الصفحة السابقة الصفحة التالية

شرح إحقاق الحق (ج2)

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب

ص 321

وطريق التعيش مع الرعية بحيث لا يكون فظا غليظا (1) منقرا ولا سهلا ضعيفا يستولي عليه الرعية (2) ، ويكون حامي الذمار ويكفيه من العلم ما يشترط القوم من الاجتهاد ، وكذا الشجاعة والقرشية في الحسب والنسب ، وإن وجد في رعيته من كان في هذه الخصال أتم ولا يكون مثله في حفظ الحوزة فالذي يكون أعلم بتدبير حفظ الحوزة فالعقل يحكم بأنه هو الأولى بالإمامة ، وكثير من المفضولين يكونون أصلح للإمامة من الفاضلين ، إذ المعتبر في ولاية كل أمر والقيام به معرفة مصالحه ومفاسده وقوة القيام بلوازمه ، ورب مفضول في علمه وعمله وهو بالزعامة والرياسة أعرف وبشرائطها أقوم وعلي تحمل أعبائها أقدر ، وإن أراد بالأفضل أن يكون أكثر ثوابا عند الله فهذا أمر يحصل له الشرف والسعادة ولا تعلق له بالزعامة والرئاسة وإن أراد بالأفضل الأصلح للإمامة لكونه أعلم بحفظ الحوزة وتدبير المملكة فلا شك أنه أولى ، ولا يجب تقديم إذا حصل حفظ الحوزة بالأدون ، بل الأولى والأنسب تقديم هذا إذا لم يسبق له عقد بيعة ، فإن سبق وكان في تغيره مظنة فتنة فلا يجوز التغيير ، هذا جواب ما استدل به على هذا المطلب من لزوم القبح العقلي مع إنا غير قائلين به ، وأما ما استدل به من الآية فهو يدل على عدم استواء العالم والجاهل

(هامش)

(1) وفي الصواعق (ص 87 ط عبد الوهاب بمصر) روايات ناصة على كون الثاني فظا غليظا ، وكذا يظهر من الناصب تسلم هذا المعنى فراجع كلماته في الكتاب (ص 228 الطبع القديم بطهران) مضافا إلى ما مر في المجلد الأول من كتابنا هذا (ص 53) فقد نقلنا هناك عن شرح ابن أبي الحديد وصحيح البخاري ، وعلى ما ذكره الناصب هنا كيف يكون الثاني جديرا بالخلافة . (2) ويكفي في ضعف الثالث ما شوهد من سلطة بني أمية عليه وتمكنهم من رقاب المسلمين حتى آل الأمر إلى حصاره وقتله في الدار وصيرورته هدفا للملام ، فمن كان رشده وقوة قلبه وحزمه بهذه المثابة كيف يكون جديرا لزعامة الدين وخلافة سيد المرسلين . (*)

ص 322

وعدم استواء الهادي والمضل والمهتدي والضال (1) وهذا أمر مسلم ، فلذلك الفضل الذي لم يصل إماما وصار المفضول إماما بترجيح على المفضول بالعلم والشرف ، ولكن المفضول إذا كان أحفظ لمصالح الحوزة وأصلح للإمامة فهو أحق بالإمامة ، والفاضل على فضله وشرفه ولا محذور في هذا ، ومن الأشاعرة من فضل في هذه المسألة وقال : نصب الأفضل إن أثار فتنة لم يجب كما إذا فرض أن العسكر والرعايا لا ينقادون للفاضل بل للمفضول وإلا وجب انتهى . أقول مراد المصنف قدس سره أنه يجب أن يكون الإمام أفضل وأكمل من الرعية في جميع أوصاف المحامد كالعلم والزهد والكرم والشجاعة والعفة وغير ذلك من الصفات الحمية والأخلاق المرضية ، وبالجملة يجب أن يكون أشرفهم نسبا وأعلاهم قدرا وأكملهم خلقا وخلقا كما وجب ذلك في النبي بالنسبة إلى أمته ، وهذا الحكم متفق عليه من أكثر العقلاء إلا أن أهل السنة خالفوا في أكثره كالأعلمية والأشجعية والأشرفية لأن أبا بكر لم يكن ذلك مع أن عمر وأبا عبيدة نصباه إماما ، وكذا عمر لم يكن كذلك وقد نصبه أبا بكر إماما ، ولم يتفطنوا بأن هذا الاختيار السوء قد وقع مواضعة ومخادعة من القوم حبا لجاه الخلافة وعداوة لأمام الكافة كما يكشف عنه قول طلحة حين كتب أبو بكر وصية لعمر بالولاية والخلافة حيث قال (2) مخاطبا لعمر : وليته أمس ولاك اليوم إلى غير ذلك من

(هامش)

(1) وأنت خبير أن الآية الثانية ليست في مقام منع مجرد الاستواء بين الهادي والمفضل بل في مقام بيان الأحق بالتبعية ، وأن الأحق بها هو الهادي إلى الحق دون من يحتاج في الاهتداء إلى غيره . (2) ذكره ابن قتيبة في السياسة والإمامة (ص 20 المطبوعة بمصر سنة 1356) في كتاب لأبي بكر بإملاء عثمان المتضمن لاستخلافه عمر ثم قوله لعمر خذ هذا الكتاب = (*)

ص 323

المكائد والحيل والخديعة التي استعملوها في غصب الخلافة عن أهلها ، وكذلك فريق من المعتزلة منهم عبد الحميد بن أبي الحديد (1) المدايني قالوا بجواز تقديم المفضول على الفاضل لمصلحة ما ، وقالوا : إن عليا أفضل من أبي بكر وجاز تقديم أبي بكر عليه لمصلحة ، وهذا القول غير مقبول ، إذ يقبح من اللطيف الخبير أن يقدم المفضول والمحتاج

(هامش)

= وأخرج به إلى الناس وأخبرهم أنه عهدي وسلهم عن سمعهم وطاعتهم ، فخرج عمر بالكتاب وأعلمهم ، فقالوا : سمعا وطاعة ، فقال له رجل ما في الكتاب يا أبا حفص ، قال لا أدري ولكني أول من سمع وأطاع ، قال ولكني والله أدري ما فيه (أمرته العام الأول وأمرك العام .) (1) هو العلامة الشيخ عبد الحميد عز الدين أبو حامد بن هبة الله بن نحمد بن حسين بن أبي الحديد المدائني المولد البغدادي المسكن المعتزلي الأصول الشافعي الفروع ، كان فقيها محدثا أديبا شاعرا لبيبا أصوليا حكيما ، توفي سنة 655 ، يروي عنه جماعة منهم المحقق الفقيه الشيخ سديد الدين يوسف الحلي ولد مولينا العلامة وغيره ، له تصانيف نفيسة منها كتاب شرح نهج البلاغة في زهاء مجلدات وقد طبع بمصر وبيروت ، ولعمري أنه أحسن شرح لأحسن كتاب ، وينقل فيه عن السيد أبي جعفر النقيب غالبا ، ومن تصانيفه كتاب العبقري الحسان في منشآته ومنظوماته ، وكتاب الفلك الدائر في رد المثل السائر لابن الأثير طبع ببلدة بمبئي وكتاب الاعتبار على كتاب الذريعة في أصول الفقه سيدنا المرتضى علم الهدى وشرح المحصل لفخر الدين الرازي وغيرها ، ومن آثاره القصائد السبع العلويات الشهيرة التي شرحها العلامة صاحب المدارك وقد طبعت منضمة بشرح المعلقات السبع ومستقلة في بيروت ، وهي قصائد رائقة شهبة ، وتنسب إليه هذه الأبيات : فيك يا أعجوبة الكون غدا الفكر كليلا * أنت حيرت ذوي اللب وبلبلت العقولا - الخ وهو رجل منصف بين العامة وكثيرا ما يقضي بالحق وله عقب طويل الذيل إلى يومنا هذا في العراق وغيره . (*)

ص 324

إلى التكميل على الفاضل الكامل عقلا ونقلا كما تقدم في النبوة ، ومنشأ شبهتهم في هذا التجويز أن النبي (ص) قدم عمرو بن العاص على أبي بكر وعمر ، وكذا قدم أسامة بن زيد عليهما مع أنهما أفضل من كل منهما ، والجواب بعد تسليم أفضليتهما والإغماض من أن هذه الأفضلية إنما توهم لها بعد غصبهما الخلافة إنهما إنما قدما عليهما في أمر الحرب فقط ، وقد كانا أعلم منهما في قطعا ، كما دل عليه الأخبار والآثار ، هذا إن جعلنا التقديم والتأخير منوطا باختيار الله تعالى ، وإن جعلناه منوطا باختيار الأمة كما هو مذهب جمهور الناصبة فهو أيضا غير مقبول لأنه يقبح في العقول أيضا أن يجعل المفضول المبتدي في الفقه مقدما على ابن عباس وذلك بين عند كل عاقل والمخالف فيه مكابر ، ومن العجايب أن عبد الحميد بن أبي الحديد نسب هذا التقديم الذي ذهب إليه إلى الله عز وجل فقال في خطبة شرحه لنهج البلاغة (1) : وقدم المفضول على الفاضل لمصلحة اقتضاها التكليف ، وهذا القول في غاية ما يكون من السخف ، لأنه نسب ما هو قبيح عقلا إلى الله عز وجل مع أنه عدلي المذهب وقد خالف مذهبه ، ولهذا حصل الشكايات الواردة عن علي (ع) عن الصحابة والتظالم منهم في الخطبة الموسومة بالشقشقية (2) على ذلك ، ولا يخفى أن الحمل على ذلك مما لا وجه له سوى التحامل على علي (ع) ، لأن هذا التقديم إن كان من الله تعالى لم يصح من علي (ع) الشكاية مطلقا ، لأنها حينئذ تكون ردا على الله والرد عليه حد الكفر ، وإن كان من الخلق فإن كان هذا التقديم لمصلحة المكلفين علم بها جميع الخلق غير علي (ع) ، فقد نسبه (ع) إلى الجهل بما عرفه عامة الخلق ، وإن كان لا لمصلحة كان تقديما بمجرد التشهي فلم تكن

(هامش)

(1) فراجع (ص 1 ج 1 شرح النهج ط مصر) (2) وجه تسميتها بذلك أنه عليه السلام لما أنشأ هذه الخطبة تنفس الصعداء وقال عليه السلام شقشقة هدرت ثم قرت . (*)

ص 325

الشكاية على الوجه الذي توهمه ، فلا وجه لحملها عليه فتوجه ، ثم أقول : يمكن أن يستدل على عدم جواز تفضيل المفضول بقول (1) أبي بكر : أقيلوني أقيلوني فإني لست بخيركم وعلي فيكم وهذا من خواص هذا التعليق فاحفظه فإنه به حقيق ، ثم هذا الذي أجبنا به عن جانب المصنف اختيار للأعم من الاحتمالات التي ذكرها الناصب في ترديده الثلاثي ، وتتضح صحته وإفادته في المقصود عند القدح التفصيلي على مقدمات ترديده المردود فنقول وبالله التوفيق : أما ما ذكره الأعرف مع الأعلم في الشق الأول فمحل تأمل ، لأنه إن أراد به الأعلم فيلزم الاستدراك ، وإن أراد به الأعرف لقواعد الرئاسة وحفظ الحوزة كما ذكره في الشق الثالث فلا وجه لمنع وجوبه عقلا هاهنا وإثباته هناك ، وأما قوله : لأن صريح العقل يحكم بأن مدار الإمامة على حفظ الحوزة الخ فمردود بأنا سلمنا أن المدار على حفظ الحوزة لكن ذلك الحفظ يعتبر أن يكون على الوجه الشرعي الخالي عن شوائب الجور والظلم الذي لا يحصل إلا ممن اتصف بالعلم والفقه والزهد والشجاعة بل بالعصمة كما مر دون الوجه العرفي السياسي الحاصل من

(هامش)

(1) ذكر هذه الجملة مسندة إلى أبي بكر في التجريد للمحقق الطوسي (قده) وقرره الفاضل القوشجي في شرح التجريد بقول : بيان ذلك : أنه إن كان صادقا لهذا الكلام لم يصلح للإمامة ، وإن كان كاذبا لم يصلح أيضا لاشتراط العصمة فلا أقل من العدالة في الإمامة (انتهى) ولم يجب عنه بشيء ويظهر منه : أنه جازم بصدوره ، كيف وهو مصر على رد ما ينقله من التجريد في باب الإمامة فلاحظ الشرح . وكذا يظهر من الناصب تسلم صدور هذه الجملة من أبي بكر فراجع كلامه في مقام الجواب عن مطاعن الأول عند قول مولينا العلامة قده ومنها أنه طلب هو وعمر إحراق بيت أمير المؤمنين (ع) وكذا في كتاب الأموال لأبي عبيد وقد طبع . (*)

ص 326

معاوية الباغي وجروه يزيد والوليد الأموي الجبار العنيد الذي استهدف المصحف المجيد ، والحجاج الظالم الفاتك الشديد ، واللص المتغلب الدوانيقي ونحوهم من كل شيطان مريد ، فإنهم كانوا يدفعون الفتنة المتوهمة على الحوزة بل على خصوص سلطنتهم وجاههم بقتل كل متهم (1) وصلب كل عدو متهم (2) وإحراق بيوت أقوامهم وجيرانهم (3) وضرب أعناقهم (4) إلى غير ذلك من العذاب والنكال بلا ثبوت ذنب منهم على وجه شرعي ، وبالجملة أن حفظ الحوزة على الوجه المشتمل على الانتظام الظاهري ودفع الهرج والمرج (5) ودفع تطاول بعض الآحاد على بعض قد يترتب على وجود الخلفاء المجازية والملوك الجائرة بل بوجود الشحنة والعسس (6) بل ربما يحصل هذا القسم من الانتظام دون غيرهم من الخلفاء الحقيقية فإنهم بموجب سياساتهم العرفية المذكورة ربما يدفعون تطاول آحاد الناس على غيرهم من العباد بوجه لا يتيسر لغيرهم من الخلفاء الأمجاد ، لكنهم أنفسهم وأولياء دولتهم يعملون من ضعفاء العباد ما يشاؤن من الجور والفساد ، ولو وقع خلل في أحكام الدين القويم واعوجاج في أركان الطريق المستقيم عجزوا عن الاصلاح والتقويم كما أشار إليه عبيد الله بن (7) الحر في جملة قوله شعر :

(هامش)

(1) كسعيد بن جبير وعمرو بن الحمق الخزاعي ورشيد الهجري . (2) كميثم التمار وزيد بن علي بن الحسين عليهما السلام (3) كبيوت بني هاشم في المدينة في عهد يزيد (4) كمسلم بن عقيل وهاني بن عروة . (5) الهرج : الوقوع في الفتنة ، والمرج : الاضطراب والفساد . (6) الشحنة بالكسر : من أقامهم الملك لضبطها ، العسس : الذين يطوفون بالليل يحرسون الناس ويكشفون أهل الريبة . (7) قال في ذخيرة الدارين (ص 228 ط النجف الأشرف) ما لفظه : = (*)

ص 327

تبيت النشاوى (1) من أمية نوما * وبالطف قتلى ما ينام حميمها وما ضيع الإسلام إلا قبيلة (عصابة خ ل)* تأمر نوكاها (2) ودام نعيمها فأضحت قتاة الدين في كف ظالم * إذا اعوج منها جانب لا يقيمها

(هامش)

= أقول : قال الشيخ أبو العباس النجاشي في رجاله : عبيد الله بن الحر الجعفي الفارس الفاتك الشاعر له نسخة يرويها عن أمير المؤمنين (ع) ، وقد ذكر ذلك البخاري قال : إسماعيل بن جعفر بن أبي حفصة عن سليمان بن يسار ، وقال شريك عن عمر بن حبيب عن عبيد الله بن الحر حديثه في الكوفيين الخ ، وقال العلامة الشيخ عبد القادر البغدادي في كتاب خزانة الأدب في ترجمة عبيد الله بن الحر ما لفظه : بعد ما ندم على تركه إجابة الحسين عليه السلام يوم دعاه إلى نصرته بقصر بني مقاتل فلم ينصره قال شعرا يرثى به الحسين عليه السلام : فيا لك حسرة ما دمت حيا * تردد بين صدري والتراق حسين حين يطلب بذل نصري * على أهل العداوة والشقاق ولو أني أواسيه بنفسي * لنلت كرامة يوم التلاق مع ابن المصطفى روحي فداه * فيا لله من ألم الفراق فما أنسى غداة يقول حزنا * أتتركني وتزمع لانطلاقي فلو فلق التلهف قلبي (قلب خ ل)* لهم القلب مني بانفلاق فقد فاز الأولى نصروا حسينا * وخاب الآخرون أولوا النفاق الخ وأورد هذه الأبيات العلامة أخطب خطباء خوارزم أبو المؤيد الموفق بن أحمد المكي المتوفى سنة 568 في مقتله (ج 2 ص 191 ط النجف الأشرف) ويظهر منه أنه أنشدها على قبره عليه السلام فضج من معه بالبكاء والعويل والنحيب ، وأقاموا عند القبر يومهم ذلك وليلتهم يصلون ويبكون ويتضرعون . (1) النشاوى جمع النشوان ، يقال النشوان والنشيان : كالسكران لفظا ومعنى . (2) النوكى كسكرى جمع الانوك : الأحمق . (*)

ص 328

وليتأمل ذو الرأي السديد أن فيما وقع أيام تغلب يزيد عليه من اللعنة ما يربو ويزيد من قتلة الحسين (ع) شيء من حفظ الإسلام ؟ ! أو في قتله لأهل المدينة (1) وافتضاض ألف بكر من أولاد الصحابة والتابعين الكرام (2) رعاية حقوق الأنام ؟ ! أو في رمي المناجيق على الكعبة (3) وتخريب بيت الله الحرام (4) عمارة لما اختل من النظام أو دعوة لمن دخلها إلى دار السلام ؟ ! وأما ما اشترط الناصب من عدم كون الإمام فظا غليظا (5) فيشكل بحال إمامه عمر ، فإنه كان مذكورا على لسان الصحابة بهاتين الصفتين كما سيجئ بيانه ، وأما كفاية اشتراط العلم الاجتهادي فقد مر ما فيه وسيجئ بيان الخطايا الفاحشة الصادرة عن اجتهاد عمر التي اعترف فيها بقوله : لولا علي (ع) لهلك عمر (6) وقوله : كل الناس أفقه من عمر حتى المخدرات في الحجال (7) وأما ما فرض بقوله : وإن وجد في رعيته من كان بهذه

(هامش)

(1) ذكره سبط ابن الجوزي في التذكرة (ص 299 ط طهران) . وابن عبد ربه في العقد الفريد (ج 3 ص 142 ط مصر) . (2) ذكره أيضا ابن الجوزي في التذكرة (ص 299 ط طهران) وسائر أرباب السير والتواريخ . (3) ذكره في العقد الفريد (ج 3 ص 143 ط قديم) وفي تذكرة الخواص (299 ط طهران) وفي غيره من الكتب . (4) ذكره في عقد الفريد (ج 3 ص 144 قديم مصر) وفي غيره من كتب . وفي تذكرة الخواص (299 ط طهران) وفي غيره من الكتب . (5) نص على ذلك البخاري في صحيحه (ج 5 ص 11 ط مصر) . والخطب في مشكوة المصابيح (ص 556 ط الهند) . (6) قد مر في (ج 1 ص 53) نقل بعض الموارد التي ذكرت هذه الكلمة فيها وسيجئ استقصائها في المطاعن من كتب القوم . (7) قد مر في (ج 1 ص 53) نقله منا عن كتب القوم . (*)

ص 329

الخصال الخ ، ففرض محال ، إذ لا يعقل كون الشخص متصفا بالأحسبية والأنسبية والأشرفية والأعرفية والأعلمية والأشجعية ويكون غيره أعلم بحفظ الحوزة على الوجه المطابق للقانون الشرعي ، ولعلهم زعموا أن أبا بكر وعمر كانا كذلك بالنسبة إلى علي (ع) وبطلانه ظاهر ، لما اشتهر من أن أكثر (1) ما استعمله عمر من تدبير فتح العجم ونشر الإسلام في بلادهم إنما كان بإشارة من علي (ع) ، ومن أعظم ذلك وأشهره أنه لما وصل إلى انتكاس راية الإسلام في مقابل راية أهل العجم المسماة بالدرفش الكاوياني بخاصية ما كتب عليها بعض أهل الطلسمات من الجدول المشتمل (2) على مأة بيت في مأة بيت ، رسم أمير المؤمنين عليه السلام بقواعد علم

(هامش)

(1) منها ما ذكره عند استشارة عمر بن الخطاب إياه في غزوة الفرس بنفسه فقال بعد كلام له عليه السلام : فكن قطبا واستدر الرحى ، وأصلهم دونك نار الحرب فإنك إن شخصت من هذه الأرض انتقضت عليك العرب من أطرافها وأقطارها حتى يكون ما تدع ورائك من العورات أهم إليك مما بين يديك الخ (نهج البلاغة ص 197 ط طهران) ومنها ما ذكره خواند مير في روضة الصفا (ج 2 ص 243 ط الهند) وغيره من المؤرخين في كتبهم فراجع . ومنها عند استشارة عمر بن الخطاب إياه في غزوة الروم بنفسه فقال بعد كلام له ع : إنك متى تصير إلى هذا العدو بنفسك فتلقهم فتنكب لا تكن للمسلمين كأنفة دون أقصى بلادهم ليس بعدك مرجع يرجعون إليه فابعث إليهم رجلا مجربا ، واحفز معه أهل البلاء والنصيحة الخ ونقل تفصيله ابن أبي الحديد في شرح النهج (ج 2 ص 390 ط مصر) . (2) وهذا الجدول يعبر عنه عندنا ، (صد اندر صد) وهو قسمان عددي وحرفي ولكتابته شروط عند أهل الفن بحسب الزمان والمكان والتبخيرات وطهارة الكاتب والاستقبال وحضور القلب وخلوص النية وحلية المأكل والمشرب والتختم بالعقيق المنقوش عليه من أسمائه تعالى الحسنى ما كان مناسبا للمقصود وكونه صائما وكون المداد المكتوب به الجدول مزعفرا مسكيا معنبرا إلى غير ذلك من الأمور المعتبرة عند علماء الحروف والأعداد والطلاسم والأدعية والأوراد وهذه نموذج وشطر من صورته حررناها تتميما للفائدة وتعميما فخذها وكن من الشاكرين . = (*)

ص 330

طلسم

ص 331

الجفر المختص به على راية أهل الإسلام جدولا مشتملا على مائة وواحد حتى أبطل خاصية ذلك الطلسم وانكسرت راية العجم عند المقابلة في المرة الثانية من الحرب نعم كان (ع) محترزا عن استعمال الغدر والمكيدة والحيلة والخديعة التي يعد الحرب مستعملها من الدهات ، وكانوا يصفون معاوية بذلك ، فقد حكي أنه لما بلغ علي (ع) أن جماعة من عسكره يقولون : إن معاوية صاحب دهاء دون علي (ع) ، قال لهم : لولا الدين لكنت من أدهى العرب (1) وكذا الكلام في الشق الثاني من ترديده ، إذ لا يعقل أن يكون من هو أكثر ثوابا عند الله من جميع أهل عصره خاليا عن العلم بقوانين الإمامة والرئاسة مفضولا فيه عن سائر أهل عصره ، وأما ما ذكره في الشق الثالث من أنه لا يجب التقديم إذا حصل حفظ الحوزة بالأدون ، ففيه أن هذا عني الاعتراف بجواز تقديم المفضول من حيثية يصلح للإمامة على الفاضل من تلك الحيثية ، وتقديم المفضول على الفاضل الذي أنكره العقل والنقل وجعله المصنف شناعة على القائل به

(هامش)

= ثم إن صاحب كتاب تاريخ روضة الصفاء قد أشار في (ص 242 ج 2 ط لكنهو) إلى تسمية لواء العجم (بالدرفش الكاوياني) وكيفيتها وأنها كانت ثمانية أذرع عرضا واحدثنا عشر ذرعا طولا وأن جنسها من جلود النمر إلى آخر ما نقله عن كتاب الغنية فراجع . ولله در شيخنا الآزري حيث يقول في قصيدته الهائية التي خمسها الشيخ جابر : كم له باختراع حرب نكات * وبإذلال غلبها ملكات وله باصطيادهم شبكات * وله يوم خيبر فتكات كبرت منظرا على من رآها عزمات عن دركها الوهم يخطى * وعقول الأنام فيها بخبط إن يوم أوحى مني كل رهط * يوم قال النبي إني لأعطي رايتي ليثها وحامي حماها (1) ذكره السيد سليمان القندوزي في كتاب ينابيع المودة في الباب الحادي والخمسين وهذا لفظه : لولا الدين والتقى لكنت أدهى العرب . (*)

ص 332

هو هذا ، فكان الواجب على الناصب أن يقصر المسافة على نفسه ويقول إن تفضيل المفضول جائز إذا انتظمت الرئاسة بالمفضول أيضا لئلا يصير باقي المقدمات لغوا مستدركا ، وأيضا سيصرح الناصب المردود أنه في هذا الجواب المردود بصدد المماشاة مع الخصم في المحافظة على قاعدة الحسن والقبح العقليين مع أن ما ذكره في الشق مخالف لما ذكره أعقل (1) الحكماء ورئيسهم في إلهيات الشفا حيث قال بعد اشتراط النص والأفضلية ونحوها من الصفات في الخليفة والمعول الأعظم العقل وحسن الايالة ممن كان متوسطا في الباقي بعد أن لا يكون غريبا في البواقي ولا يكون بمنزلته في هذين ، فيلزم أعلمهما أن يشارك أعقلهما ويلزم أعقلهما أن يعتضد به ويرجع إليه مثل ما فعل عمر وعلي انتهى ، إذ يفهم من عبارته أن الغريب من العلم الصائر إلى الجهل مع كونه عارفا بحسن الايالة وقانون العدالة لا ينبغي للخلافة ، وأن الأعرف بالسياسة إنما كان أولى من الأعلم لم يكن الأعلم بمنزلته في العدالة والايالة ، فلا يكون عمر على تقدير كونه أعرف بالسياسة أولى من علي (ع) ، لأن عليا (ع) كان في الأمرين على منزلة رفيعة كما اعترف به الخصم أيضا هذا ، وفي تمثيل الشيخ لذلك بحال علي وعمر دقيقة ذكرناها في كتاب مجالس المؤمنين (2) ، ولعل الناصب زعم أن مضمون هذا الشق منطبق على حال خلفائه الثلاثة وأنهم كانوا مفضولين عن علي (ع) في العلم بحفظ الحوزة أيضا ، لكن المفضول في ذلك يجوز نصبه مع وجود الفاضل فيه ، وفيه أنه لو كان لهم علم بحال الرياسة والقيادة لما أمر النبي (ص) عليهم عمرو بن العاص مرة وزيد بن حارثة مرة وأسامة بن زيد أخرى ، وإنما حصل ما حصل في زمان تقمصهم الخلافة من بعض النظام بمعاضدة غيرهم من أصحاب الأشرار كما لا يخفى على من تتبع الآثار والأخبار ، وأما ما ذكره من أن هذا جواب ما

(هامش)

(1) هو الرئيس ابن سينا وقد مرت ترجمته في هذا المجلد . (2) فراجع مجالس المؤمنين (ص 322 ط تبريز) . (*)

ص 333

استدل به على هذا المطلب من لزوم القبح العقلي مع أنا غير قائلين به ، ففيه أن المصنف لم يستدل على ذلك بالحسن والقبح العقلي بالمعنى المتنازع فيه ، بل تمسك بغيره من الملائمة والمنافرة والنقص والكمال كما تمسك به الناصب سابقا في الفصل المعقود لبيان تنزيه الأنبياء عن عهر الأمهات ونحوه ، ولا ريب في أن الفاضلية والمفضولية من باب الكمال والنقص والملائمة والمنافرة الذي يستقل بإدراكه العقل ويحكم بترجيح أحدهما على الآخر ، وأما ما ذكره من أن ما استدل به المصنف من الآية فهو يدل على عدم استواء العالم والجاهل وعدم استواء الهادي والمضل الخ ففيه إغماض وتجاهل عن تتمة الآية وهو قوله تعالى : أمن لا يهدي إلا أن يهدى ، فإنه صريح في أن من يحتاج في الهداية إلى أمر إلى غيره لا يليق بالاتباع وهذا هو محط استدلال المصنف بالآية ، فصل جل ما ذكره الناصب لغوا لا طائل تحته كما لا يخفى ، ولو سلم دلالته على مجرد عدم استواء العالم والجاهل لكن في الاستواء يقتضي العموم كما تقرر في الأصول فيدل على عدم جميع وجوه المساواة فيلزم عدم استواء الجاهل مع العالم في الإمامة أيضا وهو المطلوب ، لا يقال : المذكور في الأصول أن نفي المساواة في نفي قوله تعالى : لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة يقتضي العموم ، وكلمة من النفي ما هو أعم من المفهوم من كلمة ومعناها ، وكلمة هل في قوله تعالى : هل يستوي الذين يعلمون الآية استفهام إنكاري يدل على المبالغة في النفي فضلا عن أصل النفي فافهم ، وأما من فصل من الأشاعرة في هذه المسألة بما ذكره الناصب فالظاهر أنه أشار بذلك إلى أن عليا (ع) وإن كان أفضل وأكمل ، لكن عساكر قريش وهم الصحابة في ذلك الزمان لم يكونوا ينقادون له لما في قلوبهم من الأضغان الجاهلية والأحقاد البدرية الناشئة من هلاك صناديدهم وأولادهم وإخوانهم بسيفه (ع) ، ويؤول حاصل هذا الكلام إلى أنهم لم يستخلفوا عليا مع

ص 334

استحقاقه للخلافة ، لأنهم لو استخلفوا لما انقادوا له وأثاروا الفتنة كما أثاروها عند وصول الخلافة إليه بعد الثلاثة وفساده ظاهر . قال المصنف رفع الله درجته

البحث الثالث في طريق تعيين الإمام

ذهبت الإمامية كافة إلى أن الطريق إلى تعيين الإمام أمر أن النص من الله تعالى أو نبيه أو إمام ثبتت إمامته بالنص عليه أو ظهور المعجزات على يده ، لأن شرط الإمام العصمة وهي من الأمور الخفية الباطنة التي لا يعلمها إلا الله تعالى ، وخالفت السنة في ذلك وأوجبوا إطاعة أبي بكر على جميع الخلق في شرق الأرض وغربها باعتبار مبايعة عمر بن الخطاب له برضاء أربعة : أبي عبيدة (1) وسالم مولى حذيفة (2) بشير بن سعد (3) وأسيد بن حضير أبو الحصين (4)

(هامش)

(1) قال في الاستيعاب (ج 2 ص 669 ط حيدر آباد) أبو عبيدة بن الجراح ، قيل اسمه عامر بن الجراح ، وقيل عبد الله بن عامر بن الجراح ، والصحيح أن اسمه عامر بن عبد الله ابن الجراح بن هلال إلى أن قال : شهد بدرا مع النبي (ص) ، وقال أبو بكر يوم السقيفة : قد رضيت لكم أحد هذين الرجلين ، يعني عمر وأبا عبيدة ، توفي وهو ابن ثمان وخمسين سنة في طاعون عمواس سنة ثمان عشرة بالأردن من الشام ، وبها قبره وصلى عليه معاذ بن جبل (2) قال في الاستيعاب : سالم بن معقل مولا أبي حذيفة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف ، يكنى أبا عبد الله وكان من أهل فارس من اصطخر ، وقيل : إنه من عجم الفرس من كرمد ، إلى أن قال : قتل يوم اليمامة هو ومولاه أبو حذيفة فوجد رأس أحدهما عند رجلي الآخر وذلك سنة اثنتي عشرة من الهجرة . (3) هو بشير بن سعد بن ثعلبة بن خلاص بن زيد بن مالك بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج بن الحارث بن الخزرج الأنصاري ، يكنى أبا النعمان ، شهد العقبة ثم شهد بدرا ، وهو أول من بايع أبا بكر يوم السقيفة ، وقتل وهو مع خالد بن الوليد بعين التمر في خلافة أبي بكر ، فراجع الاستيعاب (ج 1 ص 62 حيدر آباد) . (4) قال في الاستيعاب (ج 1 ص 28 ط حيدر آباد) : هو أسيد بن حضير بن سماك بن = (*)

ص 335

لا غير ، فكيف يحل لمن يؤمن بالله واليوم الآخر إيجاب اتباع من لم ينص الله ولا رسوله ولا اجتمعت الأمة عليه على جميع الخلق لأجل مبايعة أربعة أنفار ، بل قد ذهب الجويني (1) وكان من أكثرهم علما وأشدهم عنادا لأهل البيت عليهم السلام إلى أن البيعة تنعقد بشخص واحد من بني هاشم إذا بايعه رجل واحد لا غير ، فهل يرضى العاقل لنفسه الانقياد إلى هذا المذهب وأن يوجب على نفسه الانقياد وبذل الطاعة لمن لا يعرف عدالته أيضا ولا يدري حاله من الإيمان وعدمه ، ولا عاشره ليعرف جيده من رديه وحقه من باطله لأجل أن شخصا لا يعرف عدالته أيضا بايعه ، وهل هذا إلا محض الجهل والحمق والضلال عن سبيل الرشاد ؟ نعوذ بالله من اتباع الهوى وغلبة حب الدنيا ، ومن أغرب الأشياء وأعجبها بحث الأشاعرة عن الإمامة وفروعها وعن الفقه وتفاصيله مع تجويز أن يكون جميع الخلق على الخطاء والزلل وأن يكون الله قد قصد إضلال العبيد بهذه الشرائع والأديان ، فإنهم غير جازمين بصدقها بل ولا ظانين ، فإن مع غلبة الاضلال والكفر وأنواع العصيان الصادرة منه تعالى كيف يظن عاقل أو يشك في صحة الشرائع ؟ بل يظن بطلانها عندهم حملا على الغالب ، إذ الصلاح في العالم أقل من القليل ، ثم مع تجويزهم أن يحرم الله تعالى علينا التنفس في الهوى مع الضرورة والحاجة إليه وعدم المفاسد عنه من كل وجه ويحرم علينا شرب الماء السائغ مع شدة العطش والانتفاع بذلك الماء وعدم التضرر

(هامش)

= عتيك بن رافع بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل بن جشم بن الحارث بن الخزرج ابن عمرو بن مالك بن الأوس الأنصاري الأشهلي ، اختلف في كنيته ، فقيل فيها خمسة أقوال ، أبا عيسى وأبا يحيى وأبا عتيك وأبا الحصين ، والأشهر أبو يحيى إلى أن قال : وكان أسيد بن حضير أحد العقلاء من أهل الرأي ، ومات في شعبان سنة عشرين ، وقيل سنة إحدى وعشرين ، ودفن بالبقيع وصلى عليه عمر بن الخطاب . (1) هو إمام الحرمين أبو المعالي الجويني ، وقد تقدمت ترجمته (ج 1 ص 126) (*)

ص 336

به وانتفاء المفاسد كلها كيف يحصل الجزم بأنه يفعل اللطف بالعبد والمصلحة في إيجاب اتباع هذا الإمام انتهى . قال الناصب خفضه الله أقول : اعلم أن الشخص بمجرد صلوحه للإمامة وجمعه لشرائطها لا يصير إماما ، بل لا بد في ذلك من أمر آخر ، وإنما يثبت بالنص من الرسول ومن الإمام السابق بالإجماع ، ويثبت أيضا ببيعة أهل الحل والعقد كما سيأتي بعد هذا مفصلا إن شاء الله في محاله ، وأما ما ذكر أن خلافة أبي بكر انعقدت ببيعة عمر ورضاء أربعة لا غير ، فهذا أمر باطل يكذبه النقول المتواترة وإجماع الأمة ، فإن خلافة أبي بكر انعقدت يوم السقيفة بمحضر من أرباب الحل والعقد ، وهم كانوا ذلك اليوم جماعة الأنصار سيما الخزرج ، لأن المراد من أهل الحل والعقد أمراء العساكر ومن لم يتم أمر الإمارة والخلافة بغير رضاهم ، وكانت في ذلك الوقت جماعة الأنصار أهل الحل والعقد بهذا المعنى ، وهل اختلف رجل واحد من زمان الصحابة إلى اليوم من أرباب التواريخ أن أبا بكر لم يفارق السقيفة حتى بايعه جميع الأنصار إلا سعد بن عبادة وهو كان مريضا ومات بعد سبعة أيام ؟ ، فكيف يقول : إن خلافته انعقدت ببيعة عمر ورضاء أربعة من الصحابة ، وهل هذا إلا افتراء باطل يكذبه جميع التواريخ المثبتة في الإسلام ، نعم البادي في البيعة كان عمر بن الخطاب وتتابع الأنصار وبايعوه بعد تلجلج وتردد ومباحثة ، ولو كان الأنصار سمعوا من رسول الله (ص) النص على خلافة علي (ع) فلم لم يجعلوه حجة على أبي بكر ؟ ولم لم يدفعوا خلافته بهذه

ص 337

الحجة ، أكانوا يخافون من أبا بكر وعمر وهم كانوا في عقر (1) دارهم ؟ وقد اجتمعوا لنصب الإمام من قومهم وكانوا زهاء (2) ألف أو زيادة وقالوا بعد المباحثة : منا أمير ومنكم أمير ، فلم لم يقولوا : يا أبا بكر يا عمر إن العهد لم يطل وإن رسول الله (ص) في غدير خم نص بخلافة علي (ع) فلم تبطلون قول رسول الله (ص) ولم لا تنقادون بقوله ؟ وكان أقل فائدة هذه المباحثة دفع البيعة عن أنفسهم ، ولم يجترئ أحد منهم من الإمامية أن يدعي أن الأنصار قالوا يوم السقيفة هذا القول ، فيا معشر العقلاء تأملوا هل يمكن وجود النص في محضر جميع الناس ولم يحضر الأنصار ؟ ، وهل يمكن أن الأنصار الذين نصروا الله ورسوله وتبوأوا الدار والإيمان وارتكبوا عداوة العرب وقتل الأشراف في نصرة رسول الله (ص) كانوا ساكتين في وقت المعارضة ولم يذكروا النص أصلا ؟ مع أن عمر وأبا عبيدة ألزماهم بقوله (ص) : الأئمة من قريش ، فلم لم يقولوا لعلي بنص من رسول الله (ص) يوم غدير خم ، والعاقل المسلم المنصف لو تأمل فيما قلنا من سكوت الأنصار وعدم الاستدلال في دفع بيعة أبي بكر بالنص على علي (ع) لجزم بعدم النص من رسول الله (ص) على أحد ، ويعلم أن خلافة أبي بكر ثبتت ببيعة أرباب الحل والعقد ، ثم ما ذكر هذا الرجل من أن الأشاعرة لا يقدرون على هذا المبحث وتعجب عن بحثهم في الإمامة لقولهم : بأن الله خالق كل شيء فهذا شيء ذكره مرارا وهو لا يعرف غير هذا ، وتصوير المحالات على رأيه الباطل ، الفاسد ، وقد بينا لك أن شيئا مما ذكره لا يلزم الأشاعرة ، وكثرة التكرار من شأن الكوزيين وأمثالهم انتهى . أقول فيه وجوه من الجهل وضروب من التجاهل ، أما أولا فلما في قوله : إن الشخص

(هامش)

(1) العقر بالفتح : وسط الدار . (2) الزهاء بضم الراء المعجمة والألف الممدودة : المقدار . (*)

ص 338

بمجرد صلوحه للإمامة وجمعه لشرائطها لا يصير إماما الخ أن هذه المقدمة لا تفيد في إثبات مطلوبه ، لأن مجرد استجماع الشرائط وإن لم يوجب كون الشخص إماما لكن من البين أن الشخص لا يصير إماما منصوصا (1) عليه من الله تعالى ما لم يكن مستجمعا للشرائط ، والكلام في أن غير علي (ع) هل كان مستجمعا لها أم لا فافهم ؟ وأما ثانيا فلأن حكمه ببطلان ما ذكره المصنف من أن إمامة أبي بكر انعقدت ببيعة عمر ورضاء أربعة لا غير جهل أو تجاهل ظاهر لظهور أنه حق جرى على لسان باطل من أصحابه وهو صاحب المواقف وشرحه الشارح قدس سره الشريف على منواله قال : وإذا (2) ثبت حصول الإمامة بالاختيار والبيعة فاعلم أن ذلك

(هامش)

(1) إعلم أن كلامنا في وجوب النص وإثبات أنه لا بد منه ولا يقوم غيره في الإمامة مقامه كان في فساد الاختيار ، لأن كل شيء أوجب النص فهو بعينه مبطل للاختيار فلا حاجة إلى تكلم كلام آخر في فساد الاختيار . (2) في شرح المواقف للسيد الشريف قدس سره (ج 2 ص 467 ط دار الطباعة القاهرة) وقال السيد الأجل الشريف المرتضى أيضا رضي الله عنه في كتاب الشافي : إن الذي يعتمد في فساد اختيار الإمام هو بيان صفاته التي لا دليل للمختارين عليها ولا يمكن أصابتها بالنظر والاجتهاد ، ويختص علام الغيوب تعالى بالعلم بها كالعصمة والفضل في الثواب والعلم على جميع الأمة ، لأنه لا شبهة في أن هذه الصفات لا تدرك بالاختيار ولا يوقف عليها إلا بالنص ، وهذا ما تقدم شرحه وبيانه وبينا أيضا أنه لا يمكن أن يقال بصحة الاختيار مع اعتبار هذه الصفات بأن يعلم الله تعالى المكلفين أنه لا يتفق منهم إلا اختيار من هذه صفاته ، وقلنا أن ذلك تكليف قبيح من حيث كان مكلفا لما لا دلالة عليه ولا إمارة تميز الواجب عن غيره ، وبينا أنه يلزم على ذلك جواز تكليف اختبار الأنبياء والشرايع بأن يعلم الله تعالى أن المختارين لا يتفق لهم إلا اختيار النبي دون غيره ومن الشرايع المصلحة دون غيرها ، وكيف يكون الاختيار كاشفا لنا عن وجوب = (*)

ص 339

الحصول لا يفتقر إلى الإجماع من جميع أهل الحل والعقد إذ لم يقم عليه أي على هذا الافتقار دليل من العقل والسمع ، بل الواحد والاحدثنان من أهل الحل والعقد كاف في ثبوت الإمامة ووجوب اتباع الإمام على أهل الإسلام ، وذلك لعلمنا بأن الصحابة مع صلابتهم في الدين وشدة تحافظهم على أمور الشرع كما هو حقها

(هامش)

= الفعل ؟ وإنما يجب أن نختاره إذا علمنا وجوبه ، والاختيار تابع فكيف نجعله متبوعا وكيف يتميز الواجب من غيره والقبيح من الحسن بعد الفعل وإنما يجب أن يتميزا قبل الفعل ليكون الإقدام على ما يعلم حسنه ويؤمن قبحه ، ومما يمكن أن يعتمد عليه في فساد الاختيار خارجا عن الجملة التي عقدناها أن يقال : إن العاقدين للإمامة يجوز أن يختلفوا فيرى بعضهم أن الحال تقتضي أن يعقد فيها للفاضل ويرى آخرون أنها تقتضي العقد للمفضول ، وهذا مما لا يمكن دفع جوازه ، لأن الاجتهاد يجوز أن يقع فيه الاختلاف بحسب الأمارات التي تظهر للمجتهدين فلن تخلو حالهم إذا قدرنا هذا الاختلاف من أمور ، إما أن يقال يجب أن يقفوا عن العقد حتى يتناظروا ويتفقوا على كلمة واحدة وهذا يؤدي إلى إهمال أمر الإمامة ، لأنه غير ممتنع أن يمتد الزمان باختلافهم ، بل جاز أن يقفوا مختلفين أبدا ، أو يقال يجب أن يعقد كل فريق لمن يراه ، وهذا يؤدي إلى إمامة إمامين مع العلم بفساده ، أو يقال : يجب المصير إلى قول من يعقد للفاضل ، لأنه أولى ، ويحرم على الباقين المخالفة وهذا فاسد لأنه إلزام للمجتهد أن يترك اجتهاده إلى اجتهاد من يجري مجراه ، فكيف يكون العقد للفاضل أولى على كل حال ، وبعض من لا يتم العقد إلا به يرى أن ولايته مفسدة وولاية غيره هي المصلحة ، وإنما فرضنا أن يكون هذا الاختلاف من العدد الذي لا يتم عند مخالفتها أمر الإمامة إلا به حتى لا يقولوا متى عقد واحد لغيره برضاء الأربعة فهو إمام كان مفضولا أو فاضلا ولا يلتف إلى من يعتقد من باقي الأمة أن العقد لغيره أولى ، لأنا إذا فرضنا الاختلاف بين هذا العدد المخصوص ثم يستقم هذا الانفصال . انتهى . منه (قده) (*)

ص 340

اكتفوا في عقد الإمامة بذلك المذكور من الواحد والاثنين كعقد عمر لأبي بكر وعقد عبد الرحمان بن عوف لعثمان ولم يشترطوا في عقدها اجتماع من في المدينة من أهل الحل والعقد فضلا عن إجماع الأمة من علماء أمصار الإسلام ومجتهدي جميع أقطارها هذا كما مضى ولم ينكر عليهم أحد ، وعليه أي وعلى الاكتفاء بالواحد والاثنين في عقد الإمامة انطوت الأعصار بعدهم إلى وقتنا هذا (انتهى) ومن العجب أن هذا الناصب أخذ جل ما ذكره في هذا القسم من الكتاب من المواقف وشرحه ولم يصل هذا الذي نقلناه إلى نظره ، ثم نقول على تقدير أن يكون أهل البيعة أناسا كثيرين لا خفاء في أنهم تابعون لتصرف الشرع فيهم لا تصرف لهم في أنفس غيرهم من آحاد الأمة ، وفي أقل مهم من مهماتهم فكيف يولون الغير على أنفس الخلائق منهم ومن غيرهم ، فإن من لا يعقل له التصرف في أقل الأمور لأدنى الأشخاص كيف يكون له قدرة على جعل الغير متصرفا في نفوس أهل الشرق والغرب وفي دمائهم وأموالهم وفروجهم ، هذا على أن ادعائه النقول المتواترة على دعواه الباطلة المذكورة ينافي ما سيذكره عند ذكر مناقب علي (ع) من إنكار وجود النقل المتواتر في العالم سوي واحد ، وأما ثالثا فلأن قوله : أهل الحل والعقد كانوا ذلك اليوم جماعة الأنصار يدل بظاهر الحصر المفهوم منه على أن عمر وأبا عبيدة الذين كانا عمدة أهل البيعة خارجان عن أهل الحل والعقد غير متصفين بالاجتهاد وهذا إزراء بجلالة قدر الرجلين عندهم كما لا يخفى ، ثم استدلاله على هذا الحصر بقوله : لأن المراد من أهل الحل والعقد أمراء العساكر الخ مدخول من وجهين : أحدهما أن تفسير أهل الحل والعقد بأمراء العساكر اختراع من الناصب لا يوجد في شيء من كتب أصحابه ولا غيرهم ، وإنما الذي صرح به ابن الحاجب (1) في مختصره والعضد الإيجي (2) في شرحه وغيرهما في غيرهما أن الإجماع اتفاق المجتهدين من أمة

(هامش)

(1) قد مرت ترجمته (ج 1 ص 170) (2) قد مرت ترجمته (ج 1 ص 47) (*)

ص 341

محمد (ص) في عصر على أمر ديني أو دنيوي ، وثانيهما أن تفسير أمراء العساكر وحصرها في الأنصار يوجب خروج أمير المؤمنين وأبي بكر وعمر وعثمان وأسامة بن زيد الذي كان أمير على الثلاثة وغيرهم عند وفاة النبي (ص) ، فإن هؤلاء كلهم أمراء مهاجرون كما لا يخفى ، نعم قال بعض المتكلمين من أهل السنة : إنه وإن لم يتحقق الإجماع على خلافة أبي بكر في يوم السقيفة ، لكنه بعد ذلك إلى ستة أشهر قد تحقق اتفاق الكل على خلافته ورضوا بإمامته فتم الإجماع حينئذ ، وفيه أن ذلك أيضا ممنوع بعدم بيعة علي (ع) وأصحابه له ولو بعد ستة أشهر ، ولو سلم أنه صفق على يده كما يفعله أهل البيعة فلا ريب في أن سعد بن عبادة وأولاده لم يتفقوا على ذلك ولم يبايعوا أبا بكر ولا عمر كما سنبينه ، ولو سلم فنقول : قد اعتبر في تعريف الإجماع اتفاق أهله على أمر واحد في وقت واحد ، إذ لو لم يقع ذلك في وقت واحد احتمل رجوع المتقدم قبل موافقة المتأخر ، فلا معنى لحصول الإجماع على خلافة أبي بكر فهو خلاف الواقع بالاتفاق ، وإن ادعوا حصول الاتفاق في أوقات متعددة فإثباته أصعب من خرط القتاد كما عرفت ، والظاهر أن هذا الناصب في عدم مبالاته بالكذب وإكثاره من الافتراء على الكتاب والسنة والتاريخ قد اعتمد على ظن منه أن كتابه هذا مما لا يمكن أن يصل إلى أيدي علماء الإمامية ومن ضاهاهم ومن أهل العلم والبصيرة ولا يبعد ذلك ، لأنه كتب هذا الكتاب في بلدة قاسان من بلاد ما وراء النهر عند فراره عن السلطان الأعظم شاه إسماعيل الحسيني الصفوي (1) أنار الله برهانه كما قرره

(هامش)

(1) هو السلطان المؤيد المسدد الغازي المجاهد أبو المظفر شاه إسماعيل بهادر خان الموسوي الصفوي الذي أحيى مذهب الإمامية ببلاد الأعاجم ونشر آثار أجداده الطاهرين ولد يوم الثلاثاء 25 رجب سنة 894 وتوفي سنة 930 المطابق لكلمة (ظل) أعقب أربعة ، السلطان شاه طهماسب ، ألقاص ميرزا ، سام ميرزا الشاعر الجليل صاحب = (*)

ص 342

(هامش)

= (تحفهء سامي) ، أبو الفتح ميرزا ، ودفن بجنب قبر جده الشيخ صفي الدين إسحاق الأردبيلي ، وقال بعض الشعراء من أسلافنا في تاريخه : شاه گردون پناه اسماعيل * * آنكه چون مهر در نقاب شده از جهان رفت و(ظل) شدش تاريخ * * سايه تاريخ آفتاب شده وكان شاعرا بليغا يتخلص في شعره بالخطائي ، وبالجملة جلالة بيته وأصالته وأن أسرته من أغصان الدوحة النبوية ومن أزهار الروضة العلوية وخدماتهم الدينية مما لا ينكر ، وقد أثبتنا في كتابنا (مشجرات آل رسول الله الأكرم) بدلائل قوية وأسانيد متينة شرفهم وانتسابهم إلى أهل البيت عليهم السلام ، ومن الشواهد ما ذكره صاحب تاريخ القدس عند ترجمة السيد موسى بن الشيخ صفي الدين الأردبيلي المتوفى هناك قريبا من المسجد والمؤلف من علماء القوم وزمانه قبل ظهور الدولة الصفوية بسنين متطاولة . ومنها كتاب السلطان العثماني إلى المترجم مع شدة عناده مع الصفوية وقد أورده فريدون بيك العثماني في كتاب مجموعة المنشآت العثمانية (ج 2 ص 338 طبع الاستانة) ومنها كتاب الكتاب الذي كتبه السلطان يعقوب إلى السلطان بايزيد من ملوك آل عثمان يخبر فيه بقتله الشريف الأجل السلطان حيدر والد المترجم والكتاب موجود في ذلك المجلد من تلك المجموعة (ص 302) فراجع . وأما شجاعة المترجم فلا تسأل عنه ، وقد حكى المؤرخون من الفريقين بل وغيرهم من أرباب الملل غرائب في هذا الباب حتى رأيت بعضهم يقول في كتابه أنه قدس سره كان يدخل المعركة بنفسه النفيسة ويشتغل بالحرب مع العدو قبل جيشه وبعضهم يعبر كذا : أنه كل من رآه في القتال يتذكر شجاعة جده أمير المؤمنين سلام الله عليه إلى غير ذلك من التعابير ، وكان قدس الله لطيفه شديد الولاء لأهل البيت النبوي كما تفصح عن ذلك كلمات المؤرخين ، ومن سعادته انسلاك جماعة من العلماء والفقهاء في سلك أمرائه ووزرائه وقواد جيشه وقضاة عسكره ، ومنهم من قتل في محاربته مع السلطان سليم العثماني في (چالدران في سنة 920) كالعلامة السيد محمد آل كمونه الحسيني = (*)

ص 343

في أول الكتاب متحفا لكتابه إلى شاهر بيك خان (1) وإلى تلك البلاد ، وقرر على

(هامش)

= الأعرجي النجفي ، والعلامة المير عبد الباقي ، والعلامة المير سيد شريف الصدر وغيرهم قال المؤرخ الجليل اسكندر بيك المنشي التركماني في كتابه النفيس (عالم آرا ج 1 ص 44 الطبع الجديد بطهران) ما محصله انه لما توفي المترجم وكان يتخلص في شعره بالخطائي وكان معاصره للسلطان سليم العثماني أنشد المولى اميدي الشاعر الشهير هذا البيت قضا در كارگاه كبريائي * * فكنده طرح اسليمي خطائى ومما يحب التنبيه عليه أنه وقفت في مجموعة فريدون بيك العثماني (ج 2 ص 367) على قصيدتين للناصب الشقي فضل بن رزوبهان الذي رد القاضي عليه يحرض السلطان سليم العثماني بعد قضية (چالدران) على قتل المترجم والشيعة إحديهما بالفارسية والأخرى بالتركية حيث يقول : الا اى قاصد فرخنده منظر * * ينازم برسوى شاه مظفر بكو اى پاشاه جمله غالم * * توئى امروز درمردي مسلم ومن أبيات تلك القصيدة فكندي تاجش از سراى مظفر * * فكن اكنون بمردي از تنش سر قزل برك است هم چون مارافعي * * سرش را تانكوبي نيست نفعي الخ وبالجملة استيفاء الكلام في سيرة السلطان المؤيد المترجم يحتاج إلى بسط المقال وسعة المجال . (1) هو محمد المشتهر بشيبك خان تارة وشاه بيك خان أخرى ابن بوداغ (بوداق) سلطان ابن أبي الخير خان الأوزبكي المغولي من أحفاد چنگيزخان الشهير ، وكان المترجم رجلا فاتكا سفاكا للدماء هجم على ما وراء النهر وتصرف بلادها ، ثم على خراسان واستولى عليها وأراق دماء المسلمين ونهب الأموال ، وكان ذلك بعد وفاة السلطان المؤيد شاه عباس الصفوي المتقدم ذكره ، فراجع تاريخ عالم آرا (ج 2 ص 50 وص 90) وتاريخ حبيب السير وغيرهما . (*)

ص 344

نفسه أن أحدا من علماء لا يمكن أن يوجد هناك خوفا عن الهلاك ، وكودان أهل ما وراء النهر لا معرفة لهم بما عدا فقه أبي حنيفة وأصوله وطرف من ظاهر العربية فلا يطلع أحد منهم أيضا على الأكاذيب المودعة في كتابه ، والحق أنه قد أصاب المخطي في ذلك ، ولهذا قد رأيت في ظهر نسخته الميشومة بخط بعض قضاة ما وراء النهر سطورا بالغ فيها في مدح هذا الكتاب والحدثناء على مؤلفه قالتهم الله ، وأما رابعا فلأن ما ذكره من أن أبا بكر لم يفارق السقيفة حتى بايعه جميع الأنصار إلا سعد بن عبادة (1) فكاذب من وجوه كما يدل عليه كلام ابن عبد البر (2) في كتاب الاستيعاب في معرفة الأصحاب حيث قال في ترجمة أبي بكر : إنه بويع له بالخلافة في اليوم الذي قبض (مات خ ل) فيه رسول الله (ص) في سقيفة بني ساعدة ثم بويع البيعة العامة يوم الثلاثاء من غد ذلك اليوم وتخلف عن بيعته سعد بن عبادة وطائفة من الخزرج وفرقة من قريش الخ وكذا ما ذكره من أن سعد

(هامش)

(1) هو سعد بن عبادة بن دليم بن أبي حلية بن ثعلبة بن طريف بن الخزرج ابن ساعدة بن كعب بن الخزرج الأنصاري الساعدي يكنى أبا ثابت ، قال ابن عبد البر في الاستيعاب (ج 2 ص 548 ط حيدر آباد) : إنه كان نقيبا شهد العقبة وبدرا وكان سيدا جوادا ، قال أبو عمرو كان سيدا في الأمصار مقدما وجيها ، له رياسة وسيادة يعترف قومه له بها إلى آخر ما ذكره . (2) هو الحافظ المحدث الرجالي أبو عمرو يوسف بن عبد الله الأندلسي الغربي كان قدوة ببلاد المغرب في الحديث والرجال والتاريخ ، له تصانيف وتآليف منها كتاب الاستيعاب في معرفة الأصحاب ومنها كتاب المختصر الجامع في بيان العلم وفضله وشرائطه وآداب تعلمه ومنها كتاب في الفقه ، ومنها كتاب في الحديث توفي ببلدة شاطبة سنة 463 . (*)

ص 345

ابن عبادة مات بعد سبعة أيام من خلافة أبي بكر كذب صريح يكشف عنه ما ذكره ابن عبد البر في كتابه المذكور وابن حجر العسقلاني في كتابه الإصابة في معرفة الصحابة حيث قالا : (1) إن سعدا لم يبايع أحدا من أبي وعمر ولم يقدروا على إلزامه كإلزامهم لغيره لكثرة أقوامه من الخزرج ، فاحترزوا عن فتنتهم ولما وصل حكومة أهل الإسلام إلى عمر مر ذات يوم سعد على سوق المدينة فوقع عليه نظر عمر وقال له أدخل يا سعد في بيعتنا أو أخرج من هذا البلد ، فقال سعد حرام علي أن أكون في بلد أنت أميره ، ثم خرج من المدينة إلى الشام وكان له قبيلة كثيرة في نواحي دمشق كان يعيش في كل أسبوع عند طائفة منهم ، ففي تلك الأيام كان يذهب يوما من قرية إلى أخرى فرموه من وراء بستان كان على طريقه بسهم فقتل رضي الله عنه ، وقال (2) صاحب روضة الصفا ما معناه : أن سعدا لم يبايع أبا بكر وخرج من المدينة إلى جانب الشام وقتل بعد مدة فيها بتحريك من العظما ، وقال البلاذري (3)

(هامش)

(1) ذكره في الاستيعاب (ج 1 ص 333 ط حيدر آباد الدكن) وفي الإصابة (ج 2 ص 27 ط مصر) ، وقال فيه بعد كلام طويل ما لفظه : وقصته في تخلفه عن بيعة أبي بكر مشهورة ، وخرج إلى الشام فمات بحوران سنة خمسة عشر وقيل ستة عشر . (2) هو المؤرخ الجليل المولى محمد بن برهان الدين محمد خاوند شاه بن السيد كمال الدين محمود البلخي الملقب بميرخان وقيل أمير خان ، كان مؤرخا جليلا توفي سنة 903 ، 904 ، له كتب منها كتاب روضة الصفا في سير الأنبياء والملوك والخلفاء بالفارسية ، طبع مرات بايران وهند وهو جد صاحب كتاب حبيب السير من قبل أمه ، فراجع الريحانة (ج 4 ص 116 ط طهران) وشذرات الذهب (ص 252 ط مصر) ودرر التيجان وغيرها ثم إنه ذكر عدم بيعة سعد في كتابه الروضة (ج 2 ص 219) . (3) هو أبو جعفر أحمد بن يحيى بن جابر بن داود البلاذري المؤرخ الشهير وكان من ندماء المتوكل والمستعين والمعتز العباسيين له تآليف كثيرة ومنها كتاب أنساب الأشراف وقد طبع بأوربا أولا ثم بمصر . = (*)

ص 346

في تاريخ : إن عمر بن الخطاب أشار إلى خالد بن الوليد (1) ومحمد بن مسلمة الأنصاري (2) بقتل سعد فرماه بسهم فقتل ، ثم أوقعوا على أوهام الناس أن الجن قتلوه لأجل خاطر عمر ووضعوا هذا الشعر على لسانهم : قد قلتنا سيد الخزرج سعد بن عبادة * فرميناه بسهمين فلم يخطئ فؤاده (3)

(هامش)

= ومنها كتاب البلدان الكبير وكتاب البلدان الصغير وكتاب فتوح البلدان وغيرها توفي سنة 279 في مارستان بغداد فراجع الريحانة (ج 1 ص 171 طبع طهران) (1) هو خالد بن الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم القرشي المخزومي أبو سليمان ، وقيل أبو الوليد أمه لبابة الصغرى ، وقيل بل هي لبابة الكبرى والأكثر على أن أمه لبابة الصغرى بنت الحارث بن حزن الهلالية ، اختلف في وقت إسلامه وهجرته ، فقيل هاجر خالد بعد الحديبية . وقيل بل كان إسلامه بين الحديبية وخيبر مات بحمص وقيل بالمدينة سنة إحدى وعشرين أو اثنتين وعشرين في خلافة عمر بن الخطاب ، فراجع الاستيعاب (ج 2 ص 153 ط حيدر آباد) والرجل من المتحاملين على مولينا علي عليه السلام المبغضين له وتحكى عنه أقاصيص وجنايات دالة على سوء حاله ومآله كدخوله بالمعتدة بعدة الوفاة والجب من إخواننا أهل السنة في تبجيلهم إياه حتى عبروا عنه بسيف الله وسيف رسوله صلى الله عليه وآله ولا أرى لتكريمهم وجها سوى بغضه لأمير المؤمنين عليه السلام . (2) قال في الاستيعاب (ج 2 ص 231 ط حيدر آباد) ما لفظه : محمد بن مسلمة الأنصاري الحارثي ، يكنى أبا عبد الرحمان ، وقيل يكنى أبا عبد الله ، وهو محمد بن مسلمة بن سلمة ابن خالد بن عدي بن مجدعة بن حارثة بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس شهد بدرا والمشاهد كلها ومات بالمدينة ، وكانت وفاته بها في صفر سنة ثلاث وأربعين ، وقيل سنة ست وأربعين ، وقيل سنة سبع وأربعين ، وصلى عليه مروان بن الحكم وهو يومئذ أمير على المدينة (3) وفي هامش نسخة مخطوطة ما لفظه : قال بعض الشعراء : = (*)

ص 347

وأما خامسا فلأنه قوله : فلو كان الأنصار سمعوا الخ غير مسموع ، لأنهم سمعوا ذلك النص وتذاكروه فيما بينهم ، لكنهم لم يجعلوه ذلك اليوم حجة على أبي بكر لشبهة أوقعها أولياء أبي بكر وغيره في قلوب الناس من أن عليا (ع) قد تقاعد عن تصدي الخلافة والتزم البيت وأمسك عن إحياء هذا (1) الميت ، فإن المذكور في المعتبر من كتب السير والتواريخ أنه لما توفي رسول الله (ص) واشتغل علي (ع) مع أصحابه من بني هاشم وغيرهم بتجهيز النبي (ص) وتعزيته معتقدا أن أحدا لا يطمع في هذا الأمر مع وجوده (ع) أوقع بعض (2) المنحرفين عن علي (ع) في قلوب الناس أنه (ع) قد تقاعد عن تصدي الخلافة لشدة ما أصابه من مصيبة النبي (ص) وسكن قعر بيته مشتغلا بالحزن والتعزية ، فجاء خزيمة بن ثابت الأنصاري (3) وقال

(هامش)

= يقولون سعد سقت الجن بطنه * ألا ربما حققت أمرك بالغدر وما ذنب سعد أنه بال قائما * ولكن سعدا لم يبايع أبا بكر (1) الميت : مخففة الميت . (2) قال في كتاب الاحتجاج : قيل أيضا : إن محمد بن مسلمة الأنصاري تولى ذلك بجعل جعلت له عليه ، وروي أنه تولى ذلك المغيرة بن شعبة ، انتهى . منه (قده) . (3) هو خزيمة بن ثابت بن الفاكه بن الثعلبة بن الخطمي الأنصاري الأويسي من بني خطمة صحابي جليل ، يعرف بذي الشهادتين لجعل رسول الله صلى الله عليه وآله شهادته مقام شهادة رجلين ، قال ابن عبد البر في الاستيعاب (ج 1 ص 157 ط حيدر آباد) ما لفظه : أنه شهد بدرا وما بعدها من المشاهد ، وكانت راية خطمة بيده يوم الفتح ، وكان مع علي رضي الله عنه بصفين ، فلما قتل عمار جرد سيفه فقاتل حتى قتل رضي الله عنه ، وكانت صفين سنة سبع وثلاثين ، روى عن محمد بن عمارة بن خزيمة بن ثابت من وجوه قد ذكرتها في كتاب (الاستظهار) في حديث عمار قال ما زال جدي خزيمة بن ثابت مع علي بصفين كافا بسلاحه وكذلك فعل يوم الجمل ، فلما قتل عمار بصفين ، قال خزيمة سمعت رسول الله (ص) يقول تقتل عمارا الفئة الباغية ، ثم سل سيفه فقاتل حتى قتل انتهى . ومن أراد = (*)

ص 348

لقومه من الأنصار ما سمعه من حال علي (ع) وذكر أنه لا بد ممن يلي هذا الأمر وليس سواه قرشي يليق بذلك ، فخاف الأنصار أن تشتد عليهم البلية ويلي هذا الأمر قرشي فظ غليظ ينتقم منهم للثارات الجاهلية الأضغان البدرية ، فتوجهوا إلى سعد بن عبادة سيد الأنصار وحضروا السقيفة ملتمسين منه قبول الخلافة ، فأبى سعد عن ذلك لمكان علي (ع) وأنه المنصوص بالخلافة عن الله تعالى ورسوله (ص) ، فلما سمع قريش بذلك وكانوا منتهزين للفرصة دلسوا في الأمر وعجلوا في البيعة لأبي بكر ، فبادروا إلى السقيفة لتسكين نائرة الأنصار والتمسوا بيعة أبي بكر عنهم بالطوع والاجبار فقال لهم الأنصار إذا تركتم نص الله ورسوله عليه الصلاة والسلام فليس أحد منا ومنكم بعد علي بن أبي طالب (ع) أولى من غيره ، فمنا أمير ومنكم أمير ، فأبى أبو بكر وأصحابه عن ذلك محتجين في ذلك بأن الأئمة من قريش ، وأبى سعد عن قبول إمارتهم متمسكا بأن المنصوص لذلك غيرهم ، فاضطرب الحال إلى أن مال قلب بشير بن سعد بن ثعلبة الأنصاري (1) رغما لابن عمه سعد بن عبادة إلى ترجيح جانب قريش وموافقتهم ، فقوي أمر قريش وبادر عمر إلى صفق يده على يد أبي بكر وبايعه هو وجماعة من أضرابه فلتة كما أخبر عنه هو بعد ذلك بقوله : كانت بيعة أبي بكر فلتة وقى الله شرها عن المسلمين ، وفي كتاب المواهب لمحمد بن جرير الطبري الشافعي عن أبي علقمة ، عن سعد بن عبادة قال أبو علقمة : قلت لابن عبادة وقد مال الناس إلى بيعة أبي بكر : ألا تدخل فيما دخل فيه المسلمون ، قال : إليك عني فوالله لقد سمعت

(هامش)

= الوقوف على ترجمته بأزيد من هذا فليراجع كتب الرجال لأصحابنا والإصابة وأسد الغابة والخلاصة للقوم . (1) هو بشير بن سعد بن ثعلبة بن خلاص بن زيد بن مالك الخزرجي الأنصاري أبو النعمان قال في الاستيعاب (ج 1 طبع حيدر آباد) إنه قتل هو وخالد بعين التمر في زمن أبي بكر يروي عنه جابر بن عبد الله الخ . (*)

ص 349

رسول الله (ص) يقول : إذا أنا مت تضل الأهواء ويرجع الناس على أعقابهم ، فالحق يومئذ مع علي وكتاب الله بيده لا تبايع أحدا غيره ، فقلت له هل سمع هذا الخبر أحد غيرك من رسول الله (ص) ، فقال أناس في قلوبهم أحقاد (1) وضغائن ، قلت بل نازعتك نفسك أن يكون هذا الأمر لك دون الناس كلهم ، فحلف أنه لم يهم بها ولم يردها وأنهم لو بايعوا عليا كان أول من بايع سعد (2) انتهى ، وروى الشيخ الفاضل أبو السعادات (3) الحلي رحمه الله تعالى عليه في شرح دعاء صنمي قريش أنه اجتمع أبو بكر وعمر وأبو عبيدة وإخوانهم في سقيفة بني ساعدة يطلبون الحكم والبيعة من غير اكتراث (4) من أهل البيت وبني هاشم وكل واحد من هؤلاء الثلاثة يرجو الأمر والحكم لنفسه ويعطفه على (عن خ ل) (5) صاحبه فأنكر عليهم الأنصار

(هامش)

(1) يدل عليه ما رواه صاحب كتاب الاحتجاج عن فاطمة عليها السلام في جملة كلام لها في مرض موتها ، وهي قولها : وما الذي نقموا من أبي الحسن نقموا الله منه بكسر سيفه وقلة مبالاته بحتفه وشدة وطأته ونكال وقعته وتنمره في ذات الله . منه . (قده) . (2) ويدل على ما ذكره سعد رضي الله عنه : أن أكثر العرب كانوا يتوقعون بيعة علي عليه السلام بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقد نطق بذلك ما ذكره ابن أعثم في الفتوح في باب قصة أهل حضر موت وما جرى بين زياد بن لبيد الأنصاري عامل الصدقات في أول خلافة أبي بكر وبين حارث بن سراقة ، وبعد ذلك بيه وبين بني زبيد وما جرى بين أبي بكر ومالك بن نويرة الحنفي إلى غير ذلك . (3) الظاهر أن المراد به العلامة أبو السعادات صاحب كتاب رشح الولاء في شرح هذا الدعاء وعليه فقد مرت ترجمته في (ج 1 ص 337) فراجع ولكن الذي يبعده توصيفه بالحلي كما في أكثر نسخ الكتاب وصاحب الرشح أصفهاني فتدبر . (4) المبالاة والاعتناء . (5) معنى العبارة على تقدير تعدية يعطفه ، (ع) أن كل واحد منهم يذكر صاحبه ثم = (*)

ص 350

وأصروا على الدفاع والامتناع ، واحتجوا عليهم بما قال رسول الله (ص) في علي من التوكيد في إمامته في مواطن شتى أمره إياهم بالتسليم عليه بإمرة المؤمنين فقال أبو بكر قد كان ذلك لكن نسخه النبي (ص) بقوله : إنا أهل بيت كرمنا الله واصطفانا بالنبوة ولم يرض لنا بالدنيا وأن الله لا يجمع لنا النبوة والخلافة فصدقاه عمر وأبو عبيدة في ذلك وعللا قعود علي في بيته والاشتغال بتجهيز النبي (ص) دون تصدي أمر الخلافة بعلمه بتحويل الأمر عنه ، فقالت الأنصار إذا لا نرضى بإمارة غيرنا علينا منا أمير ومنكم أمير ، وذكروا عن رسول الله (ص) الأئمة من قريش وشبهوا الأمر على الأنصار وسائر الأمة وقطعوا بذلك حجتهم وأخذوا بيعتهم ، ولما فرغ علي وأصحابه عن تجهيز النبي (ص) ودفنه وتكلموا في ذلك اعتذروا تارة بأن الناس بايعوا ولم يكن لهم علم بأنك تنازعهم في الأمر ، ونكث البيعة الواقعة يورث مفاسد بين المسلمين وخللا في أركان الدين ، وتارة بأنهم ظنوا أنك بشدة مصيبة النبي (ص) طرحت الخلافة والإمارة ، فاتفق أصحاب النبي (ص) على تفويض الأمر إلى أبي بكر إلى غير ذلك من الأعذار التي ستجئ مع أجوبتها في الموضع اللائق بها ، ومما يقلع عرق إنكارهم ويوضح رجوعهم على أدبارهم ما ذكره ابن (1) قتيبة وهو من أكبر شيوخ

(هامش)

= يذكر نفسه بالعطف عليه دفعا للتهمة وعلى تقدير تعديته : (عن) أن كل واحد منهم يذكر للخلافة نفسه وينفيها عن صاحبه فإن كلمة العطف إذا تعدى بعن يفيد معنى الإعراض . (1) هو أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة المروزي الأصل الكوفي الباهلي القبيلة ، الأديب المؤرخ الكاتب الشاعر ، له كتب منها أدب الكاتب طبع مرارا ومنها كتاب السياسة والإمامة طبع مرارا ، ومن الأسف أنه قد دس وحرف في طبعاته الأخيرة بمصر ، ومن ثم زال الاعتماد عليها ، فكم له من نظير ومنها كتاب دلائل النبوة ، ومنها كتاب طبقات الشعراء ، ومنها كتاب عيون الأخبار ، ومنها كتاب = (*)

ص 351

أهل السنة وله عدة مصنفات في إمامة أبي بكر وغيرها من الكتب ، قال (1) في كتاب السياسة في باب إمامة أبي بكر وإباء علي عن بيعته : ما هذه صورته ، وذكروا أن عليا أتى به أبو بكر وهو يقول أنا عبد الله وأخو رسوله ، فقيل له بايع أبا بكر ، فقال أنا أحق بهذا الأمر منكم ، لا أبايعكم ، وأنتم أولى بالبيعة لي ، أخذتم هذا الأمر من الأنصار واحتججتم عليهم بالقرابة من النبي (ص) وتأخذونه منا أهل البيت غصبا ، ألستم زعمتم للأنصار أنكم أولى بهذا الأمر لمكان محمد (ص) منكم ، فأعطوكم المقادة (2) وسلموا إليكم الإمارة فأنا أحتج عليكم بمثل ما احتججتم به على الأنصار ، نحن أولى برسول الله (ص) حيا وميتا فأنصفونا إن كنتم تخافون من أنفسكم وإلا تبوأوا بالظلم وأنتم تعلمون ، فقال له عمر : أنت لست متروكا حتى تبايع ، فقال له علي احلب حلبا لك شطره اشدده له اليوم ليرده عليك غدا ، ثم قال : والله يا عمر لا أقبل قولك ولا أبايعه ، فقال له أبا بكر : فإن لم تبايعني فلا أكرهك ، فقال علي : يا معشر المهاجرين الله الله لا تخرجوا سلطان محمد (ص) في العرب من داره وقعر بيته إلى دوركم وقعور بيوتكم ، وتدفعوا أهله عن مقامه في الناس وحقه ، فوالله يا معشر المهاجرين لنحن أهل البيت أحق بهذا الأمر منكم ، ما كان فيه القاري لكتاب الله الفقيه في دين الله العالم بسنن رسول الله (ص) ، انتهى ما قصدنا إيراده من كلامه ، وفيه كما قال بعض الفضلاء عدة شواهد على ما تدعيه الشيعة من قوله :

(هامش)

= المعارف ، ومنها كتاب مشكل الحديث ، ومنها كتاب مشكل القرآن ، وغيرها من الآثار التي سردها ابن النديم في الفهرست ، توفي سنة 270 ، وقيل 271 ، وقيل 276 فراجع الريحانة (ج 6 ص 114 ط طهران) . (1) هذه العبارات مذكورة بعينها في كتاب الإمامة والسياسة تأليف الإمام الفقيه أبي محمد عبد الله بن مسلم (ص 11 مصر) . (2) المشي أمام الشيء آخذا بقياده . (*)

ص 352

أنا أحق بهذا الأمر منكم ، وقوله : تأخذونه منا أهل البيت غصبا ، وقوله : نحن أولى برسول الله حيا وميتا ، وقوله : لا تخرجوا سلطان محمد (ص) في العرب من داره وقعر بيته وتدفعوا أهله عن مقامه في الناس وحقه ، فوالله لنحن أهل البيت أحق بهذا الأمر منكم (1) ، ونحن معاشر الإمامية نقول : صدق علي في جميع ذلك ، والنواصب يلزمهم أن يقولوا كذب ، وليت شعري أين محبتهم لأهل البيت وكيف يجعلونه كاذبا في جميع ذلك وهو عندهم إمام ، أم كيف يجعلونه صادقا فيلزم تكذيب إمامهم الأول ، وكيف يجمع ابن قتيبة بين هذا الحديث وبين قوله بأيهم (2) اقتديتم اهتديتم ، يهدي الله لنوره من يشاء والله متم نوره ولو كره الكافرون (3) ، وأما سادسا فلأن ما ذكروه من قوله (ص) : الأئمة من قريش صحيح ويؤيده قوله (ص) في صحاح الأحاديث (4) : إن الإسلام لا يزال عزيزا ما مضى فيهم اثنى عشر خليفة كلهم

(هامش)

(1) مع ضم هذه المقدمة أنهم لم ينكروا هذه الجمل حيث سمعوها عنه (ع) وسكوتهم في المقام من أقوى المؤيدات لإذعانهم بما خاطبهم بها . (2) قد مر في الجزء الأول (ص 24) أن هذا الحديث من الموضوعات مع عدم دلالته على فرض الصدور . (3) اقتباس من قوله تعالى في سورة الصف . الآية 8 . (4) وقد ذكرت عدة منها في جامع الأصول (ج 4 ص 440 ط مصر) فروي عن جابر بن سمرة رضي الله عنه ، قال سمعت النبي (ص) يقول : يكون بعدي احدثنا عشر أميرا ، فقال : كلمة لم أسمعها ، فقال أبي : إنه قال كلهم من قريش . وفي رواية قال : لا يزال أمر الناس ماضيا ما وليهم احدثنا عشر رجلا ، ثم تكلم النبي صلى الله عليه وسلم بكلمة خفيت على ، فسألت أبي : ماذا قال رسول الله ؟ فقال : كلهم من قريش . هذه رواية البخاري ومسلم . وفي رواية أخرى لمسلم أورده في (ج ص 108 طبع مصر القديم) انطلقت إلى رسول الله صلى = (*)

ص 353

(هامش)

= الله عليه وسلم ومعي أبي فسمعته يقول : لا يزال هذا الدين عزيز متبعا إلى اثنى عشر خليفة ، فقال كلمة صمنيها الناس فقلت لأبي : ما قال ؟ قال : كلهم من قريش . وفي رواية أخرى له أورده في (ج 2 ص 107 طبع مصر) قال : دخلت مع أبي على النبي صلى الله عليه وسلم فسمعته يقول : إن هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضي فيه احدثنا عشر خليفة ، قال : ثم تكلم بكلام خفي علي فقلت لأبي ما قال ؟ قال : كلهم من قريش . وفي رواية أخرى لا يزال الإسلام عزيز إلى اثني عشر خليفة ، ثم ذكر مثله . وفي رواية الترمذي قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : يكون من بعدي احدثنا عشر أميرا . قال : ثم تكلمي بشيء لم أفهمه ، فسألت الذي يليني ، فقال : كلهم من قريش . وفي رواية أبي داود قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لا يزال هذا الدين قائما حتى يكون عليكم احدثنا عشر خليفة ، كلهم تجتمع عليه الأمة ، فسمعت كلاما من النبي صلى الله عليه وسلم لم أفهمه ، فقلت لأبي : ما تقول ؟ قال : كلهم من قريش . وفي أخرى قال : لا يزال هذا الدين عزيزا إلى اثني عشر خليفة ، قال : فكبر الناس وضجوا : ثم قال كلمة خفيفة ، وذكر الحديث . وفي أخرى بهذا الحديث : وزاد فلما رجع إلى منزله أتته قريش ، فقالوا : ثم يكون ماذا ؟ قال : ثم يكون الهرج . وفي مفتاح المسند نقلا عن المسند أنه روى الحديث في (ج 5 ص 86 طبع مصر القديم) وص 87 وص 96 وص 97 وص 98 وثلاثة أسانيد في ص 99 وص 100 وص 106 وص 107 مجموعها اثني عشر سندا فراجع . وفي مقتل الحسين لأخطب خطباء خوارزم (ج 1 ص 95 طبع النجف الأشرف) وأنهى الرواية إلى أبي سلمة راعي إبل رسول الله صلى الله عليه وآله : وفي فرائد السمطين للحمويني في آخر الجزء الثاني وأنهى الحديث إلى أبي سلمى راعي إبل رسول الله صلى الله عليه وآله إلى غير ذلك من الروايات المودعة في كتب القوم أضف = (*)

ص 354

من قريش وكان المراد من الخليفة الأول القرشي علي (ع) لكن لما أوقعوا في القلوب أنه (ع) تقاعد عن تصدي الخلافة كما ذكرنا سابقا موهوا ذلك بجواز العدول إلى قرشي آخر ، وأما سابعا فلأن قوله : فلم لم يقولوا : الإمامة لعلي بنص من النبي (ص) الخ مدفوع بما مر وسيجئ من أنهم قالوا ذلك ، لكن شبهوا الأمر على الناس بتقاعد علي (ع) ومع هذا قد أصر بعض أهل السقيفة في التخلف عن بيعة أبي بكر وقالوا : لا نبايع أحد غير علي بن أبي طالب (ع) كما مر أيضا ، وقد صرح به سيد

(هامش)

= على ذلك كلمات فطاحلهم وهي في غاية الكثرة ولنسرد بطريق الفهرست أسماء بعضهم ممن وفقنا حال تحرير هذه التعليقة على كتابه . (1) الماوردي في كتاب الأحكام السلطانية ص 4 . (2) الباقلاني في كتاب التمهيد ص 181 . (3) البلخي القندوزي في الينابيع في الباب السابع والسبعين . (4) ابن بطريق الحلي في كتاب العمدة . (5) السيد علي العارف الهمداني في كتاب مودة القربى في المودة العاشرة . (6) الترمذي في السنن . (7) الفراء صاحب المصابيح . (8) أبو داود في السنن . (9) الثعلبي في الكشف والبيان على نقل الثقاة (10) البخاري في صحيحه بإسناده إلى جابر بن سمرة وعيينه عن ابن عمر . (11) مسلم في صحيحه . (12) ابن المغازلي الشافعي في المناقب . (13) أخطب خوارزم في المناقب . (14) ابن الصباغ المالكي في الفصول المهمة . (*)

ص 355

المحدثين (1) في روضة الأحباب ، وبما قررناه يعلم أيضا بطلان ما ذكره الناصب آخرا من سكوت الأنصار ، وأما ثامنا فلأن ما ذكره أن شيئا مما ذكره المصنف لا يلزم الأشاعرة حق وصدق لكن من حيث إنهم ذهبوا إلى أن الله تعالى خالق كل شيء فإن لزم شيء فهو لازم لله على مذهبهم فافهم هذا فإنه لطيف جدا . (2) قال المصنف رفع الله درجته المبحث الرابع في تعيين الإمام ذهبت الإمامية كافة إلى أن الإمامة بعد رسول الله (ص) هو علي بن أبي طالب (ع) وقالت السنة : إنه أبو بكر بن أبي قحافة ، ثم عمر بن الخطاب ثم عثمان بن عفان ثم علي بن أبي طالب (ع) وخالفوا المعقول والمنقول ، أما المعقول فهي الأدلة الدالة على إمامة أمير المؤمنين (ع) من حيث العقل وهي من وجوه الأول الإمام يجب أن يكون معصوما على ما تقدم وغير علي من الثلاثة لم يكون معصوما بالإجماع ، فتعين أن يكون هو الإمام ، الثاني شرط الإمام أن لا يسبق منه المعصية على ما تقدم والمشايخ قبل الإسلام كانوا يعبدوا الأصنام فلا يكونون

(هامش)

(1) هو العلامة السيد الأمير عطاء الله جمال الدين بن المير فضل الله الحسيني الدشتكي الشيرازي النيسابوري ، المحدث الفقيه المتكلم الخطيب له تآليف كثيرة ، منها ، كتاب روضة الأحباب في سيرة النبي والآل والأصحاب ، قد طبع بالهند وترجم بالتركية وطبعت بالاستانة أله بأمر الوزير الأمير علي شيرالنوائي ، ومن تآليفه كتاب تحفة الأحباء وكتاب الأربعين حديثا في فضائل أمير المؤمنين عليه السلام وكتاب في أحوال أولاد أمير المؤمنين عليه وغيرها ، توفي سنة 917 ، وقيل سنة 926 ، وقيل سنة 1000 وله ولد فاضل جليل وهو الأمير نسيم الدين محمد ميرك شاه ، فراجع الريحانة (ج 2 ص 426 ط طهران) . (2) إلى هنا تم ما طبع من الكتاب بمصر سنة 1326 تحت إشراف العلامة المرحوم الشيخ حسن دخيل النجفي طاب ثراه . (*)

ص 356

أئمة فتعين علي (ع) لعدم الفارق (1) ، الثالث الإمام يجب أن يكون منصوصا عليه على ما تقدم وغير علي (ع) من الثلاثة لم يكن كذلك فتعين هو ، الرابع الإمام يجب أن يكون أفضل من الرعية وغير علي الثلاثة لم يكن كذلك فتعين علي (ع) الخامس الإمامة رياسة عامة وإنما تستحق بأوصاف الزهد والعلم والعبادة والشجاعة والإيمان وسيأتي أن عليا (ع) هو الجامع لهذه الصفات على الوجه الأكمل الذي لم يلحقه غيره فيكون هو الإمام انتهى . قال الناصب أقول : مذهب أهل السنة والجماعة أن الإمام بالحق بعد رسول الله (ص) أبو بكر الصديق وعند الشيعة علي المرتضى (ع) كرم الله وجه ورضي عنه دليل أهل السنة وجهان الأول أن طريق ثبوت الإمامة إما النص أو الإجماع بالبيعة ، أما النص فلم يوجد لما ذكرناه ولما سنذكره ونفصل بعد هذا إن شاء الله تعالى ، وأما الإجماع فلم يوجد في غير أبي بكر اتفاق من الأمة الوجه الثاني أن الإجماع منعقد على حقية إمامة أحد الثلاثة أبي بكر وعلي والعباس ، ثم إنهما لم ينازعا أبي بكر ولو لم يكن على الحق لنازعاه كما نازع علي (ع) معاوية ، لأن العادة تقتضي بالمنازعة في مثل ذلك ، ولأن ترك المنازعة مع الامكان مخل بالعصمة إذ هو معصية كبيرة توجب انثلام العصمة ، وأنتم توجبونها في الإمامة وتجعلونها شرطا لصحة إمامته ، فإن قيل لا نسلم الامكان أي إمكان منازعتهما أبا بكر ، قلنا : قد ذهبتم وسلمتم أن عليا (ع) كان أشجع من أبي بكر وأصلب منه في الدين وأكثر منه قبيلة وأعوانا وأشرف منه نسبا وأتم منه حسبا ، والنص الذي تدعونه لا شك أنه كان بمرئي من الناس وبمسمع منه ، والأنصار لم يكونوا يرجحون أبا بكر على علي (ع) وذكر في آخر

(هامش)

(1) أي الاحتمال الثالث وهو كون الغير إماما . (*)

ص 357

عمره على المنبر وقال : إن الأنصار كرشي وعيبتي (1) وهم كانوا الجند الغالب والعسكر وكان ينبغي أن النبي (ص) أوصى الأنصار بإمداد علي (ع) في أمر الخلافة وأن يحاربوا من يخالف نصه في خلافة ، ثم إن فاطمة عليها السلام مع علو منصبها زوجته والحسن والحسين مع كونهما سبطي رسول الله ولداه والعباس مع علو منصبه عمه ، فإنه روي أنه قال لعلي (ع) : امدد يدك أبايعك حتى يقول الناس بايع عم رسول الله (ص) ابن عمه فلا يختلف فيك احدثنان والزبير مع شجاعته كان معه حتى قيل : إنه سل السيف وقال لا أرضى بخلافة أبي بكر ، وقال أبو سفيان : أرضيتم يا بني عبد مناف أن يلي عليكم تيمي والله لأملأن الوادي خيلا ورجلا ، وكرهت الأنصار خلافة أبي بكر فقالوا : منا أمير ومنكم أمير كما ذكرنا ، ولو كان على إمامة علي نص جلي لأظهروه قطعا ولأمكنتهم المنازعة جزما كيف لا وأبو بكر عندهم شيخ ضعيف جبان لا مال له ولا رجال ولا شوكة ، فأنى يتصور امتناع المنازعة معه ، وكل هذه الأمور يدل على أن الإجماع وقعت على خلافة أبي بكر ولم يكن نص على خلافة غيره ، وبايعه علي (ع) حيث رآه أهلا للخلافة عاقلا صبورا مداريا شيخا للاسلام ، ولم يكن غرض بين الصحابة لأجل السلطنة والزعامة ، بل غرضهم كان إقامة الحق وتقويم الشريعة ليدخل الناس كافة في دين الإسلام ، وقد كان يحصل هذا من خلافة أبي بكر فسلموا إليه الأمر وكانوا أعوانا له في إقامة الحق ، هذا هو المذهب الصحيح والحق والصريح الذي عليه السواد الأعظم من الأمة ، وقد قال رسول الله (ص) عليكم بالسواد الأعظم ، وأما استدل به من الوجوه العقلية على خلافة علي (ع) فالأول وجوب كون الإمام معصوما وقد قدمنا عدم وجوبه لا عقلا ولا شرعا ، وجواب الثاني عدم اشتراط أن لا يسبق منه معصية كما قدمنا ، وجواب الثالث عدم وجوب النص لأن الإجماع في هذا كالنص ، وجواب الرابع عدم وجوب

(هامش)

(1) قد مر نقل هذا الحديث وبيان محله في الجزء الأول (ص 24) . (*)

ص 358

كون الإمام أفضل من الرعية كما ذكر إذا ثبت أفضلية علي كرم الله وجهه ، وجواب الخامس أن أوصاف الزهد والعلم والعبادة والشجاعة والإيمان كانت موجودة في المشايخ الثلاثة ، وأما الأكملية في هذه الأوصاف فهي غير لازمة إذا كانوا أحفظ للحوزة انتهى . أقول مواقع الايراد في كلامه مما لا يحصى ، أما أولا فلأن إنكاره للنص باطل بما ذكرناه وسنذكره إن شاء الله تعالى مفصلا ، وأما ثانيا فلأن انعقاد الإجماع على إمامة أبي بكر ممنوع بل محقق العدم كما مر بيانه مفصلا وتزيد عليه هاهنا ، ونذكر ملخص ما أفاده بعض أعلام علمائنا قدس سرهم من أن الإجماع على ما في منهاج البيضاوي (1) ومختصر ابن الحاجب (2) وشروحه عبارة عن اتفاق جميع أهل الحل والعقد يعني المجتهدين وعلماء المسلمين على أمر من الأمور في وقت واحد ، والجمهور أنفسهم قد تكلموا على تحقق الإجماع وشرايطه حسبما ذكر في الشرح العضدي وغيره بأن الإجماع أمر ممكن أو محال ، وعلى تقدير إمكانه هل له تحقق أو لا ، وعلى التقادير كأنها هل هو حجة ودليل على شيء أم لا ؟ وعلى تقدير كونه حجة ودليلا هل هو كذلك ما لم يحصل ثبوته إلى حد التواتر أو لا ؟ وفي كل ذلك اختلاف بين علمائهم فلا بد لهم من إثبات ذلك كله حتى يثبت إمامة أبي بكر ، وليت شعري أن من لم يقل منهم بذلك كله كيف يدعي حقية إمامة أبي بكر ويتصدى لإثباتها ، ثم بعد ذلك خلاف آخر وهو أنه هل يشترط في حقيقة الإجماع أن لا يتخلف ولا يخالف أحد من المجمعين

(هامش)

(1) قد مرت ترجمته في (ج 2 ص 136) وكتابه المسمى بالمنهاج في أصول الفقه وقد طبع . (2) قد مرت ترجمته في (ج 1 ص 170) وكتابه المختصر في أصول الفقه وقد طبع . (*)

ص 359

إلى أن يموت الكل وأيضا قد اختلفوا في أن الإجماع وحده حجة أولا أو لا بد له من سند هو الحجة حقيقة ، والسند الذي قد ذكروه في دعوى إجماعهم على خلافة أبي بكر هو قياس فقهي قاسوه فقالوا : إن النبي (ص) في مرضه أمر أبا بكر أن يصلي إماما للجماعة ، وإذا جعله إماما في أمر الدين ورضي به فيكون أرضى لإمامته في أمر الدنيا وهو الخلافة فقد قاسوا أمر الخلافة على إمامة الصلاة (1) وزعموه سندا وقد عبروا عن ذلك بعبارات متقاربة مذكورة في شرح التجريد (2) والمواقف (3) والطوالع (4) والكفاية (5) للصابوني الحنفي والصواعق (6) المحرقة لابن حجر المتأخر الشافعي

(هامش)

(1) وفي تحرير أصول الفقه لابن همام الحنفي وشرحه لبعض أهل ما وراء النهر ووقع قياس الإمامة الكبرى للصديق على إمامة الصلاة منه بإجماع الصحابة عليها فإن عين أبا بكر لإمامة الصلاة كما في الصحيحين وغيرهما وقال ابن مسعود : لما قبض النبي صلى الله عليه وآله قالت الأنصار : ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله أمر أبا بكر أن يصلي بالناس حديث حسن أخرجه أحمد والدار قطني عن النزال بن سيرة منه (قده) . (2) هو للفاضل القوشجي ويعرف بالشرح الجديد وقد مرت ترجمته مصنفه . (3) هو للقاضي الإيجي وقد مرت ترجمته في الجزء الأول . (4) هو للعلامة القاضي البيضاوي صاحب التفسير وقد مرت ترجمته . (5) هو كتاب الكفاية في الكلام للشيخ أبي المحامد وقيل أبي بكر نور الدين أحمد ابن محمود بن أبي بكر الصابوني البخاري الحنفي المتوفى سنة 580 فراجع كشف الظنون ج 2 ص 1499 الطبع الجديد الذي انتشر بالاستانة . (6) هو كتاب الصواعق المحرقة للشيخ أحمد بن محمد بن علي بن حجر الهيتمي المكي السعدي الشافعي الصوفي المحدث ، أخذ عن الشهاب الرملي وشمس الدين اللقاني والشمس السمهودي والشمس المشهدي والطبلاوي والشهاب بن البخار وغيرهم ، له كتب كثيرة : منها الصواعق المحرقة وفيه الغث والثمين ومواقع للنظر أرجو منه تعالى = (*)

ص 360

والرسالة الفارسية في العقائد لأحمد (1) الجندي الحنفي وغيرها أشهرها ما ذكرناه (2)

(هامش)

= التوفيق للتعرض بدفع كلماته في خلال المجلدات التالية وقد رد عليه مولينا القاضي الشهيد صاحب الكتاب بكتاب سماه الصوارم المهرقة وهو مطبوع والرجل من المعروفين بترك سلوك مهيع الإنصاف وركوب مراكب الأهوية والميول ، ويستمل غالبا بكتاباته ومقالاته قلوب ملوك آل عثمان وولاتهم كما هو لائح لمن جاس خلال تلك الديار وذلك لأنهم كانوا يحرضون المسلمين على سفك دماء شيعة آل رسول الله حتى لا يتم الأمر للسادة الملوك الصفوية وأمثال المترجم كانوا من المرتزقة منهم على تأييد هذا الصنيع جزاهم الله من شتت المسلمين وفرق جموعهم ومن تآليف المترجم كتاب تحفة المحتاج في شرح المنهاج ، والزواجر عن اقتراف الكبائر ، والفتاوى الحديثية والإمداد في شرح الارشاد وشرح المشكاة وكف الرعاع عن محرمات اللهو والسماع وغيرها من الكتب والرسائل وقد طبعت جلها ، ثم الهيتمي نسبة إلى محلة أبي الهيتم من مديرية الغربية بمصر ويقال النسبة إليها بالثاء المثلثة ، هكذا في المقدمة التي كتبها الأستاذ الشيخ عبد الوهاب بن الشيخ اللطيف للصواعق ، والأشهر بين أرباب التراجم كونه بالثاء المحدثناة نسبة إلى ما ذكر توفي المترجم سنة 974 بمكة كما في النور المسافر والشذرات وغيرها ، ثم التوصيف في عبارة الكتاب لئلا يذهب الوهم إلى ابن حجر العسقلاني صاحب الإصابة هو متقدم زمانا والكلام الذي يشير إليه مولينا القاضي الشهيد مذكور في الصواعق . (1) هو المحقق المولى أحمد الجندي أو الجنداوي الحنفي من علماء المأة الثامنة ، وله تآليف وتصانيف ، منها الرسالة الاعتقادية التي يحيل إليها مولينا القاضي الشهيد قدس سره وفي بعض النسخ وصفه بالجنيدي ولا يبعد كونه جنيدي الطريقة في التصوف والعرفان فلاحظ وتدبر . (2) وهو عبارة شرح التجريد ومن وافقه وأما عبارة المواقف وشرحه فهي قوله : الثامن أنه صلى الله عليه وسلم استخلف أبا بكر في الصلاة حال مرضه واقتدى به وما = (*)

 

الصفحة السابقة الصفحة التالية

شرح إحقاق الحق (ج2)

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب