الصفحة السابقة الصفحة التالية

شرح إحقاق الحق (ج3)

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب

ص 201

(هامش)

ثم سلمان هو أبو عبد الله الصحابي الشهير ، يعرف بسلمان الخير تارة ، وسلمان المحمدي أخرى ، وسلمان ابن الإسلام ثالثة ، والفارسي رابعا أمره في الجلالة زهدا وورعا وعلما وفهما وثقة فوق أن تحوم حوله عبارة أمثالي ، والروايات في فضائله من طرق الفريقين كثيرة ، قال الحافظ أبو نعيم في حقه في الحلية (ج 1 ص 185 طبع مصر) الكادح الذي لا يبرح ، والزاخر الذي لا ينزح ، والحاكم الحكيم العابد العليم ، ابن الإسلام ، رافع الألوية والأعلام ، الخ ، ولو لم يكن في حقه إلا اختصاصه بأهل البيت عليهم السلام وانسلاكه فيهم لكفاه شرفا وفخرا ونبلا . وأصله من فارس وتزوج من كنده ، وله عقب مبارك فيهم العلماء والمحدثون ، أورد العلامة البحاثة الشيخ منتجب الدين بن بابويه أسماء بعضهم في الفهرست وبعضهم مذكورون في كتب الرجال فليراجع . توفي على الأصح (سنة 36) وقبره بالمدائن مشهور يقصد للتبرك ، وألف شيخ مشايخنا ثقة الإسلام الآية النوري كتابه نفس الرحمن في سيرته وفضائله ومن أحسن المراجع في هذا الشأن كتاب الرجال لأستاذي العلامة المجهول قدره آية الله الحاج الشيخ عبد الله المامقاني قدس سره القدوسي ، وكذلك المحب الطبري جمع في سيرته وكلماته كتابا حافلا وذكر أبو نعيم في الحلية (ج 1 ص 158 إلى ص 208) ترجمة كافلة له فليراجع ، وشهرة أمره تغنينا عن التصدي لذكر ترجمته . يروي عنه جماعة منهم ابنا عباس وعمر وأنس وأبو الطفيل وأبو عثمان النهدي وشرحبيل بن السمط : قال الخزرجي في الخلاصة ص 125 : إنه كان أميرا على ثلاثين ألفا يخطب بهم في عباءة يفترش نصفها ويلبس نصفها ، وكان يأكل من سعف يده إلى أن قال : قال أبو عبيدة توفي سنة 36 عن 350 سنة انتهى وفي التهذيب عن جعفر بن أحمد بن فارس قال : سمعت العباس بن يزيد يقول لمحمد بن النعمان يقول أهل العلم عاش سلمان ثلاثمائة وخمسين سنة . فأما مأتين وخمسين سنة فلا يشكون فيه ، قال أبو نعيم (*)

ص 202

سكن مداين وتزوج هناك من بني كندة وحصل له أولاد كانوا في خدمة أمير المؤمنين (ع) في بعض حروبه فكان النبي (ص) لما لاحظ أن حسن صنيع إلا بناء يكون من زكاء طينة الأب نسب فعل الأبناء إليه رضي الله عنه ، قال الشيخ (1) الموحد محيي الدين العربي في الفتوحات المكية : ولما كان رسول الله (ص) عبدا محضا قد طهره الله وأهل بيته تطهيرا وأذهب عنهم الرجس ، وهو كل ما يشينهم ، فإن الرجس هو القذر عند العرب هكذا حكى الفراء ، قال تعالى : إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ، فلا يضاف إليهم إلا مطهر ، ولا بد أن يكون كذلك فإن المضاف إليهم هو الذي يشبههم ، فما يضيفون لأنفسهم إلا من له حكم الطهارة والتقديس ، فهذه شهادة من النبي (ص) لسلمان الفارسي بالطهارة والحفظ الإلهي والعصمة حيث قال (2) فيه رسول الله (ص) : سلمان منا أهل البيت ، وشهد الله لهم بالتطهير وذهاب الرجس عنهم ، وإذا كان لا ينضاف إليهم إلا مطهر مقدس وحصلت العناية الإلهية بمجرد الإضافة ، فما ظنك بأهل البيت في نفوسهم ، فهم المطهرون بل هم عين الطهارة ، ثم قال : وهم المطهرون بالنص

(هامش)

كان من المعمرين ، قيل إنه أدرك وصي عيسى بن مريم وأعطي العلم الأول والآخر وقرء الكتابين مات بالمداين انتهى . (1) قد مرت ترجمته (ج 2 ص 222) فراجع (2) في الخلاصة للخزرجي (ص 125 ط الخيرية ج 1) قال النبي صلى الله عليه وسلم : سلمان منا أهل البيت إن الله يحب من أصحابي أربعة : علي وأبو ذر وسلمان والمقداد أخرجه (ت ق) وروى الحافظ الأندلسي في الاستيعاب (ج 2 ص 557 طبع حيد آباد) عن أبي البختري عن علي رضي الله عنه أنه سئل عن سلمان فقال : علم العلم الأول والآخر بحر لا ينزف وهو أهل البيت . (*)

ص 203

فسلمان منهم بلا شك ، وأرجو أن يكون عقب علي (1) وسلمان يلحقهم هذه العناية كما لحقت أولاد الحسن والحسين وعقبهم وموالي أهل البيت ، فإن رحمة الله واسعة ثم ، قال : فما ظنك بالمعصومين المحفوظين منهم القائمين بحدود سرهم الواقفين عند مراسمه ، فشرفهم أعلى وأتم وهؤلاء هم أقطاب هذا المقام ، ومن هؤلاء الأقطاب ورث سلمان شرف مقام أهل البيت فكان رضي الله عنه من أعلم الناس بما لله على عباده من الحقوق وما لأنفسهم والخلف عليهم من الحقوق وأقواهم على أدائها وفيه قال رسول الله (ص) (2) : لو كان الايمان بالثريا لناله رجال من فارس وأشار إلى سلمان الفارسي (إنتهى) ومن اللطائف قوله (ع) لأبي موسى : هم قوم هذا ، ولم يدخله في هذا الحكم ، لعلمه (ع) لسوء عاقبته وانحرافه عن علي (ع) ، لكن جماعة من أكابر أهل اليمن وأشرافهم وأفرادهم الذين يعد كل واحد منهم بألف قبيلة كانوا من شيعته (ع) ومن جملتهم طائفة همدان بأسرهم وأويس القرني (3) الذي

(هامش)

(1) أي عقب علي عليه السلام من غير فاطمة وهم بنو علي بقرينة قوله : كما لحقت أولاد الحسن والحسين من بني فاطمة عليهم السلام . منه (قده) (2) رواه كثير من المحدثين . ( منهم) الحافظ أبو نعيم الإصبهاني في الحلية (ج 6 ص 64 طبع مصر) حيث قال : حدثنا أبو بكر ، ثنا الحارث ، ثنا هودة ، ثنا عوف عن شهر قال : سمعت أبا هريرة يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لو كان العلم منوطا بالثريا لتناوله رجال من أبناء فارس رواه يزيد بن زريع وأبو عاصم عن عوف مثله الخ . وروى الحافظ ابن عبد البر في الاستيعاب (ج 2 ص 557 طبع حيدر آباد) عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : لو كان الدين عند الثريا لناله سلمان الخ . (3) هو أويس بن عامر وقيل أويس بن أنيس القرني المرادي من أكابر التابعين والزهاد الثمانية وقد عبر عنه بعض السلف بسيد التابعين ، وكان من حواري مولينا أمير المؤمنين (*)

ص 204

شهد بين يديه (ع) في وقعة صفين رضوان الله عليه وقوله (1) (ع) لسلمان رضي الله عنه : هذا وذووه فجعل قومه تبعا له في هذا الحكم وعبر عنه قومه بذويه إشارة إلى أن من اتصف به من معرفة الولاية ومتابعة من فرض الله متابعته ، فهو منه وداخل تحت هذا الحكم وإلا فلا هذا . وقد ذكر فخر الدين الرازي (2) القول بنزول الآية في شأن علي (ع) أيضا لكن حيث أبرق وأرعد على الإمامية بالتشكيكات الناشية عن العصبية رأينا أن نذكر كلامه مع ما يتوجه عليها من الشناعة والملام صيانة للناظرين القاصرين عن الوقوع في مواقع الشكوك والأوهام فنقول : قال : وقال قوم إنها نزلت في علي (ع) ، ويدل عليه وجهان الأول : إنه (ع) لما دفع الراية إلى علي (ع) يوم خيبر قال : لأدفعن الراية غدا إلى رجل يحب الله ورسوله

(هامش)

خصيصا به ، قتل بين يديه سنة 37 وقيل 39 وقد رويت في فضائله عنه صلى الله عليه وآله أحاديث نقلها مؤلفوا الرجال والسير والتراجم . ثم المرادي نسبة إلى مراد قبيلة باليمين وهم من أعقاب مراد بن مذحج أو مراد بن مالك ومن نسبه إلى مراد محل بالأندلس فقد وهم . والقرني بفتح القاف والراء المهملة نسبة إلى (قرن) بطن من مراد . ومن زعم سكون الراء المهملة وإنه منسوب إلى قرن المنازل الذي هو من المواقيت فقد أخطاء . ثم إن بأطراف (جرفادقان) بيت ينتمون إلى أويس القرني ومنهم فضيلة العالم النبيل ثقة الإسلام مبلغ الأنام بمواعظه الشافية الحاج الشيخ علي القرني الجرفادقاني نزيل بلدة قم المشرفة أدام الله توفيقاته . وبنواحي خراسان والهند وسوريا وغيرها طوائف قرانية ينتمون إلى أويس وفيهم العلماء والأدباء ، بل توجد في كتب التراجم عدة من رجال العلم ينتهي نسبهم إليه فراجع . (1) كما في تفسير الرازي (ج 12 ص 20 الطبع الجديد بمصر) . (2) في (ج 12 ص 20 الطبع الجديد) . (*)

ص 205

ويحبه الله ورسوله وهذا هو الصفة المذكورة في الآية والوجه الثاني أنه تعالى ذكر بعد هذه الآية قوله : إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ، وهذه الآية في حق علي (ع) فكان الأولى جعل ما قبلها أيضا في حقه فهذه جملة الأقوال في هذه الآية ولنا في هذه الآية مقامات ، الأول إن هذا الآية من أدل الدلائل على فساد مذهب الإمامية من الروافض ، وتقريره : أن مذهبهم أن الذين أقروا بخلافة أبي بكر وإمامته كلهم كفروا وصاروا مرتدين ، لأنهم أنكروا النص الجلي على إمامة علي بن أبي طالب ، فنقول : لو كان كذلك لجاء الله تعالى بقوم يحاربهم ويقهرهم ويردهم إلى الدين الحق بدليل قوله تعالى : ومن يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم إلى آخر الآية كلمة (من) في معرض الشرط للعموم ، فهي تدل على أن كل من صار مرتدا عن دين الإسلام ، فإن الله تعالى يأتي بقوم يقهرهم ويبطل شوكتهم ، فلو كان الذين نصبوا أبا بكر للخلافة كذلك لوجب بحكم الآية أن يأتي الله بقوم يقهرهم ويبطل مذهبهم ، ولما لم يكن الأمر كذلك ، بل الأمر بالضد ، فإن الروافض هم المقهورون الممنوعون عن إظهار مقالاتهم الباطلة أبدا منذ كانوا علمنا فساد مقالاتهم ومذهبهم وهذا كلام ظاهر لمن أنصف المقام الثاني إنا ندعي : أن هذه الآية يجب أن يقال : إنها نزلت في حق أبي بكر والدليل عليه وجهان الأول أن هذا الآية مختصة بمحاربة المرتدين وأبو بكر هو الذي تولى محاربة المرتدين على ما شرحناه ، ولا يمكن أن يكون المراد هو الرسول (ص) لأنه لم يتفق له محاربة المرتدين ولأنه تعالى قال : فسوف يأتي الله بقوم وهذا للاستقبال لا للحال ، فوجب أن يكون ذلك القوم غير موجودين في في وقت نزول هذا الخطاب ، فإن قيل : هذا لازم عليكم ، لأن أبا بكر كان موجودا في ذلك الوقت قلنا : الجواب من وجهين الأول أن القوم الذين قاتلهم أبو بكر من أهل الردة كانوا موجودين في الحال . والثاني أن معنى الآية : أن الله تعالى سوف يأتي

ص 206

بقوم قادرين متمكنين من هذا الحرب ، وأبو بكر وإن كان موجودا في ذلك الوقت إلا أنه ما كان مستقلا في ذلك الوقت بالحرب والأمر والنهي ، فزال السؤال ، فثبت أنه لا يمكن أن يكون المراد هو الرسول (ص) ولا يمكن أيضا أن يكون المراد هو علي رضوان الله عليه ، لأن عليا رضي الله عنه لم يتفق له قتال مع أهل الردة فإن قلت لا نسلم أنه لم يتفق له قال مع أهل الردة ، لأن كل من نازعه في الإمامة كان مرتدا ، قلنا : هذا باطل من وجهين : الأول أن اسم المرتد إنما يتناول من كان تاركا لشرايع الإسلام والقوم الذين نازعوا علينا (ع) ما كانوا كذلك في الظاهر وما كان أحد يقول إنه إنما يحاربهم لأجل أنهم خرجوا عن الإسلام ، وعلي (ع) لم يسمهم بالمرتدين ، فهذا الذي يقوله هؤلاء الروافض بهت على جميع المسلمين وعلى علي (ع) أيضا الثاني لو كان كل من نازعه في الإمامة كان مرتدا لزم في أبي بكر وفي قومه أن يكونوا مرتدين ، ولو كان كذلك لوجب بحكم ظاهر الآية : أن يأتي الله بقوم يقهرونهم ويردونهم إلى الدين الصحيح ولما لم يوجد ذلك البتة علمنا أن منازعة علي (ع) في الإمامة لا تكون ردة وإذا لم تكن ردة لم يمكن حمل الآية على علي (ع) لأنها نازلة فيمن يحارب المرتدين ولا يمكن أيضا أن يقال : إنها نازلة في أهل اليمن أو في أهل فارس لأنه لم يتفق لهم محاربة مع المرتدين وبتقدير أن يقال ، اتفقت لهم هذه المحاربة ، لكنهم كانوا رعية وأتباعا وأذنابا ، فكان الرئيس الأمر المطاع في تلك الواقعة هو أبو بكر ، ومعلوم أن حمل الآية على من كان أصلا في هذه القيادة ورئيسا مطاعا فيها أولى من حملها على الرعية والأتباع والأذناب ، فظهر بما ذكرنا من الدليل الظاهر أن هذه الآية مختصة بأبي بكر الوجه الثاني في بيان أن الآية مختصة بأبي بكر هو إنا نقول : هب أن عليا (ع) كان قد حارب المرتدين ولكن محاربة أبي بكر مع المرتدين كانت أعلى حالا وأكثر موقعا في الإسلام من محاربة علي (ع) ، مع من خالفة في الإمامة وذلك ، لأنه علم بالتواتر أنه

ص 207

(ص) لما توفي اضطربت الأعراب وتمردوا ، وأن أبا بكر هو الذي قهرهم ومسيلمة وطلحة (طليحة خ ل) وهو الذي حارب الطوايف السبعة المرتدين وهو الذي حارب مانعي الزكاة ولما فعل ذلك استقر الإسلام وعظمت شوكته وانبسطت دولته أما لما انتهى الأمر إلى علي (ع) فكان الإسلام قد انبسط في الشرق والغرب وصار ملوك الدنيا مقهورين وصار الإسلام مستوليا على جميع الأديان والملل ، فثبت أن محاربة أبي بكر أعظم تأثيرا في نصرة الإسلام وتقويته من محاربة علي (ع) ، ومعلوم أن المقصود من هذه الآية تعظيم قوم يسعون في تقوية الدين ونصر الإسلام ولما كان أبو بكر هو المتولي لذلك وجب أن يكون هو المراد بالآية . المقام الثالث في هذه الآية وهو إنا ندعي دلالة هذه الآية على صحة إمامة أبي بكر وذلك لأنه لما ثبت بما ذكرنا أن هذا الآية مختصة به فنقول : إنه تعالى وصف الذين أرادهم بهذا الآية بصفات أولها أنه يحبهم ويحبونه ، ثبت أن المراد بهذه هو أبو بكر ثبت أن قوله : يحبهم ويحبونه وصف لأبي بكر ، ومن وصفه الله تعالى بذلك يمتنع أن يكون ظالما ، وذلك يدل على أنه كان محقا في إمامته وثانيها قوله : أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين وهو صفة أبي بكر أيضا للدليل الذي ذكرناه ، ويؤكده ما روي في الخبر (1) المستفيض أنه قال (ع) أرحم أمتي بأمتي أبو بكر ، فكان موصوفا بالرحمة والشفقة على المؤمنين وبالشدة مع الكفار ، ألا ترى أن في أول الأمر حين كان الرسول (ص) في مكة وكان في غاية الضعف ، كيف كان يذب عن الرسول (ص) ؟ وكيف كان يلازمه ويخدمه ؟ وما كان يبالي بأحد من جبابرة الكفار وشياطينهم وفي آخر الأمر أعني وقت خلافته كيف لم يلتفت إلى قول أحد وأصر على أنه لا بد من المحاربة مع مانعي الزكاة حتى آل الأمر إلى أن خرج

(هامش)

(1) عده العلامة الفتني من الموضوعات وعن بعض أنه وضعه أحد أعقاب أبي بكر وأحفاده البكريين والله أعلم . (*)

ص 208

إلى قتال القوم وحده حتى جاء أكابر الصاحبة وتضرعوا إليه ومنعوه من الذهاب ، ثم لما بلغ بعث العسكر إليهم انهزموا وجعل الله ذلك مبدئا لدولة الإسلام ، فكان قوله : أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين ، لا يليق إلا به وثالثها قوله : يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ، فهذا مشترك فيه بين أبي بكر وعلي ، إلا أن حظ أبي بكر منه أتم وأكمل وذلك لأن مجاهدة أبي بكر مع الكفار كان في أول البعث وهناك الإسلام كان في غاية الضعف ، والكفر في غاية القوة فكان يجاهد الكفار بمقدار قدرته ، ويذب عن رسول الله (ص) بغاية وسعه وأما علي (ع) فإنه إنما شرع في الجهاد يوم بدر وأحد ، وفي ذلك الوقت كان الإسلام قويا ، وكانت العساكر مجتمعة ، فثبت أن جهادا أبي بكر كان أكمل من جهاد علي (ع) من وجهين الأول إنه كان متقدما عليه في الزمان فكان أفضل ، لقوله تعالى : لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل . والثاني أن جهاد أبي بكر كان في وقت ضعف الرسول (ص) وجهاد علي كان في وقت القوة ، ورابعها قوله : ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ، وهذا لائق لأبي بكر ، لأنه متأكد بقوله : ولا يأتل أولي الفضل منكم والسعة ، وقد بينا أن هذه الآية لا بد أن يكون في أبي بكر ، ومما يدل على أن جميع هذا الصفات لأبي بكر : إنا بينا بالدليل أن هذه الآية لا بد وأن تكون في أبي بكر ، ومتى كان الأمر كذلك ، كانت هذه الصفات لا بد وإن تكون صفات لأبي بكر ، وإذا ثبت هذا وجب القطع بصحة إمامته إذ لو كانت إمامته باطلة لما كانت هذه الصفات لايقة به فإن قيل : لم لا يجوز أن يقال : إنه كان موصوفا بهذه الصفات حال حياة الرسول (ص) ثم بعد وفاته لما شرع في

ص 209

الإمامة زالت هذه الصفات وبطلت . قلنا : هذا باطل قطعا ، لأنه تعالى قال : فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه فأثبت كونهم موصوفين بهذه الصفة حال إتيان الله بهم في المستقبل ، وذلك يدل على شهادة الله له بكونه موصوفا بهذه الصفات حال محاربته مع أهل الردة وذلك هو حال إمامته فثبت بما ذكرنا دلالة هذه الآية على صحة إمامته . أما قول الروافض : إن هذه الآية في حق علي رضي الله عنه بدليل أنه (ص) قال يوم خيبر : لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله ، وكان ذلك هو علي (ع) فنقول : هذا الخبر من باب الآحاد (1) ، وعندهم لا يجوز التمسك به في العمل ، فكيف يجوز التمسك به في العلم ؟ وأيضا أن إثبات هذه الصفة لعلي لا يوجب انتفائها عن أبي بكر ، وبتقدير أن يدل على ذلك ، لكنه لا يدل على انتفاء ذلك المجموع عن أبي بكر لم يحصل مجموع تلك الصفات كونه كرارا غير فرار ، فلما انتفى ذلك عن أبي بكر لم يحصل مجموع تلك الصفات له فكفى هذا في العمل بدليل الخطاب فأما انتفاء جميع تلك الصفات فلا دلالة في اللفظ عليه وأيضا فهو تعالى إنما أثبت هذه الصفة المذكورة في هذه الآية حال اشتغاله بمحاربة المرتدين فهب أن تلك الصفة ما كانت حاصلة في ذلك الوقت فلم يمنع ذلك من حصولها في الزمان المستقبل ولأن ما ذكرناه تمسك بظاهر القرآن وأما ذكوره تمسك بالخبر المنقول بالآحاد ولأنه معارض بالأحاديث (2) الدالة على كون أبي بكر محبا لله ولرسوله

(هامش)

(1) قف أيها المصنف على عصبية الرجل المتسمى بالإمام فكأنه لم ير كتب أحاديث القوم حتى يراها مشحونة بحديث الراية وسنذكر شطرا من تلك الموارد عند تعرض مولينا القاضي الشهيد قده لرد هذا العنيد أوفى ذكر أخبار الفضائل فاصبر إن الصبر مفتاح الفرج (2) بالله راجع باب فضائله التي ذكروها في كتبهم حتى يظهر لك أن هناك روايات شاذة نقولها بهذا المضمون اشتملت أسانيدها على عدة من الوضاعين المشهورين ثم لاحظ (*)

ص 210

وكون الله محبا له وراضيا عنه ، قال تعالى في حق أبي بكر : ولسوف يرضى ، وقال (1) عليه الصلاة والسلام : إن الله يتجلى للناس عامة ويتجلى لأبي بكر خاصة ، وقال : (2) ما صب الله شيئا في صدري إلا وصببته في صدر أبي بكر ، وكل ذلك يدل على أنه كان يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله وأما الوجه الثاني وهو قولهم : الآية التي بعد هذه الآية دالة على إمامة علي (ع) فوجب أن تكون هذه الآية نازلة في علي ، فجوابنا إنا لا نسلم دلالة الآية التي بعد هذه الآية على إمامة علي وسنذكر الكلام فيه إن شاء الله ، فهذا ما في هذا الموضع من البحث والله أعلم (إنتهى كلام الرازي) . وأقول يتوجه عليه أنظار أما أولا فلما أورد النيشابوري (3) على قوله : لو كان كذلك لجاء الله تعالى بقوم يحاربهم الخ بأن لناصر مذهب الشيعة أن يقول : ما يدريك إنه تعالى لا يجئ بقوم يحاربهم ؟ ولعل المراد بخروج المهدي (عج) هو ذلك فإن محاربة من دان بدين الأوايل هي محاربة الأوايل (إنتهى) ثم إن مع كونه شافعيا ظاهرا وباطنا كما هو صرح به في آخر تفسيره ، غير متهم في ذلك خاف عن المتعصبين من أهل

(هامش)

المذكورين في السند ثم راجع في تحقيق حالهم إلى الكتب المؤلفة في الأخبار الموضوعة وكتب رجال القوم حتى يتبين لك أن هذا الرجل لا يملك نفسه وقلمه من شدة العصبية أعاذنا الله منها ووفقنا لاتباع الحق وهو أحق . (1) حديث التجلي من المناكير الموضوعة وسيظهر لك ذلك من تعليقنا على كلام مولينا القاضي الشهيد قدس سره . (2) صرح بكونه موضوعا جماعة سنذكر أسماء بعضهم في التعليق إن شاء الله . (3) صرح به في تفسيره الشهير المطبوع مرارا وطابقنا العبارة المذكورة هنا مع النسخة المطبوعة بهامش تفسير الطبري (ج 9 و10 طبع مصر القديم) . (*)

ص 211

نحلته ، فاعتذر بأن هذا إنما ذكرته بطريق (1) المنع ، لا لأجل العصبية والميل ، فإن اعتقاد ارتداد الصحابة الكرام أمر فظيع والله أعلم (إنتهى) واعترض عليه بعض الناظرين (2) بأن الحق ما قاله ناصر الإسلام والإمام العلامة فخر الدين الرازي وما ذكره هذا الفاضل نصرة للشيعة كلام فاحش شنيع لا يليق بأحد من أهل الديانة ، وليت شعري ماذا يفيد محاربة المهدي في آخر الزمان بعد ذهاب أكثر أيام الدنيا وانقضاء عصر الصحابة والتابعين ومن بعدهم وظهور أمارات القيامة ، ثم إنه لم يثبت إنه يخرج لذلك (إنتهى) وأقول : بل الحق ما أجراه الله تعالى على لسان ناصر الشيعة مع كونه من المخالفين ، لأن الاتيان والانتقام بعد عصر الصحابة والتابعين المرتدين إنما ينافي مدلول الآية لو لم يحضر هناك أحد منهم ، ولكن قد تقرر عند الشيعة بناء على أصل الرجعة الثابت بالكتاب والسنة (3) أنه يرجع إلى الدنيا عند ظهور المهدي (ع) جماعة من هؤلاء الصحابة المرتدين فيأتيهم المهدي عليه الصلاة والسلام وينتقم منهم أشد الانتقام

(هامش)

(1) قد مر المراد بالمنع في مصطلح علم المناظرة . (2) هو المولى شمس الدين الهروي . (3) مسألة الرجعة من المسائل المعنونة في الكتب الكلامية واستدل على إثباتها من القرآن الكريم بعدة آيات ومن السنة بروايات تبلغ المأتين بل تربو كما نص عليه مولانا المحدث العاملي صاحب الوسائل في الايقاظ وألف أصحابنا الكرام في إثباتها كتبا ورسائل ، فمن أشهرها كتاب الرجمة لمولانا العلامة المجلسي وصاحبي الحدائق والوسائل والوافي وغيرها . ومن الآيات التي تمسك بها قوله تعالى : ويوم نحشر من كل أمة فوجا وحيث بسط القول فيه في البحار فللمتحري أن يراجع إليه . ويظهر من كتب القوم أن الشيعة كانوا معروفين بالقول بالرجعة كاشتهارهم بالقول ببطلان القياس وحيلة المتعة ونحوها فراجع ، وبالجملة أصل الرجعة مما لا مساغ للكلام فيه . (*)

ص 212

ويؤيد ما ذكره (1) ناصر الشيعة ما ذكره شيخ الموحدين (2) في الباب الستة والستين (3) بعد ثلاثمأة من كتاب الفتوحات المكية عند ذكر صفات المهدي على آبائه وعليه آلاف التحية والثناء وعلامات ظهوره (ع) حيث قال : اعلم أيدنا الله أن لله خليفة يخرج وقد امتلأت الأرض جورا وظلما فيملؤها قسطا وعدلا لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد طول الله ذلك اليوم حتى يلي هذا الخليفة من عترة رسول الله (ص) من ولد فاطمة ، يواطي اسمه اسم رسول الله (ص) جده الحسين بن علي بن أبي طالب يبايع بين الركن والمقام يشبه رسول الله (ص) في أخلاقه والله يقول فيه : وإنك لعلى خلق عظيم ، هو أجلى الجبهة أقنى الأنف أسعد الناس به أهل الكوفة يقسم المال بالسوية ويعدل في الرعية ويفصل في القضية يأتيه الرجل فيقول له : يا مهدي أعطني وبين يديه المال فيحثي له في ثوبه ما استطاع أن يحمله يخرج على فترة من الدين ، يزع الله به ما لا يزع بالقرآن ، يمسي جاهلا بخيلا جبانا ويصبح أعلم الناس أكرم الناس أشجع الناس يصلحه الله في ليلة يمشي النصر بين يديه ، يعيش خمسا أو سبعا أو تسعا ، يقفو أثر رسول الله (ص) لا يخطي ، له ملك يسدده من حيث لا يراه يحمل الكل ويقوى الضعيف في الحق ويقرى الضيف ويعين على نوائب الحق يفعل ما يقول ، ويقول ما يعلم ، ويعلم ما يشهد يفتح المدينة الرومية بالتكبير في سبعين ألفا من المسلمين من ولد إسحاق ، يشهد الملحمة العظمى مأدبة الله يمرج الشام ، يبيد الظلم وأهله ، يقيم الدين ينفخ الروح في الإسلام يعز

(هامش)

(1) المراد به نظام الدين النيسابوري صاحب التفسير المعروف . (2) المراد به قدوة العرفاء الشيخ محيي الدين ابن العربي وقد مرت ترجمته (ج 2 ص 222) فراجع . (3) ذكره في (ج 8 ص 327 ط دار الكتب العربية الكبرى بمصر) (*)

ص 213

الإسلام به بعد ذله ، ويحيا بعد موته ، يضع الجزية ويدعو إلى الله بالسيف فمن أبى قتل ومن نازعه خذل ، يظهر من الدين ما هو الدين عليه في نفسه ما لو كان رسول الله (ص) لحكم به ، يرفع المذاهب من الأرض فلا يبقى إلا الدين الخالص أعدائه مقلدة العلماء أهل الاجتهاد لما يرونه عن الحكم بخلاف ما ذهبت إليه أئمتهم ، فيدخلون كرها تحت حكمه خوفا من سيفه وسطوته ورغبة فيما لديه ، يفرح به عامة المسلمين أكثر من خواصهم ، يبايعه العارفون بالله من أهل الحقايق عن شهود وكشف بتعريف إلهي ، له رجال إلهيون يقيمون دعوته وينصرونه ثم قال بعد ورقة : ولولا أن السيف بيده لأفتى الفقهاء بقتله ، كما يفعل الحنفيون والشافعيون فيما اختلفوا فيه ، ولكن الله يظهره بالسيف والكرم فيطمعون ويخافون ويقبلون حكمه من غير إيمان بل يضمرون خلافه ويعتقدون فيه إذا حكم فيهم بغير مذهبهم أنه على ضلالة في ذلك الحكم ، لأنهم يعتقدون أن أهل الاجتهاد وزمانه قد انقطع ، وما بقي مجتهد في العالم ، وأن الله لا يوجد بعد أئمتهم أحدا له درجة الاجتهاد ، وأما من يدعي التعريف الإلهي بالأحكام الشرعية فهو عندهم مجنون فاسد الخيال لا يلتفتون إليه (إنتهى) (1)

(هامش)

(1) أقول وحيث وصل البحث إلى نقل كلام صاحب الفتوحات ناسب إيراد كلمات للعارف السالك المؤرخ الشهير السيد عبد الوهاب الشعراني في كتابه (اليواقيت والجواهر في بيان عقائد الأكابر) قال فيه (ص 145 ج 2 ط طبع القاهرة) ما لفظه : المبحث الخامس والستون في بيان أن جميع أشراط الساعة التي أخبرنا بها الشارع حق لا بد أن تقع كلها قبل قيام الساعة وذلك كخروج المهدي ثم الدجال ثم نزول عيسى وخروج الدابة وطلوع الشمس من مغربها ورفع القرآن وفتح سد يأجوج ومأجوج حتى لو لم يبق من الدنيا إلا مقدار يوم واحد لوقع ذلك كله ، قال الشيخ تقي الدين بن أبي المنصور في عقيدته : وكل هذه الآيات تقع المأة الأخيرة من اليوم الذي وعد به رسول الله (ص) وسلم أمته وقوله : إن أصلحت أمتي فلها يوم وإن فسدت فلها نصف (*)

ص 214

(هامش)

يوم يعني من أيام الرب المشار إليها بقوله تعالى : وأن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون . قال بعض العارفين : وأول الألف محسوب من وفاة علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه آخر الخلفاء ، فإن تلك المدة كانت من جملة أيام نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسالته فمهد الله تعالى بالخلفاء الأربعة البلاد ومراده صلى الله عليه وسلم إن بالألف قوة سلطان شريعته إلى انتهاء الألف ، ثم تأخذ في ابتداء الاضمحلال إلى أن يصير الدين غريبا كما بدأ ، وذلك الاضمحلال يكون بدايته من مضي ثلاثين سنة في القرن الحادي عشر ، فهناك يتقرب خروج المهدي عليه السلام وهو من أولاد الإمام الحسن العسكري ومولده عليه السلام ليلة النصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين وهو باق إلى أن يجتمع بعيسى بن مريم عليه السلام ، فيكون عمره إلى وقتنا هذا وهو سنة ثمان وخمسين وتسعمأة 958 سبعمأة سنة وست سنين هكذا أخبرني الشيخ حسن العراقي المدفون فوق كوم الريش المطل على بركة الرطلي بمصر المحروسة على الإمام المهدي حين اجتمع به ووافقه على ذلك شيخنا سيدي علي الخواص رحمهما الله تعالى وعبارة الشيخ محيي الدين في الباب السادس والستين وثلاثمأة من الفتوحات : واعلموا أنه لا بد من خروج المهدي عليه السلام لكن لا يخرج حتى تمتلي الأرض جورا وظلما فيملؤها قسطا وعدلا ولو لم يكن من الدنيا إلا يوم واحد طول الله تعالى ذلك اليوم حتى يلي ذلك الخليفة وهو من عترة رسول الله صلى الله عليه وسلم من ولد فاطمة رضي الله عنها جده الحسين بن علي بن أبي طالب ووالده الحسن العسكري بن الإمام علي التقي بالنون ابن محمد التقي بالتاء ابن الإمام علي الرضا ابن الإمام موسى الكاظم ابن الإمام جعفر الصادق ابن الإمام محمد الباقر ابن الإمام زين العابدين علي ابن الإمام الحسين ابن الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه يواطي اسمه اسم رسول الله صلى الله عليه وسلم يبايعه المسلمون بين الركن والمقام يشبه رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخلق بفتح الخاء وينزل عنه في الخلق بضمها إذ لا يكون أحد مثل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في أخلاقه والله تعالى يقول : وإنك لعلي خلق عظيم هو أجلى الجبهة أفنى الأنف أسعد الناس به أهل الكوفة يقسم المال بالسوية ويعدل في الرعية يأتيه الرجل فيقول يا مهدي (*)

ص 215

(هامش)

أعطني وبين يديه المال فيحثي له في ثوبه ما استطاع أن يحمله يخرج على فترة من الدين يزع الله به ما لا يزع بالقرآن يمسي الرجل جاهلا وجبانا وبخيل فيصبح عالما شجاعا كريما يمشي النصر بين يديه يعيش خمسا أو سبعا أو تسعا يقفو أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يخطي ، له ملك يسدده من حيث لا يراه يحمل الكل وبعين الضعيف ويساعد على نوائب الحق يفعل ما يقول ويقول ما يفعل ويعلم ما يشهد يصلحه الله في ليلة يفتح المدينة الرومية بالتكبير مع سبعين ألفا من المسلمين من ولد إسحاق يشهد الملحمة العظمى مأدبة الله يمرج الشام يبيد الظلم وأهله يقيم الدين وينفخ الروح في الإسلام يعز الله به الإسلام بعد ذله ويحييه بعد موته يضع الجزية ويدعو إلى الله بالسيف فمن أبى قتل ومن نازعه خذل ، يظهر من الدين ما هو عليه الدين في نفسه حتى لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حيا لحكم به فلا يبقى في زمانه إلا الدين الخالص عن الرأي يخالف في غالب أحكامه مذاهب العلماء فينقبضون منه لذلك لظنهم أن الله تعالى ما يحدث بعد أئمتهم مجتهدا وأطال في ذكر وقايعه معهم ثم قال : واعلم أن المهدي إذا خرج يفرح به جميع المسلمين خاصتهم وعامتهم وله رجال إلهيون يقيمون دعوته وينصرونه هم الوزراء له يتحملون أثقال المملكة ويعينونه على ما قلده الله تعالى له ينزل عليه عيسى بن مريم عليه السلام بالمنارة البيضاء شرقي دمشق متكأ على ملكين ملك عن يمينه وملك عن يساره والناس في صلاة العصر فينحي له الإمام عن مكانه فيتقدم فيصلي بالناس يأمر الناس بسنة محمد صلى الله عليه وسلم يكسر الصليب ويقتل الخنزير ويقبض الله المهدي إليه طاهرا مطهرا وفي زمانه يقتل السفياني عند شجرة بغوطة دمشق ويخسف بجيشه في البيداء فمن كان مجبورا من ذلك الجيش مكرها يحشر على نيته وقد جاءكم زمانه وأظلكم أوانه وقد ظهر في القرن الرابع اللاحق القرون الثلاثة الماضية قرن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو قرن الصحابة ثم الذي يليه ثم الذي يلي الثاني ثم جائت بينهما فترات وحدثت أمور وانتشرت أهواء وسفكت دماء فاختفى إلى أن يجئ الوقت الموعود فشهداؤه خير الشهداء وأمناؤه أفضل (*)

ص 216

(هامش)

الأمناء قال الشيخ محيي الدين : وقد استوزر الله تعالى له طائفة خبأهم الله له في مكنون غيبه أطلعهم كشفا وشهودا على الحقائق وما هو أمر الله عليه في عباده وهم على أقدام رجال من الصحابة الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه وهم من الأعاجم ليس فيهم عربي لكن لا يتكلمون إلا بالعربية ، لهم حافظ من غير جنسهم ما عصى الله قط هو أخص الوزراء واعلم أن المهدي لا يفعل شيئا قط برأيه وإنما يشاور هؤلاء الوزراء فإنهم هم العارفون بما هناك وأما هو عليه السلام في نفسه فهو صاحب سيف حق وسياسة ومن شأن هؤلاء الوزراء أن أحدهم لا ينهزم قط من قتال وإنما يثبت حتى ينصر أو ينصرف من غير هزيمة ألا تراهم يفتحون مدينة الروم بالتكبير فيكبرون التكبيرة الأولى فيسقط ثلثها ويكبرون الثانية فيسقط الثلث الثاني من السور ويكبرون الثالثة فيسقط الثالث فيفتحونها من غير سيف وهذا هو عين الصدق الذي هو النصر إخوان * قال الشيخ هؤلاء الوزراء دون العشرة وفوق الخمسة لأن لرسول الله صلى الله عليه وسلم في مدة إقامته خليفة من خمس إلى تسع للشك الذي وقع في وزرائه فلكل وزير معه إقامة سنة فإن كانا خمسة عاش خمسة وإن كانوا سبعة عاش سبعة وإن كانوا تسعة عاش تسعة أعوام ولكل عام منها أهوال (أحوال خ ل) مخصوصة وعلم يختص به ذلك الوزير فما هم أقل من خمسة ولا أكثر من تسعة * قال الشيخ ويقتلون كلهم إلا واحدا منهم في مرج الشام في المأدبة الإلهية التي جعلها الله تعالى مائدة للسباع والطيور والهوام * قال الشيخ وذلك الواحد الذي يبقى لا أدري هل هو ممن استثنى الله في قوله : ونفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله أو هو بموت في تلك النفخة * قال الشيخ محيي الدين : وإنما شككت في مدة إقامة المهدي إماما في الدنيا ولم اقطع في ذلك بشيئ لأني ما طلبت من الله ذلك أدبا معه تعالى أن أسأله في شيئ من ذات نفسي قال ولما سلكت معه هذا الأدب قيض الله تعالى بأحد من أهل الله عز وجل فدخل علي وذكر لي عدد هؤلاء الوزراء ابتداءا وقال لي هم تسعة فقلت له إن كانوا تسعة فإن بقاء المهدي لا بد أن يكون تسع سنين فإني عليم بما (*)

ص 217

(هامش)

يحتاج إليه وزيره فإن كان واحدا جميع ما تحتاج إليه وزراءهم وإن كانوا أكثر من واحد فما يكون أكثر من تسعة فإنه إليها انتهى الشك من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في قوله خمسا أو سبعا أو تسعا يعني في إقامة المهدي تشجيعا لخواص أصحابه ليطلبوا العلم ولا يقنعوا بالتقليد فإنه قال : ما يعلمهم إلا قليل فافهم . قال : وجميع ما يحتاج إليه وزراء المهدي في قيامهم تسعه أمور لا عاشر لها ولا تنقص عن ذلك وهي نفوذ البصر ومعرفة الخطاب الإلهي عند الالقاء وعلم الترجمة عن الله وتعيين المراتب لولاة الأمر والرحمة في الغضب وما يحتاج إليه الملك من الأرزاق المحسوسة وغيرها وعلم تداخل الأمور بعضها على بعض والمبالغة والاستقصاء في قضاء حوائج الناس والوقوف على علم الغيب الذي يحتاج إليه في الكون في مدته خاصة * فهذه تسعة أمور لا بد أن تكون في وزراء المهدي من واحد فأكثر وأطال الشيخ في شرح هذه الأمور بنحو عشرة أوراق ، ثم قال : واعلم أن ظهور المهدي عليه السلام من أشراط قرب الساعة كذلك خروج الدجال فيخرج من خراسان من أرض الشرق موضع الفتن يتبعه الأتراك واليهود ويخرج إليه من إصبهان وحدها سبعون ألفا مطيلسين وهو رجل كهل أعور العين اليمنى كان عينه عنبه طافية مكتوب بين عينيه كاف فاء راء * قال الشيخ محيي الدين فلا أدري هل المراد بهذه الهجاء كفر من الأفعال الماضية أو أراد به كفر من الأسماء ؟ إلا أن الألف حذفت كما حذفها العرب في خط المصحف في مواضع مثل ألف الرحمن بين الميم والنون (فإن قلت) فما صورة ما يحكم به المهدي إذا خرج هل يحكم بالنصوص أو بالاجتهاد أو بهما (فالجواب) كما قاله الشيخ محيي الدين أنه يحكم بما ألقى إليه ملك الالهام من الشريعة وذلك أنه يلهمه الشرع المحمدي فيحكم به كما أشار إليه حديث المهدي أنه يقفو أثري لا يخطئ ، فعرفنا صلى الله عليه وآله وسلم أنه متبع لا مبتدع وأنه معصوم في حكمه إذ لا معنى للمعصوم في الحكم إلا أنه لا يخطئ ، وحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يخطئ فإنه لا ينطق (*)

ص 218

(هامش)

عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى وقد أخبر عن المهدي إنه لا يخطئ وجعله ملحقا بالأنبياء في ذلك الحكم * قال الشيخ فعلم أنه يحرم على المهدي القياس مع وجود النصوص التي منحه الله إياها على لسان ملك الالهام بل حرم بعض المحققين على جميع أهل الله القياس لكون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مشهودا لهم فإذا شكوا في صحة حديث أو حكم رجعوا إليه في ذلك فأخبرهم بالأمر الحق يقظة ومشافهة وصاحب هذا المشهد لا يحتاج إلى تقليد أحد من الأئمة غير رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال الله تعالى : قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وأطال في ذلك ثم قال فللإمام المهدي أيضا الاطلاع من جانب الحق على ما يريد الحق تعالى أن يحدثه من الشئون قبل وقوعها في الوجود ليستعد لذلك قبل وقوعها ، فإن كان ذلك مما فيه منفعة لرعية شكر الله عز وجل وسكت عنه ، وإن كان مما فيه عقوبة بنزول بلاء عام أو على أشخاص معينين سأل الله تعالى فيهم وشفع وتضرع إليه فصرف الله عنهم ذلك البلاء بفضله ورحمته وأجاب دعائه وسؤاله (فإن قلت) فإذا عمى الله تعالى عليه حكما في نازلة ماذا يفعل (فالجواب) إذا عمى الله تعالى عليه حكما في نازلة ولم يقع له بها تعريف ولا كشف ألحقها في الحكم بالمباحات فيعلم بعد التعريف أن ذلك حكم الشرع فيها فإنه معصوم من الرأي والقياس في الدين إذ القياس ممن ليس بنبي حكم على الله في دينه بما لم يعلم فإنه طرد علة وما يدري العبد لعل الله لا يريد طرد تلك العلة ولو أنه كان أرادها لأبانها على لسان محمد صلى الله عليه وسلم وأبان بطردها وأطال في ذلك ثم قال : واعلم أنه لم يبلغنا إن النبي صلى الله عليه وسلم ونص على أحد من الأئمة بعده أن يقفو أثره لا يخطئ إلا المهدي خاصة فقد شهد له بعصمته في خلافته وأحكامه كما شهد الدليل العقلي بعصمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يبلغه عن ربه من الحكم المشروع له في عباده (فإن قلت) فإذا نزل عيسى عليه السلام فمتى يموت وكيف يموت (فالجواب) كما قاله الشيخ في الباب التاسع والستين وثلاثمأة أنه يموت إذا قتل الدجال وذلك أنه (*)

ص 219

وأما ثانيا فلأن قوله : لو كان كذلك لجاء الله بقوم يحاربهم ويقهرهم ويردهم إلى الدين الحق الخ . مردود : بأنه لا دلالة للآية على أن الله تعالى يأتي بقوم يحارب المرتدين ويقهرهم بالسيف والسنان كما يشعر به كلام هذا المسمى بالإمام ، وإنما صريح مدلول الآية : أنه يأتي في مقابل المرتدين بقوم راسخين في الدين مؤيدين بالحق واليقين أعم من أن يقع بينهما قتال أم لا ، فجاز أن يأتي الله تارة بقوم ينصرون الدين ويقاتلون المرتدين بالسيف والسنان وتارة بقوم منصورين بالحجة والبرهان . نعم لما حمل أهل السنة الآية على ذلك أجابت الشيعة على سبيل مجاراة (1) الخصم بأنه جاز أن يكون المراد بها عليا عليه آلاف التحية والثناء على هذا التقدير أيضا لأنه قاتل المرتدين من الناكثين (2) والقاسطين والمارقين فقوله : فهي تدل على أن كل من صار مرتدا عن دين الإسلام فإن الله يأتي بقوم يقهرهم ويبطل شوكتهم مردود كما ترى ، وكذلك قوله : لوجب بحكم الآية أن يأتي الله بقوم يقهرهم ويبطل مذهبهم لما عرفت إن حكم الآية أعم من ذلك اللهم إلا أن يراد بقهرهم وإبطال مذهبهم إقامة الحجة والبرهان دون استعمال السيف والسنان وهذا حاصل بحمد الله تعالى للشيعة أيدهم الله بنصره في ساير (3) الأزمنة ، ولهذا ترى هذا المتسمى

(هامش)

يموت هو وأصحابه في نفس واحد فيأتيهم ريح طيبة تأخذهم من تحت آباطهم يجدون لها لذة كلذة الوسنان الذي قد جهده السهر وأتاه في السحر العسيلة سميت بذلك لحلاوتها فيجدون للموت لذة لا يقدر قدرها ثم يبقى بعدهم رعاع كغثاء السيل أشباه البهائم فعليهم تقوم الساعة . إنتهى ما أهمنا نقله من كلام العرف الشعراني في اليواقيت وفيه كفاية لمن تيقظ وتدبر . (1) إشارة إلى ما اصطلح عليه علماء البلاغة وعبروا عنه بتعابير مختلفة : منها أنه عبارة عن بعض مقدمات الخصم كي يلزم ، ومنها ما عن بعض من أنه المداراة مع الخصم كي تتم عليه الحجة ويتضيق المحجة إلى غير ذلك من العبائر . (2) قد مر المراد بهذه العناوين مرارا فراجع . (3) السائر هنا بمعنى الجميع مشتق من سور البلد لا بمعنى الباقي المشتق من السؤر وقد (*)

ص 220

بالإمام قد ماج عقله وهاج (1) بقله واختل كلامه وانحل زمامه (2) عند تكلمه هيهنا في رد استدلال الشيعة بهذه الآية الواحدة فسود ورقة كلها هذر وجلها شذر (3) مذر وهو يعلم أنه محجوج لكن هوى الأصول (4) الفاجر يحمله على سوء المكابرة وأما ثالثا فلأن ما ذكره من أن أمر الشيعة بالضد يدل على أنه لم يعرف معنى الضد إذ المضادة إنما يتحقق لو حكموا بارتداد الشيعة من حيث مخالفتهم لهم في مسألة الإمامة ولم يحكم بذلك هذا الرجل ولا أحد من أهل نحلته (5) فكيف يقولون بذلك مع أن مسألة الإمامة عندهم من الفروع كما مر . والمجتهد المخالف في شيئ من الفروع وكذا مقلده لا يكون فاسقا فضلا عن أن يكون مرتدا ، فغاية أمر الشيعة أن يكونوا قوما مقهورين للمستولين في زمانهم من أهل الردة ينتظرون حضور إمامهم ودنوا الوقت الذي وعدهم الله بقوله : فسوف يأتي الله بقوم الآية (6) ولهذا قال الشيخ ابن العربي : إن أسعد الناس حالا بالمهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف هو شيعة الكوفة كما مر فافهم . وأما قوله إن الشيعة ممنوعون عن إظهار مقالاتهم ممنوع ولو سلم فقد جرت عادة الله على إيصال مقالاتهم وحججهم إلى الملحدين

(هامش)

نص على استعمال سائر بمعنى الجميع أبو علي الفارسي في الأمالي والحريري في الدرة . (1) في القاموس هاج يهيج هيجا وهيجانا وهياجا بالكسر ثار كاهتاج وتهيج أثار ، والإبل عطشت والنبت يبست . ثم الجملة مثل مولد وقيل من الأمثال الجاهلية ، يقال فيمن يطلب حجته وضعفت قوته ونفذت شوكته وزالت رياسته . (2 ) لا يخفى أن هذه الجملة من باب الاستعارة بالكناية المصطلحة لدى علماء البيان . (3) شذر مذر قال في القاموس : يقال وتفرقوا شذر مذر بكسر أولهما ذهبوا في كل وجه . (4) إيماء وتلويح إلى نسب الرازي إذ هو تيمي وعدوي أبا وأما . (5) في العدول عن الملة إلى النحلة ما لا يخفى على اللبيب الفطن وجهه . (6) المائدة . الآية 54 . (*)

ص 221

المرتدين نصرة للدين المبين كما أوصل هذه المقالة ونحوها إلى فخر الدين وفاء بما وعده بقوله : وكان حقا علينا نصر المؤمنين (1) وأما رابعا فلأن ما ذكره في الوجه الثاني من المقام الثاني من أن أبا بكر هو الذي تولى محاربة المرتدين غير مسلم وما شرحه سابقا مما لا ينشرح به صدر من له قلب ، وذلك لأنا لا نسلم أن الذين ارتكب أبو بكر قتالهم كانوا من أهل الردة لما منسبق أن من عدهم أبو بكر وأصحابه من أهل الردة كانوا قسمين (2) قسم لم يؤمن قط كأصحاب مسيلمة (3) وسجاح فهؤلاء كانوا كفارا حربين لم يسلموا قط فإطلاق الارتداد عليهم مخالف للعرف واللغة والثاني قوم منعوا الزكاة من أن يدفعوها إلى أبي بكر وفرقوها على فقراء قومهم لاعتقادهم عدم استحقاق أبي بكر للخلافة وأن المنصوص عليه هو علي (ع) كما مر تفصيلا وهذا لا يوجب الارتداد عن الدين كما لا يخفى . وأما خامسا فلأن ما ذكره في الوجه الأول من الجواب عن الالزام اللازم له من أن القوم الذين قاتلهم أبو بكر من أهل الردة ما كانوا موجودين في الحال فبطلانه ظاهر لأن رئيس فرقة ممن سموهم مرتدين كان مسيلمة وسجاح وهم كانوا في زمان النبي (ص) ورئيس بني (4) حنيف كان مالك (5) بن نويرة وهو كان من

(هامش)

(1) الروم . الآية 47 . (2 ) قد مر نقل هذه العبارة من كتاب المحلي لابن حزم الأندلسي فراجع . (3) قد مرت ترجمتهما في أوائل هذا المجلد . (4) قد مر المراد بهم في (ج 2 ص 394) . (5) هو مالك بن نويرة بن حمزة التميمي اليربوعي في التجريد ص 53 ما لفظه : له وفادة واستعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم على صدقات قومه وقضيته مشهورة قتله خالد بن الوليد زمن أبي بكر انتهى . (*)

ص 222

الصحابة وكذا الكلام في بني كندة (1) فإن رئيسهم كان أشعث بن (2) قيس الذي صار صهرا لأبي بكر بعد حكمه بارتداد . وأما سادسا فلأنه يتوجه على ما ذكره من الوجه الثاني أنه إن أراد بالقدرة والتمكن من الحرب والاستقلال فيه قدرة أبي بكر وتمكنه بنفسه فهو لم يكن أبدا

(هامش)

أقول من الفجايع الواقعة في الصدر الأول قضية قتله وما عومل بأهله وحريمه بعد امتناعهم من رد الزكاة لعمال الشخص الأول معللين بأن المتقمص غير من نص عليه النبي صلى الله عليه وسلم فكيف تؤدى إليه الزكاة ورأيت بعض علماء القوم يتشبث في الذب عن الجناة بكل حشيش ولا غرو وفقد قيل حب الشيئ يعمي ويصم أعاذ الله عباده من الانهماك في العصبية العمياء ونسأله أن يوفقهم باتباع الحق الحقيق بالقبول . (1) قد مر المراد بهم في (ج 2 ص 394) (2) هو الأشعث بن قيس بن معد يكرب بن معاوية بن جبلة بن عدي الكندي في التجريد (ص 34) : ما لفظه : اسمه معد يكرب أبو محمد وفد سنة عشر في قومه ، كانوا ستين راكبا فأسلموا ثم ارتد فيمن ارتد فحوصر وأتي به لي الصديق أسيرا فقال استبقني لحربك وزوجني أختك فزوجه ، فلما زوجه دخل سوق الإبل فاخترط سيفه فجعل لا يرى جملا ولا ناقة إلا عرقبه فصاح الناس كفر الأشعث ، فلما فرغ طرح سيفه وقال : إن هذا الرجل زوجني أخته ولو كنا ببلادنا لكانت لي وليمة غير هذا يا أهل المدينة انحروا وكلوا إلى أن قال : وكان ممن ألزم عليا بالحكمين الخ . وقال الخزرجي في الخلاصة (ص 33 طبع مصر) إنه نزل الكوفة ، وعن الهيثم ذهبت عينه يوم اليرموك وولي آذربايجان مات بعد أمير المؤمنين عليه السلام بأربعين ليلة سنة 40 عن ثلاث وستين انتهى . أقول والرجل حاله معلوم وكذا بنوه وبناته عاملهم الله بسوء صنيعهم مع الآل . (*)

ص 223

قادرا على أقل من ذلك أيضا وإنما كان مرافقته مع عسكر الرسول كمصاحبة الحجر (1) الموضوع بجنب الانسان بل أدون حالا ، لأنه كان يفر والحجر لا يفر وإن أراد التمكن والقدرة بمعونة غيره من المهاجرين والأنصار فهذه القدرة كانت حاصلة للنبي (ص) مع زيادة لأن القوم وهم أبو بكر وجماعة المهاجرين والأنصار الذين قاتلوا المرتدين بإشارته كانوا موجودين في زمان النبي (ص) حاضرين في خدمته ، فلما معنى تخصيص الله تعالى إنذاره للمرتدين بإتيان ذلك القوم بعد زمان النبي (ص) كما يقتضيه سياق الكلام على أن هذا التوجيه لا يتمشى بالنسبة إلى قتال مانعي الزكاة فإن المنع منهم لم يتحقق في زمان نزول الآية حتى يصح أن يقال : إن أبا بكر لم يكن في ذلك الزمان قادرا مستقلا في قتالهم ، فإن القدرة والاستقلال على شيئ فرع وجوده كما لا يخفى . وأما سابعا فلأن ما ذكره من أن اسم المرتد إنما يتناول من كان تاركا لشرايع الإسلام الخ ، مردود بأن الناكثين والقاسطين والمارقين كانوا عند الإمامية مرتدين فإنكارهم للأصل الخامس من أصول الشرايع وهو الإمامة وقد مر (2) بيان أصالة هذه المسألة في أوائل هذا الباب فتذكر . وأما ثامنا فلأن قوله : وما كان أحد يقول : إن عليا إنما يحاربهم لأجل أنهم خرجوا عن الإسلام ، إن أراد به أن أحدا من أهل السنة لم يقل فمسلم ، ووجهه ظاهر ، لأنهم قرروا أن الإمامة من الفروع كما مر لكن هذا لا يقوم حجة وإن أراد أن عليا وشيعته القائلين بأن الإمامة من الأصول لم يقولوا بذلك فممنوع والسند (3) ما روي

(هامش)

(1) هذا مثل مولد يضرب في حق من لا أثر لوجوده ولا جدوى في مصاحبته . (2 ) ونزيد هنا أن النيسابوري في تفسيره روى عن الثعلبي بسنده عن ابن مسعود خبرا يدل على أن الإمامة من الأصول ، ورواه الحافظ الأندلسي وغيرهما فتدبر . (3) كما مر الكلام مشبعا في أوائل البحث حول هذه الآية الكريمة . (*)

ص 224

عن علي (ع) من أنه قال يوم الجمل : ما قوتل أهل هذا الآية حتى اليوم ويؤبده ما روي في صحيحي البخاري ومسلم من حديث الحوض المشهور الدال على ارتداد بعض جماعة من الصحابة وسيذكرها (1) المصنف بعد ذلك في الموضع اللايق بهما وسأنبهك إن شاء الله تعالى في تحقيق حديث (2) الطير على شيئ مما تطلع به على الفئة التي وصفهم الله سبحانه في هذا الآية بالمحبة التي اشتق منها اسم حبيبه لتطلع على حقيقة النسبة التي هي بين النبي (ص) والولي . ويظهر لك أن إنكار الإمامة كإنكار النبوة وإنكار النبوة كإنكار الألوهية ، فعلم أن معرفة الإمام والاعتراف بحقه شطر الأيمان ولولا ذلك لم يحكم الله سبحانه على منكرها بالارتداد ، إذ محصل معنى الآية وعيد لمن أنكرها وارتد بذلك عن دين الإسلام ، بإتيان فئة يعرفون صاحبها ويعترفون بحقه يحبهم الله ويحبونه لمحبتهم إياه والقيام بمودته والبرائة من أعدائه اللهم اجعلنا من زمرة الذين أنعمت عليهم بمحبة أحبائك والبرائة من أعدائك إنك على كل شيئ قدير وبالاجابة والتفضل حقيق وجدير . وأما تاسعا فلأن ما ذكره في الوجه الثاني من أنه لو كان كل من نازعه في الإمامة كان مرتدا لزم الخ قد عرفت جوابه سابقا مما ذكرناه ونقلناه عن النيشابوري . وأما عاشرا فلأن ما ذكره في بيان كون محاربة أبي بكر أعلى حالا من المرتدين مردود بأن ذلك فرع ثبوت أن محاربته كانت مع المرتدين وقد عرفت بطلانه ، وأيضا كيف يكون ذلك أعلى حالا مع أن عليا (ع) جاهد المرتدين من أكابر قريش الذين كانوا ذوي الشوكة والعدد بنفسه وأبو بكر كان قاعدا في قعر

(هامش)

(1) في سرد أخبار الفضائل بعد الفراغ عن سرد الآيات . (2) حديث مشهور مروي من طرق الفريقين وسيأتي ذكر مداركه أيضا في روايات الفضائل . (*)

ص 225

المبيت يبعث جماعة من أصحاب النبي (ص) إلى قتل المخذولين من أعراب البادية الذين كان ضعفهم ظاهرا كقوة الأصحاب وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما (1) . وأما الحادي عشر فلأن قوله : لما فعل أبو بكر ذلك استقر الإسلام الخ غير مسلم وإنما استقر بذلك إمامته وسلطنته لأنهم كانوا ينكرون إمامته ويتوقفون في دفع الزكاة إليه وكانوا يثيرون عليه باقي القبائل بقولهم : إن الإمامة حق أهل البيت دونه كما مر . وأما الثاني عشر فلأن قوله : ولما انتهى الأمر إلى علي (ع) فكان الإسلام انبسط الخ مدخول بأن المنبسط إنما كان إسلام العوام وأما الخواص من قريش ومن وافقهم وهم العمدة في عساكر الإسلام فالمفروض أنهم ارتدوا بعد النبي (ص) فكان الخطيب معهم أجل وأعظم وقتالهم أشد وأصعب كما لا يخفى على من اطلع على تفاصيل حرب الجمل وصفين وما ظهر فيها عن قريش من (2) الداء الدفين وأما الثالث عشر فلأن قوله : لأنه لما ثبت بما ذكرناه أن هذه الآية مختصة وقوله : فلما ثبت أن المراد بهذه الآية أبو بكر ثبت اه مجاب بما قيل : ثبت (3) العرش ثم انقش ، وكذا الكلام فيما ذكره في الصفة الثانية . وأما الرابع عشر فلأن استفاضة الخبر الذي ذكره للتأكيد ممنوعة ، ومن العجب أن الخبر الذي نقله الشيعة إلزاما لهم من كتبهم المحكوم عليها بالصحة عندهم يرد بأنه من باب الآحاد ، وهذا الخبر الذي ليس عنه في تلك الكتب عين ولا أثر يسمى

(هامش)

(1) النساء . الآية 95 . (2) يطلق ذلك على الحقد الكامن والضغائن المضمرة . (3) هو من الأمثال المولدة الشهيرة السائرة يقال لمن أراد إثبات شيئ مبتن على شيئ آخر والمبنى لم يثبت بعد . (*)

ص 226

مستفيضا . ومن المضحكات قوله بعيد ذلك : إن أبا بكر كان يذب عنه الكفار في مكة فإن النبي (ص) لم يكن (1) يقدر على ذب الكفار ما دام في مكة فضلا عن أبي بكر ، ولهذا أذن بعض المؤمنين بالمهاجرة إلى الحبشة وهو بنفسه هرب إلى الغار ومنه إلى المدينة ووفد على الأنصار ، نعم لم يكن أحد من قريش يتعرض لأبي بكر لعلمهم بنفاقه أو لأنه كان معلم (2) صبيانهم في الجاهلية ، وأكثر شبانهم كانوا تلاميذه فيسامحونه رعاية لحق التعليم ، أو لأن وجوده وعدمه كان سواء في مقام الآباء والتسليم . وأما الخامس عشر فلأن قوله : كيف لم يلتفت على قول أحد وأصر على أنه لا بد من المحاربة مع مانعي الزكاة الخ مدفوع بأن عدم التفاته في ذلك إلى قول أحد وإصراره فيه إنما كان لما ظنه من أن إنكارهم يوجب الاخلال في خلافته وليس في هذا ما يوجب مدحه ، وكذا الكلام في إظهاره الخروج إلى قتال القوم وحده لأن إظهاره لذلك إنما كان اعتمادا منه على غلبة ظنه بأن الأصحاب يمنعونه عن الخروج أو لتيقنه أنه لو خرج لخرج معه أكثر المهاجرين والأنصار ، لابتلائهم بإطاعته وقبوله خلافته وكان واثقا بأن الأمر الذي حصل آخرا بإمرة خالد بن الوليد مع سرية خفيفة يحصل مع ألوف من المهاجرين والأنصار من غير أن يحتاج إلى الفرار . وأما السادس عشر فلأن ما ذكره من أن قوله تعالى : يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم : مشترك بين علي وأبو (أبي خ) بكر فغيره سلم . فإن الخوف من لومة اللائم لم يكن متوهما في قتال من ارتد من العرب في زمان أبي بكر حتى يوصف

(هامش)

(1) لأنه (ص) كان مأمورا من قبل الله سبحانه وتعالى على التبليغ والغزو بالطرق والأسباب العادية ، ومن المعلوم أنه لم يكن له حينئذ عدة ولا عدة . وأما بغير السبل العادية فكان في منتهى القدرة البشرية والشهامة وكل ذلك من مواهب ربه الكريم . (2) قد مر في ج 1 مستند هذا وسيأتي في المطاعن أيضا . (*)

ص 227

فاعله بعدم الخوف من ذلك ، وإنما كان يتوهم في قتال الناكثين والقاسطين والمارقين الذين كان فيهم كثير من أصحاب سيد الأنام ومن المتظاهرين بالاسلام ، كيف وفي الطايفة الأولى طلحة وزبير من أكابر المشهورين بالصحبة وفيهم عايشة زوجة رسول الله (ص) ، وفي الطايفة الثانية معاوية خال المؤمنين ومعه ثلاثة عشر طايفة من طايفة قريش مع الأهل والأولاد ، والظاهر أن أكثرهم أيضا كانوا من الصحابة . وأما الفرقة الثالثة وهم الخوارج فكانوا في أعداد الصلحاء وأهل القرآن فكان محل اللوم لكن ما كان هو وأصحابه يخافون من لومة أي لائم كان ، لأنهم كانوا على الحق (1) فلا يخافون غير الله ومن المضحكات نسبة الجهاد إلى أبي بكر في أول بعث النبي (ص) وفي زمان إقامته بمكة اللهم إلا أن يراد بذلك الجهاد إنكاره للكفار بقلبه وهذا أيضا في محل المنع عندنا . وأما السابع عشر فلأن قوله : وأما علي (ع) فإنما شرع في الجهاد يوم بدر واحد وفي ذلك الوقت كان الإسلام قويا وكانت العساكر مجتمعة الخ يدل على أنه ورث الأضغان البدرية عن أسلافه من أهل الجاهلية ، وذلك لأن العساكر من المهاجرين والأنصار كانوا في يوم بدر ثلاثمأة وبضعة عشر وقتل علي (ع) نصف المقتولين (2) من عسكر الخصم بنفسه وقتل الباقي باقي الأصحاب مع الملائكة (3) المسومين وكانوا

(هامش)

يدورون معه حيثما دار ويصيرون أين ما صار وسيأتي ما يدل على ذلك نقلا من المآخذ المعتبرة لدى القوم التى عليها اعتمدوا وإليها استندوا . (2) فإن المقتولين في بدر عددهم سبعون . وقيل أربعون ، وقيل غير ذلك ، وأيا ما كان فقتل هو عليه أكثر النصف وحده وشارك الغير في بقية النصف وقتل النصف الآخر سائر الأصحاب كما في المغازي للواقدي وفي عقد الفريد (ج 3 ص 32) في مطاوي مناظرة المأمون العباسي مع الفقهاء فراجع . (3 ) مقتبس من قوله تعالى في سورة آل عمران الآية 3 . (*)

ص 228

في أحد أقل من ذلك وفي الأحزاب احتاجوا إلى حفر الخندق والتحصن به إلى أن فتح الله تعالى على يد علي (ع) بقتل عمرو بن عبدود . وقال (1) فيه رسول الله (ص) لضربة علي (ع) يوم الخندق أفضل من عبادة الثقلين ، وكذا الحال في خيبر وحنين

(هامش)

(1) قد وردت في هذا الشأن روايات كثيرة وسنوردها عند تعرض المصنف للسنة ولنكتف باليسير هنا فنقول إن ممن ذكر هذا الخبر عن النبي العلامة البلخي المير محمد صالح الكشفي الترمذي في كتاب المناقب المرتضوية (ص 55 طبع بمبئي) حيث قال : مؤلف گويد حديث فضربة على يوم الأحزاب خير من عبادة الثقلين بعد از جنك مرتضى على باعمرو بن عبدود واقع شده . وكذا العلامة الفاضل المحقق المعاصر القاضي محمد المشتهر ببهلول بهجت أفندي الزنگزورى في كتاب (تاريخ آل محمد) ص 57 . وكذا العلامة الثقة الأمين السيد سليمان بن إبراهيم القندوزي البلخي في كتابه النفيس (ينابيع المودة) ص 137 في باب 46 حيث قال : وفي المناقب عن حذيفة اليمان رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ضربة علي يوم الخندق أفضل أعمال أمتي إلى يوم القيامة . إنتهى . والظاهر أن مراده بالمناقب كتاب الحافظ ابن مردويه أو الحافظ ابن المغازلي الشافعي وممن ذكر الحديث الحافظ أبو بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي المتوفى سنة 463 في تاريخ بغداد جزء 13 ص 19 الطبع الأول حيث قال : حدثنا أبو عبد الله الحسين بن الحسن ابن شداد ، قال : حدثني محمد بن سنان الحنظلي ، حدثني إسحاق بن بشر القرشي عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (لمبارزة علي بن أبي طالب لعمرو بن عبدود يوم الخندق أفضل من عمل أمتي إلى يوم القيامة . (*)

ص 229

وقد فر (1) أبو بكر في هذه الوقايع كما تدل عليه الأخبار ويشعر به كلام (2) ابن *

(هامش)*

(1) وقد صرح بذلك جمع القوم : (منهم) الهيتمي في مجمع الزوائد (ج 9 ص 123 ط مصر) (ومنهم) العلامة المتقي في منتخب كنز العمال (المطبوع بهامش المسند ج ص 44 ط مصر) حيث صرح بفرار أبي بكر وعمر في غزوة أحد وكذا فرارهما في غزوة خيبر . (ومنهم) شارح المواقف في (ج 2 ص 475 ط الاستانة) صرح فيه بفرارهما في غزوة حنين . (ومنهم) ابن قتيبة في كتاب المعارف (ص 54 ط مصر) صرح بفرارهما في غزوة حنين ( ومنهم) العلامة ملا معين الدين الكاشفي في معارج النبوة (الركن الرابع ص 270 ط لكهنو) (ومنهم) العلامة المير محمد صالح الكشفي الترمذي في مناقب مرتضوى (ص 404 ط بمبئي) (ومنهم) الحافظ أبو عوانة يعقوب بن إسحاق الاسفرائني المتوفى سنة 310 (ج 1 ص 55 طبع حيدر آباد) (2) فراجع القصائد العلويات السبع للعلامة عبد الحميد بن أبي الحديد المعتزلي البغدادي (ص 18 في القصيدة الثانية البيت 27 طبع بيروت) وقد شرحنا سيدنا العلامة صاحب المدارك بشرح لطيف قد طبعه العلامة شرف العترة وجمال الأسرة نسابة آل الرسول آية الله والدي المرحوم السيد شمس الدين محمود الحسيني المرعشي النجفي المتوفى سنة 1338 قبل سنين في بلدة تبريز . (*)

ص 230

أبي الحديد المعتزلي في بعض الأشعار حيث قال شعر وليس ينكر في حنين فراره * ففي أحد قد فر خوفا وخيبرا ولو كان الإسلام في تلك الأيام قويا بكثرة أهل الإسلام وقلة أهل الكفر فقد كان فرار أبي بكر بالغا غاية العار ونهاية العوار ، بل كانت (1) كبيرة مفضية إلى النار . وأما الثامن عشر فلأن قوله : إن جهاد أبي بكر كان متقدما على جهاد علي (ع)

(هامش)

(1) لكونه فرارا عن الزحف وهو إحدى الكبائر عند أصحابنا وعند أكثر العامة (منهم) الشيخ أحمد ابن حجر المكي في كتابه الذي سماه بالزواجر في اقتراف الكبائر (ج 2 ص 143) طبع مصر وعده الكبيرة الثامنة والتسعين بعد الثلاث مأة وأخرج في ذلك أحاديثه عن الشيخين والطبراني والبغوي والبزار والنسفي وابن مردويه وابن حبان وأحمد وغيرهم . فمنها ما نقله عن أحمد أنه قال (ص) خمس لهن كفارة ، الشرك بالله ، وقتل النفس بغير حق ، وبهت مؤمن والفرار من الزحف ويمين صابرة يقتطع بها مالا بغير حق انتهى . (ومنهم) العلامة الشيخ علي المتقي الهندي المتوفى سنة 975 في كتابه كنز العمال (ج 5 ص 519) في حديث طويل من جملاته قوله عليه السلام : وإن أكبر الكبائر عند الله يوم القيامة الشرك بالله وقتل النفس المؤمنة بغير حق والفرار في سبيل الله يوم الزحف وعقوق الوالدين ورمي المحصنة وتعلم السحر وأكل الربا وأكل مال اليتيم إلى غير ذلك من كلماتهم ورواياتهم وكفى في كونه كبيرة عده في سياق ما سمعت من الشرك وغيره أضف إلى ذلك قوله تعالى : ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير ، وإن رمت الوقوف على أكثر مما تلونا عليك فراجع كتاب نجاة الغافلين للشيخ ضياء الدين أحمد الگمشخانوى وكتاب الطريقة المحمدية للشيخ محمد بن مصطفى الاقكرماني والسنن للبيهقي والكبائر لابن حجر العسقلاني وغيرها من كتب القوم (*)

ص 231

في الزمان فكان أفضل لقوله تعالى (1) : لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل ، إنما يتم لو ثبت أنه قاتل قبل علي (ع) وقد عرفت أن القتال ومبارزة الاقتران لم يقع عن أبي بكر قط ولم يذكر له في الإسلام جريح فضلا عن قتيل مدة حياة رسول الله (ص) وبعد وفاته . وكذا قد عرفت بطلان ما ذكره في الوجه الثاني من أن جهاد أبي بكر كان في وقت ضعف الخ وستعرف (2) أن نسبة الانفاق إلى أبي بكر إنما هي من موضوعات أهل النفاق فكيف يلزم التفضيل . وأما التاسع عشر فلأن ما ذكره في الصفة الرابعة مما لا يخفى وهنه على من رجع إلى ما ذكره في موضع استدلاله على ذلك بقوله : ولا يأتل أولي الفضل منكم ، فإنه ذكر في تفسير هذه الآية أيضا تشكيكات ومخالطات لا ينخدع بها إلا حمقاء أهل نحلته (3) ، ولنذكر روما للاختصار وتنبيها على صدق إظهارنا للرد والانكار عمدة ما بنى عليه هناك من المقدمات الفاسدة والدعاوي الكاذبة الكاسدة . فقول قال : أجمع المفسرون على أن المراد من قوله : أولوا الفضل ، أبو بكر ، وهذه الآية تدل على أنه كان أفضل الناس بعد رسول الله (ص) لأن الفضل المذكور في هذه الآية ، أما في الدنيا وأما في الآخرة ، والأول باطل ، لأنه تعالى ذكره في معرض المدح ، والمدح بالدنيا من الله غير جايز ، ولأنه لو كان كذلك ، لكان قوله : والسعة تكريرا ، فتعين أن يكون المراد منه الفضل في الدين فلو كان غير مساو له في الدرجات في الدين ، لم يكن هو صاحب الفضل ، لأن المساوئ للفاضل يكون فاضلا ، فلما أثبت الله تعالى الفضل مطلقا غير مقيد بشخص دون شخص وجب أن يكون أفضل الخلق ترك العمل به في حق الرسول (ص) ،

(هامش)

(1) الحديد الآية 10 . (2) عند الكلام في آية النجوى . (3 ) قف على لطف التلويح في كلمة النحلة بدل الملة . (*)

ص 232

فيبقى العمل به في الغير ، فإن قيل : نمنع إجماع المفسرين على اختصاص هذه الآية بأبي بكر . قلنا : كل من طالع كتب التفسير والأحاديث على أن اختصاص هذه الآية بأبي بكر بلغ إلى حد التواتر ، فلو جاز منعه ، لجاز منع كل متواتر (إنتهى) وأقول : يتوجه عليه أولا لا نسلم إجماع المفسرين من أهل السنة على ذلك فضلا عن اتفاق مفسري الشيعة معهم ، بل قد ذهب جماعة من أهل السنة أيضا على أنها نزلت في جمع من الصحابة حلفوا أن لا يتصدقوا على من تكلم بشيئ من الإفك ولا يواسوهم ، ويؤيدهم لفظة (أولوا) بصيغة الجمع وعلى تقدير أنه ورد في قصة مسطح ومنع أبي بكر الصدقة عنه مع إباء لفظة (أولوا) بصيغة الجمع عنه كما أشرنا إليه ، فلم لا يجوز أن يكون نزولها في شأن مسطح أصالة وأبي بكر بالعرض ؟ وما الذي جعل القضية منعكسة ؟ مع ظهور أن المقصود الأصلي من الآية المواساة مع مسطح وسد خلته والرد على من خالف ذلك كما لا يخفى ، وأما قوله : لو جاز منع هذا لجاز منع كل متواتر ، ففيه أنه إن أراد تواتره لفظا فتوجه المنع عليه ظاهر لا مدفع له ، لأن النقاد من أهل الحديث حصروا الأخبار المتواترة لفظا في الواحد (1) أو الاثنين (2) أو الثلاث (3) ، وإن أراد به التواتر المعنوي ، فليس هنا روايات متعددة مستفيضة يكون القدر المشترك بينها متواترا ، فلا يثبت التواتر المعنوي وثانيا أن ما قاله من أن الله تعالى ذكره في معرض المدح ممنوع ، ولعله توهم

(هامش)

وهو قوله (ص) إنما الأعمال بالنيات عند بعض المحدثين أو بعثت لأتمم مكارم الأخلاق أو قوله لا عمل إلا بالنية عند آخر إلى غير ذلك من الأقوال . (2) وهما إحدى المذكورات أولا وقوله لا نكاح إلا بولي عند بعض محدثيهم أو غير ذلك من الأقوال . (3) هي الاثنان المذكوران مع قوله (ص) خلق الله الماء طهورا عند عدة من المحدثين إلى غير ذلك من الاحتمالات والأقوال . (*)

ص 233

هذا من الوصف العنواني في الفضل والسعة ولم يعلم أن مثل هذا الوصف قد يعرض للكافر السخي الذي له فضل حاجة وغنى وسعة ، بل قد يجتمع مع الذم ، فيقال : إن القوم الفلاني مع كونهم من أولوا الفضل والسعة يبخلون بما آتيهم الله تعالى ، ويقال : إن أبا بكر وأضرابه من الأصحاب مع ما نسب إليهم من المال والانفاق قد بخلوا عند نزول آية النجوى عن تقديم صدقة ، بين يدي نجوى النبي (ص) حتى نسخت الآية فافهم ، وذق إنك أنت العزيز الكريم (1) ، ومن العجب إنه ذكر قبيل هذا الكلام أن المراد من قوله : ولا يأتل أولي الفضل ، لا تقصروا في أن تحسنوا ، فحمل الفضل على الاحسان والاعطاء ثم نسي ذلك بعد سطور وأصر في أن المراد الفضل بمعنى زيادة الثواب أو العلم ، مع أن الفضل بهذين المعنين لا يظهر لهما وجه هيهنا إذ كثير من أهل الفضل بمعنى زيادة الثواب أو العلم لا يقدرون على إنفاق صلة الرحم وأقل من ذلك ، وكذا نمنع أن المدح من الله تعالى بالدنيا غير جايز ، كيف ؟ وقد وقع التمدح بها في القرآن بقوله : وكذلك مكنا ليوسف في الأرض يتبوء منها حيث يشاء (2) الآية إلى غير ذلك ، فإن التبوء في الأرض الذي هو من نعم الدنيا لو لم يكن ممدوحا ، لما مكن الله تعالى يوسف منه على نبينا وآله وعليه السلام منه بل نقول : الآية قادحة في فضيلة أبي بكر ، لاشتمالها على نهيه تعالى عما أتى به أبو بكر من الحلف على أن لا ينفق مسطحا ومن معه ، كما روي (3) في شأن النزول ، فدلت الآية على صدور المعصية من أبي بكر ، وما أجاب به هذا المتسمى بالإمام في أواخر هذا المقام : من أن النهي لا يدل على وقوعه قال الله تعالى لمحمد (ص)

(هامش)

(1) الدخان . الآية 49 . (2) يوسف . الآية 56 . (3) وقد مر في صدر الكلام بيان شأن نزول الآية وما رواه القوم هذا المضمار . (*)

ص 234

ولا تطع الكافرين (1) ولم يدل ذلك على أنه (ع) أطاعهم الخ مدخول بأن مجرد النهي وإن لم يدل على ذلك ، لكن ما رواه هذا المجيب من شأن النزول سابقا ، صريح في الوقوع حيث قال : لما نزلت آية الإفك ، قال أبو بكر لمسطح وقرابته : قوموا فلستم مني ولست منكم ولا يدخلن علي أحد منكم ، فقال مسطح : أنشدكم الله والاسلام وأنشدكم القرابة والرحم أن لا تخرجنا إلى أحد ، فما كان لنا في أول الأمر من ذنب فلم يقبل عذره ، وقال : انطلقوا أيها القوم ، فخرجوا لا يدرون أين يذهبون ؟ وأين يتوجهون من الأرض الخ فإنه صريح في ترك النفقة عنهم ولو في يوم والانكار مكابرة ، على أن المنع عن الحلف الواقع قطعا كان في ثبوت المعصية كما لا يخفى ، وحمل النهي على التنزيه من ترك الأولى كما ارتكبه من ضيق الخناق (2) ، مردود بأن الأصل في النهي التحريم ، وحمله على التنزيه من باب ترك الأولى ، وفي شأن الأنبياء سلام الله عليهم أجمعين إنما ارتكبه العلماء بمعونة قيام دليل عصمتهم ، وإذ لا عصمة لأبي بكر يكون الحمل فيه محالا . وثالثا أن ما توهمه من لزوم التكرار إنما يلزم لو كان الفضل بمعنى الزيادة على الحاجة في الدنيا متحدا في المعنى مع السعة وليس كذلك ، لأن معنى السعة أوسع مما يملكه الشخص زيادة على حاجته ، فلا يلزم التكرار . ورابعا أن ما ذكره من أنه لو كان غير مساو له في الدرجات لم يكن هو صاحب الفضل الخ فيه من الخبط ما لا يخفى ، لظهور أن مساواة فاضل لآخر في الدرجة ، إنما ينافي أفضليته عن ذلك ، لا أنه ينافي صدق كونه فاضلا ، أو صاحب فضل كما توهمه ، وقوله : فلما أثبت تعالى الفضل مطلقا الخ بناء على مهدوم ، لما عرفت من انتفاء الاطلاق مطلقا فافهم

(هامش)

(1) الأحزاب . الآية 1 . (2) لكونه خلاف الأصل العقلائي بلا قرينة . (*)

ص 235

وأما العشرون فلما في قوله : إنا بينا بالدليل أن هذه الآية لا بد وأن يكون في أبي بكر الخ من الاشتباه والالتباس والبناء على غير أساس . وأما الحادي والعشرون فلأن ما ذكره من أن خبر يوم خيبر من باب الآحاد ، مسلم لكنه مستفيض ، بل يكاد أن يكون متواتر المعنى ، وما ذكره : من أن خبر الواحد لا يجوز التمسك به عند الإمامية (1) في العمل فكيف يجوز التمسك به في العلم ؟ مدفوع : بأن القول بعدم اعتبار خبر الواحد ، قول شذوذ من الشيعة كما هو قوله شذوذ (2) من أهل السنة أيضا على ما ذكر في كتب الأصول ، ولو سلم فجاز أن يكون التمسك به إلزاميا (3) لجمهور أهل السنة القائلين بحجية خبر الواحد . وأما الثاني والعشرون ، فلأن قوله : إثبات هذه الصفة لعلي (ع) لا يوجب انتفائها عن أبي بكر ، لا يسمن ولا يغني من جوع (4) لظهور فضل من ثبت له ذلك على من لم يثبت له وإن لم يقتض نفيه عنه في الواقع فإن عدم اقتضاء النفي أمر مشترك بين

(هامش)

(1) أخذ هذا الكلام عن ظاهر عبائر بعض القدماء وما درى مرمى القائل ومغزاه على أن الحق المنصور المتأيد بالأدلة حجية الخبر الموثوق به كان سببه اجتماع شرائط الصحة في السند أو القرائن الداخلية أو الخارجية كما سنشير إلى ذلك في قسم المسائل الأصولية إن شاء الله تعالى مضافا إلى أن خبر خيبر كما سيأتي في الفضائل مما نقله جمع كثير من حفظة القوم وأثباتهم بحيث لا يبقى هناك ريب ولا شك إلا عند من تعود بالمناقشة في البديهيات والضروريات ، عصمنا الله من اتباع الأهوية والميول الأمارة ، القائدة السائقة أربابها إلى الضلال آمين آمين . (2) من القائلين بينهم بعدم اعتبار ابن الملك البخاري على ما عزى إليه في كتاب العقود والردود وسيأتي إن شاء الله تعالى في القسم الأصولي من الكتاب نقل كلامه . (3) قد مر المراد بالدليل الالزامي في مصطلح علم المناظرة فراجع . (4) مقتبس من قوله تعالى في سورة الغاشية . الآية 7 . (*)

ص 236

أبي بكر وساير من لا يدل اللفظ على ثبوت ذلك لهم حتى عبد أبي بكر ، على أن سوق الكلام صريح في الدلالة على انتفاء ذلك عن الغير مطلقا ، وأما ما ذكره بقوله : وبتقدير أن يدل على ذلك لكنه يدل الخ فمردود بأن تلك الصفات متلازمة ، فنفي بعضها ككونه كرارا غير فرار يستلزم نفي الباقي وهو محبة الله تعالى ورسوله له ومحبته لله ورسوله ، لظهور أن محبة الشخص لله ورسوله وإخلاصه لهما ، يقتضي أن تهون عليه نفسه ، فلا يفر عن أعدائهما ويجاهد في الله حق جهاده ، وكذا محبة الله ورسوله يستلزم تأييده في الجهاد بعدم فراره ، خصوصا إذا لم يكن المقاومة مع العدو فوق الطاقة البشرية كما كانت في القضية المذكورة ، بل الوصفان الأولان بمنزلة العلة للوصفين الآخرين فكان في الكلام تعريض (1) للرجلين بأن فرارهما إنما كان لعدم محبتهما لله ورسوله وبالعكس ، فظهر أن اللفظ بمعونة الاستلزام والعلية المذكورين يدل على ذلك كما لا يخفى على من تأمل في مقتضيات الحال والمقام وأما ما ذكره بقوله : وأيضا فهو تعالى إنما أثبت هذه الصفة للمذكور في هذه الآية الخ فمدخول بأنه : لو سلم أن الآية بمجردها لا يمنع عن حصول تلك الصفة لأبي بكر في الزمان المستقبل ، لكن التواريخ (2) والسير قد دلت على أنه لم تحصل تلك الصفة لأبي بكر قط في المستقبل من الزمان أيضا ، اللهم إلا أن

(هامش)

(1) هو من أقسام الكناية عند علماء البيان ويقال له الكناية العرضية أيضا ، لأن الكناية مسوقة لأجل موصوف غير مذكور ، فمن ثم أطلق عليه التعريض لأنه إمالة الكلام إلى عرض يدل على المقصود يقال عرضت لفلان وبفلان وإن شئت الوقوف على تفاصيل أقسام التعريض ومراتبها المختلفة وضوحا وخفاء ودرجاتها المتفاوتة في الحسن فعليك بالمطولات من كتب البيان والله العاصم . (2) إذ لم يذكر فيها اتصافه بتلك الصفة الفاضلة والكتب ها هي بين يديك فراجع السير والمغازي والتواريخ والتراجم على تشعبها وتنوعها . (*)

ص 237

يقال : إنه اتصف بكونه غير فرار في الزمان المستقبل وأيام خلافته لقراره في ذلك الزمان في بيته والتزامه للعافية وعدم خروجه عن المدينة لقتال ولا صيد ضب ، وهذا مما لا يمكن إنكاره كما لا يخفى . وأما الثالث والعشرون فلأن قوله : ما ذكرناه تمسك بظاهر القرآن وما ذكروه تمسك بالخبر المنقول بالآحاد فغير مسلم لأن الشيعة أيضا تمسكوا بظاهر القرآن ، لكنهم جعلوا التمسك بالخبر أصلا ودليلا والظاهر مؤيدا له ودعوى الظهور فيما ذهبوا إليه أظهر كما أوضحناه ، بل نقول : ليس ظهور الآية في دلالتها على القوم المعين بوجه يصلح للاحتجاج به لأن ما يمكن أن يتوهم منه ظهور ذلك لا يخلو إما أن يكون قوله تعالى : ومن يرتد فلا دلالة له على ذلك قطعا ، لما ذكره هذا الرجل سابقا : من أن كلمة (من) في معرض الشرط للعموم ، فهي تدل على أن كل من صار مرتدا عن الإسلام ، فإن الله يأتي بقوم يقهرهم الخ فلا دلالة له على خصوص من قاتلهم أبو بكر ، إذ لا دلالة للعام على الخاص فضلا عن ظهور دلالته على شيئ وإما أن يكون لفظ قوم في قوله تعالى يأتي الله بقوم ، ولا ريب في أن مفهوم القوم أمر كلي يتساوى صدقه على أفراده كالانسان بالنسبة إلى أفراده ، فدعوى أنه ظاهر في الدلالة على أبي بكر ومن وافقه في قتال أهل الردة تحكم لا يخفى ، وأما الأوصاف فقد عرفت أن دعوى ظهور انطباقها على حال أبي بكر خارج عن الانصاف ولو فتح أبواب التفسير بمثل هذا الظهور لأمكن دعوى ظهور دلالة قوله تعالى : يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم على إرادة إضاعة رجل اسمه نور الله ، (1) وكان له أعداء وحساد وكذا جاز دعوى

(هامش)

(1) لا يخفى ما فيه من لطف التلويح إلى اسم مولينا العلامة القاضي الشهيد مؤلف هذا الكتاب الشريف وكان قدس سره محسودا لعلماء الدولة التيمورية الأكبرية والجهان گيرية وقضاتها سيما الأحناف منهم . (*)

ص 238

ظهور ما نقله (1) جلال الدين السيوطي (2) الشافعي في كتاب الاتقان عن ابن فورك (3) في تفسيره في قوله تعالى : ولكن ليطمئن قلبي ، أن إبراهيم كان له صديق وصفه بأنه قلبه أي ليسكن هذا الصديق إلى هذه المشاهدة إذا رآها عيانا ، انتهى مع أنهم عدوا مثل هذا التفسير من التفسيرات المنكرة التي لا يحل الاعتماد (4) عليها ، ولنعم ما قال بعض العلماء (5) : إن في تفسير فخر الدين الرازي كل شيئ إلا التفسير وأما الرابع والعشرون فلأنا لا نسلم أن قوله تعالى : ولسوف يرضى ورد في حق أبي بكر ، بل روي (6) أنه وارد في حق أبي ذر أو أبي الحداد (7) كما نقله

(هامش)

(1) ذكره في الاتقان (ج 2 ص 186 ط الجديد بمصر) (2) قد مرت ترجمته في (ج 2 ص 35) . (3) قد مرت ترجمته في (ج 2 ص 206) فراجع . (4) كما في الاتقان وقد عقد فصلا لذلك فليراجع . (4) كما في الاتقان وقد عقد فصلا لذلك فليراجع . (5) القائل هو المولى أحمد الهروي حفيد المحقق التفتازاني صرح به في كتاب الفوائد في العلوم المختلفة والنسخة مخطوطة . (6) كما في أسباب النزول للحافظ الواحدي الشيخ أبي الحسن علي بن أحمد النيسابوري (ص 335 ط المطبعة الهندية بالقاهرة) حيث نقل نزول الآية الشريفة في حق ابن الدحداح فراجع . (7) في تجريد أسماء الصحابة المنسوب إلى الحافظ الذهبي (ج 2 ص 175) ما لفظه : أبو الدحداح الأنصاري حليفهم الذي قال : يا رسول الله الله يريد منا القرض وقال واسع ابن حبان : هلك أبو الدحداح فأعطى رسول الله ميراثه ابن أخته أبا لبابة (ب د ع) أبو الدرداء اسمه عويمر بن مالك من بني الحارث من الخزرج كان حكيم الأمة الخ ثم إن صاحب التجريد ذكره في (ص 226 ج 2) بعنوان ابن الدحداح والقول بنزولها في (*)

ص 239

شارح الطوالع (1) عن الواحدي (2) في تفسيره ، وقد بينا في رسالتنا المعمولة لتحقيق هذه الآية ، أنه لا مناسبة بالآية للرواية التي اختلقوها لنزولها في أبي بكر فارجع إليها . وأما الخامس والعشرون فلأن الحديثين الذين ذكرهما في معرض المعارضة من الموضوعات (3) المشهورة الملومة المدحورة عند محدثي أهل السنة أيضا ، كما صرح به الشيخ المحدث مجد الدين (4) الفيروزآبادي الشافعي في خاتمة كتابه الموسوم بسفر

(هامش)

حق أبي الدحداح مذكور في تفسير الخازن ج 7 ص 213 وكذا في معالم التنزيل في هامش تفسير الخازن 7 ص 213 (1) قد مرت ترجمته في (ج 2 ص 9) (2) قد مرت ترجمته في أوائل هذا الجزء . (3) كما سنذكر عن قريب كلمات الفطاحل من القوم في كونهما من الموضوعات فاصبر إن الصبر مفتاح الفرج (4) هو العلامة اللغوي المحدث أبو طاهر مجد الدين محمد بن يعقوب بن محمد بن إبراهيم عمر بن أبي بكر الصديقي الشيرازي الفيروزآبادي ، وأمره في الإحاطة بلغات العرب والتنقيب والبحث أشهر من أن يذكر ، له كتب متنوعة أعرفها كتاب القاموس في اللغة الذي عليه تدور رحى الإفادة والاستفادة وتوجهت إليه الهمم بالتعليق عليه والشرح والنفد ، طبع مرات ، ومن تآليفه كتاب سفر السعادة وكتاب نزهة الأذهان في تاريخ أصفهان ، وكتاب منح الباري في شرح صحيح البخاري وكتاب شوارق الأسرار العلية في شروح مشارق الأنوار النبوية للصاغاني ، وكتاب بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز ، وكتاب تجبير المؤمن فيما يقال بالسين والشين وكتاب المرقات الأرفعية في طبقات الشافعية ، وكتاب الأحاديث الضعيفة ، وكتاب الاسعاد بالاصعاد إلى درجة الاجتهاد ، إلى غير ذلك من الآثار ، تجول في أكثر البلاد الإسلامية (*)

ص 240

السعادة حيث قال : أشهر المشهورات من الموضوعات : إن الله (1) يتجلى للناس

(هامش)

إلى أن سكن في بلدة (زبيد) وصار قاضي القضاة في البلاد اليمنية ، ثم نال رتبة مشيخة الإسلام ، يروي عن جماعة : منهم ناصر الدين أبو عبد الله محمد جهول ، توفي سنة (816) أو (817) بزبيد من بلاد يمن ، ودفن في بقعة الشيخ إسماعيل الجبروتي ، فراجع الريحانة (ج 3 ص 236) والشذرات وغيرهما . ثم الفيروزآبادي نسبة إلى فيروز آباد شيراز لا فيروز آباد يزد ولا فيروز آباد هرات وغيرها . (1) صرح بوضع حديث التجلي جماعة . (منهم) الحافظ السيوطي في اللآلي (ج 1 ص 286 طبع مصر) وقال ما لفظه : قال الخطيب : إنه لا أصل له ، وضعه محمد بن عبد إسنادا ، رأيت له متابعا ، أخرجه أبو العباس الوليد بن أحمد الزوزني في كتاب شجرة العقل ، قال : حدثنا أبو الحسن الاسواري ، حدثنا محمد بن بيان ، حدثنا الحسن بن كثير حدثني أحمد بن حنبل الشيباني ، حدثنا عبد الرزاق به ، الحسن بن كثير مجهول ومحمد بن بيان إن كان الثقفي فهو متهم بوضع الحديث انتهى . ثم نقل الخبر الموضوع بسند آخر فيه بنوس بن احم بن بنوس ، وقال : بنوس مجهول لايعرف ، وكذا بسند آخر ، وفيه سرقة بن محمد بن عبد فحكم بأن في السند أحدهم سرقة بن محمد بن عبد انتهى . وكذا نقل خبر التجلي بسند آخر ، ثم قال : تفرد به محمد بن خالد وهو كذاب . وقال الذهبي : الحديث مخرج من طريق الحتلي ، وأحسبه وضعه . ونقل الحديث أيضا عن الخطيب بسند فيه علي بن عبده وأنه قال : علي بن عبده يضع . ونقل الحديث عن ابن عدي وأنه حكم ببطلانه . (*)

 

الصفحة السابقة الصفحة التالية

شرح إحقاق الحق (ج3)

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب