شرح إحقاق الحق (ج2) |
ص 201
أما الكبائر فمنعه الجمهور من المحققين ، والأكثر على أنه ممتنع سمعا ، قال القاضي
(1) والمحققون من الأشاعرة : إن العصمة فيما وراء التبليغ غير واجبة عقلا ، إذ لا
دلالة للمعجزة عليه ، فامتناع الكبائر منهم عمدا يستفاد من السمع وإجماع الأمة قبل
ظهور المخالفين في ذلك ، وأما صدورها سهوا أو على سبيل الخطأ في التأويل ، فالمختار
عدم جوازه ، وأما الصغائر عمدا فجوزها الجمهور ، أما سهوا فهو جائز اتفاقا بين أكثر
أصحابنا وأكثر المعتزلة إلا الصغائر الخسيسة كسرقة حبة أو لقمة مما ينسب فاعله إلى
الدنائة والخسة والرذالة ، وقالت الشيعة : لا يجوز عليهم صغيرة ولا كبيرة لا عمدا
ولا سهوا ولا خطأ في التأويل ، وهم مبرؤن عنها قبل الوحي فكيف بعد الوحي ، ودليل
الأشاعرة على وجوب عصمة الأنبياء من الكبائر سهوا وعمدا من وجوه ، ونحن نذكر بعض
الأدلة لا للاحتجاج بها على الخصم ، لأنه موافق في هذه المسألة ، بل لرفع افترائه
على الأشاعرة في تجويز الكبائر على الأنبياء الأول لو صدر عنهم ذنب لحرم اتباعهم
فيما صدر عنهم ، ضرورة أنه يحرم ارتكاب الذنب ، واتباعهم واجب للاجماع عليه ،
ولقوله تعالى : إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله (2) ، وهذا الدليل يوجب
وجوب عصمتهم عن الصغائر والكبائر ، ذكره الأشاعرة وفيه موافقة الشيعة ، فعلم أن
الأشاعرة يوافقونهم في وجوب عصمة الأنبياء من الصغائر والكبائر ، لكن في الصغائر
تجويز عقلي لدليل آخر كما سيأتي في تحقيق العصمة الثانية لو أذنبوا لردت شهادتهم ،
إذ لا شهادة للفاسق بالإجماع ، واللازم باطل بالإجماع ، لأن ما لا يقبل شهادته في
القيل الزائل من متاع الدنيا كيف تسمع شهادته في الدين القيم إلى يوم القيامة ،
وهذا
(1) هو أبو بكر الباقلاني صاحب كتاب التمهيد وقد تقدمت ترجمته (ج 1 ص 247) فراجع .
(2) آل عمران . الآية 31 . (*)
الدليل يدل على وجوب عصمتهم من الكبائر والاصرار على الصغائر ، لأنها توجب الرد لا
نفس صدور الصغيرة ، الثالث إن صدر عنهم ذنب وجب زجرهم وتعنيفهم لعموم وجوب الأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر وإيذائهم حرام إجماعا ، وأيضا لو أذنبوا لدخلوا تحت قوله
تعالى : ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم (1) وتحت قوله تعالى : ألا لعنة الله
على الظالمين (2) ، وتحت قوله تعالى لوما ومذمة : لم تقولون ما لا تفعلون وقوله
تعالى : أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم (3) فيلزمكم كونهم موعدين بعذاب جهنم
وملعونين ومذمومين ، وكل ذلك باطل إجماعا ، وهذا الدليل أيضا يدل على عصمتهم من كل
الذنوب ، وغيرها من الدلائل التي ذكرها الإمام الرازي (4) ، والغرض أن كل ما ذكر
هذا الرجل مما يترتب على ذنوب الأنبياء من لزوم إبطال حجة الله تعالى فمذهب
الأشاعرة برئ عنه ، وهم ذكروا هذه الدلائل ، وأما تجويز الصغائر التي لا تدل على
الخمسة ، فلان الصغيرة النادرة عمدا معفوة عن مجتنب الكبائر ، والنبي بشر ولا يبعد
من البشر وقوع هذا ، ثم اعلم أن تحقيق هذا المبحث يرجع إلى تحقيق معنى العصمة ، وهي
عند الأشاعرة على ما يقتضيه أصلهم من استناد الأشياء كلها إلى الفاعل المختار
ابتداء أن لا يخلق الله فيهم ذنبا ، فعلى هذا تكون الأنبياء معصومين من الكفر
والكبائر والصغائر الدالة على الخمسة والرذالة ، وأما غيرها من الصغائر فإنهم
يقولون : لا تجب عصمتهم عنها لأنها معفو عنها بنص الكتاب من تارك الكبيرة : إن
الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم إن ربك واسع المغفرة
(1) الجن . الآية 23 . (2) هود . الآية 18 . (3) البقرة . الآية 44 . (4) قد مرت
ترجمته في (ج 1 ص 110) (*)
هو أعلم بكم إذ انشأكم من الأرض وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم فلا تزكوا أنفسكم هو
أعلم بمن اتقى (1) دلت الآية على أن مجتنب الكبيرة والفاحشة معفو عنه ما صدر من
الصغائر عنه ، وفي الآية إشارة إلى أن الإنسان لما خلق من الأرض ونشأ منها فلا يخلو
عن الكدورات الترابية التي تقتضي تقتضي الذنب والغفلة فكان بعض الذنوب يصدر بحسب
مقتضى الطبع ، ولما لم يكن خلاف ملكة العصمة فلا مؤاخذة به ، وأما العصمة عند
الحكماء فهي ملكة تمنع الفجور ، وتحصل هذه ابتداء بالعلم بمثالب (2) المعاصي ومناقب
الطاعات وتتأكد في الأنبياء بتتابع الوحي إليهم بالأوامر الداعية إلى ما ينبغي
والنواهي الزاجرة عما لا ينبغي ، ولا اعتراض على ما يصدر عنهم من الصغائر سهوا أو
عمدا عند من يجوز تعمدها من ترك الأولى والأفضل ، فإنها لا تمنع العصمة التي هي
الملكة (3) فإن الصفات النفسانية تكون في ابتداء حصولها أحوالا (4) ثم تصير ملكات
بالتدريج ثم إن الأنبياء مكلفون بترك الذنوب مثابون به ، ولو كان الذنب ممتنعا عنهم
لما كان الأمر كذلك إذ لا تكليف بترك الممتنع ولا ثواب عليه ، وأيضا فقوله : قل
إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي (5) يدل على مماثلتهم لسائر الناس فيما يرجع إلى
البشرية والامتياز بالوحي لا غير ، فلا يمتنع صدور الذنب عنهم كما في سائر البشر
هذا حقيقة مذهب الأشاعرة ، ومن
(1) النجم . الآية 32 . (2) المثالب جمع المثلية . العيب . (3) كيفية نفسانية راسخة
حاصلة من كثرة الممارسة بشيء ، ومزيلها المداومة على خلافها ، ولها انقسامات
باعتبارات ليس المجال متسعا لذكرها . (4) الحال كيفية نفسانية غير راسخة . ولها
أيضا انقسامات كما يظهر لمن راجع كتب الفلسفة والكلام . (5) الكهف . الآية 110 .
(*)
تأمل فيه علم أنه الحق الصريح المطابق للعقل والنقل ، كل ما ذكره هذا الرجل على
سبيل التشنيع فلا يأتي عليهم كما علمته مجملا وستعلمه مفصلا عند أقواله . وما ذكره
من قصة سورة النجم وقراءة النبي (ص) ما لم يكن من القرآن فهذا أمر لم يذكر في
الصحاح بل هو مذكور في بعض التفاسير ، وذكروا أن النبي (ص) لما اشتد عليه اعتراض
قومه عن دينه تمنى أن يأتيه من الله تعالى ما يتقرب إليهم ويستميل قلوبهم ، فأنزل
الله عليه سورة النجم ولما اشتغل بقرائتها قرأ بعد قوله تعالى أفرأيتم اللات والعزى
ومناة والثالثة الأخرى تلك الغرانيق العلى منها الشفاعة ترتجى ، فلما سمعه قريش
فرحوا به وقالوا قد ذكر آلهتنا بأحسن الذكر فأتاه جبرئيل (1) بعد ما أمسى وقال له
تلوت على الناس ما لم أتله عليك : فحزن النبي (ص) لذلك حزنا شديدا وخاف من الله
خوفا عظيما ، فنزل لتسليته : وما أرسلنا من قبلك من رسول الآية (2) هذا ما ذكره بعض
المفسرين واستدل به من جوز الكبائر على الأنبياء ، والأشاعرة أجابوا عن هذا بأنه
على تقدير حمل التمني على القرائة هو أنه من إلقاء الشيطان يعني أن الشيطان قرأ هذه
الآية المنقولة وخلط صوته بصوت النبي حتى ظن النبي أنه (ص) قرأها ، قالت الأشاعرة :
وإن لم يكن من إلقاء الشيطان بل كان النبي صلى الله عليه قاريا لها كان ذلك كفرا
صادرا عنه وليس بجائز إجماعا ، وأيضا ربما كان ما ذكر من العبارة قرآنا وتكون
الإشارة بتلك الغرانيق إلى الملائكة فنسخ تلاوتها للابهام (3)
(1) فيه لغات كجبرعيل ، وجزقيل ، وجبرعل ، وسمويل ، وجهراعل ، وخزعال ، وطربال ،
وجبريل ، وجبريل بفتح الياء ، وجبربيل ، وجبيرين ، والجبار بالتخفيف فاللفظة من باب
(فالعبوا به) عند أهل الادب ، أي كيفما تلفظت لم يكن لحنا ولا غلطا . (2) الأنبياء
. الآية 25 . (3) الابهام في الاصطلاح هو أن يطلق لفظ له معنيان قريب وبعيد يراد به
البعيد ، وبهذا المعنى يرادف التورية كما نص عليه أرباب البلاغة . (*)
ومن قرأ سورة النجم وتأمل في تتابع آياتها عليم أن هذه الكلمات لا يلتئم وقوعها بعد
ذكر الأصنام ولا في أحدثنائها ولا يمكن للبليغ أن يتفوه بها في مدح الأصنام عند ذكر
مذمتها ، نعم يلتئم ذكرها عند ذكر الملائكة وهو قوله تعالى : وكم من ملك في
السماوات لا تغني شفاعتهم شيئا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى (1) فهاهنا
ما يناسب أن تقرأ تلك الغرانيق العلى وأن شفاعته لترتجى ، فعلم أنه لو صح هذا لكان
في وصف الملائكة ثم نسخ للابهام (2) أو لغيره والله أعلم . هذه أجوبة الأشاعرة ،
فعلم أن ما اعترض عليهم هذا الرجل فهو من باب مفترياته وأما المغاربة (3) . فهم
يمنعون صحة هذا عن أصله ، وذكر الشيخ الإمام القاضي أبو الفضل موسى بن عياش اليحصبي
المغربي (4) في كتاب الشفا (5) بتعريف حقوق المصطفى (ص) : إن هذا من المفتريات
وتعلق بها الملاحدة (6) ولا أصل له ، وبالغ في هذا كل المبالغة انتهى . أقول يتوجه
عليه وجوه من الكلام وضروب من الملام أما أولا فلأن قوله : فمنعه
(1) النجم . الآية 26 . (2) قد مر معناه المصطلح . (3) جمع المغربي أريد بهم محدثو
بلاد الأندلس وإفريقيا وغيرهما من أقطار المغرب وهم كابن حزم والقضاعي والطفيلي
والقرطبي والطليطلي وخلق لا يحصون . (4) قد مرت ترجمته في أوائل هذا الجزء وستأتي .
(5) ذكره في الشفا (ج 2 ص 117 المطبوع بالاستانة في المطبعة العثمانية) في فصل
عنونه بقوله : وقد توجهت علينا فراجع . (6) قد مر المراد بهم في أوائل هذا الجزء .
(*)
الأستاذ أبو إسحاق وكثير من الأئمة الأعلام لا يخلو عن تمويه إذ جوزه القاضي أبو
بكر كما ذكر في المواقف وهو من أعلام الأشاعرة ، وأما ثانيا فلأن دعواه الإجماع على
عصمة الأنبياء من الكفر قبل النبوة وبعدها كاذبة ، لأن ابن فورك (1) من الأشاعرة
مخالف في ذلك وجوز بعثة من كان كافرا ، ويدل عليه أيضا ما سنذكره من كلام الغزالي
(2) في المنخول ، وقال بعض الحشوية : إن نبينا (ص) كان كذلك لقوله تعالى ووجدك ضالا
فهدى (2) وهو غلط إذ الضلال هاهنا عدم الرشد فيما يتعلق بالأمور الشرعية قبل البعثة
، وأما ثالثا فلأن ما ذكره من أنه جوز الشيعة إظهار الكفر تقية شيء ذكره صاحب
المواقف وهو فرية بلا مرية وقد خاب من افترى ، يدل على ذلك كلام الفاضل البدخشي
الحنفي (4) في بحث الأفعال من شرح
(1) هو محمد بن الحسن (الحسين خ ل) بن فورك أبو بكر الإصبهاني الأصولي المتكلم
النحوي الأديب له كتب منها كتاب مشكل الحديث وقد طبع بعضه بالهند وغيره من الآثار
في الفقه وأصوله والكلام والأدب نقل المحدث القمي في ص 368 من كتاب الكنى كلاما له
، وهو أنه كان يقول : شغل العيال نتيجة متابعة الشهوة بالحلال فما ظنك بقضية شهوة
الحرام ، توفي مسموما سنة 406 وقيل 446 ، والأول أقرب إلى الصحة ، ونقل نعشه إلى
بلدة نيسابور ودفن في محلة الحيرة من محلاتها الكبيرة . (2) قد مرت ترجمته (ج 1 ص
145) وكتاب المنخول مطبوع معروف . (3) الضحى . الآية 7 . (4) هو العلامة الشيخ نظام
الدين الحنفي البدخشي ، قال العلامة السيد عبد الحي الحسيني في كتاب نزهة الخواطر
(ج 4 ص 481) ما لفظه : الشيخ نظام الدين الحنفي البدخشي (نواب غازيخان) كان من نسل
الحسن بن أبي الحسن البصري ، ولد بخراسان وقرء العلم على مولانا محمد سعيد ،
والعلامة عصام الدين إبراهيم الاسفرائيني وعلى غيرهما من الأساتذة وتلقن الذكر عن
الشيخ حسين الخوارزمي ، وقد الهند سنة اثنتين وثمانين = (*)
منهاج الأصول حيث قال : الأكثر من المحققين على أنه لا يمتنع عقلا قبل النبوة ذنب
من كبيرة أو صغيرة خلافا للروافض (1) مطلقا وللمعتزلة في الكبائر ولا خلاف لأحد في
امتناع الكفر عليهم إلا الفضيلية (2) من الخوارج بناءا على أصلهم من أن كل معصية
كفر وقد قال تعالى وعصى آدم ربه (3) جوز البعض عليم عند خوف تلف
= وتسعمأة ، فتقرب إلى أكبر شاه التميوري ، فلقبه بغازي خان وأدناه وأهله للعناية
ووالقبول وولاه الأعمال الجليلة ، وقال البدايوني وهو الذي اخترع السجدة للسلطان
تحية له والله أعلم ، له مصنفات عديدة منها حاشية بسيطة على شرح العقايد ، ورسالة
في إثبات الكلام وإيمان التحقيق والتصديق مات سنة 993 بأرض (اورده) وله سبعون سنة
انتهى . أقول : وله كتاب في الفقه وآخر في الكلام كبير وهو غير ذينك الكتابين
المذكورين بعيد هذا ، و(اوره) محل معروف بالهند (وصوبة مشهورة) والعجب أن ترجمة هذا
الرجل لم تذكر في المعاجم فكم أتعبنا أنفسنا في الوقوف على ترجمته حتى عثرنا في
النزهة ، ثم هو غير البدخشي من علماء القوم وعرفائهم في المأة الحادية عشر وغير
البدخشي من علمائهم في المأة السادسة وغير البدخشي منهم في المأة السابعة فلا تغفل
. (1) اشتهر التعبير بهذه الكلمة في كتب القوم وأنديتهم عن الإمامية ، وأول من تفوه
بها في حق أصحابنا هم الزيدية هي من فرق الشيعة ، وقالوا : إن الإمامية رفضوا زيدا
أي تركوه ، ثم سرى إلى العامة وعبروا بالروافض عنهم لرفضهم الذين تقمصوا الخلافة
وأخروا أمير المؤمنين سلام الله عليه عن حقه المسلم المنصوص عليه ، فإطلاق الزيدية
الكلمة يغاير إطلاق القوم فلا تغفل . (2) الفضيلية فرقة من الأزارقة ، وهم من
الخوارج كما نص عليه الزاري في أربعينه طبع حيدر آباد ، وضبط محشى الأربعين الفضلية
وقال إنهم أتباع فضل بن عبد الله والمشهور ما ذكرنا أولا فتأمل . (3) طه . الآية
121 . (*)
المهجة (1) إظهار الكفر وأما بعد النبوة فالإجماع على عصمتهم عن تعمد الكذب في
الأحكام لدلالة المعجزة على صدقهم ، وأما غلطا فجوزه القاضي ومنعه الباقون الخ وقد
علم من هذا أمران أحدهما أن من جوز إظهار الكفر على الأنبياء خوفا جماعة مجهولة غير
الشيعة وإلا لطرح بهم كما قال سابقا خلافا للروافض وثانيهما أن من جوز ذلك إنما
جوزه قبل النبوة لا بعدها حتى يتوجه عليه ما ذكره الناصب من أن ذلك يفضي إلى إخفاء
الدعوة بالكلية وناهيك (2) في ذلك أن الإمامية قالوا إن إظهار التبري عن الأئمة
عليهم السلام في مقام التقية حرام ، واستدلوا عليه بقول أمير المؤمنين (ع) : أما
السب فسبوني فإنه لي زكاة ولكم نجاة وأما البرائة فمدوا الأعناق (3) ومن البين أنهم
إذا لم يجوزوا لأنفسهم الضعيفة إظهار البراءة عن أئمتهم تقية فكيف يجوزون إظهار
الكفر للأنبياء والأئمة عليهم السلام مع تأيدهم بالنفوس القدسية والقوى الربانية ثم
لا يخفى ما في كلام الناصب من سماجة تكرار لقوله : يفضي إلى إخفاء الدعوة بالكلية
من غير طائل أصلا وأما رابعا فلأن ما ذكره بقوله : وأما الكبائر فمنعه الجمهور
(1) الدم ، دم القلب ، الروح . (2) في القاموس : ناهيك من رجل ونهاك منه بمعنى حسب
. (3) وفي نهج البلاغة : من كلام له عليه السلام لأصحابه : أما أنه سيظهر عليكم
بعدي رجل رحب البلعوم منه حق البطن ، يأكل ما يجد فاقتلوه ولن تقتلوه ، ألا وإنه
سيأمركم بسبي والبرائة مني ، أما السب فسبوني فإنه لي زكاة ولكم نجاة ، وأما
البرائة فلا تتبرأوا مني ، فإني ولدت على الفطرة وسبقت إلى الإيمان والهجرة . وقال
ابن أبي الحديد في شرح النهج (ج 4 من المجلد الأول ص 374 ط مصر) : أما الإمامية
فتروي عنه (ع) أنه قال : إذا عرضتم على البرائة منا فمدوا الأعناق ، ويقولون لا
يجوز التبري عنهم . (*)
من المحققين (1) مردود بأن المحققين منهم إنما منعوا ذلك في زمان نبوتهم لا قبله
فظهر التفاوت بين مذهبهم ومذهب الشيعة تفاوت ما بين الأرض والسماء ، وقد صرح في
المواقف وشرحه بما ذكرناه حيث وقع فيهما لنا على ما هو المختار عندنا وهو أن
الأنبياء في زمان نبوتهم معصومون عن الكبائر مطلقا وعن الصغائر عمدا وجوه (الأول)
إلى آخره ، والظاهر أهم إنما جوزوا ذلك على الأنبياء ليدفعوا استبعاد خلافة خلفائهم
الثلاثة مع سبق كفرهم ، فكيف يرجع محققوهم عن ذلك ، وأما خامسا فلأن قوله : فامتناع
الكبائر منهم عمدا مستفاد من السمع وإجماع الأمة قبل ظهور المخالفين في ذلك لا يدفع
تشنيع المصنف عنهم ، لأن المخالفين في ذلك إنما هم جماعة من أهل السنة والجماعة ،
فيرجع وباله إلى جميعهم ، وأما سادسا فلأن قوله : ونحن نذكر بعض الأدلة للاحتجاج
بها على الخصم لأنه موافق في هذه المسألة ، مدخول بأن الأشاعرة لم يوافقوا الخصم من
المعتزلة والإمامية إلا فيما بعد النبوة ، وأما قبلها فقد قال الأشاعرة : بجواز
صدور الكبائر
(1) وممن وافقنا من المعدودين من أكابر أهل السنة في الحكم بعصمة الأنبياء قبل
البعثة وبعدها الشيخ الفاضل الموحد ابن العربي في كتاب المسمى بالفتوحات المكية ،
وذلك لأنه حكم بعصمة عموم آل النبي (ص) من الأئمة الاثني عشر وغيرهم من السادات بل
حكم بعصمة سلمان الفارسي رضي الله عنه وأولاده ولدخوله في أهل البيت بمقتضى الحديث
المشهور ، فيكون مراده بعصمة من عدا الأئمة (ع) من جملة الآل عصمتهم من أول العمر
إلى آخره إذ لا مجال هاهنا للتخصيص بما قبل البعثة وبعدها أو بما قبل الإمامة
وبعدها ، ومن البين أن حكمه بعصمة من عدا الأنبياء عليهم السلام والأئمة عليهم
السلام في جميع العمر يستلزم حكمه بعصمتهم على هذا الوجه المصنف في توضيح الآية
الثانية والعشرون في مناقب أمير المؤمنين (ع) فارجع إليه منه (قدس سره) (*)
عنهم دون الشيعة والمعتزلة كما مر ، ففي كلامه هذا أيضا تمويه وتلبيس كما لا يخفى
وكذا الكلام فيما ذكره عند تقرير الدليل الأول بقوله : فعلم أن الأشاعرة يوافقون في
وجوب عصمة الأنبياء من الصغائر والكبائر الخ ، والحاصل أن الدلائل التي ذكرها إنما
استدلوا بها على وجوب عصمة الأنبياء عن الكبائر الخ والصغائر بعد البعثة وهذا هو
الذي ادعاه الأشاعرة كما صرح به السيد (1) قدس سره في هذا المقام في شرح المواقف
وفخر الدين الرازي في تفسيره سورة يوسف (ع) حيث قال : المعتبر عندنا عصمة الأنبياء
في وقت حصول النبوة ، فأما قبلها فذلك غير واجب انتهى ، فما ذكره الناصب من موافقة
الأشاعرة مع الإمامية والمعتزلة في ذلك لا يصح على إطلاقه ، وإنما الموافقة في حكم
ما بعد البعثة فقط كما عرفت ، وما ذكره من أن نسبة تجويز الكبائر إلى الأشاعرة
افتراء لا يصح مطلقا إذ التجويز منهم واقع قبل البعثة وبعدها كما دل عليه كلام
المواقف ، (2) على أنه قد هدم صاحبها المواقف دعوى العصمة عن أسه (3) حيث قال عند
منع عصمة فاطمة المعصومة عليها السلام : إن قوله (ص) بضعة مني مجاز لا حقيقة فلا
يلزم عصمتها ، وأيضا عصمة النبي (ص) تقدم ما فيه انتهى ، وقد سبقه في ذلك الغزالي
بل القاضي أبو بكر (4) ، قال الغزالي (5) في بحث أفعال الرسول من كتابة الموسوم
بالمنخول في الأصول ، والمختار ما ذكره القاضي : وهو أنه لا يجب عقلا عصمتهم إذ لا
يستبان (يثبت خ ل) استحالة وقوعه بضرورة العقل ولا ينظره ، وليس هو مناقضا لمدلول
(1) قد مرت ترجمته في أوائل هذا الجزء . (2) في الجلد الثاني من المواقف (ص 469 ط
مصر) . (3) الاس بتثليث الهمزة : الأساس . (4) قد مرت ترجمته في (ج 1 ص 172) . (5)
قد مرت ترجمته في (ج 1 ص 145) . (*)
المعجزة ، فإن مدلوله صدق اللهجة (وعدم كذبه ظ) فيما يخبر عن الله تعالى لا عمدا
ولا سهوا ، ومعنى التغير باطل ، فإنا نجوز أن ينبئ الله تعالى كافرا ويؤيده
بالمعجزة انتهى ، وظني أن هذا الاضطراب والاختلاف منهم إنما هو لأنهم إذا نظروا إلى
علو شأن الأنبياء عليهم السلام قالوا بعصمتهم في الجملة ، وإذا نظروا إلى حال أبي
بكر وعمر وعثمان وأنه يلزم من عدم العصمة في الواقع عدم صلاحيتهم لأن يكونوا خليفة
ونائبا عن رسول الله (ص) ندموا عما قالوا أولا ، وقالوا لحفظ حالهم وخلافتهم : إن
الأنبياء أيضا ليسوا بمعصومين ، ويحتمل أن يكون الاختلاف لاختلاف طبائعهم في
الاتصاف بالحياء عن الخالق والخلائق وعدمه فتأمل ، فإن الفكر فيهم طويل (1) ، وأما
سابعا فلأن ما ذكره بقوله : والغرض أن كل ما ذكر هذا الرجل مما يترتب على ذنوب
الأنبياء عليهم السلام من لزوم إبطال حجة الله ، فمذهب الأشاعرة عنه برئ ، وهم
ذكروا هذه الدلائل الخ مدفوع ، بأن غرضه هذا مشوب بالحيلة والتلبيس كغيره من
المقدمات السابقة ، فإن المصنف إنما رتب إبطال حجة الله تعالى على ما نسبوا إلى
النبي (ص) من اعترافه بحقية الأصنام وكون صدور مثل ذلك عنه (ص) يبطل حجته مما لا
يمكن إنكاره ، وقد عرفت مما أسبقناه استعماله التمويه والتلبيس أيضا في قوله : وهم
ذكروا هذه الدلائل ، لما ذكرنا من أنهم إنما أقاموا هذه الدلائل على عصمة الأنبياء
بعد البعثة لا قبلها ، ولا نسلم حجية من صدر عنه الكفر وغيره من الكبائر قبل البعثة
كما سنبينه إن شاء الله تعالى وأما ثامنا فلأن ما ذكره من أن الأشاعرة يقولون ، لا
تجب عصمة الأنبياء عن الصغائر ، لأنها معفوة بنص الكتاب الخ ، مردود بأن استعقاب
بعض الذنوب للعفو
(1) حيث إنه لا يجوز صدور المعصية عن الأنبياء حفظا لمقام غيرهم إلا من انسلخ عن
الفطرة الإنسانية وسلب دثار الحياء وشعاره مع أنه قال صلى الله عليه وآله : الإيمان
عريان ولباسه الحياء . (*)
لا يدفع النفرة عن صاحبه وفتور الاعتقاد فيه ، فيسقط محله ورتبته عند العوام ، فلا
ينقادون إلى إطاعته ، فتنتفي فائدة البعثة في كلام المصنف ، وأما تاسعا فلأن في
قوله : وفي الآية إشارة إلى أن الإنسان لما خلق من الأرض الخ ، كلام سنشير إليه إن
شاء الله تعالى عن قريب ، وأما عاشرا فلأن قوله : ولما لم يكن خلاف ملكة العصمة فلا
مؤاخذة فيه ، فيه مؤاخذتان ظاهرتان ، احديهما أن الاعتبار بمخالفة ملكة العصمة
وعدمها غير مفهوم من صريح القرآن ولا من إشارته ، بل هو صريح البطلان ، وكيف يقول
عاقل إن صدور الذنب لا ينافي ملكة العصمة وثانيتهما أن العصمة بمعنى الملكة من
اصطلاحات الحكماء ، فعدم مخالفتها بذلك المعنى لا تصير حجة على العدلية كما سنوضحه
عن قريب إن شاء الله تعالى ، وأما الحادي عشر فلأن قوله : وأما العصمة عند الحكماء
الخ ، لغو من الكلام كما أشرنا إليه ، أو رجوع عما أنكره سابقا من الاستناد بكلام
الفلاسفة ولحس فضلاتهم ، وبالجملة تشبثه بكلام الحكماء هاهنا دون كلام إحدى
الطائفتين من المسلمين تلبيس وتمويه لا يخفى على المتأمل ، فإنه لما رأى أن صدور
الصغائر عن الأنبياء مخالف للعصمة بمعنى عدم خلق الله فيهم ذنبا كما ذهب الأشاعرة ،
وكذا بمعنى اللطف الذي يفعله الله فيهم بحيث لا يصدر عنهم ذنب ولا يبلغ إلى حد
الالجاء كما ذهب إليه أهل العدل ، خلط المبحث وعدل إلى التشبث بمذهب الفلاسفة ، ومع
ذلك لا يسمن ولا يغني من جوع كما ستطلع عليه ، وأما الثاني عشر فلأن قوله : ولا
اعتراض على ما يصدر عنهم من الصغائر سهوا أو عمدا عند من يجوز تعمدها من ترك الأول
والأفضل ، فيه خلط وخبط (1) لا يخفى ، لأن خلاف الأفضل والأولى لا يسمى صغيرة حقيقة
ولا يعد من الذنوب التي وقع النزاع فيها نفيها وإثباتها ، وأما ما هو صغائر حقيقة
سيما إذا وقع عمدا فهو في معرض الاعتراض ، بل الإعراض عنهم أيضا ، قوله فإنها لا
تمنع العصمة التي
(1) الخلط : المزج . والخبط : التصرف في الأمور عن غير بصيرة . (*)
هي الملكة ، قلنا : عدم المنع ممنوع ، قوله : فإن الصفات النفسانية تكون في ابتداء
حصولها أحوالا ثم تصير بالتدريج ملكة ، قلنا : نعم ، لكن ما لم تصر ملكة الإمام
فانتظر ، وأما الثالث عشر ، فلأن ما ذكره من أن الآية تدل على مماثلتهم لسائر الناس
فيما يرجع إلى البشرية ممنوعة ، وإنما المراد المماثلة في القدرة على الذنوب
ليستحقوا المدح والثواب على ذلك لكن يثبتهم الله تعالى على العصمة بلطفه ورحمته ،
على أن القول بمثل هذه المماثلة سيما مع ما ذكره الناصب من التأكيد والحصر بقوله لا
غير يخالف تصريحهم بنورية النبي (ص) بل سائر الأنبياء عليهم السلام وتفضيلهم على
الملائكة في الصفات الفاضلة ، وقال (1) القاضي عياض في كتاب الشفا (2) : إن النبي
(ص) وإن كان من البشر ويجوز على جبلته ما يجوز على
(1) هو العلامة أبو الفضل القاضي عياض بن موسى بن عياض بن عمر بن موسى بن عياض بن
محمد بن موسى بن عياض اليحصبي السبتي المغربي قال ابن خلكان في (ج 1 ص 496) : إنه
كان إمام وقته في الحديث والنحو واللغة وكلام العرب وأيامهم وأنسابهم صنف التصانيف
المفيدة كالإكمال في شرح كتاب مسلم ، ومشارق الأنوار في غريب الحديث وكتاب
التنبيهات والغرائب ، إلى أن قال وتوفي بمراكش يوم الجمعة 7 جمادى الأخرى سنة 544 ،
وكانت ولادته سنة 446 . أقول وأشهر تآليفه كتاب الشفا بتعريف حقوق المصطفى رتبه على
أقسام وكل قسم على أبواب وكل باب على فصول وهو من أحسن الكتب في سيرته (ص) ، وشرحه
جماعة أشهر الشروح شرح المولى علي القاري وشرح صلاح الدين الصفدي وقد ترجم الشفاء
بالفارسية والهندية والتركية أيضا كان للمترجم ولد فاضل اسمه محمد أبو عبد الله
القاضي . (2) (هذه الجمل مذكورة بعينها في الشفا ج 2 ص 88 طبع الاستانة بالمطبعة
العثمانية) . (*)
جبلة البشر فقد قامت البراهين القاطعة وتمت كلمة الإجماع على خروجه عنهم وتنزيه عن
كثير من الآفات التي تقع على الاختيار وعلى غير الاختيار كما سنذكره إن شاء الله
تعالى انتهى ، وأما الرابع عشر فلأن ما ذكره من أن قصة سورة النجم لم تذكر في
الصحاح الخ ففيه أنه وإن لم تذكر في الجوامع التي سموها بالصحاح تسمية للشيء باسم
ضده لكن قال الشيخ شهاب الدين أحمد بن محمد القسطلاني (1) في كتابه الموسوم
بالمواهب اللدنية : إن لهذه القصة أصلا فقد خرجها ابن أبي حاتم (2) والطبري (3)
(1) هو أحمد بن محمد بن أبي بكر بن عبد الملك بن أحمد بن الحسين ، المصري النشأة ،
أبو العباس الكنية ، شهاب الدين اللقب ، شافعي المذهب ، كان من مشاهير علماء المأة
، العاشرة وحافظا للقرآن ، قليل النظير في الحديث والتجويد وقرائة القرآن والوعظ
والخطابة ، وله شرح لصحيح البخاري سماه إرشاد الساري وهو من شروحه الحسان ، وله
أيضا تأليفات أخر كالأنوار المضية والمواهب اللدنية وغيرها . توفي سنة 923 في
القاهرة وقد مضى من عمره اثنتان وسبعون سنة ، ودفن في مدرسة العيني قرب جامع الأزهر
، وقد صادف يوم وفاته يوم تملك سليم خان العثمان لمصر . أخذ العلم عن خالد الأزهري
وغيره فراجع الريحانة (ص 298 من ج 3 ط طهران) وإلى النور السافر للعيدروسي (ص 113 ط
مصر) . (2) هو الشيخ عبد الرحمان ابن أبي حاتم محمد الحافظ الرازي أبو محمد المحدث
الفقيه المتكلم صاحب التصانيف والتآليف الكثيرة ، منها كتاب الجرح والتعديل وهو
كتاب نفيس في بابه وقد طبع بحيدر آباد ، ومنها كتاب التفسير الكبير وغيرها ، توفي
سنة 327 كما في الريحانة (ج 5 ص 218) . (3) هو العلامة أبو جعفر محمد بن جرير بن
يزيد بن خالد بن غالب الآملي الفقيه المحدث المتكلم المؤرخ صاحب التصانيف والتآليف
الشهيرة ، منها كتاب جامع البيان في تفسير القرآن في مجلدات ألفه للأمير بن نوح
الساماني وقد طبع بمصر ويعرف بتفسير = (*)
وابن المنذر (1) من طرق وكذا ابن مردويه (2) والبزاز (3) وابن
= الطبري وتفسير ابن جرير أيضا ، ومن كتبه تاريخ الإمام الملوك ويعرف بتاريخ الطبري
وطبع مرات وله ذيول ككتاب الصلة بتاريخ الطبري لعريب بن سعيد القرطبي المطبوع بلدين
سنة 1897 الميلادي . ومن كتب المترجم البسيط في الفقه وتاريخ الرجال من الصحابة
التابعين . وكتاب في طرق حديث الغدير ، وطرق حديث الطير ، وكتاب الرد على الحرقوصية
، وكتاب اللطيف في الفقه ، وتهذيب الآثار في الحديث توفي يوم السبت 26 شوال سنة 310
وقيل 311 وقيل 316 ببغداد ، ورثاه عدة من العلماء منهم العلامة ابن دريد اللغوي
الشهير بقوله أن المنية لم تتلف به رجلا * بل اتلفت علما للدين منصوبا كان الزمان
به تصفو مشاربه * والآن أصبح بالتكدير مقطوبا أخذ عن جماعة منهم خاله أبو بكر
الخوارزمي وغيره ثم إن تفسيره المذكور تفسير بالمأثور والروايات ، وقد استمد منه
العلامة السيوطي في الدر المنثور فلاحظ . وليعلم أن المترجم هذا غير العلامة محمد
بن جرير بن رستم الطبري الشيعي الإمامي المعاصر لشيخنا النجاشي وكثيرا ما يشتبه
الأمر فلا تغفل ، فراج الريحانة (ج 3 ص 22) (و ج 2 طبقات الشافعية ص 135 طبع مصر)
وتاريخ الخطيب (ج 2 ص 162 طبع مصر) . (1) هو العلامة أبو بكر محمد بن إبراهيم بن
المنذر النيسابوري الشافعي الفقيه المحدث صاحب الكتب الكثيرة ومنها كتاب الإشراف
على مذاهب الأشراف ، وكتاب الأوسط في السنن والإجماع ، وكتاب تفسير القرآن ، وكتاب
المبسوط ، وغيره . توفي سنة 309 وقيل 310 وقيل 318 فراجع الريحانة (ج 6 ص 172)
وتذكرة النوادر ص 52 طبع حيدر آباد . (2) هو العلامة أبو بكر أحمد بن موسى
الإصبهاني الفقيه الشهير صاحب كتاب تاريخ أصفهان والتفسير الكبير توفي سنة 410 كما
في الريحانة (ج 4 ص 148) (3) هو أبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البصري ، قال
الذي في تذكرة الحفاظ (ج 2 = (*)
إسحاق (1) في السيرة وموسى بن عقبة (2) في المغازي وأبو معشر (3) في السيرة كما نبه
عليه الحافظ عماد الدين (4) بن كثير وغيره ، وكذا نبه على ثبوت أصلها
= ص 204 طبع حيدر آباد) ما لفظه : صاحب المسند المعلل سمع هدبة بن خالد ، وعبد
الأعلى بن حماد ، والحسن بن علي بن راشد ، وعبد الله بن معاوية الجمحي ، ومحمد بن
يحيى ابن فياض الرماني وطبقتهم ، روى عنه عبد الباقي بن قانع ومحمد بن العباس بن
نجيح ، وأبو بكر الختلي وعبد الله بن الحسن وأبو الفتح وخلق ، فإنه ارتحل في آخر
عمره إلى إصبهان وإلى الشام وإلى النواحي إلى أن قال توفي بالرملة سنة اثنتين
وتسعين ومأتين 292 الخ أقول ومسنده مشهور معول عليه لدى القوم وقد طبع . (1) هو أبو
عبد الله المدني محمد بن إسحاق بن يسار المطلبي مولى قيس بن مخرمة العلم الشهير في
السير والمغازي والتاريخ . يروي عن أبيه وعن عطاء والزهري وخلق ، وعنه يحيى
الأنصاري وعبد الله بن عون وشعبة والحمادان ، توفي 151 فراجع خلاصة التذهيب للخزرجي
ص 278 . (2) هو موسى بن عقبة الأسدي مولاهم المدني المحدث الفقيه المتكلم ، يروي عن
أم خالد بنت خالد وعروة وعلقمة بن وقاص ، وعنه يحيى الأنصاري وابن جريح ومحمد بن
فليح توفي سنة 141 (كما في خلاصة التهذيب للخزرجي ص 336 طبع مصر) . (3) هو أبو معشر
حمدويه بن الخطاب بن إبراهيم البخاري الضرير ، قال الذهبي في التذكرة (ج 2 ص 221
طبع حيدر آباد) : إنه سمع محمد بن سلام البيكندي وأبا جعفر المسندي ويحيى بن جعفر
وأبا قدامة السرخسي وما أحسبه رجلا ، روى عنه أبو بكر محمد ابن أحمد بن حامد
السعداني وأهل بخارى انتهى . (4) هو العلامة الشيخ أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن
كثير بن ضوء بن كثير القرشي البصري عماد الدين المؤرخ المفسر المحدث ، له كتب شهيرة
: منها البداية والنهاية في التاريخ في مجلدات وقد طبع بمصر ، وكتاب طبقات الشافعية
وتفسير القرآن في مجلدات وقد طبع بمصر ، وجامع المسانيد وغيرها توفي بدمشق 774 ودفن
قريبا من قبر شيخه ابن تيمية فراجع الريحانة (ج 6 ص 124) . (*)
ص 217
شيخ الإسلام والحفاظ أبو الفضل القسطلاني فقال : أخرج أبو حاتم والطبري وابن المنذر
من طرق شبعة (1) عن أبي بشر (2) عن سعيد (3) بن جبير ذلك ، وأخرج البزاز وابن
مردويه من طريق أمية (4) بن خالد بن شبعة ، فقال في إسناده عن سعيد بن جبير عن ابن
عباس (5) فيما أحسب ، ثم ساق الحديث ، قال البزاز لا يروي متصلا
(1) هو شعبة بن الحجاج بن الورد أبو بسطام الأزدي العتكي مولاهم الواسطي نزيل
البصرة سمع عن الحسن ومعاوية بن قرة وعمرو بن مرة والحكم وسلمة بن كهيل وخلق ، وعنه
أيوب السنحتياني وابن إسحاق وابن المبارك وخلق ، فراجع التذكرة للذهبي (ج 1 ص 182
طبع حيدر آباد) . (2) هو أبو بشر سهل بن بكار الدارمي البرجمي القيسي الضرير ، روى
عن وهب ، والسري بن يحيى ، ويزيد بن إبراهيم وخلق ، وعنه الذهلي ويعقوب الفسوي
وعثمان بن خرذاذ وأبو زرعة . وثقه أبو حاتم توفي سنة 217 كما في التذكرة للذهبي (ج
1 ص 360 طبع حيدر آباد) (3) هو سعيد بن جبير الوالبي التابعي الفقيه المقري الجليل
الشيعي ، روى عن ابن عباس وعدي بن حاتم وغيرهما وعنه جعفر بن أبي المغيرة والأعمش
وعطاء ابن السايب وخلق ، قتله الحجاج الثقفي الشقي لولائه أمير المؤمنين عليه
السلام وتشيعه ، وكان مقتله سنة 95 ، وبالجملة الرجل من أجلاء المسلمين ، قال
الذهبي في التذكرة (ج 1 ص 73 طبع الهند) ما لفظه : إنه لما قتل سعيد قال ميمون بن
مهران مات سعيد بن جبير وما على الأرض رجل إلا وهو يحتاج إلى علمه انتهى . (4) هو
أمية بن خالد بن الأسود القيسي أبو عبد الله البصري ، يروي عن شعبة ومعمر ابن
سليمان ، وعنه محمد بن رشاد ومحمد بن المثنى وعمرو بن علي ، توفي سنة 201 قاله
الخزرجي في التذهيب (ص 34 طبع مصر) (5) هو أبو العباس عبد الله بن عباس بن عبد
المطلب الهاشمي المفسر الفقيه ترجمان القرآن حبر الأمة تلميذ مولانا أمير المؤمنين
سلام الله عليه ، وهو أول من نشر التفسير بين المسلمين بعد ما استفاده من الإمام ،
وكلماته في كتب التفاسير منقولة ، ولله در صاحب قاموس اللغة = (*)
إلا بهذا الإسناد ، وتفرد بأصل أمية بن خالد وهو ثقة مشهور قال : وإنما يروي هذا من
طريق الكلبي (1) عن أبي صالح (2) عن ابن عباس انتهى ، والكلبي متروك (3)
= حيث جمعها في كتاب مستقل سماه (تنوير المقياس في تفسير ابن عباس) ، يروي عنه خلق
كثير منهم سعيد بن جبير وابن المسيب وعطاء بن يسار ، قال الخزرجي في التذهيب 172
نقلا عن أبي نعيم : أنه توفي سنة 68 بالطائف وصلى عليه محمد بن الحنفية ، وبالجملة
المترجم جليل القدر عظيم المنزلة لدى الفريقين ، والمقام لا يسع بسط المقال في
المقام ، ومن رام الوقوف على تفصيل حاله فليراجع كتب التراجم والرجال والسير . (1)
هو أبو المنذر هشام بن محمد بن السائب الكلبي المحدث النسابة المؤرخ الحافظ ، يروي
عن أبيه عن خلق ، وعنه خلق منهم أبو الأشعث وخليفة ابن الخياط ومحمد بن أبي السري
ومحمد بن سعد ، قال الذهبي في التذكرة (ج ص 313 طبع حيدر آباد) إنه كان إخباريا
علامة نسابة توفي سنة 206 انتهى . أقول المترجم جليل القدر عظيم المنزلة وهو شيعي
من أصحابنا له كتب نفيسة نافعة في الأنساب وغيرها ، كتاب جمهرة نسب عدنان ، وكتاب
جمهرة نسب قحطان ، وكتاب أنساب قريش وغيرها ، وأوردنا ترجمته مع البسط في كتابنا
الوحيد في موضوعه (طبقات النسابين) المجلد الأول في علماء النسب في المأة الثالثة ،
ومن رام الوقوف على جلالة الرجل فعليه بالمراجعة إلى ذلك الكتاب الذي أصبح كناسقه
جليس البيت والغريب في وطنه ، أخذ الله عمن ظلمه من بعض أبناء نوعه وأخزاه لدى سيد
المرسلين يوم لا حكم إلا حكمه . (2) الظاهر أن المراد أبو صالح ذكوان المدني السمان
التابعي المتوفى سنة 101 كما في (ج 1 من تذكرة الذهبي ص 83) قال الخزرجي في التذهيب
إنه يروي عن سعد وأبي الدرداء وعنه بنوه سهيل وصالح ، وعطاء بن أبي رباح والأعمش
ونقل عن أحمد أنه ثقة ثقة الخ . (3) قف على عصبية القسطلاني الباردة بالنسبة إلى
الكلبي النسابة وما ذنبه إلا اختصاصه = (*)
لا يعتمد عليه ، وكذا أخرجه النخاس (1) بسند آخر فيه الواقدي (2) ، وذكرهما ابن
إسحاق (3) في السيرة المطولة وأسندهما عن محمد (4) بن الكعب ، وكذلك
= بالعلويين وحفظه وضبطه أنسابهم وولائه لهم ، وقد سبق القسطلاني في هذا الصنيع
السيئ الذهبي في تذكرة الحفاظ مع أن أمر الرجل في الجلالة معروف حتى لديهم إنا لله
وإنا إليه راجعون . (1) المراد به بشر بن سليمان الأزدي أو بشر بن آدم بن يزيد
البصري أبو عبد الرحمان المحدث الراوي الشهير الذي استند إليه الكثير من محدثي
القوم . (2) هو أبو عبد الله محمد بن عمر بن واقد القاضي الأسلمي المدني البغدادي
المنشأ والمدفن ، صاحب التآليف الكثيرة في السير والتواريخ ككتاب المغازي ومقتل
الحسين ، وفتوح الأمصار ، وفتوح العجم ، وضرب الدنانير والدراهم وأخبار مكة ، وفتوح
مصر والاسكندرية ، وأخبار الحبشة والفيل وفتوح الإفريقية وغيرها ، وبالجملة الرجل
من اعتمد عليه أرباب السير والمؤرخون والمحدثون ، بل الفقهاء في مسألة الأراضي
الخراجية وتعيين المفتوحة عنوة منها عن غيرها ، وقال العلامة الجليل ابن النديم في
كتاب الفهرست : إن الواقدي كان شيعيا حسن المذهب متقيا من المخالفين ، وكان مقربا
في الغاية لدى المأمون العاسي ، توفي يوم الاثنين 11 ذي القعدة أو ذي الحجة سنة 206
، وقيل 207 ، وقيل 208 ، وقيل 209 ، وكانت وفاته ببغداد ودفن بمقبرة خيزران ، فراجع
الريحانة ج 4 ص 271 . (3) هو أبو عبد الله محمد بن إسحاق بن يسار المطلبي المدني
مولى قيس بن مخرمة القدوة في بأبي المغازي والسير ، روى عن أنس والزهري وعطاء وخلق
، وعنه يحيى الأنصاري وشعبة وعبد الله بن عون والحمادان وغيرهم ، توفي سنة 151 كما
في التذهيب للخزرجي ص 378 . (4) الظاهر أن المراد به محمد بن كعب القرظي المدني ثم
الكوفي المتوفى سنة 119 = (*)
موسى بن عقبة في المغازي عن ابن (1) شهاب الزهري ، وكذا أبو معشر في السرة له عن
محمد بن كعب القرظي ومحمد وموسى (2) بن قيس ، وأورده من طريق الطبري وأورده ابن
حاتم من طريق أسباط (3) عن السدي (4) ، ورواه ابن مردويه عن طريق عبادة (5) بن صهيب
عن يحيى (6) بن كثير عن الكلبي عن أبي صالح وعن
= وقيل سنة 120 ، يروي عن فضالة بن عبيد ، وعنه يزيد بن الهاد وابن المكندر وخلق
كما في التذهيب للخزرجي ص 305 . (1) هو أبو بكر محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد
الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث ابن زهرة بن كلاب القرشي الزهري المدني الشامي
المحدث الحافظ بين القوم ، ولد سنة خمسين يروي عن سهل بن سعد ، وأنس بن مالك ،
ومحمود بن الربيع ، وسعيد ابن المسيب ، وأبي أمامة بن سهل وغيرهم ، وعنه عقيل ،
ويونس ، والزبيدي ، وصالح ابن كيسان ومعمر وشعيب بن حمزة والأوزاعي وغيرهم ، والرجل
موثق في كتبهم ويعرف بابن شهاب الزهري توفي في شهر رمضان سنة 124 ، فراجع تذكرة
الحفاظ للذهبي (ج 1 ص 104 طبع حيدر آباد) . (2) هو موسى بن قيس الحضرمي الكوفي
الشهير ب (عصفور الجنة) يروي عن سلمة بن كهيل وغيره ، وعنه أبو نعيم ، قال الخزرجي
في التذهيب : وثقه ابن معين وأبو حاتم وقال النفيلي كان من الروافض انتهى فراجع
الكتاب (ص 336 طبع مصر) . (3) الظاهر أن المراد به أسباط محمد بن عبد الرحمان مولى
السائب بن يزيد أبو محمد الكوفي الذي عن الأعمش وعنه أحمد وأبو الأزهر . (4) هو أبو
ذويب إسماعيل بن عبد الرحمان بن أبي كريمة الكوفي القرشي التابعي المتوفى سنة 127
وقيل سنة 128 ، ويروي عن ابن عباس ، وأبي سعيد الخدري وخلق ، وعنه جماعة وفي بعض
الكتب أنه يروي عن مولينا الحسين الشهيد والسجاد وأبي جعفر عليهم السلام وأقواله
محكية في كتب التفسير ، وصرح بتشيعه بعض الأجلة فراجع الريحانة (ج 2 ص 177) . (5)
هكذا في أكثر النسخ وفي نسخة عبادة بن الصلت ، وعليه فهو عبادة بن الصامت بن قيس بن
أصرم بن فهر بن ثعلبة بن قوقل الخزرجي أبو الوليد في دمشق . (6) هو يحيى بن كثير
صاحب البصري يروي عن أيوب ، وعنه ابنه وشيبان = (*)
أبي بكر (1) الهذلي وأيوب (2) عن عكرمة (3) وسليمان (4) التميمي عمن حدثه ، ثلاثتهم
عن ابن عباس ، وأورده الطبري أيضا من طريق العوفي (5) عن ابن عباس ، ومعناهم كلهم
في ذلك واحد ، وكلها سوى طريق سعيد بن جبير إما ضعيف وإما منقطع ، لكن كثرة الطرق
تدل على أن للقصة أصلا مع أن لنا طريقين
= ابن فروخ كذا في (التذهيب ص 367 طبع مصر) . (1) قال الخزرجي في التهذيب (ص 383 ط
مصر) ما لفظه : أبو بكر الهذلي البصري اسمه (سلمى) بضم أوله وسكون اللام أو (روح)
عن الشعبي ، وعنه وكيع ضعفه أبو زرعه ، مات سنة سبع وستين ومأة . (2) هو أبو بكر
أيوب ابن أبي تميمة كيسان السنحتياني البصري ، سمع عن عمر وبن سلمة الجرمي ، وعكرمة
وابن شقيق ، توفي بالطاعون في سنة 131 كما في التذكرة للذهبي (ج 1 ص 124 طبع مصر) .
(3) الظاهر أن المراد به عكرمة البربري مولى ابن عباس أبو عبد الله ، يروي عن مولاه
وعن أبي قتادة وعنه الشعبي وإبراهيم النخعي وخلق ، توفي كما في التذهيب للخزرجي ص
129 سنة 105 . (4) الظاهر أن المراد به سليمان بن عبد الرحمان بن عيسى بن ميمون
التميمي أبو أيوب الدمشقي ، ابن بنت شرحبيل ، يروي عن حاتم بن إسماعيل ويحيى بن
حمزة وخلق ، وعنه جماعة ذكره الخزرجي في التهذيب ص 130 (5) هو عطية بن سعد بن جنادة
الكوفي العوفي الجدلي أبو الحسن التابعي الجليل ، يروي عن عدة كابن عباس وأبي سعيد
، وعنه ابنا عمر والحسن ، وإسماعيل بن خالد ومسعر والأعمش وخلق ، قال الخزرجي في
التهذيب ص 126 نقلا عن مطين : أنه مات سنة 111 وقال في الريحانة (ج 3 ص 140) : أنه
هو الذي كان مصاحبا لجابر بن عبد الله الأنصاري في زيارة قبر الحسين عليه السلام
يوم الأربعين ، وإنه كان يعرف بالبكالي) أيضا نسبة إلى بكال قبيلة باليمن .
مرسلين ، رجالهما على شرط الصحيح ، أحدهما ما أخرجه الطبري من طريق يونس ابن يزيد
(1) عن ابن شهاب ، والثاني ما أخرجه أيضا من طريق المعمر بن (2) سليمان ، قال
الحافظ بن حجر (3) : وقد تجرأ ابن العربي (4) كعادته ، فقال : ذكر
(1) هو يونس بن يزيد أبو يزيد الأموي الأيلي بالفتح ، يروي عن عكرمة ونافع والقاسم
، وعنه الأوزاعي والليث وغيرهما ، نقل الخزرجي في التهذيب ص 380 عن البخاري والذهبي
عن ابن حبان أنه مات سنة 159 . (2) هو معمر بالتشديد ابن سليمان النخعي أبو عبد
الله الرقي ، يروي عن خصيف وغيره وعنه أحمد وداود بن رشيد ، قال الخزرجي في التهذيب
ص 223
الطبري في ذلك روايات كثيرة لا أصل لها ، وهو إطلاق مردود عليه ، وكذا قول القاضي
عياض : هذا الحديث لم يخرجه أهل الصحة ، ولا رواه ثقة بسند سليم متصل مع ضعف نقلته
واضطرب رواياته وانقطاع إسناده ، وكذا قوله : ومن حملت عنه هذه القصة من التابعين
والمفسرين لم يسندها أحد منهم ولا رفعها إلى صاحب وأكثر الطرق عنهم في ذلك ضعيفة
واهية ، قال وقد بين البزاز أنه لا يعرف من طريق يجوز ذكره إلا طريق أبي بشر عن
سعيد بن جبير مع الشك الذي وقع في وصله ، وأما الكلبي فلا تجوز الرواية عنه ، لقوة
ضعفه ثم رده من طريق النظر بأن ذلك لو وقع لارتد كثير ممن أسلم ولم ينقل ذلك
انتهى ، وجميع ذلك لا يتمشى على القواعد فإن الطرق إذا كثرت وتباينت مخارجها دل
ذلك على أن لها أصلا ، وقد ذكرنا أن ثلاثة أسانيد منها على شرط الصحيح مراسيل يحتج
بمثلها من يحتج بالمرسل ،
= المالكي المذهب الطائي القبيلة ، الحاتمي النسب ، المعروف بابن العربي ومحيي
الدين والشيخ الأكبر ، العارف السالك الأديب المفسر الشهير ، ولد سنة 560 ، أخذ
العرفان عن الشيخ أبي الحسن علي بن جامع من خلفاء الشيخ الجيلاني ، له كتب شهيرة
منها كتاب الفتوحات المكية طبع مرات ، والفصوص طبع وعليه شروح ، وشجرة الكون طبع ،
ومحاضرة الأبرار ، وقرعة الطيور ، والتفسير طبع وغيرها ، وله ديوان شعر معروف ،
توفي سنة 634 وقيل 637 بدمشق وقبره معروف فيها ، ومن شعره قوله : رأيت ولائي آل طه
وسيلة * على رغم أهل البعد يورثني القربى فما طلب المبعوث أجرا على الهدى * بتبليغه
إلا المودة في القربى ومن شعره يقولون أبدان المحبين نضوة * وأنت سمين لست إلا
مرائيا فقلت لأن الحب خالف طبعهم * ووافقه طبعي فصار غذائيا فراجع الريحانة (ج 3 ص
498) وشذرات الذهب والطرائق وبستان السياحة وغيرها . (*)
وكذا من لا يحتج به لاعتضاد بعضها ببعض (انتهى كلامه) ، ثم أقول إن من اللطائف التي
ينبغي أن تذكر في هذا المقام ما روي (1) في كتاب عيون أخبار الرضا عن المأمون
العباسي أنه قال مخاطبا لواحد (2) من علماء أهل السنة : وإني لأتعجب من روايتكم :
أن النبي (ص) قال : دخلت الجنة فسمعت حس (خفق خ ل) نعلين فإذا مولى (3) مولى أبي
بكر وقد سبقني إلى الجنة ، وذلك لأن الشيعة قالت (وإنما قالت الشيعة خ ل) علي خير
من أبي بكر فقلتم في روايتكم هذه عبد أبي بكر خير من الرسول (ص) ، لأن السابق أفضل
المسبوق وهذا نظير ما رويتم أيضا أن الشيطان يغر من حس عمر وألقى على لسان رسول
الله (ص) وأنهن الغرانيق العلى ففر من عمر وألقى على لسان رسول الله (ص) الكفر
(انتهى) أقول : لا أدري أن من قال بصحة هذه القصة ووقوع كلمة الكفر على لسان النبي
(ص) ، كيف يجمع بينه وبين قوله تعالى في شأنه في صدور هذه السورة : وما ينطق عن
الهوى إن هو إلا وحي يوحى (4) اللهم إلا أن يقال : إن هذه الآية نزلت بعد وقوع تلك
القصة وجوز صدور كلمة الكفر عنه قبل ذلك ، وليس بمستنجد منهم القول به ، إذا قالوا
بوقوع أصل القصة التي هي أفسد وأشنع كما لا يخفى ، وأما الخامس عشر فلأن الجواب
الذي نسبه إلى الأشاعرة بقوله : والأشاعرة أجابوا الخ قد نقل القاضي عياض (5) في
الشفا أصله عن الكلبي حيث قال : إن النبي (ص) حدث نفسه فقال
(1) رواة في عيون أخبار الرضا (ص 314 ط طهران) . (2) وهو يحيى بن أكثم . (3) رواه
صاحب البيان والتعريف هكذا : ورأيت شياطين الإنس والجن فروا من عمر (ج 2 ص 55) (4)
النجم . الآية 3 . (5) قد مرت ترجمته قبيل ذلك فراجع . (*)
ذلك الشيطان على لسانه وأوضح منه ما نقله عن موسى بن عقبة حيث قال : حكى عن موسى بن
عقبة في مغازيه أنه قال : إن المسلمين لم يسمعوها وإنما ألقى الشيطان ذلك في أسماع
المشركين وقلوبهم (انتهى) وكل من الكلبي وصاحب المغازي (1) متقدم على وجود شيخ
الأشاعرة بمأة سنة أو أكثر فكيف ينسب الناصب ذلك الجواب إلى الأشاعرة ، نعم قد
أوضحه من تأخر عنهما بما ذكر في كتب الأشاعرة كالمواقف وغيره من غير نسبة إلى
الأشاعرة ، ومن جهالات الناصب وعدم معرفته بأساليب الكلام أن الجواب المذكور قد وقع
في المواقف (2) بقوله : والجواب على تقدير حمل التمني على القراءة هو أنه من إلقاء
الشيطان الخ ولم يعلم الناصب إذا غير لفظ الجواب بقوله : أجابوا يلغو قوله : هو أنه
، وهذا دليل على أنه إنما وقع في هذا الغلط لو بان حرصه على الكذب والتعصب بنسبة
الجواب إلى الأشاعرة وكسب فضيلة لهم حيث قال : والأشاعرة أجابوا الخ فافهم ، وأما
السادس عشر فلأن قوله فعلم أنه لو صح هذا لكان في وصف الملائكة ثم نسخ للابهام (3)
أو لغيره إن أراد به أنه لو صح وقوع تلك الكلمات بعد ذكر الأصنام ، وفي أثنائها
لكان في وصف الملائكة فهذا يناقض ما قرره قبيل ذلك في رد الجواب المصدر بقوله :
وأيضا الخ من بطلان كونه في وصف الملائكة وعدم مناسبته ، وإن أراد أنه لو صح وقوع
ذكرها عند الملائكة بعد ذلك بقوله تعالى : وكم من ملك في السماوات لا تغني شفاعتهم
شيئا (4) الآية كما احتمله سابقا فهو مع أنه احتمال بعيد غير مناسب أيضا ، مردود
بأنه على هذا لا تظهر حاجة إلى نسخه ، إذ لا إبهام عند ذكر
(1) قد مرت ترجمته آنفا فراجع . (2) في الجلد الأول ص 435 (3) قد مر بيان المعنى
المصطلح له . (4) النجم . الآية 26 . (*)
ذلك في هذا الموضع حتى يجوز النسخ لأجله ، وأما السابع عشر فلأن ما نسبه إلى القاضي
عياض : من أنه قال في كتاب الشفا : إن هذا من مفتريات الملاحدة إلخ افتراء على
القاضي المذكور ، لأنه لم يقل : إن ذلك من مفتريات الملاحدة بل قال : ذكره المفسرون
وتعلق به الملحدون الخ ولو سلم أن ذلك من مفتريات الملاحدة فهذا يوجب مزيد الشناعة
على طائفة من أهل السنة ذكروا هذا القصة في كتبهم ولم يفهموا فساد إسناده ومتنه ،
حتى شنع به غيرهم عليهم فاضطربوا في التفصي عنه بما لا يؤدي إلى طائل ولا يرجع إلى
حاصل . قال المصنف رفع الله درجته ورووا (1) عنه (ع) أنه صلى الظهر ركعتين فقال
أصحابه أقصرت الصلاة أم نسيت يا رسول الله فقال كيف ذلك فقالوا إنك صليت ركعتين
فاستشهد على ذلك رجلين فلما شهدا بذلك قام فأتم الصلاة ورووا (2) في الصحيحين أنه
(ع) صلى بالناس صلاة العصر ركعتين ودخل حجرته ثم خرج لبعض حوائجه فذكره بعض أصحابه
فأتمها وأي نسبة أنقص من هذه وأبلغ في الدنائة فإنها تدل على إعراض النبي (ص) من
عبادة ربه وإهمالها والاشتغال عنها بغيرها والتكلم في الصلاة وعدم تدارك السهو من
نفسه لو كان نعوذ بالله من هذه الآراء الفاسدة انتهى . قال الناصب خفضه الله أقول :
ما رووا من رسول الله (ص) في الصلاة حتى قال ذو اليدين أقصرت الصلاة أم نسيت يا
رسول الله فلما علم وقوع السهو عنه تدارك وأي نقص ودنائة في السهو
(1) ويقرب منه ما رواه في سنن أبي داود (ج 1 ص 366 ط مصر) أيضا في البخاري (ج 2 ص
68 ط مصر) . (2) رواه مسلم بسنده عن أبي هريرة في (ج 2 ص 87 مصر) (*)
وقد قال الله تعالى في القرآن وإما ينسينك الشيطان (1) وهذا تصريح بجواز السهو
والنسيان عليه والسر والحكمة فيه أن يصير هذا تشريعا للسهو في الصلاة وأن الكلام
القليل الذي يتعلق بأمر الصلاة لا يضر وكذا الحركة المتعلقة بالصلاة فيمكن بأن الله
تعالى أوقع عليه هذا السهو وأنساه الصلاة لتشريع هذه الأمور التي ذكرناها ، ولا
يقدح السهو الذي ذكرنا فوائده في العصمة ، وأي دنائة ونقص في هذا ؟ فإن الله تعالى
أنساه لوقوع التشريع ، وقد قال تعالى : ما ننسخ من آية أو ننسها (2) فإن الانساء في
أحد المعنيين هو إيقاع النسيان عليه ، وقد قال تعالى في حق يوسف وهو من الأنبياء
المرسلين : فأنساه الشيطان ذكر ربه (3) وكما أنه يجب أن يقدر الله تعالى حق قدره
لقوله تعالى : وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء (4)
كذلك يجب أن يقدر الأنبياء حق قدرهم ويعلم ما يجوز عليهم وما لا يجوز ، وقد قال
تعالى : إنما أنا بشر مثلكم (5) وقد عاب الله الكفار بالمبالغة في تنزيه الأنبياء
عن أوصاف البشر بقوله : وقالوا ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق (6)
وقال تعالى : سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا (7) انتهى .
(1) الأنعام . الآية 68 . (2) البقرة . الآية 106 . (3) يوسف . الآية 42 . (4)
الأنعام . الآية 91 . (5) الكهف . الآية 110 . (6) الفرقان . الآية 7 . (7) الإسراء
. الآية 93 . (*)
أقول قد وقع في رواية مسلم (1) عن أبي سفيان عن أبي هريرة صلى بنا رسول الله (ص) في
ركعتين فقام ذو اليدين فقال : أقصرت الصلاة أم نسيت ، فقال رسول الله (ص) كل ذلك لم
يكن ، فقال : قد كان بعض ذلك يا رسول الله وفي رواية قد نسيت ، وقد يقدح في صحة هذه
الرواية أولا كون راويها أبا هريرة ، والله أعلم بحال الوسائط وسيجيء في المبحث
الخامس من مباحث الإمامة وجه القدح في رواية أبي هريرة إن شاء الله تعالى ، وثانيا
أنها تنافي ما علم من إخلاص ذي الشهادتين واعتقاد كون النبي (ص) منزها عن الجور
والبهتان والسهو والنسيان حتى شهد للنبي (ص) في قضية دعوى الأعرابي بمجرد علمه
بعصمة النبي (ص) وصدقه من غير أن يكون له اطلاع على أصل القضية ومن غير أن يحتمل في
شأنه (ص) شيئا من السهو والنسيان في ذلك ، وثالثا أنه لما كان ذو الشهادتين عدلا بل
حكم النبي (ص) بقيام شهادته مقام شهادة العدلين كيف لم يقبل النبي (ص) خبره
بانفراده واحتاج معه إلى استشهاد غيره من الرجلين ، وقال المصنف رفع الله درجته في
كتاب تذكرة الفقهاء (2) : خبر ذي اليدين عندنا باطل ، لأن النبي (ص) لا يجوز عليه
السهو مع أن جماعة من أصحاب الحديث طعنوا فيه ، لأن راويه أبو هريرة وكان إسلامه
بعد موت ذي اليدين
(1) رواه في التاج الجامع للأصول (ج 1 ص 233 ط مصر) وتتمته : فأقبل رسول الله (ص)
على الناس فقال : أصدق ذو اليدين فقالوا : نعم يا رسول الله ، فأتم رسول الله ما
بقي من الصلاة ثم سجد سجدتين وهو جالس بعد التسليم . رواه البخاري ومسلم وأبو داود
والترمذي والنسائي . (2) فراجع كتاب الصلاة من التذكرة باب أحكام السهو . وكذا فيه
قبل الشروع بأحكام صلاة الجمعة بقليل . (*)
بسنين ، (1) فإن ذا اليدين قتل يوم بدر وذلك بعد الهجرة بسنتين ، وأسلم أبو هريرة
بعد الهجرة بسبع سنين ، قال المحتجون به : إن المقتول يوم بدر هو ذو الشمالين واسمه
عبد الله بن عمر بن فضلة الخزاعي وذو اليدين عاش بعد النبي (ص) ومات في أيام معاوية
عليه ما عليه وقبره بذي خشب ، اسمه الخرباق ، لأن عمران بن الحصين روى هذا الحديث
فقال فيه فقام الخرباق فقال : أقصرت الصلاة ، وأجيب بأن الأوزاعي (2) قال فقام ذو
الشمالين فقال : أقصرت الصلاة وذو الشمالين قتل يوم بدر لا محالة ، وروي في هذا
الخبر أن ذا اليدين قال أقصر الصلاة أم نسيت يا رسول الله فقال : كل ذلك لم يكن ،
وروى أنه قال إنما أسهو لأبين لكم ، وروى أنه قال لم أنس ولم تقصر الصلاة ، وروي
(3) من طريق الخاصة عن الصادق (ع) أن ذا اليدين كان يقال له ذو الشمالين انتهى ،
وأما ما استدل به على عدم الدناءة
(1) ذكره ابن حجر في الإصابة (ج 3 ص 204 طبع صبيح بمصر) وابن عبد البر في الاستيعاب
المطبوع بهامش الإصابة في تلك المطبعة ص 206 . (2) هو الشيخ أبو عمرو عبد الرحمان
بن عمرو يحمد الأوزاعي الفقيه المحدث المتكلم ، ولد سنة 88 وقيل 93 ببلدة بعلبك ،
وسكن (بيروت) إلى أن توفي ، يروي عن عطاء والزهري وأحنف بن قيس وصعصعة بن صوحان وعن
ابن عباس بواسطتين ، وعنه يروي سفيان الثوري بلا واسطة والخطيب البغدادي بواسطتين
وغيره ، توفي سنة 157 ، 159 ، ودفن بجنب المسجد في قرية حنتوس من قراء بيروت ،
والأوزاعي نسبة إلى أوزاع قرية قريبة من دمشق ، وقيل نسبة إلى قبيلة من همدان أو ذي
الكلاع من قبايل اليمن ، ويعرف الأوزاعي بمحدث الشام ، وإليه تنتمي الطائفة
الأوزاعية التي كانت إحدى المذاهب بين العامة قبل استقرارها في الأربعة ، فراجع
تاريخ بغداد ج 6 والريحانة ج 1 ص 106 (3) رواه في الوسائل كتاب الصلاة (ج 1 ص 510
الحديث 16 من الطبع الجديد) عن سعيد الأعرج عن الصادق (ع) . = (*)
والنقض في السهو والنسيان بقوله تعالى : وأما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى
مع القوم الظالمين (1) فمردود بتصريح المحققين من المفسرين بأن المراد إن أنساك
الشيطان قبل النهي قبح مجالستهم فلا تقعد معهم بعد أن ذكرناك قبحها ونهيناك عليه ،
وكيف لا يكون السهو نقصا مع ما يحصل منه الوهن في الإسلام والتنفير عن اتباع النبي
(ص) ، وأيضا ينافي جواز مثل هذا السهو على النبي ما روى البخاري (2) من قوله عليه
السلام سووا صفوفكم فإني أرى من ورائي كما أرى من أمامي فافهم ، وقد فهم هذا بعض
المتأخرين من أهل السنة على ما ذكره ابن همام الحنفي في كتاب المسايرة (3) فمنع
السهو عن النبي (ص) ،
= وروي من طريق العامة بعدة طرق منها ما نقله ابن حجر في الإصابة بإسناده عن الزهري
(ج 1 ص 474 ط مصر) وروى ابن عبد البر أيضا في الاستيعاب (ج 1 ص 479 ط مصر) عن
الزهري : أنه قال : إن ذا اليدين هو ذو الشمالين وكذا في الجزء الثاني بإسناده عنه
(ص 422 ط مصر) (1) الأنعام . الآية (2) هو أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن مغيرة
بن أحنف الجعفي البخاري المحدث الشهير صاحب الصحيح ، يروي عن خلق كثير ، وعنه يروي
جماعة ، له كتب ، منها التاريخ الكبير وقد طبع بحيدر آباد ، ومنها الجامع الصحيح
عندهم ، وعليه شروح وتعاليق كفتح الباري وإرشاد الساري وتميم الداري والساري وعمدة
القاري وغيرها ، ومن تآليفه كتاب السنن في الفقه ، وكتاب الأسماء والكنى والتاريخ
الأوسط والتاريخ الصغير وكتاب الأدب المفرد وغيرها ، توفي سنة 253 ، 256 ، فراجع
الريحانة (ج 1 ص 47) وتاريخ بغداد وطبقات الشافعية وغيرها . (3) هو كتاب المسايرة
في العقايد المنجية في الآخرة للعلامة الشيخ كمال الدين محمد بن همام الدين عبد
الواحد الحنفي الشهير بابن همام المتوفى سنة 861 ، والمسايرة مفاعلة من السير وهو
أن يسير الاحدثنان متحاذيين أطلق هنا مجازا على محاذاة كتابه لكتاب الغزالي ، = (*)
وصرح بأن سلامه على الركعتين حديث ذي اليدين كان قصدا منه وأبيح له ذلك ليبين للناس
حكم السهو (انتهى) ، لكن يتوجه عليه وعلى ما ذكره الناصب من السر الذي ليس فيه بر
إن هذا من قبيل الرجم بالغيب والرمي في الظلام ، وآي حديث صحيح أو أثر (1) صريح دل
على تعليل ذلك بما ذكروه من السر حيلة للتخلص عن شناعة الأنام ؟ وأي ضرورة داعية في
إظهار تشريع ذلك إلى إيقاع مثل هذه البلية على النبي (ص) مع وقوع حديث (2) رفع
القلم عن السهو والنسيان ، وأما الذي منع من التنصيص على اختصاص النبي (ص) بالتنزه
عن السهو والنسيان دونهم كما في سائر خواص النبي (ص) ، مع أن ما ذكر في المسايرة
متناقض
= ثم إن جماعة شرحوا كتاب المسايرة ، منها كتاب المسامرة في شرح المسايرة للشيخ
كمال الدين محمد بن محمد المقدسي ، ومنها شرح ابن قطلوبغا وكتاب ابن همام عليه
تعويل أكثر علماء القوم في هذا العصر على ما رأيت وسمعت . (1) الحديث ما حكي قول
المعصوم أو فعله أو تقريره ، والأثر أعم إذ يطلق على ما يحكى قول غيره أيضا ، نصل
على ذلك في كتب علم الدراية . (2) حديث الرفع من الأحاديث المهمة تمسك بها الفقهاء
في أبواب الفقه ، ويستخرج منه قواعد كلية ينتفع بها الفقيه ، وقد اختلفت فقراتها في
الأسانيد المختلفة بحسب الزيادة والنقيصة ، ومن جملة الفقرات التي ذكرت في أكثرها
رفع السهو والنسيان ، وبالجملة الحديث مذكور في عدة من كتب الفريقين نذكر بعضها .
فمن كتب العامة الجامع الصغير للسيوطي (ج 1 ص 600 ط مصر) نقلا عن ثوبان عن النبي
قال (ص) : رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ومنها المستدرك للعلامة
أبي عبد الله الحاكم النيسابوري (ج 1 ص 258 ط حيدر آباد دكن) قال : حدحدثنا أبو بكر
بن إسحاق الفقيه وعبد الله بن محمد بن موسى ، قالا : أنبأ محمد ابن أيوب ، أنبأ
احمد بن موسى المصري ، أنبأ ابن وهب ، أخبرني جرير بن حازم عن سليمان بن مهران عن
أبي ظبيان عن ابن عباس ، قال مر علي بن ابي طالب بمجنونة بني فلان = (*)
المقاصد لا يحلى منه بطائل كما ذكره صاحب الشفاء (1) لاستلزامه اجتماع العمد والسهو
في حال كما لا يخفى ، وأما ما استدل به من آية سورة يوسف فسقوطه ظاهر لأن تمام
الآية هكذا ، وقال للذي ظن أنه ناج منهما أذكرني عند ربك
= وقد زنت وأمر عمر بن الخطاب برجمها ، فردها علي وقال لعمر : يا أمير المؤمنين :
أترجم هذه ، قال : نعم ، قال : أوما تذكر أن رسول الله ص قال : رفع القلم عن ثلاث ،
عن المجنون المغلوب على عقله ، وعن النائم حتى يستيقظ ، وعن الصبي حتى يحتلم ، قال
صدقت فخلى عنها ثم قال هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ومنها التلخيص للذهبي ذكره
بعين ما نقلناه عن المستدرك في ذيل الصة المذكورة عنه ومنها الجامع الصغير أيضا في
(ج 1 ص 600 ط مصر) قال قال البني ص رفع القلم عن ثلاثة ، عن النائم حتى يستيقظ وعن
المبتلى حتى يبرء وعن الصبي حتى يكبر . ومن كتب الخاصة كتاب الكافي لثقة الإسلام
محمد بن يعقوب الكليني (ج 2 ص 462 ط الجديد بطهران) باب ما رفع عن الأمة بسنده عن
عمرو بن مروان قال : سمعت أبا عبد الله ع يقول : قال رسول الله ص : رفع عن أمتي
أربع خصال ، خطاها ونسيانها وما اكرهوا عليه وما لم يطيقوا ، وذلك قوله الله عز وجل
: ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على
الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به ، وقوله : إلا من أكره وقلبه
مطمئن بالإيمان وبسنده عن أبي عبد الله السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه
وآله : وضع عن أمتي سبع خصال ، الخطأ ، والنسيان ، وما لا يعلمون ، وما لا يطيقون ،
وما اضطروا إليه ، وما استكرهوا عليه ، والطيرة ، والوسوسة في التفكر في الخلق ،
والحسد ما لم يظهر بلسان أو يد . (1) إنما قلنا كما ذكر صاحب الشفاء لأن التناقض
مندفع عند التأمل ، فتأمل منه (قده) . أقول قد ذكر صاحب الشفاء (ج 2 ص 146) من
الكتاب ، وجملة لا يحلى منه بطائل من عبارة الشفا أي لا فائدة فيه حتى تحلى الذائقة
العلمية بها (*)
فأنساه الشيطان ذكر به الآية والمعنى الظاهر اختاره أرباب التنزيه هو أن ضمير أنساه
راجع إلى الشرابي ، والحاصل أنه أنسى الشرابي أن يذكر لربه ، وعلى هذا تكون الآية
عليه لا له ، نعم الناصب وأصحابه لعدم حسن ظنهم بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام
فسروه بما يوافق مذهبهم وقالوا : للمراد أنه أنسى الشيطان يوسف ذكر ربه في تلك
الحال حين وكل أمره إلى غيره حيث استغاث بمخلوق ، وأما ما تمسك به من قوله تعالى :
قل إنما أنا بشر مثلكم فقد مر أن المراد المماثلة في النوع (1) والصنف كما صرح به
المفسرون أو المماثلة في القدرة على الذنوب ، لكن ميزهم الله تعالى عمن عداهم بأن
ثبتهم على العصمة بلطفه وفضله ، وقد وقع النص على ذلك في سورة إبراهيم حيث قال
تعالى : قالت لهم رسلهم إن نحن إلا بشر مثلكم ولكن الله يمن على من يشاء من عباده
(2) الآية (3) وقال النيسابوري (4) في تفسيره : إنه تعالى أمر نبيه أن يسلك سبيل
التواضع وهو أن حالة مقصورة على البشرية لا يتخطاها إلى الملكية إلا أنه امتاز بنعت
الايحاء وكفى به بونا ومباينة .
(1) النوع عند المنطقي هو الكلي المقول على كثيرين متفقين بالحقيقة ، والصنف هو
النوع المقيد عرضي كالإنسان الرومي . (2) بالنبوة ولا يخصهم بتلك الكرامة إلا
بخصائص فيهم ليس في أبناء جنسهم (3) إبراهيم . الآية 11 . (4) هو العلامة الشيخ
نظام الدين حسن الأعرج بن محمد بن حسين القمي الأصل النيسابوري المسكن ، المحدث
الفقيه المفسر المتكلم الأديب ، له تصانيف وتآليف ، منها التفسير طبع في مجلدات
وسماه غرائب القرآن ، وشرح الشافية لابن الحاجب في الصرف ، ولب التأويل وغيرها ،
توفي سنة 728 وقيل 730 وقيل غير ذلك ، وقد حكى عن العلامة المجلسي الأول تشيعه كما
في الريحانة ج 4 ص 209 فلاحظ . (*)
قال المصنف رفع الله درجته ونسبوا إلى النبي (ص) كثر من النقص ، فروى (1) الحميدي
(2) في الجمع بين الصحيحين عن عائشة قالت : كنت ألعب بالبنات عند النبي (ص) وكانت
لي صواحب يلعبن معي وكان رسول الله (ص) إذا دخل تقمعن (ينقمعن خ ل) منه فيشير إليهن
(فيسر بهن خ ل) فيلعبن معي ، وفي الحديث عن الحميدي أيضا كنت ألعب بالبنات في بيه ،
وهي اللعب (3) مع أنهم رووا عنه (ص في) صحاح الأحاديث أن الملائكة لا تدخل بيتا في
صورة مجسمة أو تماثيل ، وتواتر النقل عنه بإنكار عمل الصورة والتماثيل فكيف يجوز
لهم نسبة هذا إلى النبي (ص) وإلى زوجته من عمل الصورة في بيته الذي قد أسس للعباد ؟
وهو محل هبوط الملائكة والروح الأمين في كل وقت ولما رأى النبي الصورة في الكعبة لم
يدخلها حتى محيت مع أن الكعبة بيت الله تعالى فإذا امتنع من دخوله مع شرفه وعلوا
مرتبته فكيف يتخذ في بيته وهو أدون من الكعبة صورا ويجعلها محلا لها انتهى .
(1) رواه في البخاري (ج 8 ص 31 ط مصر) وأحمد بن حنبل (ج 6 ص 234 ط مصر) ولكن في
المسند يدل يتقمعن ينقمعن . (2) هو العلامة أبو عبد الله محمد بن أبي نصر فتوح بن
عبد الله بن حميد الأزدي الأندلسي القرطبي المحدث الحافظ الشهير ، يروي عن ابن حزم
وعن ابن عبد البر ، سكن بغداد ، له كتب منها كتاب الجمع بين الصحيحين البخاري ومسلم
، وعليه شروح كثيرة ، أدرك الخطيب أبا بكر بدمشق وروي عنه ، وروى الخطيب أيضا عنه ،
فالإجازة بينهما مدبجة ، توفي ببغداد سنة 488 فراجع الكنى والألقاب للمحدث القمي ج
2 ص 177 طبع النجف الأشرف . (3) جمع اللعبة بضم اللام وهي ما يلعب بها ، والبنات هي
اللعبات التي على هيئة البنات والصبيات يلعبن بها ولهن الوله فيها . (*)
قال الناصب خفضه الله أقول : قد صح أن عائشة كانت تلعب باللعب وكان هذا لكونها
صغيرة غير مكلفة ، فقد صح أنه دخل عليها رسول الله (ص) وهي بنت تسع سنين ، وهذه
اللعب ما كانت مصورة بصورة الإنسان بل كانت على صورة الفرس لما روي أنه (ص) رأى عند
عائشة أفراسا لها أجنحة ، فقال : الفرس يكون له جناحان فقالت عائشة أما سمعت أن خيل
سليمان كانت لها أجنحة : فتبسم رسول الله (ص) ، وهيئة الفرس لا تسمى صورة لأن
الأطفال لا يقدرون على تصوير الصورة وإنما يكون مشابها للصورة ، ولا حرمة في عمل
اللعبة على هيئة الخيل بل هذا في الإنسان ، وقيل في ما عبد من الحيوانات والملائكة
والإنسان ، وأيضا يحتمل أن يكون هذا قبل تحريم الصورة فإن تحريم الصور كان عام
الفتح على ما ثبت ، ولعب عائشة كانت في أوائل الهجرة ، وللصور شرائط إنما تحرم عند
وجودها ربما لم يكن شرط من الشرائط موجودا ، ولما صح الأخبار وجب التأويل والجمع
وليس أخبار بالصحاح (1) الستة مثل أخبار الروافض ، فقد وقع إجماع الأئمة على صحتها
انتهى .
(1) ليت شعري كيف يحكى الإجماع على صحتها مع أن فيها روايات في طرقها الأباضية
والأزارقة والمرجئة والمتهمون بالوضع والتدليس في المتون والأسانيد وإن كنت في ريب
من ذلك فلاحظ الأسانيد وطبقها مع ما ذكره الخطيب صاحب التاريخ وكتب ابن حجر
العسقلاني وطبقات المدلسين ، وكتاب المغني في الرجال ، وتقريب التهذيب وتهذيب
التهذيب وكتاب العتب الجميل للعلامة مجيزنا في الرواية السيد محمد بن عقيل العلوي
الحضرمي المتوفى سنة 1350 ، وكتاب أبي هريرة للعلامة الشريف آية الله السيد عبد
الحسين شرف الدين أدام الباري بركته ، وكتاب الغدير للعلامة المجاهد الآية الظاهرة
الشيخ عبد الحسين الأميني متع الله الشيعة ببقائه وغيرها ، وبعدما احطت خبرا لا ترى
قيمة لكلام الرجل أبدا ، فكم له من أمثال هذه ، ثم إجماع علماء مذهب هل يصير = (*)
أقول قد يتوجه عليه أن كلام المصنف إنما هو في تجويز تمكين النبي (ص) اللعب باللعب
والصور ، والإشارة إلى الاتيان بها دون المنع عنها ، لا في تجويز لعب عائشة بها حتى
يجاب بأنها كانت حينئذ غير مكلفة مع ظهور الكذب فيه ، وأما ما ذكره من أن هذه اللعب
بصورة البنات من الإنسان الخ ففيه : أن البنات لا تطلق إلا على ما يعلمونه من اللعب
بصورة البنات من الإنسان وهو المتبادر الظاهر من البنات دون الأفراس ومن جملة
خياناته الظاهرة المنشورة في كتابه ما استدل به على أن لعب عائشة كانت منحصرة في
الأفراس من الرواية التي وضعها بالتصرف في حديث المصورة بصورة الإنسان وبينها ما هو
في صورة فرس له جناحان حيث قال : ولأبي داود في رواية أخرى أن رسول الله (ص) قدم من
غزوة تبوك أو خيبر وفي سهوتها (2) ستر فهبت ريح فانكشفت ناحية الستر عن بنات لعائشة
تلعب بها (لعب خ ل) فقال : ما هذه يا عائشة قلت بناتي ورأى وسطهن (بينهن خ ل) فرسا
له جناحان من رقاع فقال : وما هذا الذي أرى وسطهن ؟ قالت : فرس قال : وما هذا الذي
عليه قالت : جناحان ، قال 6 فرس يكون له جناحان ، قالت : أما سمعت أن لسليمان خيلا
لها أجنحة ، فضحك حتى رأيت نواجذه انتهى ومن العجب استدلاله على الجزم بأن عائشة ما
كانت تلعب بالبنات المصورة بصورة الإنسان بالرواية الدالة على أنها قد لعب مرة بما
كان في صورة الأفراس ، وأيضا حكمه هاهنا
= دليلا ملزما لخصمهم كلا ثم كلا ؟ وكأنه من شدة التعصب غير مبال بقانون آداب البحث
والنظر عصمنا الله من الزلل . (1) ذكره في جامع الأصول (ج 11 ص 321 ط الأولى بمصر)
. (2) السهوة قدام فناء البيت . (*)
بعدم حرم اللعب بما هو في صورة الخيل ينافي ما سيذكره في مسائل الشهادات من المسائل
الفقهية من أن عدم حرمة اللعب بالشطرنج عند الشافعي مشروط بشروط أربعة (1) منها أن
لا تكون أسبابه مصورة بصورة حيوانات ، ثم ما ذكره من أن هيئة الفرس لا تسمى صورة
ففيه مكابرة على العرف واللغة ، قال في القاموس ، الصورة بالضم الشكل جمعه صور وصور
وصور بالثلاث انتهى ، ومن المضحكات استدلاله على ذلك بقوله لأنه الأطفال لا يقدرون
على تصوير الصورة ، فإن لعب الأطفال بذلك لا يستدعي اقدارهم على تصوير الصورة
بأنفسهم بل ربما يعمل ذلك لهم غير من أمهاتهم وأخواتهم وخالاتهم وأمثالهن مع أن
عائشة لم تكن طفلا عند اللعب ، بل قد بلغ عمرها تسع سنين كما اعترف به الناصب قبل
ذلك ، والطفل لا يطلق إلا على الولد الرضيع ، ثم إذا فطم يقال له فطيم أو فطيمة
(1) وقال ابن روز بهان في مسألة حرمة اللعب بالشطرنج : والشرائط الأربعة هي (1) عدم
تفويت الصلاة عن وقتها بسبب الاشتغال به (2) أن يخلو عن القمار (3) أن لا يصير سببا
للنزاع والكذب (4) أن لا تكون أسبابه مصورة بصور الحيوانات ، قال فإن فقد شيء من
هذه الشرائط صار حراما ، وذهب الغزالي من أصحاب الشافعي إلى إباحته انتهى أقول وقال
الشافعي في كتاب الأم (ج 6 ص 213 طبع مصر) ما لفظه : ولا نحب اللعب بالشطرنج وهو
أخف من النرد ، ويكره اللعب (بالحزه) والقرق وكل ما لعب الناس به إلى أن قال : ومن
لعب بشيء من هذا على الاستحلال له لم ترد شهادته ، وإن غفل به عن الصلوات فأكثر حتى
يعود له حتى تفوته رددنا شهادته على الاستخفاف بمواقيت الصلاة الخ . وفي فقه النوري
أن إباحة اللعب بالشطرنج مشروط بأن تكون الآلات مصورة ، وفي كتاب الروض لبعض
الشافعية أن اللعب به غير محرم إلا أن تكون الآلات مجسمة انتهى ، وبالجملة فمن سبر
في كتبهم قطع بأن الأمر كما أفاده مولينا القاضي الشهيد ، والله نعم المعين والناصر
. (*)
أو وليد أو وليدة كما ذكره الثعالبي (1) في كتابي فقه (2) اللغة وسر العربية ، بل
كانت بالغة على مذهب بعض الفقهاء كما لا يخفى ، ثم قوله ولا حرمة في عمل اللعبة على
هيئة الخيل ممنوع بل الظاهر من الصور والتماثيل المذكورة في حديث التحريم ما يعم كل
صورة لإطلاق الحديث ، وقد صرح (3) بذلك البغوي في المصابيح والبيضاوي في شرحه ،
وأما ما ذكره من التاريخ المضحك فلعله مأخوذ من تاريخ الفارسي المشتمل على الأكاذيب
، فالأولى أن يدعه في مخلات جهالاته ، وأما ما ذكره من أن أخبار الصحاح الستة ليس
مثل أخبار الروافض ، فهو مسلم فكيف تكون أخبار أهل سنة معاوية وجماعة يزيد مثل
أخبار الروافض للباطل المتمسكين بالكتاب والعترة ، وأما قوله : فقد وقع إجماع
الأئمة على
(1) هو العلامة الشيخ أبو منصور عبد الملك بن محمد بن إسماعيل الثعالبي الإمام في
الأدب والبلاغة واللغة والانشاء ، ووحيد عصره في هذه الفنون ، له كتب مها يتيمة
الدهر في محاسن أهل العصر طبع مرات وله ذيول كالدمية والخريدة وزينة الدهر وغيرها ،
ومنها كتاب برد الأكباد في الاعداد ، وسحر البلاغة ، وفقه اللغة وطبع مرات ، وثمار
القلوب في المضاف والمنسوب ، وشمس الأدب في استعمال العرب ، وأحاسن المحاسن وسر
الأدب وقد طبع وغيرها توفي 429 فراجع الريحانة (ج 1 ص 232) وغيره من المعاجم (2)
قال في فقه اللغة (ص 141 طبعه الصغير الحجم) ما لفظه : في ترتيب سن الغلام عن أبي
عمرو عن أبي العباس ثعلب عن ابن الأعرابي ، يقال للصبي إذا ولد رضيع وطفل ، ثم فطيم
، ثم دراج ، ثم حفر ، ثم يافع ، ثم شرخ ، ثم مطبخ ، ثم كوكب انتهى . (3) أورد
البغوي في المصابيح (ج 2 ص 89 ط مصر) عدة روايات صريحة في الإطلاق بأسانيد موثقة
مختلفة ، منها ما رواه في ذلك الجزء (ص 90) عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : كل مصور في النار يجعل له بكل صورة صورها نفسا
فتعذبه في جهنم . (*)
صحتها فمرود بأن مراده من الأئمة الأئمة الدعاة إلى النار ، (1) فإجماعهم خارج عن
درجة الاعتبار ، وسيأتي تحقيق الكلام في أخبار الفريقين في موضعه اللائق أن شاء
الله تعالى . قال المصنف رفع الله درجته وروى (2) الحميدي أيضا في الجمع بين
الصحيحين قالت عائشة : رأيت النبي (ص) يسترني بردائه وأنا أنظر إلى الحبشة وهم
يلعبون في المسجد فزجرهم عمر وروى الحميدي (3) عن عائشة قالت دخل على رسول الله (ص)
وعندي جاريتان تغنيان بغناء بعاث (4) فاضطجع على الفراش وحول وجهه ودخل أبو بكر
فانتهرني وقال مزمارة (5) الشيطان عند النبي (ص) ، فأقبل عليه رسول الله (ص) وقال
دعها ،
(1) إشارة إلى قوله تعالى في سورة القصص . الآية 41 . (2) رواه في جامع الأصول عن
البخاري ومسلم والنسائي (ج 11 ص 322 ط مصر) . (3) رواه في جامع الأصول عن البخاري
ومسلم (ج 9 ص 312 ط مصر) . (4) قال في القاموس : بعاث بالعين والغين وبثلث معروف
بقرب المدينة ويومه معروف وقال في حيوة النبي وفي كتاب حيوة النبي (ص) للأخ البحاثة
التقي الحجة الشيخ قوام الدين الوشنوي نقلا عن سيرة الحلبي ما لفظه : بعاث بضم
الموحدة ثم العين المهملة والمخففة وفي آخره ثاء مثلثة وقيل بفتح الموحدة وبدل
المهملة المعجمة ، قيل ذكر المعجمة تصحيف فعن ابن دريد صحف الخليل بن أحمد ليوم
البغاث بالغين المعجمة ، وإنما هو بالمهملة والبعاث مكان قريب من المدينة على
ليلتين منها عند بني قريظة ويقال : إنه حصن للأوس وكان به القتال قبل قدومه ص
المدينة بخمس سنين بين الأوس والخزرج . (5) غناء زمير أي حسن ، يقال : زمر إذا غنا
، والقصبة التي يتزمر بها زمارة قصبة ، حديث أبي بكر مزمورة الشيطان عند النبي وفي
رواية مزمارة الشيطان في بيت رسول الله . المزمورة بفتح الميم وضمها والزمارة سواء
، وهي الآلة التي يزمر فيها . م . (*)
فلما غفل غمزتها ، فخرجنا وكيف يجوز للنبي (ص) الصبر على هذا مع أنه (ص) نص على
تحريم اللعب واللهو والقرآن مملوء منه ، وبالخصوص مع زوجته ، وهلا دخلته الحمية
والغيرة مع أنه عليه الصلاة والسلام أغير الناس وكيف أنكر أبو بكر وعمر ومنعهما
عليه الصلاة والسلام ، فهل كانا أفضل منه وأكمل ؟ وقد رووا عنه أنه لما قدم إلى
المدينة من سفره خرجن إليه نساء المدينة يلعبن بالدف فرحا بقدومه وهو يرقص بأكمامه
هل يصدر مثل عن رئيس أو من له أدنى وقار ؟ ! نعوذ بالله من هذه السقطات ، مع أنه لو
نسب الشخص أحدهم إلى مثل هذا قابله بالسب والشتم وتبرأ منه ، فكيف يجوز نسبة النبي
(ص) إلى مثل هذه الأشياء التي يتبرء منها انتهى . قال الناصب خفضه الله أقول : ضرب
الدف ليس بحرام مطلقا ، وكذا اللهو كما ذكر في موضعه ، وما ذكر من ضرب الجاريتين
بالدف عند عائشة كان أيام عيد ، واتفق العلماء على جواز اللهو وضرب الدف في أوقات
السرور كالأعياد والختان والأملاك ، (1) وأما منع أبي بكر عنه فإنه كان لا يعلم
جوازه في أيام العيد ، وتتمة الحديث أن النبي (ص) قال لأبي بكر : دعهما فإنها أيام
عيد فلذلك منعه أبو بكر ، فعلمه رسول الله المدينة (ص) أن ضرب الدف والغنا ليس
بحرام في أيام العيد وما ذكر أن نساء المدينة خرجن إليه في عوده من السفر فذلك كان
من خصال نساء المدينة ولم يمنعهن رسول الله (ص) لأنها كانت قبل نزول الحجاب ولأنهن
كن يظهرن السرور بمقدم رسول الله (ص) وهو عبادة ، وإن ترك المروة في أمثال هذه
الأمور التي توجب الألفة والموافقة ، وتطيب الخواطر وتشريح المسائل جائز ولكن نعم
ما قيل شعر :
(1) أملكه إياها : زوجه . (*)
|
شرح إحقاق الحق (ج2) |