الصفحة السابقة الصفحة التالية

شرح إحقاق الحق (ج26)

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب

ص 451

تبعه ابن أبي عتيق فقال له الحسن وتبسم: ألك حاجة؟ فقال: البغلة، فنزل الحسن عنها ودفعها إليه. ومنهم الفاضل المعاصر السيد علي فكري ابن الدكتور محمد عبد الله يتصل نسبه بالحسين عليه السلام القاهري المصري المولود سنة 1296 والمتوفى سنة 1372 بالقاهرة في كتابه (السمير المهذب) (ج 3 ص 225 ط دار الكتب العلمية في بيروت سنة 1399) قال: قيل للحسن بن علي بن أبي طالب: لأي شيء نراك لا ترد سائلا وإن كنت في فاقة؟ فقال: إني لله سائل، وفيه راغب، وأنا أستحيي أن أكون سائلا وأرد سائلا، وإن الله تعالى عودني عادة، عودني أن يفيض علي، وعودته أن أفيض نعمه على الناس، فأخشى إن قطعت العادة، أن يمنعني العادة، وأنشد يقول: إذا ما أتاني سائل قلت مرحبا * بمن فضله فرض علي معجل ومن فضله فضل على كل فاضل * وأفضل أيام الفتى حين يسأل ومنهم الحافظ أبي حاتم محمد بن حبان البستي المتوفى سنة 354 في كتابه (روضة العقلاء ونزهة الفضلاء) (ص 254 طبع دار الكتب العلمية - بيروت) قال: حدثنا محمد بن أحمد الرقام - بتستر - حدثنا إسحاق بن الضيف، حدثنا أبو مسهر، حدثنا سعيد بن عبد العزيز: أن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم سمع رجلا إلى جنبه يسأل الله أن يرزقه عشرة آلاف درهم، فانصرف فبعث بها إليه.

ص 452

حديث رأى الحسن عليه السلام جده رسول الله صلى الله عليه وآله في المنام وقال له: قل (اللهم اقذف في قلبي رجاءك واقطع رجائي عمن سواك - الخ)

رواه جماعة من أعلام العامة في كتبهم: فمنهم العلامة المؤرخ محمد بن مكرم المشتهر بابن منظور المتوفى سنة 711 في (مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر) (ج 7 ص 6 ط دار الفكر دمشق) قال: حدث أبو المنذر هشام بن محمد عن أبيه قال: أضاق الحسن بن علي، وكان عطاؤه في كل سنة مئة ألف، فحبسها عنه معاوية في إحدى السنين، فأضاق إضاقة شديدة. قال: فدعوت بدواة لأكتب إلى معاوية لأذكره بنفسي، ثم أمسكت، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام فقال لي: كيف أنت يا حسن؟ فقلت: بخير يا أبه. وشكوت إليه تأخر المال عني. فقال: أدعوت بدواة لتكتب إلى مخلوق مثلك تذكره ذلك؟ قلت: نعم يا رسول الله فكيف أصنع؟ قال: قل: اللهم اقذف في قلبي رجاءك واقطع رجائي عمن سواك حتى لا أرجو أحدا غيرك، اللهم وما ضعفت عنه قوتي وقصر عنه عملي ولم تنته إليه رغبتي ولم تبلغه مسألتي، ولم يجر على لساني مما أعطيت أحدا من الأولين والآخرين من اليقين، فخصني به يا رب العالمين. قال: فوالله ما ألححت به أسبوعا حتى بعث إلي معاوية بألف ألف وخمسمائة ألف.

ص 453

فقلت: الحمد لله الذي لا ينسى من ذكره، ولا يخيب من دعاه. فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، فقال: يا حسن كيف أنت؟ فقلت: بخير يا رسول الله وحدثته حديثي. فقال: يا بني، هكذا من رجا الخالق ولم يرج المخلوق. ومنهم العلامة صاحب كتاب (مختار مناقب الأبرار) (ص 100 مصورة نسخة جستربيتي) قال: قال هشام بن محمد: أضاق الحسن بن علي - فذكر مثل ما تقدم عن (المختصر) بعينه. وكان عليه السلام لا يدعو أحدا إلى طعامه ويقول: هو أهون من يدعى إليه أحد رواه جماعة من أعلام القوم في كتبهم: فمنهم العلامة أبو القاسم علي بن الحسن الشافعي الدمشقي الشهير بابن عساكر في (ترجمة الإمام الحسن عليه السلام من (تاريخ مدينة دمشق) (ص 156 ط بيروت) قال: أخبرنا أبو الحسين ابن أبي الحديد، أنبأنا جدي أبو عبد الله، أنبأنا علي بن موسى بن الحسين ابن السمسار، أنبأنا أبو علي محمد بن محمد بن آدم الفزاري إملاءا، أنبأنا أبو بكر أحمد بن علي بن سعيد القاضي، أنبأنا شريح بن يونس، أنبأنا هشيم، عن منصور، عن ابن سيرين قال: كان الحسن بن علي لا يدعو إلى طعامه أحدا يقول: هو أهون من أن يدعى إليه أحد.

ص 454

حديث مقاسمة الحسن عليه السلام ماله مع الله مرات

قد تقدم نقله منا عن أعلام القوم في ج 11 ص 132، ونستدرك هيهنا عمن لم نرو عنهم هناك: فمنهم العلامة الشيخ برهان الدين إبراهيم بن يحيى بن علي الأنصاري الشهير بالوطواط المصري في (غرر الخصائص الواضحة) (ص 200 ط الشرقية بمصر) قال: وخرج لله من ماله مرتين، وقاسم الله ماله ثلاث مرات، حتى أنه أعطى نعلا وأمسك نعلا. ومنهم العلامة جمال الدين يوسف بن الزكي عبد الرحمن بن يوسف الكلبي المزي في (تهذيب الكمال) (ج 6 ص 233 ط مؤسسة الرسالة - بيروت) قال في حديث علي بن زيد بن جدعان. وخرج من ماله لله مرتين، وقاسم الله ثلاث مرات، حتى إن كان ليعطي نعلا ويمسك نعلا، ويعطي خفا ويمسك خفا.

ص 455

ومنهم العلامة صاحب كتاب (مختار مناقب الأبرار) (ص 100 والنسخة مصورة من مكتبة جستربيتي) قال: وخرج من ماله لله مرتين، وقاسم الله ماله ثلاث مرات، حتى أن كان ليعطي نعلا ويمسك نعلا ويعطي خفا ويمسك خفا. قلت: وقد مر ما يدل عليه في أحاديث حجه عليه السلام إلى بيت الله الحرام.

ص 456

حديث قضاء الحسن عليه السلام حوائج المؤمنين

رواه جماعة من أعلام العامة في كتبهم: فمنهم العلامة أبو القاسم علي بن الحسن الدمشقي الشافعي الشهير بابن عساكر في (ترجمة الإمام الحسن عليه السلام من تاريخ مدينة دمشق) (ص 151 ط بيروت) قال: أخبرنا أبو القاسم الشحامي، أنبأنا أبو بكر البيهقي، أنبأنا أبو بكر بن شاذان ببغداد، أنبأنا عبد الله بن جعفر، أنبأنا يعقوب بن سفيان، أنبأنا عمرو بن خالد الأسدي، أنبأنا أبو حمزة الثمالي، عن علي بن الحسين قال: خرج الحسن يطوف الكعبة، فقام إليه رجل فقال: يا أبا محمد اذهب معي في حاجتي إلى فلان، فترك الطواف وذهب معه، فلما ذهب خرج إليه رجل حاسد للرجل الذي ذهب معه. فقال: يا أبا محمد تركت الطواف وذهبت مع فلان إلى حاجته؟ قال: فقال له الحسن: وكيف لا أذهب معه ورسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من ذهب في حاجة أخيه المسلم فقضيت حاجته كتبت له حجة وعمرة وإن لم تقض له كتبت له عمرة، فقد اكتسبت حجة وعمرة ورجعت إلى طوافي. ومنهم العلامة المؤرخ محمد بن مكرم المشتهر بابن منظور المتوفى سنة 711 في (مختصر تاريخ دمشق) (ج 7 ص 26 ط دار الفكر) قال: وعن علي بن الحسين قال - فذكر الحديث مثل ما تقدم عن ابن عساكر بعينه،

ص 457

تواضعه عليه السلام

ذكر أحاديث في ذلك جماعة من أعلام العامة في كتبهم: فمنهم الفاضل المعاصر الشريف علي بن الدكتور محمد عبد الله فكري الحسيني القاهري المولود بها 1296 والمتوفى بها أيضا 1372 في (أحسن القصص) (ج 4 ص 203 ط دار الكتب العلمية في بيروت) قال: يحكى عن الحسن بن الإمام علي رضي الله عنهما حكاية تدل على رده للجميل وشكره على المعروف وأدبه وتواضعه، وذلك: أنه مر بصبيان من المساكين الذين يسألون الناس على الطرق وقد نثروا كسرا على الأرض ولقما من العيش، وكان الحسن على بغلته، فلما مر بهم سلم عليهم فردوا عليه السلام وقالوا: هلم الغداء يا بن رسول الله؟ فقال: نعم (إن الله لا يحب المتكبرين) ثم ثنى فخذه عن دابته، وقعد معهم على الأرض وأقبل يأكل. وبعد أن فرغوا من الأكل - وكان الخبز الذي معهم قليلا - قام سيدنا الحسن وأركبهم معه إلى منزله، ثم أطعمهم أنواعا من المآكل، وكساهم بعد ذلك. فلما سئل في سبب إطعامهم وكسوتهم؟ قال: الفضل لهم، لأنهم لم يجدوا معهم غير قطع الخبز الذي أطعموني، ولكن أجد كثيرا مما أعطيتهم، فيجب أن أقابل الحسنة بمثلها أو بأحسن منها. وذكر القصة أيضا في ج 2 ص 21 (عوارف المعارف) للسهروردي و(إسعاف الراغبين) باختلاف يسير في اللفظ والزيادة والنقصان.

ص 458

حلمه عليه السلام وتحمله على أذى الجهال

رواه جماعة من الأعلام في كتبهم: فمنهم العلامة الشيخ أبو عبد الله محمد بن المدني جنون المغربي الفاسي المالكي المتوفى بعد سنة 1278 في كتابه (الدرر المكنونة في النسبة الشريفة المصونة) (ص 122 ط المطبعة الفاسية) قال: وعن عاصم بن المصطلق: دخلت المدينة فرأيت الحسن بن علي، فأعجبني سمته وأثارني ما كان في صدري على أبيه من البغض، فقلت: أنت الحسن بن علي بن أبي طالب؟ قال: نعم، فبالغت في شتمه وشتم أبيه، فنظر إلي نظرة عاطف رؤف وقال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم. (خذ العفو وأمر بالعرف - إلى قوله تعالى -: مبصرون). ثم قال: استغفر الله لي ولك، أنت لو استعنتنا لأعناك، ولو استرشدتنا لأرشدناك. قال: فندمت على ما كان مني، فقال: (لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم) الآية. أمن أهل الشام أنت؟ قلت: نعم. قال: حياك الله وبياك، انبسط لنا في حاجتك تجد أفضل ظنك إن شاء الله. قال عاصم: فضاق علي الأرض بما رحبت وودت أنها ساخت بي وذهبت عنه وما أحد على وجه الأرض أحب إلي منه ومن أبيه. وقال أيضا في ص 123:

ص 459

وشتم رجل يوما الحسن بن علي رضي الله عنهما، فبالغ في شتمه وقال به الحسن: أما أنت فلم تبق شيئا وما يعلم الله أكثر. ومنهم العلامة المؤرخ محمد بن مكرم المشتهر بابن منظور المتوفى 711 في (مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر) (ج 7 ص 26 ط دار الفكر) قال: حدث رجل من أهل الشام قال: قدمت المدينة فرأيت رجلا بهرني جماله، فقلت: من هذا؟ قالوا: الحسن بن علي، قال: فحسدت عليا أن يكون له ابن مثله، قال: فأتيته فقلت: أنت ابن أبي طالب؟ قال: إني ابنه فقلت: بك وبأبيك وبك وبأبيك، قال: وأرم لا يرد إلي شيئا، ثم قال: أراك غريبا فلو استحملتنا حملناك، وإن استرفدتنا رفدناك، وإن استعنت بنا أعناك، قال: فانصرفت عنه وما في الأرض أحب إلي منه. قال صالح بن سليمان: قدم رجل المدينة وكان يبغض عليا، فقطع به، فلم يكن له زاد ولا راحلة، فشكا ذلك إلى بعض أهل المدينة، فقال له: عليك بحسن بن علي، فقال الرجل: ما لقيت هذا إلا في حسن وأبي حسن، فقيل له: فإنك لا تجد خيرا منه. فأتاه فشكا إليه، فأمر له بزاد وراحلة، فقال الرجل: الله أعلم حيث يجعل رسالاته، وقيل للحسن: أتاك رجل يبغضك ويبغض أباك فأمرت له بزاد وراحلة؟! قال: أفلا أشتري عرضي منه بزاد وراحلة؟! وقال أيضا في ص 29: قال جويرية بن أسماء: لما مات الحسن بن علي بكى مروان في جنازته، فقال له حسين: أتبكيه وقد كنت تجرعه ما تجرعه؟! فقال: إني كنت أفعل ذلك إلى أحلم من هذا، وأشار بيده إلى الجبل.

ص 460

ما حفظه الإمام الحسن بن علي عليهما السلام من جده رسول الله صلى الله عليه وآله من دعاء القنوت وغيره

رواه جماعة من أعلام العامة في كتبهم: فمنهم العلامة محمد بن مكرم ابن منظور الأفريقي المتوفى سنة 711 في (مختصر تاريخ دمشق) (ج 7 ص 5 ط دار الكفر) قال: قال أبو الجوزاء: قلت للحسن بن علي: ما تذكر من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: أذكر من رسول الله صلى الله عليه وسلم إني أخذت تمرة من تمر الصدقة فجعلتها في في، قال: فنزعها رسول الله بلعابها، فجعلها في التمر، فقيل: يا رسول الله ما كان عليك من هذه التمرة لهذا الصبي؟ قال: إنا آل محمد لا تحل لنا الصدقة. قال: وكان يقول: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك، فإن الصدق طمأنينة وإن الكذب ريبة. وكان يعلمنا هذا الدعاء: (اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني ليمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت، إنك تقضي ولا يقضى عليك، إنه لا يذل من واليت، تباركت ربنا وتعاليت). وفي حديث أن الحسن قال: علمني جدي رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في قنوت الوتر وذكر الدعاء (رب اهدني فيمن هديت) إلى آخره. وقال أيضا في ص 8:

ص 461

وسئل الحسن: ماذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: سمعته يقول لرجل: دع ما يريبك، إلى ما لا يريبك، فإن الشر ريبة، وإن الخير طمأنينة. وحفظت عنه: إني بينا أنا أمشي معه إلى جنب جرين للصدقة تناولت تمرة فألقيتها في فمي، فأدخل أصبعه فاستخرجها بلعابها فألقاها، وقال: إنا آل محمد لا تحل لنا الصدقة. وعقلت عنه الصلوات الخمس، وعلمني كلمات أقولهن عند انقضائهن (اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا شر ما قضيت، إنك تقضي ولا يقضى عليك، إنه لا يذل من واليت، تباركت وتعاليت). ومنهم الحافظ المقري أبو الخير شمس الدين محمد بن محمد بن محمد الجزري الشيرازي الشافعي المتوفى سنة 833 في (عدة الحصن الحصين من كلام سيد المرسلين) (ص 61 ط بيروت) قال: والقنوت في الوتر الذي علمه رسول الله صلى الله عليه وسلم للحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما: اللهم اهدني في من هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت، إنك تقضي ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت، (عه حب) ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، (س) نستغفرك ربنا ونتوب إليك، (ط) وصلى الله على النبي الأمي (م س).

ص 462

جانب من فصاحة الإمام الحسن بن علي وبلاغة كلامه

قد تقدم نقله منا عن أعلام القوم في ج 11 ص 105، ونستدرك هيهنا عمن لم نرو عنهم هناك: فمنهم العلامة أبو القاسم علي بن الحسن الشافعي الدمشقي الشهير بابن عساكر في (ترجمة الإمام الحسن من تاريخ مدينة دمشق) (ص 144 ط بيروت) قال: أخبرنا أبو بكر الشاهد، أنبأنا الحسن بن علي العدل، أنبأنا محمد بن العباس الخزار، أنبأنا أحمد بن معروف الخشاب، أنبأنا الحسين بن محمد الفقيه، أنبأنا محمد بن سعد، أنبأنا الفضل بن دكين، أنبأنا معمر بن يحيى بن سام قال: سمعت جعفرا قال: سمعت أبا جعفر قال: قال علي للحسن: قم فاخطب الناس يا حسن. قال: إني أهابك أن أخطب وأنا أراك، فتغيب أمير المؤمنين عنه حيث يسمع كلامه ولا يراه، فقام الحسن، فحمد الله وأثنى عليه وتكلم ثم نزل، فقال علي: ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم. ومنهم العلامة شهاب الدين أحمد الحسيني الشافعي الشيرازي في (توضيح الدلائل) (ص 360 والنسخة مصورة من مخطوطة مكتبة الملي بفارس) قال: وروي أن الحسن كان يصعد المنبر بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وبارك وسلم ويتكلم على الناس، وكان كلامه شبيها بكلام رسول الله صلى الله عليه وآله

ص 463

وبارك وسلم، فكان الصحابة يجتمعون إليه لاستماع كلامه، فبلغ ذلك أمير المؤمنين عليه السلام فأتاه بحيث لا يراه ليستمع كلامه أيضا، فقال الحسن عليه السلام: كل لساني وعسر بياني كأن عليا يراني. وجدت هذه الرواية بشريف خط الشيخ الإمام مور الكشف والإلهام علي بن محمد كلاه قدس الله روحه وأتاه مناه.

ص 464

كتاب الإمام الحسن إلى معاوية

قد تقدم نقل ذلك عن كتب العامة في ج 11 ص 226، ونستدرك هيهنا عن كتبهم التي لم نرو عنها فيما مضى: فمنهم الفاضل المعاصر الدكتور محمد ماهر حمادة في (الوثائق السياسية والإدارية العائدة للعصر الأموي) (ص 90 ط بيروت) قال: كتب الحسن بعد أن ولي الخلافة بعد وفات أبيه رسالة إلى معاوية يدعوه فيها إلى بيعته والدخول في طاعته ويدلي فيها بحجته، وأرسلها مع جندب بن عبد الله الأزدي. وهاك نصها: بسم الله الرحمن الرحيم. من عبد الله الحسن أمين المؤمنين إلى معاوية بن أبي سفيان سلام عليك، فإني أحمد الله الذي لا إله إلا هو. أما بعد: فإن الله تعالى عز وجل بعث. محمدا صلى الله عليه وآله رحمة للعالمين ومنة على المؤمنين وكافة إلى الناس أجمعين لينذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين، فبلغ رسالات الله وقام على أمر الله حتى توفاه الله غير مقصر ولا وان حتى أظهر الله به الحق ومحق به الشرك ونصر به المؤمنين وأعز به العرب وشرف به قريشا خاصة، فقال تعالى: (وإنه لذكر لك ولقومك). فلما توفي صلى الله عليه وآله تنازعت سلطانه العرب فقالت قريش: نحن قبيلته وأسرته وأولياءه ولا يحل لكم أن تنازعون سلطان محمد في الناس وحقه، فرأت العرب أن القول كما قالت قريش، وإن الحجة لهم في ذلك على من نازعهم أو محمد صلى الله عليه وسلم، فأنعمت لهم العرب وسلمت بذلك. ثم حاججنا نحن قريشا بمثل

ص 465

ما حاجت به العرب فلم تنصفنا قريش إنصاف العرب لها إنهم أخذوا هذا الأمر دون العرب بالانتصاف والاحتجاج، فلما صرنا، أهل بيت محمد وأوليائه، إلى محاجتهم وطلب النصف منهم باعدونا واستولوا بالاجتماع على ظلمنا ومراغمتنا والعنت منهم لنا، فالموعد الله وهو المولى النصير. وقد تعجبنا لتوثب المتوثبين علينا في حقنا وسلطان نبينا صلى الله عليه وآله، وإن كانوا ذوي فضيلة وسابقة في الإسلام، فأمسكنا عن منازعتهم مخافة على الدين أن يجد المنافقون والأحزاب بذلك مغمزا يثلمونه به أو يكون لهم بذلك لما أرادوا به من فساده. فاليوم فليتعجب المتعجب من توثبك يا معاوية على أمر لست من أهله لا بفضل في الدين معروف ولا أثر في السلام محمود، وأنت ابن حزب من الأحزاب وابن أعدى قريش لرسول الله صلى الله عليه وآله. ولكن الله خيبك وسترد فتعلم لمن عقبى الدار، تالله لتلقين عن قليل ربك ثم ليجزينك بما قدمت يداك وما الله بظلام للعبيد. إن عليا - رضوان الله عليه - لما مضى لسبيله، رحمة الله عليه يوم قبض ويوم من الله عليه بالاسلام ويوم يبعث حيا، ولاني المسلمون الأمر بعده، فأسأل الله أن لا يزيدنا في الدنيا الزائلة شيئا ينقصنا به في الآخرة مما عنده من كرامته. وإنما حملني على الكتابة إليك الإعذار فيما بيني وبين الله سبحانه وتعالى في أمرك، ولك في ذلك - إن فعلت - الحظ الجسيم، وللمسلمين فيه صلاح. فدع التمادي في الباطل وادخل فيما دخل فيه الناس من بيعتي، فإنك تعلم أني أحق بهذا الأمر منك عند الله وعند كل أواب حفيظ ومن له قلب منيب. واتق الله ودع البغي واحقن دماء المسلمين، فوالله ما لك من خير في أن تلقى الله من دمائه بأثر مما أنت لاقيه به، فادخل في السلم والطاعة ولا تنازع الأمر أهله ومن هو أحق به منك ليطفئ الله النائرة بذلك وتجتمع الكلمة وتصلح ذات بين. وإن أنت أبيت إلا التمادي في غيك نهدت إليك بالمسلمين فحاكمتك حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين.

ص 466

كتاب آخر منه عليه السلام إلى معاوية بن أبي سفيان في جوابه بسم الله الرحمن الرحيم. أما بعد: فقد وصل إلي كتابك تذكر فيه ما ذكرت فتركت جوابك خشية البغي عليك، وبالله أعوذ من ذلك، فاتبع الحق تعلم أني من أهل، وعلي إثم أن أقول فأكذب، والسلام. (مقاتل الطالبين لأبي الفرج الأصفهاني ص 55 - 60). ومن كتاب له عليه السلام إلى زياد بن أبيه رواه جماعة في كتبهم: فمنهم الفاضل المعاصر الدكتور محمد ماهر حمادة في (الوثائق السياسية والادارية العائدة للعصر الأموي) (ص 98 ط مؤسسة الرسالة - بيروت) قال: كان سعد بن سرح من شيعة علي، فلما قدم زياد الكوفة أخافه وطلبه وهدم داره فهرب منه ولجأ إلى الحسن في المدينة، فسأله الحسن عن سبب قدومه فذكرا له قصته وصنيع زياد به، فكتب الحسن إلى زياد: من الحسن بن علي إلى زياد. أما بعد: فإنك عمدت إلى رجل من المسلمين له ما لهم وعليه ما عليهم فهدمت عليه داره وأخذت ماله وعياله، فإذا أتاك كتابي فابن له داره

ص 467

واردد عليهما له وعياله فإني قد أجرته فشفعني فيه (1). كتاب آخر له عليه السلام في جواب زياد بن أبيه ذكره الفاضل المذكور في كتابه ص 99: من الحسن بن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى زياد بن سمية عبد بني ثقيف: للولد الفراش وللعاهر الحجر.

(هامش)

(1) قال الفاضل الدكتور محمد ماهر حمادة في كتابه المذكور (ص 99): 36 - رسالة معاوية إلى زياد لما ورده كتاب الحسن يخبره بالقصة وبجواب زياد: أما بعد: فإن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه بعث إلي بكتابك جواب كتابه إليك في ابن سرح فأكثرت التعجب منه وعلمت أن لك رأيين: أحدهما من أبي سفيان وآخر من سمية. فأما الذي من أبي سفيان فحلم وحزم، وأما الذي من سمية فكما يكون رأي مثلها، ومن ذلك كتابك إلى الحسن تشتم أباه وتعرض له بالفسق، ولعمري أنت أولى بالفسق من الحسن؟ ولأبوك - إذ كنت تنسب إلى عبيد - أولى بالفسق من أبيه. فإن كان الحسن بدأ نفسه ارتفاعا عنك فإن ذلك لم يضعك، وأما تشفيعه فيما شفع إليك فيه فحظ دفعته عن نفسك إلى من هو أولى به منك. فإذا قدم عليك كتابي هذا فخل ما في يدك لسعيد بن سرح وابن له داره ولا تغدر به واردد عليه ماله، فقد كتبت إلى الحسن أن يخبر صاحبه بذلك، فإن شاء أقام عنده وإن شاء رجع إلى بلده، فليس لك عليه سلطان بيد ولا لسان. وأما كتابك إلى الحسن باسمه واسم أمه ولا تنسبه إلى أبيه فإن الحسن، ويلك، ممن لا يرمى به الرجوان. أفاستصغرت أباه، وهو علي بن أبي طالب، أم إلى أمه وكلته، لا أم لك؟ فهي فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتلك أفخر له إن كنت تعقل. والسلام. (وفيات الأعيان لابن خلكان 5 ج‍ 403 - 404) (*)

ص 468

بعض خطب الإمام الحسن الزكي عليه السلام

خطبة له عليه السلام ألقاها بعد وفاة أبيه

رواها جماعة من أعلام القوم في كتبهم: فمنهم العلامة شهاب الدين أحمد الحسيني الشيرازي الشافعي في (توضيح الدلائل) (ص 280 نسخة مكتبة الملي بفارس) قال: وعن أبي الطفيل وجعفر بن حيان قال: لما قتل علي بن أبي طالب وفرغ منه قام الحسن بن علي رضوان الله تعالى عليهما خطيبا، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس، والله لقد فارقكم رجل ما سبقه أحد كان قبله ولا يدركه أحد كان بعده، والله لقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وبارك وسلم يعطيه الراية ويبعثه في السرية، فيقاتل جبرئيل عن يمينه وميكائيل عن يساره عليهما السلام، فما يرجع حتى يفتح الله تعالى على يديه، والله لقد قتل في الليلة التي قبض فيها روح موسى عليه السلام، وعرج بروحه في الليلة التي عرج بعيسى عليه السلام، وفي الليلة التي أنزل فيها القرآن، وفي الليلة التي فتح الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وآله وبارك وسلم التي كانت صبيحتها يوم بدر، وفي الليلة التي قتل فيها يوشع بن نون فتى موسى عليهما السلام، وليلة كان كذا وكذا. والله ما ترك من صفراء ولا بيضاء إلا ثمان مائة درهم أو سبع مائة درهم وخمسين درهما أو تسع مائة درهم فضلت من عطائه كان أعدها لخادم يشتريه

ص 469

لأم كلثوم - أو قال لأهله. ثم قال رضي الله تعالى عنه: من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا الحسن بن علي، ثم تلا هذه الآية (واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحق ويعقوب)، ثم أخذ في كتابه الله تعالى ثم قال أنا ابن خاتم النبيين، وأنا ابن البشير النذير، وأنا ابن الداعي إلى الله بإذنه، وأنا ابن السراج المنير وأنا ابن الذي أرسل رحمة للعالمين، وأنا من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، وأنا من أهل البيت الذين كان جبرئيل عليه السلام ينزل فينا ويصعد من عندنا، وأنا من أهل البيت الذين افترض الله تعالى مودتهم على كل مسلم وأنزل الله تعالى فيهم (قل لا أسئلكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا) واقتراف الحسنة مودتنا أهل البيت. رواه الزرندي. ومنهم العلامة أبو بكر أحمد بن مروان بن محمد الدينوري المتوفى سنة 330 في كتابه (المجالسة وجواهر العلم) (ص 160 طبع معهد تاريخ العلوم العربية في فرانكفورت سنة 1407) روى شطرا منها ثم قال: حدثنا أحمد، نا أحمد بن محمد، نا خلف بن سالم المحزمي، نا وكيع، عن شريك، عن أبي إسحاق، عن هبيرة قال: خطب الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما بعد قتل علي رضي الله عنه بيوم، فقال: لقد فارقكم بالأمس رجل لم يسبقه الأولون بعلم ولا يدركه الآخرون، كان رسول الله يبعثه بالراية جبريل عن يمينه وميكائيل عن شماله، فلا ينصرف حتى يفتح على يديه.

ص 470

ومنهم العلامة الشريف أبو المعالي المرتضى محمد بن علي الحسيني البغدادي في (عيون الأخبار في مناقب الأخيار) (ص 27 نسخة مكتبة الواتيكان) روى شطرا منها وقال: أخبرنا أحمد بن الحسن الفارسي، أنبأ جعفر بن الخلدي، أنبأ القاسم بن محمد الدلال، أنبأ إبراهيم بن الحسين الثغابي أنبأ شعيب بن راشد، عن أبي إسحاق، عن هبيرة ابن يريم: إن عليا رضي الله عنه لما توفي قام الحسن فصعد المنبر ثم قال: يا أيها الناس إنه قد قبض الليلة رجل لم يسبقه الأولون ولا يدرك الآخرون، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعثه المبعث فيكتنفه جبرئيل عليه السالم عن يمينه وميكائيل عن يساره حتى يفتح الله عز وجل، وما ترك إلا سبعمائة درهم فضلت من عطائه أراد أن يبتاع بها خادما، ولقد قبض في الليلة التي عرج فيها بعيسى بن مريم عليه السلام.

ص 471

خطبة له عليه السلام في أهل الكوفة يحثهم على الحلم والوفاء ويحذرهم عن السفه ومجالسة أهل الدناءة والفسوق

رواها جماعة من أعلام القوم في كتبهم: فمنهم العلامة أبو القاسم علي بن الحسن الدمشقي للشافعي الشهير بابن عساكر في (ترجمة الإمام الحسن عليه السلام من تاريخ مدينة دمشق) (ص 167 ط بيروت) قال: أخبرنا أبو نصر ابن رضوان، أنبأنا أبو محمد الجوهري، أنبأنا أبو عمر بن حيويه، أنبأنا أبو بكر ابن المرزبان، أخبرني أبو يعقوب النخعي، حدثني الحرمازي قال: خطب الحسن بن علي بالكوفة فقال: اعلموا يا أهل الكوفة أن الحلم زينة، والوفاء مروءة، والعجلة سفه، والسفه ضعف، ومجالسة أهل الدناءة شين، ومخالطة أهل الفسوق ريبة.

ص 472

خطبة له عليه السلام أخرى بعد وفاة أبيه

رواه جماعة من الأعلام في كتبهم: فمنهم العلامة أبو القاسم علي بن الحسن الشافعي الدمشقي الشهير بابن عساكر في (ترجمة الإمام الحسن عليه السلام من تاريخ مدينة دمشق) (ص 178 ط بيروت) قال: أخبرنا أبو السعود أحمد بن محمد ابن المجلي، أنبأنا محمد بن محمد بن أحمد العكبري، أنبأنا محمد بن أحمد بن خاقان. (حيلولة) قال: وأنبأنا عبد الله بن علي بن أيوب، أنبأنا أبو بكر أحمد بن محمد بن الجراح قالا: أنبأنا أبو بكر بن دريد قال: قام الحسن بعد موت أبيه أمير المؤمنين [عليه السلام] فقال بعد حمد الله جل وعز: إنا والله ما ثنانا عن أهل الشام شك ولا ندم، وإنما كنا نقاتل أهل الشام بالسلامة والصبر فشيبت السلامة بالعداوة، والصبر بالجزع، وكنتم في منتدبكم إلى صفين ودينكم أمام دنياكم فأصبحتم اليوم ودنياكم أمام دينكم، ألا وإنا لكم كما كنا، ولستم لنا ما كنتم. ألا وقد أصبحتم بعد قتيلين: قتيل بصفين تبكون عليه، وقتيل بالنهروان تطلبون ثاره، فأما الباقي فخاذل واما الباكي فثائر. ألا وإن معاوية دعانا إلى أمر ليس فيه عز ولا نصفة، فإن أردتم الموت رددناه عليه وحاكمناه إلى الله جل وعز بظبا السيوف، وإن أردتم الحياة قبلناه وأخذنا لكم الرضا. فناداه القوم من كل جانب: البقية، البقية. فلما أفردوه أمضى الصلح.

ص 473

خطبة أخرى له عليه السلام

قد تقدم نقلها عن بعض العامة في ج 11 ص 185، ونستدرك هيهنا عمن لم نرو عنه هناك: فمنهم العلامة أبو بشر محمد بن حماد الأنصاري المتوفى سنة 330 في (الذرية الطاهرة المطهرة) (ص 93 نسخة مكتبة السليمانية بإسلامبول) قال: حدثنا الحسن، حدثنا أبو بشر، حدثنا عمرو بن علي أبو حفص ويزيد بن سنان أبو خالد قال: حدثنا أبو عاصم، وحدثنا سكن بن عبد العزيز، قال أخبرني خالي حفص بن خالد، قال حدثني أبي خالد بن جابر، عن أبيه قال: لما قتل علي بن أبي طالب رضي الله عنه قام الحسن خطيبا فقال: لقد قتلتم والله رجلا في ليلة نزل فيها القرآن، وفيها رفع عيسى بن مريم، وفيها قتل يوشع فتى موسى، والله ما سبقه أحد كان قبله ولا يدركه أحد يكون بعده، والله إن كان ليبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم في السرية جبريل عن يمينه ومكائيل عن يساره، والله ما ترك صفراء ولا بيضاء إلا سبعمائة درهم أو ثمانمائة أرصدها لجارية يشتري بها.

ص 474

خطبة له عليه السلام أخرى

قد نقلناها عن كتب أعلام العامة في ج 11 ص 200، ونستدرك هيهنا عن الكتب التي لم نرو عنها فيما مضى: فمنهم العلامة أبو القاسم ابن عساكر الشافعي في (ترجمة الإمام الحسن بن علي عليهما السلام - من تاريخ دمشق) (ص 189 ط بيروت) قال: أخبرنا أبو غالب بن البناء، أخبرنا أبو الحسين بن الآبنوسي، أخبرنا أبو القاسم عبيد الله ابن عثمان الدقاق، أخبرنا إسماعيل بن علي الواسطي، أخبرنا القاسم بن عيسى الطائي، عن هشيم، عن مجالد، عن الشعبي: إن الحسن به علي خطب، فحمد الله وأثنى عليه وتشهد ثم قال: إن أكيس الكيس التقى وإن أحمق الحمق الفجور، وإن هذا الأمر الذي اختلفت فيه أنا ومعاوية إما أن يكون حق امرئ كان أحق به مني، أو كان حقا لي تركته التماسا لصلاح أمر هذه الأمة، وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين. وقال أيضا: أخبرنا أبو عبد الله الفراوي وأبو القاسم زاهر بن طاهر، قالا: أنبأنا أبو بكر البيهقي (حيلولة) أخبرنا أبو محمد السلمي، أنبأنا أبو بكر الخطيب (حيلولة) وأخبرنا أبو القاسم بن السمرقندي، أنبأنا أبو بكر بن الطبري قالوا: أنبأنا أبو الحسين بن الفضل، أنبأنا عبد الله بن جعفر، أنبأنا يعقوب بن سفيان، أنبأنا الحميدي، أنبأنا سفيان، أنبأنا مجالد

ص 475

عن الشعبي. قال يعقوب: أنبأنا سعيد بن منصور. أنبأنا هشيم، عن مجالد عن الشعبي قال: لما صالح الحسن بن علي - وقال هشيم: لما سلم الحسن بن علي - الأمر إلى معاوية قال له معاوية - زاد الخطيب وابن الطبري: بالنخيلة وقالوا: قم، فقام فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد، فإن أكيس الكيس التقى، وإن أعجز العجز الفجور، ألا وإن هذا الأمر الذي اختلفت فيه أنا ومعاوية إما حق امرئ كان أحق به مني، أو حق لي تركته لمعاوية إرادة لا صلاح المسلمين وحقن دمائهم، وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين. ثم استغفر ونزل.

ص 476

خطبة أخرى للحسن المجتبى عليه السلام

قد تقدم نقلناها عن بعض علماء العامة في كتبهم في ج 11 ص 203، ونستدرك هيهنا عن الكتب التي لم نرو عنها فيما مضى: فمنهم الحافظ أبو القاسم ابن عساكر الدمشقي في (ترجمة سيدنا الإمام الحسن بن علي عليهما السلام من تاريخ دمشق) (ص 191 ط بيروت) قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الباقي، أخبرنا الحسن بن علي، أخبرنا محمد بن العباس، أخبرنا أحمد بن معروف، أخبرنا الحسين بن محمد، أخبرنا محمد بن سعد، أخبرنا هوذة بن خليفة، أخبرنا عون، عن محمد قال: لما كان زمن ورد معاوية الكوفة اجتمع الناس عليه وبايعه الحسن بن علي. قال: قال أصحاب معاوية لمعاوية: عمرو بن العاص والوليد بن عقبة وأمثالهما من أصحابهما: إن الحسن بن علي مرتفع في أنفس الناس لقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنه حديث السن عيي، فمره فليخطب فإنه سيعيى في الخطبة فيسقط من أنفس الناس، فأبى عليهم فلم يزالوا به حتى أمره، فقام الحسن بن علي على المنبر دون معاوية، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: والله لو ابتغيتم بين جابلق وجابرس رجلا جده نبي غيري وغير أخي لم تجدوه، وإنا قد أعطينا بيعتنا معاوية ورأينا أن حقن دماء المسلمين خير مما هراقها، والله ما أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين.

ص 477

قال: وأشار بيده إلى معاوية، فغضب معاوية فخطب بعده خطبة عيية فاحشة، ثم نزل وقال: ما أردت بقولك (فتنة لكم ومتاع إلى حين)؟ قال: أردت بها ما أراد الله بها. قال هوذة: قال عوف: وحدثني غير واحد أنه بعد ما شهر شهادة الحق قال: أما بعد فإن عليا لم يسبقه أحد من هذه الأمة في أوليها بعد نبيها، ولن يلحق به أحد من الآخرين منهم. ثم وصله بقوله الأول. وقال أيضا في ص 194: أخبرنا أبو القاسم الحسين بن الحسن الأسدي، أخبرنا أبو القاسم بن أبي العلا، أخبرنا أبو محمد بن أبي نصر، أخبرنا عمي أبو علي محمد بن القاسم بن معروف، أخبرنا علي ابن بكر، أخبرنا ابن الخليل، أخبرنا ابن عبيدة - يعني عمر بن شبة - أخبرنا حماد بن سعدة، عن ابن عون، عن عمير بن إسحاق، قال: أمر معاوية الحسن بن علي أن يقوم فيتكلم، فجعل يخفض من صوته، فقال له معاوية: أسمعنا. قال: ألا تسمع. فرفع صوته، فقال معاوية هكذا بيده يغمز كأنه يأمر بالخفض، فأبى الحسن وجعل يرفع صوته، ثم قال فيما يقول: إنه والله ما بين جابلق وجابرس - أو جابرس وجابلق - أحد جده النبي صلى الله عليه وسلم غيري وغير أخي، ولقد رأيت أن أدفع هذا الأمر إلى معاوية. قال ابن عون: لأنهى هذا الحديث عن عمير أو أن عن غيره، وجعل يقول بيده نحو معاوية: وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين.

ص 478

خطبة أخرى له عليه السلام

رواها جماعة من أعلام أهل السنة في كتبهم: فمنهم العلامة أبو علي محمد بن القاسم ابن حبيب في (الفوائد) ص 2 الموجود في مجموعة في المكتبة العامة المرعشية بقم والنسخة مصورة من مكتبة جستربيتي) قال: حدثنا علي بن بكر، أخبرنا ابن الخليل، أخبرنا أبو عبيد، أخبرنا إبراهيم بن المنذر، حدثنا ابن وهب، أخبرنا يونس بن يزيد، عن ابن شهاب قال: كان عمرو بن العاص حين اجتمعوا بالكوفة كلم معاوية وأمره أن يأمر الحسن بن علي عليهما السلام أن يقوم فيخطب الناس، فكره ذلك معاوية وقال: ما أريد أن يخطب. فقال عمرو: لكني أريد أن يبدو عيه في الناس، فإنه يتكلم في أمور لا يدري ما هي. فلم يزل بمعاوية حتى أطاعه، فخرج معاوية فخطب الناس، وأمر رجلا فنادى الحسن بن علي فقال: قم يا حسن فكلم الناس، فقام الحسن عليه السلام فتشهد في بديهة أمر لم يرده فقال: أما بعد أيها الناس، فإن الله هداكم بأولنا وحقن دماءكم بآخرنا، وإن لهذا الأمر مدة والدنيا دون، وإن الله قال لنبيه (وإن أدري أقريب أم بعيد ما توعدون * إنه يعلم الجهر من القوم ويعلم ما تكتمون * وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين). فلما قالها قال له معاوية: اجلس، ثم جلس، ثم خطب معاوية ولم يزل ضميرا على عمرو وقال: هذا عن رأيك.

ص 479

ومنهم العلامة أبو القاسم علي بن الحسن الشافعي الشهير بابن عساكر الدمشقي في (ترجمة الإمام الحسن عليه السلام من تاريخ مدينة دمشق) (ص 194 ط بيروت) قال: أخبرنا علي بن بكر، أخبرنا أحمد بن خليل، أخبرنا ابن عبيدة، أخبرنا إبراهيم بن المنذر، أخبرنا ابن وهب، أخبرنا يونس بن يزيد، عن ابن شهاب قال - فذكر الحديث مثل ما تقدم عن (الفوائد). وقال أيضا في ص 195: أخبرناه أعلى من هذا بثلاث درجات أبو محمد عبد الكريم بن حمزة، أخبرنا أبو بكر الخطيب (حيلولة) وأخبرناه أبو القاسم إسماعيل بن أحمد، أخبرنا أبو بكر بن اللانكائي، قالا: أخبرنا أبو الحسين بن الفضل، أخبرنا عبد الله بن جعفر، أخبرنا يعقوب، أخبرنا الحجاج، أخبرنا جدي، عن المذمري قال: وكان عمرو بن العاص حين اجتمعنا - فذكر الحديث مثل ما تقدم باختلاف قليل في اللفظ. ومنهم العلامة شمس الدين أبو البركات محمد الباعوني الشافعي في كتاب (جواهر المطالب في مناقب الإمام أبي الحسنين علي بن أبي طالب) (ص 118 والنسخة مصورة من المكتبة الرضوية بخراسان) قال: وكان عمرو بن العاص حين اجتمعوا بالكوفة - فذكر الحديث مثل ما تقدم. ومنهم العلامة المؤرخ محمد بن مكرم المشتهر بابن منظور المتوفى 711 (ج 7 ص 37 ط دار الفكر) قال: قال ابن شهاب، كان عمرو بن العاص حين اجتمعوا بالكوفة - فذكر مثل ما تقدم.

ص 480

خطبة له عليه السلام أخرى

رويناها عن أعلام العامة في ج 11 ص 204، ونستدرك هيهنا عن كتبهم التي لم ننقل عنها فميا مضى: فمنهم العلامة أبو القاسم علي بن الحسين ابن عساكر الشافعي الدمشقي في (تاريخ دمشق) (ج 13 ص 466 ط دار البشير) قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الباقي، أنبأنا الحسن بن علي، أنبأنا أبو عمر بن حيويه، أنبأنا أحمد بن معروف، أنبأنا الحسين بن الفهم، أنبأنا محمد بن سعد، أنبأنا يزيد بن هرون، أنبأنا جرير بن عثمان، أنبأنا عبد الرحمن بن أبي عوف الجرشي قال: لما بايع الحسن بن علي معاوية قال له عمرو بن العاص وأبو الأعور السلمي عمرو بن سفيان: لو أمرت الحسن فصعد المنبر فتكلم عيي عن المنطق، فيزهد فيه الناس. فقال معاوية: لا تفعلوا فوالله لقد رأيته رسول الله صلى الله عليه وسلم يمص لسانه وشفته ولن يعي لسان مصه رسول الله صلى الله عليه وسلم - أو سعيان - فأبوا على معاوية، فصعد معاوية المنبر، ثم أمر الحسن فصعد وأمره أن يخبر الناس أني قد بايعت معاوية، فصعد الحسن المنبر فحمد الله وأثني عليه ثم قال: أيها الناس إن الله هداكم بأولنا، وحقن دماءكم بآخرنا، وإني قد أخذت لكم على معاوية أن يعدل فيكم وأن يوفر عليكم غنائمكم وأن يقسم فيكم فيئكم. ثم أقبل على معاوية فقال: كذلك؟ قال: نعم، ثم هبط من المنبر وهو يقول ويشير باصبعه إلى معاوية: (وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين). فاشتد ذلك على

ص 481

معاوية، فقالا: لو دعوته فاستنطقته؟ فقال: مهلا، فأبوا فدعوه فأجابهم، فأقبل عليه عمرو بن العاص فقال له الحسن: أما أنت فقد اختلف فيك رجلان: رجل من قريش وجزار أهل المدينة فادعياك فلا أدري أيهما أبوك؟ وأقبل عليه أبو الأعور السلمي فقال له الحسن: ألم يلعن رسول الله صلى الله عليه وسلم رعلا وذكوان وعمرو بن سفيان. ثم أقبل على معاوية يعين القوم، فقال له الحسن: أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن قائد الأحزاب وسائقهم وكان أحدهما أبو سفيان والآخر أبو الأعور السلمي. ومنهم العلامة الشيخ أبو الوليد إسماعيل بن محمد المشتهر بابن رأس الغنمة الإشبيلي في (مناقب الدرر ومناقب الزهر) (ص 42 والنسخة مصورة من مكتبة جستربيتي بايرلندة) قال: ومن كلام الحسن عليه السلام: أيها الناس إن الله هدى أولكم بأولنا - فذكر مثل ما تقدم. ومنهم العلامة الحافظ أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي المتوفى سنة 458 في (الاعتقاد والهداية إلى سبيل الرشاد) (ص 250 ط عالم الكتب في بيروت سنة 1405) قال: قال في خطبته: أيها الناس إن الله هداكم بأولنا، وحقن دماءكم بآخرنا، وإن هذا الأمر الذي اختلفت فيه أنا ومعاوية ما هو حق لامرئ كان أحق به مني بل حق لي تركته لمعاوية إرادة إصلاح المسلمين وحقن دمائهم بل (وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين). ومنهم العلامة أبو علي محمد بن القاسم في (الفوائد) (ص 3 مصورة من مخطوطة مكتبة جستربيتي بايرلندة) قال: حدثنا أبو بكر، حدثنا أحمد بن الخليل، حدثنا أبو عبيدة، حدثنا حماد بن مسعدة،

ص 482

عن ابن عون، عن عمر بن إسحق قال: أمر معاوية الحسن بن علي [عليها السلام] أن يقول فيتكلم، فجعل يخفض من صوته، فقال له معاوية: أسمعنا فإنا لا نسمع. فرفع صوته، فقال معاوية: هكذا بيده يغمر - كأنه يأمره بالخفض، فأبي الحسن [عليه السلام] وجعل يرفعه صوته، ثم قال فيما يقول: إنه والله ما بين جابلق وجابرص - أو جابرص وجابلق - أحد جده النبي صلى الله عليه وسلم غيري وغير أخي، وقد رأيت أن أدفع هذا الأمر إلى معاوية. قال ابن عون: لا أدري هذا الحديث عن عمير أو عن غيره، وجعل يقول بيده نحو معاوية: (وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين).

ص 483

ومن خطبة لسيدنا الإمام الحسن بن علي عليهما السلام

قد تقدم نقلها منا عن كتب أعلام العامة في ج 11 ص 217، ونستدرك هيهنا عن كتبهم التي لم نرو عنها فيما مضى: فمنهم العلامة الحافظ المؤرخ ابن عساكر في (ترجمة الإمام الحسن بن علي عليهما السلام من تاريخ مدينة دمشق) (ص 180 ط بيروت) قال: أخبرتنا أم البهاء فاطمة بنت محمد، قالت أنبأنا أحمد بن محمود بن أحمد بن محمود، أنبأنا أبو بكر ابن المقرئ، أنبأنا أبو الطيب محمد بن جعفر الزراد المنيحي، أنبأنا عبيد الله بن سعد الزهري، أنبأنا سعيد بن سليمان، أنبأنا عباد - هو ابن العوام - أنبأنا حصين، عن ميسرة بن يعقوب أبي جميلة، عن الحسن بن علي أنه بينا هو ساجد إذ وجأه إنسان في وركه فمرض منها شهرين، فلما برأ خطب الناس بعد ما قتل علي فقال: أيها الناس إنما نحن أمراؤكم وضيفانكم ونحن أهل البيت الذي قال الله عز وجل: ([إنما يريد الله] ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) فكررها حتى ما بقي أحد في المسجد إلا وهو يجد بكاء. [قال ابن عساكر:] كذا قال [الراوي في هذا الحديث: عن ميسرة بن أبي جميلة ويجد بكاءا)]. والصواب (عن ميسرة أبي جميلة) و(يخن بكاءا) كما تقدم. وفي ص 182 قال:

ص 484

كتب إلي أبو عبد الله محمد بن أحمد بن إبراهيم، ثم أخبرنا أبو القاسم فضائل بن الحسن بن فتح الكناني، أنبأنا سهل بن بشر الأسفرايني، قالا: أنبأنا أبو الحسن محمد بن الحسين بن الطفال، أنبأنا بو طاهر محمد بن أحمد. أنبأنا الحسين بن عمر بن إبراهيم، أنبأنا عقبة بن مكرم الضبي، أنبأنا عبد الله بن خراش، عن عوام بن حبيب بن حوشب: عن هلال بن يساف، قال: سمعت الحسن بن علي وهو يخطب الناس بالكوفة فحمد الله وأثنى عليه وصلى على محمد ثم قال: يا أهل الكوفة اتقوا الله فينا فإنا أمراءكم ونحن ضيفانكم ونحن أهل البيت الذين قال الله عز وجل: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تظهيرا). قال هلال: فما سمعت يوما قط كان أكثر باكيا ومسترجعا من يومئذ. أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الباقي، أنبأنا الحسن بن علي، أنبأنا محمد بن العباس الخزاز، أنبأنا أحمد بن معروف، أنبأنا الحسين بن محمد، أنبأنا محمد بن سعد، أنبأنا يزيد بن هارون، أنبأنا العوام بن حوشب، عن هلال بن يساف قال: سمعت الحسن بن علي وهو يخطب وهو يقول: يا أهل الكوفة اتقوا الله فينا فإنا أمراؤكم وإنا أضيافكم ونحن أهل البيت الذين قال الله تعالى: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا). قال هلال: فما رأيت يوما قط أكثر باكيا يومئذ. ومنهم العلامة المؤرخ محمد بن مكرم المشتهر بابن منظور المتوفى سنة 711 في (مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر) (ج 7 ص 36 ط دار الفكر) قال: قال أبو جميلة عن الحسن بن علي: أنه بينا هو ساجد إذ وجأه إنسان في وركه، فمرض منها شهرين، فلما برأ خطب الناس بعد قتل علي فقال: يا أيها الناس إنما نحن أمراؤكم وضيفانكم، ونحن أهل البيت الذين قال الله عز وجل: (أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا)، فكررها حتى ما بقي في المسجد أحد إلا وهو يخن بكاء.

ص 485

ومن خطبة له عليه السلام أخرى

من الناقلين لها: العلامة ابن عساكر في (تاريخ مدينة دمشق ترجمة الإمام الحسن بن علي عليهما السلام) (ص 183 ط بيروت) قال: أخبرنا أبو محمد السلمي، أنبأنا أبو بكر الخطيب. (حيلولة) وأخبرنا أبو القاسم إسماعيل بن أحمد، أنبأنا أبو بكر ابن الطبري قالا: أنبأنا أبو الحسين بن الفضل، أنبأنا عبد الله بن جعفر، أنبأنا يعقوب، أنبأنا سعيد بن منصور، أنبأنا عون بن موسى قال: سمعت هلال بن خباب يقول: قال فلان: جمع الحسن بن علي رؤوس أهل العراق في هذا القصر - وأومأ بيده إلى قصر المدائن - فقال: يا أهل العراق لو لم تذهل نفسي عنكم إلا لثلاث لذهلت مقتلكم أبي ومطعنكم إياي واستلابكم ثقلي - أو ردائي عن عاتقي، شك عون - وإنكم قد بايعتموني أن تسالموا من سالمت، وتحاربوا من حاربت، وإني قد بايعت معاوية فاسمعوا له وأطيعوا. ثم قام فدخل القصر وأغلق الباب دونهم. قال: وأنبأنا يعقوب أنبأنا عبيد الله بن موسى، أنبأنا سكين بن عبد العزيز، أنبأنا أبو العلاء هلال بن خباب، حدثني خالد بن جابر، عن أبيه قال: سمعت الحسن بن علي يقول: يا أهل الكوفة لو لم تذهل نفسي عنكم إلا لثلاث لذهلت: انتهابكم ثقلي وقتلكم أبي وطعنكم في فخذي.

ص 486

ومنهم العلامة المؤرخ محمد بن مكرم المشتهر بابن منظور المتوفى 711 في (مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر) (ج 7 ص 36 ط دار الفكر) قال: حدث هلال بن خباب عن فلان قال: جمع الحسن بن علي رؤوس أهل العراق في قصر المدائن فقال: يا أهل العراق، لو لم تذهل نفسي عنكم إلا لثلاث لذهلت: مقتلكم أبي، ومطعنكم بطني، واستلابكم ثقلي أو ردائي عن عاتقي، وإنكم قد بايعتموني أن تسالموا من سالمت، وتحاربوا من حاربت، وإني قد بايعت معاوية فاسمعوا له وأطيعوا، ثم قام فدخل القصر وأغلق الباب دونهم.

ص 487

ومن خطبة أخرى له عليه السلام

نقلها الفاضل المعاصر الشيخ أبو إسحاق الحويني الأثري حجازي بن محمد بن شريف في (تهذيب خصائص الإمام علي - للحافظ النسائي) (ص 32 ط دار الكتب العلمية - بيروت) قال: أخبرنا إسحاق بن إبراهيم بن راهويه، أخبرنا النضر بن شميل قال: أخبرنا يونس، عن أبي إسحاق، عن هبيرة بن يريم قال: جمع الناس الحسن بن علي، وعليه عمامة سوداء - لما قتل أبوه - فقال: لقد كان قتلتم بالأمس رجلا ما سبقه الأولون ولا يدركه الآخرون، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، ويقاتل جبريل عن يمينه وميكائيل عن يساره، ثم لا ترد رايته حتى يفتح الله عليه، ما ترك دينارا ولا درهما، إلا تسعمائة أخذها عياله من عطاء كان أراد أن يبتاع بها خادما لأهله. ومنهم الحافظ الشيخ محمد بن حبان المتوفى سنة 354 في كتابه (الثقات) (ج 2 ص 304) ط دائرة المعارف العثمانية في حيدر آباد) قال: ثم قام الحسن بعد دفن أبيه خطيبا في الناس، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: والله لقد مات فيكم رجل ما سبقه الأولون ولا يدركه الآخرون، لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليبعثه بالبعث ويعطيه الراية فما يرجع حتى يفتح الله عليه، يقاتل جبرئيل عن

ص 488

يمينه وميكائيل عن يساره، ولا ترك بيضاء ولا صفراء إلا سبعمائة درهم فضلت من عطائه أراد أن يبتاع بها خادما.

ص 489

خطبة له عليه السلام في مجلس معاوية

قد تقدم نقلها عن الأعلام في ج 11 ص 195، ونستدرك هيهنا عمن لم نرو عنهم هناك: فمنهم العلامة أحمد بن محمد بن أحمد الخافي الحسيني الشيرازي في (التبر المذاب) (ص 65) قال: ووفد الحسن بن علي إلى معاوية فقال له يوما: أبا محمد اصعد المنبر وعظنا، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه وذكر النبي صلى الله عليه وسلم وصلى عليه، ثم قال: أيها الناس من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فأنا الحسن سيد شباب أهل الجنة ابن علي بن أبي طالب أخي رسول الله وابن عمه وابن سيدة النساء فاطمة بنت رسول الله (ص)، وأنا ابن رسول الله، أنا ابن صاحب الفضائل، أنا ابن صاحب المعجزات والدلائل، وصيتي إليكم أن لا تشركوا بالله شيئا، ومحمدا صلى الله عليه وسلم فلا تضيعوا سنته، أقيموا هذين العمودين وخلاكم ذم. أوصيك يا معاوية بأن تخفض للرعية جناحك، وألن لهم جانبك، وابسط لهم وجهك، وآس بينهم في اللحظة والنظرة، حتى لا يطمع العظماء في حيفك عليهم ولا ييأس الضعفاء من عدلك، فإن الله تعالى مسائلك عن الصغيرة من أعمالك والكبيرة من أفعالك الظاهرة والمستورة، فإن يعذب فأنت أظلم وأن يعفوا فهو أكرم.

ص 490

واعلم أن المتقين ذهبوا بعاجل الدنيا وآجل الآخرة، فشاركوا أهل الدنيا في دنياهم ولم يشاركهم أهل الدنيا في آخرتهم، سكنوا الدنيا بأفضل ما سكنت، وأكلوها بأفضل ما أكلت، فحظوا من الدنيا بأفضل ما حظي به المترفون، وأخذوا منها أفضل ما أخذه الجبابرة المتكبرون، ثم انقلبوا عنها بالزاد المبلغ والمتجر الرابح، أصابوا لذة زهد الدنيا في دنياهم وتيقنوا أنهم جيران الله غدا في آخرتهم، لا ترد لهم دعوة ولا ينقص لهم نصيب من لذة. واحذر الموت وقربه وأعد له عدته، فإنه يأتي بأمر عظيم وخطب جليل، بخير لا يكون معه شر أبدا، وشر لا يكون معه خير أبدا، فما أقرب إلى الجنة من عمل لها، وما أقرب إلى النار من عالها. واعلم أنكم طرداء الموت، إن أقمتم له أخذكم، وإن فررتم منه أدرككم وهو ألزم لكم من ظلمكم، فإنه معقود بنواصيكم، والدنيا تطوى من خلفكم، واحذروا نارا قعرها بعيد وحرها شديد وعذابها حديد، دار ليس فيها رحمة، ولا يسمع فيها دعوة، ولا يفرج فيها كربة، ولا يرحم فيها عبرة، وإن استطعتم أن يشتد خوفكم من الله وأن يحسن ظنكم به فاجمعوا بينهما، فإن العبد إنما يكون حسن ظنه بربه على قدر خوفه منه، وإن أحسن الناس ظنا بالله أشدهم خوفا له. واعلم يا معاوية أني صالحتك على أن تخالف نفسك وتناصح دينك ولا تسخط الله برضى أحد من خلقه، فإن لله خلفا من غيره وليس من الله خلف في غيره، وصل الصلاة لوقتها الموقت لها، ولا تعجل وقتها لفراغ ولا تؤخرها عن وقتها لاشتغال، واعلم أن كل شيء من عملك تبع صلاتك، فإنه لا سواء إمام الهدى وإمام الردى وولي النبي وعدو النبي، ولقد سمعت جدي رسول الله (ص) يقول: إني لا أخاف أمتي مؤمنا ولا مشركا، أما المؤمن فيمنعه الله بإيمانه، وأما المشرك فيمنعه الله بشركه، ولكني أخاف عليكم كل منافق الجنان عالم اللسان، يقول ما تعرفون ويفعل ما تنكرون، فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور.

ص 491

واعلم يا معاوية أن الله سبحانه وتعالى جعل الدنيا لما بعدها، وابتلى فيها أهلها ليعلم أيهم أحسن عملا، ولسنا للدنيا خلقنا ولا للاشتغال بها أمرنا، وإنما وضعنا فيها لنبتلى بها، وقد ابتلاني بك - وابتلاك بي، وجعل أحدنا حجة على الآخر، فعدوت على طلب الدنيا وطلبت ما ليس لك بحق ولا لأهلك، فأحببت الألفة والاصلاح وإطفاء النائرة وجمع الكلمة على شروط شرطها عليك، فاتق الله في نفسك ونازع الشيطان قيادك واصرف إلى الآخرة وجهك، فهي طريقنا وطريقك، واحذر أن تخالف ما شرطته عليك فيصيبك منه بعاجل قارعة تمس الأصل وتقطع الدابر، فإني أولى بالله غير فاجرة، لأن خالفت المشروط عليك لا جمعتني وإياك جوامع الأقدار حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين. وأنا أسأل الله بسعة رحمته وعظيم قدرته على إعطاء كل رغبة أو يوفقني وإياك لما فيه رضاه من الإقامة على العذر الواضح إليه وإلى خلقه مع حسن الثناء في العباد وجميل الأثر في البلاد وتمام النعمة وتضعيف الكرامة، وأن يختم لنا بالسعادة والشهادة، إنا لله راغبون والسلام على جدي رسول الله وآله الطيبين وسلم كثيرا. وقد ذكر بعض خطبه عليه السلام الفاضل المعاصر الدكتور محمد ماهر حمادة في كتابه (الوثائق السياسية والإدارية العائدة للعصر الأموي) (ص 36 ط مؤسسة الرسالة - بيروت) قال: إن الحسن بن علي خطب بعد قتل أبيه وقال: أيها الناس من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا الحسن بن محمد صلى الله عليه وسلم، أنا ابن البشير، أنا ابن النذير، أنا ابن الداعي إلى الله عز وجل بإذنه. وقال أيضا في ص 76: قال الحسن بن علي: لقد قبض في هذه الليلة رجل لم يسبقه الأولون بعمل ولا يدركه الآخرون بعمل.

ص 492

ولقد كان يجاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقيه بنفسه، ولقد كان يوجهه برايته فيكتنفه جبرائيل عن يمينه وميكائيل عن يساره فلا يرجع حتى يفتح الله عليه، ولقد توفي في هذه الليلة التي عرج فيها بعيسى بن مريم، ولقد توفي فيها يوشع بن نون وصي موسى، وما خلف صفراء ولا بيضاء إلا سبعمائة درهم بقيت من عطائه أراد أن يبتاع بها خادما لأهله. ثم خنقته العبرة فبكى وبكى الناس معه، ثم قال: أيها الناس، من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا الحسن بن محمد صلى الله عليه وآله وسلم، أنا ابن البشير، أنا ابن النذير، أنا ابن الداعي إلى الله عز وجل بإذنه، وأنا ابن السراج المنير، وأنا من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، والذين افترض الله مودتهم في كتابه إذ يقول: (ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا)، فاقتراف الحسنة مودتنا أهل البيت. (مقاتل الطالبين لأبي الفرج الأصفهاني ص 51 - 52). وقال أيضا في ص 78: فشلت المراسلات بين معاوية والحسن من أجل إيجاد حل سلمي للأزمة، واستعد الطرفان للحرب، ووردت الأنباء إلى الحسن أن معاوية صائر إليهم بجيشه، فاتخذ النخيلة معسكرا ودعا الناس إلى اللحاق بذلك المعسكر، وفيما يلي نص تلك الخطبة: قال بعد ما حمد الله وأثنى عليه: أما بعد فإن الله كتب الجهاد على خلقه وسماه كرها، ثم قال لأهل الجهاد من المؤمنين (واصبروا إن الله مع الصابرين). فلستم أيها الناس بنائلين ما تحبون إلا بالصبر على ما تكرهون، إنه بلغني أن معاوية بلغه أنا كنا أزمعنا على المسير إليه فتحرك لذلك، فاخرجوا - رحمكم الله - إلى معسكركم بالنخيلة حتى ننظر وتنظروا ونرى وتروا. وقال أيضا في ص 79:

ص 493

خطبة للحسن لما بلغه تسلل فريق كبير من أشياعه إلى معاوية

بلغ الحسن أن أصحابه كارهون الخروج إلى القتال، وبلغه أيضا أن فريقا من أصحابه تسللوا إلى معاوية، فخطب الناس فقال: خالفتما أبي حتى حكم وهو كاره، ثم دعاكم إلى قتال أهل الشام بعد التحكيم فأبيتم حتى صار إلى كرامة الله، ثم بايعتموني على أن تسالموا من سالمني وتحاربوا من حاربني، وقد أتاني أن أهل الشرف منكم قد أتوا معاوية وبايعوه، فحسبي منكما لا تغروني عن ديني ونفسي. وقال أيضا في ص 80 من خطبة عليه السلام: أيها الناس، إنما نحن أمراؤكم وضيفانكم، ونحن أهل بيت نبيكم الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطيرا. وكرر ذلك حتى ما بقي في المجلس إلا من بكى حتى سمع نشيجه. (الكامل في التاريخ لابن الأثير 3 ج‍ 204) وقال أيضا في ص 80: خطب الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إنا والله ما يثنينا عن أهل الشام شك ولا ندم، وإنما كنا نقاتل أهل الشام بالسلامة والصبر، فشيمت السلامة بالعداوة والصبر بالجزع، وكنتم في مسيركم إلى صفين دينكم أمام دنياكم، وأصبحتم اليوم ودنياكم أمام دينكم. ألا وقد أصبحتم بين قتيلين: قتيل بصفين تبكون له، وقتيل بالنهروان تطلبون بثأره، وأما الباقي فخاذل وأما الباكي فثائر. ألا وإن معاوية دعانا لأمر ليس فيه عز ولا نصفة فإن أردتم الموت رددناه عليه وحاكمناه إلى الله عز وجل بظباء السيوف، وإن أردتم الحياة قبلناه واخترنا لكم الرضا. (الكامل في التاريخ لابن الأثير 3 ج‍ 203 - 204).

ص 494

وقال أيضا في ص 82: من خطب الحسن في أيامه في بعض مقاماته قوله: نحن حزب الله المفلحون، وعترة رسول الله صلى الله عليه وسلم الأقربون، وأهل بيته الطاهرون الطيبون، وأحد الثقلين اللذين خلفهما رسول الله صلى الله عليه وسلم، والثاني كتاب الله فيه تفصيل كل شيء لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، والمعول عليه في كل شيء، لا يخطئنا تأويله بل نتيقن حقائقه فأطيعونا فإن طاعتنا مفروضة إذ كانت بطاعة الله والرسول وأولي الأمر مقرونة (فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول.. ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذي يستنبطونه منهم). وأحذركم الاصغاء لهتاف الشيطان إنه لكم عدو مبين، فتكونون كأوليائه الذين قال لهم (لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم فلما تراءت الفئتان نكص على عقبيه وقال إني برئ منكم إني أرى ما لا ترون)، فتلقون للرماح أزرا وللسيوف جزرا وللعمد خطأ وللسهام عرضا (ثم لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا). (مروج الذهب للمسعودي 3 ج 9 - 10). وخطبة الحسن بطلب من معاوية وذلك بعد أن تنازل له عن الخلافة: تم الصلح بين الحسن ومعاوية وتنازل الحسن له عن الخلافة وسمي ذلك العام عام الجماعة ودخل معاوية الكوفة، واجتمع الناس في المسجد الجامع، فطلب معاوية من الحسن أن يخطب في الجمهور، فامتنع فناشده أن يفعل، فوضع له كرسي فجلس عليه ثم قال: الحمد لله الذي توحد في ملكه، وتفرد في ربوبيته، يؤتي الملك من يشاء وينزعه عمن يشاء، والحمد لله الذي أكرم بنا مؤمنكم، وأخرج من الشرك أولكم، وحقن دماء آخركم، فبلاؤنا عندكم قديما وحديثا أحسن البلاء إن شكرتم أو كفرتم. أيها الناس، إن رب علي كان أعلم بعلي حين قبضه إليه، ولقد اختصه بفضل لم

ص 495

تعتدوا مثله ولم تجدوا مثل سابقته، فهيهات هيهات! طالما قلبتم له الأمور حتى أعلاه الله عليكم وهو صاحبكم وعدوكم في بدر وأخواتها، جرعكم رنقا وسقاكم علقا وأذل رقابكم وأشرقكم بريقكم فلستم بملومين على بغضه. وأيم الله لا ترى أمة خفضا ما كانت سادتهم وقادتهم في بني أمية، ولقد وجه الله إليكم فتنة لن تصدروا عنها حتى تهلكوا لطاعتكم طواغيتكم وانطوائكم على شياطينكم، فعند الله أحتسب ما مضى وما ينتظر من سوء دعتكم وحيف حكمكم. ثم قال: لقد فارقكم بالأمس سهم من مرامي الله صائب على أعداء الله، نكال على فجار قريش لم يزل آخذا بحناجرها جاثما على أنفاسها، ليس بالملومة في أمر الله ولا بالسروقة لمال الله ولا بالفروقة في حرب أعداء الله. أعطى الكتاب خواتمه وعزائمه، دعاه فأجابه وقاده فاتبعه (لا تأخذه في الله لومة لائم فصلوات الله عليه ورحمته). ثم نزل. (شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 4 ج‍ - 695). وقال أيضا في ص 84: خطبة للحسن ردا على خطبة لمعاوية نال فيها من علي: لما بويع معاوية خطب فذكر عليا فنال منه ونال من الحسن، فقام الحسين ليرد عليه فأخذ الحسن بيده فأجلسه، ثم قام فقال: أيها الذاكر عليا: أنا الحسن وأبي علي وأنت معاوية وأبوك صخر وأمي فاطمة وأمك هند، وجدي رسول الله وجدك عتبة بن ربيعة، وجدتي خديجة وجدتك قتيلة، فلعن الله أخملنا ذكرا وألأمنا حسبا وشرفا قديما وحديثا وأقدمنا كفرا ونفاقا. فقال طوائف من المسجد آمين. (شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 4 ج - 706). وقال أيضا في ص 85: خطبة الحسن الوداعية لأهل الكوفة:

ص 496

لما عزم الحسن على الشخوص إلى المدنية المنورة وترك الكوفة خطب خطبة ودع فيها أهل الكوفة فقال: يا أهل الكوفة، اتقوا الله في جيرانكم وضيفانكم وفي أهل بيت نبيكم صلى الله عليه وسلم الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا. فجعل الناس يبكون. (تاريخ الرسل والملوك للطبري 4 ج‍ - 126). وقال أيضا: خطبة للحسن لما ورد على معاوية زائرا: وفد الحسن على معاوية زائرا، فقال عمرو ابن العاص: إن الحسن رجل أفه، فلو حملته على المنبر فتكلم فسمع الناس كلامه عابوه، فأمره فصعد المنبر فتكلم فأحسن، وكان من كلامه قوله: أيها الناس: لو طلبتم ابنا لنبيكم ما بين جابرس إلى جابلق لم تجدوه غيري وغير أخي (وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين). فساء ذلك عمرا وأراد أن يقطع عليه كلامه فقال: يا أبا محمد هل تنعت الرطب؟ فقال: أجل تلقحه الشمال وتخرجه الجنوب وينضجه برد الليل وحر النهار. قال: يا أبا محمد هل تنعت الخراءة؟ قال: نعم، تبعد المشي في الأرض الصحح حتى تتوارى عن القوم، ولا تستقبل القبلة ولا تستدبرها، ولا تستنجي بالروثة ولا العظم، ولا تبول في الماء الراكد. وأخذ في كلامه. (عيون الأخبار لابن قتيبة 2 ج‍ 172 - 173).

ص 497

من كلمات الإمام الحسن بن علي عليه السلام

ذكرها جماعة من أعلام العامة في كتبهم: فمنهم الفاضل المعاصر محمد رضا أمين مكتبة جامعة فؤاد الأول سابقا في كتابه (الحسن والحسين سبطا رسول الله صلى الله عليه وسلم) (ص 61 ط دار الكتب العلمية - بيروت) قال: وقال رضي الله عنه: حسن السؤال نصف العلم. وقال: من بدأ بالكلام قبل السلام فلا تجيبوه، وسئل عن الصمت. فقال: هو سر العي، وزين العرض، وفاعله في راحة، وجليسه في أمن، وقيل له: إن أبا ذر يقول: الفقر أحب إلي من الغني، والسقم أحب إلي من الصحة. فقال: رحم الله أبا ذر. أما أنا فأقول: من اتكل على حسن اختيار الله، لم يتمن أنه في غير الحالة التي اختارها الله له. وكان الحسن رضي الله عنه يقول: يا ابن آدم، عف عن محارم الله تكن عابدا، وارض بما قسم الله لك تكن غنيا، وأحسن جوار من جاورك تكن مسلما، وصاحب الناس بمثل ما تحب أن يصاحبوك به تكن عادلا. وقيل: سأله أبوه يوما قائلا: يا بني ما السداد؟ فقال: دفع المنكر بالمعروف. قال:

ص 498

فما الشرف؟ قال: اصطناع العشيرة والاحتمال للجريرة. قال: فما السماح؟ قال: البذل في العسر واليسر. قال: فما اللؤم؟ قال: إحراز المرء ماله وبذله عرضه. قال: فما الجبن؟ قال: الجراءة على الصديق والنكول عن العدو. قال: فما الغنى؟ قال: رضى النفس بما قسم الله لها وإن قل. قال: فما الحلم؟ قال: كظم الغيظ وملك النفس. قال: فما المنعة؟ قال: شدة البأس ومنازعة أعز الناس. قال: فما الذل؟ قال: الفزع عند الصدمة. قال: فما الكلفة؟ قال: كلامك فيما لا يعنيك. قال: فما المجد؟ قال: أن تعطي في الغرم تعفو في الجرم. قال: فما السؤدد؟ قال: إتيان الجميل وترك القبيح. قال: فما السفه؟ قال: اتباع الدناءة ومحبة الغواية. قال: فما الغفلة؟ قال: ترك المسجد وطاعة المفسد. وكان يقول: لا أدب لمن لا عقل له، ولا مودة لمن لا همة له، ولا حياء لمن لا دين له. ورأس العقل معاشرة الناس بالجميل، وبالعقل تدرك الداران جميعا. ويقول: هلاك الناس في ثلاث: في الكبر والحرص والحسد. فالكبر هلاك الدين وبه لعن إبليس، والحرص عدو النفس وبه أخرج آدم من الجنة، والحسد رائد السوء ومنه قتل قابيل هابيل. ويقول لبنيه وبني أخيه: تعلموا العلم فإن لم تستطيعوا حفظه فاكتبوه وضعوه في بيوتكم. ومن شعره قوله: اغن عن المخلوق بالخالق * تغن عن الكاذب والصادق واسترزق الرحمن من فضله * فليس غير الله بالرازق من ظن أن الناس يغنونه * قليس بالرحمن بالواثق من ظن أن الرزق من كسبه * زلت به النعلان من حالق

ص 499

ومن كلام له عليه السلام في الناس وترغيبهم إلى فعل المكارم والمعارف وتزهيدهم عن الذمائم والمكاره

رواه جماعة من الأعلام في كتبهم: فمنهم العلامة الخطاط ياقوت المستعصمي في (رسالة آداب وحكم وأخبار وآثار وفقر وأشعار) (ص 54 ط دار المدينة - بيروت بضميمة رسائل أخرى) قال: وقال الحسن عليه السلام: أيها الناس نافسوا في المكارم، وسارعوا في المغانم، ولا تحتسبوا بمعروف لم تعجلوه، ولا تكسبوا بالمطل ذما. واعلموا أن حوائج الناس من نعم الله عليكم فلا تملوا النعم فتحول نقما، وإن أجود الناس من أعطى من لا يرجو، وإن أعفى الناس من عفا عن قدرة، ومن أحسن أحسن الله إليه والله يحب المحسنين.

ص 500

ما أجاب به الإمام الحسن أباه أمير المؤمنين عليهما السلام لما سئله عن أشياء من المرؤة

قد تقدم نقله منا عن الأعلام في ج 11 ص 107، ونستدرك هيهنا عمن لم نرو عنهم هناك: فمنهم العلامة أبو القاسم علي بن الحسن الدمشقي الشافعي الشهير بابن عساكر في (ترجمة الإمام الحسن بن علي عليه السلام من تاريخ مدينة دمشق) (ص 161 ط بيروت) قال: أخبرنا أبو القاسم عبيد الله وأبو الحسن علي ابنا حمزة بن إسماعيل بن حمزة الموسويان، وأبو نصر أحمد بن محمد بن أبي العباس، وأبو جعفر محمد بن علي بن محمد الفقيهان، وأبو نصر عبد الرحمن بن عبد الجبار بن عثمان، وأبو الفتح محمد بن الموفق بن محمد المعدلان، وأبو المظفر عبد الفاطر بن عبد الرحيم بن عبد الله ابن أبي بكر المقرئ قالوا: أنبأنا أبو سهل نجيب بن ميمون بن علي الواسطي، أنبأنا أبو علي منصور بن عبد الله بن خالد الذهلي، أنبأنا أبو بكر أحمد بن سلمان بن الحسن الفقيه ببغداد، قال أنبأنا محمد بن عبد الله بن سليمان، أنبأنا علي بن المنذر، أنبأنا عثمان بن سعيد الزيات، حدثني أبو رجاء الحبطي من أهل تستر، أنبأنا شعبة بن الحجاج، عن أبي إسحاق: عن الحرث أن عليا سأل ابنه الحسن عن أشياء من المروءة؟ [ف] قال: يا بني ما السداد؟ قال: يا أبة دفع المنكر بالمعروف. قال: فما الشرف؟ قال: اصطناع

 

الصفحة السابقة الصفحة التالية

شرح إحقاق الحق (ج26)

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب