ص 161
(هامش)
لأكلوا منها إلى أن تقوم الساعة ، وهبط الأمين جبرئيل على النبي (ص) فقال يا محمد :
إن ربك يقرئك السلام ويقول لك خذ هناك الله في أهل بيتك ، قال : وما آخذ ؟ قال فتلا
جبرئيل : إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا ، إلى قوله سعيكم مشكورا .
ورواه الحافظ أبو عبد الله الحميدي في فوائده . ورواه الحاكم أبو عبد الله في مناقب
فاطمة عليها السلام ورواه ابن جرير الطبري أطول من هذا في سبب نزول هل أتى .
(ومنهم) العلامة القرطبي في تفسيره (ج 19 ص 128 ط مصر سنة 1356) قال : ذكر الثعلبي
في تفسيره . وقال أهل التفسير : نزلت في علي وفاطمة رضي الله عنهما وجارية لهما
اسمها فضة . وقد ذكر النقاش والثعلبي والقشيري وغير واحد من المفسرين في قصة علي
وفاطمة وجاريتها رواه ليث عن مجاهد عن ابن عباس في قوله عز وجل (يوفون بالنذر
ويخافون يوما كان شره مستطيرا ، ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا) قال
مرض الحسن والحسين فعادهما رسول الله (ص) وعادهما عامة العرب فقالوا يا أبا الحسن -
رواه جابر الجعفي عن قنبر مولى علي ، قال : مرض الحسن والحسين حتى عادهما أصحاب
رسول الله (ص) . فقال أبو بكر رضي الله عنه : يا أبا الحسن رجع الحديث إلى حديث ليث
بن أبي سليم . لو نذرت عن ولديك شيئا ، فقال رضي الله عنه : إن برء ولداي صمت لله
ثلاثة أيام شكرا . وقالت جارية لهم نوبية : إن برء سيداي صمت لله ثلاثة أيام شكرا .
وقالت مثل ذلك في حديث الجعفي ، فقال الحسن والحسين : علينا مثل ذلك فألبس الغلامان
العافية ، وليس عند آل محمد قليل ولا كثير ، فانطلق علي إلى شمعون بن حاريا الخيبري
وكان يهوديا فاستقرض منه ثلاثة أصوع من شعير فجاء به فوضعه ناحية البيت ، فقامت
فاطمة إلى صاع فطحنته واختبزته ، (*)
ص 162
(هامش)
وصلى علي مع النبي (ص) ، ثم أتى المنزل فوضع الطعام بين يديه . وفي حديث الجعفي :
فقامت الجارية إلى صاع من شعير فخبزت منه خمسة أقراص لكل واحد منهم قرص ، فلما مضى
صيامهم الأول وضع بين أيديهم الخبز والملح الجريش إذ أتاهم مسكين فوقف بالباب وقال
: السلام عليكم أهل بيت محمد - في حديث الجعفي أنا مسكين من مساكين أمة محمد (ص)
وأنا والله جائع ، أطعموني أطعمكم الله من موائد الجنة . فسمعه علي رضي الله عنه
فأنشأ يقول : فاطم ذات الفضل واليقين * يا بنت خير الناس أجمعين أما ترين البائس
المسكين * قد قام بالباب له حنين يشكو إلى الله ويستكين * يشكو إلينا جائع حزين كل
امرئ بكسبه رهين * وفاعل الخيرات يستبين موعدنا جنة عليين * حرمها الله على الضنين
وللبخيل موقف مهين * تهوي به النار إلى سجين شرابه الحميم والغسلين * من يفعل الخير
يقم سمين ويدخل الجنة أي حين فأنشأت فاطمة رضي الله عنها تقول : أمرك عندي يا بن عم
طاعة * ما بي من لوم ولا وضاعة غديت في الخبز له صناعة * أطعمه ولا أبالي الساعة
أرجو إذا شبعت ذا المجاعة * إن الحق الأخيار والجماعة وأدخل الجنه لي شفاعة فأطعموه
الطعام ، ومكثوا يومهم وليلتهم لم يذوقوا شيئا إلا الماء القراح ، فلما أن كان في
اليوم الثاني قامت إلى صاع فطحنته واختبزته ، وصلى علي مع النبي (ص) ، ثم أتى
المنزل فوضع الطعام بين أيديهم فوقف بالباب يتيم فقال : السلام عليكم أهل بيت محمد
(*)
ص 163
(هامش)
يتيم من أولاد المهاجرين استشهد والدي يوم العقبة . أطعموني أطعمكم الله من موائد
الجنة فسمعه على فأنشأ يقول : فاطم بنت السيد الكريم * بنت نبي ليس بالزنيم لقد أتى
الله بذي اليتيم * من يرحم اليوم يكن رحيم ويدخل الجنة أي سليم * قد حرم الخلد على
اللئيم ألا يجوز الصراط المستقيم * يزل في النار إلى الجحيم شرابه الصديد والحميم
فأنشأت فاطمة رضي الله عنها تقول أطعمه اليوم لا أبالي * وأوثر الله على عيالي
أمسوا جياعا وهم أشبالي * أصغرهم يقتل في القتال بكربلا يقتل باغتيال * يا ويل
للقاتل من وبال تهوي به النار إلى سفال * وفي يديه الغل والأغلال كبولة زادت على
الأكبال فأطعموه الطعام ومكثوا يومين وليلتين ، لم يذوقوا شيئا إلا الماء القراح
فلما كانت في اليوم الثالث قامت إلى الصاع الباقي فطحنته واختبزته ، وصلى علي مع
النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم أتى المنزل فوضع الطعام بين أيديهم ، إذ أتاهم أسير
فوقف بالباب فقال . السلام عليكم أهل بيت محمد تأسروننا وتشدوننا ولا تطعموننا ؟
أطعموني فإني أسير محمد فسمعه علي فأنشأ يقول : فاطم يا بنت النبي أحمد * بنت نبي
سيد مسود وسماه الله فهو محمد * قد زانه الله بحسن اغيد هذا أسير للنبي المهتد *
مثقل في غلة مقيد يشكوا إلينا الجوع قد تمدد * من يطعم اليوم يجده في غد (*)
ص 164
(هامش)
عند العلي الواحد الموحد * ما يزرع الزراع سوف يحصد أعطيه لا لا تجعليه اقعد فأنشأت
فاطمة رضي الله عنها تقول : لم يبق مما جاء غير صاع * قد ذهبت كفي مع الذراع ابناي
والله هما جياع * يا رب لا تتركهما ضياع أبوهما للخير ذو اصطناع * يصطنع المعروف
بابتداع عبل الذراعين شديد الباع * وما على رأسي من قناع إلا قناعا نسجه انساع
فأعطوه الطعام ومكثوا ثلاثة أيام ولياليها لم يذوقوا شيئا إلا الماء القراح ، فلما
إن كان في اليوم الرابع ، وقد قضى الله النذر أخذ بيده اليمنى الحسن وبيده اليسرى
الحسين وأقبل نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يرتعشون كالفراخ من شدة الجوع ،
فلما أبصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : يا أبا الحسن ما أشد ما يسوءني ما
أرى بكم انطلق بنا إلى ابنتي فاطمة ، فانطلقوا إليها وهي في محرابها ، وقد لصق
بطنها بظهرها ، وغارت عيناها من شدة الجوع ، فلما رآها رسول الله صلى الله عليه
وسلم وعرف المجاعة في وجهها بكى وقال : واغوثاه يا الله أهل بيت محمد يموتون جوعا ،
فهبط جبرئيل عليه السلام وقال : السلام عليك ربك يقرئك السلام يا محمد خذه هنيئا في
أهل بيتك قال : وما آخذ يا جبرئيل ؟ فاقرأه : (هل أتى على الانسان حين من الدهر)
إلى قوله : (ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وسيرا ، إنما نطعمكم لوجه الله
لا نريد منكم جزاءا ولا شكورا) . (ومنهم) العلامة محب الدين الطبري في (ذخائر
العقبي) (ص 102 ط مصر سنة 1356) (*)
ص 165
(هامش)
عن ابن عباس في قوله تعالى : ويطعمون الطعام على حبه الآية قال : آجر على نفسه نخلا
بشيئ من شعير الرملة حتى أصبح ، فلما أصبح قبض الشعير وطحن منه إلى آخر ما تقدم .
وقال أيضا في (ص 88) من ذلك الكتاب : عن ابن عباس في قوله تعالى : ويطعمون الطعام ،
الآية نزلت في بن أبي طالب رضي الله عنه . (ومنهم) العلامة ابن أبي الحديد في شرح
النهج (ج 1 ص 7 ط مصطفى الحلبي بمصر) ذكر نزول الآية الشريفة في حقه عليه السلام .
(ومنهم) العلامة النيشابوري (في تفسيره) (ج 29 ص 112 بهامش الطبري ط الميمنية بمصر)
. يروي عن ابن عباس أن الحسن والحسين مرضا فعادهما رسول الله (ص) في ناس معه ، فقال
: يا أبا الحسن لو نذرت على ولدك ، فنذر علي وفاطمة وفضة جارية لهما إن أبرأهما
الله أن يصوموا ثلاثة أيام ، فشفيا وما معهما شيئ ، فاستقرض علي من شمعون الخيبري
اليهودي ثلاث أصوع من شعير فطحنت فاطمة منها صاعا واختبزت خمسة أقراص على عددهم ،
فوضعوها بين أيديهم ليفطروا ، فوقف عليهم سائل فقال : السلام عليكم يا أهل محمد
مسكين من مساكين المسلمين أطعموني أطعمكم الله من موائد الجنة فآثروه وباتوا ولم
يذوقوا (الاظ) الماء فأصبحوا صياما فلما أمسوا ووضعوا بين أيديهم وقف عليهم يتيم
فآثروا ووقف عليهم في الثالثة أسير ففعلوا مثل ذلك فلما أصبحوا أخذ علي رضي الله
عنه بيد الحسن والحسين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما أبصرهم وهم يرتعشون
كالفراخ من شدة الجوع قال ما أشد ما يسوءني ما أرى بكم ، فقال وانطلق معهم فرأى
فاطمة في محرابها قد لصق ظهرها ببطنها وغارت عيناها فسائه ذلك ، فنزل جبرائيل وقال
خذها يا محمد هناك الله في أهل بيتك فاقرء السورة . (*)
ص 166
(هامش)
ويروى أن السائل في الليالي جبرائيل أراد بذلك ابتلائهم بإذن الله سبحانه الحديث
(ومنهم) العلامة الأديب الشهير بأبي حيان الأندلسي المغربي المتوفى سنة 754 حيث نقل
في البحر المحيط (ج 8 ص 395 ط مطبعة السعادة بمصر) أن هذه السورة نزلت في حق علي بن
أبي طالب عليه السلام وذكر النقاش في ذلك حكاية طويلة إلى آخر ما قدمنا . (ومنهم)
العلامة الخطيب الخازن في تفسيره (ج 7 ص 159 ط مصر) روى عن ابن عباس أنها نزلت في
علي بن أبي طالب عليه السلام وذلك أنه عمل ليهودي بشيئ من شعير إلى آخر ما تقدم .
(ومنهم) العلامة السيوطي في الدر المنثور (ج 6 ص 299 ط الأولى بمصر) وأخرج ابن
مردويه عن ابن عباس في قوله تعالى : ويطعمون الطعام على حبه الآية قال : نزلت هذه
الآية في علي بن أبي طالب وفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم . (ومنهم)
العلامة المير محمد صالح الكشفي الترمذي الحنفي في مناقب مرتضوي (ص 64 ط بمبئي
بمطبعة محمدي) نقل عن تفسير بحر المواج والحافظي والحسيني : اتفاق جمهور المفسرين
على أن سبب نزول الآية الشريفة ما تقدم نقله منا . (ومنهم) العلامة الشوكاني في
تفسيره (فتح القدير) (ج 5 ص 338 ط مصطفى الحلبي بمصر) نزلت هذه الآية في علي بن أبي
طالب وبنت رسول الله (ص) (ومنهم) الآلوسي في روح المعاني (ج 29 ص 57 ط المنيرية
بمصر) من رواية عطاء عن ابن عباس أن الحسن والحسين مرضا فعادهما جدهما محمد (ص)
ومعه أبا بكر وعمر رضي الله عنهما وعادهما من عادهما من الصحابة فقالوا لعلي كرم
الله وجهه : يا أبا الحسن لو نذرت على ولديك ، فنذر علي وفاطمة وفضة جارية لهما إن
برءا (*)
ص 167
(هامش)
مما بهما أن يصوموا ثلاثة أيام شكرا ، فألبس الله تعالى الغلامين ثوب العافية وليس
عند آل محمد قليل ولا كثير ، فانطلق علي كرم الله وجهه إلى شمعون اليهودي الخيبري
فاستقرض منه ثلاثة أصواع من شعير فجاء بها فقامت فاطمة رضي الله تعالى عنها إلى صاع
فطحنته وخبزت منه خمسة أقراص على عددهم ، وصلى علي كرم الله تعالى وجهه مع النبي
صلى الله تعالى عليه وسلم المغرب ، ثم أتى المنزل فوضع الطعام بين يديه ، فوقف
بالباب سائل فقال : السلام عليكم يا أهل بيت محمد صلى الله عليه وسلم ، أنا مسكين
من مساكين المسلمين أطعموني أطعمكم الله تعالى من موائد الجنة فآثروه وباتوا لم
يذوقوا شيئا إلا الماء وأصبحوا صياما ، ثم قامت فاطمة رضي الله تعالى عنها إلى صاع
آخر فطحنته وخبزته وصلى علي كرم الله تعالى وجهه مع النبي صلى الله تعالى عليه وسلم
المغرب ثم أتى المنزل فوضع الطعام بين يديه فوقف يتيم بالباب وقال : السلام عليكم
يا أهل بيت محمد صلى الله تعالى عليه وسلم يتيم من أولاد المهاجرين أطعموني أطعمكم
الله تعالى من موائد الجنة ، فآثروه ومكثوا يومين وليلتين لم يذوقوا شيئا إلا الماء
القراح وأصبحوا صياما ، فلما كان يوم الثالث قامت فاطمة رضي الله تعالى عنها إلى
الصاع الثالث وطحنته وخبزته وصلى علي كرم الله تعالى وجهه مع النبي صلى الله تعالى
عليه وسلم المغرب فأتى المنزل فوضع الطعام بين يديه فوقف أسير بالباب فقال : السلام
عليكم يا أهل بيت محمد صلى الله تعالى عليه وسلم أنا أسير محمد (ص) ، أطعموني
أطعمكم الله ، فآثروه وباتوا ولم يذوقوا إلا الماء القراح ، فلما أصبحوا أخذ علي
كرم الله تعالى وجهه الحسن والحسين وأقبلوا إلى رسول الله (ص) ورأهم يرتعشون
كالفراخ من شدة الجوع قال : يا أبا الحسن ما أشد ما يسوءني ما أرى بكم وقام فانطلق
معهم إلى فاطمة رضي الله تعالى عنها فرأها في محرابها قد التصق بطنها بظهرها وغارت
عيناها من شدة الجوع فرق لذلك (ص) وساءه ذلك فهبط جبرئيل عليه السلام فقال : خذها
يا محمد ، هناك الله تعالى في أهل بيتك ، قال : وما آخذ يا جبرئيل ؟ فأقرأه : هل
أتى على الانسان السورة ، وفي (*)
ص 168
(هامش)
رواية ابن مهران فوثب النبي صلى الله عليه وسلم حتى دخل علي فاطمة فأكب عليها يبكي
فهبط جبرئيل (ع) بهذه الآية : إن الأبرار يشربون إلى آخره . وفي رواية عن عطاء أن
الشعير كان عن أجرة سقي نخل وإنه جعل في كل يوم ثلث منه صيده فآثروا بها . وأخرج
ابن مردويه عن ابن عباس أنه قال في قوله سبحانه : ويطعمون الطعام الخ نزلت في علي
كرم الله وجهه وفاطمة بنت رسول الله (ص) ولم يذكر القصة والخبر مشهور بين الناس
وذكره الواحدي في كتاب البسيط ثم نقل هذه الأشعار إلى م إلى م وحتى متى * أعاتب في
حب هذا الفتى وهل زوجت غيره فاطم * وفي غيره هل أتى هل أتى وذكر الآلوسي بعد ذلك
كله ، ومن اللطائف أنه سبحانه لم يذكر فيها الحور العين وإنما صرح عز وجل بولدان
مخلدين رعاية لحرمة البتول وقرة عين الرسول لئلا تثور غيرتها الطبيعية إذا أحست
بضرة وهي في أفواه الطباع البشرية ولو في الجنة مرة ، ولا يخفى عليك أن هذا زهرة
ربيع ولا تتحمل الفرك ، ثم التذكير على ذلك أيضا من باب التغليب . (ومنهم) العلامة
البيضاوي في (تفسيره) (ج 4 ص 235 ط مصطفى محمد بمصر) عن ابن عباس رضي الله عنه أن
الحسن والحسين رضي الله عنهما مرضا فعادهما رسول الله صلى الله عليه وسلم في ناس
فقالوا يا أبا الحسن لو نذرت على ولديك بالنحو المذكور فيما مضى إلى أن قال : فنزل
جبرئيل عليه السلام بهذه السورة وقال : خذها يا محمد هناك الله في أهل بيتك .
(ومنهم) العلامة الشيخ سليمان القندوزي في (ينابيع المودة) (ص 93 ط اسلامبول) (*) ص
169
(هامش)
روى موفق بن أحمد أخرجه بسنده عن مجاهد وعن أبي صالح وعن الضحاك هم جميعا عن ابن
عباس بعين ما تقدم عن البيضاوي وروى الحمويني عن مجاهد عن ابن عباس بعينه . وروى في
تفسير البيضاوي وروح البيان والمسامرة نحو ذلك . وننقل بوسطة كتاب البحار عدة من
الأعلام (ج 9 ط الكمپاني) (ومنهم) أبو صالح في تفسيره . (ومنهم) مجاهد في تفسيره .
(ومنهم) الضحاك في تفسيره (ومنهم) الحسن في تفسيره . (ومنهم) عطاء في تفسيره .
(ومنهم) القتادة في تفسيره . (ومنهم) المقاتل في تفسيره . (ومنهم) الليث في تفسيره
. (ومنهم) ابن عباس . (ومنهم) ابن مسعود في تفسيره . (ومنهم) ابن جبير في تفسيره .
(ومنهم) عمرو بن شعيب في تفسيره . (ومنهم) الحسن بن مهران في تفسيره . (ومنهم)
النقاش في تفسيره . (ومنهم) القشيري في تفسيره . (ومنهم) الخطيب المكي في
(الأربعين) (ومنهم) أبو بكر الشيرازي في (نزول القرآن في أمير المؤمنين) (*)
ص 170
وكذا أمهما فاطمة وخادمتهم فضة كذلك لئن برءا ، فبرءا فليس عند آل محمد (ص) قليل
ولا كثير ، فاستقرض أمير المؤمنين ثلاثة أصواع من شعير ، وطحنت فاطمة منها صاعا
فخبزته خمسة أقراص لكل واحد قرصا وصلى علي المغرب ، فلما أتى المنزل فوضع الطعام
بين يديه للافطار أتاهم مسكين ، وسألهم فأعطاه كل منهم قوته ، ومكثوا يومهم وليلتهم
، لم يذوقوا شيئا ، ثم صاموا اليوم الثاني ، فخبزت فاطمة صاعا آخر فلما قدم بين
أيديهم للافطار أتاهم يتيم سألهم القوت ، فأعطاه كل واحد منهم بقوته فلما كان اليوم
الثالث من صومهم وقدم الطعام للافطار أتاهم أسير ، وسألهم القوت ، فأعطاهم كل منهم
قوته لم يذوقوا في الأيام الثلاثة سوى الماء فرأهم النبي (ص) في اليوم الرابع ، وهم
يرتعشون من الجوع ، وفاطمة قد التصق بطنها بظهرها من شدة الجوع وغارت عيناها ، فقال
: واغوثاه يا الله أهل بيت محمد يموتون جوعا ، فهبط جبرئيل ، فقال : خذ ما هناك
الله تعالى به في أهل بيتك ، فقال : وما آخذ يا جبرئيل ؟ فأقرأه هل أتى (إنتهى) .
قال الناصب خفضه الله أقول : ذكر المفسرين في شأن نزول السورة ما ذكره ، ولكن أنكر
على هذه الرواية كثير من المحدثين وأهل التفسير وتكلموا في أنه هل يجوز أن يبالغ
الانسان في الصدقة إلى هذا الحد ويجوع نفسه وأهله حتى يشرف على الهلاك . وقد قال
الله تعالى : ويسئلونك ماذا ينفقون قال العفو ، والعفو ما كان فاضلا من نفقة العيال
، وقال رسول الله (ص) : خير الصدقة ما يكون صنوا عفوا وإن صح الرواية لا تدل على
النص كما علمته (إنتهى) .
(هامش)
(ومنهم) الاشتهي في (اعتقاد أهل السنة) (ومنهم) أبو بكر محمد بن أحمد بن الفضل
النحوي في (العروس في الزهد) . (*)
ص 171
أقول قال (1) فخر الدين الرازي في تفسيره : إن الواحدي من أصحابنا ذكر في كتاب
البسيط إنها نزلت في علي ، وصاحب الكشاف من المعتزلة ذكر هذه القصة ، فروى عن ابن
عباس : أن الحسن والحسين مرضا الخ والذي لم يذكر من المفسرين أنها نزلت في علي (ع)
أبقى الآية على عمومها لعدم وصول سبب النزول إليه ، أو لقصد إخفائه عداوة لأهل
البيت عليهم السلام ، لا أنه ذكر نزوله في شأن جماعة مخصوصة غيرهم ، كما يشعر به
ظاهر كلام الناصب ، وأما ما ذكره من إنكار كثير من المحدثين والمفسرين لهذه الرواية
وتكلمهم في جواز المبالغة في الصدقة إلى هذا الحد ، فالظاهر أنه من تشكيكات نفسه
دون أحد من المحدثين والمفسرين ولو كان لذلك أصل لذكره فخر الدين الرازي المشكك في
تفسيره ومن العجايب أن أصحاب هذا الرجل ومنهم الرازي المذكور والنيشابوري في
تفسيرهما يذكرون (2) أن قوله تعالى : وكونوا مع الصادقين (3) نزل في شأن الذين شدوا
أنفسهم على السواري ، ويسلمون ذلك ولا ينكرونه ولا يتكلمون عليه بأنه : هل يجوز
رياضة النفس في هذا الحد بل يذكرون من جوع مشايخهم ومتصوفيهم من النقشبندية (4)
وغيرهم ما يتجاوز عن ذلك ، بل ذكر الناصب نفسه سابقا في مبحث نفي حلول الله
(هامش)
(1) ذكره في تفسيره الكبير (ج 30 ص 243 ط الجديد بمصر) وذكرنا تمام عبارته في
تعاليقنا على الآية فراجع . (2) ذكره النيشابوري في تفسيره المطبوع بهامش تفسير
الطبري (ج 11 ص 38 ط مطبعة الميمنية بمصر) . (3) التوبة . الآية 119 . (4) قد مر
أنهم جماعة من الصوفية اشتهروا بالنقشبندية لأنها سلسلتهم إلى العارف الشيبي (*)
ص 172
(هامش)
الخواجه بهاء الدين محمد المتوفى سنة 791 النقشبند وهو أخذ التصوف عن الأمير السيد
كلال وهو عن الخواجه محمد بابا السماسي وهو عن الخواجه على الراستيني وهو عن
الخواجه محمود الخير وهو عن الخواجه عارف الريوكرى وهو عن الخواجه عبد الخالق
الغجدواني ومن أجله تطلق على هذه السلسلة (سلسلة خواجه كان) أيضا وهو أخذ التصوف عن
الخواجه يوسف الهمداني وهو عن الخواجه أبي علي الفرامدي وهو عن أبي القاسم الكركاني
وهو عن أبي الحسن الخرقاني وهو عن أبي يزيد البسطامي هكذا ساق السلسلة الكاشفي في
كتاب الرشحات (ص طبع نول كشور في لكهنو) فهذه الطريقة من طرقهم يقال لهم النقشبندية
لانتسابهم إلى بهاء الدين المذكور في السلسلة الخوجگية لانتمائهم إلى الغجدواني
وتلقب من بعده باخواجه فلا تغفل . ولهذه الفرقة أوراد وأذكار وشرائط في الانسلاك
معهم وألفوا كتبا في تراجم مشاهيرهم ورؤسائهم كالرشحات للكاشفي والنفحات للمولى عبد
الرحمن الجامي وتذكرة العرفاء للخواجه محمد الهندي وكاشف الأسرار للنطنزي وغيرها
مما يطول بنا الكلام لو ذكرنا أسمائها . ثم إنهم ذكروا في رياضيات أقطابهم وتحملهم مشاق الجوع والعطش والمتاعب في الأمرين أمورا غريبة وسنشير إلى يسير من كثير ذلك
حتى يعلم أن ما أشار إليه مولينا القاضي الشهيد موجود في كتبهم مصرح به . فمن ذلك
ما نقله المولى فخر الدين علي بن الحسين الكاشفي المشتهر بالصفي في كتاب (الرشحات)
ص 194 في ترجمة المولى شمس الدين محمد الروجي من أقطاب النقشبندية من أنه كان يأكل
ولا يشرب ثلاثة أيام بل أزيد وقد تكرر منه هذا العمل . ومن ذلك ما نقله في ترجمة
العارف الشيخ عبد الكبير اليمني في ص 198 قال ما لفظه : وقتي كه مولانا محمد عليه
الرحمة در مكة مباركة زادها الله شرفا وكرامة مجاور بودند حضرت شيخ (يعني الشيخ عبد
الكبير) ملازمت بسيار كرده اند مي فرمودند كه شيخ بغايت عالي (*) ص 173
(هامش)
مشرب وبزرگوار بودند ودر زمان خود قبله مشايخ حرم از بسيار مردم ثقه در آن ديار
استماع افتاد كه چون ايشان از جانب يمن بمكه آمدند مدت يكسال متصل هيچ طعام وشراب
نخوردند ونيشا ميدند واز طواف حرم نياراميدند ودر آن مدت يك سال از پاى نه نشستند
مگردر قعود تشهد ومن ذلك ما قال العارف السيد محمد مبارك شاه المشتهر بأمير خورد
الچشتي الكرماني الأصل الخواجوي في كتابه (سير الأولياء) في ترجمة قطب الدين بختيار
في ص 67 طبع دهلي : وسه روز چيزي نخورد سوم روز در وقت افطار مردي چند نان اورد شيخ
شيوخ العالم دانست كه از غيب است بدان افطار كرد الخ وقال أيضا بعد أسطر ما لفظه :
شيخ فرمود كه مسعود بعد سوم روز اطعام خمارى افطار كردى . وقال أيضا في ص 145 في حق
بعض العرفاء والمتصوفة مالفظه : كه چهل سالست نه طعام سير خورده است ونه آب سلطان
الخ وقال أيضا في ص 154 ما لفظه : از نقل سلطان المشايخ چهل روز طعام گذاشته بود
بوى طعام نمى كشيد گريه بحدى مستولى شده بود كه يك ساعت چشم مبارك از آب ديده نمى
ايستاد الخ . وقال أيضا في ص 241 في ترجمة بعض الصوفية ما لفظه : ازغايت مجاهده ده
روز چيزي نخورده بودم الخ . وقال أيضا في ص 265 في ترجمة بعض الصوفية ما محصله أن
جماعة منهم لم يأكلوا ولم يشربوا أياما الخ . ومن ذلك ما قاله العارف عبد الرحمن
الجامي في نفحات الأنس طبع نول كشور في بلدة لكهنو ص 45 في ترجمة العارف إبراهيم
الستيبئي الهروي ما لفظه : وچند روز در باديه هيچ نخورد وهيچ نياشاميد الخ . (*)
ص 174
تعالى في غيره : أن أبا يزيد البسطامي (1) ترك شرب الماء سنة تأديبا لنفسه ،
واستحسنه
(هامش)
وقال في ص 143 في ترجمة أبي العباس الارزيزي (الاززيني خ ل) ما لفظه شيخ الإسلام
گفت كه وى گفته كه ابو الحسين عبادانى گفته كه من بادرويشى ببصره آمديم شش روز بر
آمد چيزى نخورديم روز هفتم شخصى در آمد دو پارهه زر آورد يكى مرا داد ويكى يار مرا
الخ إلى غير ذلك من القضايا المنقولة عنهم فراجع كتب القوم كالكواكب الدرية للمناوي
وترياق المحبين للواسطي والسمط المجيد للقشاشي والاكسير للرفاعي والطرائق للشيرازي
وجامع الأولياء للگمشخانوى وطبقات الصوفية على اختلاف طرقهم وما نقلوه من
أربعيناتهم في الارتياض وأنت إذا دريت ما نقلناه عنهم علمت أنه لا وقع لاستبعاد
الناصب ما نقل عن حال أهل بيت الوحي والرحمة وإيثارهم الفقير واليتيم وابن السبيل
على أنفسهم فهل من منصف يقول لهذا المنكر كيف حكمت بصحة ما نقل عن الصوفية
النقشبندية أرباب طريقتك وتنكر ما اتفق الأعلام من الفريقين على صحته كيف وهم هم
قوم واغتذوا بلبان العصمة وتربوا في حجر الطهارة إن ذكر الكرم كانوا أوله وأصله
ومعدنه ومأواه مبدأه ومنتهاه وإن ذكرت العواطف كانوا مقدم كتيبتها الأجواد الأكارم
الغطارفة الميامين الذين سبقت عطاياهم مسألة السائلين لم يخب من سألهم ولم ييأس من
قصدهم ما قالوا لا إلا في تشهدهم فانظر أيها الرجل العنيد إلى صنيع مولانا أمير
المؤمنين عليه السلام بأيتام الكوفة وأراملها وكذا ما نقله الاثبات من العامة
والخاصة في حق بنيه الطاهرين ، سادات الورى ، فهل استبعادك إلا من نار عصبيتك
الموقدة في باطنك ؟ تراث النصاب الماضين ، أعادي آل الرسول ومبغضي قوم مودتهم أجر
للرسالة حشرك الله معهم ، وأذاقك ما أذاقهم ، اللهم أمتنا على ولاء العترة قرناء
كتابك الكريم واحينا واحشرنا عليها إنك الجواد الوهاب آمين آمين . (1) هو أبو يزيد
طپفور البسطامي وقد مرت ترجمته في (چ 1 ص 179) فنزيد هنا إنه (*)
ص 175
مع أن ذلك منهم تحمل ضرر من غير إيصال نفع منهم إلى الغير ثم ينكرون رياضة جوع أهل
البيت عليهم السلام وإيثارهم المسكين واليتيم والأسير على أنفسهم من غاية الجود
والكرم ، مع ثبوت الرواية هيهنا اتفاقا ، وثبوت أن السائل عنهم في الليالي الثلاث
إنما كان جبرئيل (ع) قد جاءهم امتحانا من الله تعالى ، ولنعم ما قال الحصكفي (1) في
الرد على الثالث في ذلك حيث أنشد : (شعر) قوم أتى في مدحهم هل أتى * ما شك في ذلك
إلا ملحد قوم لهم في كل أرض مشهد * لا بل لهم في كل قلب مشهد
(هامش)
من غرايب الفرية وعجائب الاختلاق في هذا الباب تعلم أبي يزيد هذا عن مولينا الإمام
أبي عبد الله الصادق . عليه السلام وخدمته له مع أن من المسلم لدى أهل التحقيق تأخر
ولادة أبي يزيد عن وفاة الإمام عليه السلام ، فمن ثم وقعوا في حيص بيص فمن العرفاء
من ذهب إلى تعدد أبي يزيد ولم يثبت وعلى الفرض فأبو يزيد الذي أخذ عنه الخرقاني هو
الذي ولد بعد وفاة الإمام فيبقى الاشكال على حاله كما لا يخفى . ومنهم كالكاشفي
التزم بتكلف عجيب يبعد صدوره عن مثله ، قال في الرشحات (ص 5 طبع نول كشور) ما لفظه
: وبنقل صحيح ثابت شده كه ولادت شيخ ابو يزيد نيز بعد از وفات حضرت امام صادق است
بس تربيت حضرت امام رضى الله عنه ايشان را بحسب روحانيت ومعنى بوده است نه بحسب
ظاهر وصورت الخ . ومما يضحك الثكلى إنه لم يكتف بذلك والتزم بهذه النساجة في حق أبي
يزيد بالنسبة إلى أبي القاسم الكركاني أيضا حيث رأى اتفاق أرباب التراجم على تأخر
ولادة الكركاني عن موت البسطامي . فبالله عليك أيها المصنف التابع لآل الرسول تأمل
في هذه النسيجات والألفاظ حق التأمل (1) هو الفقيه الأديب يحيى بن سلام (سلامة خ ل)
بن حسين بن محمد معين أبو الفضل (*)
ص 176
وأما ما توهمه : من منافاة قوله تعالى : ويسئلونك ماذا ينفقون قال العفو الآية لذلك
، فمدفوع بأن العفو كما فسر بما ذكره الناصب كذلك فسر بأفضل المال (1) وأطيبه ،
ويؤيده قوله تعالى : لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون (2) ، وما رواه من قوله
(ع) خير الصدقة ما يكون صنوا عفوا ، معارض لقوله (3) خير
(هامش)
الخطيب الحصكفي من أجلة عصره فقها وأدبا وخطابة ، وتلمذ عند العلامة الخطيب
التبريزي في بغداد ثم انتقل إلى (ميافارقين) وكان من وجوه على الشيعة وله قصائد في
مديح الأئمة عليهم السلام أشهرها القصيدة الدالية التي نقل مولينا القاضي الشهيد
بيتين منها هيهنا ، ولد في حدود سنة 460 في (طنزه) من ديار بكر وتوفي سنة 551 وقيل
553 في ميارقين ، يروي عنه العلامة السمعاني صاحب الأنساب جميع مسموعاته بالإجازة
وله ديوان شعر وكتاب في رسائله . فراجع (الريحانة ج 1 ص 329 طبع طهران وإلى ابن
خلكان والشذرات وغيرها) وبالجملة المترجم من الشعراء المجاهرين بحبهم عليهم السلام
، ومن شعره في التغزل على طريقه التوشيع عند علماء المعاني : أشكو إلى الله من
نارين واحدة * في وجنتيه وأخرى منه في كبدي ومن سقامين سقم قد أحل دمي * من الجفون
وسقم حل في جسدي ومن نمومين دمعي حين أذكره * يذيع سري وواش منه في الرصد ومن
ضعيفين صبري حين أذكره * ووده ويراه الناس طوع يدي (1) كما في تفسير ابن كثير
القرشي (ج 1 ص 256) حيث قال (وعن الربيع أيضا أفضل مالك وأطيبه) (2) آل عمران :
الآية 92 (3) رواه الحافظ السيوطي في الجامع الصغير (ج 1 ص 545 طبع مصر) عن ابن (*)
ص 177
الصدقة ما أبقت غنى ، ولو تنزلنا عن ذلك ، فنقول : إنما يلزم المنافات لو لم ينفق
عيال علي (ع) معه في الصدقة على ذلك الوجه ، وأما إذا أتى صاحب العيال مما وجب عليه
من النفقة وهم باختيارهم آثروا اليتيم والأسير والمسكين على أنفسهم بإعطاء كل واحد
منهم حصة قوتهم لهم ، فلا منافاة كما لا يخفى . قال المصنف رفع الله درجته
التاسعة عشر قوله تعالى : والذي جاء بالصدق وصدق به (1) 
روى الجمهور (2) عن مجاهد ، قال :
هو علي ابن أبي طالب (إنتهى)
(هامش)
عباس وذكر ذيلا للحديث وهو قوله (ص) واليد العليا خير من اليد السفلى وابدء بمن
تعول . (1) الزمر الآية 33 (2) رواها من أعلام القوم ونبلائهم جم غفير ورهط كثير
ونحن نسرد أساء بعضهم حسب ما اقتضاه المجال فنقول : (ومنهم) العلامة ابن المغازلي
في المناقب (كما في فلك النجاة ص 289) أخرج عن مجاهد في قوله تعالى : والذي جاء
بالصدق : رسول الله (ص) وصدق به : علي عليه السلام . (ومنهم) العلامة ابن عساكر
(كما في فلك النجاة ص 289) أخرج عن مجاهد في قوله تعالى : والذي جاء بالصدق : رسول
الله صلى الله عليه وآله وصدق به : علي (ع) (ومنهم) العلامة الگنجي في كفاية الطالب
(ص 109 ط الغري) أخبرنا القاضي العلامة أبو نصر محمد بن هبة الله الشيرازي ، أخبرنا
محدث الشام علي بن الحسن ، أخبرنا أبو البركات الأنماطي ، وأخبرنا محمد بن المظفر
الشامي ، أخبرنا أحمد ابن محمد العتيقي ، أخبرنا يوسف بن أحمد الصيدلاني ، حدثنا
محمد بن عمر والعقيلي ، قال حدثني محمد بن محمد الكوفي ، حدثنا محمد بن عمرو السوسي
، حدثنا نصر بن (*)
ص 178
مزاحم عن عمر بن سعيد عن ليث عن مجاهد في قوله عز وجل : والذي جاء بالصدق وصدق به
قال : الذي جاء بالصدق محمد ، والذي صدق به علي بن أبي طالب . ذكره ابن عساكر في
تاريخه ، ورواه عن جماعة من أهل التفسير بطرقه (ومنهم) العلامة أبو عبد الله محمد
بن أحمد الأنصاري القرطبي المتوفى سنة 671 ، روى عن مجاهد أن المراد بالذي جاء
بالصدق النبي وأن المراد بمن صدق به علي عليه السلام . فراجع تفسير (الجامع لأحكام
القرآن ج 15 ص 256 ط القاهرة 1357 ه) (ومنهم) العلامة الأديب الشهير بأبي حيان
الأندلسي المغربي المتوفى سنة 754 ، ورد في شأن نزول الآية الشريفة أنها نزلت في حق
علي بن أبي طالب (ع) بقوله : وقال أبو الأسود ومجاهد وجماعة : الذي صدق به هو علي
بن أبي طالب (ع) الخ البحر المحيط (ج 7 ص 428 ط مطبعة السعادة بمصر) (ومنهم)
العلامة السيوطي في (الدر المنثور) (ج 5 ص 328 ط مصر) أخرج ابن مردويه عن أبي هريرة
: والذي صدق ، قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وصدق به قال : علي بن أبي طالب
رضي الله عنه . (ومنهم) العلامة المير محمد صالح الكشفي الترمذي في مناقب مرتضوي (ص
51 ط بمبئي بمطبعة محمدي) نقل عن ابن مردويه عن مجاهد والمحدث الحنبلي عن الإمام
الباقر (ع) : والذي جاء بالصدق محمد وصدق به على . (ومنهم) العلامة الآلوسي (في روح
المعاني) (ج 24 ص 3 ط المنيرية بمصر) قال أبو الأسود ومجاهد وجماعة من أهل البيت
وغيرهم ، الذي صدق به هو علي كرم الله تعالى وجهه . وأخرجه ابن مردويه عن أبي هريرة
مرفوعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (*)
ص 179
قال الناصب خفضه الله أقول : جماهير أهل السنة على أن الآية نزلت في أبي بكر الصديق
، وإن صح نزولها في علي المرتضى ، فهو من فضائله ولا تدل على النص (إنتهى) . أقول
قد نقل صاحب كشف الغمة (1) الرواية التي ذكرها المصنف عن الحافظ أبي بكر (2) موسى
بن مردويه وروى الحافظ (3) أيضا عن أبي جعفر (ع) ، وأما نزول ذلك في شأن أبي بكر
كما ادعاه الناصب ، فهو شيئ قد تفرد به فخر الدين الرازي ، لمجرد ملاحظة مناسبة
التصديق المذكور في الآية لما وضع (4) أولياء أبي بكر من لقب الصديق عليه ، وهذا
دأب الرجل في تفسير كثير من الآيات كما لا يخفى على المتتبع البصير ، ولا ينبئك مثل
خيبر (5) ، ولو حاولوا إثبات وجود هذه الرواية في شيئ من كتب المتقدمين على الرازي
بلا استعمال كذب ومين ، لرجعوا بخفي حنين (6) ، ومن وقاحات الرازي إنه لم يكتف في
ذلك بالكذب على الله
(هامش)
(1) قد تقدم قبيل هذا نقل العلامة الآلوسي في روح المعاني عن ابن مردويه فراجع .
(2) قد مرت ترجمته في (ج 2 ص 215) (3) فراجع تفسير الآلوسي أيضا . (4) وذكروا في
تلقبه به وجها فراجع كلماتهم في سيرته وأحواله . (5) اقتباس من قوله تعالى في سورة
الفاطر الآية 14 (6) إشارة إلى مثل الشهير رجع بخفي حنين قال الميداني في المجمع (ص
171 طبع القاهرة) ما لفظه : قال أبو عبيدة أصله إن حنينا كان أسكافا من أهل الحيرة
فساومه أعرابي بخفين فاختلفا حتى أغضبه فأراد غيظ الأعرابي فلما ارتحل الأعرابي أخذ
حنين أحد خفيه وطرحه في الطريق ، ثم ألقى الآخر في موضع آخر فلما مر الأعرابي
بأحدهما (*)
ص 180
تعالى حتى وضع ذلك على لسان علي (ع) قاصدا به سد باب تجويز الناظرين كون ذلك وأراد
في علي (ع) ثم لدفع التهمة التي أغلبت على ظن الخائن الخائف ، نسب ذلك إلى المفسرين
على الاجمال ، ولكن الزكي الفطن لا يخفى عليه حقيقة الحال ، ويدل على عدم ورود
الرواية في شأن أبي بكر وعلى وصول الرواية الدالة على أن المراد بالآية هو علي (ع)
إلى الرازي ، ما ذكره بعد ذلك حيث قال : إن هذا يتناول أسبق الناس إلى التصديق
وأجمعوا على أن الأسبق الأفضل ، أما أبو بكر وأما علي لكن هذا اللفظ على أبي بكر
أولى ، لأن عليا (ع) كان في وقت البعث صغيرا ، فكان كالولد الصغير الذي يكون في
البيت ، ومعلوم أن إقدامه على التصديق لا يفيد لمزيدة قوة وشوكة في الإسلام ، فكان
حمل اللفظ على أبي بكر أولى (إنتهى) ووجه دلالته على ما ذكرنا من الأمرين : إنه لو
كان هناك رواية في شأن أبي بكر لما احتاج إلى تكلف الاستدلال ، ولا إلى ذكره عليا
(ع) فيه ولو على سبيل الاحتمال ، على أن الاستدلال المذكور كسائر تشكيكاته ظاهر
البطلان ، لأن درجة النبوة أعلى من مرتبة الإسلام وإذا جاز نبوة الصبي كان صحة
إيمانه أجوز ، وقد قال تعالى في شأن يحيى : وآتيناه الحكم صبيا (1) ، وقال حكاية عن
عيسى في صباه : إني عبد الله آتاني
(هامش)
قال ما أشبه هذا الخف بخف حنين ولو كان معه الآخر لأخذته ومضى فلما انتهى إلى الآخر
ندم على تركه الأول وقد كمن له حنين فلما مضى الأعرابي في طلب الأول وعمد حنين إلى
راحلته وما عليها فذهب بها وأقبل الأعرابي وليس معه إلا اليأس من الحاجة والرجوع
بالخيبة وقال ابن السكيت حنين كان رجلا شديدا ادعى إلى أسد بن هاشم بن عبد مناف ،
فأتى عبد المطلب وعليه خفان أحمران فقال : يا عم أنا أسد بن هاشم ، فقال عبد المطلب
لا وثياب ابن هاشم ما أعرف شمائل هاشم فيك ، فارجع ، فرجع فقالوا : رجع حنين بخفيه
فصار مثلا انتهى (1) مريم الآية 12 (*)
ص 181
الكتاب وجعلني نبيا (1) وقال في شأن يوسف (ع) في حال صباه عند إلقائه في غيابت الجب
: وأوحينا إليه اتنبئهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون (2) ، وقال سبحانه : ففهمناها
سليمان وكلا آتينا حكما وعلما (3) وكان عمره عندما جعل نبيا إحدى عشرة سنة (4) ،
وإذا جاز أن يكون الصبي صاحب النبوة والوحي جاز أن يكون صاحب الايمان بطريق أولى ،
وأيضا كما لا يقل لمن تولد مؤمنا وفي فطرة الإسلام : إنه آمن لأنه تولد عليه ، وكذا
في علي (ع) لأنه تولد في حضرة الرسول لم يعبد صنما قط (5) لكن أبو بكر قد عبد
الأصنام أزيد من أربعين سنة من عمره (6) ، فكان عليه الاتيان بالايمان بعد ما لم
يكن مؤمنا ، وأيضا عند أصحابنا أن
(هامش)
(1) مريم . الآية 30 (2) يوسف . الآية 15 (3) الأنبياء . الآية 79 (4) وأوضح من ذلك
نبوة سيدنا عيسى بن مريم عليه السلام ويحيى بن زكريا بنص القرآن الشريف ، والعجب من
مولانا القاضي لم يشر إليهما . ثم إن اتصاف سليمان بالنبوة في ذلك المبلغ من العمر
مما صرح به في كتب قصص الأنبياء وبعض التفاسير ، فللبحاثة النقاب أن يراجع إليها .
(5) هذا مما اتفقت عليه الفريقان وأجمعوا على أن أمير المؤمنين علي عليه السلام لم
يعبد الصنم قط ولذلك ترى الجمهور يعظمونه بلفظ كرم الله وجهه إشارة إلى تلك الفضيلة
، وصرحوا بذلك في الكتب ، فراجع شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد والينابيع للعلامة
القندوزي والحلية لأبي نعيم وكفاية الطالب للگنجي والرياض النضرة والذخائر للمحب
الطبري وغيرها وسيأتي ما يدل على ذلك إن شاء الله . (6) قال ابن عبد البر في كتاب
الاستيعاب (ج 2 ص 626 ط حيدر آباد) ما لفظه : أبو بكر الصديق هو عبد الله بن أبي
قحافة إلى أن قال : روى حبيب (*)
ص 182
عليا (ع) حين آمن بالنبي (ص) كان عمره خمسة عشر سنة ، (1) وقيل أربعة عشر ،
والروايتان قد جاءتا أيضا من طريق الخصم ، ذكر ذلك شارح (2) الطوالع عن أصحابه في
شرحه ، والعاقولي (3) في شرحه للمصابيح ، قال : روى الحسن البصري
(هامش)
ابن الشهيد عن ميمون بن مهران عن يزيد بن الأصم أن النبي (ص) قال لأبي بكر : من
أكبر أنا أو أنت ؟ فقال : بل أنت أكبر وأكرم وخير مني وأنا أسن منك الخ ولا ريب أن
النبي (ص) قد بعث بتبليغ الديانة المقدسة وعمره قد بلغ أربعين عاما ، وكان إسلام
أبي بكر بعد سنين مضافا إلى ما أفاده قده من عبادة أبي بكر الأصنام أزيد من أربعين
سنة (1) أورد العلامة الحافظ ابن عبد البر في (ج 2 ص 458 ط حيدر آباد) رواية تدل
على أن إسلام علي عليه السلام بعد بلوغه إلى خمسة عشر سنة قال ما لفظه : أخبرنا خلف
بن قاسم بن سهل قال : حدثنا أبو الحسن علي بن محمد بن إسماعيل الطوسي قال : حدثنا
أبو العباس محمد بن إسحاق بن إبراهيم السراج قال : حدثنا محمد بن مسعود قال : حدثنا
عبد الرزاق حدثنا معمر عن قتادة عن الحسن قال : أسلم علي وهو أول من أسلم وهو ابن
خمس أو ست عشر سنة . وأورد أيضا رواية أخرى بقوله : قال الحسن الحلواني وحدثنا عبد
الرزاق قال : حدثنا معمر عن قتادة عن الحسن قال : أسلم على رض وهو ابن خمس عشر سنة
وفي الرياض النظرة ج 3 ص 157 ما لفظه وعن الحسن أسلم علي وهو ابن خمسة عشر سنة أو
ستة عشر وقيل أربعة عشر الخ (2) قد مرت ترجمته في (ج 2 ص 9) (3) هو العلامة الشيخ
محمد بن محمد الواسطي البغدادي المدرس بالمدرسة المستنصرية وكان من أجلاء عصره في
الحديث والفقه ، له كتب منها كتاب شرح مصابيح السنة للبغوي وغيره من الآثار ،
والعاقولي نسبة إلى دير العاقول من أعمال بغداد ، توفي سنة 833 (*)
ص 183
أن عمره كان خمسة عشر سنة عند إسلامه ، وأما شارح الطوالع ، فروي أربعة عشر سنة هذا
على ما جاء في صحيح البخاري (1) ، وقد تجاوز البلوغ لأنه روى عن المغيرة (2) : أنه
قال : احتلمت وأنا ابن اثنتي عشرة سنة ، وأيضا
(هامش)
ثم قد يطلق العاقولي على خالد العاقولي وقد يطلق على ابنه علي بن خالد العاقولي وقد
يطلق على بعض علماء القرن العاشر من الحنفية وقد يطلق على الحافظ أبي يحيى عبد
الكريم بن الهيثم البغدادي القطان الذي جال وساح في طلب الحديث توفي سنة 278 كما في
تاريخ الخطيب ولكن المراد به هنا الأول فلا تغفل . (1) في (صحيح البخاري) (ج 3 ص
177) في باب بلوغ الصبيان حيث قال بعد قوله تعالى وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم
فليستأذنوا ما لفظ : قال مغيرة : احتلمت وأنا ابن ثنتي عشر سنة (إنتهى) . وقال
الحافظ ابن حجر العسقلاني في (فتح الباري) (ج 5 ص 311) ما لفظه في مقام الشرح : جاء
مثله عن عمرو بن العاص فإنه ذكروا إنه لم يكن بينه وبين عبد الله بن عمرو في السن
سوى اثنتا عشرة سنة انتهى . (2) المراد به مغيرة بن مقسم الظبي الفقيه الأعمى
الكوفي كما أفاده العلامة أبو العباس شهاب الدين أحمد بن محمد بن أبي بكر القسطلاني
الشافعي المصري المتوفى سنة 923 في كتابه (إرشاد الساري في شرح البخاري ج 4 ص 484
طبع القاهرة) وقال الخزرجي في الخلاصة (ص 330 طبع القاهرة) ما لفظه : المغيرة بن
مقسم الضبي مولاهم أبو هشام الكوفي الأعمى الفقيه عن إبراهيم (أي النخعي) والشعبي
وجماعة وعنه شعبة والثوري وزائدة وخلق إلى أن قال : وثقه عبد الملك بن أبي سليمان
والعجلي وابن معين قال أحمد توفي سنة 133 انتهى . وقال العلامة الشيخ شمس الدين
محمد بن يوسف بن علي بن محمد بن سعيد الكرماني المشتهر بشمس الأئمة المتوفى سنة 786
في كتابه (الكواكب الدراري شرح البخاري (*)
ص 184
فقد رووا (1) : إن النبي (ص) دعاه إلى الإسلام وهو لا يدعو إلى الإسلام إلا من يصح
منه ذلك ، كما قاله المأمون حين ناظر أبا العتاهية (2)
(هامش)
ج 10 ص 194 طبع
القاهرة) إن المغيرة بضم الميم وكسرها باللام ودونها ابن مقسم بكسر الميم الخ وذكر
علامة الشيخ بدر الدين أبو محمد محمود بن أحمد العيني المتوفى سنة 855 في كتابه
(عمدة القاري في شرح البخاري ج 13 ص 240) مثل كلام ابن حجر في فتح الباري وإن ابن
العاص كان كالمغيرة فراجع . (1) كما سيأتي نقله في مناظرة المأمون مع الفقهاء عن
قريب (2) وممن نقل نظير تلك المناظرة أو هي بعينها العلامة المحدث شهاب الدين أحمد
بن محمد القرطبي الأندلسي المرواني النسب المالكي المذهب المتوفى سنة 328 في كتابه
(العقد الفريد) (ج 3 ص 31 طبع المطبعة الشرفية سنة 1316) فيا لها من مناظرة لطيفة
قل نظيرها وندر مثيلها وحيث كانت محتوية على مطالب شامخة ومسائل غزيرة نقلناها
برمتها قال : احتجاج المأمون على الفقهاء في فضل علي (ع) وخلافته إسحاق بن إبراهيم
بن إسماعيل بن حماد بن زيد قال : بعث إلى يحيى بن أكثم وإلى عدة من أصحابي وهو
يومئذ قاضي القضاة فقال : إن أمير المؤمنين أمرني أن أحضر معي غدا مع الفجر أربعين
رجلا كلهم فقيه يفقه ما يقال له ويحسن الجواب فسموا من تظنونه يصلح لما يطلب أمير
المؤمنين ، فسمينا له عدة وذكر هو عدة حتى تم العدد الذي أراد ، وكتب تسمية القوم
وأمر بالبكور في السحر وبعث إلى من لم يحضر فأمره بذلك ، فغدونا عليه قبل طلوع
الفجر فوجدناه قد لبس ثيابه وهو جالس ينتظرنا ، فركب وركبنا معه حتى صرنا إلى الباب
، فإذا بخادم واقف فلما نظر إلينا قال : يا أبا محمد أمير المؤمنين (*)
ص 185
(هامش)
= ينتظرك فأدخلنا فأمرنا بالصلاة فأخذنا فيها فلم نستتمها حتى خرج الرسول فقال
ادخلوا فدخلنا فإذا أمير المؤمنين جالس على فراشه وعليه سواده وطيلسانه والطويلة
وعمامته فوقفنا وسلمنا فرد السلام وآمر لنا بالجلوس فلما استقربنا المجلس تحدر عن
فراشه ونزع عمامته وطيلسانه ووضع قلنسوته ثم أقبل علينا ، فقال إنما فعلت ما رأيتم
لتفعلوا مثل ذلك وأما الخف فمنع من خلعه من قد عرفها منكم فقد عرفها ومن لم يعرفها
فأعرفه بها ومد رجله قال و : انزعوا قلانسكم وخفافكم وطيالستكم ، قال : فأمسكنا ،
فقال لنا يحيى : انتهوا إلى ما أمركم به أمير المؤمنين فتنحينا فنزعنا أخفافنا
وطيالستنا وقلانسنا ورجعنا ، فلما استقر بنا المجلس قال : إنما بعثت إليكم معشر
القوم في المناظرة فمن كان به شيء من الخبثين لم ينتفع بنفسه ولم يفقه ما يقول ،
فمن أراد منكم الخلاء فهناك وأشار بيده فدعونا له ، ثم ألقى مسألة من الفقه فقال :
يا أبا محمد : قل وليقل القوم من بعدك ، فأجابه يحيى ثم الذي يلي يحيى ثم الذي يليه
حتى أجاب آخرنا في العلة وعلة العلة وهو مطرق لا يتكلم حتى إذا انقطع الكلام التفت
إلى يحيى فقال : يا أبا محمد أصبت الجواب وتركت الصواب في العلة ثم لم يزل يرد على
كل واحد منا مقالته ويخطئ بعضنا وصوب بعضنا حتى أتى على آخرنا ، ثم قال : إني لم
أبعث فيكم لهذا ولكنني أحببت أن أبسطكم أن أمير المؤمنين أراد مناظرتكم في مذهبه
الذي هو عليه والذي يدين الله به ، قلنا ، فليفعل أمير المؤمنين وفقه الله ، فقال
إن أمير المؤمنين بدين الله على أن علي بن أبي طالب خير خلفاء الله بعد رسوله (ص)
وأولى الناس بالخلافة له قال إسحاق فقلت يا أمير المؤمنين إن فينا من لا يعرف ما
ذكر أمير المؤمنين في علي وقد دعانا أمير المؤمنين للمناظرة ، فقال يا إسحاق : اختر
إن شئت سئلتك أسألك وإن شئت أن تسأل فقل ، قال إسحاق فاغتنمتها منه فقلت بل أسألك
يا أمير المؤمنين ، قال سل ، قلت : من أين ؟ قال أمير المؤمنين : إن علي بن أبي
طالب أفضل الناس بعد رسول الله وأحقهم بالخلافة بعده ، قال يا إسحاق خبرني عن الناس
(*)
ص 186
(هامش)
بم يتفاضلون حتى يقال : فلان أفضل من فلان ، قلت : بالأعمال الصالحة قال : صدقت قال
فأخبرني عمن فضل صاحبه على عهد رسول الله (ص) ثم إن المفضول عمل بعد وفاة رسول الله
بأفضل من عمل الفاضل على عهد رسول الله أيلحق به ؟ قال : فأطرقت فقال لي يا إسحاق
لا تقل نعم فإنك إن قلت نعم أوجدتك في دهرنا هذا من هو أكثر منه جهادا حجا وصياما
وصلاة وصدقة فقلت : أجل يا أمير المؤمنين لا يلحق المفضول على عهد رسول الله (ص)
الفاضل أبدا ، قال يا إسحاق فانظر ما رواه لك أصحابك ومن أخذت عنهم دينك وجعلتهم
قدوتك من فضائل علي بن أبي طالب فقس عليهما ما آتوك به من فضائل أبي بكر فأن رأيت
فضائل أبي بكر تشاكل فضائل علي فقل إنه أفضل منه لا ولله ولكن فقس إلى فضائله ما
روى لك من فضائل أبي بكر وعمر فإن وجدت لهما من الفضائل ما لعلي وحده فقل إنهما
أفضل منه لا والله ، ولكن قس إلى فضائله فضائل أبي بكر وعمر عثمان فإن وجدتها مثل
على فقل إنهم أفضل منه لا والله ولكن قس بفضائل العشرة الذين شهد لهم رسول الله صلى
الله عليه وسلم بالجنة فإن وجدتها تشاكل فضائله فقل إنهم أفضل منه ، قال يا إسحاق
أي الأعمال كانت أفضل يوم بعث الله رسوله قلت : الاخلاص بالشهادة ، قال أليس السبق
إلى الإسلام ؟ قلت : نعم قال : إقرأ ذلك في كتاب الله تعالى يقول : السابقون
السابقون أولئك المقربون إنما عني من سبق إلى الإسلام فهل علمت أحدا أسبق عليا إلى
الإسلام ؟ قلت يا أمير المؤمنين : إن عليا أسلم وهو حديث السن لا يجوز عليه الحكم
وأبو بكر أسلم وهو مستكمل يجوز عليه الحكم . قال : أخبرني أيهما أسلم قبل ثم أناظرك
من بعده في الحداثة والكمال ، قلت علي أسلم قبل أبي بكر على هذه الشريطة ، فقال نعم
فأخبرني عن إسلام علي حين أسلم لا يخلو من أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم
دعاه إلى الاسلام أو يكون إلهاما من الله ، قال : فأطرقت فقال لي يا إسحاق لا تقل
إلهاما فتقدمه على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لأن رسول الله الإسلام حتى أتاه
جبرئيل (*)
ص 187
(هامش)
عن الله تعالى ، قلت : أجل بل دعاه رسول الله إلى الإسلام قال يا إسحاق فهل يخلو
رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دعاه إلى الإسلام من أن يكون دعاه بأمر الله أو
تكلف ذلك من نفسه ؟ قال فأطرقت ، فقال يا إسحاق لا تنسب رسول الله إلى التكلف فإن
الله يقول : وما أنا من المتكلفين ، قلت : أجل يا أمير المؤمنين بل دعاه بأمر الله
، قال : فهل من صفة الجبار جل ذكره أن يكلف رسله دعاء من لا يجوز عليه حكم ؟ قلت
أعوذ بالله ، فقال : افتراه في قياس قولك يا إسحاق إن عليا أسلم صبيا لا يجوز عليه
الحكم قد كلف رسول الله صلى الله عليه وسلم من دعاء الصبيان ما لا يطيقون ، فهل
يدعوهم الساعة ويرتدون بعد ساعة فلا يجب عليهم في ارتدادهم شيئ ولا يجوز عليه حكم
الرسول عليه السلام ، أترى هذا جائزا عندك أن تنسبه إلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم ؟ قلت : أعوذ بالله قال : يا إسحاق : فأراك إنما قصدت لفضيلة فضل بها رسول
الله صلى الله عليه وسلم عليا على هذا الخلق أبانه بها منهم ليعرفوا فضله ، ولو كان
الله أمره بدعاء الصبيان لدعاهم كما دعا عليا ، قلت : بلى قال : فهل بلغك إن الرسول
صلى الله عليه وسلم دعا أحدا من الصبيان من أهله وقربته لئلا تقول : إن عليا ابن
عمه ، قلت لا أعلم ولا أدري فعل أو لم يفعل قال : يا إسحاق : أرأيت ما لم تدره ولم
تعلمه هل تسأل عنه ؟ قلت لا ، قال : فدع ما قد وضعه الله عنا وعنك ، قال : ثم أي
الأعمال كانت أفضل بعد السبق إلى الإسلام ؟ قلت : الجهاد في سبيل الله ، قال : صدقت
، فهل تجد لأحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تجد لعلي في الجهاد ؟ قلت
في أي وقت ؟ قال في أي الأوقات شئت ، قلت : بدر ، قال : لا أريد غيرها ، فهل تجد
لأحد إلا دون ما تجد لعلي يوم بدر ، أخبرني كم قتلى بدر ؟ قلت : نيف وستون رجلا من
المشركين قال : فكم قتل علي وحده ؟ قلت لا أدري ؟ قال : ثلاثة وعشرين أو اثنين
وعشرين والأربعون لسائر الناس ، قلت يا أمير المؤمنين كان أبو بكر مع رسول الله صلى
الله عليه وسلم في عريشه ، قال يصنع ماذا ؟ قلت : يدبر ، قال : ويحك يدبر دون رسول
الله أو (*)
ص 188
(هامش)
معه شريكا أم افتقارا من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رأيه ، أي الثلاث أحب
إليك ؟ قلت : أعوذ بالله أن يدبر أبو بكر دون رسول الله صلى الله عليه وسلم أو يكون
معه شريكا ، أو أن يكون برسول الله صلى الله عليه وسلم افتقار إلى رأيه ، قال : فما
الفضيلة بالعريش إذا كان الأمر كذلك ، أليس من ضرب بسيفه بين يدي رسول الله أفضل
ممن هو جالس ؟ قلت ، يا أمير المؤمنين كل الجيش كان مجاهدا ، قال صدقت ، كل مجاهد
ولكن الضارب بالسيف المحامي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن الجالس أفضل من
الجالس ، أما قرأت كتاب الله : لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر
والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على
القاعدين درجة وكلا وعد الله الحسنى وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما .
قلت : وكان أبو بكر وعمر مجاهدين ، قال فهل كان لأبي بكر وعمر فضل على من لم يشهد
ذلك المشهد ؟ قلت : نعم ، قال : فكذلك سبق الباذل نفسه فضل أبي بكر وعمر ، قلت :
أجل ، قال يا إسحاق هل تقرء القرآن ؟ قلت نعم ، قال : أقرء على هل أتى على الانسان
حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا ، فقرأت منها حتى بلغت يشربون من كأس كان مزاجها
كافورا إلى قوله : ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا ، قال على رسلك
فيمن أنزلت هذا الآيات ؟ قلت في علي ، قال : فهل بلغك أن عليا حين أطعم المسكين
واليتيم والأسير قال : إنما نطعمكم لوجه الله ، وهل سمعت الله وصف في كتابه أحدا
بمثل ما وصف به عليا ؟ قلت : لا قال : صدقت ، لأن الله جل ثناؤه عرف سيرته ، يا
إسحاق ألست تشهد أن العشرة في الجنة ؟ قلت : بلى يا أمير المؤمنين ، قال : أرأيت لو
أن رجلا قال : والله ما أدري هذا الحديث صحيح أم لا ولا أدري إن كان رسول الله قاله
أم لم يقله أكان عندك كافرا ؟ قلت : أعوذ بالله ، قال أرأيت لو أنه قال : ما أدري
هذه السورة من كتاب الله أم لا كان كافرا ؟ قلت : نعم قال : يا إسحاق أرى بينهما
فرقا يا إسحاق (*)
ص 189
(هامش)
أتروي الحديث ؟ قلت : نعم ، قال : فهل تعرف حديث الطير ؟ قلت : نعم ، قال : فحدثني
به ، قال : فحدثته الحديث ، فقال : يا إسحاق إني كنت أكلمك وأنا أظنك غير معاند
للحق فأما الآن فقد بان لي عنادك إنك توقن أن هذا الحديث صحيح ؟ قلت : نعم رواه من
لا يمكنني رده ، قال : أفرأيت إن من أيقن أن هذا الحديث صحيح ؟ ثم زعم أن أحدا أفضل
من علي لا يخلو من إحدى ثلاثة : من أن يكون دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم عنده
مردودة عليه ، أو أن يقول : عرف الفاضل من خلقه ، وكان المفضول أحب إليه ، أو أن
يقول : إن الله عز وجل لم يعرف الفاضل من المفضول ، فأي الثلاثة أحب إليك أن تقول ؟
فأطرقت ، ثم قال : يا إسحاق لا تقل منها شيئا فإنك إن قلت منها شيئا استتبتك ، وإن
كان للحديث عندك تأويل غير هذا الثلاثة الأوجه فقله ، قلت : لا أعلم ، وأن لأبي بكر
فضلا قال : أجل ، لولا أن له فضلا لما قيل إن عليا أفضل منه فما فضله الذي قصدت له
الساعة ؟ قلت قول الله عز وجل : ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن
إن الله معنا فنسبه إلى صحبته ، قال يا إسحاق أما إني لا أحملك على الوعر من طريقك
إني وجدت الله تعالى نسب إلى صحبة من رضيه ورضي عنه كافرا وهو قوله : فقال له صاحبه
وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا لكنا هو الله ربي ولا
أشرك بربي أحدا قلت : إن ذلك صاحبا كان كافرا وأبو بكر مؤمن ، قال فإذا جاز أن ينسب
إلى صحبة من رضيه كافرا جاز أن ينسب إلى صحبة نبيه مؤمنا وليس بأفضل المؤمنين ولا
الثاني ولا الثالث ، قلت يا أمير المؤمنين : إن قدر الآية عظيم إن الله يقول : ثاني
اثنين إذ هما في الغار يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا قال : يا إسحاق تأبى الآن
إلا أن أخرجك إلى الاستقصاء عليك ، أخبرني عن حزن أبي بكر أكان رضا أم سخطا ؟ قلت :
إن أبا بكر إنما حزن من أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم خوفا عليه وغما أن يصل
إلى رسول الله شيئ من المكروه قال : ليس هذا جوابي ، إنما كان جوابي أن تقول رضى أم
سخط ؟ قلت : بل كان رضا لله : ، قال : (*)
ص 190
(هامش)
فكان الله جل ذكره بعث رسولا ينهى عن رضا الله عز وجل وعن طاعته ، قلت : أعوذ بالله
قال : أوليس قد زعمت أن حزن أبي بكر رضا الله ، قلت : بلى قال : أو لم تجد أن
القرآن يشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا تحزن نهيا له عن الحزن قلت :
أعوذ بالله قال : يا إسحاق إن مذهبي الرفق بك لعل الله يردك إلى الحق ويعدل بك عن
الباطل لكثرة ما تستعيذ به ، وحدثني عن قول الله فأنزل الله سكينته عليه من عني
بذلك رسول الله أم أبا بكر ؟ قلت : بل رسول الله قال : صدقت : فحدثني عن قول الله
عز وجل : ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم إلى قوله : ثم أنزل الله سكينته على رسوله
وعلى المؤمنين ، أتعلم من المؤمنين الذين أراد الله في هذا الموضع ؟ قلت : لا أدري
يا أمير المؤمنين ، قال : الناس جميعا انهزموا يوم حنين فلم يبق مع رسول الله صلى
الله عليه وسلم إلا سبعة نفر من بني هاشم : علي يضرب بسيفه بين يدي رسول الله
والعباس آخذ بلجام بغلة رسول الله والخمسة محدقون به خوفا من أن يناله من جراح
القوم شيئ حتى أعطى الله لرسوله الظفر فالمؤمنون في هذا الموضع على خاصة ثم من حضره
من بني هاشم قال : فمن أفضل من كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك الوقت
أم من انهزم عنه ولم يره الله موضعا لينزلها عليه ؟ قلت : بل من أنزلت عليه السكينة
، قال : يا إسحاق من أفضل من كان معه في الغار أم من نام على فراشه ووقاه بنفسه حتى
تم لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما أراد من الهجرة ؟ إن الله تبارك وتعالى أمر
رسوله أن يأمر عليا بالنوم على فراشه وأن يقي رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه
فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فبكى علي رضي الله عنه فقال له رسول الله
صلى الله عليه وسلم : ما يبكيك يا علي ؟ أجزعا من الموت ، قال : لا ، والذي بعثك
بالحق يا رسول الله ولكن خوفا عليك أفتسلم يا رسول الله ؟ قال : نعم ، قال : سمعا
وطاعة وطيبة نفسي بالفداء لك يا رسول الله ، ثم أتى مضجعه واضطجع وتسجى بثوبه وجاء
المشركون من قريش فحفوا به لا يشكون أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد (*)
ص 191
(هامش)
أجمعوا أن يضربه من كل بطن من بطون قريش رجل ضربة بالسيف لئلا يطلب الهاشميون من
البطون بطنا بدمه وعلي يسمع ما القوم فيه من اتلاف نفسه ولم يدعه ذلك إلى الجزع كما
جزع صاحبه في الغار ولم يزل علي صابرا محتسبا ، فبعث الله ملائكته فمنعته من مشركي
قريش حتى أصبح ، فلما أصبح قال فنظر القوم إليه فقالوا : أين محمد ؟ قال : وما علمي
بمحمد أين هو ؟ قالوا : فلا نراك إلا مغررا بنفسك منذ ليلتنا ، فلم يزل على أفضل ما
بدأ به يزيد ولا ينقص حتى قبضه الله إليه ، يا إسحاق هل تروي حديث الولاية ؟ قلت :
نعم يا أمير المؤمنين ، قال : إروه ، ففعلت ، قال : يا إسحاق أرأيت هذا الحديث هل
أوجب على أبي بكر وعمر ما لم يوجب لهما عليه ؟ قلت : إن الناس ذكروا أن الحديث إنما
كان بسبب زيد بن حارثة لشيئ جرى بينه وبين علي وأنكر ولاء علي فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم : من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من ولاه وعاد من عاداه قال :
في أي موضع قال هذا أليس بعد منصرفه من حجة الوداع ؟ قلت : أجل ، قال : فإن قتل زيد
بن حارثة قبل الغدير كيف رضيت لنفسك بهذا ؟ أخبرني لو رأيت ابنا لك قد أتت عليه خمس
عشرة سنة يقول مولاي مولى ابن عمي أيها الناس فاعلموا ذلك أكنت منكرا ذلك عليه
تعريفه الناس ما لا ينكرون ولا يجهلون ؟ قلت : اللهم نعم ، قال : يا إسحاق أفتنزه
ابنك عما لا تنزه عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحكم لا تجعلوا فقهاءكم
أربابكم إن الله جل ذكره قال في كتابه : اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون
الله ، ولم يصلوا لهم ولا صاموا ولا زعموا أنهم أرباب ولكن أمروهم فأطاعوا أمرهم ،
يا إسحاق تروي حديث : أنت مني بمنزلة هارون من موسى ، قلت : نعم يا أمير المؤمنين
قد سمعته وسمعت من صححه وجحده ، قال : فمن أوثق عندك من سمعت منه فصححه أو من جحده
؟ قلت : من صححه قال : فهل يمكن أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم مزح بهذا القول
؟ قلت أعوذ بالله ، قال : فقال قولا لا معنى له فلا يوقف عليه ؟ قلت : أعوذ بالله
قال : أفما تعلم أن هارون كان أخا (*)
ص 192
(هامش)
موسى لأبيه وأمه ؟ قلت بلى ، فعلي أخو رسول الله لأبيه وأمه ؟ قلت : لا قال : أوليس
هارون نبيا وعلي غير نبي ؟ قلت : بلى ، قال : فهذان الحالان معدومان في علي وقد
كانا في هارون ، فما معنى قوله : أنت مني بمنزلة هارون من موسى ؟ قلت له : إنما
أراد أن يطيب بذلك نفس علي لما قال المنافقون إنه خلفه استثقالا له قال : فأراد أن
يطيب نفسه بقول لا معنى له قال : فأطرقت قال : يا إسحاق له معنى في كتاب الله بين
قلت : وما هو يا أمير المؤمنين ؟ قال : قوله عز وجل حكاية عن موسى : أنه قال لأخيه
هارون أخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين قلت : يا أمير المؤمنين ؟ إن
موسى خلف هارون في قومه وهو حي ومضى إلى ربه وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم خلف
عليا كذلك حين خرج إلى غزاته قال : كلا ليس كما قلت أخبرني عن موسى حين خلف هارون
هل كان معه حين ذهب إلى ربه أحد من أصحابه أو أحد من بني إسرائيل ؟ قلت : لا ، قال
: أوليس استخلفه على جماعتهم ؟ قلت : نم ، قال فاخبرني عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم حين خرج إلى غزاته هل خلف إلا الضعفاء والنساء والصبيان فأنى يكون مثل ذلك وله
عندي تأويل آخر من كتاب الله يدل على استخلافه إياه لا يقدر أحد أن يحتج فيه ولا
أعلم أحدا احتج به وأرجو أن يكون توفيقا من الله ، قلت : وما هو يا أمير المؤمنين ؟
قال : قوله عز وجل حين حكى عن موسى قوله واجعل لي وزيرا من أهلي هارون أخي أشدد به
أزري وأشركه في أمري كي نسبحك كثيرا ونذكرك كثيرا إنك أكنت بنا بصيرا ، فأنت مني يا
علي بمنزلة هارون من موسى وزيري من أهلي وأخي شد الله به أزري وأشركه في أمري كي
نسبح الله كثيرا ونذكره كثيرا فهل يقدر أحد أن يدخل في هذا شيئا غير هذا ولم يكن
ليبطل قول النبي صلى الله عليه وسلم وأن يكون لا معنى له ؟ قال فطال المجلس وارتفع
النهار ، فقال يحيى بن أكثم القاضي يا أمير المؤمنين قد أوضحت الحق لمن أراد الله
به الخير واثبت ما لا يقدر (*)
ص 193
وأيضا قد صح أنه كتب إلى معاوية أبياتا (1) من جملتها قوله (ع) شعر سبقتكم إلى
الإسلام طرا * غلاما ما بلغت أوان حلمي ولم ينكر عليه معاوية مع عداوته وتعنته ،
فكيف يزيد (2) عليه الرازي ، وهو من جماعته في ذلك ، وأيضا مرجع الإسلام إلى
التصديق بما جاء به النبي (ص) وأنه رسول الله (ص) وذلك من التكاليف العقلية ومعلوم
أن التكليف بالعقليات إنما يتوقف على كمال العقل وإن كان الرجل ابن خمس سنين ، أو
خمسين سنة ، وعلي (ع) قد كان كمل عقله حين أسلم والبلوغ إنما هو شرط في التكاليف
الشرعية الفرعية ، على أنه لا يمتنع أن يكون من خصايصه لو كان صبيا صحه إسلامه
صغيرا ، كما أنه يطالع اللوح المحفوظ في حال رضاعه على ما سبقت الإشارة إليه (3) من
كلام
(هامش)
أحد أن يدفعه قال إسحاق فأقبل علينا وقال ما تقولون ؟ فقلنا : كلنا نقول بقول أمير
المؤمنين أعزه الله ، فقال والله لولا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اقبلوا
القول من الناس ، ما كنت لأقبل منكم القول اللهم قد نصحت لهم القول اللهم إني قد
أخرجت الأمر من عنقي اللهم إني أدينك بالتقرب إليك بحب علي وولايته (1) أورد تلك
الأبيات العلامة سبط ابن الجوزي البغدادي في كتاب (التذكرة) ص 62 ط طهران) وكذا
العلامة المتقي الشيخ علي الهندي في منتخب كنز العمال المطبوع بهامش مسند ابن حنبل
(ج 5 ص 40 طبع مصر) رواها عن أي عبيدة فراجع (2) فيه إيهام التناسب مع ذكر معاوية
كما لا يخفى على الظريف الفطن . (3) قد سبق ذلك منه (قده) في أوائل الإمامة
المذكورة في (المجلد الثاني من هذا الطبع ص 312) وأما نفس الرواية التي ذكرها هناك
من حديث الصدقة فهي مذكورة في (فتح الباري) (ج 3 ص 276 وفي ص 139 ج 6 طبع مصر) (*)
ص 194
ابن حجر العسقلاني في فتح الباري في شرح البخاري ، وبالجملة يجوز اختصاصه (ع) بمزيد
فضيلة في الخلقة أو جبت حصول البلوغ الشرعي قبل العدد ، وما ذاك بعجب منه (ع) ،
فإنه مظهر العجايب ومنبع الغرائب . قال المصنف رفع الله درجته
العشرون قوله تعالى :
هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين (1) 
عن أبي هريرة (2)
(هامش)
(1) الأنفال . الآية 26 . (2) رواه عدة من أعلام القوم ونحن نسرد أسماء بعضهم فنقول
: (ومنهم) العلامة الگنجي الشافعي في (كفاية الطالب) (ص 110 ط الغري) أخبرنا أبو
محمد عبد العزيز بن محمد بن الحسين الصالحي بجامع دمشق ، أخبرنا أبو القاسم الحافظ
الدمشقي ، أخبرنا أبو الحسن علي بن المسلم الشافعي ، أخبرنا أبو القاسم بن العلا
وأبو بكر محمد بن عمر بن سليمان العريني النصيبي ، حدثنا أبو بكر أحمد بن يوسف ابن
خلاد ، حدثنا أبو عبد الله الحسين بن إسماعيل المهري ، حدثنا عباس بن بكار ، حدثنا
خالد بن أبي عمر الأسدي عن الكلبي عن أبي صالح عن أبي هريرة قال : مكتوب على العرش
: لا إله إلا الله وحدي ، لا شريك لي ومحمد عبدي ورسولي أيدته بعلي وذلك قوله عز
وجل في كتابه الكريم : هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين ، على وحده . ذكره ابن جرير
في تفسيره وابن عساكر في تاريخه في ترجمة علي عليه السلام . (ومنهم) العلامة
السيوطي في (الدر المنثور) (ج 3 ص 199 ط مصر) أخرج ابن عساكر عن أبي هريرة قال :
مكتوب على العرش : لا إله إلا أنا وحدي لا شريك لي محمد عبدي ورسولي أيدته بعلي ،
وذلك قوله : هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين (ومنهم) العلامة الشيخ سليمان القندوزي
في ينابيع المودة (ص 94 ط اسلامبول) (*)
ص 195
قال : مكتوب على العرش لا إله إلا الله وحده لا شريك له محمد عبدي ورسولي أيدته
بعلي بن أبي طالب (ع) (إنتهى) . قال الناصب خفضه الله أقول : جاء هذا في روايات أهل
السنة ، ولا شك أن عليا من أفاضل المؤمنين ومن خلفائهم وأئمتهم ، ولما كان رسول
الله (ص) مؤيدا بالمؤمنين كان تأييده بعلي من باب الأولى ، ولكن لا يدل على النص
المدعى . أقول لا يخفى ما في كلام الناصب من التمويه ، وذلك لأن كلام المصنف ليس في
مجرد التأييد الذي يشترك فيه سائر المؤمنين على ما توهمه الناصب ، بل في كتابة اسمه
(ع) بوصف تأيده للنبي (ص) على العرش الأعظم في أزل الآزال ، وهذا يدل على الأفضلية
التي هي من جملة مدعيات المصنف كما مر مرارا ، على أن ما اعترف به من كونه (ع) أولى
من جميع المؤمنين بتأييده للنبي (ص) كاف في ثبوت المدعى أيضا كما لا يخفى .
(هامش)
روى أبو نعيم الحافظ بسنده عن أبي هريرة عن أبي صالح عن ابن عباس عن جعفر الصادق
رضي الله عنه في قوله تعالى هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين ، قالوا نزلت في علي ،
وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : رأيت مكتوبا على العرش : لا إله إلا الله
وحده لا شريك له محمد عبدي ورسولي أيدته ونصرته بعلي بن أبي طالب . وروى عن أنس بن
مالك نحوه . وروى في كتاب الشفا : روى ابن قانع القاضي عن أبي الحمراء قال : قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم : لما أسري بي إلى السماء إذا على العرش مكتوب : لا
إله إلا الله محمد رسول الله أيدته بعلي (*)
ص 196
قال المصنف رفع الله درجته
الحادية والعشرون قوله تعالى : يا أيها النبي حسبك الله
ومن اتبعك من المؤمنين (1) 
روى الجمهور (2) أنها نزلت في علي (ع) (إنتهى) . قال
الناصب خفضه الله أقول : ظاهر الآية أنها نزلت في كافة المؤمنين ، ولو صح نزوله في
علي (ع) يكون من فضائله ، ولا دلالة لها على النص المدعى (إنتهى) . أقول ظهور ما
ذكره ممنوع ، إذ لو كان مراده تعالى كافة المؤمنين يقال : حسبك الله والمؤمنون ،
فلما قيد بمن اتبعه منهم دل على إرادة التخصيص ، وأما صحة الحديث فكفى فيه كونه
مرويا عن طريق أهل السنة ، وقد ذكرها صاحب كشف الغمة (3) عن كتاب عز الدين (4) عبد
الرازق المحدث الحنبلي ، وأما وجه الدلالة على
(هامش)
(1) الأنفال . الآية 64 . (2 ) رواه العلامة المير محمد صالح الكشفي الترمذي في
(مناقب مرتضوي) (ص 54 ط بمبئي بمطبعة محمدي) نقل عن المحدث الحنبلي اتفاق المفسيرين
على أن من اتبعك علي بن أبي طالب عليه السلام . (3) ذكره في (ص 92 ط طهران) وترجمة
الإربلي قد مرت في (ج 1 ص 21) (4) هو العلامة الشيخ أبو محمد عز الدين عبد الرزاق
بن رزق الله بن أبي بكر بن خلف بن أبي الهيجا الرسعني الفقيه المحدث المفسر ، ولد
(سنة 589) برأس عين الخابور ، سمع عن أبي المجد القزويني وعبد العزيز بن منينا وأبي
اليمن الكندي وابن الحرستاني والخضر ابن كامل والشيخ موفق الدين وأبي الفتوح ابن
الجلاجلي والداهري وعمر بن كرم والافتخار الهاشمي ، ولي مشيخة دار الحديث بالموصل ،
وكانت له حرمة وافرة عند (*)
ص 197
المدعى فهو أن الله تعالى لما حصر كفاية الشر عن النبي (ص) في جنابه سبحانه وفي علي
(ع) ، وكذا حصر اتباع النبي فيه (ع) بمقتضى الرواية دل ذلك على أفضليته عن سائر
المؤمنين ، فيكون أمير المؤمنين . قال المصنف رفع الله درجته
الثانية والعشرون قوله
تعالى : فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه (1) 
قال
(هامش)
بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل وغيره من ملوك الجزيرة ، له تفسير في أربع مجلدات ضخام
سماه (رموز الكنوز) احتوى على فوائد حسنة ، يروي فيه الأحاديث بإسناده ، وله (كتاب
مصرع الحسين) الفه باسم صاحب الموصل ، وله نظم حسن ، ومن نظمه : القصيدة النونية
المشهورة في الفرق بين الظاء والضاد ، سمع عنه جماعة منهم أبو حامد محمد بن
الصابوني وابنه أبو عبد الله محمد بن عبد الرزاق والدمياطي وأبو المعالي الابرقوهي
وأبو الحسن البندنيجي وزينب بنت الكمال وأبو الفتح بن دقيق العيد وأخوه وأبوه ،
وكان شديد المخالفة مع الشيعة الإمامية كما نص على ذلك الشيخ زين الدين أبو الفرج
عبد الرحمن بن شهاب الدين أحمد البغدادي الحنبلي المتوفى (سنة 795) في كتابه الزيل
على طبقات الحنابلة (ص 275 ط القاهرة) قال فيه : إن عز الدين عبد الرزاق الرسعني
أنشد لنفسه : وكنت أظن في مصر بحارا * إذا ما جئتها أجد الورودا فما ألفيتها إلا
سرابا * فحينئذ تيممت الصعيدا توفي بسنجار في رجب ، وعن ابن الفوطي : أن وفاته كانت
(في 27 ذي حجة سنة 660) وذكره الذهبي : إنه توفي (12 ربيع الأول سنة 661) انتهى .
ويظهر من كلمات العلامة الإربلي في كشف الغمة : أن المترجم في غاية الجلالة
والنبالة سيما في التفسير والحديث والأدب . (1) المائدة الآية 54 . (*)
ص 198
الثعلبي (1) : نزلت في علي بن أبي طالب (ع) (إنتهى) .
(هامش)
(1) رواها سوى العلامة الثعلبي عدة كثيرة من أعلام القوم ونحن نشير إلى بعضهم فنقول
: (منهم) العلامة الحاكم في المستدرك (ج 3 ص 132 ط حيدر آباد الدكن) أخبرنا أبو بكر
أحمد بن جعفر بن حمدان القطيعي ببغداد من أصل كتابه ، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل
، حدثني أبي ثنا يحيى بن حماد ، ثنا أبو عوانه ، ثنا أبو بلج ، ثنا عمرو ابن ميمون
، قال : إني لجالس عند ابن عباس إذ أتاه تسعة رهط فقالوا : يا ابن عباس إما أن تقوم
معنا وإما أن تخلو بنا من بين هؤلاء ، قال : فقال ابن عباس : بل أنا أقوم معكم إلى
أن قال : فجاء ينفض ثوبه ويقول : أف وتف وقعوا في رجل له بضع عشرة فضائل ليست لأحد
غيره وقعوا في رجل قال له النبي : لأبعثن رجلا لا يخزيه الله أبدا يحب الله ورسوله
ويحبه الله ورسوله ، فاستشرف لها مستشرف فقال : أين علي ، فقالوا إنه في الرحى يطحن
، قال : وما كان أحدهم ليطحن ، قال فجاء وهو أرمد لا يكاد أن يبصر ، قال فنفث في
عينيه ، ثم هزا لرأيه ثلاثا فأعطاها إياه ، فجاء علي بصفية بنت حي قال ابن عباس ثم
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم فلانا بسورة التوبة فبعث عليا خلفه فأخذها منه
وقال : لا يذهب بها الأرجل هو مني وأنا منه إلى آخر الحديث (ومنهم) العلامة الثعلبي
كما في كتاب العمدة للعلامة ابن بطريق (ص 151 ط تبريز) قال في تفسير قوله تعالى :
فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه قال علي بن أبي طالب عليه السلام (ومنهم)
العلامة فخر الرازي في تفسيره (ج 12 ص 20 ط البهية بمصر) أورد مقالة قوم بنزول
الآية في علي عليه السلام وروى أنه عليه السلام لما دفع الراية إلى علي يوم خيبر
قال : لأدفعن الراية غدا إلى (*)
ص 199
قال الناصب خفضه الله أقول ذهب المفسرون إلى أنها نزلت في أهل اليمن ، وقيل : لما
نزلت هذا الآية سئل رسول الله (ص) عن هذا القوم ، فضرب بيده على ظهر سلمان ، وقال
هو وقومه والظاهر أنها كانت نازلة لقوم لم يؤمنوا بعد ، لدلالة سوف يأتي الله على
هذا ، وعلي (ع) كان ممن آتاه الله من أول الإسلام ، فكيف يصح نزوله فيه ، وإن سلمنا
فهو من فضائله ولا يدل على النص المدعى (إنتهى) . أقول من ذهب إلى أنها نزلت في أهل
اليمن كفخر الدين الرازي والقاضي البيضاوي قد استند بما روى أن النبي (ص) لما نزلت
هذه الآية أشار إلى أبي موسى الأشعري ، وقال هم قوم هذا ، وأقول ، فيه بحث لأنه إن
أراد بأهل اليمن من انتسب إلى بلاد اليمن ولو لم يكونوا من الأشعرية كطايفة همدان
(1) فهم لم يجاهدوا
(هامش)
رجل يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله . (ومنهم) العلامة النيشابوري في تفسيره (ج
6 ص 143 بهامش الطبري ط الميمنية بمصر) روى أنه صلى الله عليه وسلم دفع الراية إلى
علي يوم خيبر وكان قد قال لا دفعن الراية إلى رجل يحب الله ورسوله ويحبه الله
ورسوله . (ومنهم) العلامة الأديب الشهير بأبي حيان الأندلسي المغربي المتوفى سنة
754 حيث نقل نزول الآية الشريفة في حق علي عليه السلام عن بعض في تفسير بحر المحيط
(ج 3 ص 511 ط مطبعة السعادة بمصر) (ومنهم) العلامة الشيخ حسام الدين علي المتقي
الهندي في كنز العمال (ج 5 ص 428 ط الثانية بحيدرآباد الدكن) نقل عن ابن عمر وقايع
الشورى وفيها قول علي عليه السلام لأصحاب الشورى : هل تعلمون أن جبرئيل نزل على
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا محمد إن الله يأمرك أن تحب عليا وتحب من
يحبه فإن الله يحب عليا ويحب من يحبه ؟ قالوا : اللهم نعم . (1) قد مر أنهم من
قبائل العرب شعارهم التشيع لأهل البيت فراجع أوائل هذا الجزء . (*)
ص 200
إلا مع علي (ع) في حروبه ، كما يعلم من كتب السير والتواريخ ، وإن أراد الأشعرية
كما يقتضيه سياق الرواية ، فهم أيضا لم يدركوا مقاتلة أهل الردة (1) في زمان أبي
بكر ، اللهم إلا أن يراد به قتال بعضهم كأبي موسى ظاهرا مع علي (ع) في حرب صفين مع
القاسطين المرتدين ، وحينئذ يتحد مآله مع الرواية المتضمنة لكون الآية في شأن أمير
المؤمنين (ع) ، وأما من روى أنه (ع) قال ، المراد سلمان وذووه كما وقع في الكشاف
وتفسير البيضاوي ، ففيه أن المتبادر من ذووه أي أصحاب سلمان مولينا أمير المؤمنين
علي وساير أهل البيت عليهم السلام لكونه منهم بمقتضى قوله (ع) : سلمان منا أهل
البيت (2) ، وأيضا من المعلوم أن سلمان لم يشهد محاربة شيئ من أهل الردة ، وكذا لم
يظهر من ذويه على تقدير أن يراد بهم أهل الفرس مجاهدة مع أهل الردة ، في زمان أبي
بكر ، فتعين الحمل على ما ذكرنا ، وحينئذ يتحد أيضا ما لهذه الرواية مع ما رواه
الثعلبي (3) والإمامية من أنها نزلت في شأن علي (ع) في قتال الناكثين والقاسطين
والمارقين (4) ، ولا يقدح في ذلك أن سلمان لم يعش إلى زمان قتال الطوايف الثلاثة ،
ولم يجاهد معهم ، إذ يكفي في صحة نسبة فعل إلى جماعة صدوره من أكثرهم سيما وقد روي
أن سلمان (5)
(هامش)
(1) كما ذكرت مفصلا فرق أهل الردة وكيفية ارتداهم في تفسير الرازي (ج 12 ص 19 ط
الجديد بمصر) فراجع . (2 ) المستدرك على الصحيحين للحاكم (ج 3 ص 598 ط حيدر آباد
الدكن) والاستيعاب (ج 2 ص 557 ط حيدر آباد الدكن) والصواعق (ص 227 ط مصر) وسفينة
البحار للمحدث القمي (ص 648 ط النجف) (3) كما مر في شأن نزول الآية نقل ذلك مفصلا .
(4) قد مر المراد بهم سابقا . (5) صرح بهذا التزويج الحافظ أبو نعيم في الحلية (ج 1
ص 185 طبع مصر) وكذا غيره . (*)