الصفحة السابقة الصفحة التالية

شرح إحقاق الحق (ج19)

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب

ص 501

أن تكون، هل هو إلا مركب ركبته أو ثوب لبسته أو امرأة أصبتها. رواه في سير أعلام النبلاء (ج 4 ص 405 ط بيروت).

كلماته ع في جواب أسئلة هشام:

قال الزبير في النسب: حدثني عبد الرحمن بن عبد الله الزهري: قال: حج الخليفة هشام، فدخل الحرم متكئا على يد سالم مولاه، ومحمد بن علي بن الحسين جالس، فقال: يا أمير المؤمنين هذا محمد بن علي. فقال: المفتون به أهل العراق؟ قال: نعم. قال: اذهب إليه فقل له: يقول لك أمير المؤمنين ما الذي يأكل الناس ويشربون إلى أن يفضل بينهم يوم القيامة؟ فقال له محمد: يحشر الناس على مثل قرصة النقي، فيها الأنهار مفجرة. فرأى هشام أنه قد ظفر فقال: الله أكبر، اذهب إليه، فقل له: ما أشغلهم عن الأكل والشرب يومئذ! ففعل. فقال: قل له: هم في النار أشغل، ولم يشغلوا أن قالوا أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله [الأعراف:]. رواه في سير أعلام النبلاء (ج 4 ص 405 ط بيروت).

(ومن كلامه عليه السلام)

صلاح من جهل الكرامة في هوانه. رواه في التذكرة الحمدونية (ص 268 ط بيروت).

(ومن كلامه عليه السلام)

المسترسل موقى والمحترس ملقى. رواه في التذكرة الحمدونية (ص 268 ط بيروت).

ص 502

(ما روي من كلماته عليه السلام)

في المشرع الروي (ص 37 ط القاهرة): ما دخل قلب امرئ شيء من الكبر إلا نقص من عقله مثل ما دخل من الكبر. ما من عبادة أفضل من عفة بطن وفرج. ليس شيء مميل الإخوان إليك مثل الاحسان إليهم. بئس الأخ يرعاك غنيا ويقطعك فقيرا. اعرف المودة في قلب أخيك بما له في قلبك.

(ومن كلامه عليه السلام)

في تفسير قوله تعالى أولئك يجزون الغرقة بما صبروا : الغرفة الجنة بما صبروا، قال على الفقر في الدنيا. رواه في عدة الصابرين (ص 146 ط دار الكتب في بيروت).

(ومن كلامه عليه السلام)

لما سئل محمد بن علي بن الحسين: لم فرض الله تعالى الصوم على عباده؟ فقال: ليجد الغنى من الجوع فيحنو على الضعيف. رواه في التذكرة الحمدونية (ص 115 ط بيروت).

(ومن كلامه عليه السلام)

عاتب أخاك بالاحسان إليه، واردد شره بالإنعام عليه. رواه في التذكرة الحمدونية (ص 388 ط بيروت).

ص 503

(ومن كلامه لابنه)

يا بني إياك والكسل والضجر فإنهما مفتاح كل شر، فإنك إن كسلت لم تؤد حقا وإذا ضجرت لم تصبر على حق. رواه في الأنوار القدسية (ص 35 ط مصر).

سائر ما رواه من كلماته عليه السلام

في التذكرة الحمدونية (ص 35 ط مصر). قال: قال عليه السلام: الغنى والعز يجولان في قلب المؤمن، فإذا وصلا إلى مكان فيه التوكل جعلاه وطنا. وقال جابر الجعفي: قال لي محمد بن علي: إني لمحزون وإني لمشتغل القلب. قلت: وما شغل قلبك وما حزنك؟ قال: يا جابر إن من دخل قلبه صافي خالص دين الله عز وجل شغله عما سواه. يا جابر ما الدنيا، وما عسى أن تكون هل هو إلا مركب ركبته أو ثوب لبسته أو امرأة أصبتها. يا جابر إن المؤمنين أهل التقوى أيسر أهل الدنيا مؤنة وأكثرهم معونة، إن نسيت ذكروك وإن ذكرت أعانوك قوالين بحق الله تعالى قوامين بأمر الله، فأنزل الدنيا منزلا نزلت فيه وارتحلت عنه أو كخيال أصبته في منامك فاستقظيت وليس معك منه شيء، فاحفظ الله فيما استرعاك من دينه وحكمته. وقال: ما اغرورقت عين بمائها إلا حرم الله عز وجل صاحبها على النار وإن سالت على خده لم ير وجهه قتر ولا ذلة، وما من شيء إلا له أجر إلا الدمعة فإن الله تعالى يكفر بها بحور الخطايا، ولو أن باكيا بكى في أمة لحرم الله تلك

ص 504

الأمة على النار. وعن عبد الله بن عطاء قال: ما رأيت العلماء عند أحد أصغر علما منهم عند أبي جعفر محمد، فقد رأيت الحكم عنده كأنه متعلم. وقال: كان لي أخ في عيني عظيم، والذي عظمه في عيني صغر الدنيا في عينه. وكان يقول في جوف الليل: اللهم إنك أمرتني فلم أئتمرو زجرتني فلم أنزجر وهذا عبدك بين يديك فبم أعتذر. وقال: ما من عبادة أفضل من عفة بطن وفرج وما من شيء أحب إلى الله تعالى من أن يسأل، وما يدفع القضاء إلا الدعاء، وإن أسرع الخير ثوابا البر وأسرع الشر عقوبة البغي، وكفى بالمرء عيبا أن يرى من الناس ما يعمى عنه من نفسه، وأن يأمر الناس بما لا يستطيع التحول عنه، وأن يؤذي جليسه بما لا يعنيه.

ص 505

مستدرك ما أوردناه

(في فضائل الإمام جعفر بن محمد الصادق) (عليه السلام)

قد تقدم جملة مما ورد في كتب أعلام أهل السنة وأعاظمهم في المجلد الثاني عشر (ص 7 إلى ص 294) ونستدرك هيهنا بعض ما لم ننقله هناك أو نقلناه عن غير من ننقل عنه هيهنا.

نسبه وميلاده ووفاته

وممن لم ننقل عنه العلامة الشيخ إبراهيم بن يسين السنهوتي الشافعي في الأنوار القدسية (ص 36 ط السعادة بمصر) قال: الإمام جعفر الصادق رضي الله عنه، ناهيك بإمام ورث مقام النبوة والصديقية فازدهرت في طلعته أنوار العلوم والمعارف الحقيقية، لأن جده سيد الشهداء الإمام الحسين، وأمه أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وأمها أسماء بنت عبد الرحمن أن أبي بكر الصديق، أخذ الحديث عن أبيه وجده

ص 506

لأمه وعروة وعطاء ونافع والزهري، وعنه السفيانان ومالك والقطان، خرج له الجماعة سوى البخاري. قال أبو حاتم: ثقة لا يسأل عن مثله. وله كرامات كثيرة ومكاشفات شهيرة. إلى أن قال: كانت ولادته سنة ثمانين للهجرة، وهي سنة سيل الحجاف، وقيل بل ولد يوم الثلاثاء قبل طلوع الشمس ثامن شهر رمضان سنة ثلاث وأربعين. وتوفي في شوال سنة ثمان وأربعين ومائة بالمدينة ودفن بالبقيع في قبر فيه أبوه محمد الباقر وجده علي زين العابدين وعم جده الحسن بن علي رضي الله عنهم أجمعين. فلله دره من قبر ما أكرمه وأترفه وأشرفه. ثم ولداه ولد اسمه القاسم، وللقاسم بنت اسمها أم كلثوم، وهما المدفونان بالقرافة بقرب الإمام الليث بن سعد على يسار الداخل من الدرب المتوصل منه إليه. ومنهم العلامة الشيخ زين الدين عمر بن مظفر الحنفي الشهير بابن الوردي المتوفى سنة 749 في كتابه تاريخ ابن الوردي (ج 1 ص 266 طبع المطبعة الحيدرية في الغري الشريف) قال: ثم دخلت سنة ثمان وأربعين ومائة وفيها توفي جعفر الصادق بن محمد الباقر ابن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم، سمي الصادق لصدقه.

ص 507

ومنهم العلامة الشيخ عبد الوهاب عبد اللطيف الأستاذ بجامعة الأزهر في كتابه المبتكر الجامع لكتابي المختصر والمعتصر في علوم الأثر (ص 132 ط دار الكتب الحديثية بالقاهرة) قال: جعفر الصادق بن محمد الباقر بن زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم، العلوي الهاشمي، أبو عبد الله المدني. وأمه أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر، وهو من أجلة التابعين. وكان ورعا تقيا عابدا زاهدا فصيحا، وكان يلبس الجبة الخشنة الغليظة القصيرة من الصوف على جسده ويلبس الحلة الخزعلي ظاهره ويقول نلبس الجبة لله والخز لكم، فما كان لله أخفيناه وما كان للناس أظهرناه . قال فيه عمر بن المقدام: كنت إذا رأيت جعفر بن محمد علمت أنه من سلالة النبيين. دخل عليه أبو حنيفة فقال: يا أبا حنيفة بلغني أنك تقيس، لا تفعل فإن أول من قاس إبليس. ومنهم العلامة الشيخ محمد بن شاكر بن أحمد الشافعي في عيون التواريخ (ج 6 ص 29) قال: وفيها (أي سنة ثمان وأربعين ومائة) توفي جعفر بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب. إلى أن قال: مولده سنة ثمانين. إلى أن قال: وتوفي في هذه السنة ودفن بالبقيع عند قبر أبيه محمد الباقر وجده علي زين العابدين وعم جده الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم. فلله دره من قبر ما أكرمه وأشرفه، ولقب بالصادق لصدقه في مقاله.

ص 508

علمه عليه السلام

قد تقدم نقل بعض كلمات القوم فيه في (ج 2 ص 217 إلى ص 227). وممن لم ننقل عنه العلامة السيد محمد بن أبي بكر بن عبد الله بن علوي الحضرمي في المشرع الروي (ص 35 ط القاهرة) قال: وله كلام نفيس جامع في علم التوحيد والحقائق والمعارف وغيرها، وقد ألف جابر بن حيان كتابا يشتمل على ألف ورقة تتضمن رسائل وهي خمسمائة رسالة، ونقل عنه من العلوم ما سارت به الركبان واشتهر صيته في البلدان، وكان يقول: سلوني قبل أن تفقدوني فإنه لا يحدثكم أحد بعدي بمثل حديثي. ومنهم العلامة الشيخ يسين بن إبراهيم السنهوتي الشافعي في الأنوار القدسية (ص 38 ط السعادة بمصر) قال: وكان تلميذه (أي جعفر بن محمد) أبو موسى جابر بن حيان الصوفي الطرسوسي، قد ألف كتابا يشتمل على ألف ورقة تتضمن رسائل جعفر الصادق وهي خمسمائة رسالة. ومنهم العلامة محمد بن شاكر بن أحمد الشافعي في عيون التواريخ (ج 6 ص 30 مخطوط) قال: قال أبو حنيفة: ما رأيت أفقه من جعفر بن محمد، وكان يقول: سلوني قبل أن تفقدوني فإنه لا يحدثكم بعدي بمثل حديثي.

ص 509

أنموذج مما ورد (في خوفه من ربه وخلوصه لله)

منه ما رواه العلامة أبو الفرج جمال الدين سبط ابن الجوزي الحنفي البغدادي في المدهش (ص 162 ط المؤسسة العالمية في بيروت) قال: حج جعفر الصادق فأراد أن يلبي فتغير وجهه، فقيل: ما لك يا بن رسول الله؟ فقال: أريد أن ألبي فأخاف أن أسمع غير الجواب. ومنه ما رواه العلامة الفاضل الشيخ معافي بن زكريا النهرواني الجريري المولود سنة 303 والمتوفى سنة 390 في الجليس الصالح الكافي (ص 86 ط بيروت) قال: حدثنا الحسن بن أحمد بن محمد بن سعيد الكلبي، ثنا محمد بن زكريا، ثنا محمد بن عبد الرحمن التيمي، عن أبيه، قال: وقع بين جعفر بن محمد وبين عبد الله بن حسن كلام في صدر يوم، فأغلظ في القول عبد الله بن حسن، ثم افترقا وراحا إلى المسجد فالتقيا على باب المسجد، فقال أبو عبد الله جعفر بن محمد لعبد الله بن حسن: كيف أمسيت يا أبا محمد. قال: بخير، كما يقول المغضب. فقال: يا أبا محمد! أما علمت أن صلة الرحم تخفف الحساب؟ فقال: لا تزال تجئ بالشئ لا نعرفه. قال: فإني أتلو عليك به قرآنا. قال: وذلك أيضا؟ قال: نعم. قال: فهاته. قال: قول الله عز وجل الذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب . قال: فلا تراني بعدها قاطعا رحما.

ص 510

كرمه عليه السلام

رواه جماعة من أعلام القوم: منهم العلامة الشيخ يسين بن إبراهيم السنهوتي الشافعي في الأنوار القدسية (ص 37 ط السعادة بمصر) قال: وكان (جعفر بن محمد) يطعم المساكين حتى لا يبقى لعائلته شيء.

كراماته عليه السلام

رواها جماعة من أعلام القوم: منهم العلامة الشيخ يسين بن إبراهيم السنهوتي في الأنوار القدسية (ص 36 ط السعادة بمصر) قال: منها أنه سعي به عند المنصور، فلما حج حضر الساعي وأحضروه، فقال للساعي: أتحلف. فقال: نعم، فحلف. فقال جعفر للمنصور: حلفه بما أراه. فقال: قل برئت من حول الله وقوته والتجأت إلى حولي وقوتي لقد فعل جعفر كذا وكذا. فامتنع الرجل ثم حلف فما تم حتى مات مكانه. ومنها: إن الطاغية قتل مولاه فلم يزل ليلته يصلي ثم دعا عليه عند السحر فسمعت الضجة بموته. ومنها: أنه لما بلغه قول الحكم بن العباس الكلبي في عمه زيد: صلبنا لكم زيدا على جذع نخلة * ولم نر مهديا على الجذع يصلب

ص 511

قال: اللهم سلط عليه كلبا من كلابك، فافترسه الأسد. ومنها: ما خرجه الطبري من طريق وهب قال: سمعت الليث بن سعد يقول: حججت سنة ثلاث عشرة ومائة، فلما صليت العصر رقيت أبا قبيس فإذا رجل جالس يدعو. فقال: يا رب يا رب، حتى انقطع نفسه، ثم قال: يا حي يا حي، حتى انقطع نفسه، ثم قال: إلهي إني اشتهيت العنب فأطعمنيه وإن بردي قد خلقا فاكسني. قال الليث: فما تم كلامه حتى نظرت إلى سلة مملوءة عنبا وليس على وجه الأرض يومئذ عنب، وإذا ببردين لم أر مثلهما، فأراد الأكل فقلت: أنا شريكك لأنك دعوت وأنا أؤمن. فقال: كل ولا تخبأ ولا تدخر، ثم دفع إلي أحد البردين، فقلت: لي عنه غنى، فاتزر بأحدهما وارتدى بالآخر ثم أخذ الخلعتين ونزل، فلقيه رجل فقال: ألبسني يا بن رسول الله فدفعهما إليه. فقلت: من هذا؟ قال: جعفر الصادق. قال الليث: فطلبته لأسمع منه فلم أجده. ومنها: أن ابن عمه عبد الله بن المحصى كان شيخ بني هاشم وهو والد محمد وأخيه أرسلوا لجعفر ليبايعهما، وقال: ليست لي ولا لهما إنها لصاحب القباء الأصفر بلعب بها صبيانه، وكان المنصور العباسي حاضرا وعليه قباء أصفر فكان كذلك. وكان مجاب الدعوة فإذا سأل الله شيئا لا يتم قوله إلا وهو بين يديه. ومنها ما رواه جماعة من أعلام القوم:

ص 512

منهم العلامة العارف الخواجة المولوي عبد الفتاح بن محمد نعمان الحنفي الهندي في مفتاح العارف (ص 71 مخطوط) روى من جملة كراماته ما هذه ترجمته: إن عجوزا كانت تبكي لموت بقرة لها، فمر عليها الصادق فقال لها: لماذا تبكين. فقالت: كانت لي بقرة أعيش أنا وأولادي من لبنها. فقال: أتحبين أن يحييها الله تعالى. فقالت: هل تسخر مني، فدعا عليه السلام وسأل من الله احياءها ثم ضرب عليها برجله فقامت البقرة من مكانها، فغاب عن الناس لئلا يعرفوه.

استجابة دعائه عليه السلام

رواها جماعة من أعلام القوم: منهم العلامة الشيخ يسين بن إبراهيم السنهوتي في الأنوار القدسية (ص 36 ط السعاة بمصر) قال: وحج المنصور سنة سبع وأربعين ومائة فقدم المدينة فقال: علي بجعفر ابن محمد قتلني الله إن لم أقتله، فتغافل عنه الربيع لينساه، ثم أعاد ذكره فتغافل عنه وأعاد ذكره ثالثا برسالة قبيحة للربيع، فلما جئ به قال له الربيع العذر إليك فيشدد في طلبك. فقال: لا حول ولا قوة إلا بالله. فلما دخل عليه قال: يا عدو الله اتخذك أهل العراق إماما يحملون إليك زكاة أموالهم وتلحد في سلطاني وبيعتي قتلني الله إن لم أقتلك. فقال جعفر: يا أمير المؤمنين إن سليمان عليه الصلاة والسلام أعطي فشكر، وإن أيوب عليه الصلاة والسلام ابتلي فصبر،

ص 513

وإن يوسف عليه الصلاة والسلام ظلم فغفر، وأنت من ذلك العنصر. فقال له المنصور: إلي عندي أبا عبد الله البرئ الساحة جزاك الله من ذي رحم أفضل ما جازى به ذوي الأرحام عن أرحامهم. ثم تناول يده وأجلسه معه على فراشه وطيبه بيده حتى جعل لحيته قاطرة طيبا، ثم أمر له بجائزة وكسوة وقال: انصرف في حفظ الله وكنفه فانصرف فقال له الربيع: إني رأيت عجبا فما قلت يا أبا عبد الله حين دخلت؟ قال: قلت اللهم احرسني بعينك التي لا تنم واكنفني بركنك الذي لا يرام واحفظني بقدرتك علي لا أهلك وأنت رجائي، اللهم إنك أعظم وأجل مما أخالف واحذر، اللهم بك أدفع في نحره وبك أستعيذ من شره . ومنهم العلامة محمد بن شاكر بن أحمد الشافعي السنهوتي في عيون التواريخ (ج 6 ص 32 مخطوط) روى الحديث بعين ما تقدم عن الأنوار القدسية لكنه قال في آخر الحديث قال منصور: يا ربيع الحق أبا عبد الله جائزته وكسوته. وذكر في الدعاء بدل كلمة أعظم أكبر ، وزاد في آخره اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وسلم . ومنهم العلامة شمس الدين الذهبي الشافعي في سير أعلام النبلاء (ج 6 ص 266 ط الرسالة في بيروت) قال: أخبرنا علي بن أحمد في كتابه، أنبأنا عمر بن محمد، أنبأنا محمد بن عبد الباقي الأنصاري، أنبأنا أبو الحسين بن المهتدي بالله، أنبأنا عبيد الله بن أحمد الصيدلاني، حدثنا أبو طالب علي بن أحمد الكاتب، حدثنا عيسى بن أبي حرب الصفار، عن الفضل بن الربيع، عن أبيه، قال: دعاني المنصور فقال: إن جعفر

ص 514

ابن محمد يلحد في سلطاني قتلني الله إن لم أقتله. فأتيته فقلت: أجب أمير المؤمنين. فتطهر ولبس ثيابا، أحسبه قال جددا، فأقبلت به فاستأذنت له فقال: أدخله، قتلني الله إن لم أقتله. فلما نظر إليه مقبلا قام من مجلسه فتلقاه وقال: مرحبا بالنقي الساحة، البرئ من الدغل والخيانة، أخي وابن عمي، فأقعده معه على سريره وأقبل عليه بوجهه وسأله عن حاله ثم قال: سلني عن حاجتك. فقال: أهل مكة والمدينة قد تأخر عطاؤهم فتأمر لهم به قال: افعل. ثم قال: يا جارية أئتني بالتحفة. فأتته بمدهن زجاج فيه غالية فغلفه بيده وانصرف. فاتبعته، فقلت: يا ابن رسول الله، أتيت بك ولا أشك أنه قاتلك، فكان منه ما رأيت، وقد رأيتك تحرك شفتيك بشيء عند الدخول فما هو؟ قال: قلت اللهم احرسني بعينك التي لا تنام، واكنفني بركنك الذي لا يرام، واحفظني بقدرتك علي، ولا تهلكني وأنت رجائي. رب كم من نعمة أنعمت بها علي قل لك عندها شكري، وكم من بلية ابتليتني بها قل لها عندك صبري، فيا من قل عند نعمته شكري فلم يحرمني، ويا من قل عند بليته صبري فلم يخذلني، ويا من رآني على المعاصي فلم يفضحني، ويا ذا النعم التي لا تحصى أبدا، ويا ذا المعروف الذي لا ينقطع أبدا، أعني على ديني بدنيا، وعلى آخرتي بتقوى، واحفظني فيما غبت عنه ولا تكلني إلى نفسي فيما خطرت يا من لا تضره الذنوب ولا ننقصه المغفرة، اغفر لي ما لا يضرك، وأعطني ما لا ينقصك، يا وهاب أسألك فرجا قريبا، وصبرا جميلا، والعافية من جميع البلايا، وشكر العافية . ومنهم العلامة الفاضل المعاصر الشيخ أحمد الناجي المصري من علماء الأزهر في كتابه الاعتصام بحبل الإسلام (ط السعادة بالقاهرة) قال: حدث عبد الله بن الفضل بن الربيع عن أبيه أنه قال: لما حج المنصور سنة سبع

ص 515

وأربعين ومائة قدم المدينة فقال للربيع: ابعث إلى جعفر بن محمد بن يأتينا به متعبا قتلني الله إن لم أقتله. فتغافل الربيع عنه وتناساه، فأعاد عليه في اليوم الثاني وأغلظ في القوم، فأرسل إليه الربيع، فلما حضر قال له الربيع: يا أبا عبد الله أذكر الله تعالى فإنه قد أرسل لك من لا يدفع شره إلا الله وإني أتخوف عليك. فقال جعفر: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. ثم إن الربيع دخل به على المنصور، فلما رآه المنصور أغلظ له في القول وقال: يا عدو الله اتخذك أهل العراق إماما يجبون إليك زكاة أموالهم وتلحد في سلطاني وتتبع لي الغوائل قتلني الله إن لم أقتلك. فقال جعفر: يا أمير المؤمنين إن سليمان أعطي فشكر، وإن أيوب ابتلي فصبر، وإن يوسف ظلم فغفر، فهؤلاء أنبياء الله وإليهم يرجع نسبك ولك بهم أسوة حسنة. قال المنصور: أجل يا أبا عبد الله ارتفع إلى هنا عندي. ثم قال: يا أبا عبد الله إن فلانا أخبرني عنك بما قلت لك. فقال: أحضره يا أمير المؤمنين لوافقني على ذلك، فأحضر الرجل الذي سعى به إلى المنصور فقال له المنصور: أحقا ما حكيت لي عن جعفر. فقال: نعم يا أمير المؤمنين. فقال جعفر: حلفه بما تختار فقال له جعفر: قل برئت من حول الله وقوته والتجأت إلى حولي وقوتي لقد فعل جعفر كذا وكذا. فامتنع الرجل، فنظر إليه المنصور نظرة منكرة له فحلف بها، فما كان بأسرع من أن ضرب برجله الأرض وخر ميتا مكانه. فقال المنصور: جروا برجله وأخرجوه. ثم قال: لا عليك يا أبا عبد الله أنت البرئ الساحة السليم الناحية المأمون الغالية علي بالطيب، فأتي بالغالية فجعل يفلق بها لحيته إلى أن تركها تقطر وقال: في حفظ الله وكلائته، وألحقه يا ربيع بجوائز حسنة وكسوة سنية. قال الربيع: فلحقته بذلك ثم قلت: يا أبا عبد الله رأيتك تحرك شفتيك وكلما حركتها سكن غضب المنصور، بأي شيء كنت تحركها؟ قال: بدعاء

ص 516

جدي الحسين. قلت: وما هو يا سيدي. قال اللهم يا عدتي عند شدتي ويا عوني عند كربتي أحرسني بعينك التي لا تنام واكنفني بركمك الذي لا يرام وارحمني بقدرتك علي فلا أهلك وأنت رجائي، اللهم إنك أكبر وأجل وأقدر مما أخاف وأحذر، اللهم بك أدرأ في نحره واستعيذ من شره إنك على كل شيء قدير . قال الربيع: فما نزلت بي شدة ودعوت به إلا فرج الله به عني. قال الربيع: وقلت له: منعت الساعي بك إلى المنصور من أن يحلف بيمينه وأحلفته بيمينك، فما كان إلا أن أخذ لوقته ما السر فيه؟ قال: لأن في يمينه توحيد الله وتمجيده وتنزيهه، فقلت يحلم عليه ويؤخذ عنه العقوبة وأحببت تعجيلها إليه فاستحلفته بما سمعت فأخذه الله لوقته. وقد كتب رضي الله عنه كتاب الجفر فيه كل ما يحتاجون إلى علمه إلى يوم القيامة. ومنهم العلامة أبو القاسم علي بن الحسن الشهير بابن عساكر الدمشقي في تاريخ مدينة دمشق (والنسخة مصورة من مخطوطة جاع السلطان أحمد في اسلامبول) قال: قرأت بخط أبي الحسن دنتا بن نطيف وأبنائه أبو القاسم علي بن إبراهيم وأبو الوحش سبيع بن مسلم عنه، أنا أبو القاسم حمزة بن عبد الله بن الحسين الطرابلسي بها، نا أبو الحسن محمد بن أحمد بن طالب البغدادي، نا أبو بكر بن دريد، نا الحسن بن خضر، عن أبيه، حدثني مولى له بجيلة من أهل الكوفة، حدثني رزام مولى خالد بن عبد الله القسري قال: بعث أبي المنصور إلى جعفر بن محمد بن علي ابن الحسين عليهم السلام وأمه أم فروة بنت قاسم بن محمد بن أبي بكر. قال: فلما أقبلت به إليه المنصور بالحيرة وعلونا النجف نزل جعفر بن محمد عن راحلته.

ص 517

فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة فصلى ركعتين ثم رفع يديه. قال رزام: فدنوت منه فإذا هو يقول اللهم بك أستفتح وبك أستنجح وبمحمد عبدك ورسولك أتوسل، اللهم سهل حزونته وذلل لي صعوبته وأعطني من الخير أكثر ما أرجو واصرف عني من الشر أكثر مما أخاف . ثم ركب راحلته، فلما وقف بباب المنصور وأعلم بمكانه فتحت الأبواب ورفعت الستور، فلما قرب من المنصور قام إليه فتلقاه وأخذ بيده وما شاه حتى انتهى به إلى مجلسه فأجلسه فيه، ثم أقبل إليه يسأله عن حاله وجعل جعفر يدعو له، ثم قال: قد عرفت ما كن مني في أمر هذين الرجلين - يعني محمد وإبراهيم ابني عبد الله بن الحسن - وبري كان بهما وقد استخفي وأخاف أن يشق العصا وأن يلقيا بين أهل هذا البيت شرا لا يصلح أبدا، فأخبرني عنهما. فقال له جعفر: والله لقد نهيتهما فلم يقبلا فتركتهما كراهة أن اطلع على أمرهما وما زلت خاطبا في جعلك مواظبا على طاعتك. قال: صدقت ولكنك تعلم أنني أعلم أن أمرهما لن يخفى عنك ولن تفارقني إلا أن تخبرني به. فقال له: يا أمير المؤمنين أفتأذن لي أن أتلو آية من كتاب الله عليك منتهى عملي وعلمي. قال: هات على اسم الله، فقال جعفر: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم لئن أخرجوا لا يخرجون معهم ولئن قوتلوا لا ينصرونهم ولئن نصروهم ليولن الأدبار ثم لا ينصرون . قال: فخر أبو جعفر ساجدا ثم رفع رأسه فقبل بين عينيه وقال: حسبك.

ص 518

جملة من كلمات الصادق عليه السلام

تقدم نقل بعض كلماته عليه السلام في المجلدات السابقة وننقل ههنا ما لم ننقله هناك عن أعلام القوم وأعاظمهم:

(من كلامه عليه السلام)

الكمال كل الكمال التفقه في الدين، والصبر على النائبة، وتدبير المعيشة. رواه في جامع بيان العلم وفضله (ص 73 ط دار الكتب الحديثية بالقاهرة).

(ومن كلامه عليه السلام) ما موت أحد أحب إلى إبليس من موت فقيه. رواه في جامع بيان العلم وفضله (ص 73 ط دار الكتب الحديثية بالقاهرة).

ص 519

(ومن كلامه عليه السلام)

في قوله تعالى خذ العفو الآية: ليس في القرآن آية أجمع لمكارم الأخلاق منها، ودخل فيها قبول المعاذير، وعدم الاستقصاء والتصديق للقائلين، وقبول الملتبس من الأمور، وعدم مكافأة الجاهل، وعدم المؤاخذة والالتفات إلى قوله والاصغاء إلى سفاهته، ونحو ذلك من الآداب مع الاستمرار على القيام بحق الله تعالى الذي هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر غير مأخوذ في ذلك بلومة لائم. رواه في شرح الخمسمائة آية (ص 109).

(ومن كلامه عليه السلام)

وجدنا العلم كله في أربع: أولها أن تعرف ربك، والثاني أن تعرف ما صنع بك، والثالث أن تعرف ما أراد منك، والرابع أن تعرف ما تخرج به من ذنبك. وقال بعضهم: ما يخرجك من دينك. رواه في جامع بيان العلم وفضله (ص 9 ط دار الكتب الحديثية بالقاهرة)

(ومن كلامه عليه السلام)

عندما ذكر عنده قول النبيّ صلّى عليه وآله وسلم النظر إلى وجه العالم عبادة :

ص 520

هو العالم الذي إذا نظرت إليه ذكرك الآخرة، ومن كان على خلاف ذلك فالنظر إليه فتنة. رواه في سمير الليالي (ج 2 ص 385 ط مطبعة البلاغة بطرابلس)

(ومن كلامه عليه السلام)

رواية الحديث وبثة في الناس أفضل من عبادة: رواه في جامع بيان العلم وفضله (ص 28 ط دار الكتب الحديثية بالقاهرة)

(ومن كلامه عليه السلام)

الله أعدل من أن يجبر عبده على معصية ثم يعذبه عليها. فقال السائل: فهل أمرهم مفوض إليهم؟ فقال: الله أعز من أن يجور في ملكه ما لا يريد. فقال له السائل: فكيف ذلك إذا؟ قال: أمر بين الأمرين لا جبر ولا تفويض. رواه في الاعتصام بحبل الإسلام (ص 37 ط السعادة بالقاهرة). قال: إن رجلا قال له: هل العباد مجبرون؟ فقاله.

(ومن كلامه عليه السلام)

كتاب الله على أربعة أشياء العبارة والإشارة واللطائف والحقائق: فالعبارة للعوام، والإشارة للخواص، واللطائف للأولياء، والحقائق للأنبياء. رواه في الوسيلة الأحمدية في شرح الطريقة المحمدية المطبوع بهامش البريقة المحمودية (ج 1 ص 44 ط مصطفى الحلبي بالقاهرة)

ص 521

(ومن كلامه عليه السلام)

إذا جلستم مع الإخوان على المائدة فأطيلوا الجلوس، فإنها الساعة التي لا تحسب عليكم من أعماركم، وقال صلى الله عليه وسلم لا تزال الملائكة تصلي على أحدكم ما دامت مائدته موضوعة بين يديه حتى ترفع . وقال صلى الله عليه وسلم الطعام البارد فيه بركة والطعام الحار لا بركة فيه . وقال صلى الله عليه وسلم الثريد بركة. رواه في البركة في فضل السعي والحركة (ص 205 ط المكتبة التجارية بمصر).

(ومن كلامه ع لأبي حمزة الثمالي)

يا أبا حمزة أتعرف مسجد السهلة؟ قلت: عندنا مسجد يسمى مسجد السهلة. قال: لم أرد سواه، لو أن زيدا أتاه وصلى فيه واستجار فيه بربه من القتل لآجاره، إن فيه موضع البيت الذي كان يخيط فيه إدريس عليه السلام ومنه رفع إلى السماء، ومنه خرج إبراهيم إلى العمالقة، وهو موضع مناخ الخضر، وما أتاه مغموم إلا فرج الله عنه. رواه في آثار البلاد وأخبار العباد (ص 250 ط بيروت).

(ومن مكالمته عليه السلام مع شقيق البلخي)

حكي أن شقيقا البلخي سأل جعفر بن محمد رضي الله عنه وعن آبائه عن الفتوة، فقال: ما تقول أنت. فقال شقيق: إن أعطينا شكرنا وإن منعنا صبرنا. فقال

ص 522

جعفر: هكذا تفعل كلاب المدينة. فقال شقيق: يا بن رسول الله فما الفتوة عندكم؟ قال: إن أعطينا آثرنا وإن منعنا شكرنا. رواه في السيرة النبوية (ج 1 ص 586).

(ومن كلامه ع لحاجب بن عمار)

اضمن لي واحدة أضمن لك ثلاثا: اضمن لي أنك لا تلقي أحدا مواليا في دار الخلافة إلا قمت في قضاء حاجته، وأنا أضمن لك أن لا يصيبك حد السيف أبدا، وأن لا يظلك سقف السجن أبدا، وأن لا يدخل الفقر بيتك أبدا. رواه في البركة في فضل السعي والحركة (ص 168 ط المكتبة التجارية بمصر).

(ومن كلامه عليه السلام)

لم أر أوعظ من المقبرة، ولا آنس من كتاب الله تعالى، ولا أسلم من الوحدة. رواه في سلوة الأحزان (ص 45 ط منشأة المعارف بالاسكندرية).

(ومن كلامه عليه السلام)

اتق الله ولا تقس الدين برأيك، فإنا نقف غدا، نحن وأنت ومن خلقنا بين يدي الله تعالى، فنقول: قال الله، قال رسول الله صلّى عليه وآله وسلم، وتقول أنت وأصحابك: سمعنا ورأينا، فيفعل الله بنا وبكم ما يشاء. رواه في شرف أصحاب الحديث (ص 76 ط أنقرة عاصمة بلاد تركيا).

ص 523

قال: قال ابن شبرمة: دخلت أنا وأبو حنيفة على جعفر بن محمد بن علي فقاله لأبي حنيفة.

(ومن كلامه عليه السلام)

إذا أشكل عليك أول شهر رمضان فعد الخامس من الشهر الذي صمته في العالم الماضي، فإنه أول يوم من شهر رمضان الذي في العام المقبل. رواه في مجموعة اليواقيت المصرية (ص 342).

(ومن كلامه عليه السلام)

الفقهاء أمناء الرسل ما لم يأتوا أبواب السلاطين، فإذا رأيتم الفقهاء ركنوا إلى السلاطين فاتهموهم. رواه في المشرع الروي (ص 24 ط الشرقية في القاهرة).

(ومن كلامه عليه السلام)

ما استطعت أن تلوم العبد عليه فهو فعله، وما لم تستطع فهو فعل الله، يقول الله للعبد: لم عصيت، ولم كفرت؟ ولا يقول: لم مرضت، ولم كنت أسود أو أبيض؟. وسئل عن قوله تعالى فيها يفرق كل أمر حكيم فقال: أمر السنة. فقال السائل: أفيه الزنا؟ فقال: ويحك، أيأمر الحكيم أن يزني. رواه في ترجمة القاضي عبد الجبار البلخي والقاضي عبد الجبار والحاكم الجشمي تأليف الفاضل المعاصر الشيخ فؤاد سيد المغربي المالكي.

ص 524

(ومن كلامه عليه السلام)

إذا بلغكم عن مسلم كلمة فاحملوها على أحسن ما تجدون، فإن لم تجدوا فلوموا أنفسكم. رواه في المشرع الروي (ص 34 ط الشرقية في القاهرة).

(ومن كلامه عليه السلام)

ولا تأكلوا من يد جاعت ثم شبعت. رواه في المشرع الروي (ص 34 ط الشرقية في القاهرة).

(ومن كلامه عليه السلام)

وإذا أذنبت فاستغفر فإنهما هي خطايا مطوقة في أعناق الرجال قبل أن تخلقوا، وإياكم والاصرار على ذنب.

(ومن كلامه عليه السلام)

من استبطأ رزقه فليكثر من الاستغفار. رواه في المشرع الروي (ص 34 ط الشرقية في القاهرة).

(ومن كلامه عليه السلام)

سلوني قبل أن تفقدوني، فإنه لا يحدثكم أحد بعدي بمثل حديثي. رواه في المشرع الروي (ص 34 ط الشرقية في القاهرة).

ص 525

(ومن كلامه عليه السلام)

إياكم والخصومة في الدين فإنها تشغل القلب وتورث النفاق. رواه في المشرع الروي (ص 34 ط الشرقية في القاهرة).

(ومن كلامه عليه السلام)

لا زاد أفضل من التقوى، ولا شيء أحسن من الصمت، ولا عدو أضر من الجهل، ولا داء أدوى من الكذب. رواه في المشرع الروي (ص 34 ط الشرقية في القاهرة).

(ومن كلامه عليه السلام)

إذا أقبلت الدنيا على انسان أعطته محاسن غيره، وإذا أدبرت عنه سلبت محاسن نفسه. رواه في المشرع الروي (ص 34 ط الشرقية في القاهرة).

(ومن كلامه عليه السلام)

وإذا بلغك عن أخيك ما تكرهه فاطلب له العذر إلى سبعين غدرا، فإن لم تجد له عذرا فقل لنفسك: لعل له عذرا لا نعرفه. رواه في المشرع الروي (ص 34 ط الشرقية في القاهرة).

(ومن كلامه عليه السلام)

عجبا للموقن بالرزق كيف يتعب، وعجبا للموقن بالحساب كيف يغفل

ص 526

وعجبا للموقن بالموت كيف يفرح. رواه في تفسير غريب القرآن على حروف المعجم للسجستاني الحنفي (ص 25 مصورة نسخة مكتبة ايرلنده).

(ومن كلامه عليه السلام)

احفظ عني ثلاثا: إذا صنعت معروفا فعجله فإن تعجيله تهنيته، وإن رأيت أنه كبير فصغره فإن تصغيرك إياه أعظم له، وإذا فعلته فاستره فإنه إذا ظهر من غيرك كان أكبر لقدره وأحسن في الناس. رواه في الجوهر النفيس (ص 103 ط بيروت) قال: قاله عليه السلام لسفيان الثوري.

(ومن كلامه عليه السلام)

لما قيل له: لم حرم الله الربا؟ لئلا يتبايع الناس بالمعروف. رواه في الجوهر النفيس (ص 103 ط بيروت).

(ومن كلامه عليه السلام)

لأن أندم على العفو أحب إلي من أن أندم على العقوبة. رواه في الجوهر النفيس (ص 90 ط بيروت).

(ومن كلامه عليه السلام)

إن لله تعالى وجوها من خلقه خلقهم لقضاء حوائج عباده، يرون الجود

ص 527

مجدا والأفضال مغنما، والله يحب مكارم الأخلاق. رواه في الجوهر النفيس (ص 99 ط بيروت).

(ومن كلامه عليه السلام)

لما سئل عن القدر: ما استطعت أن تلوم العبد عليه فهو فعله، وما لم تستطع فهو فعل الله، يقول الله للعبد: لم عصيت؟ ولم كفرت؟ ولا يقول: لم مرضت؟ ولم كنت أسود أو أبيض؟ رواه في فضل الاعتزال (ص 337 ط تونس).

(ومن كلامه عليه السلام)

لما قيل له: هل العباد مجبرون؟ فقال: الله أعدل من أن يجبر عبده على معصيته ثم يعذبه عليها. فقال له السائل: فهل أمرهم مفوض إليهم؟ فقال: الله أعز من أن يجوز في ملكه ما لا يريد. فقال له السائل: فكيف ذلك إذا؟ قال: أمر بين الأمرين، لا جبر ولا تفويض. رواه في الإنصاف في التنبيه على المعاني والأسباب (ص 135 ط بيروت).

(ومن كلامه عليه السلام)

لما خلق له المنصور: لم خلق الله الذباب؟ قال عليه السلام: ليذل به الجبابرة.

ص 528

رواه في عيون التواريخ (ج 6 ص 31 مخطوط) قال: قيل إن الذباب وقع على المنصور فذبه عنه فعاد ثم ذبه فعاد حتى اضجره، فدخل جعفر بن محمد فقال له المنصور: يا أبا عبد الله لم خلق الله الذباب؟ فقاله.

(ومن كلامه عليه السلام)

لا تكون الصداقة إلا بحدودها، فمن كان فيه شيء من هذه الخصال أو بعضها فانسبه إلى الصداقة ثم حدها. فقال: أول حدودها أن تكون سريرته وعلانيته لك سواء، والثانية أن يرى شينك شينه وزينك زينه، والثالثة لا يغيره مال ولا ولاية، والرابعة لا يمنعك شيئا تناله يده، والخامسة وهي جامعة لهذه الخصال وهي أن لا يسلمك عند النكبات. رواه في عيون التواريخ (ج 6 ص 31 مخطوط).

جملة من كلماته عليه السلام

التي أوردها في التذكرة الحمدونية (ص 110 و111 و269 و271 و362 و377 ط بيروت) قال: وقال جعفر بن محمد بن علي: تأخير التوبة اغترار وطول التسويف حيرة، والاعتلال على الله عز وجل هلكة، والاصرار على الذنب أمن فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون (الأعراف: 99). وقال: ما كل من أراد شيئا قدر عليه، ولا كل من قدر على شيء وفق له، ولا كل من وفق أصاب له موضعا، فإذا اجتمع النية والقدرة والتوفيق والإصابة فهناك تمت السعادة.

ص 529

وقال: صلة الرحم تهون الحساب يوم القيامة، قال الله تعالى والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب (الرعد: 23). ومما ينسب إليه: الصلاة قربان كل تقي، والحج جهاد كل ضعيف، وزكاة البدن الصيام، والداعي بلا عمل كالرامي بلا وتر، واستنزلوا الرزق بالصدقة، وحصنوا أموالكم بالزكاة، وما عال من اقتصد، والتقدير نصف العيش، والتودد نصف العقل، وقلة العيال أحد اليسارين، ومن حزن والديه فقد عقمها، والصنيعة لا تكون صنيعة إلا عند ذي حسب أو دين. الله ينزل الصبر على قدر المصيبة، وينزل الرزق على قدر المؤونة، ومن قدر معيشته رزقه الله، ومن بذر معيشته حرمه الله. وقال جعفر بن محمد: من أخلاق الجاهل الإجابة قبل أن يسمع، والمعارضة قبل أن يفهم، والحكم بما لا يعلم. وقال جعفر بن محمد: الأدب عند الأحمق كالماء العذب في أصول الحنظل، كلما ازداد ريا ازداد مرارة. وقال جعفر بن محمد: من كان الهوى مالكه والعجز راحته، عاقاه عن السلامة وأسلماه إلى الهلكة. وقال جعفر بن محمد: من كان الحزم حارسه والصدق حليفه، عظمت بهجته وتمت مروءته. قال الشيرازي: سألت المفيد الجرجرائي عن قول جعفر بن محمد: الحزم سوء الظن، وعن قول أبيه: من حسن ظنه روح عن قلبه، فما هذه المضادة؟ قال: يريد بسوء الظن ألا تستقيم إلى كل أحد فتودعه سرك وأمانتك، ويريد بحسن الظن ألا تسئ ظنك بأحد أظهر لك نصحا وقال لك جميلا، وصح عندك

ص 530

باطنه، وهو مثل قولهم: احمل أمر أخيك على أحسنه حتى يبدو لك ما يغلبك عليه. قال جعفر بن محمد: لا تحدث من تخاف أن يكذبك، ولا تسأل من تخاف أن يمنعك، ولا نأمن من تخاف أن يغدر بك. وذكر أنه كتب المنصور إلى جعفر بن محمد: لم لا تغشانا كما يغشانا سائر الناس؟ فأجابه: ليس لنا ما نخافك من أجله، ولا عندك من أمر الآخرة ما نرجوك له، ولا أنت في نعمة فنهنئك بها، ولا تراها نقمة فنعزيك بها، فما نصنع عندك؟ قال فكتب إليه: تصحبنا لتنصحنا، فأجابه: من أراد الدنيا لا ينصحك، ومن أراد الآخرة لا يصحبك. فقال المنصور: والله لقد ميز عندي منازل الناس، من يريد الدنيا ممن يريد الآخرة، وإنه ممن يريد الآخرة لا الدنيا.

جملة من كلماته عليه السلام

التي أوردها في الأنوار القدسية (ص 36 و37 و38 ط السعادة بمصر) قال: ومن كلامه: لا يتم المعروف إلا بثلاث، أن تصغره في عينك وتستره وتعجله. وقال: إذا أقبلت الدنيا على انسان أعطته محاسن غيره، وإذا أدبرت سلبته محاسن نفسه. وقال: لا مال أعود من العقل، ولا مصيبة أعظم من الجهل، ولا مظاهرة كالمشاورة، ألا وإن الله يقول: إني جواد كريم ولا يجاورني لئيم. وقال: من زعم أن الله في شيء أو من شيء أو على شيء فقد أشرك، لأنه لو كان على شيء كان محمولا أو في شيء كان محصورا أو من شيء كان محدثا. وقيل له: ما بالنا ندعو فلا يجاب لنا؟ قال: لأنكم تدعون من لا تعرفون.

ص 531

وكان يلبس الجبة الغليظة القصيرة من الصوف على جسده والحلة من الخز على ظهره، ويقول: نلبس الجبة لله والخز لكم، فما كان لله أخفيناه وما كان لكم أبديناه. وقال لأبي حنيفة: إنك تقيس في الدين وأن أول من قاس إبليس. قال: إنما أقيس فيما لم أجد فيه نصا. وقال: لا تأكلوا من يد جاعت ثم شبعت. وقال: إذا أذنبت فاستغفر فإنما هي خطايا مطوقة في أعناق الرجال قبل أن يخلقوا، وإياك والاصرار. وقال: أوحى الله إلى الدنيا: من خدمني فاخدميه ومن لم يخدمني فاستخدميه. وقال: لا مروءة لكذوب، ولا راحة لحسود، ولا خلة لبخيل، ولا إخاء لملول، ولا سؤدد لسئ الخلق. وقال: كف عن محارم الله وامتثل أوامره تكن عابدا، وارض بما قسم الله تكن مسلما، واصحب الناس على ما تحب أن يصحبوك تكن مؤمنا، ولا تصحب الفاجر فيعلمك من فجوره. وقال: من أراد عزا بلا عشيرة وهيبة بلا سلطان فليخرج من ذل المعصية إلى عز الطاعة. وقال: من يصحب صاحب السوء لا يسلم، ومن يدخل مدخل السوء يتهم، ومن لا يملك لسانه يندم. وقال: حكمة تحريم الربا أن لا يتمانع الناس المعروف. وقال: مودة يوم صلة، ومودة شهر قرابة، ومودة سنة رحم ثابتة من قطعها قطعه الله. وقال: عزت السلامة حتى لقد خفي مطلبها، فإن تك في شيء فيوشك أن

ص 532

تكون في الخمول، فإن لم توجد فيه ففي التحلي وليس كالخمول، فإن لم تكن فيه ففي الصمت، فإن لم تكن فيه ففي كلام السلف الصالح، والسعيد من وجد في نفسه خلوة. وقال: من استبطأ رزقه فاليكثر من الاستغفار. وقال: من أعجب بشيء من أمواله وأراد بقاءه فليقل ما شاء الله لا قوة إلا بالله . وقال: الفقهاء أمناء الرسل ما لم يأتوا أبواب السلاطين. ومن دعائه اللهم أعزني بطاعتك ولا تذلني بمعصيتك، اللهم ارزقني مواساة من قترت عليه رزقك بما وسعت علي من فضلك . وقال: لا زاد كالتقوى. وقال مضر بن كثير: دخلت أنا وسفيان الثوري على جعفر الصادق، فقلت إني أريد البيت الحرام فعلمني شيئا ادعوا به. فقال: إذا بلغت الحرم فضع يدك على الحائط وقل يا سابق الفوت، ويا سامع الصوت، ويا كاسي العظام لحما بعد الموت ثم ادع بما شئت. وقال: إذا بلغك من أخيك أنه قال فيك ما تكره فلا تغتم لذلك، إن كانت حقا كان عقوبة عجلت وإن كان غير ذلك فحسنة لم تعملها. وقال: روي عن موسى عليه الصلاة والسلام أنه قال: يا رب أسألك أن لا يذكرني أحد إلا بخير. قال الله عز وجل: ما فعلت ذلك لنفسي. وقال: أربع لا ينبغي لشريف أن يأنف منها: قيامه من مجلسه لأبيه: وخدمته لضيفه، وقيامه على دابته ولو أن له مائة عبد، وخدمته لمن يتعلم منه. وكان يقول: إذا بلغك عن أخيك ما تكرهه فاطلب له من عذر واحد إلى سبعين عذرا، فإن لم تجد له عذرا فقل لعل له عذرا لا أعرفه. وقال لرجل من قبيلة: من سيد هذه القبيلة؟ فقال الرجل: أنا. فقال: لو

ص 533

كنت سيدهم ما قلت أنا. ودخل سفيان الثوري رضي الله عنه فرأى عليه جبة من خز، فقال له: إنكم من بيت النبوة تلبسون هذا؟ فقال: ما تدري أدخل يدك فإذا تحته مسح من شعر خشن، ثم قال: يا ثوري أرني ما تحت جبتك، فوجد تحتها قميصا أرق من بياض البيض. فخجل سفيان ثم قال: يا ثوري لا تكثر الدخول علينا تضرنا ونضرك. وقال: إذا سمعتم عن مسلم كلمة فاحملوها على أحسن ما تجدون حتى تجدوا لها محملا فلوموا أنفسكم. وقال ابن أبي حازم: كنت عند جعفر إذ جاء آذنه، فقال: سفيان الثوري بالباب. فقال: ائذن له. فدخل فقال جعفر: يا سفيان إنك رجل يطلبك السلطان وإني اتقي السلطان أخرج عني غير إيثار لذلك. فقال سفيان: حدثني حتى أسمع وأقوم. فقال: حدثني أبي عن جدي أن رسول الله صلّى عليه وآله وسلم قال: من أنعم الله عليه نعمة فليحمد الله، ومن استبطأ الرزق فليستغفر الله، ومن به أمر فليقل لا حول ولا قوة إلا بالله . وقال أرباب السير: وقع الذباب على وجه المنصور فذبه حتى أعجزه وأضجره، فدخل جعفر فقال له: يا أبا عبد الله ما الحكمة في خلق الذباب؟ قال: لذيل به الجبابرة. وكان رجل من أهل السواد يؤم جعفرا، فغاب عنه فقال له رجل: إنه يبطئ، يريد أن يضع منه عنده. فقال جعفر: أصل الرجل عقله، وحسبه دينه، وكرمه تقواه، والناس في آدم مستوون. وقال: عجبت لمن أعجب بأمر لنفسه كيف لا يقول ما شاء الله لا قوة إلا بالله ، والله تعالى يقول ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله .

ص 534

وعجبت لمن خاف قوما كيف لا يقول حسبي الله ونعم الوكيل والله تعالى يقول الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم . وعجبت لمن مكر به كيف لا يقول وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد فوقاه الله سيئات ما مكروا . وعجبت لمن أصابه غم كيف لا يقول لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين إلى قوله ونجيناه من الغم .

جملة من كلماته عليه السلام

التي أوردها في سير أعلام النبلاء (ج 6 ص 263 و265 و266 ط بيروت). عن عائذ بن حبيب، قال جعفر بن محمد: لا زاد أفضل من التقوى، ولا شيء أحسن من الصمت، ولا عدو أضر من الجهل، ولا داء أدوأ من الكذب. وعن يحيى بن الفرات، أن جعفر الصادق قال: لا يتم المعروف إلا بثلاثة: بتعجيله، وتصغيره، وستره. وعن رجل، عن بعض أصحابه جعفر بن محمد قال: رأيت جعفرا يوصي موسى، يعني ابنه: يا بني نم قنع بما قسم له استغنى، ومن مد عينيه إلى ما في يد غيره مات فقيرا، ومن لم يرض بما قسم له اتهم الله في قضائه، ومن استصغر زلة غيره استعظم زلة نفسه، ومن كشف حجاب غيره انكشفت عورته ومن سل سيف البغي قتل به، ومن احتفر بئرا لأخيه أوقعه الله فيه، ومن

ص 535

داخل السفهاء حقر، ومن خالط العلماء وقر، ومن دخل مداخل السوء اتهم يا بني إياك أن تزري بالرجال فيزرى بك، وإياك والدخول فيما لا يعنيك فتذل لذلك، يا بني قل الحق لك وعليك تستشار من بين أقربائك، كن للقرآن تاليا، وللاسلام فاشيا، وللمعروف آمرا، وعن المنكر ناهيا، ولمن قطعك واصلا، ولمن سكت عنك مبتدئا، ولمن سألك معطيا، وإياك والنميمة فإنها تزرع الشحناء في القلوب، وإياك والتعرض لعيوب الناس فمنزلة المتعرض لعيوب الناس كمنزلة الهدف. إذا طلبت الجود فعليك بمعادنه، فإن للجود معادن وللمعادن أصولا، وللأصول فروعا، وللفروع ثمرا. ولا يطيب ثمر إلا بفرع، ولا فرع إلا بأصل، ولا أصل إلا بمعدن طيب. زر الأخيار ولا تزر الفجار، فإنهم صخرة لا يتفجر ماؤها، وشجرة لا يخضر ورقها، وأرض لا يظهر عشبها. قال نعيم، حدثنا أحمد بن جعفر بن سلم، حدثنا أحمد بن علي الآبار، حدثنا منصور ابن أبي مزاحم، حدثنا عنبسة الخثعمي، وكان من الأخيار، سمعت جعفر بن محمد يقول: إياكم والخصومة في الدين، فإنها تشغل القلب وتورث النفاق. ويروى أن أبا جعفر المنصور وقع عليه ذباب، فذبه عنه، فألح فقال لجعفر: لم خلق الله الذباب؟ قال: ليذل به الجبابرة. وعن جعفر بن محمد: إذا بلغك عن أخيك ما يسؤوك، فلا تغتم، فإنه إن كان كما يقول كانت عقوبة عجلت، وإن كان على غير ما يقول كانت حسنة لم تعملها. قال موسى عليه السلام: يا رب أسألك ألا يذكرني أحد إلا بخير. قال: ما فعلت ذلك بنفسي. أخبرنا وحدثنا عن سعيد بن محمد بن محمد بن عطاف، أنبأنا أبو القاسم

ص 536

ابن السمرقندي، حدثني الحميدي، أنبأنا الحسين بن محمد المالكي القيسي بمصر، أنبأنا عبد الكريم بن أحمد بن أبي جدار، أخبرنا أبو علي الحسن بن رخيم حدثنا هارون بن أبي الهيذام، أنبأنا سويد بن سعيد، قال، قال الخليل بن أحمد: سمعت سفيان الثوري يقول: قدمت مكة فإذا أنا بأبي عبد الله جعفر بن محمد قد أناح بالأبطح، فقلت: يا ابن رسول الله لم جعل الموقف من وراء الحرم؟ ولم يصير في المشعر الحرام؟ فقال: الكعبة بيت الله، والحرم حجابه، والموقف بابه. فلما قصده الوافدون، أوقفهم بالباب يتضرعون، فلما أذن لهم في الدخول أدناهم من الباب الثاني وهو المزدلفة، فلما نظر إلى كثرة تضرعهم وطول اجتهادهم رحمهم، فلما رحمهم أمرهم بتقريب قربانهم، فلما قربوا قربانهم وقضوا تفثهم وتطهروا من الذنوب التي كانت حجابا بينه وبينهم، أمرهم بزيارة بيته على طهارة. قال: كره الصوم أيام التشريق. قال: لأنهم في ضيافة الله ولا يجب على الضيف أن يصوم عند من أضافه. قلت: جعلت فداك فما بال الناس يتعلقون بأستار الكعبة وهي خرق لا تنفع شيئا؟ قال: ذاك مثل رجل جرم فهو يتعلق به ويطوف حوله رجاء أن يهب له ذلك ذاك الجرم. ومن بليغ قول جعفر، وذكر له بخل المنصور فقال: الحمد لله الذي حرمه من دنياه ما بذل لأجله دينه.

ص 537

مستدرك ما أوردناه

(في فضائل الإمام السابع موسى بن جعفر الكاظم) (عليه السلام)

قد تقدم جملة مما ورد في كتب أعلام أهل السنة وأعاظمهم في المجلد الثاني عشر (ص 295 إلى ص 341) ونستدرك هيهنا بعض ما لا ننقله هناك أو نقلناه عن غير من ننقل عنه هيهنا:

نسبه وميلاده ووفاته

ممن لم ننقل عنه سابقا العلامة الشيخ زين الدين عمر بن مظفر الحنفي الشهير بابن الوردي في تاريخ ابن الوردي (ج 1 ص 281 المطبعة الحيدرية في الغري الشريف) قال: ثم دخلت سنة ثلاث وثمانين ومائة فيها: توفي موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب

ص 538

رضي الله عنهم ببغداد في حبس الرشيد. ومنهم العلامة الشيخ يسن بن إبراهيم السنهوتي الشافعي في الأنوار القدسية (ص 38 ط السعادة بمصر) قال: الإمام موسى الكاظم رضي الله عنه، تبارك من أنتج مبارك هذه الثمر من تلك الشجرة النبوية المطهرة ما أقدره، فهو إمام الصبر على التقوى والعبادة الحائز لقصب السبق في ميدان سيادة الولاية وولاية السيادة، سمي بالكاظم لكثرة تجاوزه وحلمه، وكان معروفا عند أهل العراق يباب قضاء الحوائج عند الله وبالعبد الصالح من كثرة عبادته واجتهاده وقيامه الليل فإنه كان أعبد أهل زمانه. إلى أن قال: ولد رضي الله عنه بالمدينة يوم الثلاثاء قبل طلوع الفجر سنة ثمان وعشرين ومائة، وتوفي خمس بقين من رجب سنة ثلاث وثمانين ومائة ببغداد في الحبس، ودفن في مقابر الشونيزية خارج القبة، وقبره هناك مشهور يزار وعليه مشهد عظيم فيه من قناديل الذهب والفضة وأنواع الآلات والفرش ما لا يحد، وهو في الجانب الغربي رضي الله عنه. ومنهم العلامة محمد بن شاكر بن أحمد الشافعي في عيون التواريخ (ج 6 ص 165 مخطوط) قال: وفيها (سنة ثلاث وثمانين ومائة) توفي موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب، أبو الحسن الهاشمي، أحد الأئمة الاثني عشر، كان يدعى العبد الصالح من كثرة عبادته.

ص 539

عبادته عليه السلام

رواه جماعة من أعلام القوم: منهم العلامة محمد بن شاكر بن أحمد الشافعي في عيون التواريخ (ج 6 ص 165 مخطوط) قال: كان (موسى بن جعفر) يدعى بالعبد الصالح من كثرة عبادته. روي أنه دخل مسجد رسول الله صلّى عليه وآله وسلم فسجد سجدة في أول الليل، فسمع وهو يقول في سجوده: عظم الذنب عندي فليحسن العفو عندك يا أهل التقوى ويا أهل المغفرة، وجعل يرددها حتى أصبح. ومنهم العلامة الشيخ زين العابدين عمر بن مظفر الحنفي الشهير بابن الوردي في تاريخ ابن الوردي (ج 1 ص 281 ط الحيدرية في الغري) قال: حكت أخت سبحانه السندي بن شاهك وكانت تلي خدمته: إن الكاظم كان إذا صلى العتمة حمد الله ومجده ودعاه إلى أن يزول الليل، ثم يقوم يصلي حتى يطلع الصبح فيصلي الصبح، ثم يذكر الله حتى تطلع الشمس، ثم يقعد إلى ارتفاع الضحى، ثم يرقد ويستيقظ قبل الزوال، ثم يتوضأ ويصلي حتى يصلي العصر، ثم يذكر الله حتى يصلي المغرب، ثم يصلي ما بين المغرب والعتمة، فكان هذا دأبه إلى أن مات رحمة الله عليه.

ص 540

ومنهم العلامة الشيخ يسين بن إبراهيم السنهوتي في الأنوار القدسية (ص 38 ط السعادة بمصر) قال: روي أنه (موسى بن جعفر) دخل مسجد رسول الله صلّى عليه وآله وسلم فسجد سجدة في أول الليل وسمع وهو يقول في سجوده: عظم الذنب عندي فليحسن العفو من عندك يا أهل التقوى ويا أهل المغفرة، فجعل يرددها حتى أصبح. ومنهم العلامة شمس الدين محمد بن أحمد الذهبي في سير أعلام النبلاء (ج 6 ص 273 ط بيروت) قال يحيى بن الحسن العلوي، حدثني عمار بن أبان قال: حبس موسى ابن جعفر عند السندي بن شاهك، فسألته أخته أن تولي حبسه وكانت تدين ففعل. فكانت على خدمته، فحكي لنا أنها قالت: كان إذا صلى العتمة حمد الله ومجده ودعاه، فلم يزل كذلك حتى يزول الليل، فإذا زال الليل قام يصلي حتى يصلي الصبح، ثم يذكر حتى تطلع الشمس، ثم يقعد إلى ارتفاع الضحى، ثم يتهيأ ويستاك، ويأكل. ثم يرقد إلى قبل الزوال، ثم يتوضأ ويصلي العصر، ثم يذكر في القبلة حتى يصلي المغرب، ثم يصلي ما بين المغرب إلى العتمة، فكانت تقول: خاب قوم تعرضوا لهذا الرجل، وكان عبدا صالحا. وقيل: بعث موسى الكاظم إلى الرشيد برسالة من الحبس يقول: إنه لن ينقضي عني يوم من البلاء إلا انقضى عنك معه يوم من الرخاء حتى نفضي جميعا إلى يوم ليس له القضاء يخسر فيه المبطلون.

ص 541

سخاوته عليه السلام

رواها جماعة من أعلام القوم: منهم العلامة السنهوتي الشافعي في الأنوار القدسية (ص 38 ط السعادة بمصر) قال: وكان (موسى بن جعفر) من أكابر العلماء الأسخياء، وكان يبلغه عن الرجل أنه يؤذيه فيبعث إليه بصرة فيها ألف دينار، وكان يصر الصرر ثلاثمائة دينار وأربعمائة دينار ومائتي دينار ثم يقسمها بالمدينة. ومنهم العلامة محمد بن شاكر الشافعي في عيون التواريخ (ج 6 ص 165 من نسخة مخطوطة في اسلامبول) قال: وكان (موسى بن جعفر) سخيا كريما، ويبلغه أن الرجل يؤذيه فيبعث إليه بصرة فيها ألف دينار، وكان يصر الصرر أربعمائة دينار وثلاثمائة دينار ومائتي دينار ويقسمها في المدينة.

مكالمته عليه السلام مع هارون

رواها جماعة من أعلام القوم:

ص 542

منهم العلامة شمس الدين الذهبي في سير أعلام النبلاء (ج 6 ص 283 ط بيروت) قال: وقال الخطيب: أنبأنا أبو العلاء الواسطي، حدثنا عمر بن شاهين، حدثنا الحسين بن القاسم، حدثني أحمد بن وهب، أخبرني عبد الرحمن بن صالح الأزدي قال: حج الرشيد فأتى قبر النبيّ صلّى عليه وآله وسلم ومعه موسى بن جعفر، فقال: السلام عليك يا رسول الله، يا ابن عم، افتخارا على من حوله. فدنا موسى وقال: السلام عليك يا أبة. فتغير وجه هارون، وقال: هذا الفخر يا أبا الحسن حقا. ومنهم العلامة محمد بن شاكر الشافعي في عيون التواريخ (ج 6 ص 165 مخطوط) قال: وذكر أن هارون الرشيد حج وأتى قبر النبيّ صلّى عليه وآله وسلم وحوله قريش ورؤوس القبائل ومعه موسى بن جعفر، فقال: السلام عليك يا أين عم - افتخارا على من حوله - فقال موسى بن جعفر: السلام عليك يا أبت. فتغير وجه هارون وقال: هذا الفخر جدا يا أبا الحسن. وقال له الرشيد: إنك تزعم أنك ابن رسول الله صلّى عليه وآله وسلم؟ فقال: يا أمير المؤمنين لو أن رسول الله صلّى عليه وآله وسلم نشر فخطب منك كريمتك هل كنت تجيبه؟ فقال: وهل أفتخر على العرب والعجم إلا به. قال: لكنه

ص 543

لا يخطب إلي ولا أزوجه لأنه ولدني ولم يلدك. وقيل: إنه لقيه الرشيد عنه الكعبة فلم يقم له حتى وقف الرشيد على رأسه فقال: أنت الذي يبايعك الناس؟ قال: نعم أنا إمام القلوب وأنت إمام الجسوم.

ص 544

جملة من كراماته عليه السلام

منها ما رواه جماعة من أعلام القوم: منهم العلامة الشيخ يسين بن إبراهيم السنهوتي الشافعي في الأنوار القدسية (ص 38 ط السعادة بمصر) قال: ومن بديع كراماته (موسى بن جعفر ع ) ما حكاه ابن الجوزي والرامهرمزي عن شقيق البلخي أنه خرج حاجا فرآه بالقادسية منفردا عن الناس، فقال في نفسه: هذا فتى من الصوفية يريد أن يكون كلا على الناس لأوبخنه، فمضى إليه فقال: يا شقيق اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم. فأراد أن يعانقه فغاب عن عينه، ثم رآه بعد على بئر فسقطت ركوته فيها فدعا فطف الماء حتى أخذها فتوضأ وصلى. ثم مال إلى كثيب من الرمل فطر ح منه فيها وشرب. فقلت له: أطعمني مما رزقك الله. فقال: يا شقيق لم تزل أنعم الله علينا ظاهرة وباطنة فأحسن ظنك بربك. فناولنيها فشربت فإذا هو سويق وسكر، فأقمت أياما لا أشتهي شرابا ولا طعاما. ثم لم أره إلا بمكة وهو بغلمانه وغاشيته، ولما أتى هرون الرشيد قبر

ص 545

النبيّ صلّى عليه وآله وسلم زائرا وحوله فريش وافناء القبائل ومعه موسى بن جعفر فقال: السلام عليك يا رسول الله يا بن عم - افتخارا على من حوله - قال موسى: السلام عليك يا أبت. فتغير وجه هارون الرشيد وقال: هذا هو الفخر يا أبا الحسن حقا، ولم يحتملها وحمله إلى بغداد مقيدا وحبسه، فلم يخرج من حبسه إلا مقيدا ميتا مسموما. وذكر أنه بعث إلى الرشيد برسالة من الحبس كان منها: إنه لم ينقض عني يوم من البلاء إلا انقضى عنك معه يوم من الرخاء، ثم نمضي جميعا إلى يوم ليس له انقضاء يخسر فيه المبطلون. ومنهم العلامة الشبلنجي المدعو بالمؤمن في نور الأبصار (ص 149 ط المكتبة الشعبية) قال حسان بن حاتم الأصم: قال لي شقيق البلخي: خرجت حاجا سنة ست وأربعين ومائه فنزلت بالقادسية، فبينما أنا أنظر الناس في مخرجهم إلى الحج وزينتهم وكثرتهم إذ نظرت إلى شاب حسن الوجه شديد السمرة نحيف فوق ثيابه ثوب صرف مشتمل بشملة وفي رجليه نعلان وقد جلس منفردا، فقلت في نفسي: هذا الفتى من الصوفية ويريد أن يخرج مع الناس فيكون كلا عليهم في طريقهم والله لأمضين إليه ولأوبخنه. فدنوت منه فلما رآني مقبلا نحوه قال: يا شقيق اجتنبوا كثيرا من الظن أن بعض الظن إثم. ثم تركني وولى، فقلت في نفسي: إن هذا الأمر عجيب تكلم بما في خاطري ونطق باسمي، هذا عبد صالح إلا لحقته وأسألنه الدعاء وأتحلله بما ظننت فيه. فغاب عني ولم أره، فلما نزلنا ولدي فضة فإذا هو قائم يصلي، فقلت: هذا صاحبي أمضي إليه وأستحله. فصبرت حتى فرغ من صلاته فالتفت إلي وقال: يا شقيق قل وإني لغفار لمن تاب

ص 546

وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى ثم قام ومضى وتركني. فقلت: هذا فتى من الأبدال قد تكلم على سري مرتين، فلما نزلنا بالأبواء إذ أنا بالفتى قائم على البئر وأنا أنظر إليه وبيده ركوة فيها ماء، فسقطت من يده في البئر فرمق إلى السماء بطرفه وسمعته يقول: أنت شربي إذا ظمئت من الماء * وقوتي إذا أردت طعاما ثم قال: إلهي وسيدي ما لي سواك فلا تعدمنيها، فوالله لقد رأيت الماء قد ارتفع إلى رأس البئر والركوة طافية عليه فمد يده فأخذها فتوضأ منها وصلى أربع ركعات، ثم مال إلى كثيب رمل فجعل يقبض بيديه ويجعل في الركوة ويحركها ويشرب، فأقبلت نحوه وسلمت عليه فرد علي السلام، فقلت: أطعمني من فضل ما أنعم الله به عليك. فقال: يا شقيق لم تزل نعم الله علي ظاهرة وباطنة فأحسن ظنك بربك. ثم ناولني الركوة فشربت منها فإذا فيها سويق بسكر فوالله ما شربت قط ألذ منه ولا أطيب، فشربت ورويت حتى شبعت فأقمت أياما لا أشتهي طعاما ولا شرابا. ثم لم أره حتى نزلنا بمكة فرأيته ليلة إلى جنب قبة الشراب نصف الليل وهو قائم يصلي بخشوع وأنين وبكاء، فلم بزل كذلك حتى طلع الفجر ثم قام إلى حاشية المطاف فركع ركعتي الفجر هناك ثم صلى مع الناس، ثم دخل المطاف فطاف إلى بعد شروق الشمس، ثم صلى خلف المقام ثم خرج يريد الذهاب فخرجت خلفه أريد السلام عليه وإذا بجماعة أحاطوا به يمينا وشمالا ومن خلفه ومن أمامه وخدم وحشم وأتباع خرجوا معه. فقلت لأحدهم: من هذا الفتى يا سيدي؟ فقال: هذا موسى الكاظم بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين ابن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم. وهذه الكرامة رواها جماعة من أهل التأليف، ورواها ابن الجوزي في

ص 547

كتابه مثير الغرام الساكن إلى أشرف الأماكن ورواها الجنابذي في معالم العترة النبوية والرامهرمزي في كتابه كرامات الأولياء وهي كرامة اشتملت على كرامات. ومنهم العلامة الشبراوي في اتحاف الأشراف (ص 55 ط مصطفى البابي الحلبي بمصر) روى الحديث عن شقيق البلخي بعين ما تقدم عن الأنوار القدسية . ومنها ما رواه جماعة من أعلام القوم: منهم العلامة محمد بن شاكر بن أحمد الشافعي في عيون التواريخ (ص 165 مخطوط) قال: وكان (موسى بن جعفر) يسكن المدينة فأقدمه المهدي بغداد، فحبسه فرأى في النوم علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهو يقول: يا محمد فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحاكم. قال الربيع: فأرسل إلي ليلا فراعني ذلك، فجئته فإذا هو يقرأ هذه الآية وكان أحسن الناس صوتا وقال: علي بموسى بن جعفر، فجئته به فعانقه وأجلسه إلى جنبه وقال: يا أبا الحسن إني رأيت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه في النوم يقرأ علي كذا أفتؤمنني أن تخرج علي أو أولادي. فقال: والله لا فعلت ذلك ولا هو شأني. قال: صدقت أعطه ثلاثة آلاف دينار ورده إلى أهله إلى المدينة. قال: فأحكمت أمره

ص 548

ليلا فما أصبح إلا وهو في الطريق خوف العوائق. ومنهم العلامة الشيخ يسن بن إبراهيم السنهوتي الشافعي في الأنوار القدسية (ص 38 ط السعادة بمصر) ذكر ما نقلناه عن عيون التواريخ بعينه ثم قال: وأقام بالمدينة إلى أيام هرون الرشيد، ولما حج الرشيد سعي به إليه وقيل له: إن الأموال تحمل إليه من كل جانب حتى اشترى ضيعة بثلاثين ألف دينار، فقال له الرشيد حين رآه جالسا عند الكعبة: أنت الذي يبايعك الناس سرا. قال: أنا إمام القلوب وأنت إمام الجسوم. وسأله الرشيد: كيف تقولون نحن أبناء المصطفى وأنتم أبناء علي، فقرأ ومن ذريته داود وسليمان إلى أن قال وعيسى وليس له أب. ومنهم العلامة شمس الدين الذهبي في سير أعلام النبلاء (ج 6 ص 272 ط بيروت) قال: الصولي، حدثنا عون بن محمد، سمعت إسحاق الموصلي غير مرة يقول: حدثني الفضل بن الربيع، عن أبيه قال: لما حبس المهدي موسى بن جعفر رأى في النوم عليا يقول. فذكر ما نقلناه عن عيون التواريخ بعينه. ومنها ما رواه جماعة من أعلام القوم:

ص 549

منهم العلامة شمس الدين الذهبي في سير أعلام النبلاء (ج 6 ص 272 ط بيروت) قال: قال أبو عبد الله المحاملي: حدثنا عبد الله بن أبي سعد، حدثنا محمد بن الحسين الكناني الليثي، حدثني عيسى بن محمد بن مغيث القرشي، ويلغ تسعين سنة قال: زرعت بطيخا وقثاء وقرعا بالجوانية، فلما قرب الخير، بيتني الجراد، فأتى على الزرع كله. وكنت غرمت عليه وفي ثمن جملين مائة وعشرين دينارا. فبينما أنا جالس طلع موسى بن جعفر، فسلم، ثم قال: أيش حالك؟ فقلت: أصبحت كالصريم. قال: وكم غرمت فيه؟ قلت: مائة وعشرين دينارا مع ثمن الجملين. وقلت: يا مبارك، ادخل وادع لي فيها. فدخل ودعا، وحدثني عن النبيّ صلّى عليه وآله وسلم أنه قال: تمسكوا ببقايا المصائب 1 ثم علقت عليه الجملين وسقيته فجعل الله فيها البركة زكت، فبعت منها بعشرة آلاف. ومنها ما رواه جماعة من أعلام القوم: منهم العلامة الشيخ محمد بن شاكر بن أحمد الشافعي في عيون التواريخ (ج 6 ص 166 مصورة نسخة موجودة في اسلامبول) قال: قال عبد الله بن مالك الخزاعي وكان على شرطة الرشيد: أتاني رسول هارون الرشيد في وقت ما جاءني فيه قط، فانتزعني من مكاني ومنعني من تغيير ثيابي، فراعني ذلك فلما صرت إلى الدار سبقني الخادم وعرف الرشيد فأذن لي فدخلت

ص 550

فوجدته قاعدا على فراشه، فسلمت فسكت ساعة، فطار عقلي وتضاعف الجزع. ثم قال: يا عبد الله إني رأيت في هذه الساعة كأن حبشيا قد أتاني ومعه حربة فقال: إن أنت خليت عن موسى بن جعفر في هذه الساعة وإلا نحرتك بهذه الحربة، فاذهب وخل عنه. فقلت: يا أمير المؤمنين موسى بن جعفر؟ أقول له ثلاثا. قال: نعم امض الساعة حتى تطلقه، وأعطه ثلاثين ألف درهم، وقل له: إن أقمت عندنا فلك ما تحب وإن أحببت المضي إلى أهلك فالأمر في ذلك لك. فمضيت إلى السجن لأخرجه، فلما رآني موسى وثب قائما وظن أني قد أمرت فيه بمكروه، فقلت: لا تخف إني قد أمرني بإطلاقك وأن أدفع لك ثلاثين ألف درهم، ويقول لك: إن أحببت المقام عنده فلك ما تحب، وإن أحببت المضي إلى أهلك فالإذن لك. وأعطيته المبلغ المذكور وقلت له: لقد رأيت من أمرك عجبا. قال: فإني أخبرك، بينا أنا نائم إذ أتاني رسول الله صلّى عليه وآله وسلم فقال: يا موسى حبست مظلوما فقل هذه الكلمات. فقلت: بأبي أنت وأمي ما أقول؟ قال: قل: يا سامع كل صوت، ويا سابق الفوت، ويا كاسي العظام لحما، ويا منشرها بعد الموت، أسألك بأسمائك الحسنى وباسمك الأعظم الأكبر المخزون المكنون الذي لم يطلع عليه أحد من المخلوقين، يا حليما ذا أناة لا يقوى على أناته، يا ذا المعروف الذي لا ينقطع أبدا ولا يحصى عددا فرج عني فكان ما ترى.

 

الصفحة السابقة الصفحة التالية

شرح إحقاق الحق (ج19)

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب