ص 551
مخلد بن جعفر، أخبرنا محمد بن أحمد بن إبراهيم الحكيمي، أخبرنا عباس بن محمد،
أخبرنا أسود بن عامر، أخبرنا زهير بن معاوية، أخبرنا أبو روق الهمداني، أخبرنا أبو
الغريف [عبيد الله بن خليفة] قال: كنا مقدمة الحسن بن علي اثنى عشر ألفا بمسكن
مستميتين تقطر أسيافنا [دما] من الجد على قتال أهل الشام، وعلينا أبو العمرطة، فلما
جاءنا صلح الحسن بن علي كأننا كسرت ظهورنا من الغيظ، فلما قدم الحسن بن علي الكوفة
قال له رجل منا يقال له أبو عامر سفيان بن ليلى. قال ابن الفضل: سفيان بن الليل
السلام عليك يا مذل المؤمنين. قال: فقال: لا تقل ذاك يا أبا عامر، لست بمذل
المؤمنين، ولكني كرهت أن أقتلكم على الملك. قال ابن عساكر: واللفظ لحديث الحكيمي.
وقال أيضا في ص 203: أنبأنا أبو غالب شجاع بن فارس، حدثنا أبو طالب محمد بن علي
الحربي العشاري، أخبرنا عبد الله بن محمد بن الحي تميمي وأبو عبد الله أحمد بن محمد
بن درست (حيلولة) قال: وأخبرنا علي بن أحمد الملطي، أخبرنا أحمد بن محمد بن درست
قالا: أخبرنا الحسين بن صفوان، أخبرنا ابن أبي الدنيا، أخبرنا عبد الرحمن بن صالح،
أخبرنا محمد بن موسى، عن فضيل من مرزوق قال: أتى مالك بن ضمرة الحسن بن علي فقال:
السلام عليك يا منسخم وجوه المؤمنين. قال: يا مالك لا تفعل ذلك، إني لما رأيت الناس
تركوا ذلك إلى أهله خشيت أن تجتثوا عن وجه الأرض، فأردت أن يكون للدين في الأرض
ناعي. فقال: بأبي أنت وأمي ذرية بعضها من بعض. وفي ترجمته ص 205 قال: وأخبرنا أبو
الحسين محمد بن محمد، وأبو غالب أحمد وأبو عبد الله يحيى، ابنا الحسن قالوا: أنبأنا
محمد بن أحمد بن محمد، أنبأنا محمد بن عبد الرحمن، أنبأنا أحمد
ص 552
ابن سليمان، أنبأنا الزبير بن أبي بكر، حدثني أحمد بن سليمان، عن أبي داوود
الطيالسي، عن شعبة، عن يزيد بن خمير الشامي، عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير الشامي،
عن أبيه قال: قلت للحسن بن علي: إن الناس يزعمون أنك تريد الخلافة؟ قال: كانت جماجم
العرب بيدي يسالمون من سالمت، ويحاربون من حاربت، فتركتها ابتغاء وجه الله تعالى ثم
أثيرها باتياس الحجاز. وقال في ص 157: أخبرنا أبو الحسين ابن فراء، وأبو غالب وأبو
عبد الله ابنا البناء، قالوا: أنبأنا أبو جعفر ابن المسلمة، أنبأنا أبو طاهر
المخلص، أنبأنا أحمد بن سليمان، أنبأنا الزبير بن بكار، قال: وحدثني عمي قال: وروى
ابن عون، عن عمير بن إسحق قال: قال [معاوية] ما تكلم عندي أحد كان أحب إلي إذا تكلم
أن لا يسكت من الحسن بن علي، وما سمعت منه كلمة فحش قط إلا مرة فإنه كان بين الحسين
بن علي وعمرو بن عثمان خصومة في أرض، فعرض الحسين أمرا لم يرضه عمرو، فقال الحسن:
ليس له عندنا إلا ما رغم أنفه. قال: فهذه أشد كلمة فحش سمعتها منه قط. [قال ابن
عساكر:] هذا منقطع [وقد ورد أيضا من غير انقطاع]: وقد أخبرناه أبو بكر محمد بن عبد
الباقي: أنبأنا الحسن بن علي بم علي، أنبأنا محمد بن العباس، أنبأنا أحمد بن معروف،
أنبأنا الحسين بن محمد، أنبأنا محمد بن سعد، أنبأنا إسماعيل بن إبراهيم الأسدي، عن
ابن عون، عن عمير بن إسحاق،، قال: ما تلكم عندي أحد كان أحب إلي إذا تلكم أن لا
يسكت من الحسن بن علي، وما سمعت منه كلمة فحش قط إلا مرة، فإنه كان بين الحسين بن
علي وعمرو بن عثمان بن عفان خصومة في أرض فعرض حسين أمرا لم يرضه عمرو فقال الحسن:
فليس له عندنا إلا ما رغم أنفه. قال: فهذا أشد كلمة فحش سمعتها منه قط. قال:
وأنبأنا الفضل بن دكين، أنبأنا مسافر الجصاص عن رزيق بن سوار، قال: كان
ص 553
بين الحسن بن علي وبين مروان كلام فأقبل عليه مروان فجعل يغلظ له وحسن ساكت، فامتخط
مروان بيمينه فقال له الحسن: ويحك، أما علمت أن اليمين للوجه والشمال للفرج؟ أف لك.
فسكت مروان. وقال في ص 149: أنبأنا أبو غالب شجاع بن فارس، أنبأنا محمد بن علي
الحربي، أنبأنا محمد بن عبد الله الدقاق وأحمد بن محمد العلاف [حيلولة] قال:
وأنبأنا علي بن أحمد الملطي، أنبأنا أحمد بن محمد العلاف، قالا: أنبأنا الحسين بن
صفوان، أنبأنا أبو بكر بن أبي الدنيا، حدثني محمد بن الحسين، أنبأنا عبيد الله بن
محمد التميمي، أنبأنا عبيد الله بن عباس، عن شيخ من بني جمع، عن رجل من أهل الشام
قال: قدمت المدينة فرأيت رجلا جهري كحالة، فقلت: من هذا؟ قالوا: الحسن بن علي. قال:
فحسدت والله عليا أن يكون له ابن مثله. قال: فأتيته فقلت: أنت ابن أبي طالب؟ قال:
إني ابنه. فقلت: بك وبأبيك وبك وأبيك. قال: وازم لا يرد إلي شيئا، ثم قال: أراك
غريبا فلو استحملتنا حملناك، وإن استرفدتنا رفدناك، وإن استعنت بنا أعناك. قال:
فانصرفت والله عنه وما في الأرض أحد أحب إلي منه. ومنهم العلامة أبو العباس محمد بن
يزيد المعروف بالمبرد في (الكامل) (ج 1 ص 235) قال: وذكر ابن عائشة أن رجلا من أهل
الشام قال: دخلت المدينة فرأيت رجلا راكبا على بغلة لم أر أحسن وجها ولا سمتا ولا
ثوبا ولا دابة منه، فمال قلبي إليه، فسألت عنه فقيل لي: هذا الحسن بن علي بن أبي
طالب رضي الله عنهما، فامتلأ قلبي له بغضا - فذكر القصة باختلاف قليل في اللفظ.
ص 554
من عادته عليه السلام أنه كان يقرأ سورة الكهف إذا آوى إلى فراشه

قد تقدم نقله منا
عن بعض الأعلام في ج 11 ص 114، ونستدرك هيهنا عمن لم نرو عنهم هناك: فمنهم العلامة
أبو القاسم علي بن الحسن بابن عساكر الدمشقي الشافعي في (ترجمة الإمام الحسن من
تاريخ مدينة دمشق) (ص 144 ط بيروت) قال: أخبرنا أبو القاسم زاهر بن طاهر، أنبأنا
أبو بكر البيهقي، أنبأنا أبو نصر بن قتادة، أنبأنا أبو الحسن علي بن الفضل بن محمد
بن عقيل، أنبأنا أبو شعيب الحراني، أنبأنا علي بن المديني، أنبأنا جرير بن عبد
الحميد، عن المغيرة، عن أم موسى قالت: كان الحسن بن علي إذا آوى إلى فراشه بالليل
أتى بلوح منقوش فيه سورة الكهف فيقرؤها. قالت: كان يطاف بذلك اللوح معه حيث طاف من
نسائه.
ص 555
قرائة عليه السلام سورة إبراهيم في خطبة يوم الجمعة

رواه جماعة من أعلام العامة في
كتبهم: فمنهم العلامة أبو القاسم علي بن الحسن الدمشقي الشافعي الشهير بابن عساكر
في (ترجمة الإمام الحسن عليه السلام من تاريخ مدينة دمشق) (ص 155 ط بيروت) قال:
أخبرنا أبو بكر الأنصاري، أنبأنا أبو محمد العدل، أنبأنا محمد بن العباس، أنبأنا
أبو الحسن الخشاب، أنبأنا الحسين بن محمد، أنبأنا محمد بن سعد، أنبأنا الفضل بن
دكين، أنبأنا شريك، عن عاصم، عن أبي رزين قال: خطبنا الحسن بن علي يوم الجمعة فقرأ
[سورة] إبراهيم على المنبر حتى ختمها.
ص 556
أمره عليه السلام حين حضرة الوفاة بإخراج فراشه إلى الصحن

قد تقدم نقله منا عن
أعلام القوم في ج 11 ص 173، ونستدرك هيهنا عمن لم نرو عنهم هناك: فمنهم العلامة أبو
القاسم علي بن الحسن الشافعي الشهير بابن عساكر الدمشقي في (ترجمة الإمام الحسن
عليه السلام من تاريخ مدينة دمشق) (ص 212 ط بيروت) قال: أنبأنا أبو علي الحداد،
أنبأنا أبو نعيم الحافظ، أنبأنا سليمان بن أحمد، أنبأنا محمد بن عبد الله الحضرمي،
أنبأنا عثمان بن أبي شيبه، أنبأنا أبو أسامة، عن سفيان بن عيينة، عن رقبة بن مصقلة
قال: لما حضر الحسن بن علي قال أخرجوني إلى الصحراء لعلي أنظر في ملكوت السماء -
يعني الآيات - فلما أخرج قال: اللهم إني أحتسب نفسي عندك فإنها أعز الأنفس علي.
فكان مما صنع الله له أنه احتسب نفسه. [قال ابن عساكر:] كذا قال إلى الصحراء
وهو تصحيف وإنما هو [إلى] الصحن. وأخبرنا [ه] أبو القاسم إسماعيل بن أحمد، أنبأنا
أبو بكر محمد بن هبة الله، أنبأنا أبو الحسين بن بشران، أنبأنا أبو علي ابن صفوان،
أنبأنا أبو بكر ابن أبي الدنيا، حدثني محمد بن عثمان العجلي، أنبأنا أبو أسامة،
حدثني سفيان بن عيينة، عن رقبة بن مصقلة، قال: لما حضر الحسن بن علي قال: أخرجوا
فراشي إلى الصحن حتى أنظر في
ص 557
ملكوت السماوات، فأخرجوه فراشه؟ فرفع رأسه فنظر فقال: اللهم إني أحتسب نفسي عندك
فإنها أعز الأنفس علي. قال: فكان مما صنع الله له أن احتسب نفسه عنده. وأخبرناه أبو
القاسم أيضا، أنبأنا أبو بكر. حيلولة: وأخبرنا أبو محمد بن طاووس، أنبأنا علي بن
محمد بن الأخضر، قالا: أنبأنا أبو الحسين ابن بشران، أنبأنا أبو علي ابن صفوان،
أنبأنا أبو بكر ابن أبي الدنيا، أنبأنا إسحاق بن إسماعيل، حدثني أحمد بن عبد
الجبار، عن سفيان بن عيينة، عن رقبة بن مصقلة قال: لما احتضر الحسن - وقال: ابن
طاووس لما نزل بالحسن بن علي الموت - قال: أخرجوا فراشي إلى صحن الدار. فأخرج فقال
- زاد ابن السمرقندي قال: فرفع رأسه إلى السماء. ثم اتفقا فقالا: [قال:] - اللهم
إني أحتسب نفسي عندك فإني لم أصب بمثلها - وفي حديث ابن السمرقندي: - فإنها أعز
الأنفس علي. ومنهم العلامة الشيخ أحمد بن محمد بن أحمد الحافي (الخوافي) الحسيني
الشافعي في (التبر المذاب) (ص 67) قال: فقال في بعض الأيام: أخرجوا فراشي إلى صحن
الدار، فأخرج، فقال: اللهم إني أحتسب نفسي عندك، فإني لم أصب بمثلها، اللهم إني
أستعديك على معاوية بن أبي سفيان، فإنه صفقة يمينه فبغا علي ونكث العهد والشرط، وقد
دس إلي سما من غير [ما] جرم صدر مني، ولا أثم بلغه عني، إلا أن الدنيا فتحت له حرصا
عليها ولهجا بها، فلم يستغن بما نال فيها عما لم يبلغه منها، ومن وراء ذلك فراق ما
جمع ونقض ما أبرم، ولو اعتبر لمن مضى حفظ ما بقي. اللهم إنه ليس شيء أدعى إلى تغيير
نعمة وتعجيل نقمة من إقامة على ظلم، وإنك اللهم سميع دعوة المظلومين، وأنت للظالمين
بالمرصاد.
ص 558
ومنهم العلامة أبو الوليد إسماعيل بن محمد الإشبيلي في (مناقل الدرر ومناقب الزهر)
(ص 64 مصورة مكتبة جستربيتي) قال: لما سقي الحسن رضي الله عنه السم، رمى كبده
وتناثر شعره، وذهبت عيناه، فلما حضرته الوفاة قال: أخرجوني إلى صحن الدار حتى أنظر
إلى ملكوت السماء، فلما أخرج استقبل القبلة وقال: يا رب خذ مني حتى ترضى، ولا
تؤبخني بين يدي جدي غدا. ثم أغمي عليه فأفاق، وقد شخص بصره وهو يقول: فاز المتقون،
وخسر الأركسون، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون. ومنهم العلامة صارم الدين
إبراهيم بن محمد بن أيدمر بن دقماق المتوفى سنة 809 في (الجوهر الثمين في سيرة
الخلفاء والسلاطين) (ج 1 ص 68 ط عالم الكتب - بيروت) قال: قيل: لما احتضر الحسن -
عليه السلام - قال: أخرجوني أنظر إلى ملكوت السماء. فلما خرج قال: اللهم إني أحتسب
نفسي عندك، فإنها أعز الأنفس علي. وكان مما صنع الله له أنه احتسب نفسه. ومنهم
العلامة جمال الدين يوسف بن عبد الرحمن الكلبي المزي في (تهذيب الكمال) (ج 6 ص 253
ط بيروت) قال: وقال سفيان بن عيينة: عن رقبة بن مصقلة - لما حضر الحسن بن علي –
فذكر الحديث مثل ما تقدم عن كتاب (الجوهر الثمين).
ص 559
بكاؤه عليه السلام من هيبة لقاء الله تعالى

قد تقدم نقله منا عن أعلام القوم ج 11 ص
110، ونستدرك هيهنا عمن لم نرو عنهم هناك: فمنهم العلامة أبو القاسم علي بن الحسن
الشافعي الشهير بابن عساكر الدمشقي في (ترجمة الإمام الحسن عليه السلام من تاريخ
مدينة دمشق) (ص 214 ط بيروت) قال: أخبرنا أبو العز ابن كادش فيما قرأ علي إسناده
وناولني إياه وقال: اروه عني، أنبأنا أبو علي محمد بن الحسين، أنبأنا أبو الفرج
المعافي بن زكريا، أنبأنا محمد بن القاسم الأنباري، أنبأنا محمد بن علي المدائني،
أنبأنا أبو الفضل الهاشمي الربعي، حدثني أحمد بن يعقوب، حدثني المفضل بن غسان بن
المفضل أبي عبد الرحمن الغلابي، حدثني إبراهيم بن علي المطبخي قال: سمعت أبا عبد
الرحمن بن عيسى بن مسلم الحنفي أخا سليم بن عيسى قارئ أهل الكوفة، قال: لما حضرت
الحسن بن علي الوفاة كأنه جزع عند الموت فقال له الحسين كأنه يعزيه: يا أخي ما هذا
الجزع؟ إنك ترد على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى علي وهما أبواك، وعلى خديجة
وفاطمة وهما أماك، وعلى القاسم والطاهر وهما خالاك، وعلى حمزة وجعفر وهما عماك.
فقال له الحسن: أي أخي إني أدخل في أمر من أمر الله لم أدخل في مثله، وأرى خلقا من
خلق الله لم أر مثله قط. قال: فبكى الحسين.
ص 560
وفي ص 215 قال: أخبرنا أبو القاسم علي بن إبراهيم، وأبو الحسن علي بن الحسن، قالا:
أنبأنا أبو الحسين ابن أبي نصر، أنبأنا أبو بكر يوسف بن القاسم، أنبأنا أبو سعيد:
أحمد بن محمد ابن الأعرابي بمكة في ذي الحجة سنة تسع وثلاثمائة. حيلولة: وأخبرنا
أبو بكر وجيه بن طاهر، أنبأنا أبو صالح أحمد بن عبد الملك، أنبأنا علي بن محمد بن
علي، وعبد الرحمن بن محمد بن أحمد، قالا: أنبأنا أبو العباس الأصم، قالا: سمعنا
العباس بن محمد، يقول: سمعت يحيى بن معين، يقول: لما ثقل الحسن بن علي دخل عليه
الحسين، فقال: يا أخي لأي شيء تجزع؟ تقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى
علي بن أبي طالب وهما أبواك، وعلى خديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد وهما أماك، وعلى
حمزة بن عبد المطلب وجعفر بن أبي طالب وهما عماك. قال: يا أخي أقدم على أمر لم أقدم
على مثله. أخبرنا أبو القاسم إسماعيل بن أحمد، أنبأنا محمد بن هبة الله، أنبأنا أبو
الحسين علي ابن محمد بن بشران، أنبأنا الحسين بن صفوان، أنبأنا أبو بكر ابن أبي
الدنيا، حدثني يوسف بن موسى، حدثني مسلم بن أبي حية الرازي، حدثنا جعفر بن محمد، عن
أبيه قال: لما أن حضر الحسن بن علي الموت بكى بكاءا شديدا، فقال هل الحسين: ما
يبكيك يا أخي وإنما تقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى علي وفاطمة وخديجة
وهم ولدوك، وقد أجرى الله لك على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم أنك سيد شباب أهل
الجنة. وقاسمت الله مالك ثلاث مرات، ومشيت إلى بيت الله على قدميك خمس عشرة مرة
حاجا - وإنما أراد أن يطيب نفسه - قال: فوالله ما زاده إلا بكاءا وانتحابا، وقال:
يا أخي إني أقدم على أمر عظيم مهول لم أقدم على مثله قط.
ص 561
ومنهم العلامة المؤرخ محمد بن مكرم المشتهر بابن منظور المتوفى 711 في (مختصر تاريخ
دمشق) (ج 7 ص 40 ط دار الفكر بدمشق) فروى مثل ما تقدم عن ابن عساكر. ومنهم العلامة
الحافظ يحيى بن معين في (تاريخه) (ج 6 ص 6) فروى الحديث مثل ما تقدم عن ابن عساكر.
ص 562
طعنه عليه السلام بخنجر وهو ساجد

قد تقدم نقل منا عن أعلام القوم في ج 11 ص 158،
ونستدرك هيهنا عمن لم نرو عنهم هناك: فمنهم العلامة أبو القاسم علي بن الحسن
الشافعي الشهير بابن عساكر الدمشقي في (ترجمة الإمام الحسن عليه السلام من تاريخ
مدينة دمشق) (ص 173 ط بيروت) قال: أخبرنا أبو غالب ابن البناء، أنبأنا أبو الحسين
ابن الآبنوسي، أنبأنا عبيد الله بن عثمان بن جنيقا الدقاق [ظ] أنبأنا إسماعيل بن
علي، حدثني علي بن محمد بن خالد، أنبأنا سعيد ابن يحيى، حدثني عمي عبد الله، عن
زياد بن عبد الله، عن عوانة بن الحكم، قال: بايع أهل العراق الحسن بن علي فسار حتى
نزل المدائن وبعث قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري على المقدمات [كذا] وهم اثنا عشر
ألفا، وكانوا يسمون شرطة الخميس. قال: وأنبأنا الخطبي حدثني علي بن محمد، عن سعيد
بن يحيى عن عمه عبد الله، عن زياد بن عبد الله، عن عوانة بن الحكم قال: بينا الحسن
بالمدائن إذ نادى مناد في عسكر الحسن: ألا إن قيس بن سعد بن عبادة قد قتل: فانتهب
الناس سرادق الحسن حتى نازعوه بساطا تحته ووثب على الحسن رجل من الخوارج من بني أسد
فطعنه بالخنجر، ووثب الناس على الأسدي فقتلوه. ثم خرج الحسن حتى نزل القصر الأبيض
بالمدائن.
ص 563
قال عوانة: ثم قام الحسن - فيما بلغني - في الناس فقال: يا أهل العراق إنه سخي
بنفسي عنكم ثلاث: قتلكم أبي وطعنكم إياي وانتهابكم متاعي. وقال أيضا في ص 180:
أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الباقي، أنبأنا أبو محمد الجوهري، أنبأنا محمد بن
العباس، أنبأنا أحمد بن معروف، أنبأنا محمد بن سعد، أنبأنا هشام أبو الوليد
[الطيالسي] أنبأنا أبو عوانة، عن حصين عن أبي جميلة [ميسرة بن يعقوب] أن الحسن بن
علي لما استخلف حين قتل علي. فبينما هو يصلي إذ وثب عليه رجل فطعنه بخنجر، وزعم
حصين أنه بلغه أن الذي طعنه رجل من بني أسد وحسن ساجد. قال حصين: - وعمي أدرك ذاك.
قال: فيزعمون أن الطعنة وقعت في وركه فمرض منها أشهرا ثم برأ فقعد على المنبر فقال:
يا أهل العراق اتقوا الله فينا فإنا أمراءكم وضيفانكم الذين قال الله عز وجل: (إنما
يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) [الأحزاب: 33]. قال: فما زال
يقول ذاك حتى ما رئي أحد من أهل المسجد إلا وهو يخن بكاءا. (1)
ص 573
نرجوا أن يمكنا الله منهم. فسار الحسن إلى أهل الشام وجعل على مقدمته قيس بن سعد
ابن عبادة في اثني عشر ألفا وكانوا يسمون شرطة الخميس. وقال غيره: وجه إلى الشام
عبيد الله بن العباس ومعه قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري فسار فيهم قيس حتى نزل مسكن
والأنبار وناحيتها، وسار الحسن حتى نزل المدائن وأقبل معاوية في أهل الشام يريد
الحسن حتى نزل جسر منبج، فبينا الحسن بالمدائن إذ نادى مناد في عسكره: ألا إن قيس
بن سعد قد قتل. قال: فشد الناس على حجرة الحسن فانتهبوها حتى انتهبت بسطه وجواريه
وأخذوا رداءه من ظهره!! وطعنه رجل من بني أسد يقال له: ابن أقيصر بخنجر مسموم في
إليته، فتحول من مكانه الذي انتهب فيه متاعه ونزل الأبيض -: قصر كسرى - وقال: عليكم
لعنة الله من أهل قرية فقد علمت أنه لا خير فيكم قتلتم أبي بالأمس واليوم تفعلون بي
هذا؟! ثم دعا عمرو بن سلمة الأرحبي فأرسله وكتب معه إلى معاوية بن أبي سفيان يسأله
الصلح ويسلم له الأمر على أن يسلم له ثلاث خصال: يسلم له بيت المال فيقضي منه دينه
ومواعيده التي عليه ويتحمل منه هو ومن معه من عيال أبيه وولده وأهل بيته، ولا يسب
علي وهو يسمع، وأن يحمل إليه خراج (فسا) و(دار ابجرد) من أرض فارس كل عام إلى
المدينة ما بقي. فأجابه معاوية إلى ذلك وأعطاه ما سأل. ويقال: بل أرسل الحسن بن علي
عبد الله بن الحرث بن نوفل إلى معاوية حتى أخذ له ما سأل وأرسل معاوية عبد الله بن
عامر بن كريز وعبد الرحمن بن سمرة بن حبيب بن عبد شمس فقدما المدائن إلى الحسن
فأعطياه ما سأل وما أراد. ووثقا له، فكتب إليه الحسن أن أقبل، فأقبل من جسر منبج
إلى مسكن في خمسة أيام وقد دخل اليوم السادس فسلم إليه الحسن الأمر وبايعه. ثم سارا
جميعا حتى قدما الكوفة فنزل الحسن القصر ونزل معاوية النخيلة فأتاه الحسن في عسكره
غير مرة، وفي معاوية للحسن بيت المال وكان فيه يومئذ سبعة آلاف درهم، واحتملها
الحسن وتجهز بها هو وأهل بيته إلى المدينة، وكف معاوية عن سب علي والحسن يسمع.
ص 574
ودس معاوية إلى أهل البصرة فطردوا وكيل الحسن فقالوا: لا تحمل فيئنا إلى غيرنا -
يعنون خراج (فسا) و(دارابجرد) فأجرى معاوية على الحسن كل سنة ألف ألف درهم، وعاش
الحسن بعد ذلك عشر سنين. ومنهم العلامة المؤرخ محمد بن مكرم المشتهر بابن منظور
المتوفى 711 في (مختصر تاريخ دمشق) لابن عساكر 9 (ج 7 ص 34 ط دار الفكر) قال: وأقبل
معاوية في أهل الشام يريد الحسن حتى نزل جسر منبج، فبينا الحسن بالمدائن إذ نادى
مناد في عسكره: ألا إن قيس بن سعد قد قتل - فذكر مثل ما تقدم عن ابن عساكر. ومنهم
الحافظ الشيخ محمد بن حبان بن أبي حاتم التميمي البستي المتوفى سنة 356 في (الثقات)
(ج 2 ص 305 ط حيدر آباد (الهند) قال: قال أبو حاتم: ولي أهل الكوفة بعد علي بن أبي
طالب الحسن بن علي، ولما اتصل الخبر بمعاوية ولي أهل الشام معاوية بن أبي سفيان،
واسم أبي سفيان صخر بن حرب ابن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، وأم معاوية عند بنت
عتبة بن ربيعة بن عبد شمس، فكان معاوية نافذ الأمور بالشام والأردن وفلسطين ومصر،
وكان الحسن بن علي يمشي الأمور بالعراق إلى أن دخلت سنة إحدى وأربعين، فاحتال
معاوية في الحسن بن علي وتلطف له، وخوفه هراقة دماء المسلمين وهتك حرمهم وذهاب
أموالهم إن لم يسلم الأمر لمعاوية، فاختار الحسن ما عند الله على ما في الدنيا وسلم
الأمر إلى معاوية يوم الاثنين لخمس ليال بقين من ربيع الأول سنة إحدى وأربعين،
واستوى الأمر لمعاوية حينئذ، وسميت هذه السنة سنة الجماعة.
ص 575
ومنهم الفاضل المعاصر الدكتور محمد ماهر حمادة في (الوثائق السياسية والإدارية
العائدة للعصر الأموي) (ص 96 ط مؤسسة الرسالة - بيروت) قال: 27 - نص الصلح بين
معاوية والحسن: لما رأى الحسن تفرق أصحابه وخذلانهم إياه راسل معاوية في الصلح وشرط
شروطا وقال له: إن أنت أعطيتني هذا فأنا سميع مطيع وعليك أن تفي به. وكان معاوية قد
أرسل إلى الحسن ورقة بيضاء وختم في أسفلها وكتب إليه اشترط في هذه الصحيفة ما شئت
فهو لك. وكان الشرائط: أن لا يأخذ أحدا من أهل العراق بإحنة، وأن يؤمن الأسود
والأحمر ويحتمل ما يكون من هفواتهم، وأن يجعل له خرج الأهواز مسلما في كل عام. وأن
يحمل إلى أخيه الحسين في كل عام ألفي ألف درهم، ويفضل بني هاشم في العطاء على بني
عبد شمس.
ص 576
شهادته عليه السلام بالسم وكتمانه لاسم قاتله

قد تقدم نقل ذلك عن كتب العامة في ج
11 ص 169 وج 19 ص 335، ونستدرك هيهنا عن الكتب التي لم نرو عنها فيما سبق: فمنهم
العلامة أبو العرب محمد بن أحمد بن تميم بن تمام بن تميم التميمي القيرواني المغربي
المالكي المولود سنة 251 والمتوفى سنة 333 في كتابه (المحن) (ص 143 ط دار الغرب
الإسلامي في بيروت سنة 1403) قال: قال أبو العرب التميمي: فأما وفاة الحسن بن علي
وكيف خرج وكيف سم، فحدثني محمد بن أبي القاسم الأندلسي عن عبد الرحمن بن صالح العكي
ومحمد بن عثمان العجلي قالا: حدثنا أبو أسامة عن ابن عون عن عمير بن إسحاق قال:
دخلت أنا ورجل من قريش على الحسن بن علي، فقال فدخل في المحدج ثم خرج وقال: لقد
لفظت طائفة من كبدي أقلبها بهذا العود، ولقد سقيت السم مرارا وما سقيت مرة أشد من
هذه. قال: وجعل يقول لذلك الرجل: سلني قبل أن تسألني، قال: ما أسألك شيئا يعافيك
الله، قال: فخرجنا من عنده ثم عندنا إليه من غد وقد أخذ في الشرق، فجاء الحسين فجلس
عنده رأسه فقال: أي أخي، من صاحبك؟ قال: تريد قتله، قال: نعم. قال: لئن كان صاحبي
الذي أظن الله له أشد نقمة، وإن لم يكن به، ما أحب أن يقتل بي بريئا.
ص 577
ومنهم العلامة الشيخ أحمد بن محمد بن أحمد الحافي (الخوافي) الحسيني الشافعي في
(التبر المذاب) (ص 67) قال: وروي عن عمران بن إسحاق قال: دخلت أنا ورجل على الحسن
بن علي (ع) نعود فقال: يا فلان سلني. فقلت: لا والله يا بن رسول الله لا أسألك حتى
يعافيك الله ثم أسألك. قال: ألقيت طائفة من كبدي ولقد سقيت السم مرارا فلم اسق مثل
هذه المرة. ثم دخلت عليه من الغد وهو يجود بنفسه والحسين عند رأسه وهو يقول: اللهم
إني أحتسب نفسي عندك فإنك أشد بأسا وأشد تنكيلا على من فعله بي وكان سببا فيه،
اللهم أني لا أشكوه إلا إليك ولا أخاصمه إلا بين يديك. ثم مضى لسبيله سلام الله
عليه ورحمته ورضوانه لخمس خلون من شهر ربيع الأول سنة تسع وأربعين من الهجرة، ودفن
بالبقيع مع عم أبيه العباس بن عبد المطلب، وكانت تحته الجعدة بنت الأشعث بن قيس
الكندي، وهي التي سمته بسم أرسلته إليها معاوية وأوعدها بتزويج ابنه يزيد، وذلك
بإشارة عمر بن العاص في أبياته المذكورة آنفا. فلما قضى طلبت معاوية يزيد، فأرسل
إليها: إنك لم تحفظي رسول الله صلى الله عليه وسلم في ولده فكيف يزيد، فخسرت الدنيا
والآخرة ذلك هو الخسران المبين. ومنهم العلامة الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن
الشافعي ابن عساكر في (تاريخ دمشق - ترجمة الإمام الحسن بن علي عليهما السلام) (ص
207 ط بيروت) قال: أخبرنا أبو القاسم إسماعيل بن أحمد، أنبأنا أبو بكر محمد بن هبة
الله، أنبأنا أبو الحسين علي بن محمد بن عبد الله، أنبأنا أبو علي الحسين بن صفوان،
أنبأنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبيد، أنبأنا عبد الرحمن بن صالح العتكي ومحمد
بن عثمان العجلي، قالا: أنبأنا أبو أسامة، عن ابن عون، عن عمير بن إسحاق، قال: دخلت
أنا ورجل من قريش على الحسن بن علي، فقام فدخل المخرج ثم خرج فقال: لقد لفظت
ص 578
من كبدي أقلبها بهذا العود، ولقد سقيت السم مرارا وما سقيته مرة هي أشد من هذه.
قال: وجعل يقول لذلك الرجل: سلني قبل أن لا تسألني. قال: ما أسألك شيئا [حتى]
يعافيك الله. قال: فخرجنا من عنده ثم عدت إليه من غد وقد أخذ في السوق فجاء حسين
حتى قعد عند رأسه فقال: أي أخي من صاحبك؟ قال: تريد قتله؟ قال: نعم. قال: لئن كان
صاحبي الذي أظن [فا] لله أشد له نقمة وإن لم يكنه فما أحب أن تقتل بي بريئا. وقال ص
208: أخبرنا أبو بكر الأنصاري، أنبأنا الحسن بن علي الشاهد، أنبأنا محمد بن العباس،
أنبأنا أحمد بن معروف، أنبأنا الحسين بن محمد، أنبأنا محمد بن سعد، أنبأنا إسماعيل
بن إبراهيم، عن ابن عون، عن عمير بن إسحاق، قال: دخلت أنا وصاحب لي على الحسن ابن
علي نعوده فقال لصاحبي: يا فلان سلني. قال: ما أنا بسائلك شيئا. ثم قام من عندنا
فدخل كنيفا له ثم خرج فقال: أي فلان سلني قبل أن لا تسألني فإني والله لقد لفظت
طائفة من كبدي قد قلبتها بعود كان معي وإني قد سقيت السم مرارا فلم أسق مثل هذا قط
فسلني. فقال: ما أنا بسائلك شيئا حتى يعافيك الله إن شاء الله. قال عمير: ثم خرجنا
من عنده، فلما كان الغد أتيته وهو يسوق، فجاء الحسين فقعد عند رأسه، فقال: أي أخي
أنبئني من سقاك؟ قال: لم؟ أتقتله؟ قال: نعم. قال: ما أنا بمحدثك شيئا، إن يك صاحبي
الذي أظن فالله أشد نقمة، وإلا فوالله لا يقتل بي برئ. أنبأنا أبو علي الحداد،
أنبأنا أبو نعيم، أنبأنا محمد بن علي، أنبأنا أبو عروبة الحراني، أنبأنا سليمان بن
عمر بن خالد، أنبأنا ابن علية، عن ابن عون، عن عمير بن إسحاق، قال: دخلت أنا ورجل
على الحسن بن علي نعوده فقال: يا فلان سلني. قال: ولا والله لا نسألك حتى يعافيك
الله ثم نسألك. قال: ثم دخل ثم خرج إلينا فقال: سلني قبل أن لا تسألني. قال: بل
يعافيك الله ثم أسألك. قال: لقد ألقيت طائفة من كبدي وإني قد
ص 579
سقيت السم مرارا فلم أسق مثل هذا المرة. [قال] ثم دخلت عليه من الغد وهو يجود بنفسه
والحسين عند رأسه قال: يا أخي من تتهم؟ قال: لم لتقتله؟ قال: نعم. قال: إن يكن الذي
أظن فالله أشد بأسا وأشد تنكيلا، وإلا يكون فما أحب أن يقتل بي برئ. ثم قضى. ومنهم
العلامة شمس الدين أبو البركات محمد الباعوني الشافعي في كتاب (جواهر المطالب في
مناقب الإمام أبي الحسنين علي بن أبي طالب) (ص 120 والنسخة مصورة من المكتبة
الرضوية بخراسان) قال: وعن عمر بن إسحاق، قال: دخلت أنا ورجل على الحسن نعوده،
فقال: قد ألقيت قطعة من كبدي، وإني سقيت السم مرارا فلم أسق مثل هذه المرة. ثم دخلت
عليه من الغد وهو يجود بنفسه والحسين رضي الله عند رأسه وهو يقول: يا أخي لمن تتهم؟
قال: ولم، وتريد قتله، لا والله إن كان الذي أظن فالله أشد بأسا وأشد تنكيلا، وإن
لم يكن فما أحب أن تقتل بريئا. ثم قضى نحبه رضوان الله عليه وسلامه ورحمته. ومنهم
صاحب كتاب (مختار مناقب الأبرار) (ص 101 نسخة مخطوطة مكتبة جستربيتي) قال: قال
الإمام الحسن بن علي عليهما السلام: لقد لفظت طائفة من كبدي أقبلها بهذا العود،
ولقد سقيت السم مرارا وما سقيته مرة هي أشد من هذه. ثم جاء حسين فقال: أي أخي من
صاحبك؟ قال: تريد قتله؟ قال: نعم. قال: لئن كان صاحبي الذي أظن الله أشد له نقمة،
وإن لم يكن هو ما أحب أن يقتل بريئا. ثم قبض.
ص 580
رسالة معاوية إلى جعدة بنت الأشعث وطلبه منها أن تسقي الإمام المجتبى زوجها السم

درواها جماعة من أعلام العامة في كتبهم: فمنهم الفاضل المعاصر الدكتور محمد ماهر
حمادة في كتابه (الوثائق السياسية والإدارية العائدة للعصر الأموي) (ص 100 ط مؤسسة
الرسالة - بيروت) قال: دس معاوية إلى زوجة الحسن جعدة بنت الأشعث بن قيس رسالة يطلب
منها فيها أن تسقي الحسن السم لقاء إعطائها مائة ألف درهم وتزويجها ابنه يزيد،
وفيما يلي نص الرسالة: إنك إن احتلت في قتل الحسن وجهت إليك بمائة ألف درهم وزوجتك
من يزيد. فكان ذلك الذي دفعها إلى سمه، فلما مات الحسن وفى لها معاوية بالمال وأرسل
إليها يقول: إننا نحب حياة يزيد ولولا ذلك لوفينا لك بتزويجه. ومنهم الفاضل المعاصر
الشريف علي بن الدكتور محمد عبد الله فكري الحسيني القاهري المولود بها 1296
والمتوفى بها أيضا 1372 في (أحسن القصص) (ج 4 ص 209 ط دار الكتب العلمية في بيروت)
قال: بعد أن تم الصلح بين الحسن ومعاوية، وخرج الحسن إلى المدينة أقام بها عشر سنين
ص 581
وسقته زوجته (جعدة بنت الأشعث بن قيس الكندي) السم فبقي مريضا أربعين يوما، وكان قد
سألها يزيد في ذلك وبذل لها مائة ألف درهم، وأن يتزوجها بعد الحسن ففعلت. لما مات
الحسن بعثت إلى يزيد بن معاوية فسألته الوفاء بما وعدها، فقال: إنا لن نرضاك للحسن
أفنرضاك لأنفسنا (وكان ذلك خدعة منه لها). ومنهم العلامة شمس الدين أبو البركات
محمد الباعوني الشافعي في كتاب (جواهر المطالب في مناقب الإمام أبي الحسنين علي بن
أبي طالب) (ص 120 والنسخة مصورة من المكتبة الرضوية بخراسان) قال: قال الإمام ابن
الجوزي في تاريخه المنتظم: والصحيح أن جعدة بنت الأشعث بن قيس - وكانت تحت الحسن -
فدس إليها معاوية أن سمي الحسن وأزوجك يزيد. وكان معاوية قد جعل ولاية العد بعده
للحسن، فسمه ليكون الأمر بعده لابنه يزيد. فلما فعلت ذلك أرسلت إليه تطالبه بما
وعدها عليه وتذكره بالعهد والوفاء، فأجاب لا نفعل وقد فعلت بالحسن ما فعلت فكيف
آمنك على يزيد، وعند الله تجتمع الخصوم والحرب ما زالوا حربا لله ورسوله وذرية نبيه
والله يحكم بينهم بعدله. وكان الحسن ليوضع تحته طشت ويرفع آخر مدة أربعين يوما،
وقال الطبيب: قد قطع السم أمعاءه. ولما مات ارتجت المدينة صياحا وبكاءا ونوحا،
وأقام عليه نساء بني هاشم المآتم شهرا وحددن عليه سنة، وعلى مثله يناح ويبكى، جمع
الله بينه وبين جده بالرفيق الأعلى ورواه من كوثره الأحلى. ومات رضي الله عنه
مسموما، ولم يقنعهم تركه الخلافة لهم. قال أهل التاريخ: والصحيح أن الذي سمته زوجته
جعدة بنت الأشعث بن قيس الكندية، أمرها بذلك يزيد بن معاوية عليه من الله ما
يستحقه.
ص 582
ومنهم العلامة الشيخ عبد الهادي (نجا) الأبياري المصري المعاصر في (جالية الكدر) في
شرح منظومة البرزنجي (ص 197 ط مصر) قال: ثم ارتحل [أي الحسن بن علي] إلى المدينة،
فأقام بها حتى مات مسموما من زوجته جعدة بنت الأشعث، دس إليها يزيد بن معاوية أن
تسميه ويتزوجها ففعلت، فلما مات الحسن بعثت إليه تسأله الوفاء بما قال: فأبى، فخسرت
الدين والدنيا. ومنهم علامة التاريخ صارم الدين إبراهيم بن محمد بن أيدمر بن دقماق
المتولد سنة 750 والمتوفى سنة 809 في (الجوهر الثمين في سيرة الخلفاء والسلاطين) (ج
1 ص 68 ط عالم الكتب في بيروت سنة 1405) قال: ثم إن الحسن سار بأهله وحشمه إلى
المدينة، فأقام بها إلى أن مات في ربيع الأول سنة تسع وأربعين، وصلى عليه سعيد بن
العاص، ودفن بالبقيع. ذكر الشيخ شمس الدين بن خلكان: أن امرأته جعدة بنت الأشعث
سمته فمكث شهرين، وإنه ليرفع من اليوم كذا وكذا طست من دم. ومنهم العلامة أبو
القاسم علي بن الحسن الشافعي الشهير بابن عساكر الدمشقي في (ترجمة الإمام الحسن بن
علي عليه السلام من تاريخ مدينة دمشق) (ص 210 ط بيروت) قال: وأنبأنا محمد بن سعد،
أنبأنا يحبى بن حماد، أنبأنا أبو عوانة، عن يعقوب، عن أم موسى: أن جعدة بنت الأشعث
بن قيس سقت الحسن فاشتكى منه شكاة، قال: فكان يوضع تحته طست وترفع أخرى نحوا من
أربعين يوما. وقال أيضا في ص 211:
ص 583
أنبأنا أبو محمد ابن الأكفاني، أنبأنا عبد العزيز الكناني، أنبأنا عبد الله بن أحمد
الصيرفي إجازة، أنبأنا أبو عمر بن حيويه، أنبأنا محمد بن خلف بن المرزبان، حدثني
أبو عبد الله التمامي، أنبأنا محمد بن سلام الجمحي قال: كانت جعدة بنت الأشعث بن
قيس تحت الحسن بن علي، فدس إليها يزيد: أن سمي حسنا إني مزوجك. ففعلت، فلما مات
الحسن بعثت إليه جعدة تسأل يزيد الوفاء بما وعدها، فقال: إنا والله لم نرضك للحسن
فنرضاك لأنفسنا؟ فقال كثير - وقد يروى للنجاشي -: يا جعدة بكيه ولا تسأمي * بكاء حق
ليس بالباطل لن تستري البيت على مثله * في الناس من حاف ومن ناعل أعني الذي أسلمه
أهله * للزمن المستحرج الماحل كان إذا شبت له ناره * يرفعها بالنسب الماثل كيما
يراها بائس مرمل * أو فرد قوم ليس بالآهل يغلي بني اللحم حتى إذا * أنضج لم يغل على
الآكل ومنهم العلامة المؤرخ محمد بن مكرم المشتهر بابن منظور المتوفى 711 في (مختصر
تاريخ دمشق لابن عساكر) (ج 7 ص 39 ط دار الفكر) قال: قال ابن جعدبة: كانت جعدة بنت
الأشعث - فذكر مثل ما تقدم. ومنهم العلامة أبو العرب محمد بن أحمد بن تميم بن تمام
بن تميم التميمي القيرواني المغربي المالكي المولود سنة 251 والمتوفى سنة 333 في
كتابه (المحن) (ص 254 ط دار الغرب الإسلامي في بيروت سنة 1403) قال: سقي الذي سقاه،
وسقي الحسن بن علي، وقد روي أن الذي سقي الحسن السم امرأته وهي بنت الأشعث بن قيس
الكندي. وقال في ص 144
ص 584
وحدثني عبد العزيز بن شيبة قال: حدثنا أبو الأشعث أحمد بن المقدام، قال حدثنا زهير
بن العلاء، قال حدثنا سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة بن دعامة: أن الحسن بن علي سمته
امرأته بنت الأشعث بن قيس الكندي.
ص 585
تاريخ شهادة سيدنا الإمام المجتبى الحسن بن علي عليهما السلام

قد تقدم ما يدل على
ذلك نقلا عن كتب أعلام العامة في ج 11 ص 165 إلى ص 168، ونستدرك هيهنا عن الكتب
التي لم نرو عنها: فمنهم الحافظ الشيخ شمس الدين محمد بن محمد بن عثمان الذهبي
المتوفى سنة 748 في كتابه (العبر في خبر من غبر) (ج 1 ص 55 طبع الكويت) قال: (سنة
تسع وأربعين) في ربيع الأول توفي سيد شباب أهل الجنة أبو محمد الحسن بن علي
الهاشمي، ورخه فيها الواقدي وسعيد بن عفير، والأكثر على أنه سنة خمسين. وقال أيضا:
(سنة خمسين) (فيها بخلف) الحسن بن علي رضي الله عنه وله سبع وأربعون سنة بالمدينة.
ومنهم العلامة الحافظ شهاب الدين أحمد بن علي ابن حجر العسقلاني المتوفى 852 في
(تقريب التهذيب) (ج 1 ص 168) قال: الحسن بن علي بن أبي طالب الهاشمي، سبط رسول الله
صلى الله عليه وسلم وريحانته، وقد صحبه وحفظ عنه، مات شهيدا بالسم سنة تسع وأربعين
وهو ابن سبع وأربعين، وقيل: بل مات سنة خمسين، وقيل: بعدها.
ص 586
ومنهم الفاضل المعاصر محمد رضا أمين مكتبة جامعة فؤاد الأول سابقا في كتابه (الحسن
والحسين سبطا رسول الله صلى الله عليه وسلم) (ص 53 ط دار الكتب العلمية - بيروت)
قال: توفي الحسن رضي الله عنه بالمدينة سنة 49 هجرية بعد ما مضى من إمارة معاوية
عشر سنين، ودفن بالبقيع، وصلى الله عليه سعيد بن العاص وكان أميرا بالمدينة، قدمه
الحسين للصلاة على أخيه رضي الله عنهما، وقال: لولا أنها سنة ما قدمتك. وقد سمته
امرأته جعدة بنت الأشعث بن قيس الكندي، وقالته طائفة كان ذلك منها بتدسيس معاوية
إليها وما بذل لها في ذلك. ومنهم العلامة يوسف بن عبد الرحمن الكلبي المزي في
(تهذيب الكمال) (ج 6 ص 256 ط بيروت) قال: وقال شعبة عن أبي بكر بن حفص: توفي سعد بن
أبي وقاص والحسن بن علي في أيام بعد ما مضى من أمارة معاوية عشر سنين. وقال معروف
بن خربوذ وعمر وأخذ عن أبي جعفر محمد بن علي: مات الحسن ابن علي وهو ابن سبع
وأربعين سنة، وزاد بعضهم: وصلى عليه سعيد بن العاص وهو أمير المدينة. وقال أبو عبيد
القاسم بن سلام توفي سنة ثمان وأربعين، ويقال سنة تسع وأربعين. وقال الواقدي وخليفة
بن خياط وغير واحد: مات سنة تسع وأربعين، زاد بعضهم في ربيع الأول وهو ابن سبع
وأربعين، وقيل غير ذلك في مبلغ سنه وتاريخ وفاته، فقيل مات سنة خمسين، وقيل سنة
إحدى وخمسين، وقيل سنة ستة وخمسين، وقيل سنة ثمان وخمسين، وقيل سنة تسع وخمسين.
والله أعلم.
ص 587
ومنهم العلامة أبو بشر محمد بن أحمد بن حماد الأنصاري في (الذرية الطاهرة المطهرة)
(ص 88 نسخة مكتبة السليمانية بإسلامبول) قال: أخبرنا الحسن بن رشيق، حدثنا أبو بشر،
أخبرني محمد بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن محمد بن عمر قال: توفي الحسن بن علي
بن أبي طالب رضي الله عنهما في ربيع الأول سنة تسع وأربعين وهو يومئذ ابن سبع
وأربعين.
ص 588
سبب دفنه عليه السلام بالبقيع

رواه جماعة من أعلام أهل السنة في كتبهم: فمنهم
العلامة أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الشافعي الدمشقي الشهير بابن عساكر في
(ترجمة الإمام الحسن عليه السلام من تاريخ مدينة دمشق) (216 ط بيروت) قال: أخبرنا
أبو بكر محمد بن عبد الباقي، أنبأنا أبو محمد الجوهري، أنبأنا أبو عمر بن حيويه،
أنبأنا أحمد بن معروف، أنبأنا الحسين بن محمد بن الفهم، أنبأنا محمد بن سعد، أنبأنا
محمد بن عمر، أنبأنا إبراهيم بن الفضل عن أبي عتيق قال: سمعت جابر بن عبد الله
يقول: شهدنا حسن بن علي يوم مات فكادت الفتنة [أن] تقع بين حسين بن علي ومروان بن
الحكم، وكان الحسن قد عهد إلى أخيه أن يدفن مع رسول الله صلى عليه وسلم، فإن خاف أن
يكون في ذلك [قتال] فليدفن بالبقيع، فأبي مروان أن يدعه - ومروان يومئذ معزول يريد
أن يرضي معاوية بذلك فلم يزل مروان عدوا لبني هاشم حتى مات - قال جابر: فكلمت يومئذ
حسين بن علي فقلت: يا أبا عبد الله اتق الله فإن أخاك كان لا يحب ما ترى فادفنه
بالبقيع مع أمه. ففعل [الحسين ذلك]. ومنهم العلامة المؤرخ محمد بن مكرم المشتهر
بابن منظور المتوفى 711 في (مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر) (ج 7 ص 42 ط دار الفكر)
قال: قال محمد بن الضحاك الحرامي: لما بلغ مروان بن الحكم أنهم قد أجمعوا أن
ص 589
يدفنوا الحسن بن علي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، جاء إلى سعيد بن العاص وهو
عامل المدينة، فذكر ذلك له، وقال: ما أنت صانع في أمرهم؟ فقال: لست منهم في شيء،
ولست حائلا بينهم وبين ذلك، قال: فخلني وإياهم. فقال: أنت وذلك. فجمع لهم مروان من
كان هناك من بني أمية وحشمهم ومواليهم، وبلغ ذلك حسينا، فجاء هو ومن معه في السلاح
ليدفن حسنا في بيت النبي صلى الله عليه وسلم، وأقبل مروان في أصحابه وهو يقول: يا
رب هيجا هي خير من دعه أيدفن عثمان بالبقيع ويدفن حسن في بيت النبي صلى الله عليه
وسلم؟! والله لا يكون ذلك أبدا وأنا أحمل السيف، فلما صلوا على حسن خشي عبد الله بن
جعفر أن يقع في ذلك ملحمة عظيمة، فأخذ بمقدم السرير ثم مضى به نحو البقيع، فقال له
حسين: ما تريد؟ قال: عزمت عليك بحقي ألا تكلمني كلمة واحدة، فصار به إلى البقيع،
فدفنه هناك، رحمه الله، وانصرف مروان ومن معه. وبلغ معاوية ما كانوا أرادوا في دفن
حسن في بيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما أنصفتنا بنو هاشم حين يزعمون أنهم
يدفنون حسنا مع النبي صلى الله عليه وسلم، وقد منعوا عثمان أن يدفن إلا في أقصى
البقيع، إن يك ظني بمروان صادقا لا يخلصون إلى ذلك. وقال أيضا في ص 44: وجعل حسن
يوعز إلى الحسين: يا أخي إياك أن تسفك الدماء في، فإن الناس سراع إلى الفتنة، فلما
توفي الحسن ارتجت المدنية صياحا، فلا تلقي أحدا إلا باكيا. وأبرد مروان إلى معاوية
يخربه بموت حسن وأنهم يريدون دفنه مع النبي صلى الله عليه وسلم، وأنهم لا يصلون إلى
ذلك أبدا وأنا حي. فانتهى حسين بن علي إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال:
احفروا ههنا،
ص 590
فسكت عنه سعيد بن العاص وهو الأمير، فاعتزل ولم يحل بينه وبينه، وصاح مروان في بني
أمية ولفها، وتلبسوا السلاح وقال مروان: لا كان هذا أبدا، فقال له حسين: يا بن
الزرقاء مالك ولهذا أوال أنت؟ قال: لا كان هذا ولا خلص إليه وأنا حي، فصاح حسين
بحلف الفضول: فاجتمع هاشم وتيم وزهرة وأسد وبنو جعونة به شعوب من بني ليث قد تلبسوا
السلح، وعقد مروان لواء، وعقد حسين بن علي لواء. فقال الهاشميون: يدفن مع النبي صلى
الله عليه وسلم، حتى كانت بينهم المراماة بالنبل وابن جعونة بن شعوب يومئذ شاهر
سيفه، فقام في ذلك رجال من قريش: عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، والمسور بن مخرمة
بن نوفل، وجعل عبد الله بن جعفر يلح على حسين وهو يقول: يا بن عم ألم تسمع إلى عهد
أخيك: إن خفت أن يهراق في محجمة دم فادفني بالبقيع مع أمي؟ أذكرك الله أن تسفك
الدماء، وحسين يأبى دفنه إلا مع النبي صلى الله عليه وسلم، وهو يقول: ويعرض مروان
لي ما له ولهذا؟ قال: فقال المسور بن مخرمة: يا أبا عبد الله اسمع مني، قد دعوتنا
بحلف الفضول وأجبناك، وتعلم أني سمعت أخاك يقول قبل أن يموت بيوم: يا بن مخرمة إني
قد عهدت إلى أخي أن يدفنني مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إن وجد إلى ذلك سبيلا،
فإن خاف أن يهراق في ذلك محجمة من دم فليدفني مع أمي بالبقيع، وتعلم أني أذكرك الله
في هذه الدماء، ألا ترى ما ههنا من السلاح والرجال؟ والناس سراع إلى الفتنة. قال:
فجعل الحسين يأبى وجعلت بنو هاشم والحلفاء يلغطون ويقولون: لا يدفن إلا مع رسول
الله صلى الله عليه وسلم. قال الحسن بن محمد: سمعت أبي يقول: لقد رأيتني يومئذ،
وإني لأريد أن أضرب عنق مروان، ما حال بيني وبين ذلك إلا أن أكون أراه مستوجبا
لذلك، إلا أني سمعت أخي يقول: إن خفتم أن يهراق في محجمة من دم فادفنوني بالبقيع،
فقلت: يا أخي، يا أبا عبد الله، وكنت أرفقهم به، وإنا لا ندع قتال هؤلاء القوم جبنا
عنهم، ولكنا إنما نتبع وصية أبي محمد، إنه والله لو قال ادفنوني
ص 591
مع النبي صلى الله عليه وسلم لمتنا من آخرنا أو ندفنه مع النبي صلى الله عليه وسلم،
ولكنه خاف ما قد ترى، فقال: إن خفتم أن يهراق في محجم من دم فادفنوني مع أمي، فإنما
نتبع عهده وننفذ أمره. قال: فأطاع حسين بعد أن ظننت أنه لا يطيع، فاحتملناه حتى
وضعناه بالبقيع، وحضر سعيد بن العاص ليصلي عليه فقالت بنو هاشم: لا يصلي عليه أبدا
إلا حسين، قال: فاعتزل سعيد بن العاص، فوالله ما نازعنا في الصلاة، وقال: أنتم أحق
بميتكم، فإن قدمتموني تقدمت، فقال حسين بن علي: تقدم، فلولا أن الأئمة تقدم ما
قدمناك. قال عباد بن عبد الله بن الزبير: سمعت عائشة تقول يومئذ: هذا الأمر لا يكون
أبدا، يدفن ببقيع الغرقد ولا يكون لهم رابعا؟ والله إنه لبيتي أعطانيه رسول الله
صلى الله عليه وسلم في حياته، وما دفن فيه عمر وهو خليفة إلا بأمري، وما آثر علي
عندنا بحسن. ومنهم العلامة الحافظ جمال الدين يوسف بن عبد الرحمن الكلبي المزي في
(تهذيب الكمال) (ج 6 ص 204 ط مؤسسة الرسالة (بيروت) قال: وقال أبو عوانة، عن حصين،
عن أبي حازم: لما حضر الحسن قال للحسين: ادفنوني عند أبي - يعني النبي صلى الله
عليه وسلم - إلا أن تخافوا الدماء، فإن خفتم الدماء فلا تهريقوا في دما ادفنوني عند
مقابر المسلمين. قال: فلما قبض تسلح الحسين وجمع مواليه، فقال له أبو هريرة: أنشدك
الله وصية أخيك، فإن القوم لن يدعوك حتى يكون بينكم دما. قال: فلم يزل به حتى رجع
ثم دفنوه في البقيع الغرقد، فقال أبو هريرة: أرأيتم لو جئ بابن موسى ليدفن مع أبيه
فمنع أكانوا قد ظلموه؟ قال: فقالوا: نعم. قال: فهذا ابن نبي الله قد جئ به ليدفن مع
أبيه.
ص 592
ومنهم العلامة شمس الدين أبو البركات محمد الباعوني الشافعي في كتاب (جواهر المطالب
في مناقب الإمام أبي الحسنين علي بن أبي طالب) (ص 121 والنسخة مصورة من المكتبة
الرضوية بخراسان) قال: وقال مساور مولى سعد بن أبي وقاص: رأيت أبا هريرة واقفا على
في المسجد يوم مات الحسن عليه السلام وهو ينادي بأعلى صوته: أيها الناس اليوم مات
حبيب رسول الله صلى الله عليه وسلم وريحانته، فابكوا واجتمع الناس بجنازته، حتى كان
البقيع لا يسمع أحد من الزحام. وكان الحسين قد لبس السلاح هو وبنو هاشم لما جاء
مروان في السلاح ومن معه من بني أمية، وقال الحسين: لا أدفنه إلا عند جده. فلما خاف
الناس وقوع الفتنة أشار سعد بن أبي وقاص وأبو هريرة وجابر بن عبد الله: على الحسين
أن لا يقاتل وأن يدفن أخاه قريبا من أمه فانتهى رضوان الله عليهم أجمعين. ومنهم
الحافظ الشيخ محمد بن حبان ابن أبي حاتم التميمي البستي المتوفى سنة 354 في كتابه
(الثقات) (ج 3 ص 67 ط دائرة المعارف العثمانية في حيدر آباد - الهند) قال: الحسن بن
علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم ابن فاطمة الزهراء، كان أشبه الناس برسول
الله صلى الله عليه وسلم، كنيته أبو محمد، سم حتى نزل كبده، وأوصى إلى أخيه الحسين:
إذا أنا مت فاحفر لي مع أبي وإلا ففي بيت علي وفاطمة وإلا ففي البقيع، ولا ترفعن في
ذلك صوتا. فمات في شهر ربيع الأول سنة إحدى وخمسين بعد ما مضى من إمارة معاوية عشر
سنين، وهو ابن تسع وأربعين سنة، وصلى عليه سعيد بن العاص، قدمه الحسين وقال: تقدم
فلولا أنها سنة ما قدمتك. ثم أمر الحسين أن يحفر له في بيت علي وفاطمة، فبلغ ذلك
بني أمية فأقبلوا وعليهم السلاح وقالوا: والله لا تتخذ القبور مساجد. فنادى الحسين
في بني هاشم فأقبلوا
ص 593
بالسلاح. ثم ذكر الحسين قول أخيه لا ترفعن في ذلك صوتا، فحفر له بالبقيع ودفن هناك
عليه السلام في أحسن مقام. وروى أيضا مثل ما تقدم في كتابه (تاريخ الصحابة الذين
روى عنهم الأخبار) (ص 66 ط بيروت).
ص 594
سرور معاوية لموت الإمام المجتبى عليه السلام وكلام فاختة بنت قرظة وعبد الله بن
العباس مع معاوية في ذلك

رواه جماعة من أعلام العامة في كتبهم: فمنهم الفاضل
المعاصر محمد رضا أمين مكتبة جامعة فؤاد الأول سابقا في كتابه (الحسن والحسين سبطا
رسول الله صلى الله عليه وسلم) (ص 56 ط دار الكتب العلمية - بيروت) قال: وفد عبد
الله بن عباس على معاوية، قال: فوالله إني لفي المسجد إذ كبر معاوية في الخضراء،
فكبر أهل الخضراء ثم كبر أهل المسجد بتكبير أهل الخضراء. فخرجت فاختة بنت قرظة بن
عمرو بن نوفل من خوخة لها فقالت: سرك الله يا أمير المؤمنين، ما هذا الذي بلغك
فسررت به؟ قال: موت الحسن بن علي. فقالت: إنا لله وإنا إليه راجعون. ثم بكت، وقالت:
مات سبط سيد المرسلين وابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال معاوية: نعما
والله ما فعلت إنه كان كذلك أهلا أن يبكى عليه. ثم بلغ الخبر ابن عباس رضي الله
عنهما فراح فدخل على معاوية، فقال معاوية: علمت يا ابن عباس أن الحسن توفي. قال:
ألذلك كبرت؟ قال: نعم. قال: والله ما موته بالذي يؤخر أجلك ولا حفرته بسادة حفرتك.
ولئن أصبنا به فقد أصبنا بسيد المرسلين وإمام المتقين ورسول رب العالمين. ثم بسيد
الأوصياء فجبر الله تلك المصيبة ورفع تلك العبرة. فقال: ويحك يا ابن عباس! ما كلمتك
إلا وجدتك معدا.
ص 595
بكاء مروان في جنازة الإمام الحسن عليه السلام

قد تقدم نقله منا عن بعض الأعلام في
ج 11 ص 121، ونستدرك هيهنا عمن لم نرو عنهم هناك: فمنهم العلامة أبو القاسم علي بن
الحسن بن هبة الله الشافعي الدمشقي الشهير بابن عساكر في ترجمة الإمام الحسن عليه
السلام من تاريخ مدينة دمشق) (ص 156 ط بيروت) قال: أخبرنا أبو محمد الحسن بن أبي
بكر ابن أبي الرضا، أنبأنا الفضيل بن يحيى الفضيلي، أنبأنا أبو محمد ابن أبي شريح،
أنبأنا محمد بن عقيل بن الأزهر، أنبأنا محمد بن فضيل، أنبأنا سعيد بن عامر، روى
بسنده عن جويرية بن أسماء قال: لما مات الحسن بن علي بكى مروان في جنازته، فقال له
حسين: أتبكيه وقد كنت تجرعه ما تجرعه؟ فقال: إني كنت أفعل ذلك إلى أحلم من هذا.
وأشار بيده إلى الجبل.
ص 596
ازدحام الناس في دفن الإمام المجتبى عليه السلام رواه جماعة من أعلام العامة في
كتبهم: فمنهم الحافظ جمال الدين يوسف بن عبد الرحمن الكلبي المزي المتوفى 742 في
(تهذيب الكمال) (ج 6 ص 256 ط بيروت) قال: وقال محمد بن سعد: أخبرنا محمد بن عمر،
قال حدثنا داود بن سنان، قال سمعت ثعلبة بن أبي مالك، قال: شهدنا حسن بن علي يوم
مات، ودفناه بالبقيع، فلقد رأيت البقيع ولو طرحت ابرة ما وقت إلا على الانسان.
ص 597
إقامة نساء بني هاشم على الإمام المجتبى ابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
العزاء شهرا ولبسوا الحداد سنة

رواه جماعة من أعلام القوم في كتبهم: فمنهم العلامة
أبو القاسم علي بن الحسن الشافعي الشهير بابن عساكر الدمشقي في (ترجمة الإمام الحسن
عليه السلام من تاريخ مدينة دمشق) (ص 209 ط بيروت) قال: وأنبأنا محمد بن سعد،
أنبأنا محمد بن عمر، حدثني عبد الله بن جعفر، عن أم بكر بنت المسور، قالت: كان
الحسن بن علي سقي مرارا كل ذلك يفلت منه، حتى كان المرة الآخرة التي مات فيها، فإنه
كان يختلف كبده، فلما مات أقام نساء بني هاشم عليه النوح شهرا. ومنهم الفاضل
المعاصر محمد رضا أمين مكتبة جامعة فؤاد الأول سابقا في كتابه (الحسن والحسن سبطا
رسول الله صلى الله عليه وسلم) (ص 55 ط دار الكتب العلمية - بيروت) قال: قال ثعلبة
بن أبي مالك: شهدت الحسن يوم مات ودفن في البقيع، فلقد رأيت البقيع لو طرحت فيه
أبرة ما وقعت إلا على رأس إنسان (وذلك لشدة الزحام) وأقام نساء بني هاشم عليه
النواح شهرا ولبسوا الحداد سنة.
ص 598
وكان عمره رضي الله عنه حين مات 47 سنة وكانت مدة خلافته ستة أشهر وخمسة أيام.
ص 599
بعض مراثي الإمام الحسن عليه السلام

ما قاله سيدنا الإمام الحسين عند قبر أخيه
سيدنا الإمام الحسن المجتبى عليهما السلام بعد وفاته رواه جماعة من أعلام العامة في
كتبهم: فمنهم العلامة المؤرخ محمد بن مكرم المشتهر بابن منظور المتوفى سنة 711 في
كتابه (مختصر تاريخ دمشق) لابن عساكر (ج 7 ص 46 ط دار الفكر) قال: قال ابن سماك:
قال الحسين بن علي عند قبر أخيه الحسن يوم مات: رحمك الله أبا محمد، إن كنت لتناصر
الحق مظانه، وتؤثر الله عند مداحض الباطل في مواطن التقية بحسن الروية، وتستشف جليل
معاظم الدنيا بعين لها حاقرة، وتفيض عليها يدا طاهرة، وتردع بادرة أعدائك بأيسر
المؤنة عليك، وأنت ابن سلالة النبوة، ورضيع لبان الحكمة، وإلى روح وريحان وجنة
نعيم، أعظم الله لنا ولكم الأجر عليه، ووهب لنا ولكم السلوة وحسن الاتساء عليه.
ص 600
ما قاله محمد بن الحنفية عند قبر أخيه الشريف

قد تقدم نقله عن كتب العامة في ج 11 ص
178، ونستدرك هيهنا عن الكتب التي لم نرو عنها فيما سبق: فمنهم الحافظ جمال الدين
أبو الحجاج يوسف المزي المتوفى سنة 742 في (تهذيب الكمال) (ج 6 ص 255 ط مؤسسة
الرسالة - بيروت) قال: وقال القاضي أبو الفرج المعافي بن زكريا، حدثنا أحمد بن
العباس العسكري، قال حدثنا عبد الله بن أبي حمزة، قال حدثني حمزة بن القاسم بن حمزة
بن الحسن بن عبيد الله بن العباس بن علي بن أبي طالب، قال حدثنا محمد بن علي بن
عبيد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب، عن أبيه، عن جده، عن عمر بن علي بن
أبي طالب قال: لما قبض الحسن بن علي بن أبي طالب وقف على قبره أخوه محمد بن علي
فقال: يرحمك الله أبا محمد، وإن عزت حياتك لقد هدت وفاتك، ولنعم الروح روح تضمنه
بدنك، ولنعم البدن تضمنه كفنك، وكيف لا يكون هكذا وأنت سليل الهدى وحليف أهل التقى
وخامس أصحاب الكساء، وغذتك أكف الحق وربيت في حجر الإسلام ورضعت ثدي الإيمان، وطبت
حيا ميتا وإن كانت أنفسنا غير طيبة لفراقك فلا نشك في الخيرة لك، يرحمك الله. ثم
انصرف عن قبره.