الصفحة السابقة الصفحة التالية

شرح إحقاق الحق (ج25)

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب

ص 351

قال ذلك؟ قلت: فاطمة. قال: صدقت، إنها بضعة مني (قط في الإفراد). وقال أيضا في ص 118: عن علي رضي الله عنه إنه كان عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أي شيء خير للمرأة؟ فسكتوا. قال: فلما رجعت قلت لفاطمة: أي شيء خير للنساء؟ قالت: لا يرين الرجال ولا يرونهن، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: إنما فاطمة بضعة مني (البزار، حل) وضعف. وروى الحافظ المذكور مثل ما تقدم في كتابه (مسند علي بن أبي طالب عليه السلام) ص 153 ط المطبعة المزبورة. ومنهم الفاضل المعاصر الشيخ أبو بكر جابر الجزائري في كتابه (العلم والعلماء) (ص 238 ط دار الكتب السلفية بالقاهرة سنة 1403) قال: أخرج أبو نعيم في (حلية الأولياء) بسنده إلى أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله: ما خير للنساء؟ فلم ندر ما نقول، فسار علي إلى فاطمة فأخبرها بذلك فقالت: فهلا قلت له: خير لهن أن لا يرين الرجال ولا يروهن، فرجع فأخبره بذلك، فقال له: من علمك هذا؟ قال: فاطمة. قال: إنها بضعة مني!. فهذه الرواية وقد وردت من عدة طرق تشهد بما أوتيت الزهراء من علم وفضل، وما كانت عليه من حياء واحتشام يضرب بهما المثل في حياة الناس.

ص 352

 (من كرامات سيدتنا فاطمة البتول عليها السلام)

قد روينا من كرامتها عليها السلام عن كتب أعلام العامة في ج 10 ص 314 وج 19 ص 149 ومواضع أخرى من هذه الموسوعة الكبرى، ونستدرك هيهنا عن الكتب التي لم نرو عنها فيما سبق: فمنهم العلامة الشريف أبو المعالي المرتضى محمد بن علي الحسيني البغدادي في (عيون الأخبار في مناقب الأخيار) (ص 46 نسخة مكتبة الواتيكان) قال: أخبرنا الحسن بن أحمد الفقيه الفارسي، أنبأ عبد الله بن إسحق الخراساني المعدل، نبأ محمد بن إسماعيل السلمي، نبأ أبو صالح، نبأ ابن لهيعة، عن المنكدر، عن جابر بن عبد الله أن النبي عليه السلام أقام أياما لم يطعم طعاما، حتى شق ذلك عليه فطاف في جميع منازل أزواجه فلم يصب عند واحدة منهن شيئا، فأتى فاطمة فقال: يا بنية هل عندك شيء آكله فإني جائع. قالت: لا والله بأبي أنت وأمي، فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثت جارة لها برغيفين وبضعة لحم فأخذته منها

ص 353

ووضعته في جفنة وغطت عليها وقالت: والله لأوثرن بهذا رسول الله على نفسي ومن عندي، وكانوا جميعا محتاجين إلى سبغة طعام، فبعثت حسنا وحسينا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجع إليها فقالت: بأبي أنت وأمي أتانا الله بشيء وخبأته لك. فقال: هلم يا بنية فكشفت عن الجفنة فإذا هي مملوة خبزا ولحما، فلما نظرت إليه بهتت وعرفت أنه من الله، فحمدت الله وصلت على نبيه وقدمته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فلما رآه حمد الله عز وجل وقال: من أين لك هذا يا بنية؟ قالت: يا أبة هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب. فقال: الحمد لله الذي جعلك يا بنية شبيهة بسيدة نساء بني إسرائيل، فإنها كانت إذا رزقها الله شيئا فسئلت عنه قالت: هو من عند الله أن الله يرزق من يشاء بغير حساب، فأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي وفاطمة والحسن والحسين وجميع أزواج النبي، وبقيت الجفنة كما هي، فأوسعت منها على جميع جيراني وجعل الله فيها البركة وخيرا كثيرا. ومنهم العلامة المفسر الشيخ أبو إسحق أحمد بن محمد بن إبراهيم النيسابوري الثعلبي المتوفى سنة 426 أو 427 أو 437 في كتابه (الكشف والبيان في تفسير القرآن) المعروف بتفسير الثعلبي (ج 2 ص 20 والنسخة مصورة من مخطوطة مكتبة جستربيتي بايرلندة) قال: قال في ذيل تفسير الآية (قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله). وعن جابر بن عبد الله: أن النبي صلى الله عليه وآله أقام أياما لم يطعم الطعام، حتى شق ذلك عليه، فطاف في منازل أزواجه فلم يصب - فذكر الحديث مثل ما تقدم عن (عيون الأخبار في مناقب الأخيار). وقال أيضا في كتابه (العرائس) ص 57 نسخة مكتبة اسلامبول:

ص 354

عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما - فروي الحديث مثل ما تقدم باختلاف يسير في اللفظ. ومنهم الفاضل المعاصر الأستاذ محمد علي الصابوني المكي في (صفوة التفاسير) (ص 302 ط بيروت سنة 1406) قال: الثانية: قال ابن كثير عند قوله تعالى (كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا) قال: والآية فيها دلالة على كرامات الأولياء وفي السنة بهذا نظائر كثيرة، وساق بسنده عن جابر قصة الجفنة وخلاصتها أن النبي صلى الله عليه وسلم جاع أياما فدخل على ابنته فاطمة الزهراء يسألها عن الطعام فلم يكن عندها شيء وأرسلت إليها جارتها برغيفين وقطعة لحم فوضعتها في جفنة ثم رأت الجفنة وقد امتلأت لحما وخبزا. ومنهم العلامة السيد أحمد زيني دحلان الشافعي مفتي مكة المكرمة المتوفى سنة 1304 في كتابه (السيرة النبوية) المطبوع بهامش (السيرة الحلبية) (ج 3 ص 165 ط مصر) قال: وروى ابن سعد، عن جعفر الصادق، عن أبيه محمد الباقر، عن علي زين العابدين رضي الله عنهم: أن فاطمة الزهراء رضي الله عنها طبخت قدرا لغدائهما ووجهت عليا رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليتغدى معهما، فأمرها صلى الله عليه وسلم فغرفت لجميع نسائه صحفة صحفة، ثم له ولعلي رضي الله عنه ثم لها، ثم رفعت القدر وإنها تفيض - أي الكثرة ما فيها من الطعام - حتى كأن يسيل من جوانبها ببركته صلى الله عليه وسلم، فأكلت فاطمة رضي الله عنها منها ما شاء الله.

ص 355

ومنهم العلامة النسابة الشيخ شهاب الدين أحمد بن عبد الوهاب النويري المصري المتوفى سنة 732 في (نهاية الإرب) (ج 18 ص 316 طبع مصر). وفيه حديث جعفر بن محمد عن آبائه، عن علي رضي الله عنهم: أن فاطمة رضي الله عنها طبخت قدرا لغدائها - الخ. ومنهم الفاضل المعاصر محمود شلبي في (حياة فاطمة عليها السلام) (ص 180 ط دار الجيل بيروت) قال: قال علي رضي الله عنه: بتنا ليلة بغير عشاء فأصبحت فخرجت، ثم رجعت إلى فاطمة عليها السلام وهي محزونة فقلت: مالك؟ فقالت: لم نتعش البارحة ولم نتغد اليوم وليس عندنا عشاء. فخرجت فالتمست فأصبت ما اشتريت طعاما ولحما بدرهم ثم أتيتها به، فخبزت وطبخت فلما فرغت من إنضاج القدر قالت: لو أتيت أبي فدعوته فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مضطجع في المسجد وهو يقول: أعوذ بالله من الجوع ضجيعا، فقلت: بابي أنت وأمي يا رسول الله عندنا طعام فهلم. فتوكأ علي حتى دخل والقدر تفور فقال: اغرفي لعائشة فغرفت في صحفة، ثم قال: اغرفي لحفصة، فغرفت في صحفة حتى غرفت لجميع نسائه التسع ثم قال: اغرفي لأبيك وزوجك فغرفت فقال: اغرفي فكلي فغرفت ثم رفعت القدر وإنها لتفيض فأكلنا منها ما شاء الله. ومنهم العلامة أبو حفص عمر بن أحمد البغدادي المشتهر بابن شاهين في كتابه (فضائل فاطمة الزهراء) (ص 36 ط بيروت) قال: حدثنا أحمد بن محمد بن سليم بن الحارث الباغندي، حدثنا محمد بن خلف

ص 356

الحدادي، حدثنا حسين بن حسن الأشقر، حدثنا قيس بن الربيع، عن أبي هارون عن أبي سعيد، وعن عمر بن قيس، عن عطية، عن أبي سعيد بنحوه والسياق لأبي هارون قال: أصبح علي رضي الله عنه ذات يوم فقال: يا فاطمة هل عندك شيء تغدينيه؟ قالت: لا والذي أكرم أبي بالنبوة ما عندي شيء أغديكه، ولا كان لنا بعدك شيء منذ يومين من طعمة إلا شيء أوثرك به على بطني وعلى ابني هذين. قال: يا فاطمة ألا أعلمتيني حتى أبغيكم شيئا. قالت: إني أستحي من الله أن أكلفك ما لا تقدر عليه. فخرج من عندها واثقا بالله وحسن الظن به، واستقرض دينارا فبينا الدينار بيده أراد أن يبتاع لهم ما يصلح لهم إذ عرض له المقداد في يوم شديد الحر قد لوحته الشمس من فوقه وآذته من تحته، فلما رآه أنكره. قال: يا مقداد ما الذي أزعجك من رحلك هذه الساعة. قال: يا أبا الحسن خلي سبيلي ولا تسلني عما وذلك. فقال: يا ابن أخي إنه لا يحل لك أن تكتمني حالك. قال: أما إذا أبيت فوالذي أكرم محمد بالنبوة ما أزعجني من رحلي إلا الجهد، ولقد تركت أهلي يبكون جوعا، فلما سمعت بكاء العيال لم تحملني الأرض فخرجت مغموما راكبا رأسي، فهذه حالي وقصتي. فهملت عينا علي رضي الله عنه بالبكاء حتى بلت دموعه لحيته، قال: أحلف بالذي حلفت ما أزعجني غير الذي أزعجك، ولقد اقترضت دينارا فهاك آثرك به على نفسي. فدفع إليه الدينار ورجع حتى دخل مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فصلى فيه الظهر والعصر والمغرب، فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم صلاة المغرب مر بعلي عليه السلام في الصف الأول، فغمزه برجله فثار علي خلف النبي صلى الله عليه وسلم حتى لحقه عند باب المسجد، فسلم عليه فرد السلام، فقال: يا أبا الحسن هل عندك شيء تعشينا؟ فانفتل إلى الرجل فأطرق علي رضي الله عنه ساعة لا يحير جوابا حياءا من النبي صلى الله عليه وسلم، وقد عرف الحال التي

ص 357

خرج عليها، فلما نظر إلى سكوت علي قال: يا أبا الحسن مالك أو لا تقول نعم فآجي معك، فقال له: حبا وكرامة بلى اذهب بنا، وكان الله تعالى قد أوحى إلى نبيه صلى الله عليه وسلم أن تعشى عندهم. فقال علي بلى، فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم بيده فانطلقا حتى دخلا على فاطمة عليها السلام في مصلى لها، وقد صلت وخلفها جفنة تفور دخانا، فلما سمعت كلام النبي صلى الله عليه وسلم في رحلها خرجت من المصلى فسلمت عليه وكانت أعز الناس عليه، فرد السلام ومسح بيده على رأسها وقال: كيف أمسيت رحمك الله؟ عشينا غفر الله لك وقد فعل، فأخذت الجفنة فوضعتها بين يديه. فلما نظر علي رضي الله عنه إليه وشم ريحه رمى فاطمة عليها السلام ببصره رميا شحيحا، فقالت: له: ما أشح نظرك وأشده، سبحان الله هل أذنبت، فما بيني وبينك ذنبا استوجبت به السخط. قال: وأي ذنب أعظم من ذنب أصبتيه اليوم، أليس عهدي بك اليوم وأنت تحلفين بالله مجتهدة ما طعمت طعاما من يومين. فنظرت إلى السماء فقالت: إلهي يعلم في سمائه ويعلم في أرضه إني لم أقل إلا حقا. قال: فأنى لك هذا الذي لم أر مثل رائحته، ولم آكل أطيب منه، فوضع النبي صلى الله عليه وسلم كفه المباركة بين كتفي علي رضي الله عنه، ثم هزها وقال: يا علي هذا ثواب لدينارك، هذا جزاء دينارك، هذا من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب. ثم استعبر النبي صلى الله عليه وسلم باكيا فقال: الحمد لله الذي هو أبا لكما أن يخرجكما من الدنيا حتى يجريك في المجرى الذي أجرى زكريا ويجريك فيه يا فاطمة بالمثال الذي جرت به مريم (كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب) (سورة آل عمران: 37).

ص 358

ومنهم الفاضل المعاصر عبد العزيز الشناوي في كتابه (سيدات نساء أهل الجنة) (ص 123 ط مكتبة التراث الإسلامي القاهرة) قال: وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم أياما لم يطعم طعاما، حتى شق ذلك عليه فطاف في منازل أزواجه فلم يصب عند واحدة منهن شيئا، فأتى فاطمة فسألها يا بنية هل عندك شيء آكله فإني جائع؟ فقالت الزهراء: لا والله بابي أنت وأمي. فلما خرج النبي عليه الصلاة والسلام من عند ابنته الزهراء بعثت إليها جارة لها برغيفين وقطعة لحم، فأخذته منها فوضعته في جفنة لها وغطت عليها، وقالت الزهراء: والله لأوثرن بهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم. ورجع النبي عليه الصلاة والسلام إلى ابنته فاطمة فقالت: بأبي أنت وأمي قد أتى الله بشيء فخبأته لك. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هلمي يا بنية. فكشفت الزهراء عن الجفنة فإذا هي مملوءة خبزا ولحما، فلما نظرت إليها بهتت وعرفت أنها بركة من الله عز وجل، فحمدت الله وصلت على نبيه صلى الله عليه وسلم وقدمته إلى النبي عليه الصلاة والسلام، فلما رآه حمد الله وتساءل: من أين لك هذا يا بنية؟ قالت: يا أبت هو من عند الله (إن الله يرزق من يشاء بغير حساب). فحمد النبي صلى الله عليه وسلم وقال: الحمد لله الذي جعلك يا بنية شبيهة سيدة نساء بني إسرائيل، فإنها كانت إذا رزقها الله شيئا، فسئلت عنه قالت: هو من عند الله (إن الله يرزق من يشاء بغير حساب). وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى علي بن أبي طالب، ثم أكل النبي

ص 359

عليه الصلاة والسلام وعلي وفاطمة وحسن وحسين وجميع أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل بيته جميعا حتى شبعوا. تقول فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم: وبقيت الجفنة كما هي فأوسعت - وزعت - بقيتها على جيرانها، وجعل الله فيها بركة وخيرا كثيرا.

ص 360

حديث (لو لم يخلق علي ما كان لفاطمة كفوء)

رواه جماعة من أعلام العامة في كتبهم: فمنهم العلامة شيرويه بن شهردار بن شيرويه الديلمي في كتاب (فردوس الأخبار) (ج 3 ص 373 ط بيروت) قال: عن أم سلمة [عن النبي صلى الله عليه وسلم]: لو لم يخلق علي ما كان لفاطمة كفوء (1)

(هامش)

1) قال الفاضل المعاصر عبد العزيز الشناوي في كتابه (سيدات نساء أهل الجنة) ص 102 ط مكتبة التراث الإسلامي - القاهرة. زواجها علي بن أبي طالب: وعرف ربيب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد وقعة بدر فارس الإسلام، فقد فعل بمشركي قريش الأفاعيل، وكان يدخل بيت النبي عليه الصلاة والسلام ويرى فاطمة الزهراء التي بلغت من العمر الثامنة عشر وصارت زهرة متفتحة ولم يخطر لعلي بن أبي طالب الزواج آن ذاك. = (*)

ص 361

[...]

(هامش)

= وعلى الرغم من منزلة أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب عند رسول الله صلى الله عليه وسلم - كانا وزيريه يستشيرهما في مهام أموره - إلا أن كل منهما كان يسعى جاهدا أن يوثق عرى صلته بالنبي عليه الصلاة والسلام، فقد سبقهما ذو النورين وتزوج رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولما ماتت عقب وقعة بدر تزوج عثمان بن عفان أم كلثوم بنت النبي عليه الصلاة والسلام. وجاء أبو بكر الصديق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقعد بين يديه وقال: يا رسول الله علمت مناصحتي وقدمي - سبقي وتقدمي على غيري - في الإسلام وإني... فتساءل النبي عليه الصلاة والسلام: وما ذاك؟ قال أبو بكر الصديق: تزوجني فاطمة. فرفض رسول الله صلى الله عليه وسلم في كياسة وقال: يا أبا بكر أنتظر بها القضاء. فرجع أبو بكر إلى عمر بن الخطاب وقال: إنه ينتظر أمر الله فيها. فقال عمر بن الخطاب: ردك يا أبا بكر. ثم إن أبا بكر قال لعمر بن الخطاب: يا أبا حفص اخطب فاطمة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فانطلق أبو حفص إلى النبي عليه الصلاة والسلام فوجده في مسجده يصلي، فلما فرغ من صلاته اقترب منه وقعد بين يديه وقال: يا رسول الله زوجني فاطمة. فرده رسول الله صلى الله عليه وسلم ردا جميلا كما فعل مع أبي بكر وقال: يا عمر انتظر بها القضاء. فرجع أبو حفص إلى أبي بكر وقال له: إنه ينتظر أمر الله فيها. فقال أبو بكر الصديق: ردك يا عمر. في هذه الأثناء كانت مولاة علي بن أبي طالب تحوم حوله تريد أن تقول شيئا ولكنها كانت مترددة، فسألها: ما وراءك؟ قالت: هل علمت أن فاطمة قد خطبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال علي بن أبي طالب: لا. قالت مولاة علي: = (*)

ص 362

[...]

(هامش)

= قد خطبت فما يمنعك أن تأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيزوجك؟ وراحت ترجوه. قال عمر بن الخطاب لأبي بكر: انطلق بنا إلى علي نأمره أن يطلب مثل ما طلبنا. فأتى أبو بكر وعمر عليا فقالا: بنت عمك تخطب. فنبهاه لأمر كان عنه غافلا، فقام علي يجر رداءه طرفه على عاتقه وطرفه الآخر في الأرض، حتى انتهى إلى النبي عليه الصلاة والسلام، فقعد بين يديه وكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم جلالة وهيبة، فأفحم علي ولم يستطع أن يتكلم، فتساءل رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما جاء بك؟ ألك حاجة؟ فسكت ربيب رسول الله صلى الله عليه وسلم. فعاد النبي عليه الصلاة والسلام يتساءل: ما جاء بك ألك حاجة؟ فسكت علي بن أبي طالب. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لعلك جئت تخطب فاطمة؟ فقال علي: نعم علمت قدمي في الإسلام ومناصحتي وإني... فأمهله رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يستشيرها، فدخل عليها فقال: أي بنية أن ابن عمك عليا قد خطبك فماذا تقولين؟ فسكت الزهراء ثم قالت: كأنك يا أبت ادخرتني لفقير قريش. فلما رأى النبي عليه الصلاة والسلام الدمع يترقرق في عيني ابنته سألها: مالك تبكين يا فاطمة؟ فوالله لقد أنكحتك أكثرهم علما وأفضلهم حلما وأولهم سلما، ما آليت أن أزوجك خير أهلي، والذي بعثني بالحق ما تكلمت في هذا حتى أذن لي الله فيه من السماء. فقالت الزهراء: رضيت بما رضي الله ورسوله. فأشرق وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وتهلل بشرا، وخرج إلى علي بن أبي طالب وقال له: هل عندك من شيء تستحلها به؟ قال ربيب رسول الله صلى الله = (*)

ص 363

[...]

(هامش)

= عليه وسلم: لا والله يا رسول الله. فتساءل النبي عليه الصلاة والسلام: وأين درعك الحطمية التي تحطم السيوف؟ قال ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم: عندي قال النبي عليه الصلاة والسلام: أصدقها إياها - ثمنها أربعمائة درهم. وطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم من خادمه أنس بن مالك أن يدعو أبا بكر وعمر وعثمان بن عفان وطلحة بن عبيد الله وبعدتهم من الأنصار. فانطلق ودعاهم. فلما أخذوا مجالسهم نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو ربيبه وقال: يا علي اخطب لنفسك. فقال ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الحمد لله شكرا لأنعمه وأياديه، وأشهد أن لا إله إلا الله شهادة تبلغه وترضيه وهذا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم زوجني ابنته فاطمة على صداق مبلغه أربعمائة درهم فاسمعوا ما يقول واشهدوا). قالوا: ما تقول يا رسول الله؟ قال النبي عليه الصلاة والسلام: (الحمد لله المحمود بنعمته، المعبود بقدرته، المطاع لسلطانه، المهروب إليه من عذابه، النافذ أمره في أرضه وسمائه، الذي خلق الخلق بقدرته ونيرهم بأحكامه وأعزهم بدينه وأكرمهم بنبيه محمد صلى الله عليه وسلم. إن الله عز وجل جعل المصاهرة نسبا لاحقا وأمرا مفترضا وحكما عادلا وخيرا جامعا، أوشج بها الأرحام وألزمها الأنام، فقال الله عز وجل (وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا وكان ربك قديرا) وأمر الله يجري إلى قضائه وقضاؤه يجري إلى قدره ولكل أجل كتاب (يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب)، ثم إن الله تعالى أمرني أن أزوج فاطمة من علي وأشهدكم أنني زوجت عليا على أربعمائة مثقال فضة إن رضي بذلك على السنة القائمة والفريضة الواجبة، فجمع الله شملهما = (*)

ص 364

[...]

(هامش)

= وبارك لهما وأطاب نسلهما وجعل نسلهما مفاتيح الرحمة ومعادن الحكمة وأمن الأمة، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم). فلما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله هذا خر ربيب رسول الله صلى الله عليه وسلم ساجدا شكرا لله، فلما رفع رأسه قال النبي عليه الصلاة والسلام بارك الله لكما وعليكما وأسعد جدكما وأخرج منكما الكثير الطيب. ثم أمر لأصحابه بطبق فيه تمر، فوضع بين أيديهم، فقال عليه الصلاة والسلام انتهبوا. وجهز رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة في خميل - قطيفة - وقربة ووسادة أدم - جلد - حشوها اذخر - حشيشة رطبة طيبة الرائحة - وتورة من أدم - إناء يغسل فيه - وسقاء ومنخل ومنشفة ورحاءين وجرتين وقدح. وبعد أربعة أشهر من العقد كان الزفاف في رمضان من السنة الثانية من الهجرة. وكانت اليهود يأخذون الرجل عن امرأته - يحولون بين المرء وزوجته عند اللقاء - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي: لا تقربن أهلك حتى آتيك. وجاء النبي عليه الصلاة والسلام فضرب الباب، فقامت أم أيمن ففتحت له الباب، فتساءل صلى الله عليه وسلم: يا أم أيمن ادعي لي أخي. فقالت أم أيمن في عجب: أخوك هو وتنكحه ابنتك؟ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم آخى بين المهاجرين والأنصار وآخى بينه وبين علي بن أبي طالب. قال النبي عليه الصلاة والسلام: إن ذلك يكون يا أم أيمن. فجاءت أم أيمن بفاطمة حتى قعدت في جانب البيت وعلي في جانب آخر، فقال النبي عليه الصلاة والسلام لابنته فاطمة: ائتني بماء. فقامت تعثر في ثوبها = (*)

ص 365

[...]

(هامش)

= من الحياء، فأتته بقعب فيه ماء، فأخذه النبي عليه الصلاة والسلام ثم قال لفاطمة: تقدمي. فتقدمت الزهراء يفوح منها عطر طيب - فقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلال بن رباح بأن يشتري بثلث الصداق طيبا - فنضح على رأسها ومسح صدرها ثم قال: اللهم إني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم. ثم قال صلى الله عليه وسلم: ائتوني بماء. فأدرك ربيب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن النبي عليه الصلاة والسلام يريده، فقام وملأ القعب وأتاه به، فأخذه وصنع به كما صنع بفاطمة ودعا له بما دعا لها به، ثم قال: اللهم بارك فيهما وبارك عليهما وبارك لهما في شملهما. وتلا المعوذتين (قل أعوذ برب الفلق) و(قل أعوذ برب الناس). ثم رأى سوادا من وراء الباب فتساءل: من هذا؟ قالت أسماء بن عميس - زوجة جعفر بن أبي طالب: أسماء. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أسماء بنت عميس؟ قالت: نعم يا رسول الله. فعاد صلى الله عليه وسلم يتساءل: جئت كرامة لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت أسماء بنت عميس: نعم إن الفتاة ليلة يبنى بها لا بد لها من امرأة تكون قريبة منها إن عرضت لها حاجة أفضت ذلك إليها. تقول أسماء بنت عميس: فدعا لي بدعاء إنه لأوثق عملي عندي. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي: ادخل بأهلك باسم الله والبركة. وكان فراش فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي بن أبي طالب إهاب كبش - فروة خروف - ومكث النبي عليه الصلاة والسلام ثلاثة أيام لا يدخل على فاطمة، وفي اليوم الرابع دخل عليهما في غداة باردة وهما في قطيفة لهما إذا جعلاها بالطول انكشف ظهراهما وإذا جعلاها بالعرض انكشف رؤوسهما، فلما رأياه صلى الله عليه وسلم هما بالنهوض فقال لهما: كما أنتما. = (*)

ص 366

[...]

(هامش)

= وجلس النبي عليه الصلاة والسلام عند رأسيهما، ثم أدخل قدميه وساقيه بينهما فأخذ علي إحداهما فوضعها على صدره وبطنه ليدفئها، وأخذت فاطمة الأخرى فوضعتها كذلك، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا علي إنه لا بد للعرس من وليمة. فلما علم سعد بن معاذ سيد بني عبد الأشهل ذلك قال: عندي كبش. وجمع لعلي من الأنصار أصوعا من ذرة، فكانت وليمة في ذلك الزمان أفضل وليمة. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لابنته فاطمة ما شاء الله أن يقول من الحكمة ثم قال: أما إني لم آلك أن أنكحتك أحب أهلي إلي. وقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابنته بخدمة البيت، وقضى على ربيبه بما كان خارج البيت، وأوصى النبي عليه الصلاة والسلام ابنته خيرا بعلي، ثم قال: زوجتك سيدا في الدنيا والآخرة، وإنه لأول أصحابي اسلاما وأكثرهم علما وأعظمهم حلما. يقول سليمان الفارسي: بعد أن تزوج علي ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال النبي عليه الصلاة والسلام: أول هذه الأمة ورودة علي الحوض أولها اسلاما علي بن أبي طالب. كان ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أصاب منزلا مستأجرا، فجاء حارثة بن النعمان النبي عليه الصلاة والسلام فقال له: يا رسول الله بلغني أنك تحول فاطمة إليك وهذه منازلي وهي أسقف بيوت بني النجار بك، وإنما أنا ومالي لله ولرسوله، والله يا نبي الله المال الذي تأخذ مني أحب إلي من الذي تدع. فقال النبي عليه الصلاة والسلام: صدقت بارك الله عليك. ولم تكن حياة ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت علي بن أبي طالب = (*)

ص 367

[...]

(هامش)

= مترفة ولا ناعمة، فذكرت الزهراء لرسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فقر علي، فقال لها النبي عليه الصلاة والسلام: إنه سيد في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين، وإنه أكثر الصحابة علما وأفضلهم حلما وأولهم اسلاما. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لابنته وزوجها: لا يخافن أحد إلا ذنبه، ولا يرجون إلا ربه ولا يستحي من لا يعلم أن يتعلم، ولا من يعلم إذا سئل عما لا يعلم أن يقول: الله أعلم. ما أبردها على الكبد إذا سئلت عما لا أعلم أن أقول: الله أعلم. وكان علي بن أبي طالب فقيرا زاهدا، فلم يستطع أن يستأجر لفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم خادما لتعينها أو تقوم عنها بالعمل الشاق، فكان علي يساعد الزهراء في بعض أعمال البيت. وذات يوم رجع النبي عليه الصلاة والسلام من إحدى غزواته، فقال علي لفاطمة: والله لقد سنوت - شقوت - حتى قد اشتكيت صدري، وقد جاء الله أباك بسبي - بصبي - فاذهبي فاستخدميه. فقالت الزهراء: والله قد طحنت حتى مجلت - تقطعت من العمل وظهرت فيها فقاعات ملتهبة - يداي. فأتت فاطمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رآها سألها: ما جاء بك أي بنية؟ فقالت الزهراء في استحياء: جئت لأسلم عليك. واستحيت أن تسأله صلى الله عليه وسلم، ورجعت إلى بيتها، فقال علي بن أبي طالب: ما فعلت؟ قالت فاطمة: استحييت أن أسأله. فانطلقا معا إلى النبي عليه الصلاة والسلام، فقال ربيب رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله من الله عليك بسبي وسعة فأخدمنا - امنحنا خادما يعيننا على حياتنا - = (*)

ص 368

[...]

(هامش)

= وقالت الزهراء: قد طحنت حتى مجلت يداي وقد أتى الله بسبي وسعة فأخدمنا. فقال النبي عليه الصلاة والسلام: والله لا أعطيكما وادع أهل البيعة - الصفة تطوي بطونهم لا أجد ما أنفق عليهم، ولكني أبيعهم وأنفق عليهم واحفظ عليهم إيمانهم. فرجع علي وفاطمة إلى دارهما، ولكن النبي عليه الصلاة والسلام لحق بهما وقال لهما: ألا أخبركما بخير مما سألتماني؟ قال علي بن أبي طالب: بلى. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كلمات علمنيهن جبريل: تسبحان في دبر كل صلاة عشرا، وتحمدان عشران، وتكبران عشرا، وإذا أويتما إلى فراشكما فسبحا الله ثلاثا وثلاثين، وتحمدان ثلاثا وثلاثين، وكبرا أربعا وثلاثين. ويقول علي بن أبي طالب: فوالله ما تركتهن منذ علمنيهن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال الفاضل المعاصر محمود شلبي في (حياة فاطمة عليها السلام) ص 120 ط دار الجيل بيروت: قصة الزواج الشريف في سطور قال صاحب كتاب (حياة أمير المؤمنين) كان أبو بكر أول من عرض إلى خطبة الزهراء عليها السلام، فرده الصادق الأمين ردا جميلا قائلا: يا أبا بكر لم ينزل القضاء بعد. وقد سمع بالأمر عمر، فتقدم إلى النبي الكريم بما تقدم إليه رفيقه وصاحبه فأعاد عليه الجواب نفسه. وعندئذ ذهب أبو بكر وأبو حفص إلى عبد الرحمن بن عوف يطلبان منه الخطبة = (*)

ص 369

[...]

(هامش)

= وقالا له: أنت أكثر قريش مالا، فلو أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فخطبت فاطمة زادك الله مالا إلى مالك وشرفا إلى شرفك. فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله زوجني فاطمة. فأعرض عنه رسول الله، فأتاهما فقال: قد نزل بي مثل الذي نزل بكما... فتوجها إلى علي وقالا له: قد عرفنا قرابتك من رسول الله وقدمك في الإسلام فلو أتيت رسول الله فخطبت إليه فاطمة لزادك الله فضلا إلى فضلك وشرفا إلى شرفك. وقال غيرهما من أصحاب الرسول - كما روى ذلك أنس بن مالك - لعلي: لو خطبت إلى النبي لخليق أن يزوجكها. ويحدثنا ابن عباس فيقول: كانت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم تذكر فلا يذكرها أحد لرسول الله إلا أعرض عنه، فقال سعد بن معاذ الأنصاري لعلي عليه السلام: إني والله ما أرى رسول الله يريد بها غيرك. تقدم الوصي إلى النبي صلى الله عليه وسلم وجلس بين يديه وقد أحجم فلا يستطيع الكلام. فسأله الرسول حاجته فسكت، وليس من عادته السكوت ولا الإحجام. فعرف صلى الله عليه وسلم أنه جاء يخطب الزهراء، وإنه قد منعه عن التكلم الحياء فأعاد صلى الله عليه وسلم السؤال، فقال: ما حاجة علي؟ قال: يا رسول الله ذكرت فاطمة بنت رسول الله. فقال: مرحبا وأهلا. وخرج سلام الله عليه على أولئك الرهط من الأنصار وكانوا ينتظرونه، فقالوا: ما وراءك؟ فأخبرهم الخبر فقالوا: يكفيك من رسول الله أحدهما أعطاك الرحب وأعطاك الأهل. وقد فهم الناس من جواب النبي صلى الله عليه وسلم لعلي أن الوحي قد نزل وإن الله اختار عليا زوجا للزهراء، وباتوا جميعا ينتظرون إعلان الرسول لهذا = (*)

ص 370

[...]

(هامش)

= الأمر. أرسل الرسول صلى الله عليه وسلم إلى النخبة الممتازة من أصحابه من مهاجرين وأنصار، فلما التام الجمع قال صلى الله عليه وآله: (الحمد لله المحمود بنعمته، المعبود بقدرته، المطاع بسلطانه، المرهوب من عذابه وسطوته، النافذ أمره في سمائه وأرضه، الذي خلق الخلق بقدرته، وميزهم بأحكامه، وأعزهم بدينه، وأكرمهم بنبيه، إن الله تبارك اسمه وتعالت عظمته جعل المصاهرة نسبا لاحقا وأمرا مفترضا، أوشج به الأرحام وألزم الأنام، فقال عز من قائل (وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا وكان ربك قديرا) فأمر الله يجري إلى قضائه، وقضاؤه يجري إلى قدره، ولكل قضاء قدر ولكل قدر أجل، ولكل كتاب، يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب ثم إن الله تعالى أمرني أن أزوج فاطمة بنت خديجة من علي بن أبي طالب، فاشهدوا أني زوجته على أربعمائة مثقال فضة، إن رضي بذلك علي بن أبي طالب). ثم دعا بطبق من بسر فوضعت بين أيدينا ثم قال: انتبهوا فانتبهنا... هكذا يحدث أنس بن مالك... ويقول أيضا: فبينا نحن ننتهب إذ دخل علي رضي الله عنه على النبي، فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم في وجهه، ثم قال: إن الله قد أمرني أن أزوجك فاطمة على أربعمائة مثقال فضة إن رضيت بذلك. فقال: قد رضيت بذلك يا رسول الله. فقال الرسول: جمع الله شملكما وأسعد جدكما وبارك عليكما وأخرج منكما كثيرا طيبا... وقد كان جماعة من المهاجرين خطبوها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما زوجها عليا قالوا في ذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أنا زوجته = (*)

ص 371

[...]

(هامش)

= ولكن الله زوجه. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس، وقد سأله: أتحب عليا؟ (يا عم والله لله أشد حبا له مني، إن الله جعل ذرية كل نبي في صلبه وجعل ذريتي في صلب هذا... وقال الفاضل المعاصر الشريف علي فكري بن الدكتور محمد عبد الله الحسيني القاهري المولود بها سنة 1296 والمتوفى بها أيضا سنة 1372 في كتابه (أحسن القصص) ج 5 ص 52 ط دار الكتب العلمية في بيروت: 3 - السيد فاطمة الزهراء رضي الله عنها بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم سيدة النساء. نسبها... السيد فاطمة الزهراء رضي الله عنها من أشرف نساء قريش نسبا، وأطهرهن حسبا، وأنقاهن سيرة، وأشدهن غيرة على الإسلام. مولدها - ولدت فاطمة الزهراء ابنة الرسول صلى الله عليه وسلم من أمنا السيد خديجة الكبرى رضي الله عنها قبل ما تبنى الكعبة بخمس سنين، والنبي صلوات الله عليه ابن خمس وثلاثين سنة، أي قبل هجرته المباركة بسبعة عشر عاما وكانت أصغر بناته وأحبهن إليه. كانت سيدة النساء فاطمة مباركة ذات خلق حسن، وخلق أحسن، تربت تربية عالية في دار النبوة، فنشأت نشأة صالحة، وأنبتها الله نباتا حسنا، (أصلها ثابت وفرعها في السماء) فكانت خير النساء، وسميت فاطمة لأن الله فطمها وحفظها من النار. زواجها - تزوجت السيد فاطمة الزهراء من الإمام علي (ابن عم النبي) كرم الله وجهه في شهر رمضان من السنة الثانية للهجرة النبوية المباركة، وبنى = (*)

ص 372

[...]

(هامش)

= بها في ذي الحجة من السنة المذكورة. ولقد كانت سيدة النساء وقتئذ في أزهى أوقات الحياة في التاسعة عشر من عمرها، أما الإمام علي فقد كان يبلغ الحادية والعشرين، كلاهما شخصيتان بارزتان يحيط بهما جلال الإيمان ونور الهدى، متكافئان متعادلان من كل الوجوه، مناسب أحدهما للآخر كل المناسبة، كلاهما عالي الفكر، رقيق الحس، حميد الخلق، صبيح الوجه، فكلاهما زوجان متصفان بالمعالي، مشهوران بالمحامد، فهما خيار من خيار. بدأت حياتهما المشتركة التي امتزجت فيها الفضيلة بالكمال، والجلال بالجمال على هذا الوجه من الصفاء والوفاء والاخلاص. حضر الإمام علي ذات يوم من أيام السنة الثانية للهجرة إلى دار النبوة بنفسه وبعد أن دخل الدار سلم على الرسول صلى الله عليه وسلم وسكت، فسأله الرسول ماذا يطلب؟ فرد عليه مجيبا بأنه حضر ليطلب كريمته السيدة فاطمة. فقال له الرسول: مرحبا وأهلا، ولم يزد على ذلك، بل ظل ساكتا بعدها، مما اضطر عليا إلى العودة حائرا مدهوشا. لم يستطع الإمام علي أن يميز وجه الحقيقة من رد الرسول، فسأل بعضا من الأنصار، فبشروه وطيبوا خاطره، وأفهموه بأن في هذا الرد ما يشعر بالقبول والايجاب، ففرح الإمام واغتبط بذلك، وبعد قيام الإمام علي طلب الرسول صلوات الله عليه كريمته السيدة فاطمة وأخبرها بهذا الأمر، وسألها رأيها فيه، فلم تجبه، بل اطرقت ساكتة، فعد الرسول سكوتها علامة الايجاب والرضى. فقرر إتمام عقد الزواج، ثم أرسل يطلب عليا كرم الله وجهه وسأله هل عنده من شيء؟ فأجابه: إنه لا يملك سوى فرسه ودرعه، فأمره ببيع الدرع لتجهيز = (*)

ص 373

[...]

(هامش)

= السيد فاطمة بثمنها. هرع علي إلى السوق فباع الدرع إلى عثمان بن عفان بأربعمائة وسبعين درهما، وعاد بالثمن معقودا في طرف ثوبه ووضعه أمام الرسول وهو يقول: هاهو بدل الدرع يا رسول الله. فقبض الرسول بعض الدراهم منها، وناولها بلالا ليشتري بعض الطيب والروائح ويسلم الباقي إلى (أم سلمة) لتشتري الجهاز. وبعد أن أحضرت أم سلمة الجهاز دعا الرسول صلى الله عليه وسلم جمعا غفيرا من الأنصار ثم خطبهم خطبة بليغة وهي: (الحمد لله المحمود بنعمته، المعبود بقدرته، المطاع سلطانه، المهروب إليه من عذابه، النافذ أمره في أرضه وسمائه، الذي خلق الخلق بقدرته، وميزهم بأحكامه، وأعزهم بدينه، وأكرمهم بنبيه محمد صلى الله عليه وسلم، إن الله عز وجل جعل المصاهرة نسبا لاحقا، وأمرا مفترضا، وحكما عادلا، وخيرا جامعا، وشج به الأرحام، وألزمها الأنام، فقال عز وجل: (وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا وكان ربك قديرا) وأمر الله تعالى يجري إلى قضائه، وقضاؤه يجري إلى قدره، ولكل قضاء قدر، ولكل قدر أجل، ولكل أجل كتاب، يمحو الله ما يشاء، وثبت وعنده أم الكتاب، ثم أن الله تعالى أمرني أن أزوج فاطمة من علي وأشهدكم أني زوجت فاطمة من علي على أربعمائة مثقال فضة إن رضي بذلك على السنة القائمة، والفريضة الواجبة). ثم دعا لهما عقب ذلك بحسن المعاشرة، وبالذرية الصالحة، وعندما تم عقد الزواج على هذا الوجه البسيط أحضر الرسول للحاضرين من الأنصار وعاء فيه = (*)

ص 374

[...]

(هامش)

= بعض التمر وقدمه إليهم بقوله: تخاطفوا. هكذا تم زفاف سيدة النساء، وابنة فخر الكائنات بلا ضجيج ولا ضوضاء ولكنه بالسرور الذي ملأ القلوب بالهناء والصفاء. وبعد أن تفرق المدعون طلب رسول الله صلى الله عليه وسلم أم سلمة وأمرها بأن تذهب بكريمته إلى دار علي، وأن تخبرهما أنه آت إليهما عن قريب. فنفذت أمره وسارت بسيدة النساء إلى دار زوجها. أما الرسول فقد صلى صلاة العشاء. ويمم عقب الصلاة دار علي وفي يده قربة من الجلد تستعمل لسقي الماء، وعند وصوله دار صهره قرأ عليها سورتي المعوذتين، وبعضا من الأدعية، وأمرهما بأن يشربا ويتوضأ من الإناء، ثم أخذ قليلا منه ونثره على رأسيهما، وعندما أراد مفارقتهما وقد هم بالانصراف كانت فاطمة رضي الله عنها تبكي فخاطبها بما معنا: (أي بنتي قد تركتك وديعة عند رجل إيمانه أقوى من إيمان أي إنسان آخر، وعلمه أكثر من علم الجميع، إنه أفضل قومنا أخلاقا، وأعلاهم نفسا). على هذا الوجه تم عقد الشركة القلبية بين سيدة النساء فاطمة الزهراء والإمام علي كرم الله وجهه. أحب الإمام علي زوجته سيدة النساء، وعاشا عيشة راضية، ورزقت منه خمسة أولاد، ثلاثة ذكور: وهم حسن وحسين ومحسن، وبنتان: أم كلثوم وزينب، وقد مات محسن صغيرا. كانت السيدة فاطمة رضي الله عنها ذات عقل ودراية، عالية النفس، تجيد الشعر، وتعرف مسائل الفقه والشريعة، ولها إلمام بالتاريخ، ولم يأخذها الغرور يوما لعلو منزلتها في الإسلام. = (*)

ص 375

[...]

(هامش)

= وكان سلسة القياد، حلوة اللسان، تحب معونة الفقراء كزوجها علي. روي عنها أحاديث نبوية كثيرة، ونظمت قصائد ذات أبيات عامرة، وأظهرت دراية ومهارة في كثير من المعضلات. كانت السيد فاطمة تشابه أباها في كلامها، وتحاكيه صلى الله عليه وسلم في مشيها، ومحاكاة تثير دهشة الناس. أما محبتها لوالدها فخر الكائنات، فكانت محبة خارقة للعادة من أعماق القلب والروح. وكانت محبوبة من أهلها يحبها الجميع، وقد تركت ذكريات حسنة في قلب كل إنسان عرفها أثناء العشر السنوات التي مضت من يوم زواجها حتى ساعة وفاتها. وكان الإمام علي ينفذ لها كل طلب ويعمل بكل كلمة تقولها. وكان أولادها يطيعونها ويحترمونها في كل حين. وكانت تحب أولادها وتعتني بشأنهم، وكانت في صلاتها وعبادتها ومبراتها وخيراتها من أكثر السيدات أنسا في محفل ربات الخدور. وقد قضت حياتها السعيدة حتى السنة الحادية عشرة من الهجرة النبوية المباركة وهي تجبر القلوب الكسيرة، وتعين المحتاجين، وتغيث الملهوفين، وقد ظلت هذه الحياة السعيدة على هذه الوتيرة حتى السنة المذكورة التي انتقل فيها الرسول صلى الله عليه وسلم إلى جوار ربه، إلى الرفيق الأعلى، فتناثرت أوراق تلك السعادة، وأظلم قلبها، وهكذا الدهر إذا صفا يوما ففي غدا يتقلب. (*)

ص 376

خطبة الشيخين (لفاطمة الزهراء وإباء النبي) قد تقدم نقل ما يدل عليه عن كتب أعلام العامة في ج 10 ص 326 وج 19 ص 134 ومواضع أخرى من هذه الموسوعة الكبرى، ونستدرك هيهنا عن الكتب التي لم نرو عنها فيما مضى: وفيه أحاديث: منها

حديث بريدة

رواه جماعة من أعيان العامة في كتبهم: فمنهم العلامة علي بن سلطان محمد القاري في كتابه (مرقاة المفاتيح في شرح مشكاة المصابيح) (ج 11 ص 350 ط ملتان) قال: وعن بريدة قال: خطب أبو بكر وعمر فاطمة، فقال رسول الله صلى الله عليه

ص 377

وسلم: إنها لصغيرة، ثم خطبها علي فزوجها منه (رواه النسائي). ومنهم العلامة المولوي محمد مبين الهندي الفرنكي محلي الحنفي ابن المولوي محب الله السهالوي في (وسيلة النجاة) (ص 132 ط مطبعة كلشن فيض الكائنة في لكهنو) قال: أخرج النسائي في (خصائص علي) عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه قال: خطب أبو بكر وعمر فاطمة عليها السلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم - رواه الحديث بعين ما تقدم عن (شرح المشكاة). وروى أيضا مثله في ص 213. ومنهم العلامة أبو عبد الله محمد بن عبد الله القرشي الهاشمي الهندي الحنفي في (تفريح الأحباب في مناقب الآل والأصحاب) (ص 311) قال: عن بريدة قال: خطب أبو بكر وعمر فاطمة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنها صغيرة. روي الحديث مثل ما تقدم عن (شرح المشكاة). ومنهم الفاضل المعاصر الشيخ أبو إسحاق الحويني الأثري حجازي ابن محمد بن شريف في (تهذيب خصائص الإمام علي) (للحافظ النسائي (ص 95 ط دار الكتب العلمية بيروت) قال: أخبرنا حسين بن حريث، قال أخبرنا الفاضل بن موسى، عن الحسين بن واقد، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه، قال: خط أبو بكر وعمر فاطمة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنها صغيرة. روى الحديث مثل ما تقدم عن (شرح

ص 378

المشكاة). ومنها

حديث ابن عباس

رواه جماعة من الأعلام في مؤلفاتهم: فمنهم الحافظ أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني المتوفى سنة 360 في (المعجم الكبير) (ج 22 ص 410 ط مطبعة الأمة - بغداد) قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم الديري، عن عبد الرزاق، عن يحيى بن العلاء، عن عمه شعيب بن خالد، عن حنظلة بن سبرة بن المسيب بن نجية، عن أبيه، عن جده، عن ابن عباس قال: كانت فاطمة تذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا يذكرها أحد إلا صد عنه، حتى يئسوا منها، فلقي سعد بن معاذ عليا فقال: إني والله ما أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبسها إلا عليك، فقال له علي: فلم ترى ذلك، فوالله ما أنا بأحد الرجلين، ما أنا بصاحب دنيا يلتمس ما عندي، وقد علم مالي صفراء ولا بيضاء، وما أنا بالكافر الذي يترفق بها عن دينه - يعني يتألفه بها - إني لأول من أسلم. فقال سعد: فإني اعزم عليك لتفرجنها عني، فإن لي في ذلك فرجا، قال: أقول ماذا؟ قال: تقول جئت خاطبا إلى الله ورسوله فاطمة بنت محمد. قال: فانطلق علي وهو ثقيل حصر، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: كأن لك حاجة يا علي؟ قال: أجل جئتك خاطبا إلى الله وإلى رسوله فاطمة بنت محمد. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: مرحبا - كلمة ضعيفة، ثم رجع إلى سعد بن معاذ فقال له: قد فعلت الذي أمرتني به فلم يزد علي أن رحب بي كلمة ضعيفة. فقال

ص 379

سعد: أنكحتك والذي بعثه بالحق، إنه لا خلف الآن ولا كذب عنده، واعزم عليك لتأتينه غدا فلتقولن: يا نبي الله متى تبنيني؟ فقال علي: هذه أشد علي من الأولى، أولا أقول: يا رسول الله حاجتي، قال: قل كما أمرتك، فانطلق علي فقال: يا رسول الله متى تبنيني؟ قال: الليلة إن شاء الله. ثم دعا بلالا فقال: يا بلال إني قد زوجت ابنتي ابن عمي وأنا أحب أن يكون من سنة أمتي الطعام عند النكاح، فائت الغنم فخذ شاة وأربعة أمداد واجعل لي قصعة لعلي اجمع عليها المهاجرين والأنصار، فإذا فرغت فآذني. فانطلق ففعل ما أمره به، ثم أتاه بقصعة فوضعها بين يديه، فطعن رسول الله صلى الله عليه وسلم في رأسها وقال: أدخل الناس علي زقة زقة، ولا تغادرون زقة إلى غيرها - يعني إذا فرغت زقة تعودن ثانية. فجعل الناس يردون كلما فرغت زقة وردت أخرى حتى فرغ الناس. ثم عمد النبي صلى الله عليه وسلم إلى ما فضل منها، فتفل فيها وبارك وقال: يا بلال احملها إلى أمهاتك وقل لهن: كلن وأطعمن من غشيكن. ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم حتى دخل على النساء فقال: إني زوجت بنتي ابن عمي وقد علمتن منزلتها مني وأنا دافعها إليه فدونكن ابنتكن. فقمن النساء فغلفنها من طيبهن وألبسنها من ثيابهن وحلينها من حليهن. ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم دخل فلما رأينه النساء ذهبن وبينهن وبين النبي صلى الله عليه وسلم ستر، وتخلفت أسماء بنت عميس، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: على رسلك من أنت؟ قالت: أنا التي أحرس ابنتك، إن الفتاة ليلة تبنى بها لا بد لها من امرأة تكون قريبة منها، إن عرضت لها حاجة أو أرادت شيئا افضت بذلك إليها. قال: فإني أسأل إلهي أن يحرسك من بين يديك ومن خلفك وعن يمينك وعن شمالك من الشيطان الرجيم.

ص 380

ثم صرخ بفاطمة فأقبلت، فلما رأت عليا جالسا إلى النبي صلى الله عليه وسلم حصرت وبكت، فأشفق النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون بكاؤها لأن عليا لا مال له، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما يبكيك؟ فما ألوتك في نفسي وقد أصبت لك خير أهلي، وأيم الذي نفسي بيده لقد زوجتك سعيدا في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين. فلان منها. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا أسماء ائتيني بالمخضب فاملئيه ماء. فأتت أسماء بالمخضب فملأته، فمج النبي صلى الله عليه وسلم فيه ومسح فيه وجهه وقدميه ثم دعا فاطمة فأخذ كفا من ماء فضرب به على رأسها وكفا بين ثدييها، ثم رش جلده وجلدها، ثم التزمها فقال: (اللهم إنها مني وأنا منها، اللهم كما أذهبت عني الرجس وطهرتني فطهرها). ثم دعا بمخضب آخر، ثم دعا عليا فصنع به كما صنع بها، ثم دعا له كما دعا لها، ثم قال لهما: قوما إلى بيتكما جمع الله بينكما وبارك في سيركما وأصلح بالكما. ثم قام فأغلق عليهما بابه بيده. قال ابن عباس: فأخبرتني أسماء بنت عميس أنها رمقت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يزل يدعو لهما خاصة لا يشركهما في عائه أحدا حتى توارى في حجرته صلى الله عليه وسلم. وروى الحديث أيضا في ج 24 ص 132 وج 25 ص 307 سندا ومتنا باختلاف يسير في اللفظ والتقديم والتأخير وبيان نسب الراوية وغير ذلك مما لا يخل بالمعنى.

ص 381

ومنها

حديث أنس بن مالك

رواه جماعة من أعلام العامة في كتبهم: فمنهم الفاضلان المعاصران الشريف عباس أحمد صقر والشيخ أحمد عبد الجواد المدنيان في (جامع الأحاديث) (القسم الثاني ج 1 ص 225 ط دمشق) قالا: عن ابن جرير قال: حدثني محمد بن الهيثمي، حدثني الحسن بن حماد، حدثنا يحيى بن يعلى الأسلمي، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن الحسن، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: جاء أبو بكر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقعد بين يديه، فقال: يا رسول الله قد علمت مناصحتي وقدمي في الإسلام وإني وإني... قال: وما ذاك؟ قال: تزوجني فاطمة! فسكت عنه - أو قال: أعرض عنه فرجع أبو بكر إلى عمر فقال: هلكت وأهلكت، قال: وما ذاك؟ قال: خطبت فاطمة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأعرض عني. قال: مكانك حتى آتي النبي صلى الله عليه وسلم فأطلب مثل الذي طلبت. فأتى عمر النبي صلى الله عليه وسلم فقعد بين يديه فقال: يا رسول الله قد علمت مناصحتي وقدمي في الإسلام وإني وإني... قال: وما ذاك؟ قال: تزوجني فاطمة فأعرض عنه، فرجع عمر إلى أبي بكر فقال: إنه ينتظر أمر الله فيها، انطلق بنا إلى علي حتى نأمره أن يطلب مثل الذي طلبنا. قال علي: فأتياني وأنا أعالج فسيلا فقالا: ابنة عمك تخطب. قال: فنبهاني لأمر، فقمت أجر ردائي طرفا على عاتقي وطرفا أجره على الأرض حتى أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقعدت بين يديه فقلت: يا رسول الله قد

ص 382

عرفت قدمي في الإسلام ومناصحتي وأني وأني.. قال: وما ذاك يا علي؟ قلت: تزوجني فاطمة! قال: وعندك شيء؟ قلت: فرسي وبدني - قال: أعني درعي قال: أما فرسك فلا بد لك منها، وأما درعك فبعها، فبعتها بأربعمائة وثمانين فأتيته بها فوضعتها في حجره، فقبض منها قبضة فقال: يا بلال! ابغنا بها طيبا، وأمرهم أن يجهزوها، فجعل لهم سرير شرط بالشرط ووسادة من أدم حشوها ليف وملء البيت كثيبا - يعني رملا - وقال لي: إذا أتتك فلا تحدث شيئا حتى آتيك، فجاءت مع أم أيمن حتى قعدت في جانب البيت وأنا في جانب وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ههنا أخي؟ فقالت أم أيمن: أخوك أو أخوك وقد زوجته ابنتك! قال: نعم، فدخل فقال لفاطمة: ائتني بماء، فقامت إلى قعب في البيت فجعلت فيه ماء فأتت به فأخذه فمج فيه ثم قال لها: قومي، فنضح بين ثدييها وعلى رأسها وقال: اللهم أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم، وقال لها: أدبري، فأدبرت فنضح بين كتفيها ثم قال: اللهم إني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم. ثم قال لعلي: ائتني بماء، فعلمت الذي يريد، فقمت فملأت القعب ماء فأتيته به، فأخذ منه بفيه ثم مجه فيه ثم صب على رأسي وبين ثديي، ثم قال: اللهم إني أعيذه بك وذريته من الشيطان الرجيم، ثم قال: أدبر، فأدبرت، فصب بين كتفي وقال: اللهم إني أعيذه بك وذريته من الشيطان الرجيم، وقال لي: أدخل بأهلك باسم الله والبركة. ورويا الحديث أيضا بعينه متنا وسندا في ج 4 ص 488 باختلاف يسير في اللفظ. ورويا الحديث الشريف بعينه متنا وسندا في ج 6 ص 300 باختلاف قليل في اللفظ. ورويا الحديث أيضا مثل ما سبق آنفا متنا وسندا في ج 7 ص 67 باختلاف

ص 383

قليل في اللفظ. ومنهم العلامة شمس الدين أبو البركات محمد الباعوني الشافعي في كتاب (جواهر المطالب في مناقب الإمام أبي الحسنين علي بن أبي طالب) (ص 20 والنسخة مصورة من المكتبة الرضوية بخراسان) قال: عن أنس بن مالك قال: جاء أبو بكر - فذكر الحديث الشريف مثل ما تقدم باختلاف يسير في التقدم والتأخير والزيادة والنقصان مع عدم الاخلال بالمعنى. وقال في آخره: خرجه أبو حاتم والإمام أحمد في (المناقب) من حديث المديني. ومنهم العلامة الحافظ الشيخ جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي المتوفى سنة 911 في كتابه (مسند فاطمة عليها السلام) (ص 88 ط المطبعة العزيزية بحيدر آباد الهند) قال: (مسند أنس) (ابن جرير) حدثني محمد بن الهيثم، حدثني الحسن بن حماد، حدثنا يحيى بن يعلى الأسلمي، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن الحسن، عن أنس بن مالك قال: جاء أبو بكر - فذكر الحديث الشريف مثل ما تقدم باختلاف يسير في اللفظ والتقدم والتأخر. ومنهم العلامة الأمير علاء الدين علي بن بلبان الفارسي الحنفي المتوفى سنة 739 في (الاحسان بترتيب صحيح ابن حبان) (ج 9 ص 49 ط بيروت) قال: أخبرنا أبو شيبة داود بن إبراهيم بن داود بن يزيد البغدادي بالفسطاط.

ص 384

حدثنا الحسن بن حماد، حدثنا يحيى بن يعلى الأسلمي، عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة، عن أنس بن مالك قال: جاء أبو بكر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقعد بين يديه - فذكر مثل ما تقدم آنفا. ومنهم الحافظ أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني المتوفى سنة في (المعجم الكبير) (ج 22 ص 408 مطبعة الأمة في بغداد) قال: حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي، ثنا الحسن بن حماد الحضرمي، ثنا يحيى بن يعلى الأسلمي، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة عن الحسن، عن أنس بن مالك قال: جاء أبو بكر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقعد بين يديه فقال: يا رسول الله قد علمت مناصحتي وقدمي - فذكر إلى آخر ما تقدم. ومنها حديث يزيد والد عبد الله رواه جماعة من أعلام العامة في كتبهم: فمنهم العلامة حسام الدين المردي الحنفي في (آل محمد) (ص 158 والنسخة مصورة من مكتبة السيد الأشكوري) قال: (أخبر النسائي) أحمد بن شعيب، قال أخبرنا جرير بن حريث، قال أخبرنا الفضل بن موسى، عن الحسين بن واقد، عن عبد الله بن يزيد، عن أبيه قال: خطب أبو بكر وعمر فاطمة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنها صغيرة فخطبها علي رضي الله عنه فزوجها منه.

ص 385

رواه في سنن النسائي يرفعه بسنده عن عبد الله بن يزيد عن أبيه. ومنهم الفاضل المعاصر الشريف كمال يوسف الحوت في (تهذيب خصائص النسائي) (ص 70 ط بيروت). روى مثل ما تقدم عن كتاب (آل محمد) سندا ومتنا). ومنها

ما رواه القوم مرسلا

منهم العلامة المولوي ولي الله اللكنهوي في (مرآة المؤمنين في مناقب أهل بي سيد المرسلين) (ص 72) قال: واز آنجمله آنكه آنحضرت صلى الله عليه وسلم علي مرتضى را بحضرت فاطمه زهرا رضي الله عنها تزويج فرمود، ودر اين ضمن تشريفي عظيم وتعظيمي فخيم كرامت فرمود، في البركات خطب أبو بكر وعمر فاطمة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنها صغيرة، ثم خطبها علي فزوجها منه.

ص 386

خطبة علي عليه السلام (لفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله) قد تقدم نقل ما يدل عليه من أحاديث الباب في مواضع مختلفة من هذا السفر الشريف منا ج 10 ص 326 وج 19 ص 123 نقلا عن كتب أعلام العامة ونستدرك هيهنا عن الكتب التي لم ننقل عنها فيما سبق: فمنهم العلامة الشيخ زين الدين محمد عبد الرؤف بن علي بن زين العابدين الشافعي المناوي القاهري المتوفى سنة 1031 في (إتحاف السائل بما لفاطمة من المناقب والفضائل) (ص 36 ط مكتبة القرآن بالقاهرة) قال: وعن أنس رضي الله عنه أيضا: عن عمر أتى أبا بكر فقال: ما منعك أن تتزوج فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: لا يزوجني. قال: إذا لم يزوجك فمن يزوج؟ وإنك من أكرم الناس وأقدمهم إسلاما. فانطلق أبو بكر إلى عائشة رضي الله عنها فقال: إذا رأيت من محمد طيب نفسك به وإقبالا - أي عليك - فاذكري له: إني ذكرت فاطمة فلعل الله أن ييسرها لي.

ص 387

فرأت منه طيب نفس وإقبالا، فذكرت ذلك له، فقال: حتى ينزل القضاء. فرجع إليها أبو بكر فقالت: ما أتاه ووددت أني لم أذكر له ما ذكرت، فلقي أبو بكر عمر فذكر له ما أخبرته عائشة، فانطلق عمر إلى حفصة وقال: إذا رأيت منه طيب نفس وإقبالا فاذكرني له واذكري فاطمة لعل الله ييسرها لي، فرأت منه إقبالا وطيب نفس فذكرت له فقال: حتى ينزل القضاء، فأخبرته وقالت: وددت إني لم أذكر له شيئا. فانطلق عمر إلى علي وقال: ما يمنعك من فاطمة؟ قال: أخشى أن لا يزوجني قال: إن لم يزوجك فمن؟ أنت أقرب خلق الله إليه، فانطلق علي إليه ولم يكن له مثل، قال: إني أريد أن أتزوج فاطمة. قال: فافعل. قال: ما عندي إلا درعي الحطمية. قال: فاجمع له ما قدرت وأتني به، فباعها بأربعمائة وثمانين فأتاه بها، فزوجه فاطمة، فقبض ثلاث قبضات فدفعها إلى أم أيمن فقال: اجعلي منها قبضة في الطيب، والباقي فيما يصلح المرأة من المتاع، فلما فرغت من الجهاز وأدخلها بيتا قال: يا علي لا تحدثن إلى أهلك شيئا حتى آتيك. فأتاهم، فإذا فاطمة متعففة وعلي قاعد وأم أيمن، فقال: يا أم أيمن آتيني بقدح من ماء، فأتته به فشرب ثم مج فيه ثم ناوله فاطمة فشربت، وأخذ منه فضرب جبينها وبين قدميها، وفعل بعلي مثل ذلك، ثم قال: اللهم أهل بيتي، فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطيرا.

ص 388

تزويج سيدة النساء (سلام الله عليها) ذكر تفصيله جملة من أعلام المحدثين: فمنهم العلامة أحمد بن محمد الخافي [الخوافي] في (التبر المذاب) (ص 42 نسخة مكتبتنا بقم) قال: وروى الإمام أحمد في (المناقب) عن أنس قال: جاء أبو بكر إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فجلس بين يديه فقال: يا رسول الله قد علمت مناصحتي وقدمي في الإسلام وأني وأني. قال: وما ذاك؟ قال: تزوجني فاطمة. فسكت عنه، فرجع أبو بكر إلى عمر فقال: هلكت وأهلكت. قال: وما ذاك؟ قال: خطب فاطمة إلى النبي (ص) فأعرض عني. قال: مكانك حتى آتي النبي فأطلب منه مثل الذي طلبت. فأتى عمر فقعد بين يديه فقال: يا رسول الله قد علمت مناصحتي وقدمي في الإسلام وأني وأني. قال: وما ذاك؟ قال: تزوجني فاطمة، فسكت. فرجع عمر إلى أبي بكر فقال: إنه ينتظر أمر الله بها، قم بنا إلى علي حتى

ص 389

نأمره أن يطلب مثل الذي طلبنا. قال علي: فأتياني فقالا: إنا جئناك من عند رسول الله (ص) بخطبة. قال: فنبهاني لأمر كنت عنه محجما، فقمت أجر ردائي حتى أتيت رسول الله (ص)، فقعدت بين يديه فقلت: يا رسول الله قد علمت قدمي في الإسلام ومناصحتي وأني وأني. قال: وما ذاك؟ قلت: تزوجني فاطمة. قال: وما عندك؟ قلت: فرسي وبدني. قال: أما فرسك فلا بد لك منها، وأما بدنك فبعها، فبعتها بأربعمائة وثمانين فجئت بها حتى وضعتها في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقبض منها قبضة فقال: أي بلال ابتع لنا بها طيبا وأمرهم أن يجهزوها. فجعل لها سريرا مشروطا بالشريط ووسادة من أدم حشوها ليف. وقال لعلي: إذا أتتك فلا تحدث حدثا حتى آتيكما. فجاءت مع أم أيمن حتى قعدت في جانب البيت وأنا في جانب، وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هيهنا أخي. فقالت أم أيمن: أخوك وقد زوجته ابنتك؟ قال: نعم: ودخل البيت فقال لفاطمة: ايتيني بماء، فقامت إلى قعب في البيت فأتت فيه بماء فأخذه النبي (ص) ومج فيه ثم قال: تقدمي، فتقدمت فنضح بين ثدييها وعلى رأسها وقال: اللهم إني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إيتوني بماء. قال علي: فعلمت الذي يريد، فقمت فملأت القعب ماء وأتيته به، فأخذه ومج فيه ثم قال: تقدم، فصب على رأسي وبين ثديي ثم قال: اللهم إني أعيذه بك وذريته من الشيطان الرجيم. ثم قال: أدبر، فأدبرت، فصبه بين كتفي وقال: الله إني أعيذه بك وذريته من الشيطان الرجيم، ثم قال لعلي: أدخل بأهلك بسم الله والبركة.

ص 390

ومنهم العلامة الحافظ الشيخ جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي المتوفى سنة 911 في كتابه (مسند فاطمة عليها السلام) (87 ط المطبعة العزيزية بحيدر آباد) قال: (مسند أنس) (ابن جرير) حدثني محمد بن الهيثم، حدثني الحسن بن حماد، حدثنا يحيى بن يعلى الأسلمي، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن الحسن، عن أنس بن مالك قال: جاء أبو بكر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقعد بين يديه فقال: يا رسول الله قد علمت مناصحتي وقدمي في الإسلام وأني وأني. قال: وما ذلك؟ قال: تزوجني فاطمة - إلى آخر ما تقدم عن (التبر المذاب) باختلاف يسير في اللفظ والزيادة والنقصان غير المخل للمعنى. ومنهم العلامة المولوي الشهير بحسن الزمان في (الفقه الأكبر) (ج3 ص 6) قال: قال ابن جرير: حدثني محمد بن الهيثم، حدثني الحسن بن حماد، حدثنا يحيى بن يعلى الأسلمي، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن الحسن، عن أنس بن مالك قال: جاء أبو بكر إلى النبي صلى الله عليه وآله فقعد بين يديه فقال: يا رسول الله قد علمت مناصحتي وقدمي في الإسلام وأني وأني. قال: وماذا؟ قال تزوجني فاطمة. فسكت عنه أو قال: أعرض - إلى آخر ما تقدم عن (التبر المذاب) باختلاف يسير في اللفظ والزيادة والنقصان غير المخل بالمعنى.

ص 391

ومنهم العلامة الشيخ زين الدين محمد عبد الرؤف بن علي بن زين العابدين الشافعي المناوي القاهري المتوفى سنة 1031 في (إتحاف السائل بما لفاطمة من المناقب الفضائل) (ص 35 ط مكتبة القرآن بالقاهرة) قال: عن أنس قال: جاء أبو بكر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقعد بين يديه فقال: يا رسول الله قد علمت مناصحتي وقدمي في الإسلام وأني... قال: وما ذاك؟ قال: تزوجني فاطمة. فأعرض عنه، فرجع أبو بكر إلى عمر فقال: إنه ينتظر أمر الله فيها. ثم فعل عمر ذلك، فأعرض عنه، فرجع إلى أبي بكر فقال: إنه ينتظر أمر، الله فيها. انطلق بنا إلى علي نأمره أن يطلب مثل ما طلبنا. قال علي: فأتياني له، فقالا: بنت عمك تخطب، فنبهاني لأمر، فقمت جر ردائي طرفه على عاتقي به وطرفه الآخر في الأرض، حتى انتهيت إليه، فقعدت بين يديه فقلت: قد علمت قدمي في الإسلام ومناصحتي وأني... قال: وما ذاك؟ قال: تزوجني فاطمة، قال: وما عندك؟ قال فرسي وبدني. قال: أما فرسك فلا بد لك منه، وأما بدنك فبعها، فبعتها بأربعمائة وثمانين درهما فأتيته بها، فوضعها في حجره، فقبض منها قبضة فقال: يا بلال ابتع طيبا، وأمرهم أن يجهزوها، فجعل لها سريرا مشروطا ووسادة من أدم حشوها ليف، قال: آت هلك فلا تحدث بها حتى آتيك. فجاءت مع أم أيمن، فقعدت في جانب البيت وأنا في الجانب الآخر، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هاهنا أخي؟ قالت أم أيمن: أخوك وقد زوجته ابنتك؟ فقال لفاطمة: آتيني بماء، فقامت إلى قعب في البيت فجعلت فيه ماء، فأتته به فمج فيه، ثم قال: قومي فنضح بين يديها وعلى رأسها، وقال: اللهم إني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم. ثم قال: آتيني بماء، فعلمت الذي يريده، فملأت القعب فأتيته به، فأخذ منه.

ص 392

بفيه ثم مجه فيه ثم صب على رأس علي وبين قدميه ثم قال: أدخل على أهلك باسم الله. ومنها حديث ابن عباس رواه جماعة من أعيان العلماء في كتبهم: فمنهم العلامة الشيخ زين الدين محمد عبد الرؤف بن علي بن زين العابدين الشافعي المناوي القاهري المتوفى سنة 1031 في (إتحاف السائل بما لفاطمة من المناقب والفضائل) (ص 39 ط مكتبة القرآن بالقاهرة) قال: وعن ابن عباس قال: كانت فاطمة تذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا يذكرها أحد إلا صد عنه فيئسوا منها، فلقي سعد بن معاذ فقال: إني والله ما أراه يحبسها إلا عليك. فقال: ما أنا بأحد الرجلين، ما أنا بصاحب دنيا يلتمسها مني وقد علم ما لي صفراء ولا بيضاء، وما أنا بالكافر الذي يترفق بها عن دينه [يعني مبالغة بها] إني لأول من أسلم. فقال سعد: عزمت عليها لتفرجها عني، فإن لي في ذلك فرجا. ماذا أقول؟ قال: تقول جئت خاطبا إلى الله وإلى رسوله. فقال النبي من كلمة ضعيفة، ثم رجع إلى سعد، فقال له: لم يزد علي أن رحب بي، كلمة ضعيفة. قال: أنكحك، والذي بعثه بالحق إنه لا خلف ولا كذب عنده، اعزم عليك فلتأتينه غدا، فأتاه، فقال: يا نبي الله متى؟ قال: الليلة إن شاء الله. ثم دعا ثلاثا، فقال: زوجت ابنتي ابن عمي، وأنا أحب أن يكون سنة أمتي الطعام عند النكاح،

ص 393

فخذ شاة وأربعة أمداد، واجعل قصعة اجمع عليها المهاجرين والأنصار، فإذا فرغت فآذني. ففعل، ثم أتاه بقصعة فوضعها بين يديه، فطعن في رأسها وقال: أدخل الناس رفة بعد رفة، فجعلوا يردون كلما فرغت رفة وردت أخرى حتى فرغوا، ثم عمد إلى ما فضل منها فتفل فيها، فوضعها بين يديه بارك وقال: احملها إلى أمهاتك وقل لهن: كلن وأطعمن من غشيكن. ثم قام فدخل على النساء فقال: زوجت بنتي ابن عمي، وقد علمتن منزلها مني، وأنا دافعها إليه، فدونكن، فقمن فطيبنها من طيبهن وألبسنها من ثيابهن وحليهن. فدخل، فلما رأته النساء ذهبن، وتخلفت أسماء بنت عميس، فقال: على رسلك من أنت؟ قالت: أنا التي أحرس ابنتك، إن الفتاة ليلة زفافها لا بد لها من امرأة قريبة منها إن عرضت لها حاجة أو أرادت أمرا أفضت إليها به. قال: فإني أسأل إلهي أن يحرسك من بين يديك ومن خلفك، وعن يمينك وشمالك من الشيطان الرجيم. ثمن خرج بفاطمة، فلما رأت عليا بكت، فخشي المصطفى أن يكون بكاؤها أن عليا لا مال له، فقال: ما يبكيك ما ألومك في نفسي، وقد أصبت لك خير أهلي، والذي نفسي بيده لقد زوجتك سيدا في الدنيا وفي الآخرة لمن المصلحين. فدنا منها... قال: آتيني بالمخضب فأميليه. فأتت أسماء به فمج فيه، ثم دعا فاطمة فأخذ كفا من ماء فضرب على رأسها وبين قدميها، ثم التزمها فقال: اللهم إنها مني وإني منها، اللهم كما أذهبت عني الرجس وطهرتني فطهرها. ثم دعا بمخضب آخر فصنع بعلي كما صنع بها، ثم قال: قوما، جمع الله شملكما وأصلح بالكما. ثم قام وأغلق عليهما بابه [رواه الطبراني بإسناد ضعيف].

ص 394

ومنهم الحافظ عبد الرزاق الصنعاني في (المصنف) (ج 5 ص 586 ط بيروت) قال: عبد الرزاق، عن يحيى بن العلاء البجلي، عن عمه شعيب بن خالد، عن حنظلة بن سمرة بن المسيب، عن أبيه، عن جده، عن ابن عباس قال: كانت فاطمة تذكر لرسول الله (ص)، فلا يذكرها أحد إلا صد عنه - فذكر مثل ما تقدم عن (إتحاف السائل) باختلاف يسير في اللفظ من الزيادة والنقصان غير المخل للمعنى. ومنها حديث بريدة رواه جماعة من أعيان العامة في كتبهم: فمنهم العلامة الشيخ زين الدين محمد عبد الرؤف بن علي بن زين العابدين الشافعي المناوي القاهري المتوفى سنة 1031 في (إتحاف السائل بما لفاطمة من المناقب والفضائل) (ص 40 ط مكتبة القرآن بالقاهرة) قال: وعن بريده قال: قال نفر من الأنصار لعلي: عندك فاطمة، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما حاجة ابن أبي طالب؟ فقال: يا رسول الله ذكرت فاطمة. فقال مرحبا وأهلا. لم يزد عليها، فخرج علي بن أبي طالب إلى رهط من الأنصار ينتظرونه، فقالوا: ما وراءك؟ قال: ما أدري، غير أنه قال: مرحبا وأهلا، قالوا: يكفيك من رسول الله صلى الله عليه وسلم إحداهما: أعطاك الأهل

ص 395

والمرحب، فلما كان بعد ما زوجه قال: يا علي إنه لا بد للعروس من وليمة. قال سعد رضي الله عنه: عندي كبش، وجمع له الأنصار أصوعا من ذرة، فلما كان ليلة البناء قال: لا تحدث شيئا حتى تلقاني. فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بماء فتوضأ منه ثم أفرغه علي فقال: اللهم بارك فيهما وبارك لهما في بنائهما [رواه الطبراني بإسناد صحيح]. ومنهم العلامة الأمير علاء الدين علي بن بلبان الفارسي الحنفي في (الاحسان بترتيب صحيح ابن حبان) (ج 9 ص 49 ط بيروت) قال: أخبرنا محمد بن أحمد بن أبي عون بنسا، حدثنا أبو عمار الحسين بن حريث، حدثنا الحسن بن موسى، عن الحسين بن واقد، عن ابن بريدة، عن أبيه قال: خطب أبو بكر وعمر فاطمة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنها صغيرة، فخطبها علي فزوجها منه. ومنها (ما رواه جماعة مرسلا) فمنهم الفاضل العالم المعاصر الأستاذ توفيق أبو علم في (أهل البيت) (ص 145 ط مطبعة السعادة بالقاهرة) قال: ولقد خطبها أبو بكر وعمر، فقال لهما الرسول صلى الله عليه وسلم: إن أمرها إلى الله تعالى - وفي يوم اجتمع الصديق والفاروق وسعد بن معاذ رضوان الله عليهم في مسجد الرسول، فتذاكروا أمر فاطمة رضي الله عنها، فقال أبو بكر: قد خطبها الأشراف فردهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال أمرها إلى الله عز وجل

ص 396

وإن كان عليا لم يذكرها إلى الآن فما يمنعه من ذلك إلا قلة ذات اليد، ثم قال للصديق: هل لك أن تذكر أمرها إلى علي. فانطلق الصديق، فلما رآه قال له: ما وراءك من الأخبار. فقال أبو بكر: لم يبق خصلة من خصال الخير إلا ولك فيها سابقة وفضل، وأنت من رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمكان الذي عرفت من القرابة، وقد خطب الأشراف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنته فاطمة الزهراء فردهم وقال: إن أمرها إلى الله تعالى فما يمنعك أن تذكرها وتخطبها أنت، فإني أرجو أن يكون الله عز وجل ورسوله يحب أنها لك. وهنا تغرغرت عينا علي رضي الله عنه بالدموع، وقال: يا أبا بكر لقد هيجت علي ما كان ساكنا وأيقظتني لأمر كنت عنه غافلا، والله إن لي في فاطمة لرغبة، وما يمنعني من ذلك إلا قلة ذات اليد. فقال أبو بكر: لا تقل كذا يا أبا الحسن، فإن الدنيا وما فيها عند الله ورسوله كهباء منثور. وأقبل الإمام علي على الرسول صلى الله عليه وسلم، عند أم سلمة، وطرق الباب فقالت: من بالباب؟ فقال الرسول عليه الصلاة والسلام: قومي وافتحي الباب له، هذا رجل يحبه الله ورسوله ويحبهما.

ص 397

حديث (هي [فاطمة] لك يا علي)

رواه جماعة من أعلام القوم في كتبهم: فمنهم الفاضلان المعاصران الشريف عباس أحمد صقر والشيخ أحمد عبد الجواد المدنيان في (جامع الأحاديث) (القسم الثاني ج 4 ص 486 ط دمشق) قالا: عن حجر بن عنبس قال: خطب أبو بكر وعمر وفاطمة رضي الله عنهم فقال النبي صلى الله عليه وسم: هي لك يا علي، على أن تحسن صحبتها (أبو نعيم). وقالا أيضا في ج 6 ص 297: عن حجر بن عنبس - وقيل: ابن قيس الكندي قال: خطب أبو بكر وعمر رضي الله عنهما فاطمة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم - فرويا مثل ما تقدم (أبو نعيم). وقالا أيضا في ج 7 ص 355: عن حجر بن عنبس رضي الله عنه قال: خطب أبو بكر وعمر فاطمة رضي الله

ص 398

عنهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: - فذكرا الحديث مثل ما تقدم. ومنهم العلامة أبو نعيم أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق في (معرفة الصحابة) (ص 62 نسخة ايرلندة) قال: حجر بن عنبس وقيل ابن قيس الكندي أدرك الجاهلية وأكل الدم، حدثنا سليمان بن أحمد، حدثنا علي بن عبد العزيز، حدثنا أبو نعيم، حدثنا موسى بن قيس الحضرمي، قال: سمعت حجر بن عنبس وكان أكل الدم في الجاهلية وشهد مع علي الجمل والصفين. قال: خطب أبو بكر وعمر (رض) فاطمة عليها السلام، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هي لك يا علي. رواه عبد الله بن داود الحرمي عن موسى بن قيس فقال حجر بن قيس، وزاد: هو لك على أن تحسن صحبتها. ومنهم العلامة المولى علاء الدين علي بن حسام الدين الشهير بالمتقي الهندي في (كنز العمال) (ج 16 ص 285 ط حيدر آباد الدكن) قال: مسند حجر بن عنبس، وقيل: ابن قيس الكندي، عن حجر بن عنبس قال: خطب أبو بكر وعمر فاطمة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هي لك يا علي، على أن تحسن صحبتها (أبو نعيم). ومنهم العلامة الشيخ زين الدين محمد عبد الرؤف بن علي بن زين العابدين الشافعي المناوي القاهري المتوفى سنة 1031 في (إتحاف السائل بما لفاطمة من المناقب الفضائل) (ص 45 ط مكتبة القرآن بالقاهرة) قال: وعن حجر بن عنبس - وكان قد أدرك الجاهلية لكنه لم ير المصطفى - قال: خطب أبو بكر وعمر إلى رسول الله فاطمة، فقال رسول الله: هي لك يا علي [رواه

ص 399

الطبراني بإسناد صحيح]. وعن حجر المذكور قال: خطب علي إلى رسول الله فاطمة، فقال هي لك يا علي لست بدخال - أي لأنه كان قد وعده فقال: إني لا أخلف الوعد [رواه البزار ورجاله ثقات]. وظاهر حديث حجر الأول إن المصطفى لما خطبها الشيخان ابتدأ عليا فزوجه إياها بغير طلب، وظاهر الباقي أنه لما خطباها علم علي فجاء فخطبها، فأجابه، ويدل عليه كثير من الأخبار المارة. ومنهم الفاضل المحقق أبو منصور أحمد ميرين البلوش المدني في (تعليقات خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب) للنسائي المتوفى سنة 303 (ص 137 ط مكتبة المعلا الكويت) قال: وأخرجه ابن سعد في الطبقات (8: 19) البزار (376 - مختصر زوائد مسنده) عن طريق موسى بن قيس الحضرمي، عن حجر بن عنبس قال: خطب أبو بكر وعمر فاطمة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم، هي لك يا علي لست بدجال - يعني: لست بكذاب، وذلك أنه كان قد واعد عليا بها قبل أن يخطب إليه أبو بكر.

ص 400

حديث (كان صداق فاطمة درعا حطمية)

قد تقدم نقل ما يدل عليه من علماء العامة في ج 10 ص 352 ومواضع أخرى من هذه الموسوعة الكبرى، ونستدرك هيهنا عن كتبهم التي لم ننقل عنها فيما مضى: وفيه أحاديث: منها حديث علي عليه السلام رواه جماعة من أعلام العامة في كتبهم: فمنهم العلامة الحافظ الشيخ جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي المتوفى سنة 911 في كتابه (مسند علي بن أبي طالب) (ج 1 ص 298 ط المطبعة العزيزية بحيدر آباد - الهند) قال: عن علي رضي الله عنه قال: خطبت فاطمة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم

 

الصفحة السابقة الصفحة التالية

شرح إحقاق الحق (ج25)

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب