الصفحة السابقة الصفحة التالية

شرح إحقاق الحق (ج2)

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب

ص 361

(هامش)

= عزله فيبقى إماما فيها ، وكذا في غيرها إذ لا قائل بالفصل ثم لم يرض بذلك حتى كذب على علي عليه السلام أنه قال مخاطبا لأبي بكر قدمك رسول الله صلى الله عليه وآله لأمر ديننا أفلا نقدمك لأمر دنيانا (انتهى) وأقول : ومنه ظاهر ، أما أولا فلما ستعرف أنا لا نسلم الأصل أصلا ، وأما ثانيا فلأن دعوى عدم العزل في معزل عن الصدق كما يدل عليه رواية شارح المواقف عن البخاري وغيره ، وأما ثالثا فلأن القائل بالفصل موجود وهم الإمامية وهو القول الفصل ، وأما رابعا فلأن عدم القول بالفصل ليس قولا بعدم الفصل حتى يلزم من القول بالفصل خرق الإجماع المركب ، وقال ابن حجر في صواعقه : إن وجه ما يقرر من الأمر بتقديم أبي بكر في الصلاة كما ذكر فيه الإشارة أو التصريح بأحقيته بالخلافة ، وأن القصد الذاتي من نصب الإمام العام ، إقامة شرايع الدين على الوجه المأمور من أداء الواجبات وترك المحرمات وإحياء السنن وإماتة البدع ، وأما الأمور الدنيوية وتدبيرها كاستيفاء الأموال من وجوهها وإيصالها إلى مستحقها ودفع الظلم ونحو ذلك فليس مقصودا بالذات بل ليتفرغ الناس لأمور دينهم ، إذ لا يتم تفرغهم إلا إذا انتظمت أمور معاشهم بنحو الأمر على الأنفس والأموال ، ووصول كل ذي حق إلى حقه ، فلذلك رضي النبي صلى الله عليه وسلم لأمر الدين وهو الإمامة العظمى أبا بكر بتقديمه للإمامة في الصلاة كما ذكرناه ومن ثم أجمعوا على ذلك كما مر (انتهى) وأقول : سقوطه ظاهر أما أولا ، فلأن احتمال الإشارة والتصريح فيما ذكره يدل على تحقيق النص الخفي والجلي على إمامة أبي بكر ، وقد اتفق القوم على فقدان النص في شأن الكل وأما ثانيا فلأن ما ذكره من أن القصد الذاتي من نصب الإمام إقامة شرائع الدين الخ إن أراد به أن المقصود الذاتي من نصب الإمام ذلك والأمور الدنيوية المذكورة تبع له فلو سلم لا يفيد في مطلوبه ، وإنما يفيد لو لم يكن مقصودا بالذات في الدين وهذا غير لازم من ذاك ، وكيف لا تكون الأمور الدنيوية كإقامة الحدود وسد الثغور وتجهيز الجيوش للجهاد وكثير من الأمور المتعلقة بحفظ النظام وحماية بيضة الإسلام وإنفاذ المعروف وإزالة المنكر وإصلاح المعاش والمعاد مقصودا أصليا في الدين ، وإن أراد المقصود الذاتي في الدين من نصب الإمام ذلك = (*)

ص 362

ولا يخفى فساده على من له أدنى معرفة بالأصول لأن إثبات حجية القياس في غاية الإشكال وعلماء أهل البيت عليهم السلام والظاهرية (1) من أهل السنة وجمهور المعتزلة ينفون حجيته ويقيمون على قولهم حججا عقلية ونقلية وسيجئ نبذ منها في بحث القياس من مسائل أصول الفقه ، ولغيرهم أيضا في أقسامه وشرائطه اختلاف كثير ، وعلى تقدير ثبوت ذلك الذي دونه خرط القتاد إنما يكون القياس فيما إذا كان هناك علة في الأصل ويكون الفرع مساويا للأصل في تلك العلة ، وهاهنا العلة مفقودة بل علة الفرق ظاهر لأن الصلاة خلف كل بر وفاجر جايز عندهم بخلاف الخلافة إذ شرطوا فيها العدالة والشجاعة والقرشية وغيرها ، وأيضا أمر إمامة الجماعة أمر واحد لا يعتبر فيه العلم الكثير ولا الشجاعة والتدبير وغيرها مما يشترط عندهم في الخلافة فإنها لما كانت سلطنة وحكومة في جميع أمور الدين والدنيا يحتاج إلى علوم وشرائط كثيرة لم يكن شيء منها موجودا في أبي بكر وأخويه فلا يصح قياس هذا بذاك وقول بعضهم : إن الصلاة من أمور الدين والخلافة من أمور الدنيا غلط ظاهر ، لأن المحققين

(هامش)

= وما عداه مقصود بالتبع فيه فغير مسلم ، بل الكل مقصود بالذات من الدين كما أوضحناه هذا ، ولا يخفى أن قوله آخرا : ومن ثم أجمعوا على ذلك صريح أيضا فيما ذكرناه من أنهم جعلوا ذلك القياس الفقهي سندا للاجماع فاحفظه فإنه نافع في المباحث الآتية . (1) هم فرقة من المسلمين تركوا الأقيسة والاستحسانات والآراء في الأحكام وحصروا المستند في الكتاب والسنة آخذين بالظواهر المحضة ولكنهم أفرطوا في ذلك بحيث ذهبوا إلى إسناد التجسم إليه تعالى وإثبات الأعضاء له أخذا بظاهر يبصر ويبطش واستوى ونحوها ، ورئيسهم داود الأصفهاني ، ومن عظمائهم ابن حزم الأندلسي كما يفصح عن ذلك كتاباه المحلي والفصل وغيرهما ، وقد مرت ترجمتهما وما يتعلق بهؤلاء في أوائل الكتاب فراجع . (*)

ص 363

منهم كالشارع الجديد (1) للتجريد عرفوا الإمامة بالحكومة العامة في الدين والدنيا وظاهر أنه كذلك مع أن الأصل ليس بثابت ، لأن الشيعة ينكرون ذلك كمال الانكار ويقولون : إن النبي (ص) أمر الناس في مرضه بالصلاة ، فقال عايشة بنت أبي بكر لبلال (2) ، إنه أمر أن يؤم أبو بكر الناس في الصلاة فلما اطلع النبي (ص)

(هامش)

(1) فراجع شرح الفاضل القوشجي وإلى شرح المواقف (ج 2 ص 469 طبع مصر) . (2) وبالجملة الاتفاق واقع على أن الأمر الذي خرج إلى بلال لم يكن مشافهة من النبي صلى الله عليه وآله بأن قال له : يا بلال قل : لأبي بكر أن يصلي بالناس أو قل للناس : يصلون خلف أبي بكر بل كان واسطة بينهما ، لأن بلالا لم يحصل له الإذن في تلك الحالة بالدخل على النبي صلى الله عليه وآله ، لاشتغال النبي صلى الله عليه وآله بالمرض وحضور عائشة عنده ، فإذا كان بواسطة يحتمل أن يكذب الواسطة ، لأنه غير معصوم ، وإذا احتمل كذبه لم تبق في هذا الأمر حجة ، لاحتمال أن يكون بغير أمر النبي صلى الله عليه وآله ، ويدل على ذلك خروجه عليهم في الحال وعزل أبي بكر ، متوليا للصلاة بنفسه كما مر . وأيضا لو كان بأمر النبي صلى الله عليه وآله كما زعموا ، لكان خروجه في ذلك الحال مع ضعفه بالمرض وتنحية أبي بكر عن المحراب وتولية الصلاة بنفسه بعد صدور الأمر به أولا مناقضة صريحة لا يليق بمن لا ينطق عن الهوى ، ولو سلمنا ذلك كله ، لكان خروج النبي صلى الله عليه وآله وعزله له مبطلا لهذه الأمارة لأنه صلى الله عليه وآله نسخها بعزله عنها ، فكيف يكون ما نسخه صلى الله عليه وآله بنفسه حجة على ثبوته ، بل نقول إن عزل النبي صلى الله عليه وآله بعد تقدمته كما زعمتم إنما كان لإظهار نقصه عند الأمة وعدم صلاحيته للتقديم في شيء ، فإن من لا يصلح أن يكون إماما للصلاة مع أنه أقل المراتب عندكم لصحة تقديم الفاسق فيها ، فكيف يصلح أن يكون إماما عاما ورئيسا مطاعا لجميع الخلق ، وإنما كان قصده صلى الله عليه وآله إن كان وقع هذا الأمر منه = (*)

ص 364

على هذا الحال المورث للفساد وضع يده المباركة على منكب علي (ع) وأخرى على منكب الفضل بن عباس وخرج إلى المسجد ونحى أبا بكر عن المحراب ، فصلى بالناس حتى لا تصير إمامة أبي بكر موجبة للخلل في الدين ، ويعضد ذلك ما رواه (1) البخاري بإسناده إلى عروة فوجد رسول الله (ص) من نفسه خفة فخرج إلى المحراب فكان أبو بكر يصلي بصلاة رسول الله (ص) والناس يصلون بصلاة أبي بكر أي بتكبيره انتهى، ولقد ضحك (2) السيد الشريف الجرجاني على لحية القوم في شرحه للمواقف فإنه ذكر هذه الرواية وحيث رأى أنها مخالفة لأصل ما وضعوه واخترعوه من رواية ايتمام الناس بأبي بكر فضلا عن رواية ايتمام النبي (ص) به حملها على أنه كان في وقت آخر وفيه ما فيه ، وأيضا لو كان خبر تقديم أبي بكر في الصلاة صحيحا كما زعموا وكان مع صحته دالا على على إمامته لكان ذلك نصا من النبي (ص) بالإمامة ومتى حصل النص لا يحتاج معه إلى غيره ، فكيف لم يجعل أبو بكر وأصحاب السقيفة ذلك دليلا على إمامة أبي بكر وكيف لم يحتجوا به على الأنصار ؟ وكيف بنوا الخلافة على المبايعة التي حصل عليهم فيها الاختلاف والاحتياج إلى اشتهار السيوف وعدلوا عن الاحتجاج بالنص المذكور ؟ مع ظهور أن العاقل لا يختار الأعثر الأصعب مع وجود الأسهل

(هامش)

= إظهار نقص أبي بكر وعدم صلاحيته للتقديم في ذلك للناس ، فيكون حجة عليهم لا لهم . وما أشبه هذه القصة بقصة براءة وعزله وإنفاذه الراية في يوم خيبر فإن ذلك كله كان بيانا لإظهار نقصه وعدم صلاحيته لشيء من الأمور الدينية ، يعرف ذلك من له أدنى دراية منه نور الله مرقده . (1) قد ذكرت ترجمته في جامع الأصول (ج ص 436 إلى ص 439) عدة روايات بهذا المضمون منها ما نقله عن البخاري بسنده إلى عروة وغيره فراجع . (2) فراجع شرح المواقف ج 2 ص 469 طبع الاستانة . (*)

ص 365

إلا لعجزه عنه ، (1) فعلم أن ذلك ليس فيه حجة أصلا ، وأيضا الظاهر أن الإمامة من الأصول ولهذا ذكر في الأصول وقد مر الكلام في أصالتها مستقصى ، فلا يصح إثباته بالقياس على تقدير تحقق القياس الصحيح ، لأن القياس الفقهي إنما يجري في الفروع كما لا يخفى ، وما ذكر في المواقف من نفي كون الإمامة من الأصول ظاهرن البطلان ، وكيف يكون ذلك مع أنه صنو النبوة كما مر ، ولو كان ظن المجتهد كافيا في مسألة الإمامة كما في مسائل الفروع الفقيه فيكون تخطئة المجتهد الذي ظن أن أبا بكر لم يكن إماما باطلا وكان تقليد ذلك المجتهد جايزا ، مع أنه لو قال أحد عندهم : إني أعتقد إمامة علي (ع) لظن غلب على أو تقليدا للمجتهد الفلاني يخطئونه بل يقتلونه ، وأيضا الاستخلاف لا يقتضي الدوام إذا الفعل لا دلالة له على التكرار والدوام إن ثبتت خلافته بالفعل ، وإن ثبتت بالقول فكذلك كيف وقد جرت العادة بالتبعية مدة غيبة المستخلف والانعزال عند مجيئه ، وأيضا ذاك معارض بأنه (ص) استخلف عليا (ع) في غزوة تبوك في المدينة وما عزله ، وإذا كان خليفة على المدينة كان خليفة في سائر وظائف الأمة لأنه لا قائل بالفصل والترجيح معنا ، لأن استخلافه على المدينة كان أقرب إلى الإمامة الكبرى ، لأن متضمن لأمور الدين والدنيا بخلاف الاستخلاف في الصلاة كما مر ، وبعد تسليم ذلك كله نقول : إن إجماع الأمة بأجمعهم على إمامة أبي بكر لم يتحقق في وقت واحد وهذا واضح مع قطع النظر عن عدم حضور أهل البيت عليهم السلام وسعد بن عبادة سيد الأنصار وأولاده وأصحابه (2)

(هامش)

(1) بمثل هذا قد استدلوا على أن القرآن معجزة حيث لم يعارضه فصحاء قريش واختاروا الحرب . منه (قده) . (2) وكذا سلمان وأبو ذر والمقداد وبنو شيبة وبنو الحارث بن عبد المطلب والعباس وبنوه وعقيل وبنوه وبنو جعفر الطيار وغيرهم من بني هاشم سادات الحرمين وعظماء المسلمين ، فعليه كيف يتحقق الإجماع ، سواء فسر الإجماع باتفاق الكل كما حكي عن = (*)

ص 366

ولهذا طوى صاحب المواقف دعوى ثبوت خلافة أبي بكر بالإجماع ، واكتفى في إثباته بالبيعة كما مر ، والحاصل أن الناصب وأصحابه إن أرادوا بوقوع الإجماع على خلافة أبي بكر حصول الاتفاق على ذلك بعد النبي بلا فصل أو في زمان قليل فهو معلوم البطلان بالاتفاق ، وإن أرادوا بعد تطاول المدة ، فهو وإن كان مخالفا لما اعتبر في حقيقة الإجماع من اتحاد الوقت كما مر وممنوعا أيضا لما مر ، لا يقوم حجة إلا إذا دخل الباقون طوعا ، أما إذا استظهر الأكثر وخاف الأقل ، ودخل فيما دخل فيه الأكثر خوفا وكرها فلا ، ولا شك أن الحال كان كذلك ، فإن بني هاشم لم يبايعوا أولا ، ثم قهروا فبايعوا بعد ستة أشهر ، وامتنع علي (ع) ولم بيته ولم يخرج إليهم في جمعة ولا جماعة إلى وقع ما نقله أهل الأحاديث والأخبار واشتهر كالشمس في رابعة (1) النهار حتى أن معاوية بعث

(هامش)

= المنخول ، أو اتفاق أهل الحل والعقد كلهم كما عرفه به أكثرهم ، أو اتفاق أهل المدينة كما في أصول الخفري أو اتفاق الأعاظم من المسلمين كما فسره به صاحب كتاب النقود والردود من علمائهم أو اتفاق العلماء كما عرفه به بعضهم إلى غير ذلك من التعاريف والتعابير التي يقف عليها البحاثة في كتبهم الأصولية فأنشدك بالله هل الذين ذكرنا أسمائهم وأشرنا إلى نبوغهم لم يكونوا مسلمين أولم يكونوا من الأعاظم ؟ فما معنى هذه الغميضة في حقهم وعدم الالتفات إليهم ؟ وهل هذا إلا الجفاء والشقاء بالنسبة إلى هؤلاء النبلاء ؟ وأعمال العصبية الباردة تراث الجاهلية والعجب كل العجب من أفاضلهم وكتابهم في هذا العصر حيث إن الكتب من الفريقين على تنوعها تصل إليها الأيدي وأكثرها قد طبعت وهي بمرئى منهم ومسمع كيف لم يتعمقوا ولم يمعنوا النظر حتى يتبين الأمر بحيث لا تبقى لهم شبهة وريب فيا إخواني إلى متى وحتى متى التقليد من غير رؤية عصمنا الله وإياكم من الزلل آمين آمين . (1) قد تقدم معناه في المجلد الأول . (*)

ص 367

إلى علي (ع) في كتاب كتبه إليه يقول فيه : إنك كنت تقاد كما يقاد الجمل المخشوش (2) حتى تبايع يعيره ويؤنبه بأنه لم يبايع طوعا (3) ولم يرض ببيعة

(هامش)

(1) ذكر ابن أبي الحديد في شرح النهج (ج 3 ص 448 طبع مصر) . (2) الخشاش بالكسر ما يدخل في عظم أنف البعير من خشب . (3) ويدل عليه ما قاله ابن قتيبة في كتاب الإمامة والسياسة (ص 11 المطبوع بمصر سنة 1356) ما هذا لفظه : ثم إن عليا كرم الله وجهه أتي به إلى أبي بكر وهو يقول : أنا عبد الله وأخو رسوله فقيل له بايع أبا بكر فقال : أنا أحق بهذا الأمر منكم لا أبايعكم ، وأنتم أولى بالبيعة لي ، إلى أن قال : فقال : أبو عبيدة بن الجراح لعلي يا ابن عم إنك حديث السن وهؤلاء مشيخة قومك ليس لك مثل تجربتهم ومعرفتهم بالأمور ولا أرى أبا بكر إلا أقوى على هذا الأمر منك وأشد اهتماما واضطلاعا به فسلم لأبي بكر هذا الأمر الخ . فيستفاد منه إنه عليه السلام لم يكن راضيا بسلطة أبي بكر . وقال الطبري في تاريخه (ج 2 ص 443 الطبع القديم بمصر) : ما لفظه : حدحدثنا حميد قال حدحدثنا جرير عن مغيرة عن زياد بن كليب قال أتى عمر بن الخطاب منزل علي وفيه طلحة والزبير ورجال من المهاجرين فقال والله لأحرقن عليكم أو لتخرجن إلى البيعة ، فخرج عليه الزبير مصلتا بالسيف فعثر فسقط من يده فوثبوا عليه فأخذوه . وقال في ذلك الكتاب (ج 2 ص 443) بعد ما نقل ما لفظه قالت الأنصار لا نبايع إلا عليا . ويقرب منه ما في الكامل لابن الأثير . وقال ابن عبد ربه في العقد الفريد (ج 3 ص 63 طبع مصر) الذين تخلفوا عن بيعة أبي بكر علي والعباس والزبير وسعد بن عبادة . وأما علي والعباس والزبير فقعدوا في بيت فاطمة حتى بعث إليهم أبو بكر عمر بن الخطاب ليخرجهم من بيت فاطمة ، وقال له إن أبو فقاتلهم فأقبل بقبس من نار على = (*)

ص 368

أبي بكر حتى استكره عليها خاضعا ، ذليلا كالجمال إذا لم يعبر على قنطرة وشبهها ، فإنه يكره ويخش بالرماح ليعبر كرها ، فكتب إليه بالجواب عنه ما ذكر في نهج البلاغة (1) المتواتر نقله عنه (ع) ، وهذا لفظه : وقلت إني كنت أقاد كما يقاد

(هامش)

= أن يضرم عليهم الدار فلقته فاطمة فقالت يا بن الخطاب أجئت لتحرق دارنا ، قال نعم أو تدخلوا فيما دخلت فيه الأمة فخرج الخ وكذا عن الزهري عن عروة عن عايشة الخ . وكذا في تاريخ أبي الفداء (ج 1 ص 156 طبع المطبعة الحسينية بمصر) . وكذا ما نقله الشهرستاني عن النظام في كتاب الملل والنحل (ص 83 طبع محمد فتح الله بدران) . إلى غير ذلك من كلماتهم الصريحة في ذلك ، مضافا إلى ما تواتر عن الأئمة من عترته والعلماء في ذريته فقد اتفقت كلمتهم على ذلك وأهل البيت أدرى بما فيه وما حل من المصاب عليهم ، فترى الروايات تنادي بعليا صوتها أنه عليه السلام كان يبكي ويستغيث برسول الله صلى الله عليه وآله ويقول (يا بن العم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلوني الخ) وذلك بعد ما تجرء الطغاة بجعل الحبل أو نجاد السيف في عنقه الشريف ، وكانوا يجرونه إلى المسجد ليبايع المتقمص الأول . (شعر) والقائدين إمامهم بنجاده * والطهر تدعو خلفهم برنين خلوا ابن عمي أو لأكشف بالدعا * رأسي وأشكو للإله شجوني إلى أن قال ورنت إلى القبر الشريف بمقلة * عبراء وقلب مكمد محزون أبتاه هذا السامري وعجله * تبعا ومال الناس عن هارون أفبعد هذا ريب في أن المبايعة كانت عن كره كلا ثم كلا إلا أن يكابر الشخص وجدانه وخير السلوك معه السكوت عصمنا الله تعالى وكذا ما نقله في الينابيع ص 134 طبع بيروت عن سنن ابن ماجه . (1) ما كتبه في كتاب له عليه السلام إلى معاوية المذكور في نهج البلاغة (ص 424 طبع طهران) . (*)

ص 369

الجمل المخشوش حتى أبايع ولعمر الله لقد أردت أن تذم فمدحت وأن تفضح فافتضحت ، وما على المسلم من غضاضة في أن يكون مظلوما ما لم يكن شاكا في دينه أو مرتابا في يقينه وهذه حجتي إلى غيرك ، وأوضح من هذا ما ذكره في الخطبة الموسومة بالشقشقية المذكورة (1) في النهج أيضا وهي التي خطبها بعد مبايعة الناس له وهي مشهورة وسيذكرها المصنف في هذا الكتاب ، وقال ابن أبي الحديد (2) المعتزلي في شرحه للنهج عند عده فضائل عمر : إن عمر هو الذي وطئ الأمر لأبي بكر وقام فيه حتى أنه دفع صدر المقداد وكسر سيف الزبير وكان قد شهره عليهم وهذا غاية الاكراه ، ومما يوضح ذلك ويسد باب الانكار على الخصم ويسجل على أن بيعة علي (ع) كانت كرها ما رواه الحميدي في سادس حديث من المتفق عليه من صحيح البخاري ومسلم من مسند أبي بكر قال : ومكثت فاطمة بعد وفاة رسول الله ستة أشهر ثم توفيت ، قالت عايشة : وكان لعلي (ع) وجه بين الناس في حياة فاطمة فلما توفيت فاطمة انصرفت وجوه الناس عن علي (ع) وفي جامع (3) الأصول قالت يعني عايشة : فكان لعلي وجه بين الناس في حياة فاطمة فلما توفيت فاطمة انصرفت وجوه الناس عن علي (ع) ، ومكثت فاطمة بعد رسول الله (ص) ستة أشهر ثم توفيت فاطمة فلما رأى علي (ع) انصراف وجوه الناس عنه ضرع إلى مصالحة أبي بكر وأرسل إليه ايتنا ولا تأتينا معك بأحد ، وكره أن يأتيه عمر لما علم من شدة عمر ، فقال عمر لا تأتيهم وحدك ، فقال أبو بكر والله لآتينهم وحدي عسى أن يصنعوا بي فانطلق أبو بكر فدخل على علي وقد جمع بني هاشم عنده

(هامش)

(1) هي خطبة معروفة مذكورة في النهج (ص 23 طبع طهران) . (2) ذكر في الباب الثاني في ذكر الخلفاء من الكتاب الرابع في الخلافة والإمارة . (3) أورده ابن الأثير في جامع الأصول (ج 4 ص 482 الطبعة الأولى بمصر الحديث 79 20) وكذا مسلم في صحيحه على ما في ذيل تلك الصة من الجامع . (*)

ص 370

إلى آخر الحديث ، وفيه وجوه من الدلالة على ما ادعيناه كما لا يخفى على المتأمل وذكر الواقدي (1) أن عمر جاء إلى علي في عصابة منهم أسيد (2) بن الحصين

(هامش)

(1) هو أبو عبد الله محمد بن عمر بن الواقد ، القاضي الأسلمي ، المدني الولادة المشتهر بالواقدي نشاء ببغداد وبها دفن ، من مشاهير قدماه مؤرخي الإسلامية ، خبير بجل الفتوحات والغزوات والطبقات والسير والحديث ، والاختلافات الواقفة في الفقه والحديث والأحكام والأخبار ، وله ستة صناديق مملؤة بالكتب يحمل كل واحد من الصناديق حاملان من الرجال ، ويقول : كتاب كل الناس أكثر من حفظه ، وحفظي أكثر من كتبي ، روى عن الثوري ومالك بن أنس وبعض مشاهير عصره ، ومن رواياته أن وجود علي بن أبي طالب سلام الله عليه معجزة باهرة لتصديق نبوة النبي صلى الله عليه وآله ، كما أن عصا موسى وإحياء أموات عيسى عليهما السلام معجزتان ثابتتان لتصديق رسالتهما ، قال ابن النديم : إن الواقدي شيعي المذهب وحسن العقيدة ولكنه أخفى مذهبه للتقية من الناس وكان يعظمه المأمون العباسي إلى نهايته ولا يقصر من إكرامه وإنعامه ، وكان قاضيا بالسمت الشرقي من بغداد المسمى بالرصافة ، توفي يوم الاثنين سنة 206 وقيل 207 وقيل 208 وقيل 209 إحدى عشر خلون من ذي الحجة ، وسنه في ذلك الوقت بلغ إلى ثمان وسبعين عاما ودفن بمقابر خيزران ببغداد ، من تآليفه 1 أخبار الحبشة والفيل أو أمراء الحبشة 2 أخبار مكة 3 ذكر القرآن 4 غلط الرجال 5 فتوح الإفريقية طبع بتونس 6 فتوح الأمصار 7 فتوح الجزيرة ، طبع بهامبورق 8 فتوح العجم الجزيرة والعراق والعجم طبع بمصر 9 فتوح الشام طبع بمبئي والقاهرة ، 10 فتوح العجم طبع بهند 11 فتوح العراق 12 فتوح مصر والاسكندرية طبع بليدن 13 كتاب الترغيب في علم القرآن 14 كتاب ضرب الدنانير والدراهم 15 كتاب الطبقات 16 المغازي طبع بكلكته وبرلين مع مقدمة وتعليقات بالإنجليزية ، 17 مقتل الحسين عليه السلام 18 مولد الحسن والحسين عليهم السلام فراجع الريحانة (ج 4 ص 271 طبع طهران) وإلى الفهرست ابن النديم والشذرات والوفيات ورجال شيخنا الأستاذ المامقاني وغيرها . (2) قد مرت ترجمته أوائل هذا المجلد فراجع . (*)

ص 371

وسلمة (1) بن سلامة الأشهلي فقال اخرجوا أو لنحرقنها عليكم ، وذكر ابن خذابة (2)

(هامش)

(1) هو سلمة بن سلامة بن وقش بفتح القاف والمعجمة ابن زغبة بن زعوراء بن عبد الأشهل الأنصاري أبو عوف الأشهلي الصحابي ، قال ابن حجر العسقلاني في كتاب (تعجيل المنفعة ص 160 طبع حيدر آباد) : إنه استعمله عمر على اليمامة وتوفي بالمدينة في زمن معاوية وقد عمر ، يقال مات سنة 34 ويقال سنة 45 وبه جزم الطبري وقال عاش أربعا وسبعين ، وقال غيره مات وهو ابن تسعين الخ ما قال : أقول بخ بخ لصحابي جاء إلى باب بيت النبوة وهدد أهلها بالاحراق إن لم يبايعوا وهم ودائع الرسول والحبل الممدود من السماء لنجاة البرية وقرناء الكتاب ، وفيهم بضعة المصطفى التي قال صلى الله عليه وآله من آذاها فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله ، فليت شعري ما جواب هؤلاء يوم المعاد في حضرة سيد المرسلين شفيع ذلك اليوم ، وما عذر من يواليهم من إخواننا المسلمين ، ويذب عنهم ، ويذهب إلى جواز اتباعهم أفلمثل هذا الصحابي قيمة أو له عند النبي الأكرم منزلة حاشا ثم حاشا كلا ثم كلا اللهم امنن عليهم بالهداية وأزل عن بصائرهم الفطرية أغشية العصبية الجاهلية التي خسرت صفقة عبد احتجب قلبه بها آمين آمين . (2) لا يخفى أن في أكثر النسخ (ابن خنزابة) وعليه فهو الوزير المحدث الجليل أبو الفضل جعفر بن الفضل بن جعفر بن الفرات البغدادي نزيل مصر ، ولد سنة 308 وتوفي سنة 391 ، كما في التذكرة للذهبي (ج 3 ص 212 ط حيدر آباد) . يروي عنه حمزة الكتابي والحافظ عبد الغني وغيرهما . وفي بعض النسخ ابن خرذاذبة ، وعليه فهو السائح الرحالة الرياضي المتوفى في حدود سنة 300 ، واسمه عبيد الله بن عبد الله ، صاحب كتاب المسالك والممالك ، وفي بعض النسخ ابن خيرانة ، وعليه فهو محمد بن خيرانة المغربي المحدث الشهير من علماء المأة الرابعة . وفي بعض النسخ المصححة من الكتاب ابن خذابة ، وعليه فهو عبد الله بن محمد بن خذابة المحدث الفقيه ، وأقوى المحتملات عندي أولها فتأمل . = (*)

ص 372

(هامش)

= ثم لا بأس بإيراد كلمات جماعة من أعيان القوم في مسألة المجئ بالحطب إلى باب بيت الرسول وهم إضرام تلك الدار التي بها شيدت أركان الإسلام ومنها انتشرت الفضائل بين الأنام وهي كثيرة التي نذكرها نزر قليل . (1) فمنها ما في تاريخ أبي الفداء قال في (ج 1 ص 156 طبع مصر بالمطبعة الحسينية) : ما لفظه : ثم إن أبا بكر بعث عمر بن الخطاب إلى علي ومن معه ليخرجهم من بيت فاطمة رضي الله عنها وقال إن أبوا فقاتلهم فأقبل عمر بشيء من نار على أن يضرم الدار فلقيته فاطمة رضي الله عنها وقالت إلى أين يا بن الخطاب أجئت لتحرق دارنا قال نعم أو تدخلوا فيما دخل فيه الأمة فخرج حتى أتى أبا بكر فبايعه كذا نقله جمال الدين ابن واصل وأسنده إلى ابن عبد ربه المغربي انتهى . (2) وفي العقد الفريد لابن عبد ربه المغربي المتوفى سنة 328 في قرطبة من بلاد الأندلس (ج 3 ص 63 طبع مصر) ما لفظه في تعداد أسماء جماعة تخلفوا عن بيعة أبي بكر قال : وهم علي والعباس والزبير وسعد بن عبادة أما علي والعباس والزبير فقعدوا في بيت فاطمة حتى بعث إليهم أبو بكر عمر بن الخطاب ليخرجهم من بيت فاطمة وقال له إن أبوا فقاتلهم فأقبل بقبس من نار على أن يضرم عليهم الدار فلقيته فاطمة فقالت يا بن الخطاب أجئت لتحرق دارنا قال نعم أو تدخلوا فيما دخلت فيه الأمة فخرج علي حتى دخل على أبي بكر الخ . (3) وفي الملل والنحل للشهرستاني المتوفى سنة 548 (ص 83 طبع مصر تحت إشراف محمد فتح الله بدران) نقلا عن النظام ما لفظه فقال أي النظام إن عمر ضرب بطن فاطمة يوم البيعة حتى ألقت الجنين من بطنها وكان يصيح أحرقوا دارها بمن فيها وما كان في الدار غير علي ، وفاطمة ، والحسن ، والحسين ، انتهى وفي ذيل الصة زيادة هذه الكلمة (ألقت المحسن من بطنها) فراجع . (4) ونقل ذلك صاحب كتاب المحاسن وأنفاس الجواهر على ما سيذكره مولينا العلامة في باب المطاعن من الكتاب فراجع . (5) وكذا ينقل (قده) ذلك عن ابن خنزابة في باب المطاعن من الكتاب فراجع . = (*)

ص 373

في غرره قال زيد بن أسلم كنت ممن حمل الحطب مع عمر إلى باب فاطمة حين امتنع علي وأصحابه عن البيعة ، فقال عمر لفاطمة أخرجي من البيت أو لأحرقنه ومن فيه قال وفي البيت علي والحسن والحسين وجماعة من أصحاب النبي ، فقالت فاطمة أفتحرق علي ولدي ؟ فقال إي والله أو ليخرجن وليبايعن ، وفي هذا كفاية ، وقد ذكر

(هامش)

= (6) وكذا الطبري المؤرخ الشهير في تاريخه (ج 2 ص 443 ط مصر القديم) (7) وكذا الواقدي على ما في كتاب (إثبات الهداة) لعلامة المحدثين صاحب الوسائل . (8) وكذا ابن أبي الحديد وسيأتي نقل عبارته بعينها في المطاعن . (9) وكذا البلاذري حيث قال ما لفظه على ما في (إثبات الهداة) أنه حصر فاطمة في الباب حتى أسقط محسنا انتهى . ونقل المؤرخ الثقة المسعودي في مروج الذهب في أخبار عبد الله بن الزبير وحصره بني هاشم في الشعب وجمعه لهم الحطب ما هذا لفظه وحدث النوفلي في كتابه في الاختبار عن ابن عائشة عن أبيه عن حماد بن سلمة قال كان عروة بن الزبير بعذر أخاه إذا جرى ذكر بني هاشم وجمعه الحطب لتحريقهم ويقول إنما أراد بذلك إرهابهم ليدخلوا في طاعته كما أرهب بنو هاشم وجمع لهم الحطب لإحراقهم إذ هم أبوا البيعة فيما سلف وهذا خبر لا يحتمل ذكره هنا وقد أتينا على ذكره في كتابنا في مناقب أهل البيت وأخبارهم المترجم بكتاب حدائق الأذهان انتهى . هذا ما حضرني من كلمات مشاهير الجمهور أئمة الحديث والتاريخ والتفسير عندهم فتراها تفصح عن هم سلفهم الذين أطروا في الحدثناء عليهم والذب عنهم والتفاني والتهالك في حبهم وودادهم بإضرام دار الرسول الأكرم مهبط الوحي ومسكن ذكر الله منزل البركة مختلف الملائكة وفيها ودائع النبوة بين المسلمين صنوه وناصره وبضعته الزهراء البتول وريحانتاه سيدا شباب أهل الجنة فبالله عليكم يا إخواني أهل الجماعة المشاركين لنا في القبلة والكتاب والسنة هل يسوغ لدى العاقل أن يتمكن أمثال هؤلاء على سرير الخلافة ويجعل نفسه زعيم المسلمين . (*)

ص 374

مؤلف (1) كتاب الملل والنحل ما في معناها رواية عن النظام والملخص من أنه قد تقرر في علم الميزان أنه إذا قام الاحتمال بطل وما ظنك بأمر يدفع صدور المهاجرين وتكسر سيوفهم وتشهر فيه السيوف على رؤس المسلمين ويقصد إحراق بيوت ساداتهم إلى غير ذلك وكيف لا يكون ذلك إكراها لولا عمى الأفئدة ، فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور (2) وأما ثالثا فلأن الإجماع الثلاثي الذي ذكره باطل كالتثليث (3) فإن ما سيجئ من آية أولي الأرحام نص في بطلان خلافة عباس وأبي بكر كما سنبينه هناك إن شاء الله تعالى وأيضا القول بإمامة عباس مستحدث أحدثه الجاحظ (4) في زمان خلافة العباسية تقربا إليهم كما صرح به أهل البصيرة بالأخبار ، وأما رابعا فلأن قوله : ثم إنهما لم ينازعا أبا بكر ممنوع بل هو أول النزاع وقد بينا ذلك قبل هذا بما فيه كفاية فلا حاجة إلى الإعادة وأما خامسا فلأن قوله ترك المنازعة مع الامكان مخل بالعصمة مسلم لكن لم يكن للنزاع بالحرب القتال

(هامش)

(1) قد تقدم بيان محله في العليقة السابقة . (2) اقتباس من قوله تعالى في سورة الحج الآية 46 . (3) إيماء إلى تثليث الأقانيم في دين النصارى ولا يخفى ما في التعبير من اللطافة . (4) هو عمرو بن بحر بن محبوب بن فزارة الكناني الليثي البصري المعتزلي الأديب ، اللغوي المتكلم النحوي الشهير أبو عثمان المعروف بالجاحظ له تآليف وتصانيف ، ككتاب الحيوان طبع بمصر وأدب الكاتب والتاج في أخلاق الملوك طبع في بيروت ، والبخلاء طبع بمصر ، والأصنام والبيان والتبيين طبع بمصر ، والمحاسن والأضداد طبع بمصر ، إلى غير ذلك ، وكان شديدا في الاعتزال وله في ذلك مقالات ورسائل ، توفي في شهر محرم سنة 255 فراجع الريحانة (ج 1 ص 242) وابن خلكان والشذرات ورياض العلماء والروضات وغيرها . (*)

ص 375

في عالم الامكان مكان لما ذكرنا من اتفاق ساير قريش على ذلك مع استعمالهم لأكثر الأنصار ، وأما سادسا فلا ن قوله : إذ هو معصية كبيرة توجب انثلام العصمة مناف لما حققه سابقا من أن صدور المعصية لا يوجب الخلل في ملكة العصمة فتذكر وتدبر وأما سابعا فلأن قوله : قلنا : قد ذهبتم وسلمتم أن عليا كان أشجع من أبي بكر وأصلب منه في الدين وأكثر منه قبيلة الخ مدخل بأنا قلنا : إنه أشجع من نفس أبي بكر والآحاد من شجعان الدنيا لا من جميع الناس مجتمعا مزدحما عليه وإلا لزم انثلام عصمة النبي (ص) في عدم قتل الكافر في أول الأمر ، ثم عام الحديبية (1) حيث صالح معهم مع وجود من معه من علي (ع) وخلق كثير من الصحابة حتى أبي بكر الشجاع وعمر المقدام ، والجواب الجواب ، بل كان توقف علي (ع) عن الحرب مع هؤلاء المتظاهرين (2) بالاسلام أظهر في الصواب كما لا يخفى على أولي الألباب ، وكذا قلنا : إن بني هاشم كانوا أكثر قبيلة من تيم لا من جميع طوايف قريش الذين اجتمعوا على خلافة أبي بكر عداوة لعلي (ع) حتى روي أنه لهذه العداوة كان مع علي منهم في حرب صفين خمس نفر من قريش وهم محمد بن أبي بكر (3)

(هامش)

(1) قال في القاموس : الحديبية كرويهية وقد تشدد بئر قرب مكة حرسها الله تعالى أو لشجرة حدباء كانت هنالك انتهى أقول وبها وقعت واقعة الحرب والقتال بين المسلمين والكفار . (2) المراد أن كفار الحديبية كانوا كفارا في الظاهر والباطن المنازعين له عليه السلام كانوا مسلمين ظاهرا . منه قدس سره . (3) هو أبو القاسم محمد بن أبي بكر أمه أسماء بنت عميس الخثعمية قال ابن عبد البر في الاستيعاب (ج 1 ص 235 ط حيدر آباد) ما محصله : أنه ولد عام حجة الوداع في عقب ذي القعدة بذي الحليفة أو بالشجرة في حين توجه رسول الله صلى الله عليه وآله إلى حجته ، وأنه لما ولد له القاسم ابنه اشتهر بأبي القاسم ، وكان في حجر علي عليه السلام إذ تزوج = (*)

ص 376

ربيبه ، وجعدة بن هبيرة المخزومي (1) ابن أخته ، وأبو الربيع بن أبي العاص

(هامش)

= أمه أسماء بنت عميس وكان على الرجالة يوم الجمل وشهد معه صفين ثم ولاه مصر فقتل بها قتلة معاوية بن حديج صبر وذلك في سنة (38) إلى أن قال وكان علي (ع) يثني على محمد ابن أبي بكر ويفضله لأنه كانت له عبادة واجتهاد الخ . أقول والرجل جليل عظيم المنزلة في الفقه والدين والشجاعة والورع ونقلت النقلة الثقاة إن عليا (ع) كثيرا ما كان يقول محمد ابني وفي كتب الفريقين عدة روايات هو منسلك في أسانيدها ولم يقدح فيه إلا من كان ناصبا مبغضا لأمير المؤمنين سلام الله عليه لأنه كان متفانيا في حبه خالصا في وداده حشره الله يوم المعاد مع السادة الأمجاد ، ثم ليعلم أن أم كلثوم التي تزوجها الثاني كانت بنت أسماء وأخت محمد هذا فهي ربيبة مولينا أمير المؤمنين عليه السلام ولم تكن بنته كما هو المشهور بين المؤرخين والمحدثين ، وقد حققنا ذلك وقامت الشواهد التاريخية في ذلك واشتبه الأمر على الكثير من الفريقين وإلى بعد ما ثبت وتحقق لدي أن الأمر كان كذلك استوحشت التصريح به في كتاباتي لزعم التفرد في هذا الشأن إلى أن وقفت على تأليف في هذه المسألة للعلامة المجاهد سيف الله المنتضى على أعداء آل الرسول آية الباري مولينا السيد ناصر الحسين الموسوي اللكنوي الهندي ابن الآية الباهرة صاحب العبقات ورأيته قدس الله سره أبان عن الحق وأسفر وسمى كتابه : (إفحام الخصوم في نفي تزويج أم كلثوم) ولعل الله تعالى شأنه يوفق أهل الخير لطبعه ونشره النسخة موجودة في مكتبة العامرة الوحيدة عند نجله الأكرم حجة الإسلام السيد محمد سعيد آل العبقات أدام الله بركته ولعله نشير في المباحث الآتية إلى هذا الأمر ونتعرض لبعض تلك الأدلة والشواهد إن شاء الله . (1) هو (جعدة بن هبيرة بن أبي وهب بن عمرو بن عائد بن عمران بن مخزون القرشي المخزومي) أمه أم هاني بنت أبي طالب قال في الاستيعاب (ج 1 ص 92) طبع حيدر آباد إنه ولاه خاله علي (ع) على خراسان وكان فقيها قال أبو عبيدة : ولدت أم هاني بنت = (*)

ص 377

ابن ربيع (1) المشهور بأنه كان صهرا للنبي (ص) ومحمد (2) بن أبي حذيفة بن عتبة ابن أخت

(هامش)

= أبي طالب من هبيرة أربعة بنين وهم جعدة وعمر ويوسف وهاني قال الزبير وجعدة بن هبيرة هو الذي يقول : أبي من بني مخزوم إن كنت سائلا * ومن هاشم أمي لغير قبيل فمن ذا الذي يباهي علي بخاله * كخالي علي ذي الندى وعقيل روى عنه مجاهد بن جبير ، ولا يذهب على الناظر أن المترجم كما سردنا نسبه مخزومي وغير جعدة بن هبيرة الأشجعي وقد اشتبه الأمر على بعض الرجالين فلا تغفل ، وذكره أبو حاتم الرازي المتوفى سنة 327 في كتابه الجرح والتعديل في القسم الأول ، في المجلد الأول ص 526 ونقل عن والده أنه روى عن خاله (ع) وعنه أبو فاختة سعيد بن علاقة وأبو الضحى وأنه كانت للمترجم دار ببلدة ري (بالازدان) يقال لها دار جعدة بن هبيرة كلما قدم الري نزل بها ، ونقل عن يحيى بن معين أن المترجم لم يسمع عن النبي (ص) انتهى . (1) هكذا في نسخ الكتاب والذي هو صهر للنبي هو أبو العاص بن عبد العزى العبشمي زوج ابنته زينب الكبرى صلى الله عليه وآله وأمه هالة بنت خويلد بن أسد أخت خديجة لأبيها وأمها . (2) هو محمد بن أبي حذيفة بن ربيعة بن عبد شمس العبشمي قال ابن عبد البر في الاستيعاب (ج 2 ص 635 طبع حيدر آباد) في ترجمة أبي حذيفة والده أنه هاجر مع امرأته سهلة بنت سهيل بن عمرو إلى أرض الحبشة وولدت له هناك محمد بن أبي حذيفة الخ . وقال على عهد النبي (ص) ، ونقل عن ابن الخياط أن عليا (ع) ولى محمد بن أبي حذيفة مصر إلى أن قال : وكان محمد هذا أشد الناس تأليبا على عثمان ، قتله مولى عثمان ، وقال أهل النسب انقرض ولد أبي حذيفة وولد أبيه عتبة إلا من قيل الوليد بن عتبة فإن منهم طائفة بالشام الخ . (*)

ص 378

معاوية وهاشم (1) بن عتبة بن أبي وقاص ابن أخ سعد بن أبي وقاص وكان مع معاوية ثلاث عشر قبيلة منهم مع أهلهم وعيالهم وقد قال (2) (ع) في بعض خطبه إظهارا لتظلمه عنهم : اللهم إني أستعديك على قريش ومن أعانهم قد قطعوا رحمي وأكفأوا

(هامش)

(1) هو أبو عمر هاشم بن عتبة بن أبي وقاص القرشي الزهري قال ابن عبد البر في الاستيعاب (ج 2 ص 600 طبع حيدر آباد) محصله نقلا عن خليفة ابن الخياط في تسمية من نزل الكوفة من أصحاب الرسول (ص) : هاشم بن عتبة بن أبي الوقاص الزهري ، وقال أبو عمر أسلم هاشم بن عتبة يوم الفتح يعرف (بالمرقال) ، وكان من الفضلاء الخيار والأبطال البهم فقئت عينه يوم اليرموك ثم أرسله عمر من اليرموك مع خيل العراق إلى سعد كتب إليه بذلك فشهد القادسية وأبلى بلاء حسنا وقام منه في ذلك ما لم يقم من أحد وكان سبب الفتح على المسلمين وكان بهمة من البهم فاضلا خيرا ، وهو الذي افتتح جلولاء في سنة 19 وإنه شهد مع علي (ع) الجمل وصفين وأبلى بلاء مذكورا وبيده راية علي الرجالة يوم صفين ويومئذ قتل وهو القائل . أعور يبغي أهله محلا * قد عالج الحياة حتى ملا * لا بد أن يغل أو يفلا وقطعت رجله يومئذ فجعل يقاتل من دنى منه وهو بارك وهو يقول الفحل يحمى شوله معقولا وقاتل حتى قتل وفيه يقول أبو الطفيل بن وائلة يا هاشم الخير جزيت الجنة * * قاتلت في الله عدو السنة أفلح بما فزت به من منة وكانت صفين سنة 37 انتهى . ثم إعلم أن لهاشم المرقال ابن وهو هاشم بن هاشم نقل أبو الحاتم الرازي في كتاب الجرح (ج 4 ص 103 طبع حيدر آباد) عن يحيى بن معين أنه قال في حقه ثقة . (2) ذكرها في النهج (ص 365 الطبع القديم بطهران) .

ص 379

إنائي وأجمعوا على منازعتي حقا كنت أولى به من غيري ثم قالوا إلا إن في الحق أن تأخذه وفي الحق تمنعه فاصبر مغموما أو مت فنظرت فإذا ليس لي راقد ولا ذاب ولا مساعد إلا أهل بيتي فظننت بهم عن المنية فأغضيت على القذى وجرعت ريقي على الشجى وصبرت من كظم الغيظ على أمر من العلقم وآلم للقلب من حز الشفار انتهى كلامه (ع) ، وكذا قلنا إن النص كان بمرأى من الناس وبمسمع من الأنصار لكن لم نقل : إنه لم يمكنهم أن يشبهوا الأمر على الناس وعلى الأنصار بالوجوه التي وقع عليها الاشعار ، وأما قوله : والأنصار لم يكونوا يرجحون أبا بكر على علي (ع) ففيه دليل واضح على أن ترجيح قريش لأبي بكر على علي (ع) كان من محض العداوة والعناد ، وأما ما ذكره من أن الأنصار كانوا الجند الغالب فغير مسلم ولو سلم فقد علم النبي (ص) ما يؤل حالهم إليه بعد وفاته من خذلان بعضهم لبعض كما مر فضلا عن خذلان علي (ع) وأما ثامنا فلأن إعانة عباس والزبير لم تكن وافية في دفع جمهور قريش ، وأبو سفيان كان منافقا ولم يكن غرضه من قوله ذلك إلا إثارة الفتنة لا نصرة علي (ع) وحيث علم علي (ع) ذلك أعرض عنه وقال له ما حاصله : إنك من أهل النفاق لا يعبأ بكلامك ، ولهذا أيضا لما سمع أبو بكر وعمر كلامه لعلي (ع) في ذلك استألفوه واستمالوه بتولية ابنه يزيد (1) على الشام فسكت وصار من أعوانهم وأنصارهم ، مع أن ذلك الأقوال من عباس والزبير وأبي سفيان إنما كان بعد اتفاق جمهور قريش والأنصار على بيعة أبي بكر فلتة (2) وكان النزاع بالحرب معهم مؤدبا إلى الفساد ، وأما تاسعا فلأن ما ذكره من أن أبا بكر عند الشيعة شيخ ضعيف جبان لا مال له الخ مسلم وما عندهم حق ، إذ لا ريب لأحد في

(هامش)

(1) المراد به يزيد بن أبي سفيان أخو معاوية . (2) قد سبق منا في التعاليق السابقة أن هذه العبارة صدرت من عمر وأكثر قريش مرارا بالنسبة إلى سلطة أبي بكر فراجع . (*)

ص 380

ضعفه في نفسه ورذالته وانحطاطه في ذاته كما اعترف به أبوه أبو قحافة أيضا وتعجب من اتفاق قريش عليه كما رواه (1) ابن حجر في صواعقه حيث قال : وأخرج الحاكم أن أبا قحافة لما سمع بولاية ابنه قال : هل رضى بذلك بنو عبد مناف وبنو المغيرة قالوا : نعم ، قال : لا واضع لما رفعت ولا رافع لما وضعت وإنما تقوى أبو بكر في أمر (1) وروي أن أبا قحافة كان بالطائف لما قبض رسول الله صلى الله وآله وبويع لأبي بكر فكتب إلى أبيه كتابا عنوانه (من خليفة رسول الله أبي بكر إلى أبي قحافة) ، أما بعد فإن الناس قد تراضوا لي فأنا اليوم خليفة الله فلو قدمت علينا لكان أحسن بك ، فلما قرء أبو قحافة الكتاب قال للرسول ما منعهم من علي ، قال الرسول ، قالوا : هو حدث وقد أكثر القتل من قريش وغيرها وأبو بكر أسن منه ، قال أبو قحافة ، إن كان الأمر في ذلك بالسن فأنا أحق من أبي بكر ، لقد ظلموا عليا وقد بايع له النبي صلى الله عليه وآله وأمرنا ببيعته ، ثم كتب إليه من أبي قحافة إلى أبي بكر : أما بعد فقد أتاني كتابك فوجدته كتاب أحمق ينقض بعضه بعضا ، فمرة تقول خليفة الله ومرة تقول خليفة رسول الله ، ومرة تراضى لي الناس وهو أمر ملتبس فلا تدخلن في أمر يصعب عليك الخروج منه غدا ويكون عقباك منه إلى الندامة وملامة النفس اللوامة لدى الحساب يوم القيامة ، فإن للأمور مداخل ومخارج وأنت تعرف من هو أولى بك ، فراقب الله كأنك تراه ولا تدعن صاحبها فإن تركها اليوم أخف عليك وأسلم لك ، كذا في كتاب الاحتجاج منه (قده) . ثم أبو قحافة هو عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر القرشي كذا سرد النسب في الاستيعاب (ج 1 ص 329 طبع حيدر آباد) وهناك أقوال أخر في ترتيب الأسماء في نسبه وقال في ص 484 من ج 2 : إن أبا قحافة أسلم يوم فتح مكة وعاش إلى زمان تولي عمر ومات سنة 14 وهو ابن سبع وتسعين وكان وفاة ابنه قبله فورث منه السدس ، فرده على ولد أبي بكر انتهى . (*)

ص 381

الخلافة باتفاق جمهور قريش على إعانته عداوة لعلي كما مر مرارا ، وإنما اختاروا الشيخ الضعيف اللئيم من بينهم ليدفعوا عن أنفسهم تهمة العداوة والأغراض الفاسدة ، بالجملة فيقول الناس : إنه لو كان غرضهم مدافعة علي (ع) عن حقه من الخلافة لارتكبها واحد من أشرافهم وأكابرهم أو قسموها بينهم وليس فليس فافهم ويكشف عن هذه ما روي (1) في المشكاة وغيره في جملة حديث من قوله (ص) إن تأمروا عليا ولا أراكم فاعلين تجدوه هاديا مهديا يأخذكم بكم الطريق المستقيم ويوضح عنه ما رواه ابن حجر في صواعقه (2) حيث قال وصح أن العباس قال يا رسول الله (ص) ما يلقون من قريش من تعبيسهم وجوههم وقطعهم حديثهم عند لقائهم فغضب (ص) غضبا شديدا حتى احمر وجهه ودر عرق بين عينيه وقال : والذي نفسي بيده لا يدخل قلب رجل الإيمان حتى يحبكم لله ورسوله ويؤيده ما رواه في موضع آخر من قوله (ص) (3) إن أهل بيتي سيلقون بعدي من أمتي قتلا وتشريدا وإن أشد أقواما لنا بغضا بنو أمية وبنو المغيرة وبنو المخزوم صححه الحاكم وفي موضع آخر عن السلفي (4)

(هامش)

(1) في المشكوة للخطيب التبريزي (ص 567 ط الدهلي) نقلا عن أحمد بن حنبل . (2) في الصواعق (ص 137 ط القديم بمصر) . (3) المستدرك (ص 464 ج 4 طبع حيدر آباد وكذا في ص 481 ج 4 من ذلك الطبع) . وكذا في ينابيع المودة (ج 1 ص 135 ط بيروت) . (4) هو أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن إبراهيم السلفي الأنصاري الشافعي صدر الدين أبو طاهر الإصبهاني المحدث الحافظ أخذ عن الخطيب التبريزي والكيا الهراسي له كتب منها الأربعين البلدانية في الحديث وغيره ، والسلفي نسبة إلى سلفه لقب جده إبراهيم توفي في اليوم الخامس من ربيع الأول سنة 576 باسنكدرية فراجع الريحانة (ج 2 ص 220 طهران) . أقول وللسلفي عقب فيهم الفضلاء والمحدثون وأكثر محدثوا القوم النقل عنه في كتبهم فراجع . (*)

ص 382

في الطيوريات عن عبد الله (1) بن أحمد (2) بن حنبل قال سألت عن

(هامش)

(1) هو أبو عبد الرحمان عبد الله بن أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني البغدادي الحافظ المحدث روى عن أبيه المسند التفسير ويحيى بن عبد ربه وخلف بن هشام ويحيى بن معين ولم يكتب عن أحد إلا بأمر أبيه وعنه روى الناس قال الخزرجي في الخلاصة (ص 161 طبع مصر القديم) نقلا عن ابن المناوي إنه مات سنة 290 (انتهى) . أقول وعندنا قطعة من كتاب فضائل علي عليه السلام من كتاب كلها مرويات عن عبد الله المترجم وليس من أجزاء كتاب المسند لأبيه والنسخة قديمة جدا . (2) هو أحمد بن محمد بن حنبل أبو عبد الله الشيباني المروزي البغدادي إمام الحنابلة المحدث الفقيه العمل بالسنة التارك للقياس والاستحسان قال الخزرجي في الخلاصة (ص 10 طبع مصر القديم) إنه ولد سنة 164 روى عن هيثم وإبراهيم بن سعد وجرير وابن مهدي والأسود بن عامر والقطان وابن عيينة وغند روعفان وخلائق وعنه الشافعي وابن مهدي الأسود بن عامر ويزيد بن عامر وابن معين وابن المديني والكوسج والأثرم وأبو زرعة وخلق آخرهم موتا أبو القاسم البغوي إلى أن قال توفي سنة 241 في ربيع الأول وقيل في رجب (انتهى) . أقول الرجل أحد الأئمة الأربعة لدى القوم وأكثر التابعين له بنواحي دمشق والصالحية والرياض وما والاها من أقطار الحجاز ومن روج مذهبه ابن تيمية وتلميذه ابن القيم والشيخ محمد بن عبد الوهاب من المتأخرين وهو الذي حرض آل السعود العائلة المالكة لأمر الحجاز على أن ينتقلوا إلى مذهب الحنابلة وغذاهم بترهاته بحيث أسندوا الشرك إلى كل من يستشفع إلى الله سبحانه بالأنبياء وأوصيائهم حكموا بكفر كافة أهل القبلة سوى من يتمذهب بمذهبهم وهدموا قبور الصالحين والشهداء المقربين وأئمة المسلمين هتكوا حرمة الرسول الأكرم وأباحوا الدماء الزكية نهبوا أموال أهل القرآن والسنة = (*)

ص 383

(هامش)

= بالحرمين الشريفين وكربلاء المشرفة وغيرها وبالجملة لا نظير لهم في فرق الإسلام في الخشونة والجمود والاسراع في التكفير والهتك سيما في زيارة أهل القبور مع ما ثبت بالطرق الصحيحة لدى العامة والخاصة من جواز ذلك رجحانه سيما مع طرو العناوين الراجحة المرجحة بحيث تلحق المعنونات بها إلى المؤكدات لدى صاحب الشرع الشريف وظني وأرى إصابتي في ذلك أن الأيادي الخارجية التي أخرجت العائلة الشريفية وسلطت تلك النفوس على بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه اختارت بين طوائف الإسلام فرقة كانت في غاية التعبس والفظاظة والغلظة حتى تتنفر منها القلوب وتصير جريحة بسوء صنيعها من قتل المريض المبتلى بالقئ في سوق الصفا وضرب عنقه عنفا وهو لا يعرف لسانهم حتى يدافع عن نفسه وقد استفاض عنه صلى الله عليه وآله (أن الحدود تدرء بالشبهات) ومن منع المؤمنين ضيوف الله ورسوله أيام الحج عن تقبيل . الضريح النبوي وقبور العترة قرناء الكتاب والتبرك بها مع أن المقبل لها ليس إلا مصداق قوله : اقبل ذا الجدار وذا الجدارا * * وما حب الديار شغفن قلبي ولكن حب من سكن الديارا ومن القسر والجبر في ثبوت رؤية الهلال حتى بالنسبة إلى من لا يرى في مذهبه ثبوت الرؤية بشهادة كل بر وفاجر ويشترط في الشاهد التجنب عن الكبائر وعدم الاصرار بالصغائر ونحوها وغيرها من الأمور التي يطول بنا الكلام لو عددناها وما ذكرته نفثة مصدور وتنفس الصعداء وبالجملة رأت مصلحتها في تسليط أمثال هؤلاء على الحرمين الشريفين المحلين الأرفعين الذين تتوجه إليهما أفئدة أهل القرآن من كل فج عميق حتى يسهل ووضعها متى ما أرادت ثم إن إمامهم ابن حنبل لم يكن في تلك الأمور بهذه المثابة كما يتضح ذلك لمن سبر في كتابه بل زاد هؤلاء في الطنبور نغمات واعلم أنهم ألفوا في ترجمة أحمد بن حنبل كتبا منها كتاب القول المسدد في الذب عن الإمام أحمد وقد طبع بالهند وكتاب مناقب = (*)

ص 384

(هامش)

= أحمد وغيرهما مما مطبوع أو مخطوط ولأحمد كتب أشهرها المسند في زهاء مجلدات رتبه على مسانيد منها سماه مسند أهل البيت عليهم السلام وله كتاب في التفسير وممن أكثر النقل عنه ابنه عبد الله . ودفن ببغداد وذهب بقبره السيل الجارف من سنين ومن غرائب معتقداته ومعتقدات تابعيه جواز رؤية الله تعالى وإثبات الأعضاء له سبحانه مما ينسبون إليه . فبالله عليك أيها الناظر المنصف في الكلمات هذه كيف لا يكون الملتزم بهذه المقالات المخالفة للنصوص والضرورة العقلية كافرا ولكن من يجعل بينه وبين ربه في طلب حوائجه شفيعا مشفعا من المقربين في ساحة قدسه وذلك لأنه لا يرى نفسه حرية بطلبها من دون استشفاع نبي أو ولي لاحتجاجها بالذنوب والعلائق والهواجس اللهم اهدهم ونور قلوبهم وأفض عليهم البصيرة حتى يتعمقوا في آيات الشفاعة وأخبارها كما نظروا سطحيا إلى آيات الشرك والرواية الضعيفة المرمية بالوضع متنا والتدليس سندا كأمثال قوله (ص) ولا قبرا إلا سويته آمين آمين . ومن أحس ما كتب في الرد على الوهابية كتاب الصواعق الإلهية في الرد على الوهابية للشيخ سليمان بن عبد الوهاب وهو أخو الشيخ محمد بن عبد الوهاب الذي به اشتهرت هذه الطائفة في القرون الأخيرة فإنه شكر الله مساعيه قد أبطل فيه كلمات أخيه المبدع في الدين المخالف لعلماء الإسلام سلفهم وخلفهم وعندي أنه من جياد الردود عليه ومن راجعه صدق والكتب مطبوع مرة ببغداد وأخرى في بلدة بمبئي سنة 1306 . ويعجبني نقل كلام للعلامة الثقة الجليل في فنون الإسلامية السيد علوي بن طاهر بن عبد الله الهدار الحدادي العلوي الصادقي نسبا الحضرمي منشئا الجاوي مسكنا وهو من مشايخنا في الرواية قال عافاه الله من مرضه في كتابه القول الفصل (ج 2 ص 417 طبع إفريقيا) ما لفظه : ابن تيمية طالما رتع في أعراض أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله في منهاجه من السب والذم المورد في قالب المعاريض ومقدمات الأدلة في أمير المؤمنين علي والزهراء البتول والحسنين وذريتهم ما تقشعر منه الجلود وترجف له = (*)

ص 385

(هامش)

= القلوب وكتاب التلميذ الذي نرد عليه ونظائره يستمد من ذلك النتن الذي قذفته جوانحه ولا سبب لعكوف النواصب والخوارج على كتابه المذكور إلا كونه يضرب على أوتارهم ويتردد على أطلالهم وآثارهم فكن منه ومنهم على حذر والله يتولى هداك . إلى أن قال ومن عيوبه أنه كثيرا ما يورد في كلماته كلمات الناصب والخوارج وأدلتهم ويتلذذ في نفس بما فيها من الطعن على أمير المؤمنين عليه السلام ويحاول بها إيقاع الشبه في القلوب وتزيين مذهب النصب والدعوة إليه وقد رماه بعض العلماء بالنفاق وقال إنه يبغض عليا عليه السلام سرا ولا يظهره كما نقله الجاحظ في بعض كتبه وبالبدعة كما قاله الأكثر إلى آخر ما قال ، ومراده بالحافظ هو ابن حجر العسقلاني فلا تغفل انتهى وبالجملة اعتقادي أن ابن تيمية كان مخالفا لابن حنبل في أمور بها كفره علماء الإسلام وأنه كان ممن يكمن النصب في سر الستر كما أشار إليه العلامة الحداد . ومن مطاعنه أنه التزم بالتحامل على أمير المؤمنين عليه السلام بتكذيب الأحاديث الصحاح الصراح التي في فضائله ومناقبه وخالف في ذلك عامة محدثي القوم وأرباب الرجال والدراية منهم ومنا وانخلع بسبب تعصبه ونصبه الكامن عن مقتضى الفطرة السليمة والرسول الباطني حتى صار موردا لملام مثل المذهبي المعروف بالنصب وابن حجر المشهور بتعديل كل جريح أعاذنا الله من هذه الخصال ونسئله أن يوقظ إخواننا عن سلوك جواد التعصبات . ومن مطاعن ابن تيمية أنه كثيرا ما يأخذ من كتب الغزالي في الرد على أهل المعقول والفلسفة بعين عباراته بدون أدنى تغيير ويسندها إلى نفسه مع أنه من القبيح الواضح سرقة المطالب العلمية ومن الشواهد على هذه السرقة ما أورده الحافظ السيوطي في كتابه (صون الكلام والرسالة التي في آخرها والنسخة مطبوعة بمصر) من رام الوقوف على الحقيقة الراهنة راجعه . وكذا يسرق من فلسفة ابن رشد الأندلسي من غير عز وإليه وقد تبعه في هذا الصنيع تلميذه الخصيص به ابن قيم الجوزية ثم خمدت فتنتهما حتى قام الشيخ محمد بن = (*)

ص 386

(هامش)

= عبد الوهاب النجدي المسكن وأثار الفتن كما أسلفنا بنشر عقايد ابن تيمية وتلميذه بين العوام والجهال وبث مقالاتهما العاطلة الباطلة ، فانقاده البسطاء من أهل نجد فحرضهم على نهب أموال المسلمين وإراقة دمائهم وتحليل أعراضهم وتخريب ديارهم وإحراق كتبهم وإسناد الشرك إلى أهل القبلة فلم يزالوا كذلك حتى قام الخديوي محمد علي باشا فأبادهم واستأصلهم ومحى أسمائهم عن صة الأرض إلى أن اقتضت السياسة الأجنبية تسليطهم على الحرمين الشريفين وسائر بلاد الحجاز ففعلوا ما فعلوا طأطأوا هامات المسلمين عند غيرهم بشنايعهم وفجايعهم والعجب كل العجب من إخواننا التابعين لهم كيف لم يتأملوا في آيات الكتاب والأخبار سلكوا مسلكهم الفاسد واشتروا متاعهم الكاسد مما يضحك الثكلى ويبكي العريس تلقيبهم أنفسهم : (السلفي) نسبة إلى السلف أي مذهب السلف فليسئل أي سلف كان يقول بهذه المقالات المنكرة قبل ابن بطه وتيمية وتلاميذه فهذا ابن حنبل آراءه منبثة ظاهرة في كتبه (كالسند) (الورع والزهد) (والتفسير) (والمناقب) وغيرها فهل ترى فيه شيئا من البدع التي أحدثوها حاشاه عنها ثم حاشاه (وكذا) ما ينقل عن ابن بطه أفلا مثال ابن بليهد والقصيمي حق أن يتسمى بالسلفي أو جدير أن يعبر بالبدعي وقد نقلوا عنه صلى الله عليه وآله كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار . وأعجب من ذلك متابعة (المتوهبين) عندنا حيث قلدوا الوهابية من غير شعور والتفات وتركوا السنة والعترة ، عصمنا الله من الهفوة ووفق إخواننا لمجانبة التعسف والتعصب آمين آمين ، وأوصيهم في الختام وصية مسلم متمسك بالكتاب والسنة تابع لأهل البيت النبوي في الاستفادة منهما والاستضائة من أنوارهما : أن يتركوا التقليد ومشي المعزى في المعتقدات . فما عذرهم لو لم يجتهدوا فيها وليس باب الاجتهاد فيها كباب الاجتهاد في الفروع عندهم منسدا وأؤكد عليهم أن يرجعوا إلى ما ألفه وصنفه علماء الإسلام في رد تلك المقالات كشفاء السقام للعلامة السبكي الشافعي والصواعق الإلهية للشيخ سليمان = (*)

ص 387

أبي ، عن علي ومعاوية فقال : اعلم أن عليا كان كثير الأعداء ففتش له أعدائه شيئا فلم يجدوا فجاؤوا إلى رجل قد حاربه وقاتله فاطردوه كيادا منهم له انتهى كلامه ووجه التأييد أن أعداء علي (ع) في زمانه لم يكونوا من اليهود والنصارى ولا من الأنصار وأعرب البوادي والبراري وإنما كانوا طوايف قريش الفجار فجاؤوا أولا برجل قد أخذ بتقويتهم الخلافة عنه من غير احتياج إلى استعمال السيف والسنان وثانيا برجل حاربه وقاتله كما قيل ، ويفصح عن ذلك ما روي عنه في الخطبة

(هامش)

= ابن عبد الوهاب وكشف الحقايق للشيخ محمد بن عبد الله الشيباني وكشف النقاب للعلامة الفقيد الآية السيد محسن الحسيني الأمين الدمشقي من مشايخنا في الرواية والآيات البينات للعلامة المصلح الآية الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء النجفي من مشايخنا والوهابية في التاريخ للسيد حسن المصري الشافعي والوهابية والمشاهد المشرفة ، والغدير للعلامة المؤيد المسدد الآية الحاج الشيخ عبد الحسين الأميني وكتاب الرد على الوهابية لزميلنا العلامة الحجة السيد علي نقي النقوي وكتاب الرد عليهم للعلامة الآية السيد محمد المهدي القزويني الكاظميني من مشايخنا في الرواية وتحفة المنصف للشيخ محمد الجاوي وكتاب الرد عليهم لعلامة الجمهور في البلاد العراقية السيد إبراهيم الراوي الرفاعي البغدادي من مشايخنا في رواية كتب القوم وكتاب الرد عليهم لعلامة الحنفية في عصره الشيخ محمد نجيب الحنفي المطيعي المصري المفتي من مشايخنا في رواية كتبهم وكتاب الرد عليهم للعلامة السيد علوي الهدار الحداد العلوي الصادقي الشافعي الحضرمي الجاوي المعاصر من مشايخنا في الرواية وكتاب الجوهر المنظم لابن حجر العسقلاني إلى غير ذلك مما يطول الكلام لو سردنا أسمائها والله القابض الباسط يعلم أني مخلص في هذه الوصية المؤكدة لإخواننا والرجاء الواثق أن تؤثر في قلوبهم المجبولة على الفطرة والله مقلب القلوب ومحول الأحوال . (*)

ص 388

الطالوتية (1) حيث قال بعد الحمد والصلاة مخاطبا لمن حضر من من المحبين والمنافقين ولمن غاب منهم : أيتها الأمة التي خدعت فانخدعت وعرفت خطيئة من خدعها فأصرت على ما عرفت واتبعت أهواها وضربت في عشواء غوايتها (عوائها خ ل) وقد استبان لها الحق فصدعت (فصدت خ ل) عنه ، والطريق الواضح فتنكبته ، أما والذي فلق الحبة وبرء النسمة لو اقتبستم العلم من معدنه وشربتم الماء من منبعه (بعذوبته خ ل) وادخرتم الخير في موضعه وأخذتم الطريق من واضحه وسلكتم من الحق نهجه لنهجت (لا بتهجت خ ل) بكم السبيل وبدت لكم الأعلام وأضاء لكم الإسلام فأكلتم رغدا ، (2) وما عال فيكم عائل ولا ظلم منكم مسلم ولا معاهد ولكن سلكتم سبيل الظلام فأظلمت عليكم دنياكم برحبها (3) وسدت عليكم أبواب العلم فقلتم بأهواءكم واختلفتم في دينكم فأفتيتم في دين الله بغير علم واتبعتم الغواة فأغوتكم وتركتم الأئمة فتركوكم فأصبحتم تحكمون بأهواءكم إذا ذكر الأمر سئلتم أهل الذكر فإذا أفتوكم قلتم هو العلم بعينه ، فكيف وقد تركتموه ونبذتموه وخالفتموه (4) ، رويدا عما قليل تحصدون جميع ما زرعتم وتجدون وخيم ما اجترمتم (5) ، (اجتنيتم خ ل) والذي فلق الحبة وبرء النسمة لقد علمتم أني صاحبكم والذي به أمرتم ، وأني عالمكم والذي بعلمه نجاتكم ووصي نبيكم وخيرة ربكم ولسان نوركم والعالم بما يصلحكم ، فعن قليل

(هامش)

(1) أوردها الحافظ الكليني في روضة الكافي (ص 23 ط الجديد بطهران) واشتهرت بالطالوتية لاشتمالها على ذكر أصحاب طالوت . (2) أي واسعة طيبة . (3) الرحب الضم : السعة . (4) أي كيف ينفعكم هذا الاقرار والاذعان لقد تركتم متابعة قائله أو كيف يقولون هذا مع أنه مخالف لأفعالكم . مرآة العقول . (5) الاجترام : الاكتساب . والاجتناء اكتساب الثمرة أطلق على كسب الجرم استعارة . (*)

ص 389

رويدا ينزل بكم ما وعدتم وما نزل بالأمم قبلكم وسيسألكم الله عز وجل عن أئمتكم معهم تحشرون وإلى الله عزو جل غدا تصيرون ، أما والله لو كان لي عدة أصحاب طالوت أو عدة أهل بدر وهم أعداؤكم لضربتكم بالسيف حتى تولوا إلى الحق وتنيبوا للصدق فكان أرتق للفتق وآخذ بالرفق اللهم فاحكم بيننا بالحق وأنت خير الحاكمين انتهت (1) ولنعم ما قال الشاعر في هذا المعنى شعر : لو سلموا لولاة الأمر أمرهم * ما سل بينهم في الأرض سفيان

(هامش)

(1) وقال بعض قدماء أصحابنا في بعض رسائله : مخفى نماند كه يوسف صديق عليه السلام هنوز طفل بوده بيشتر از ابن خوابي ديده بود كه تعبيرش بزرگي وپاشاهي مينمود ، وپدرش يعقوب عليه السلام كه بيغمبر وبيغمبر زاده بود هنوز زنده بود وهمه برادران او كه بقول مخالف بيغمبر بودند معلوم است كه بسبب آن خواب از حسد با يوسف (ع) چه كردند ، پس عرب كه عادت ايشان دشمني كردن وحسد بردن بود چه عجب كه نسازند با امير المؤمنين عليه السلام كه ايشان را بكشتن قرابتشان آزرده باشد وبكارهاي بزرگ نام وذكر اندوخته بودند . منه (قده) ديگر بني اسرائيل كه خداي تعالى ايشانرا اصحاب موسى خواند واز وي چندان معجزات وآيات ديدند وبسبب وي از فرعون وفرعونيان برستند وپاشاهى ومملكت مصر يافتند وآنچه بدين ماند با اين همه چون موسى را روزي چند جانت ديدند وهنوز زنده بود وهارون را درميان بگذاشته بون بيشتر ازايشان بعبادت گوساله كه از وي هيچ منفعتي نميديدند مشغول شدند وبگفتن هارون التفاتى نمكيردند ونزديك بود وى را بكشند پس جماعتي كه بنوى در إسلام در آمده بودند وپيغمبر خويش را از دنيا رفته يا بند وشغلي يابند وجمع مال كنند چه عجب كه نسازند با كسيكه هريك از ايشان را بقدر كردار ايشان حرمت دارد وچيزي بمقدار آن بخشد ونصيب چندان دهد كه در شريعت باشد . انتهى . منه (قده) . (*)

ص 390

وأما عاشرا فإن ما ذكره من أنه لم يكن غرض بين الصحابة لأجل السلطنة الخ فيه من آثار الغرض والعصبية والمرض ما لا يخفى ، وكيف يخفى ذلك بعد ما قدمناه من استعجالهم واستعمالهم كل حيلة ومكيدة في تقمص الخلافة وبعد ما نقده الصغاني (1) في المشارق عن البخاري من قوله (ص) مخاطبا لأصحابه : إنكم ستحرصون على الإمارة وإنها ستكون ندامة يوم القيامة فنعم (2) المرضعة وبئست الفاطمة (3) الحديث ، وقال الشارح الهروي (4) أخرجه البخاري في الأحكام ، والسين في (ستحرصون)

(هامش)

هو رضي الدين أبو الفضل حسن بن محمد بن حسن بن حيدر بن علي العمري النسب الحنفي المذهب المحدث الفقيه اللغوي النحوي ، روي عنه السيدان الجليلان أحمد بن طاوس وأخوه رضي الدين علي ، له تآليف وتصانيف منها كتاب العباب الزاهر في اللغة وكتاب الدرر الملتقطة في الأحاديث الموضوعة ومشارق الأنوار النبوية من صحاح الأخبار المصطفوية وقد أرود فيه 2252 حديثا ودر السحابة في وفيات الصحابة وشرح صحيح البخاري ، توفي سنة 650 ببغداد فراجع الريحانة (ج 2 ص 452 ط) ثم الصغاني والصاغاني نسبة إلى صغانيان بما وراء النهر وكتابه المسمى بالمشارق مطبوع معروف وشرحه المولى عز الدين عبد العزيز بن عبد الملك المعروف بابن الملك المتوفى سنة 797 وسماه مبارق الأزهار في شرح مشارق الأنوار (طبع بالاستانة سنة 1328 في دار الطباعة العامرة) (2) نعم فعل غير متصرف ، وإذا كان فاعله مؤنثا جاز إلحاق تاء التأنيث به وتركها وإنما لم تلحق التاء بنعم وألحقت ببئس إشارة إلى أن ما يناله الأمير في الآخرة من البأساء داهية بالنسبة إلى ما ناله في الدنيا من النعماء كذا نقله في المبارق عن الطبيبي (3) الظاهر أن المراد به شرح العلامة الشيخ أبو عبد الله بن أبي بكر الهروي المسكن البلخي الأصل وكان من كباره عصره في الحديث والفقه والرجال والوعظ والخطابة والتأليف والتصنيف ويظن أن وفاته كانت قريبا من سنة 790 . (*)

ص 391

للاستقبال كما في ستكون ويكون المراد بيان حرصهم عليها بعد ذلك الزمان ، ويحتمل أن يكون للتأكيد كما في قوله تعالى سنكتب ما قالوا (1) الآية ، والمراد بيان شدة حرصهم على ذلك ، وكرر لفظة إن في قوله : وإنها للتأكيد وبيان أن ذلك واقع البتة (انتهى) . وقد أنصف واعترف شارح (2) المقاصد بظهور ما وقع بين الصحابة من التشاجر والخلافة وتعريض النفوس لكل بلية وآفة فلا ينفع في إصلاحها ما تكلفه الناصب من التأويلات الباردة الصادرة عن الحماقة والخرافة ، ولنذكر كلام شارح المقاصد قصرا للمسافة على الناظر الذي يطول عليه الرجوع لا يسمنه الإشارة ولا يغني من جوع ، فنقول : قد أنطق الله لسانه بالحق فقال رغما لأنفه : إن ما وقع بين الصحابة من المحاربات والمشاجرات على الوجه المسطور في كتب التواريخ والمذكور على ألسنة الثقات يدل بظاهره على أن بعضهم قد حاد عن الطريق الحق وبلغ حد الظلم والفسق ، وكان الباعث عليه الحقد والعناد والحسد واللداد (3) وطلب الملك والرياسات الميل إلى اللذات والشهوات ، إذ ليس كل صحابي معصوما ولا كل من لقي النبي (ص) بالخير موسوما إلا أن العلماء لحسن ظنهم بأصحاب رسول الله (ص) ذكروا لها محامل وتأويلات بها يليق وذهبوا إلى أنهم محفوظون عما بوجب التضليل والتفسيق صونا لعقائد المسلمين من الزيغ والضلالة في حق كبار الصحابة سيما المهاجرين منهم والأنصار المبشرين بالثواب في دار القرار ، وأما ما جرى بعدهم من الظلم على أهل بيت النبي (ص) فمن الظهور بحيث لا مجال للاخفاء ومن الشناعة بحيث لا اشتباه على الآراء ويكاد يشهد به الجماد

(هامش)

(1) آل عمران . الآية 181 . (2) هو المحقق التفتازاني المولى سعد الدين وقد مرت ترجمته . (3) (لد لدا ولاد لدادا والد) الرجل خاصه خصومة شديدة . (*)

ص 392

العجماء ويبكي من في الأرض والسماء وتنهدم منه الجبال وتنشق منه الصخور ويبقى سوء عمله على كر الشهور والدهور فلعنة الله إلى من باشر أو رضي أو سعى ، ولعذاب الآخرة أشد وأبقى انتهى . وأما الحادي عشر فلأن إشعاره بأن الحق هو الذي عليه السواد الأعظم من الأمة مردود بأن اتفاق السواد الأعظم بمعنى أكثر الناس على ما فهمه الناصب سود الله وجهه مما لا يركن إلى اعتباره إلا القلوب الساذجة والأنفس الخالية من معرفة الحق واليقين الغافلة عن قوله (ص) كلهم في النار إلا واحدة (1) ، فإنه دل على أن الناجي قليل بل نادر بالنسبة إلى الكثير من الهالكين وقد نص الله على ذلك في كتابه العزيز بقوله : وقليل ما هم (2) وقليل من عبادي الشكور (3) وما آمن معهم إلا قليل (4) وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله (5) ولكن أكثر الناس لا يؤمنون (6) إلى غير ذلك . والحق أن النبي (ص) أراد بالسواد الأعظم في قوله عليكم بالسواد الأعظم الكتاب والعترة كما مر (7) بيانه أو خصوص مولانا أمير المؤمنين (ع) كما يشعر به

(هامش)

(1) أورد الشيخ علاء الدين المتقي الهندي المتوفى سنة 975 في كنز العمال عدة روايات صريحة في هذا المعنى فراجع (ج 1 من ص 338 إلى ص 344) وكذا غيره من محدثي العامة والخاصة . (2) ص . الآية 24 . (3) السبأ : الآية 13 . (4) هود : 40 . (5) الأنعام : الآية 116 . (6) الرعد : الآية 1 . (7) عند شرح ما ذكره المصنف في خاتمة الآيات التي بين مخالفتها للقول بنفي فاعلية (*)

ص 393

كلام (1) الزمخشري وفخر الدين الرازي (2) في تفسيرها لما ورد في شأنه (ع) من قوله تعالى : وتعيها أذن واعية (3) على ما سيذكرها المصنف فإنهما قالا : فإن قيل لم قال أذن واعية على التوحيد والتنكير ، قلنا للايذان بأن الوعاة فيهم قلة وتوبيخ الناس بقلة من يعي فيهم والدلالة على أن الأذن الواحدة إذا وعت فهو السواد الأعظم وأن ما سواها لا يلتفت إليهم وإن امتلأ العالم منهم (انتهى) فظهر أن الحديث النبوي لنا لا علينا ، ويمكن أن يقال : لعل النبي (ص) إنما قال ذلك في بعض الغزوات إشارة إلى طايفة من عسكره بالقصد والتعرض بجماعة كثيرة من جيش العدو المجتمعين في ناحية كما نقل ابن أعثم (4) في الفتوح نظير هذه العبارة عن

(هامش)

العباد لأفعالهم . (1) قال في الكشاف (ص 134 ج 3 طبع مصر بمكتبة محمد مصطفى) عند التعرض لقوله أذن واعية : ما لفظه وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لعلي رضي الله عنه عند نزول هذه الآية سألت الله أن يجعلها أذنك يا علي ، قال علي رضي الله عنه فما نسيت شيئا بعد وما كان لي أن أنسى الخ وترجمة الزمخشري قد مرت فليراجع . (2) وقال الرازي في تفسيره الكبير (ج 30 ص 107 الطبع الجديد بمصر تحت مراقبة عبد الرحمان محمد) وعن النبي صلى الله عليه وسلم عند نزول هذه الآية ، سألت الله أن يجعلها أذنك يا علي ، قال علي فما نسيت شيئا بعد ذلك وما كان لي أن أنسى ، وترجمة الرازي قد مرت في ج 1 ص 110 فراجع . (3) الحاقة . الآية 12 (4) هو أحمد أو محمد بن علي أبو محمد الأعثم الكوفي المؤرخ ، له كتب منها كتاب التاريخ الفارسي المطبوع المعروف ، ومنها كتاب الفتوح وقد طبع ببلدة بمبئي ، توفي في حدود سنة 314 كما في الريحانة (ج 5 ص 251 طبع طهران) وكتابه مشهور ومعروف اعتمد عليه المتأخرون بل ذهب بعضهم إلى كون مؤلفه من أجلاء الشيعة والله أعلم . (*)

ص 394

علي (ع) في حرب صفين حيث قال : إن في بعض أيام صفين أصحاب معاوية جماعة من قبايل يحصب (1) وكندة (2) ولخم (3)

(هامش)

(1) قال العلامة النسابة الشيخ أبو شهاب الدين أحمد بن عبد الله بن أحمد بن عبد الله بن سليمان بن إسماعيل القلقشندي الشهير بابن غدة في كتابه نهاية الأدب (ص 359 طبع بغداد) : إن بني يحصب بكسر الصاد المهملة بطن من زيد الجمهور من حمير من القحطانية والنسبة إليهم يحصبي بالفتح وهم بنو يحصب بن مالك بن زيد الجمهور ، وزيد الجمهور تقدم نسبه في حرف الزاء ، وإليهم ينسب ابن عامر أحد القراء السبعة (انتهى) وقال الأستاذ عمر رضا كحالة في كتاب المعجم (ج 3 ص 1260 طبع مصر) يحصب بن دهمان بطن من عامر بن حمير الخ ، أقول وقد نبغ بينهم فطاحل في الحديث والفقه والأدب والكلام ، فمن مشاهيرهم القاضي عياض المغربي اليحصبي صاحب كتاب الشفاء في التعريف بحقوق المصطفى وهو الكتاب الشهير السائر . (2) قال القلقشندي في النهاية (ص 331) ما لفظه : كندة قبيلة من كهلان ، وكندة هذا أبوهم واسمه نور إلى أن قال ، وبلاد كندة باليمن وكان لكندة هؤلاء ملك بالحجاز واليمن ومهم امرئ القيس بن عابس الكندي الصحابي الخ ، وقال كحالة في المعجم (ص 998 ج 3 طبع مصر) ما محصله : إن كندة بن عفير قبيلة عظيمة تنسب إلى كندة واسمه ثور بن عفير إلى أن قال : ونزلت كندة سنة 17 في الكوفة وأصبحت من سكانها وقد اشتركت بحوادث سنة 61 فجائت بثلاثة عشر ممن قتل مع الحسين عليه السلام من شيعته وأهل بيته إلى عبيد الله بن زياد الخ أقول والأشعث بن قيس وابنه محمد وبنته جعدة قتلة الأئمة الطاهرين عليهم السلام من بني كندة (3) قال القلقشندي في النهاية (ص 332 ط مصر) لخم قبيلة من كهلان ، ولخم هذا أخو جذام ، عم كندة ، وكان لللخميين ملك بالحيرة من العراق وكان لبقاياهم ملك بإشبيلية من الأندلس وهي دولة بني عباد وأول من ملك منهم القاضي محمد بن إسماعيل بن = (*)

ص 395

وجذام (1) مع ذي الكلاع (2) الحميري وقال له : اخرج واقصد بحربك همدان خاصة ، فلما علم علي (ع) بذلك أخبر همدان عن ذلك وقال لهم : عليكم بهذا الخيل فإن معاوية قد قصدكم بها خاصة دون غيركم (انتهى) .

(هامش)

= قريش بن عباد الخ وقال الأستاذ كحالة في المعجم (ج 3 ص 1011 ط مصر) ما محصله : أن لخم بن عدي بطن عظيم ينتسب إلى لخم واسمه مالك فهو مالك بن عدي ابن الحارث كانت مساكنهم وأكثرهم بين الرملة ومصر في الجفار ، وأن منهم بالشام ومنهم ببيت المقدس فدعيت باسمهم وتسميها العامة اليوم ببيت لحم ومنهم آل المنذر ملك العراق وبنو عباد ومنهم بطون كثيرة بالديار المصرية ، وقد انضمت سنة (8) طائفة من لخم إلى الروم في غزوة (موته) وسارت طائفة منهم سنة (14) مع هرقل إلى أنطاكية وحاربوا مع معاوية بن أبي سفيان ضد علي بن أبي طالب سنة (37) الخ ، أقول وكثيرا ما يشتبه لخم باللحم ولحم من قبائل نجد مسكنهم القصيم وقبيلة لخم بالخاء المعجمة التي كلا منافيه تنسب إليها جماعة من قواد الجيش الأموي وذو المناصب . (1) في نهاية الإرب (ص 174 ط بغداد) ما محصله : أن جذام بضم الجيم والذال المعجمة بطن من كهلان من القحطانية وهم بنو جذام بن عدي بن الحارث بن مرة بن ادد بن زيد ابن يشحب بن عرب بن زيد بن كهلان ، وجذام هذا أخو لخم وعم كندة الخ وقال الأستاذ كحالة في المعجم (ج 1 ص 174) ما محصله : جذام بن عدي بطن من كهلان ، كان بالاسنكدرية منهم أقوام ذو عدد وعدد وكانوا يسكنون الحوق شرقي (الدلتا) في سنة 803 الخ . (2) هو ذو الكلاع (اسميفع) ويقال (سميفع) بن ناكور ، ويقال ايفع بن شرحبيل الحميري أسلم في حياة النبي صلى الله عليه وآله في تاريخ دمشق هكذا قال الذهبي في التجريد (ص 181 ط حيدر آباد) فراجع . والحميري نسبة إلى قبيلة (حمير) من بني سباء من القحطانية كما في النهاية (ص 200 ط مصر) (*)

ص 396

وأما الثاني عشر فلأنا قد أعدمنا ما قدمه من عدم وجوب العصمة ورميناه في ظلمات العدم : وكذا ما قدمه في جواب الدليل الثاني من عدم اشتراط أن لا يسبق من الإمام معصية ، ونستدل على الاشتراط هاهنا بقوله تعالى : لا ينال عهدي الظالمين (1) في جواب إبراهيم (ع) حيث سأل الإمامة لذريته (2) بقوله : ومن ذريتي الآية تقرير الاستدلال أن لفظة من تبعيضية كما هو الظاهر ، وصرح به المفسرون وحينئذ نقول : إن سؤال الإمامة إما أن كان لبعض ذريته المسلمين العادلين مدة عمرهم أو لذريته الظالمين في تمام عمرهم أو لذريته المسلمين العادلين في بعض أيام عمرهم وعدالتهم أو للأعم من ذلك ، فعلى الأول يلزم عدم مطابقة الجواب للسؤال ، وعلى الثاني يلزم طلب الخليل ذلك المنصب الجليل للظالم حال ظلمه وهذا لا يصدر عن عاقل بل جاهل من أمته (3) فضلا عنه ، وعلى الثالث والرابع يلزم

(هامش)

(1) البقرة . الآية 124 (2) قال فخر الدين الرازي : الآية دالة على أنه تعالى سيعطي بعض ولده ما سأل ولولا ذلك لكان الجواب لا ، أو يقال : لا ينال عهدي ذريتك فإن قيل : أوما كان إبراهيم عليه السلام عالما بأن النبوة لا تليق بالظالمين ، قلت بلى ولكن ما كان يعلم حال ذريته ، فبين الله تعالى أن منهم من هذا حاله ، أو أن النبوة إنما تحصل لمن ليس بظالم انتهى كلامه منه (قده) . (3) هذا الاستبعاد نظير ما ذكره الناصب في بحث الرؤية في رسالته الفارسية في العقائد الكلامية ، حيث قال : (از آنجمله آنچه ميفر مايد در باب سؤال موسى كه رب أرني أنظر اليك يعني اى پروردگار خود را بمن بنما تا تورا ببينم موسى اين سؤال بعد از آن فرمود كه سالها بود كه پيغمبر مرسل بود كه ومحال بود كه پيمغبر مرسل مثل موسى عليه السلام در چنين مدت اين مقدار از الهيات نداد كه بر خدا رؤيت جايز باشد ، إلى آخر الكلام . منه (قده) . (*)

ص 397

المطلوب وهو أن الإمامة مما لا ينالها من كان كافرا ظالما في الجملة وفي بعض أيام عمره ، أن قيل : إن بعضنا من المفسرين حمل العهد في الآية على عهد النبوة وحينئذ لا دلالة في الآية على اشتراط عدالة الإمام في جميع عمره ، وأيضا أن هاهنا شقا خامسا قد أهملتم أخذه في الاستدلال وذلك لجواز أن يكون إبراهيم (ع) قد زعم أن ذلك البعض من ذريته الذين سأل لهم الإمامة يكونون متصفين بالاسلام والعدالة وقد كان زعمه هذا في جميع أفراد ذلك البعض أو في بعضها مخالفا لما في نفس الأمر فأجابه تعالى بأن عهد الإمامة مما لا تناله الظالمون تنبيها على بطلان ما زعمه لا سلام هؤلاء كلا أو بعضا ، وحينئذ لا يلزم سؤال ما لا يليق بشأن النبوة ولا عدم مطابقة الجواب للسؤال ، فلا يثبت الاشتراط قلت في الجواب عن الأول : إنه يكفي في دلالة الآية على ما ذكرنا وحجيته على الخصم تصريح البعض الآخر بل أكثرهم ، ومنهم صاحب الكشاف وأمثاله من أكابر المفسرين على أن بالعهد عهد الإمامة وهو الظاهر أيضا من سياق الآية ، على أنا نقول يلزم من اشتراط ذلك في النبي اشتراطه في الإمام بطريق أولى لعدم تأييده بالوحي العاصم عن الخطاء ، وقد مر تحقيق الكلام في وجوب عصمتهم عليهم السلام ، وعن الثاني أن بطلان زعم إسلام بعض من جماعة إنما يتصور إذا كان ذلك البعض موجودا متعينا يمكن أن ينظر في سلامة أحواله واختلالها أو إذا كان هؤلاء الجماعة بأجمعهم ممن يتصفون أو سيتصفون بالكفر والضلال ، ومن البين أن الموجودين في زمام إبراهيم (ع) من ذريته كإسماعيل وإسحاق كانوا معصومين لا مجال لزعم الباطل فيهما ، ومن وجد من ذريته إلى يومنا هذا كان بعض منهم أنبياء معصومين أيضا وبعضهم أولياء مرحومين وبعضهم من فساق المسلمين وبعضهم من الكفار

ص 398

المردودين كما أخبر الله تعالى عن ذلك في سورة الصافات (1) بقوله : وباركنا عليه وعلى إسحاق ومن ذريتهما محسن وظالم لنفسه مبين الآية ولا ريب في أنه (ع) إذا طلب الإمامة لبعض ذريته المعدومين لا بد بمقتضى شأن نبوته وقرينة تخصيصه بالبعض أن يكون طلبه ذلك لهم بشرط اتصافهم بالاسلام والعدالة الدائمتين أو في الجملة ولما احتمل أن يكون بعض من ذريته المعدومين مسلمين عادلين في الواقع ولم يكونوا متعينين عنده حتى ينظر في حالهم فيزعم فيهم ما ليسوا عليه في نفس الأمر صار احتمال كون ذلك البعض الذي خصهم بسؤال الإمامة لهم ممن كانوا على خلاف ما زعم فيهم عليهم السلام ساقطا عن أصله وقد منع بعض القاصرين (2) لزوم عدم مطابقة الجواب للسؤال قائلا إن الله تعالى لما عدل عن جواب سؤال إبراهيم (ع) إلى الإخبار بعدم نيل الظالم لعهد الإمامة فكأنه أجاب دعائه مع زيادة ، ووهنه ظاهر إذ لم يعهد في فصيح الكلام فضلا عن كلام الملك العلام أن يسكت رأسا عن جواب ما ذكر في السؤال ويقال في مقام الجواب ما لم يسأل عنه أصلا إلا إذا كان السؤال مما لا يستحق الجواب كما قاله أئمة البيان في أسلوب الحكيم (3) وما نحن فيه ليس كذلك على أن هذا التوجيه يجري في كل مقام يعترض فيه بأن الجواب ليس بمطابق للسؤال فلو صح لزم أن لا يكون إيراد هذا القسم من الاعتراض موجها في شيء من المواضع أصلا فضلا عن أن يكون واردا أو متوجها فتوجه فكذا الكلام فيما

(هامش)

(1) الصافات . الآية 113 . (2) هو المولى شمس الدين الهروي الحنفي نزيل مكة . (3) قال في الدستور (ج 1 ص 111 ط حيدر آباد) ما لفظه : الأسلوب الحكيم هو تقديم الأهم تعريضا للمتكلم على ترك الأهم وكذا في رسالة الحدود الجرجاني (ص 40 ط مصر) . (*)

ص 399

قدمه من جواب الدليل الرابع والخامس واشتراط الأكملية والأفضلية والأشرفية فتذكر . قال المصنف رفع الله درجته

الأدلة على إمامة علي(ع) من آيات القرآن

وأما المنقول فالقرآن الكريم والسنة المتواترة ، أما القرآن فآيات ،

الأولى:إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون (1)

 أجمعوا على نزولها في علي (ع) وهو مذكور في الجمع بين الصحاح الستة (2) لما

(هامش)

(1) المائدة الآية 55 . (2) رواه الشيخ في جامع الأصول (ج 9 ص 478 ط مصر) عن الجامع بين الصحاح الست للشيخ أبي الحسن رزين بن معاوية بن عمار العيدري الأندلسي السرقسطي . ثم اعلم أن نزول الآية الشريفة في حق إمام الإسلام مولينا أمير المؤمنين ووصي سيد المرسلين مما دلت عليه الروايات المتواترة معنى بل لفظا نقلت في كتب الحديث والتفسير والكلام والفقه ، ونص الأعاظم من الجمهور على صحة تلك المرويات والوثوق بها والركون عليها ، ونذكر كلمات جماعة وقفنا عليها في كتبهم التي كانت بمحضر منا لدى التحرير ونجزم بأن ما لم نذكره منها شيء كثير ، هذه كتب القوم فكيف بأصحابنا شيعة أهل البيت عليهم السلام فإن زبرهم على تنوعها مشحونة بذلك أفبعد ذلك يبقى ريب وشك ! ؟ كلا ورب الراقصات وداحي المدحوات . فمن نص على ذلك العلامة المحدث الثقة الشهير الشيخ محب الدين الطبري المكي المتوفى سنة 694 في كتابه ذخائر العقبى (ص 88 طبع مكتبة القدسي بالقاهرة) وأورد روايات صحاح صراح في الباب . ومنهم علامة القوم في عصره السيد شهاب الدين محمد عبد الله الرضوي النسب الآلوسي الصل البغدادي المسكن المتوفى سنة 1270 في كتابه تفسير روح المعاني (ج 6 ص 149 طبع المطبعة المنيرية بمصر) قال ما لفظه : وغالب الأخباريين على أنها نزلت في = (*)

ص 400

(هامش)

= علي كرم الله وجهه ، فقد أخرج الحاكم وابن مردويه وغيرهما عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما بإسناد متصل قال : أقبل ابن سلام ونفر الخ . ومنهم العلامة المحدث المحقق الشيخ محمد بن علي القاضي الشوكاني المتوفى سنة 1250 في تفسيره فتح القدير الجامع بين فني الدراية والرواية من علم التفسير (ج 2 ص 50 طبع مصر) قال ما لفظه : وأخرج الخطيب في المتفق والمفترق عن ابن عباس قال تصدق علي بخاتم وهو راكع فقال النبي صلى الله عليه وسلم للسائل من أعطاك هذا الخاتم قال : ذاك الراكع فأنزل الله فيه (إنما وليكم الله ورسوله) . وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس قال : نزلت في علي بن أبي طالب وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عساكر عن علي ابن أبي طالب نحوه وأخرج ابن مردويه عن عمار نحوه أيضا وأخرج الطبراني بسند عنه نحوه انتهى . ومنهم العلامة أبو عبد الله محمد بن يوسف بن حيان الجياني الغرناطي الأندلسي النحوي المتوفى بالقاهرة سنة 754 في تفسيره البحر المحيط (ج 3 ص 513 طبع مصر) على نفقة سيد السلاطين (عبد الحفيظ الحسني) ملك مراكش وما والاها قال ما لفظه : وقيل الذين آمنوا هو علي رواه أبو صالح عن ابن عباس وبه قال مقاتل الخ . ومنهم ابن كثير الشامي المحدث المفسر الشهير في تفسيره (ج 2 ص 71 طبع مصر) قال ما خلاصته : إن الآية الشريفة نزلت في علي بن أبي طالب عليه السلام ، روى ذلك بسنده عن مجاهد وابن عباس . ومنهم العلامة المحدث الشيخ أبو الحسن علي بن أحمد الواحدي النيسابوري في أسباب النزول (ص 148 ط مصر بالمطبعة الهندية سنة 1315) قال ما لفظه : قال الكلبي وزاد أن الآية في علي بن أبي طالب رضوان الله عليه ، لأنه أعطى خاتمه سائلا وهو راكع في الصلاة . = (*)

 

الصفحة السابقة الصفحة التالية

شرح إحقاق الحق (ج2)

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب