الصفحة السابقة الصفحة التالية

شرح إحقاق الحق (ج19)

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب

ص 601

ومنها قال محمد بن علي بن موسى: خير من الخير فاعله، وأجمل من الجميل قائله، وأرجح من العلم حامله، وشر من الشر جالبه، وأهول من الهول راكبه. ومنها قال محمد بن علي بن موسى: إذا نزل القضاء ضاق الفضاء. سوء العادة كمين لا يؤمن. وأحسن من العجب بالقول ألا تقول. وكفى بالمرء خيانة أن يكون أمينا للخونة. ولا يضرك سخط من رضاه الجور. تعز عن الشيء إذا منعته لقلة صحبته إذا أعطيته. ومنها قال: اتئد تصب أو تكد. ومنها قال محمد بن علي بن موسى بن جعفر للمتوكل في كلام دار بينهما: لا تطلب الصفاء ممن كدرت عليه، ولا النصح ممن صرفت سوء ظنك إليه، وإنما قلب غيرك لك كقلبك له.

ص 602

ومنها سئل محمد بن علي بن موسى عن الحزم فقال: هو أن تنتظر فرصتك وتعاجل ما أمكنك.

ومن كلماته (عليه السلام)

من استفاد أخا في الله فقد استفاد بيتا في الجنة. رواه في تاريخ بغداد (ج 3 ص 54 ط السعادة بمصر). أخبرني محمد بن الحسين الفطان، أخبرنا الحسن بن محمد بن يحيى العلوي، حدثنا أبو جعفر الحسن بن علي بن جعفر القمي، حدثنا جعفر بن محمد ابن مالك الكوفي الأسدي، عن عبد الرحمن بن أبي عران، عن الحسن بن علي ابن جعفر القمي، حدثنا جعفر بن محمد بن مالك الكوفي الأسدي، عن عبد الرحمن، عن محمد بن زيد الشبيه قال: سمعت ابن الرضا محمد بن علي ابن موسى يقوله.

(جملة من كلماته التي رواها)

في نور الأبصار (ص 160 ط الشعبية بمصر). ومن كلامه رضي الله عنه كما في الفصول المهمة: إن لله عبادا يخصهم بدوام النعم، فلا تزال فيهم ما بذلوها، فإن منعوها نزعها الله منهم وحولها إلى غيرهم. وقال رضي الله عنه: ما عظمت نعمة الله على أحد إلا عظمت إليه حوائج

ص 603

لناس، فمن لم يتحمل تلك المؤنة عرض تلك النعمة للزوال. وقال رضي الله عنه: أهل المعروف إلى اصطناعه أحوج من أهل الحاجة إليه لأن لهم أجره وفخره وذكره، فمهما اصطنع الرجل من معروف فإنما يبتدئ فيه بنفسه. وقال رضي الله عنه: من أجل انسانا هابه، ومن جهل شيئا عابه، والفرصة خلسة، من كثر همه سقم جسمه، وعنوان صحيفة المسلم حسن خلقه. وفي موضع آخر: عنوان صحيفة المسلم السعيد حسن الثناء عليه. وقال: من استغنى بالله افتقر الناس إليه، ومن اتقى الله أحبه الناس. وقال: الجمال في اللسان والكمال في العقل. وقال: العفاف زينة الفقر، والشكر زينة البلاء، والتواضع زينة الحسب، والفصاحة زينة الكلام، والحفظ زينة الرواية، وخفض الجناح زينة العلم، وحسن الأدب زينة الورع، وبسط الوجه زينة القناعة، وترك ما لا يعني زينة الورع. وقال رضي الله عنه: حسب المرء من كمال المروءة أن لا يلقي أحدا بما يكره، ومن حسن خلق الرجل كفه أذاه، ومن سخائه بره بمن يجب حقه عليه، ومن كرمه إيثاره على نفسه، ومن إنصافه قبول الحق إذا بان، ومن نصحه نهيه عما لا يرضاه لنفسه، ومن حفظه لجوارك تركه توبيخك عند ذنب أصابك مع علمه بعيوبك، ومن وفقه تركه عذلك بحضرة من تكره، ومن حسن صحبته لك إسقاطه عنك مؤنة التحفظ، ومن علامة صداقته كثرة موافقته وقلة مخالطته، ومن شكره معرفة إحسان من أحسن إليه، ومن تواضعه معرفته بقدره، ومن سلامته قلة حفظه لعيوب غيره وعنايته بصلاح عيوبه. وقال رضي الله عنه: العامل بالظلم والمعين عليه والراضي به شركاء.

ص 604

وقال رضي الله عنه: من أخطأ وجوه المطالب خذلته الحيل والطامع في وثاق الذل، ومن طلب البقاء فليعد للمصائب قلبا صبورا. وقال رضي الله عنه: العلماء غرباء لكثرة الجهال بينهم. وقال رضي الله عنه: الصبر على المصيبة مصيبة على الشامت. وعنه رضي الله عنه: ثلاث يبلغن بالعبد رضوان الله: كثرة الاستغفار، ولين الجانب، وكثرة الصدقة. وثلاث من كن فيه لم يندم: ترك العجلة، والمشورة والتوكل على الله عند العزم. وقال رضي الله عنه: لو سكت الجاهل ما اختلف الناس. وقال رضي الله عنه: مقتل الرجل بين فكيه، والرأي مع الأناة، وبئس الظهير الرأي الفطير. وقال رضي الله عنه: ثلاث خصال تجلب بهن المودة: الإنصاف في المعاشرة والمواساة في الشدة، والانطواء على قلب سليم. وقال رضي الله عنه: الناس أشكال وكل يعمل على شاكلته، والناس أخوان فمن كانت أخوته في غير ذات الله فإنها تعود عداوة، وذلك قوله تعالى الاخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين . وقال: من استحسن قبيحا كان شريكا فيه. وقال رضي الله عنه: كفر النعمة داعية ا لمقت، ومن جازاك بالشكر فقد أعطاك أكثر مما أخذ منك. وقال رضي الله عنه: لا تفسد الظن على صديق قد أصلحك اليقين له، ومن وعظ أخاه سرا فقد زانه، ومن وعظه علانية فقد شانه. وقال: لا يزال العقل والحمق يتغالبان على الرجل إلى أن بلغ ثماني عشرة سنة، فإذا بلغها غلب عليه أكثرها فيه، وما أنعم الله عز وجل على عبد نعمة فعلم

ص 605

أنها من الله إلا كتب الله على اسمه شكرها له قبل أن يحمده عليها، ولا أذنب عبد ذنبا فعلم أن الله مطلع عليه وأنه إن شاء عذبه وإن شاء غفر له إلا غفر له قبل أن يستغفره. وقال رضي الله عنه: الشريف كل الشريف من شرفه علمه، والسؤدد كل السؤدد لمن اتقى الله ربه. وقال: لا تعاجلوا الأمر قبل بلوغه فتندموا، ولا يطولن عليكم الأمل فتقسو قلوبكم، وارحموا ضعفاءكم واطلبوا الرحمة من الله بالرحمة منكم. وقال رضي الله عنه: من أمل فاجرا كان أدنى عقوبته الحرمان. وقال: موت الانسان بالذنوب أكبر من موته بالأجل، وحياته بالبركة أكبر من حياته بالعمر. وقال رضي الله عنه: من استفاد أخا في الله فقد استفاد بيتا في الجنة. وعنه: لو كانت السماوات والأرض رتقا على عبد ثم اتقى الله تعالى لجعل الله له منها مخرجا. وعنه أنه قال لبشر بن سعد لما قدم مصر: يا بشر إن للمحن أخريات لا بد أن تنتهي إليها، فيجب على العاقل أن ينام لها إلى إدبارها، فإن مكايداتها بالحيلة عند إقبالها زيادة فيها. وعنه: من وثق بالله وتوكل على الله نجاه الله من كل سوء وحرز من كل عدو. والدين عز والعلم كنز والصمت نور. وغاية الزهد الورع، ولا هدم للدين مثل البدع، ولا أفسد للرجال من الطمع. وبالراعي تصلح الرعية وبالدعاء تصرف البلية. ومن ركب مركب الصبر اهتدى إلى مضمار النصر، ومن غرس أشجار التقى اجتنى ثمار المنى.

ص 606

مستدرك ما أوردناه

(في فضائل الإمام العاشر علي بن محمد الهادي العسكري عليه السلام)

قد تقدم جملة مما ورد منها في كتب أعلام أهل السنة وأعاظمهم في المجلد الثاني عشر (ص 442 إلى ص 455) ونستدرك هيهنا بعض ما لم ننقله هناك أو نقلناه عن غير من ننقل عنه هيهنا:

نسبه عليه السلام وتاريخه

فممن لم ننقل عنه هناك العلامة الشيخ عبد الله بن محمد بن عامر الشبراوي الشافعي في الاتحاف بحب الأشراف (ص 67 ط مصطفى البابي الحلبي بمصر) قال: العاشر من الأئمة علي الهادي. ولد رضي الله عنه بالمدينة في رجب سنة أربع عشرة ومائتين وكراماته كثيرة. روي أن بعض الأعراب قصده من الكوفة، فلما جلس إليه قال له: ما

ص 607

حاجتك يا أعرابي. فقال: أنا رجل من أعراب الكوفة المتمسكين بحب جدك علي بن أبي طالب وقد ركبتني ديون أثقلت ظهري ولم أجد من أقصده لقضائها سواك. فقال له: كم دينك؟ قال: عشرة آلاف درهم. فقال: طب نفسا وقر عينا يقضي دينك إن شاء الله تعالى. ثم أنزله، فلما أصبح قال له: يا أخا العرب أريد منك حاجة لا تعصني ولا تخالفني فالله الله فيما آمرك به وحاجتك تقضى إن شاء الله تعالى. فقال له الأعرابي: لا أخالفك في شيء مما تأمرني به. فأخذ أبو الحسن ورقة وكتب فيها بخطه دينا عليه للأعرابي بالمبلغ المذكور وقال: خذ هذا الخط معك فإذا حضرت إلى سر من رأى فتراني أجلس مجلسا عاما فإذا حضر الناس واحتفل المجلس فتعال إلي بالخط وطالبني وأغلظ علي في القول ولا عليك، والله الله لا تخالفني في شيء مما أوصيتك به. فلما وصل أبو الحسن إلى سر من رأى جلس مجلسا عاما يحضر عنده جماعة من وجوه الناس وأصحاب الخليفة المتوكل وأعيان البلد وغيرهم، فجاء ذلك الأعرابي وأخرج الخط وطالبه بالمبلغ وأغلظ عليه في الكلام، فجعل أبو الحسن يعتذر إليه ويطيب نفسه بالقول ويعده بالخلاص عن قرب وكذلك الحاضرون وطلب منه المهلة ثلاثة أيام. فلما انفك المجلس نقل ذلك إلى الخليفة المتوكل فأمر لأبي الحسن على الفور بثلاثين ألف درهم، فلما حملت إليه تركها إلى أن جاء الأعرابي فقال له: خذ هذا المال فاقض منه دينك واستعن بالباقي على وقتك والقيام على عائلتك. فقال الأعرابي: يا ابن رسول الله إن في العشرة بلوغ مطلبي ونهاية مأربي وكفاية. فقال أبو الحسن: والله لتأخذن ذلك جميعه وهو رزقك الذي ساقه الله إليك، وأكبر من ذلك ما نقصناه فأخذ الأعرابي الثلاثين ألف درهم وانصرف وهو يقول الله يعلم حيث يجعل رسالاته . ولد علي الهادي رضي الله عنه سنة أربع عشرة ومائتين، وتوفي بسر من

ص 608

رأى في يوم الاثنين لخمس ليال بقين من جمادى الآخرة سنة أربع وخمسين ومائتين، وله من العمر أربعون سنة. وخلف أربعة أولاد أجلهم الحادي عشر من الأئمة الحسن الخالص. ومنهم العلامة المؤرخ الشهير المسعودي في مروج الذهب (ج 4 ص 84 ط دار الأندلس في بيروت) قال: وكانت وفاة أبي الحسن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد في خلافة المعتز بالله. وذلك في يوم الاثنين، لأربع بقين من جمادى الآخرة، سنة أربع وخمسين ومائتين، وهو ابن أربعين سنة، وقيل ابن اثنتين وأربعين سنة، وقيل أكثر من ذلك، وسمع في جنازته جارية تقول: ماذا لقينا في يوم الاثنين قديما وحديثا؟ وصلى عليه أحمد بن المتوكل على الله في شارع أبي أحمد وفي داره بسامراء ودفن هناك. ومنهم العلامة ابن خلكان في تاريخه (ج 2 ص 434) قال: أبو الحسن علي الهادي بن محمد الجواد بن علي الرضا المقدم ذكره، وهو حفيد الذي قبله، فلا حاجة إلى رفع نسبه، ويعرف بالعسكري. وهو أحد الأئمة الاثني عشر عند الإمامية، وكان قد سعي به إلى المتوكل، وقيل: إن في منزله سلاحا وكتبا وغيرها من شيعته، وأوهموه أنه يطلب الأمر لنفسه، فوجه إليه بعدة من الأتراك ليلا، فهجموا عليه في منزله على غفلة، فوجدوه وحده في بيت مغلق، وعليه مدرعة من شعر، وعلى رأسه ملحفة من صوف وهو مستقبل القبلة يترنم بآيات من القرآن في الوعد والوعيد، ليس

ص 609

بينه وبين الأرض بساط إلا الرمل والحصى، فأخذ على الصورة التي وجد عليها، وحمل إلى المتوكل في جوف الليل، فمثل بين يديه والمتوكل يستعمل الشراب وفي يده كأس، فلما رآه أعظمه وأجلسه إلى جانبه، ولم يكن في منزله شيء مما قيل عنه ولا حجة يتعلل عليه بها، فناوله المتوكل الكأس الذي في يده، فقال: يا أمير المؤمنين ما خامر لحمي ودمي قط، فاعفني منه، فأعفاه، وقال: أنشدني شعرا أستحسنه. فقال: إني لقليل الرواية للشعر. قال: لا بد أن تنشدني شيئا. فأنشده:

باتوا على قلل الأجبال تحرسهم * غلب الرجال فما أغنتهم القلل

واستنزلوا بعد عز من معاقلهم * فأودعوا حفرا يا بئس ما نزلوا

ناداهم صارخ من بعد ما قبروا * أين الأسرة والتيجان والحلل

أين الوجوه التي كانت منعمة * من دونها تضرب الأستار والكلل

فأفصح القبر عنهم حين ساء لهم * تلك الوجوه عليها الدود يقتتل

قد طال ما أكلوا دهرا وما شربوا * فأصبحوا بعد طول الأكل قد أكلوا

قال: فأشفق من حضر على علي، وظن أن بادرة تبدر إليه، فبكى المتوكل بكاء كثيرا حتى بلت دموعه لحيته، وبكى من حضره، ثم أمر برفع الشراب ثم قال: يا أبا الحسن أعليك دين؟ قال: نعم أربعة آلاف دينار، فأمر بدفعها إليه، ورده إلى منزله مكرما. وكانت ولادته يوم الأحد ثالث عشر رجب، وقيل: يوم عرفة، سنة أربع، وقيل: ثلاث عشرة ومائتين. ولما كثرت السعاية في حقه عند المتوكل أحضره من المدينة، وكان مولده بها، وأقره بسر من رأى وهي تدعى بالعسكر، لأن المعتصم لما بناها انتقل إليها بعسكره، فقيل لها: العسكر، ولهذا قيل لأبي الحسن المذكور: العسكري،

ص 610

لأنه منسوب إليها، وأقام بها عشرين سنة وتسعة أشهر. وتوفي بها يوم الاثنين لخمس بقين من جمادى الآخرة، وقيل: لأربع بقين منها، وقيل: في رابعها، وقيل: في ثالث رجب سنة أربع وخمسين ومائتين، ودفن في داره، رحمه الله تعالى! ومنهم الحافظ أبو بكر الشهير بالخطيب البغدادي في تاريخ بغداد (ج 12 ص 56 ط السعادة بمصر) قال: علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين ابن علي بن أبي طالب، أبو الحسن الهاشمي. أشخصه جعفر المتوكل على الله من مدينة رسول الله صلّى عليه وآله وسلم إلى بغداد، ثم إلى سر من رأى، فقدمها وأقام بها عشرين سنة وتسعة أشهر إلى أن توفي ودفن بها في أيام المقتدر بالله يعتقد الشيعة والإمامية فيه ويعرف بأبي الحسن العسكري. أخبرنا محمد بن أحمد بن رزق، أخبرنا محمد بن الحسن بن زياد المقرئ النقاش، حدثنا الحسين بن حماد المقرئ - بقزوين - حدثنا الحسين بن مروان الأنباري، حدثني محمد بن يحيى المعاذي، قال قال يحيى بن أكثم في مجلس الواثق - والفقهاء بحضرته - من حلق رأس آدم حين حج؟ فتعايى القوم عن الجواب. فقال الواثق: أنا أحضركم من ينبئكم بالخبر، فبعث إلى علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب فأحضر، فقال: يا أبا الحسن من حلق رأس آدم؟ فقال: سألتك بالله يا أمير المؤمنين إلا أعفيتني. قال: أقسمت عليك لتقولن. قال: أما إذ أبيت فإن أبي حدثني عن جدي عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلّى عليه وآله وسلم: أمر جبريل أن ينزل بياقوتة من الجنة، فهبط بها فمسح بها رأس

ص 611

آدم فتناثر الشعر منه، فحيث بلغ نورها صار حرما. أخبرني الأزهري، حدثنا أبو أحمد عبيد الله بن محمد المقرئ، حدثنا محمد ابن يحيى النديم، حدثنا الحسين بن يحيى، قال: اعتل المتوكل في أول خلافته، فقال: لئن برئت لأتصدقن بدنانير كثيرة، فلما برئ جمع الفقهاء فسألهم عن ذلك فاختلفوا، فبعث إلى علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر فسأله فقال: يتصدق بثلاث وثمانين دينارا. فعجب قوم من ذلك، وتعصب قوم عليه، وقالوا: تسأله يا أمير المؤمنين من أين له هذا؟ فرد الرسول إليه فقال له: قل لأمير المؤمنين في هذا الوفاء بالنذر، لأن الله تعالى قال لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ، وروى أهلنا جميعا أن المواطن في الوقائع والسرايا والغزوات كانت ثلاثة وثمانين موطنا، وأن يوم حنين كان الرابع والثمانيني، وكلما زاد أمير المؤمنين في فعل الخير كان أنفع له، وآجر عليه في الدنيا والآخرة. أخبرن الأزهري، أخبرنا أحمد بن إبراهيم بن محمد بن عرفة، قال: وفي هذه السنة - يعني سنة أربع وخمسين ومائتين - توفي علي بن محمد بن علي ابن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب سر من رأى في داره التي ابتاعها من دليل بن يعقوب النصراني. أخبرني التنوخي، أخبرني الحسن بن الحسين النعالي، أخبرنا أحمد بن عبد الله الذارع، حدثنا حرب بن محمد، حدثنا الحسين بن محمد العمى البصري، وحدثنا أبو سعيد الأزدي سهل بن زياد، قال: ولد أبو الحسن العسكري علي بن محمد - في رجب سنة مائتين وأربع عشرة من الهجرة، وقضى في يوم الاثنين لخمس ليال بقين من جمادى الآخرة سنة مائتين وأربع وخمسين من الهجرة.

ص 612

ومنهم العلامة الكنجي الشافعي في كفاية الطالب (ص 458 ط النجف) قال: الهادي علي، وهو الإمام بعده (أي الإمام التاسع محمد الجواد ع ) مولده بصريا من المدينة للنصف من ذي الحجة سنة اثنتي عشرة ومائتين، وتوفي بسر من رأى في رجب سنة أربع وخمسين ومائتين، وله يومئذ إحدى وأربعون سنة، ودفن في داره بسر من رأى. ومنهم العلامة أحمد بن حجر الهيتمي في الصواعق المحرقة (ص 205 ط عبد الوهاب بن عبد اللطيف بالقاهرة) قال: (علي العسكري) سمي بذلك لأنه لما وجه لإشخاصه من المدينة النبوية إلى سر من رأى وأسكنه بها وكانت تسمى العسكر فعرف بالعسكري، وكان وارث أبيه علما وسخاء. ومن ثم جاءه أعرابي من أعراب الكوفة وقال: إني من المتمسكين بولاء جدك وقد ركبني دين أثقلني حمله ولم أقصد لقضائه سواك فقال: كم دينك؟ فقال: عشرة آلاف درهم. فقال: طب نفسا بقضائه إن شاء الله تعالى، ثم كتب له ورقة فيها ذلك المبلغ دينا عليه. وقال له: ائتني به في المجلس العام وطالبني بها وأغلظ علي في الطلب، ففعل فاستمهله ثلاثة أيام، فبلغ ذلك المتوكل فأمر له بثلاثين ألفا، فلما وصلته أعطاها الأعرابي. فقال: يا ابن رسول الله إن العشرة آلاف أقضي بها أربي، فأبى أن يسترد منه من الثلاثين شيئا. فولى الأعرابي وهو يقول الله أعلم حيث يجعل رسالاته . ومر أن الصواب في قضية السباع الواقعة من المتوكل أنه هو الممتحن بها وأنها لم تقربه بل خضعت واطمأنت لما رأته.

ص 613

ويوافقه ما حكاه المسعودي وغيره أن يحيى بن عبد الله المحض بن الحسن المثنى بن الحسن السبط لما هرب إلى الديلم ثم أتي به الرشيد وأمر بقتله ألقي في بركة فيها سباع قد جوعت، فأمسكت عن أكله ولاذت بجانبه وهابت الدنو منه، فبنى عليه ركن بالجص والحجر وهو حي. توفي رضي الله عنه بسر من رأى في جمادى الآخرة سنة أربع وخمسين ومائتين، ودفن بداره وعمره أربعون، وكان المتوكل أشخصه من المدينة إليها سنة ثلاث وأربعين فأقام بها إلى أن قضى عن أربعة ذكور وأنثى.

ص 614

بعض كراماته عليه السلام

منها ما رواه جماعة من أعلام القوم: منهم المؤرخ الشهير العلامة المسعودي المتوفى سنة 346 في مروج الذهب (ج 4 ص 86 ط دار الأندلس في بيروت) قال المسعودي: وقد ذكرنا خبر علي بن محمد بن موسى رضي الله عنه مع زينب الكذابة بحضرة المتوكل، ونزوله - رضي الله عنه - إلى بركة السباع، ونذللها له، ورجوع زينب عما ادعته من أنها ابنة الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام وأن الله تعالى أطال عمرها إلى ذلك الوقت، في كتابنا أخبار الزمان ، وقيل: إنه مات مسموما عليه السلام. ومنها ما رواه جماعة من أعلام القوم:

ص 615

منهم المؤرخ الشهير العلامة المسعودي في مروج الذهب (ج 4 ص 86 ط بيروت) قال: علي بن محمد الطالبي: حدثنا ابن الأزهر، قال حدثني القاسم بن عباد، قال حدثني يحيى بن هرثمة، قال: وجهني المتوكل إلى المدينة لإشخاص علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر لشيء بلغه عنه، فلما صرت إليها ضج أهلها وعجوا ضجيجا وعجيجا ما سمعت مثله، فجعلت أسكنهم وأحلف لهم أني لم أؤمر فيه بمكروه، وفتشت بيته، فلم أجد فيه إلا مصحفا ودعاء وما أشبه ذلك، فأشخصته وتوليت خدمته وأحسنت عشرته. فبينا أنا نائم يوما من الأيام، والسماء صاحية والشمس طالعة، إذ ركب وعليه ممطر، وقد عقد ذنب دابته فعجبت من فعله، فلم يكن بعد ذلك إلا هنيهة حتى جاءت سحابة فأرخت عز إليها، ونالنا من المطر أمر عظيم جدا، فالتفت إلي وقال: أنا أعلم أنك أنكرت ما رأيت، وتوهمت أني علمت من الأمر ما لا تعلمه، وليس ذلك كما ظننت، ولكن نشأت بالبادية، فأنا أعرف الرياح التي يكون في عقبها المطر، فلما أصبحت هبت ربح لا تخلف وشممت منها رائحة المطر، فتأهبت لذلك، فما قدمت مدينة السلام بدأت بإسحاق بن إبراهيم الطاهري - وكان على بغداد - فقال لي: يا يحيى، إن هذا الرجل قد ولده رسول الله صلّى عليه وآله وسلم، والمتوكل من تعلم، وإن حرضته على قتله كان رسول الله خصمك. فقلت: والله ما وقفت له إلا على كل أمر جميل، فصرت

ص 616

إلى سامراء، فبدأت بوصيف التركي، وكنت من أصحابه: والله لئن سقطت من رأس هذا الرجل شعرة لا يكون المطالب بها غيري، فعجبت من قولهما، وعرفت المتوكل ما وقفت عليه، وما سمعته من الثناء عليه، فأحسن جائزته، وأظهر بره وتكرمته.

بعض كلماته مع المتوكل وغيره

ذكره جماعة من أعلام القوم: منهم المؤرخ الشهير العلامة المسعودي في مروج الذهب (ج 4 ص 11 ط دار الأندلس في بيروت) قال: وقد كان سعي بأبي الحسن علي بن محمد إلى المتوكل، وقيل له: إن في منزله سلاحا وكتبا وغيرها من شيعته، فوجه إليه ليلا من الأتراك وغيرهم من هجم عليه في منزله على غفلة ممن في داره، فوجده في بيت وحده مغلق عليه وعليه مدرعة من شعر، ولا بساط في البيت إلا الرمل والحصى، وعلى رأسه ملحفة من الصوف متوجها إلى ربه يترنم بآيات من القرآن في الوعد والوعيد، فأخذ على ما وجد عليه، وحمل إلى المتوكل في جوف الليل، فمثل بين يديه والمتوكل يشرب وفي يده كأس، فلما رآه أعظمه وأجلسه إلى جنبه ولم يكن في منزله شيء مما قيل فيه، ولا حالة يتعلل عليه بها، فناوله المتوكل الكأس الذي في يده، فقال: يا أمير المؤمنين، ما خامر لحمي ودمي قط، فأعفني منه، فعافاه وقال: أنشدني شعرا أستحسنه، فقال: إني لقليل الرواية للأشعار، فقال: لا بد أن تنشدني فأنشده:

ص 617

باتوا على قلل الأجبال تحرسهم * غلب الرجال فما أغنتهم القلل

واستنزلوا بعد عز عن معاقلهم * فأودعوا حفرا يا بئس ما نزلوا

ناداهم صارخ من بعد ما قبروا * أين الأسرة والتيجان والحلل؟

أين الوجوه التي كانت منعمة * من دونها تضرب الأستار والكلل

فأفصح القبر عنهم حين ساءلهم * تلك الوجوه عليها الدود يقتتل

قد طالما أكلوا دهرا وما شربوا * فأصبحوا بعد طول الأكل قد أكلوا

وطالما عمروا دورا لتحصنهم * ففارقوا الدور والأهلين وانتقلوا

وطالما كنزوا الأموال وادخروا * فخلفوها على الأعداء وارتحلوا

أضحت منازلهم قفرا معطلة * وساكنوها إلى الأجداث قد رحلوا

قال: فأشفق كل من حضر على علي، وظن أن بادرة تبدر منه إليه، قال: والله لقد بكى المتوكل بكاء طويلا حتى بلت دموعه لحيته، وبكى من حضره، ثم أمر برفع الشراب، ثم قال له: يا أبا الحسن، أعليك دين؟ قال: نعم أربعة آلاف دينار، فأمر بدفعها إليه، ورده إلى منزله من ساعته مكرما. وفي (ج 4 ص 85 الطبع المذكور): وحدثني محمد بن الفرج بمدينة جرجان في المحلة المعروفة ببئر أبي عنان قال: حدثني أبو دعامة، قال أتيت علي بن محمد بن علي بن موسى عائدا في علته التي كانت وفاته منها في هذه السنة، فلما هممت بالانصراف قال لي: يا أبا دعامة قد وجب حقك، أفلا أحدثك بحديث تسر به؟ قال: فقلت له: ما أحوجني إلى ذلك يا ابن رسول الله، قال: حدثني أبي محمد بن علي، قال: حدثني أبي علي بن موسى، قال: حدثني أبي موسى بن جعفر، قال: حدثني أبي جعفر بن محمد، قال: حدثني أبي محمد بن علي، قال: حدثني أبي علي بن الحسين، قال: حدثني أبي الحسين بن علي، قال: حدثني أبي علي بن أبي

ص 618

طالب، رضي الله عنهم، قال: قال رسول الله صلّى عليه وآله وسلم أكتب يا علي قال: قلت: وما أكتب؟ قال لي: اكتب بسم الله الرحمن الرحيم الإيمان ما وقرته القلوب، وصدقته الأعمال، والاسلام ما جرى به اللسان، وحلت به المناكحة قال أبو دعامة: فقلت: يا ابن رسول الله، ما أدري والله أيهما أحسن، الحديث أم الإسناد؟ فقال: إنها لصحيفة بخط علي بن أبي طالب بإملاء رسول الله صلّى عليه وآله وسلم نتوارثها صاغرا عن كابر. وفي (ج 4 ص 10 الطبع المذكور): وحدث أبو عبد الله محمد بن عرفة النحوي قال: حدثنا محمد بن يزيد المبرد قال: قال المتوكل لأبي الحسن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم: ما يقول ولد أبيك في العباس بن عبد المطلب؟ قال: وما يقول ولد أبي يا أمير المؤمنين في رجل افترض الله طاعة بنيه على خلقه وافترض طاعته على بنيه؟ فأمر له بمائة ألف درهم، وإنما أراد أبو الحسن طاعة الله على بنيه، فعرض.

ص 619

مستدرك ما أوردناه (في فضائل الإمام حسن بن علي العسكري عليه السلام)

قد تقدم جملة مما ورد منها في كتب أعلام أهل السنة وأعاظمهم في المجلد الثاني عشر (ص 458 إلى ص 476) ونستدرك هيهنا بعض ما لم ننقله هناك أو نقلناه عن غير من ننقل عنه هيهنا.

ولادته ووفاته ونبذة من فضائله

فممن لم نستدركه ههنا المؤرخ الشهير محمد بن الحسين المسعودي في مروج الذهب (ج 4 ص 112 ط دار الأندلس في بيروت) قال: الإمام الحادي عشر، وفي سنة ستين ومائتين قبض أبو محمد الحسن بن علي ابن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي ابن أبي طالب عليهم السلام في خلافة المعتمد، وهو ابن تسع وعشرين سنة،

ص 620

وهو أبو المهدي المنتظر، والإمام الثاني عشر عند القطعية من الإمامية، وهم جمهور الشيعة. ومنهم العلامة أحمد بن حجر الهيتمي في الصواعق المحرقة (ص 205 ط عبد الوهاب بن عبد اللطيف بالقاهرة) أبو محمد الحسن الخالص، وجعل ابن خلكان هذا هو العسكري، ولد سنة اثنتين وثلاثين ومائتين، ووقع لبهلول معه، أنه رآه وهو صبي يبكي والصبيان يلعبون، فظن أنه يتحسر على ما في أيديهم، فقال: أشتري لك ما تلعب به؟ فقال: يا قليل العقل ما للعب خلقنا. فقال له: فلماذا خلقنا؟ قال: للعلم والعبادة. فقال له: من أين لك ذلك؟ قال: من قول الله عز وجل أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون . ثم سأله أن يعظه، فوعظه بأبيات ثم خر الحسن مغشيا عليه، فلما أفاق قال له: ما نزل بك وأنت صغير لا ذنب لك؟ فقال: إليك عني يا بهلول إني رأيت والدتي توقد النار بالحطب الكبار فلا تتقد إلا بالصغار وإني أخشى أن أكون من صغار حطب نار جهنم. ولما حبس قحط الناس بسر من رأى قحطا شديدا، فأمر الخليفة المعتمد ابن المتوكل بالخروج للاستسقاء ثلاثة أيام فلم يسقوا، فخرج النصارى ومعهم راهب كلما مد يده إلى السماء هطلت ثم في اليوم الثاني كذلك، فشك بعض الجهلة وارتد بعضهم، فشق ذلك على الخليفة فأمر بإحضار الحسن الخالص وقال له: أدرك أمة جدك رسول الله صلّى عليه وآله وسلم قبل أن يهلكوا. فقال الحسن: يخرجون غدا وأنا أزيل الشك إن شاء الله، وكلم الخليفة في إطلاق أصحابه من السجن فأطلقهم.

ص 621

فلما خرج الناس للاستسقاء ورفع الراهب يده مع النصارى غيمت السماء، فأمر الحسن بالقبض على يده فإذا فيها عظم آدمي، فأخذه من يده وقال استسق، فرفع يده فزال الغيم وطلعت الشمس، فعجب الناس من ذلك، فقال الخليفة للحسن: ما هذا يا أبا محمد؟ فقال: هذا عظم نبي ظفر به هذا الراهب من بعض القبور، وما كشف من عظم نبي تحت السماء إلا هطلت بالمطر، فامتحنوا ذلك العظم فكان كما قال وزالت الشبهة عن الناس، ورجع الحسن إلى داره. وأقام عزيزا مكرما وصلات الخليفة تصل إليه كل وقت إلى أن مات بسر من رأى ودفن عند أبيه وعمه وعمره ثمانية وعشرون سنة، ويقال إنه سم أيضا ولم يخلف غير ولده. ومنهم العلامة محمد أبو الهدى أفندي في ضوء الشمس (ج 1 ص 119 ط الاسلامبول) قال: قد علم المسلمون في المشرق والمغرب أن رؤساء الأولياء وأئمة الأصفياء من بعده عليه الصلاة والسلام من ذريته وأولاده الطاهرين يتسلسلون بطنا بعد بطن وجيلا بعد جيل إلى زمننا هذا وهم الأولياء الأولياء بلا ريب وقادتهم إلى الحضرة القدسية المحفوظة من الدنس والعيب ومن في الأولياء الصدر الأول بعد الطبقة المشرفة بصحبة النبي الكريم كالحسن والحسين والباقر والكاظم والصادق الجواد والهادي والتقي والنقي والعسكري. ومنهم العلامة الشيخ عبد الله بن محمد بن عامر الشبراوي الشافعي في الاتحاف بحب الأشراف (ص 68 مصطفى البابي الحلبي بمصر) قال: الحادي عشر من الأئمة الحسن الخالص ويلقب أيضا بالعسكري، ولد رضي

ص 622

الله عنه بالمدينة لثمان خلون من ربيع الأول سنة اثنتين وثلاثين ومائتين، وتوفي رضي الله عنه يوم الجمعة لثمان خلون من ربيع الأول سنة ستين ومائتين وله من العمر ثمان وعشرون سنة ويكفيه شرفا أن الإمام المهدي المنتظر من أولاده. فلله در هذا البيت الشريف والنسب الخضيم المنيف، وناهيك به من فخار وحسبك فيه من علو مقدار، فهم جميعا في كرم الأرومة وطيب الجرثومة كأسنان المشط متعادلون ولسهام المجد مقتسمون، فيا له من بيت عالي الرتبة سامي المحلة، فلقد طاول السماك علا ونبلا، وسما على الفرقدين منزلة ومحلا، واستغرق صفات الكمال فلا يستنثى فيه بغير ولا بإلا انتظم في المجد هؤلاء الأئمة انتظام اللآلي وتناسقوا في الشرف فاستوى الأول والتالي، وكم اجتهد قوم في خفض منارهم والله يرفعه، وركبوا الصعب والذلول في تشتيت شملهم والله يجمعه، وكم ضيعوا من حقوقهم ما لا يهمله الله ولا يضيعه. أحيانا الله على حبهم وأماتنا عليه، وأدخلنا في شفاعة من ينتمون في الشرف إليه صلى الله عليه وسلم. وكانت وفاته بسر من رأى، ودفن بالدار التي دفن فيها أبوه. ومنهم العلامة الكنجي الشافعي في كفاية الطالب (ص 458 ط النجف) قال: أبو محمد الحسن العسكري ابنه (أي علي الهادي ع ) والإمام بعده، مولده بالمدينة في شهر ربيع الآخر من سنة اثنتين وثلاثين ومائتين، وقبض يوم الجمعة لثمان خلون من شهر ربيع الأول سنة ستين ومائتين وله يومئذ ثمان وعشرون سنة، ودفن في داره بسر من رأى في البيت الذي دفن فيه أبوه.

ص 623

ومنهم العلامة سراج الدين بن السيد عبد الله الرفاعي ثم المخزومي في صحاح الأخبار (ص 55 ط بمبئي سنة 1306) قال: وأما الإمام علي الهادي ابن الإمام محمد الجواد، ولقبه النقي والعالم والفقيه والأمير والدليل والعسكري والنجيب، ولد في المدينة سنة اثنتي عشرة ومائتين من الهجرة، وتوفي شهيدا بالسم في خلافة المعتز العباسي يوم الاثنين بسر من رأى لثلاث ليال خلون من رجب سنة أربع وخمسين ومائتين. وكان له خمسة أولاد الإمام الحسن العسكري والحسين ومحمد وجعفر وعائشة فالحسن العسكري أعقب صاحب السرداب الحجة المنتظر ولي الله الإمام محمد المهدي. ومنهم العلامة الشبلنجي في نور الأبصار (ص 166 ط الشعبية) قال: (فصل في ذكر مناقب الحسن الخالص ابن علي الهادي بن محمد الجواد ابن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم). أمه أم ولد يقال لها حديث، وقيل سوسن وكنيته أبو محمد وألقابه الخالص والسراج والعسكري، صفته بين السمرة والبياض. شاعره ابن الرومي، بوابه عثمان بن سعد، نقش خاتمه سبحان من له مقاليد السماوات والأرض ، معاصره المعتز والمهتدي والمعتمد. ولد أبو محمد الخالص بالمدينة لثمان خلت من شهر ربيع الآخر سنة اثنتين وثلاثين ومائتين من الهجرة. ومناقبه رضي الله عنه كثيرة، ففي درر الأصداف وقع للبهلول معه أنه رآه وهو صبي يبكي والصبيان يلعبون، فظن أنه يتحسر على ما بأيديهم، فقال له:

ص 624

أشتري لك ما تلعب به. فقال: يا قليل العقل ما للعب خلقنا. فقال له: فلما ذا خلقنا. قال: للعلم والعبادة. فقال له: من أين لك ذلك؟ فقال: من قوله تعالى أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون . ثم سأله أن يعظه فوعظه بأبيات ثم خر الحسن رضي الله عنه مغشيا عليه، فلما أفاق قال له: ما نزل بك وأنت صغير ولا ذنب لك؟ فقال: إليك عني يا بهلول، إني رأيت والدتي توقد النار بالحطب الكبار فلا تتقد إلا بالصغار، وأني أخشى أن أكون من صغار حطب جهنم. فذكر جملة من كراماته عليه السلام تقدم نقلها عنه في المجلد الثاني عشر من كتابنا هذا، ومما لم ننقل عنه هناك ما رواه: عن هاشم داود بن قاسم الجعفري قال: كنت في الحبس الذي في الجوسق أنا والحسن بن محمد ومحمد بن إبراهيم العمري وفلان وفلان خمسة أو ستة إذ دخل علينا أبو محمد الحسن بن علي العسكري - وأخوه جعفر، بأبي محمد وكان المتولي للحبس صالح بن يوسف الحاجب وكان معنا في الحبس رجل أعجمي، فالتفت إلينا أبو محمد وقال لنا سرا: لولا أن هذا الرجل فيكم لأخبرتكم متى يفرج الله عنكم، وهذا الرجل قد كتب فيكم قصة إلى الخليفة يخبر فيها بما تقولون فيه وهي معه في ثيابه يريد الحيلة في إيصالها إلى الخليفة من حيث لا تعلمون فاحذروا شره. قال أبو هاشم: فما تمالكنا أن تحاملنا جميعا على الرجل ففتشناه فوجدنا القصة مدسوسة معه في ثيابه وهو يذكرنا فيها بكل سوء، فأخذناها منه وحذرناه وكان الحسن يصوم في السجن فإذا أفطر أكلنا معه من طعامه. قال أبو هاشم: فكنت أصوم معه، فلما كان ذات يوم ضعفت عن الصوم فأمرت غلامي فجاء لي بكعك، فذهبت إلى مكان خال في المحبس فأكلت

ص 625

وشربت ثم عدت إلى مجلسي مع الجماعة ولم يشعرني أحد، فلما رآني تبسم وقال: أفطرت. فخجلت فقال: لا عليك يا أبا هاشم إذا رأيت أنك قد ضعفت وأردت القوة فكل اللحم فإن الكعك لا قوة فيه. وقال: عزمت عليك أن تفطر ثلاثا فإن البنية إذا أنهكها الصوم لا تتقوى إلا بعد ثلاث. ثم ذكر جملة من كراماته عليه السلام. ومنهم العلامة السيد إبراهيم الحسيني المدني السمهودي الشافعي في الإشراف على فضل الأشراف (ص 109 نسخة مكتبة الظاهرية في دمشق أو الأحمدية في حلب) قال: ومن ذلك ما يروى عن داود بن قاسم الجعفري أنه كان بحبس الخليفة المعتمد على الله بن المتوكل العباسي بالجوسق جماعة، ثم حبس ابن المتوكل معهم الإمام أبا محمد الحسن الخالص ابن علي العسكري، فقال لهم سرا عن رجل كان معهم في الحبس: لولا أن هذا الرجل فيكم لأخبرتكم متى يفرج عنكم. وذكر قصة اتفقت له مع ذلك الرجل أخبرتها عن أبي محمد الحسن، ولم تطل مدة أبي الحسن في الحبس حتى حصل بسر من رأى قحط شديد، فأمر الخليفة المعتمد بالخروج للاستسقاء، فخرج المسلمون ثلاثة أيام فلم يسقوا، فخرج الجاثليق في اليوم الرابع بالنصارى والرهبان، وكان فيهم راهب كلما رفع يده إلى السماء هطلت بالمطر، ثم خرجوا في اليوم الثاني وفعلوا كفعلهم بالأمس وسقوا سقيا شديدا، فتعجب الناس من ذلك وسبأ بعضهم للنصرانية، فشق ذلك على الخليفة فأنفذ إلى صالح بن وصيف أن أخرج أبا محمد وائتني به، فلما حضر قال له الخليفة: أدرك أمة جدك محمد صلى الله عليه وسلم فيما لحق بعضهم من هذه النازلة. فقال أبو محمد: دعهم يخرجون. فقال: قد

ص 626

استغنى الناس من كثرة المطر فما فائدة خروجهم. قال: لأزيل الشك عن الناس وما وقعوا فيه من هذه الورطة. فأمرهم الخليفة بالخروج وأن يخرج المسلمون معهم أبو محمد، فرفع الراهب يده ورفعت الرهبان معه أيديهم، فغيمت السماء والمطر. فأمر أبو محمد بالقبض على يد الراهب وأخذ ما فيها، فإذا بعظم آدمي بين أصابعه، فلفه أبو محمد في خرقة وقال: استسقي الآن، فاستسقى فانقطع الغيم وانكشف السحاب وطلعت الشمس، فتعجب الناس من ذلك وقال الخليفة: ما هذا يا أبا محمد؟ قال: هذا عظم نبي من أنبياء الله عز وجل ظفروا به، وما كشف عن عظم نبي تحت السماء إلا هطلت بالمطر، فامتحنوا ذلك فوجدوه كما قال، وسر الخليفة بذلك وزالت تلك الشبهة عن الناس. وكلم أبو محمد الخليفة في إطلاق الذين كانوا معه في السجن فأطلقهم وأقام بمنزله من سر من رأى معظما وصلات الخليفة تصل إليه كل وقت، فجعل الله تعالى ما سبق سببا لذلك عناية به.

ص 627

مستدرك ما أوردناه في

(فضائل بقية الله الأعظم) (الإمام الثاني عشر المهدي المنتظر محمد بن الحسن عجل الله تعالى فرجه)

قد تقدم جملة من الأحاديث المروية عن رسول الله صلى الله عليه وآله في كتب أهل السنة المتضمنة لبيان عدد الأئمة وأنهم اثنا عشر في المجلد الثالث عشر من كتابنا هذا من (ص 1 إلى ص 48) وكذا الأحاديث المروية عنه صلى الله عليه وآله في كتب أهل السنة المصرحة بأسماء الأئمة الاثني عشر وأن المهدي عليه السلام هو الإمام الثاني عشر وإنه ابن الإمام الحادي عشر الحسن بن علي العسكري عليه السلام من (ص 49 إلى ص 74). وقد تمحض المجلد الثالث عشر لذكر الأحاديث المتواترة من طرق أهل السنة في المهدي عليه السلام وأنه يملأ الأرض قسطا وعدلا بعد ما ملئت ظلما وجورا. وإنما نستدرك هيهنا جملة مما لم ننقله هناك أو نقلناه عن غير من ننقل عنه هيهنا من أعلام أهل السنة.

ص 628

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (الأئمة بعدي اثنا عشر)

وفي بعض الأحاديث (اثنا عشر خليفة) وفي بعضها (اثنا عشر إماما). رواه القوم وتقدم النقل عنهم في (ج 3 ص 1 إلى ص 72) وإنما ننقل هيهنا عمن لم ننقل عنهم هناك: منهم العلامة شمس الدين الذهبي في سير أعلام النبلاء (ج 14 ص 443 ط بيروت) قال: أخبرنا أبو المعالي أحمد بن إسحاق بمصر، أخبرنا الفتح بن عبد الله الكاتب أخبرنا هبة الله بن أبي شريك، أخبرنا أبو الحسين أحمد بن محمد بن النقور قال: حدثنا عيسى بن علي الوزير املاء، حدثنا أبو القاسم البغوي، حدثنا علي ابن الجعد، أخبرنا زهير - هو ابن معاوية، عن سماك، وزياد بن علاقة، وحصين، كلهم عن جابر بن سمرة رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: يكون بعدي اثنا عشر أميرا. ثم تكلم بشيء لم أفهمه، فسألت أبي - وقال بعضهم في حديثه: فسألت القوم - فقالوا: قال: كلهم من قريش. هذا حديث صحيح من العوالي لنا ولصاحب الترجمة. ومنهم العلامة جلال الدين السيوطي في الجامع الكبير (كما في جامع الأحاديث ج 8 ص 173 ط دمشق) روى من طريق أحمد والطبراني والحاكم عن ابن مسعود - قال:

ص 629

قال النبيّ صلّى عليه وآله وسلم: يملك هذه الأمة اثنا عشر خليفة كعدة نقباء بني إسرائيل. ومنهم مؤلف مختصر سنن أبي داود (ج 6 ص 856 ط السنة المحمدية بالقاهرة) روى عن إسماعيل - يعني ابن أبي خالد - عن أبيه عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلّى عليه وآله وسلم يقول: لا يزال هذا الدين قائما حتى يكون عليكم اثنا عشر خليفة كلهم تجتمع عليه الأمة، فسمعت كلاما من النبيّ صلّى عليه وآله وسلم لم أفهمه، قلت لأبي: ما يقول؟ قال: كلهم من قريش. ومنهم العلامة القسطلاني في المطالب العالية (ج 4 ص 342 ط الكويت) قال: روى من طريق المسدد عن أبي بحر أن أبا الجلد حدثه، وحلف عليه: أنه لا يهلك هذه الأمة حتى يكون فيها اثنا عشر خليفة، كلهم يعمل بالهدى ودين الحق منهم رجلان من أهل بيت النبيّ صلّى عليه وآله وسلم، يعيش أحدهما أربعين سنة، والآخر ثلاثين سنة، ويكون خلفاء بعدهم ليسوا منهم. ومنهم العلامة السيد علي بن شهاب الدين الهمداني في مودة القربى (ص 93 ط لاهور) روى عن الشعبي، عن عمر بن قيس بن عبد الله قال: كنا جلوسا في حلقة فيها عبد الله بن مسعود، وجاء أعرابي فقال: أيكم عبد الله بن مسعود. فقال عبد الله ابن مسعود: حدثكم نبيكم كم يكون بعده من الخلفاء؟ قال: نعم اثنا عشر عدد نقباء بني إسرائيل.

ص 630

وروى عن الشعبي عن مسروق قال: بينما نحن عند عبد الله بن مسعود نعرض عليه مصاحفنا إذ قال له فتى: هل عهد إليكم نبيكم يكون من بعده خليفة؟ قال: إنك لحديث السن إن هذا شيء ما سألني أحد قبلك، نعم عهد إلينا نبينا أنه يكون اثنا عشر خليفة بعدد نقباء بني إسرائيل. ومنهم العلامة إسماعيل بن عمر الشافعي البصري المتوفى سنة 701 في قصص الأنبياء (ص 201 ط دار الكتب الحديثة بمصر) قال: وفي رواية: لا يزال هذا الأمر قائما - وفي رواية عزيزا - حتى يكون اثنا عشر خليفة كلهم من قريش. ومنهم الحافظ المناوي في الجامع الأزهر (كما في جامع الأحاديث ج 9 ص 502 ط دمشق) روى من طريق الطبراني في الكبير والأوسط عن أبي جحيفة قال: كنت مع عمي عند النبي صلى الله عليه وهو يخطب فقال: لا يزال أمر أمتي صالحا حتى يمضي اثنا عشر خليفة، وخفض صلى الله عليه وسلم صوته. قال: فقلت لعمي وكان أمامي: ما قال يا عم؟ قال: كلهم من قريش. ومنهم العلامة أبو القاسم علي بن الحسن الشهير بابن عساكر الدمشقي الشافعي المتوفى 571 في تاريخ مدينة دمشق (ج 1 ص 334 والنسخة مصورة من مخطوطة جامع السلطان أحمد الثالث في اسلامبول) قال: أخبرنا أبو محمد الاكفاني، حدثنا عبد العزيز بن أحمد الكتاني، أخبرنا

ص 631

أبو زكريا أحمد بن محمد بن أحمد بن سليمان النيسابوري الفقيه المعروف بابن الصائغ قدم علينا قراءة عليه، حدثنا أبو عمرو أحمد بن محمد بن أحمد أبي منصور العمركي السرخسي، حدثنا أبو الحسين بن محمد بن مصعب، حدثنا علي ابن مصعب، حدثنا علي بن خشرم، حدثنا عيسى بن يونس، عن عمران، عن الشعبي، عن جابر بن سمرة قال: سمعت رسول الله ص في حجة الوداع يقول: لا يزال أمر هذه الأمة عاليا على من ناوأها حتى يملك اثنا عشر خليفة. ثم قال كلمة خفية لم أسمعها، فسألت أبي وهو أقرب إليه مني: ما قال ص ؟ قال: كلهم من قريش. ومنهم العلامة المولوي ولي الله اللكنهوئي في مرآة المؤمنين في مناقب أهل بيت سيد المرسلين (ص 111) قال: في مسند أبي جحيفة عن أبيه قال: إني كنت مع عمي عند النبي ص فقال: لا يزال أمر أمتي صالحا حتى يمضي اثنا عشر خليفة. ثم قال كلمة فخفض لها صوته، فقلت لعمي وكان أمامي: ما قال يا عمي؟ قال: يا بني كلهم من قريش. واخراج است اين حديث صاحب صواعق محرقة بطرق متعددة فقال هذا الحديث مجمع على صحته. وأورد بطرق متعددة، أخرجه الشيخان وغيرهما، فمن تلك الطرق: لا يزال هذا الأمر عزيزا ينصرون على ما ناوأهم عليه إلى اثني عشر خليفة كلهم من قريش. ورواه عبد الله بن أحمد بسند صحيح. ومنها: لا يزال هذا الأمر صالحا. ومنها لا يزال هذا الأمر ماضيا. رواهما أحمد.

ص 632

ومنها: لا يزال أمر الناس ماضيا ما وليهم اثنا عشر رجلا. ومنها: إن هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة. ومنها: لا يزال الإسلام عزيزا منيعا إلى اثني عشر خليفة. رواها مسلم. ومنها: لا يزال أمر أمتي قائما حتى يمضي اثنا عشر خليفة كلهم من قريش. ومنها لأبي داود: لا يزال هذا الدين قائما حتى يكون عليكم اثنا عشر خليفة كلهم مجتمع عليه الأمة. وعن ابن مسعود بسند صحيح حسن أنه سئل: كم يملك هذه الأمة من خليفة؟ قال: سألنا عنها رسول الله ص فقال: اثنا عشر كعدة نقباء بني إسرائيل. پس اين حديث بجميع طرقه ناص است بر اينكه عزت إسلام واستحكام طريقه سيدا نام از وجود دوازده خليفه كه هر يك از انها از قريش باشد خواهد بود وقريش عام وشامل اند مر بني هاشم وغير آنرا از قبائل عرب پس در ضمن اين اجمال نصى بر خلافت حضرت مرتضى كه از جمله قريش واكابر مهاجرين اولين بود هم مفهوم گشته.

نسب المهدي عليه السلام وولادته

ذكر في ذلك أعلام أهل السنة أحاديث وقد تقدم النقل عنهم في (ج 13 ص88 إلى ص 97) وإنما ننقل هيهنا عمن لم ننقل عنهم هناك: منهم العلامة الشيخ عبد الله بن محمد بن عامر الشبراوي الشافعي في الاتحاف بحب الأشراف (ص 68 ط مصطفى البابي الحلبي بمصر) قال: الثاني عشر من الأئمة أبو القاسم محمد الحجة الإمام، قيل هو المهدي

ص 633

المنتظر، ولد الإمام محمد الحجة بن الإمام الحسن الخالص رضي الله عنهما بسر من رأى ليلة النصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين قبل موت أبيه بخمس سنين، وكان أبوه قد أخفاه حين ولد وستر أمره لصعوبة الوقت وخوفه من الخلفاء، فإنهم كانوا في ذلك الوقت يتطلبون الهاشميين ويقصدونهم بالحبس والقتل ويريدون اعدامهم. وكان الإمام محمد الحجة يلقب أيضا بالمهدي والقائم والمنتظر والخلف الصالح وصاحب الزمان، وأشهرها المهدي، ولذلك ذهبت الشيعة إلى أنه الذي صحت الأحاديث بأنه يظهر آخر الزمان وأنه موجود في السرداب الذي دخله في سر من رأى، ولهم في ذلك تأليف والصحيح خلاف ما ذهبوا إليه، وإن المهدي الذي صحت به الأحاديث وأنه يظهر آخر الزمان خلافه، وإن كان أيضا من أشرف آل البيت الكريم لكنه يولد وينشأ كغيره لا أنه من المعمرين. وقد أشرق نور هذه السلسلة الهاشمية والبيضة الطاهرة النبوية والعصابة العلوية، وهم اثنا عشر إماما مناقبهم علية وصفاتهم سنية ونفوسهم شريفة أبية وأرومتهم كريمة محمدية، وهم محمد الحجة بن الحسن الخالص بن علي الهادي ابن محمد الجواد بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الإمام الحسين أخي الإمام الحسن ولدي الليث الغالب علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهم أجمعين. ومنهم العلامة الشبلنجي في نور الأبصار (ص 168 ط الشعبية) قال: (فصل) في ذكر مناقب محمد بن الحسن الخالص بن علي الهادي بن محمد الجواد بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن

ص 634

علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم. أمه أم ولد يقال لها نرجس، وقيل صقيل، وقيل سوسن، وكنيته أبو القاسم، ولقبه الإمامية بالحجة والمهدي والخلف الصالح والقائم والمنتظر وصاحب الزمان، وأشهرها المهدي. صفته رضي الله عنه شاب مربوع القامة حسن الوجه والشعر يسيل شعره على منكبيه أقنى الأنف أجلى الجبهة نوابه محمد بن عثمان، معاصره المعتمد كذا في الفصول المهمة. وهو آخر الأئمة الاثني عشر على ما ذهب إليه الإمامية. إلى أن قال: وفي تاريخ ابن الوردي: ولد محمد بن الحسن الخالص سنة خمس وخمسين ومائتين، وتزعم الشيعة أنه دخل السرداب في دار أبيه بسر من رأى وأمه تنظر إليه فلم يعد إليها، وكان عمره تسع سنين، وذلك في سنة مائتين وخمس وستين على خلاف. ومنهم العلامة الكنجي الشافعي في كفاية الطالب (ص 458 ط الغري) قال: أبو محمد حسن العسكري بن علي الهادي، مولده بالمدينة. إلى أن قال: ودفن في داره بسر من رأى في البيت الذي دفن فيه أبوه وخلف ابنه، وهو الإمام المنتظر صلوات الله عليه. ومنهم الحافظ الذهبي في العبر (ج 2 ص 31 ط الكويت) قال: وفيها (أي سنة 265) محمد بن الحسن العسكري بن علي الهادي بن محمد الجواد بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق العلوي الحسيني أبو القاسم الذي تلقبه الرافضة الخلف الحجة وهو خاتمة الأئمة الاثني عشر.

ص 635

ومنهم العلامة المولوي محمد مبين الهندي الحنفي في وسيلة النجاة (ص 418) روى عن رجل قال: دخلت على أبي محمد وفي البيت ستر، فقلت له: من صاحب الأمر بعدك؟ فأمرني برفع الستر فرأيت خلفها طفلا، فجلس عند أبي محمد فقال: هذا صاحبكم، ثم قام الصبي وقال له أبو محمد: أدخل إلى الوقت المعلوم، ثم نظرت فما رأيته. ومنهم العلامة المولوي محمد مبين الهندي الحنفي في وسيلة النجاة (ص 418 ط مطبعة گلشن فيض بلكهنو) قال: روى عن أبي محمد العسكري أنه سأله رجل عن الإمام والخليفة من بعده فدخل البيت فأخرج طفلا كأن وجهه كالبدر فقال: لو لم يكن لك عند الله كرامة لما أريتك. ثم قال: إن اسمه اسم رسول الله ص وكنيته كنيته، وهو الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا. ومنهم العلامة نجم الدين الشافعي في منال الطالب (مخطوط) قال: القسم الثاني في ذكر المعاني التي ذكر اختصاصهم بها، وهي الإمامة الثابتة لكل واحد منهم وكون عددهم مختصرا في اثني عشر إماما، فأما ثبوت الإمامة لكل واحد منهم فإنه حصل ذلك لكل واحد من قبله، فحصلت للحسن التقي عليه السلام من أبيه علي بن أبي طالب عليه السلام، وحصلت بعده لأخيه الحسين الزكي منه، وحصلت بعد الحسين لابنه علي زين العابدين منه، وحصلت

ص 636

بعد زين العابدين لولده محمد الباقر، وحصلت بعد الباقر لولده جعفر الصادق منه وحصلت بعد الصادق لولده موسى الكاظم، وحصلت بعد الكاظم لولده علي الرضا منه، وحصلت بعد الرضا لولده محمد القانع منه، وحصلت بعد القانع لولده علي المتوكل منه، وحصلت بعد المتوكل لولده الحسن الخالص منه، وحصلت بعد الخالص لولده محمد الحجة المهدي منه. وأما ثبوتها لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب فمستقصى على أكمل الوجوه في كتب الأصول فلا حاجة إلى بسط القول فيه في هذا الكتاب. ومنهم العلامة سراج الدين بن السيد عبد الله الرفاعي ثم المخزومي في صحاح الأخبار (ص 55 ط بمبئي سنة 1306) قال: وكان له (أي الإمام علي الهادي ع ) خمسة أولاد، الإمام الحسن العسكري والحسين ومحمد وجعفر وعائشة، فالحسن العسكري أعقب صاحب السرداب الحجة المنتظر ولي الله محمد المهدي. ومنهم العلامة عبد الوهاب الشعراني في اليواقيت والجواهر (ص 143 ط عبد الحميد أحمد حنفي بمصر) قال: يترقب خروج المهدي عليه السلام وهو من أولاد الإمام حسن العسكري، ومولده عليه السلام ليلة النصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين، وهو باق إلى أن يجتمع بعيسى بن مريم عليه السلام، فيكون عمره إلى وقتنا هذا - وهو سنة ثمان وخمسين وتسعمائة - سبعمائة سنة وست سنين. هكذا أخبرني الشيخ حسن العراقي المدفون فوق كوم الريش المطل على بركة الرطلي بمصر

ص 637

المحروسة على الإمام المهدي حين اجتمع به، ووافقه على ذلك شيخنا سيدي علي الخواص رحمهما الله تعالى. وعبارة الشيخ محيي الدين في الباب السادس والستين وثلاثمائة من الفتوحات: واعلموا أنه لا بد من خروج المهدي عليه السلام، لكن لا يخرج حتى تمتلئ الأرض جورا وظلما فيملأها قسطا وعدلا، ولو لم يكن من الدنيا إلا يوم واحد طول الله تعالى ذلك اليوم حتى يلي ذلك الخليفة، وهو من عترة رسول الله صلّى عليه وآله وسلم من ولد فاطمة رضي الله عنها، جده الحسين بن علي بن أبي طالب ووالده حسن العسكري ابن الإمام علي النقي بالنون ابن محمد التقي بالتاء ابن الإمام علي الرضا ابن الإمام موسى الكاظم ابن الإمام جعفر الصادق ابن الإمام محمد الباقر ابن الإمام زين العابدين علي ابن الإمام الحسين ابن الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه، يواطئ اسمه اسم رسول الله صلّى عليه وآله وسلم، يبايعه المسلمون بين الركن والمقام، يشبه رسول الله صلّى عليه وآله وسلم في الخلق بفتح الخاء وينزل عنه في الخلق بضمها، إذ لا يكون أحد مثل رسول الله صلّى عليه وآله وسلم في أخلاقه، والله تعالى يقول وإنك لعلى خلق عظيم هو أجسى الجبهة أقنى الأنف أسعد الناس به أهل الكوفة، يقسم المال بالسوية ويعدل في الرعية، يأتيه الرجل فيقول: يا مهدي أعطني وبين يديه المال فيحثي له في ثوبه ما استطاع أن يحمله، يخرج على فترة من الدين، يزع الله به ما لا يزع بالقرآن، يمسي الرجل جاهلا وجبانا وبخيلا فيصبح عالما شجاعا كريما، يمشي النصر بين يديه يعيش خمسا أو سبعا أو تسعا، يقفوا أثر رسول الله صلّى عليه وآله وسلم لا يخطئ، له ملك يسدده من حيث لا يراه، يحمل الكل ويعين الضعيف ويساعد على نوائب الحق، يفعل ما يقول ويقول ما يفعل ويعلم ما يشهد، يصلحه الله في ليلة، يفتح

ص 638

المدينة الرومية بالتكبير مع سبعين ألفا من المسلمين من ولد إسحق، يشهد الملحمة العظمى مأدبة الله بمرج عكا، يبيد الظلم وأهله يقيم الدين وينفخ الروح في الإسلام، يعز الله به الإسلام بعد ذله ويحييه بعد موته، يضع الجزية ويدعو إلى الله بالسيف، فمن أبى قتل ومن نازعه خذل، يظهر من الدين ما هو عليه الدين في نفسه حتى لو كان رسول الله صلّى عليه وآله وسلم حيا لحكم به فلا يبقى في زمانه إلا الدين الخالص عن الرأي، يخالف في غالب أحكامه مذاهب العلماء فينقبضون منه لذلك لظنهم أن الله تعالى ما بقي يحدث بعد أئمتهم مجتهدا. وأطال في ذكر وقائعه معهم ثم قال: واعلم أن المهدي إذا خرج يفرح به جميع المسلمين خاصتهم وعامتهم، وله رجال إلهيون يقيمون دعوته وينصرونه هم الوزراء له يتحملون أثقال المملكة ويعينونه على ما قلده الله تعالى له، ينزل عليه عيسى بن مريم عليه السلام بالمنارة البيضاء شرقي دمشق متكئا على ملكين ملك عن يمينه وملك عن يساره والناس في صلاة العصر فيتنحى له الإمام عن مكانه فيتقدم فيصلي بالناس، يأمر الناس بسنة محمد صلى الله عليه وسلم يكسر الصليب ويقتل الخنزير. ويقبض الله المهدي إليه طاهرا مطهرا. وفي زمانه يقتل السفياني عند شجرة بغوطة دمشق، ويخسف بجيشه في البيداء، فمن كان مجبورا من ذلك الجيش مكرها يحشر على نيته. وقد جاءكم زمانه وأظلكم أوانه وقد ظهر في القرن الرابع اللاحق بالقرون الثلاثة الماضية قرن رسول الله صلّى عليه وآله وسلم وهو قرن الصحابة، ثم الذي يليه ثم الذي يلي الثاني، ثم جاء بينهما فترات وحدثت أمور وانتشرت أهواء وسفكت دماء فاختفى إلى أن يجئ الوقت الموعود، فشهداؤه خير الشهداء وأمناؤه أفضل الأمناء. قال الشيخ محيي الدين: وقد استوزر الله تعالى له طائفة خبأهم الله في مكنون

ص 639

غيبة أطلعهم كشفا وشهودا على الحقائق وما هو أمر الله عليه في عباده وهو على أقدام رجال من الصحابة الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه وهم من الأعاجم ليس فيهم عربي لكن لا يتكلمون إلا بالعربية، لهم حافظ من جنسهم، ما عصى الله قط هو أخص الوزراء. واعلم أن المهدي لا يفعل شيئا قط برأيه وإنما يشاور هؤلاء الوزراء فإنهم هم العارفون بما هناك. وأما هو عليه السلام في نفسه فهو صاحب سيف حق وسياسة، ومن شأن هؤلاء الوزراء أن أحدهم لا ينهزم قط من قتال وإنما يثبت حتى ينصر أو ينصرف من غير هزيمة، ألا تراهم يفتحون مدينة الروم بالتكبير فيكبرون التكببرة الأولى فيسقط ثلثها ويكبرون الثانية فيسقط الثلث الثاني من السور ويكبرون الثالثة فيسقط الثلث فيفتحونها من غير سيف، وهذا هو عين الصدق الذي هو والنصر أخوان. قال الشيخ: وهؤلاء الوزراء دون العشرة وفوق الخمسة، لأن رسول الله صلّى عليه وآله وسلم شك في مدة إقامته خليفة من خمس إلى تسع للشك الذي وقع في وزرائه، فلكل وزير معه إقامة سنة، فإن كانوا خمسة عاش خمسة وإن

(هامش)

1) قد فرغ المؤلف من تأليف كتاب اليواقيت والجواهر فيما أدرجه في آخره في شهر رجب سنة خمس وخمسين وتسعمائة بمصر. وقد كتب على مسودة هذا الكتاب جماعة من مشايخ العلماء بمصر وأجازوه ومدحوه، منهم الشيخ شهاب الدين بن الشلبي الحنفي، ومنهم شيخ الإسلام الفتوحي الحنبلي فكتب عليه لا يقدح في معاني هذا الكتاب إلا معاند مرتاب أو جاحد كذاب، ومنهم الشيخ شهاب الدين عميرة الشافعي، ومنهم الشيخ ناصر الدين اللقاني المالكي، ومنهم الشيخ محمد البرهتوشي الحنفي. (*)

ص 640

كانوا سبعة عاش سبعة وإن كانوا تسعة عاش تسعة أعوام، ولكل عام منها أهوال مخصوصة وعلم يختص به ذلك الوزير، فما هم أقل من خمسة ولا أكثر من تسعة. قال الشيخ: ويقتلون كلهم إلا واحدا منهم في مرج عكا في المأدبة الإلهية التي جعلها الله تعالى مائدة للسباع والطيور والهوام. قال الشيخ: وذلك الواحد الذي يبقى لا أدري هل هو ممن استثنى الله في قوله ونفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله أو هو يموت في تلك النفخة. قال الشيخ محيي الدين: وإنما شككت في مدة إقامة المهدي إماما في الدنيا ولم أقطع في ذلك بشيء لأني ما طلبت من الله تحقيق ذلك أدبا معه تعالى أن أسأله في شيء من ذات نفسي. قال: ولما سلكت معه هذا الأدب قيض الله تعالى واحدا من أهل الله عز وجل فدخل علي وذكر لي عدد هؤلاء الوزراء ابتداء وقال لي: صم تسعة. فقلت له: إن كانوا تسعة فإن بقاء المهدي لا بد أن يكون تسع سنين فإني عليم بما يحتاج إليه وزيره، فإن كان واحدا اجتمع في ذلك الواحد جميع ما تحتاج إليه وزراؤهم، وإن كانوا أكثر من واحد فما يكون أكثر من تسعة، فإنه إليها انتهى الشك من رسول الله صلّى عليه وآله وسلم في قوله خمسا أو سبعا أو تسعا - يعني في إقامة المهدي - تشجيعا لخواص أصحابه ليطلبوا العلم أولا يقنعوا بالتقليد، فإنه قال ما يعلمهم إلا قليل. فافهم. قال: وجميع ما يحتاج إليه وزراء المهدي في قيامهم تسعة أمور لا عاشر لها ولا تنقص عن ذلك، وهي نفوذ البصر ومعرفة الخطاب الإلهي عند الالقاء وعلم الترجمة عن الله وتعيين المراتب لولاة الأمر والرحمة في الغضب، وما يحتاج إليه الملك من الأرزاق المحسوسة وغيرها وعلم تدخل الأمور بعضها على بعض والمبالغة والاستقصاء في قضاء حوائج الناس والوقوف على علم الغيب الذي

ص 641

يحتاج إليه في الكون في مدته خاصة. فهذه تسعة أمور لا بد أن تكون في وزراء المهدي من واحد فأكثر. وأطال الشيخ في شرح هذه الأمور بنحو عشرة أوراق، ثم قال: واعلم أن ظهور المهدي عليه السلام من أشراط قرب الساعة، كذلك خروج الدجال فيخرج من خراسان من أرض الشرق موضع الفتن يتبعه الأتراك واليهود، ويخرج إليه من أصبهان وحدها سبعون ألفا مطيلسين، وهو رجل كهل أعور العين اليمنى كأن عينه عنبة طافية مكتوب بين عينيه كاف فارا ... الخ. ومنهم العلامة الشيخ سليمان القندوزي في ينابيع المودة (ج 3 ص 123 ط صيدا) قال: أبو محمد الحسن العسكري، أرى ولده القائم المهدي لخواص مواليه، وأعلمهم أن الإمام من بعده ولده رضي الله عنهما. وفي كتاب الغيبة عن أبي غانم الخادم قال: ولد لأبي محمد الحسن مولود فسماه محمدا فعرضه على أصحابه يوم الثالث وقال: هذا إمامكم من بعدي وخليفتي عليكم، وهو القائم الذي تمتد عليه الأعناق بالانتظار، فإذا امتلأت الأرض جورا وظلما خرج فملأها قسطا وعدلا. وفي هذا الكتاب عن جعفر بن مالك قال، معاوية بن حكيم ومحمد بن أيوب ومحمد بن عثمان: إن أبا محمد الحسن عرض ولده علينا ونحن في منزله وكنا أربعين رجلا، فقال: هذا إمامكم من بعدي وخليفتي عليكم أطيعوه ولا تتفرقوا من بعدي فتلهكوا في أديانكم، أما إنكم لا ترونه بعد يومكم هذا. عن حمدان القلانسي قال: قلت لمحمد بن عثمان العمري: مضى أبو محمد؟ فقال لي: قد مضى ولكن قد خلف فينا من رقبتنا في بيعته.

ص 642

وعن عمر الأهوازي قال: أراني أبو محمد ابنه رضي الله عنهما وقال: هذا إمامكم من بعدي. وعن الخادم الفارسي قال: كنت بباب الدار خرجت جارية من البيت ومعها شيء مغطى، فقال لها أبو محمد: اكشفي عما معك، فكشفت فإذا غلام أبيض حسن الوجه، فقال: هذا إمامكم من بعدي. فما رأيته بعد ذلك. وعن محمد بن إسماعيل بن موسى الكاظم رضي الله عنهم وكان أسن بني الكاظم، قال: رأيت ولد أبي محمد الحسن العسكري وهو غلام. وعن أبي علي بن مطهر قال: رأيت ولد أبي محمد وله قدر جليل. وعن كامل بن إبراهيم المدني قال: دخلت على أبي محمد الحسن وعلى باب البيت ستر، فجاءت الريح فكشفت طرف الستر فإذا غلام كأنه القمر، فقال أبو محمد: يا كامل قد أنبئتك بحاجتك هذا الحجة من بعدي. وعن إبراهيم بن إدريس قال: رأيت المهدي بعد أن مضى أبو محمد رضي الله عنهما غلاما حين أيفع وقبلت يديه ورأسه الشريف. وعن يعقوب بن منفوس قال: دخلت على أبي محمد الحسن العسكري وعلى باب بيته ستر مسبل، فقلت له: يا سيدي من صاحب هذا الأمر بعدك؟ فقال: ارفع الستر، فرفعته فخرج غلام فجلس على فخذ أبي محمد رضي الله عنهما، وقال لي أبو محمد: هذا إمامكم من بعدي. ثم قال: يا بني أدخل البيت، فدخل البيت وأنا أنظر إليه، ثم قال: يا يعقوب أنظر في البيت، فدخلته فما رأيت أحدا. وعن محمد بن صالح بن علي بن محمد بن قنبر بن قنبر الكبير قال: خرج صاحب الزمان على عمه جعفر الذي تعرض في مال أبي محمد، وقال: يا عم ما لك تتعرض في حقوقي. فتحير عمه جعفر وبهت ثم غاب، ولما ماتت أم الحسن جدة صاحب الزمان وهي أوصت أن يدفنوها في الدار فنازع وقال: هي داري.

ص 643

وخرج صاحب الزمان فقال: يا عم ما دارك هي ثم غاب. وعن أبي الأديان قال: كنت أخدم أبا محمد الحسن العسكري وأبلغ كتبه إلى الأمصار، فكتب كتبا وقال لي: انطلق بها إلى المدائن فإنك تغيب خمسة عشر يوما وتدخل سامراء يوم الخامس عشر وتسمع الناعية في داري وتجدني على المغتسل. فقلت: يا سيدي من هو القائم بعدك؟ قال: من طالبك بأجوبة كتبي فهو القائم من بعدي. فقلت: زدني. قال: من يصلي علي فهو القائم من بعدي. فقلت: زدني. قال: من أخبر ما في الهميان فهو القائم من بعدي، ثم منعتني هيبته عن السؤال وخرجت بالكتب إلى المدائن وأخذت أجوبتها فدخلت سامراء يوم الخامس عشر وسمعت الناعية في داره وهو على المغتسل ثم كفن، فلما هم أخوه جعفر أن يصلي عليه ظهر صبي فجذب رداء جعفر وقال: يا عم تأخر فأنا أحق بالصلاة على أبي. فتقدم الصبي فصلى عليه ثم قال: يا أبا الأديان هات أجوبة الكتب التي كانت معك، فدفعتها إليه فقلت في نفسي: هذه اثنتان بقي الهميان. قال: فبينا نحن جلوس إذ قدم نفر من قم وقالوا: إن معنا كتبا وما لا فسألنا جعفر عن أصحاب الكتب وكم المال، قال: لا أعلم الغيب، فخرج الخادم وقال: إن صاحب الزمان وجهني إليكم أن أرباب الكتب فلان وفلان وفلان وما في الهميان ألف دينار وعشرة دنانير مطلية، فدفعوا إليه الكتب والمال. وعن علي بن سنان الموصلي عن أبيه قال: لما قبض سيدنا أبو محمد جاء وقد من قم بالأموال، فقال جعفر: احملوها إلي. فقالوا: كنا إذا وردنا بالمال على أبي محمد يقول جملة المال كذا وكذا دينارا من عند فلان وفلان. فقال جعفر: هذا علم الغيب لا يعلمه إلا الله. فشكى جعفر إلى الخليفة وكان بسامراء فقال الخليفة للوفد: احملوا هذا المال إلى جعفر. فقالوا: يا أمير المؤمنين أن يكن

ص 644

جعفر صاحب الأمر فليبين لنا ما بين أخوه الإمام وإلا رددناه إلى أصحابه. فقال الخليفة: هؤلاء القوم رسل وما على الرسل إلا البلاغ. فلما خرجوا بالمال من البلد خرج إليهم غلام فصاح: يا فلان بن فلان ويا فلان بن فلان أجيبوا مولاكم فسيروا إليه. قالوا: فسرنا معه حتى دخلنا دار مولانا أبي محمد الحسن فإذا ولده قاعد على سرير كأنه القمر عليه ثياب خضر، فقال: جملة المال كذا وكذا دينارا، حمل فلان كذا من فلان بن فلان وحمل فلان بن فلان من فلان بن فلان، حتى وصف رحالنا ودوابنا، ثم أمرنا مولانا أن لا نحمل إلى سامراء من بعد شيئا، ونصب لنا ببغداد رجلا نحمل إليه الأموال وتخرج من عنده التوقيعات. فانصرفنا من عند مولانا ونحمل الأموال إلى بغداد إلى النائب المنصوب الذي يخرج من عنده أوامره ونواهيه. وعن الحسين بن حمدان المخصيبي، عن هارون بن مسلم وسعدان البصري ومحمد بن أحمد البغدادي وأحمد بن إسحق وسهل بن زياد وعبد الله بن جعفر، جميعا سمعوا عدة من المشايخ الثقات الذين كانوا مجاورين للإمامين سيدنا علي الهادي وأبي محمد الحسن العسكري، قالوا: سمعناهما يقولان: إن الله تبارك وتعالى إذا أراد أن يخلق الإمام أنزل قطرة من ماء الجنة في ماء المزن فتسقط في ثمار الأرض وبقلتها فيأكلها أبو الإمام وتكونت نطفته منها، فإذا استقرت النطفة في الرحم فيمضي لها أربعة أشهر يسمع الصوت وكتب على عضده وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم ، فإذا ولد قام بأمر الله ورفع له عمود من نور ينظر منه الخلائق وأعمالهم وسرائرهم، والعمود نصبت بين عينيه حيث تولى ونظر. وقالوا: قال أبو محمد الحسن العسكري قصة هبة عمته نرجس له نحو ما تقدم.

ص 645

ومنهم العلامة المولوي محمد مبين الهندي الفرنگي محلى الحنفي ابن المولوي محب الله السهالوي المتوفى سنة 1225 في كتابه وسيلة النجاة (ص 419 ط گلشن فيض الكائنة في لكهنو) قال: در روايت است كه شخصى گفته كه معتضد مرا با دو كس ديگر طلبيد وگفت حسن بن على در سر من رأى وفات يافت زود برويد ودر خانه ويرا فرو گيريد وهر كه در خانه وى ببيند سر ويرا بمن آريد. راوى ميگويد كه رفتم به سراى وى درآمدم منزلى ديدم خوبى وپاكيزگى گويا كه الحال از عمارت وى فارغ شده بودند ودر آنجا پرده ديديم فرو گذاشته پرده را برداشتيم سردابى ديديم به آنجا درآمديم دريائى ديديم در اقصى آن حصيرى بر روى آب انداخته ومردى خوب ترين صورت بر بالاى آن حصير در نماز ايستاده وبه ما هيچ التفات نكرد. يكى از آن دو نفر كه با من بود سبقت گرفت وخواست كه پيش وى رود در آب غرق شد واضطراب كرد تا دست وى گرفتم خلاص گردانيدم، بعد از آن نفر ديگر خواست كه پيش رود ويرا نيز همان حال پيش آمد وخلاص كردم. من حيران بماندم پس گفتم اى صاحب خانه از خداى تعالى واز تو عذر ميخواهم والله من ندانستم كه حال چيست وبه كجا ميآيم از آنچه كردم بخداى تعالى بازگشتم. هرچند كه گفتم بمن هيچ التفات نكرد، بازگشتم قصه پيش معتضد گفتم گفت اين سر را پوشيده داريد والا مى فرمايم كه شما را گردن زنند. هذا ما في شواهد النبوة. واين همان مهدى موعود آخر الزمان حجة خدا

ص 646

مسمى بقائم خليفة الرحمان آخر ائمه الاثنا عشر نزد اماميه است ميگويند كه ولادت شريف آنحضرت در سال دويست وپنجاه وپنجم هجرت واقع شد وبعضى پنجاه وشش وبعضى پنجاه وهشت نيز گفته اند ومشهور آنست كه روز ولادت شب جمعه پانزدهم شعبان بوده وبعضى هشتم شعبان نيز گفته اند.

ص 647

قصيدة دعبل الخزاعي (وإخبار الرضا عن المهدي ونسبة)

رواها القوم وتقدم النقل عنهم في (ج 12 ص 399 إلى ص 408) وإنما ننقل هيهنا عمن لم ننقل عنهم هناك: منهم العلامة القندوزي في ينابيع المودة (ج 3 ص 115 ط مكتبة العرفان في بيروت) قال: أخرج الحمويني الشافعي في فرائد السمطين عن أحمد بن زياد عن دعبل ابن علي الخزاعي قال: أنشدت قصيدة لمولاي الإمام الرضا رضي الله عنه، أولها:

مدارس آيات خلت من تلاوة * ومنزل وحي مقفر العرصات

أرى فيئهم في غيرهم متقسما * وأيديهم من فيئهم صفرات

وقبر ببغداد لنفس زكية * تضمنها الرحمن في الغرفات

قال لي الرضا: ألحق هذين البيتين بقصيدتك. قلت: بلى يا بن رسول الله.

ص 648

فقال: وقبر بطوس يا لها من مصيبة * ألحت على الأحشاء بالزفرات

إلى الحشر حتى يبعث الله قائما * يفرج عنا الهم والكربات

قال دعبل: ثم قرأت باقي القصيدة عنده، فلما انتهيت إلى قولي:

خروج إمام لا محالة واقع * يقوم على اسم الله والبركات

يميز فينا كل حق وباطل * ويجزي على النعماء والنقمات

بكى الرضا بكاء شديدا، ثم قال: يا دعبل نطق روح القدس بلسانك، أتعرف من هذا الإمام؟ قلت: لا إلا أني سمعت خروج إمام منكم يملأ الأرض قسطا وعدل. فقال: إن الإمام بعدي ابني محمد، وبعد محمد ابنه علي، وبعد علي ابنه الحسن، وبعد الحسن ابنه الحجة القائم وهو المنتظر في غيبته المطاع في ظهوره، فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما، وأما متى يقوم فأخبار عن الوقت، لقد حدثني أبي عن آبائه عن رسول الله صلّى عليه وآله وسلم قال: مثله كمثل الساعة لا تأتيكم إلا بغتة. وفي المناقب عن سدير الصيرفي قال: دخلت أنا والمفضل بن عمر وأبوه بصير وأبان بن تغلب على مولانا أبي عبد الله جعفر الصادق رضي الله عنه، فرأيناه جالسا على التراب وهو يبكي بكاء شديدا ويقول: سيدي غيبتك نفت رقادي وسلبت مني راحة فؤادي. قال سدير: تصدعت قلوبنا جزعا فقلنا: لا أبكى الله يا ابن خير الورى عينيك. فزفر زفرة انتفخ منها جوفه فقال: نظرت في كتاب الجفر الجامع صبيحة هذا اليوم - وهو الكتاب المشتمل على علم ما كان وما يكون إلى يوم القيامة وهو الذي خص الله به محمدا والأئمة من بعده صلوات الله عليه وعليهم - وتأملت فيه مولد قائمنا المهدي وطول غيبته وطول عمره وبلوى المؤمنين في زمان غيبته وتولد الشكوك في قلوبهم من ابطاء ظهوره وخلعهم

ص 649

ربقة الإسلام عن أعناقهم، قال عز وجل وكل انسان ألزمناه طائره في عنقه يعني ولاية الإمام، فأخذتني الرقة واستولت علي الأحزان. وقال: قدر أن مولده تقدير مولد موسى، وقدر غيبته تقدير غيبة موسى، وإبطاءه كإبطاء نوح، وجعل عمر العبد الصالح الخضر دليلا على عمره، أما مولد موسى عليه السلام فإن فرعون لما وقف على أن زوال ملكه بيد مولود من بني إسرائيل أمر بقتل كل مولود ذكر من بني إسرائيل حتى قتل نيفا وعشرين ألف مولود فحفظ الله موسى، وكذلك بنو أمية وبنو العباس وقفوا على أن زوال الجبابرة على يد القائم منا قصدوا قتله ويأبى الله أن يكشف أمره لواحد من الظلمة إلا أن يتم نوره. وأما غيبته كغيبة عيسى عليهما السلام فإن اليهود والنصارى اتفقت على أنه قتل، فكذبهم الله عز وجل ذكره بقوله وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم كذلك غيبة القائم فإن الناس استنكرها لطولها، فمن قائل بغير هدى بأنه لم يولد، وقائل يقول أنه ولد ومات، وقائل يقول أن حادي عشرنا كان عقيما، وقائل يقول إنه يتعدى إلى ثالث وما عداه، وقائل يقول إن روح القائم ينطق في هيكل غيره. وكلها باطل. وأما إبطاؤه كإبطاء نوح عليه السلام فإنه لما استنزل العقوبة على قومه بعث الله الروح الأمين فقال: يا نبي الله إن الله يقول لك إن هؤلاء خلائقي وعبادي لست أهلكهم إلا بعد تأكيد الدعوة وإلزام الحجة وإغرس النوى فإن لك الخلاص إذا أثمرت، فإذا أثمرت قال الله له اغرس النوى واصبر واجتهد، فأخبر ذلك للذين آمنوا به فارتد منهم ثلاثمائة رجل، ثم إن الله يأمر عند ثمرها، كل مرة بأن يغرسها مرة أخرى إلى أن غرسها سبع مرات فما زال منهم يرتد إلى أن بقي بالإيمان نيف وسبعون رجلا، فأوحى الله إليه الآن صفي الحق عن الكدر بارتداد من كانت طينته خبيثة، فكذلك القائم منا فإنه تمتد غيبته. ثم تلا حتى إذا

ص 650

استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا . وأما الخضر ما طول الله عمره لنبوة قدرها له ولا لكتاب ينزل عليه ولا لشريعة ينسخ بها شريعة من كان قبله ولا لأمة يلزم اقتدائهم به ولا لطاعة يفرضها له، بل طول عمره للاستدلال به على طول عمر القائم عليهما السلام ولينقطع بذلك حجة المعاندين لئلا يكون للناس على الله حجة. ومنهم العلامة ابن الصباغ المالكي في الفصول المهمة (ص 230 ط الغري) روى عن أبي الصلت قال: قال دعبل رضي الله عنه: لما أنشدت مولاي الرضا هذه القصيدة وانتهيت إلى قولي:

خروج إمام لا محالة قائم * يقوم على اسم الله والبركات

يميز فينا كل حق وباطل * ويجزى على النعماء والنقمات

بكى الرضا ثم رفع رأسه وقال: يا خزاعي نطق روح القدس على لسانك بهذا البيت، أتدري من هذا الإمام الذي تقول؟ قلت: لا أدري إلا أني سمعت يا مولاي بخروج إمام منكم يملأ الأرض عدلا. فقال: يا دعبل الإمام بعدي محمد ابني، وبعده علي ابنه، وبعد علي ابنه الحسن، وبعد الحسن ابنه الحجة القائم المنتظر في غيبته المطاع في ظهوره، ولو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يخرج فيملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا. ومنهم العلامة الشبراوي الشافعي في الاتحاف بحب الأشراف (ص 61 ط مصطفى الحلبي بمصر) روى الحديث بعين ما تقدم عن الفصول المهمة .

 

الصفحة السابقة الصفحة التالية

شرح إحقاق الحق (ج19)

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب