ورود الشرع تأمل. منه قده (*)
ص 445
قبيحا، بل مجانا لغير غرض لم يكن تفاوت بين سيد المرسلين وبين إبليس في الثواب
والعقاب، فإنه لا يثيب المطيع لطاعته، ولا يعاقب العاصي لعصيانه، فهذان الوصفان إذا
تجردا عند الاعتبار في الإثابة والانتقام لم يكن لأحدهما أولوية الثواب ولا العقاب
دون الآخر، فهل يجوز لعاقل يخاف الله تعالى وعقابه أن يعتقد في الله تعالى مثل هذه
العقائد الفاسدة؟ مع أن الواحد منا لو نسب غيره إلى أنه يسئ إلى من أحسن إليه ويحسن
إلى من أساء إليه قابله بالشتم والسب، ولم يرض ذلك منه، فكيف يليق أن ينسب ربه إلى
شيئ يكرهه أدون الناس لنفسه؟! قال الناصب خفضه الله أقول: هذا الوجه بطلانه أظهر من
أن يحتاج إلى بيان، لأن أحدا لم يقل بأن الفاعل المختار الحكيم لم يلاحظ غايات
الأشياء والحكم والمصالح فيها، فإنهم يقولون في إثبات صفة العلم: إن أفعاله متقنة،
وكل من كان أفعاله متقنة فلا بد أن يلاحظ الغاية والحكمة، فملاحظة الغاية والحكمة
في الأفعال لا بد من إثباته بالنسبة إليه تعالى، وإذا كان كذلك، كيف يجوز التسوية
بين العبد المطيع والعبد العاصي؟ وعندي أن الفريقين من الأشاعرة والمعتزلة ومن
تابعهم من الإمامية لم يحرروا هذا النزاع، ولم يبينوا محله، فإن جل أدلة المعتزلة
دلت على أنهم فهموا من كلام الأشاعرة نفي الغاية والحكمة والمصلحة، وأنهم يقولون:
إن أفعاله اتفاقيات كأفعال من لم يلاحظ الغايات، واعتراضاتهم واردة على هذا، فنقول:
الأفعال الصادرة من الإنسان مثلا مبدءها دواعي مختلفة، ولا بد لهذه الدواعي
المختلفة من ترجيح بعضها على بعض، والمرجح هو الإرادة الحادثة، فذلك الداعي الذي
بعد الفاعل على الفعل مقدم على وجود الفعل، ولولاه لم يكن للفاعل المختار أن يفعل
ذلك الفعل، فهذا الفعل بالاختيار يحتاج في صدور الفعل عنه إلى ذلك الباعث وهو العلة
الغائية والغرض، هذا تعريف الغرض في اصطلاح القوم، فإن عرض
ص 446
هذا على المعتزلي فاعترف بأنه تعالى في أفعال صاحب هذا الغرض لزمه إثبات الاحتياج
لله تعالى في أفعاله وهو لا يقول بهذا قط، لأنه ينفي الصفات الزائدة ليدفع
الاحتياج، فكيف يجوز الغرض المؤدي إلى الاحتياج؟ فلا شك أنه ينفي الصفات الزائدة
ليدفع الاحتياج إلى هذا من الله تعالى، فبقي أن مراده من إثبات الغرض دفع العبث من
أفعاله تعالى، فهو يقول: إن الله تعالى مثلا خلق الخلق للمعرفة يعني غاية الخلق
والمصلحة التي لاحظتها حكمة الله تعالى ودارت عليها هي المعرفة، لا أنه يفعل
الأفعال لا لغرض ومقصود كالعابث واللاعب، فهذا عين ما يقوله الأشاعرة: من إثبات
الغاية والمصلحة، فعلم أن النزاع نشأ من عدم تحرير المدعى إنتهى . أقول: من
العجب! أنه يحكم بأن بطلان ما ذكره المصنف أظهر من أن يخفى، ثم يحكم آخرا بأنه صالح
للصلح بوجه، وأما ما ذكره بقوله: لأن أحدا لم يقل: بأن الفاعل المختار، لم يلاحظ
غايات الأشياء الخ . فإنما يدل على عدم القول: بأن الفاعل للشيئ غير ملاحظ
لغايته، بمعنى أنه يتصور تلك الغاية والمصلحة الحاصلة في ذات الشيئ، لا أنه يجعل
تلك الغاية والمصلحة منشئا وعلة لصدور ذلك الشيئ عنه، والمعتزلة يوجبون ملاحظة
الفاعل لغاية الشيئ، بمعنى قصده كون تلك الغاية منشئا وعلة لصدور ذلك الشيئ عنه،
وأين هذا من ذاك؟! ومن البين أن مجرد تصور الغاية الحاصلة في ذات الفعل بدون أن
يجعل منشئا لصدور الفعل، لا يمنع عن التسوية بين العبد المطيع والعبد العاصي، لجواز
أن يتصور ذلك، ولا يجعله علة ومنشئا لصدور الفعل، فيجوز استعماله في خلاف ما اقتضته
الغاية الكائنة فيه، وأما ما ذكره من الصلح فهو مبني على تخليطه المذكور فيكون صلحا
من غير تراضي الخصمين. (*)
ص 447
قال المصنف رفع الله درجته
المطلب الخامس في أنه تعالى يريد الطاعات ويكره المعاصي 
هذا مذهب الإمامية، قالوا: إن الله تعالى أراد الطاعات سواء وقعت أو لا، ولم
يرد المعاصي سواء وقعت أو لا، ولم يكره الطاعات سواء وقعت أو لا، وخالفت الأشاعرة
مقتضى العقل والنقل في ذلك، فذهبوا إلى أن الله تعالى يريد كل ما وقع في الوجود
سواء كان طاعة أو لا، وسواء أمر به أو لا، وكره كل ما لم يقع، سواء كان طاعة أو لا،
وسواء أمر به أو نهى عنه، فجعلوا كل المعاصي الواقعة في الوجود من الشرك والظلم
والجور والعدوان وأنواع الشرور مرادة الله تعالى -
(هامش)
(1) هذه المسألة مما وقع النزاع فيه، فذهب الأصحاب وأكثر المعتزلة إلى أنه تعالى قد
أراد الطاعات وأحبها ولم يكرهها، وأنه تعالى وتقدس كره المعاصي والقبايح ولم يرضها،
وذهب جل الأشاعرة وشرذمة من المعتزلة إلى أنه سبحانه يريد الكل طاعة كانت أو معصية
حسنا كان بحكم العقل أو قبيحا. والحق الذي لا مرية فيه ولا ارتياب ما اختاره
الأصحاب لقيام الأدلة السمعية والعقلية على ذلك كما ستأتي الإشارة إلى بعضها. ومن
التوالي الفاسدة المترتبة على مقالة الأشاعرة كما أفاده بعض المحققين من مشايخ
مشايخنا كون العاصي مطيعا بعصيانه حيث أوجد مراده تعالى وفعل وفق مراده. ومنها نسبة
القبح إلى ساحته المقدسة لأن إرادة القبيح قبيحة، وقد مر أنه منزه عن القبايح. إلى
غير ذلك مما يحكم بفساده العقل السليم الخالي عن شوائب الأوهام وهواجس إبليس، عصمنا
الله من هذه المقالات. ولله در مولينا الشريف الآية الباهرة السيد محمد الباقر
الحجة الطباطبائي الحائري من مشايخ والدي العلامة في الرواية حيث يقول في منظومته
المسماة بمصباح الظلام في (*)
ص 448
وأنه تعالى راض بها، وبعضهم قال: إنه محب لها. وكل الطاعات التي لم تصدر عن الكفار،
مكروهة لله تعالى غير مريد لها، وأنه تعالى أمر بما لا يريد ونهى عما لا يكره، وأن
الكافر فعل في كفره ما هو مراد الله تعالى، وترك ما كرهه الله تعالى من الايمان
والطاعة منه، وهذا القول تلزم منه محالات: منها نسبة القبيح إلى الله تعالى لأن
إرادة القبيح قبيحة، وكراهة الحسن قبيحة، وقد بينا أنه تعالى منزه عن فعل القبائح
كلها إنتهى قال الناصب خفضه الله أقول: قد سبق أن مذهب الأشاعرة أن الله تعالى
مريد لجميع الكائنات غير مريد لما لا يكون، فكل كائن مراد له، وما ليس بكائن ليس
بمراد، واتفقوا على جواز إسناد الكل إليه تعالى جملة، واختلفوا في التفصيل كما هو
مذكور في موضعه، ومذهب المعتزلة ومن تابعهم من الإمامية أنه تعالى مريد لجميع
أفعاله، وأما أفعال العباد فهو مريد للمأمور به منها كاره للمعاصي والكفر، ودليل
الأشاعرة أنه خالق للأشياء كلها وخالق الشيئ بلا إكراه مريد له بالضرورة، وأما ما
استدل به هذا الرجل في عدم جواز إرادة الله تعالى للشرك والمعاصي فهو من استدلالات
(هامش)
علم الكلام: إرادة القبيح ممن امتنع * منه القبيح يستحيل أن يقع فكل ما يفعله عبيده
* من القبيح فهو لا يريده وكيف لو أراده فالأمر * والنهي لغو وهو أمر نكر فلا يريد
غير فعل الطاعة * من عبده عصاه أو أطاعه إلى آخر ما أفاده شكر الله مساعيه وحشره
تحت لواء جده أمير المؤمنين سلام الله عليه آمين. آمين. ج 28
ص 449
المعتزلة، والجواب أن الشرك مراد لله تعالى بمعنى أنه أمر قدره الله تعالى في الأزل
للكافر لا أنه رضي به، وأمر المشرك به، وهذا من باب التباس الرضا بالإرادة، وأما
كون الطاعات التي لم تصدر عن الكفار مكروهة لله تعالى، فإن أراد بالكراهة، عدم تعلق
الإرادة به فصحيح، لأنه لو أراد لوجد، وإن أراد عدم الرضا به فهو باطل، لأنه لم
يحصل في الوجود حتى يتعلق به الرضا أو عدمه، وأما أنه تعالى أمر بما لا يريد ونهى
عما يكره، فإنه تعالى أمر الكفار بالاسلام، ولم يرد إسلامهم، بمعنى عدم تقدير
إسلامهم وهذا لا يعد من السفه، ولا محذور فيه، وإنما يكون سفها لو كان الغرض من
الأمر منحصرا في إيقاع المأمور به، ولكن هذا الانحصار ممنوع، لأنه ربما كان لإتمام
الحجة عليهم، فلا يعد سفها، وأما ما ذكره: من لزوم نسبة القبيح إلى الله تعالى لأن
إرادة القبيح قبيحة، فجوا به أن الإرادة بمعنى التقدير وتقدير خلق القبيح في نظام
العالم ليس بقبيح من الفاعل المختار، إذ لا قبيح بالنسبة إليه، على أن هذا مبني على
القبح العقلي وهو ممنوع عندنا، ومع هذا فإنه مشترك الالزام لأن خلق الخنزير الذي هو
القبيح يكون قبيحا، والله تعالى خلقه بالاتفاق منا ومنكم إنتهى . أقول لا يخفى
أن صغرى ما ذكره من دليل الأشاعرة ممنوعة، وإنما الله سبحانه خالق ما يكون خيره
غالبا على شره، والقبائح الصادرة من الشاهد لا يليق صدورها منه سبحانه، وأما ما
ذكره من الجواب فهو مبني على ما اخترعه واصطلحه من جعل الإرادة بمعنى التقدير، وقد
سبق أنه يمكن كونه قد تبع في ذلك للنعمانية (1)
(هامش)
(1) عدة انتسبوا إلى محمد بن علي بن النعمان أبي جعفر الأحول المشتهر بمؤمن الطاق
البجلي الكوفي أورده شيخ الطائفة المحقة أبو جعفر الطوسي في الفهرست (ص 131 ط نجف)
وقال (*)
ص 450
من طوائف الشيعة، وكونه متوهما لاصطلاح أصحابه على ذلك من كلام شارح العقائد فتذكر،
وأيضا إن أراد بالتقدير الخلق فهو أول البحث والنزاع، لأنا نمنع كون الشرك ونحوه من
القبائح المشاهدة في الشاهد صادرة عنه تعالى، وإن أراد التبيين والاعلام والكتابة
في اللوح المحفوظ ونحو ذلك من معاني القدر فهو خارج عن محل النزاع، كما عرفت في بحث
القضاء والقدر، وقد سبق أيضا أن الفرق بين الإرادة والرضا غير مرضي، وأما ما ذكره
بقوله وأما كون الطاعات التي لم تصدر عن الله تعالى مكروهة له تعالى فيظهر من
تعقيبه إياه بالترديد الآتي إنه في زعمه شيئ ذكره المصنف وهو افتراء بلا امتراء،
لأن المصنف لم يذكر أن الطاعات التي لم تصدر عن الكفار مكروهة لله تعالى، بل قال
إنه تعالى أراد الطاعات سواء وقعت أو لا، وأين هذا من ذاك؟ مع أن ذلك الترديد مردود
بأنه يفهم من شقه الثاني أن تعلق الرضا بالفعل فرع
(هامش)
في حقه ما حاصله: كان حسن الاعتقاد والهدى، حاذقا في صناعة الكلام، سريع الحاضر
والجواب، وله مع أبي حنيفة مناظرات منها لما مات الصادق ع قال أبو حنيفة له: قد
مات إمامك، قال: لكن إمامك لا يموت إلى يوم القيامة (يعني إبليس) وهو من أصحاب
الصادق ع وقد لقي زيد بن زين العابدين وناظره على إمامة أبي عبد الله (ع) ولقي
زين العابدين وكان شاعرا، وله كتب منها كتاب الإمامة وكتاب المعرفة وغيرهما. وذكره
في لسان الميزان في (ج 5 ص 300 ط حيدر آباد) وفي فهرست ابن النديم (ص 8 ط مصر)
أقول: ومن تآليفه كتاب الرد على المعتزلة في إمامة المفضول وكتاب الجمل في أمر طلحه
والزبير وكتاب إثبات الوصية وكتاب افعل لم فعلت وكتاب إفعل لا تفعل قال فيه إن كبار
الفرق أربعة القدرية والخوارج والعامة والشيعة وعين الشيعة بالنجاة في الآخرة من
هذه الفرق كما نقله الشهرستاني في الملل (ج 1 ص 314 ط مصر). ثم لا يذهب عليك إن
النعمانية نسبوا إلى المترجم مقالات منكرة هو برئ منها كما يفصح عن ذلك كلمات
الفطاحل من أرباب كتب التراجم من الفريقين وكفى في ذلك نص أصحابنا كشيخ الطائفة
(قده) وغيره على جلالته. (*)
ص 451
وجوده وهو ظاهر البطلان، لأن من خطب امرأة فأجابته يقال إنها رضيت بتزويجه إياها مع
أنه لم يحصل التزويج بعد، وأما ما ذكره بقوله فجوابه أن الإرادة بمعنى التقدير،
وتقدير خلق القبيح في نظام العالم الخ فوهنه ظاهر، أما أولا فلما مر مرارا من
أن الإرادة لم تجئ بمعنى التقدير لغة وعرفا، وأما ثانيا فلأنه إن أراد بقوله في
نظام العالم مجرد جعله ظرفا لخلق القبيح أي خلق القبيح الواقع في جملة مخلوقات
العالم فهذا لغو من القول كما لا يخفى. وإن أراد به الاشعار إلى مدخلية خلق القبيح
في نظام العالم وتعليل حسنه في الجملة به فهو مخالف لمذهب الأشعري النافي لتعليل
الأفعال، ولقاعدة الأصلح بنظام الكل كما ذهب إليه الحكماء والإمامية، وأما ثالثا
فلأنه لو تم ما ذكره آخرا بقوله إذ لا قبيح بالنسبة إليه تعالى لتم المدعى ولغي (خ
ل لغيت) المقدمات السابقة ولا يظهر وجه لتعليل تلك المقدمات بالعلة المذكورة كما لا
يخفى، وبالجملة ظهر أن في كلام الناصب خلط وخبط، وأنه لا معنى للإرادة عند الأشاعرة
إلا ما مر من الصفة المخصصة وحينئذ نقول: إن إرادة القبيح قبيحة، لأن الله تعالى
أوعد الكفار والشياطين بإرادة القبيح كما أوعدهم بفعله في قوله تعالى ويريدون أن
يتحاكموا إلى الطاغوت إلى قوله تعالى: ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا (1)
الآية، مع أن العقلاء يذمون من نهى شخصا عن شيئ وأتى بمثله لقولهم: لا تنه عن خلق
وتأتي مثله * عار عليك إذا فعلت عظيم قال المصنف رفع الله درجته منها (2) كون
العاصي مطيعا بعصيانه حيث أوجد مراد الله تعالى وفعل وفق مراده.
(هامش)
(1) النساء الآية 60. (2) قد مر القول فيه منافي التعليقة السابقة وأشبعنا الكلام
هناك فراجع ثم إن قوله، منها أي من اللوازم الباطلة. (*)
ص 452
قال الناصب خفضه الله أقول: جوابه أن المطيع من أطاع الأمر والأمر غير الإرادة،
فالمريد هو المقدر للأشياء ومرجح وجوداتها، فإذا وقع الخلق على وفق إرادته فلا يقال
إن الخلق أطاعوه، نعم إذا أمرهم بشيئ فأطاعوه يكونون مطيعين إنتهى أقول: قد مر
بيان أن الأمر مستلزم للإرادة، وأن كون الإرادة بمعنى التقدير والمريد بمعنى المقدر
من اختراعات الناصب وتقديراته وتمويهاته، ومع ذلك لا يسمن ولا يغني من جوع كما لا
يخفى. قال المصنف رفع الله درجته ومنها كونه تعالى يأمر بما يكرهه، لأنه أمر الكافر
بالايمان وكرهه منه من حيث لم يوجد وينهى عما يريده لأنه نهاه عن الكفر وأراده منه،
وكل من فعل ذلك من أشخاص البشر نسبه كل عاقل إلى السفه والحمق تعالى الله عن ذلك
علوا كبيرا، فكيف يجوز للعاقل أن ينسب إلى ربه تعالى ما يتبرء هو منه ويتنزه عنه؟
إنتهى قال الناصب خفضه الله أقول: قد سبق المنع من أن الأمر بخلاف ما يريده بعد
سفها، وإنما يكون كذلك لو كان الغرض من الأمر منحصرا في إيقاع المأمور به، وليس
كذلك، لأن الممتحن لعبده هل يطيعه أم لا؟ قد يأمره ولا يريد منه الفعل أما أن
الصادر منه أمرا حقيقة فلأنه إذا أتى العبد بالفعل يقال: امتثل أمر سيده، وأما أنه
لا يريد الفعل منه فلأنه لا يحصل مقصوده وهو الامتحان أطاع أو عصى، فلا سفه في
الأمر بما لا يريده الآمر.
ص 453
أقول: قد سبق أن ذلك المنع مكابرة، وما استند به على كون الأمر في تلك الصورة أمر
حقيقة بأنه إذا أتى العبد بالفعل يقال: امتثل أمر سيده مدفوع، بأن ذلك لا يكفي في
حصول حقيقة الأمر، بل لا بد أن يكون ذلك المأمور به مرادا، ولو كفى صورة الأمر وصدق
الامتثال في ذلك، لزم أن يكون الخبر المراد به الأمر اتفاقا كقوله تعالى: والمطلقات
يتربصن بأنفسهن ثلثة قروء (1) الآية. خبرا حقيقة، لأنه إذا سمعه المخاطب يحكم بأنه
كلام خبري مشتمل على النسبة التامة، وبطلانه ظاهر. قال المصنف رفع الله درجته ومنها
مخالفة (2) النصوص القرآنية الشاهدة بأنه تعالى يكره المعاصي ويريد الطاعات كقوله
تعالى: وما الله يريد ظلما للعباد (3) وكل ذلك كان سيئه عند ربك مكروها، (4) فإن
الله غني عنكم ولا يرضى لعباده الكفر، وإن
(هامش)
(1) البقرة. الآية 228 (2) وكذا الروايات النبوية التي أو دعوها في كتبهم بحيث لا
يمكن إنكارها، ورأيت من علمائهم من يؤولها بتأويلات باردة تستمجها الطباع السليمة
والسلق المستقيمة هذا حال ما عندهم من الأحاديث وأما ما عندنا من الأخبار في هذا
الشأن فهي كثيرة عددا ناصة دلالة صحيحة سندا، وإن شئت الوقوف على ذلك والتطلع بما
هنا لك فراجع الكافي والتوحيد وغيرهما عصمنا الله من الزلل وأيقظ المخالف من سنة
الغفلة أو نومة الأرنب والثعلب آمين آمين. (3) المؤمن. الآية 31 (4) الاسراء. الآية
38. (*)
|