الصفحة السابقة الصفحة التالية

شرح إحقاق الحق (ج28)

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب

ص 601

(هامش)

= إن لنا عليكم حقا برسول الله صلى الله عليه وآله ، ولكم علينا حق به ، فإذا أديتم إلينا ذلك وجب علينا الحق لكم . ولم يذكر عنه غير هذا في ذلك المجلس . وأمر المأمون فضربت له الدراهم وطبع عليها اسمه . وزوج إسحاق بن موسى بن جعفر بنت عمه إسحاق بن جعفر بن محمد ، وأمره أن يحتج بالناس ، وخطب للرضا في كل بلد بولاية العهد . فحدثني أحمد بن محمد بن سعيد ، قال : حدثنا يحيى بن الحسن (العلوي) قال : حدثني من سمع عبد الجبار بن سعيد يخطب تلك السنة على منبر رسول الله بالمدينة فقال في الدعاء له : اللهم وأصلح ولي عهد المسلمين ، علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين ابن علي عليهم السلام : ستة آباءهم ما هم * هم خير من يشرب صوب الغمام حدثني الحسن بن الطبيب البلخي ، قال : حدثني محمد بن أبي عمر العدني ، قال : سمعت عبد الجبار يخطب ، فذكر مثله . رجع الحديث إلى نظام خبر علي بن موسى . قام : وزوج المأمون ابنته أم الفضل محمد بن علي بن موسى على حلكة لونه وسواده ، ونقلها إليه فلم تزل عنده . واعتل الرضا علته التي مات فيها ، وكان قبل ذلك يذكر ابني سهل عند المأمون فيزري عليهما ، وينهى المأمون عنهما ، ويذكر لها مساوئهما . ورآه يوما يتوضأ للصلاة والغلام يصب على يده الماء فقال : يا أمير المؤمنين لا تشرك بعبادة ربك أحدا . فجعل المأمون يدخل إليه ، فلما ثقل تعالل المأمون وأظهر أنهما أكلا عنده جميعا طعاما ضارا فمرضا ، ولم يزل الرضا عليلا حتى مات . واختلف في أمر وفاته ، وكيف كان سبب السم الذي سقيه . فذكر محمد بن علي بن حمزة أن منصور بن بشير ذكر عن أخيه عبد الله بن بشير أن المأمون =

(*)

ص 602

(هامش)

= أمره أن يطول أظفاره ففعل ، ثم أخرج إليه شيئا يشبه التمر الهندي ، وقال له افركه واعجنه بيديك جميعا ، ففعل . ثم دخل على الرضا فقال له : ما خبرك ؟ قال : أرجو أن أكون صالحا . فقال له : هل جاءك أحد من المترفقين اليوم ؟ قال : لا ، فغضب وصاح على غلمانه ، وقال له : فخذ ماء الرمان اليوم فإنه مما لا يستغني عنه ، ثم دعا برمان فأعطاه عبد الله بن بشير وقال له : اعصر ماءه بيدك ، ففعل وسقاه المأمون الرضا بيده فشربه ، فكان ذلك سبب وفاته ، ولم يلبث إلا يومين حتى مات . قال محمد بن علي بن حمزة ، ويحيى فبلغني عن أبي الصلت الهروي ، أنه دخل على الرضا بعد ذلك فقال له : يا أبا الصلت قد فعلوها أي قد سقوني السم (وجعل يوحد الله ويمجده) . قال محمد بن علي : وسمعت محمد بن الجهم يقول : إن الرضا كان يعجبه العنب ، فأخذ له عنب وجعل في موضع اقماعه الابر ، فتركت أياما فأكل منه في علته فقتله ، وذكر أن ذلك من لطيف السموم . ولما توفي الرضا لم يظهر المأمون موته في وقته ، وتركه يوما وليلة ، ثم وجه إلى محمد ابن جعفر بن محمد وجماعة من آل أبي طالب . فلما أحضرهم وأراهم إياه صحيح الجسد لا أثر به ، ثم بكى وقال : عز علي يا أخي أن أراك في هذه الحالة ، وقد كنت أؤمل أن أقدم قبلك ، فأبى الله إلا ما أراد . وأظهر جزعا شديدا وحزنا كثيرا . وخرج مع جنازته يحملها حتى أتى الموضع الذي هو مدفون فيه الآن ، فدفنه هناك إلى جانب هارون الرشيد . وقال أشجع بن عمرو السلمي يرثيه ، هكذا أنشدنيها علي بن الحسين بن علي بن حمزة ، عن عمه ، وذكر أنها لما شاعت غير أشجع ألفاظها فجعلها في الرشيد : يا صاحب العيس يحدي في أزمتها * أسمع وأسمع غدا يا صاحب العيس إقرأ السلام على قبر بطوس ولا * تقرأ السلام ولا النعمى على طوس = (*)

ص 603

(هامش)

= فقد أصاب قلوب المسلمين بها * روع وأفرخ فيها روع إبليس وأخلست واحد الدنيا وسيدها * فأي مختلس منا ومخلوس ولو بدا الموت حتى يستدير به * لاقى وجوه رجال دونه شوس بؤسا لطوس فما كانت منازله * مما تخوفه الأيام بالبوس معرس حيث لا تعريس ملتبس * يا طول ذلك من نأي وتعريس إن المنايا أنالته مخالبها * ودونه عسكر جم الكراديس أوفى عليه الردى في خيس أشبله * والموت يلقي أبا الأشبال في الخيس ما زال مقتبسا من نور والده * إلى النبي ضياء غير مقبوس في منبت نهضت فيه فروعهم * بباسق في بطاح الملك مغروس والفرع لا يرتقي إلا على ثقة * من القواعد والدنيا بتأسيس لا يوم أولى بتخريق الجيوب ولا * لطم الخدود ولا جدع المعاطيس من يوم طوس الذي نادت بروعته * لنا النعاة وأفواه القراطيس حقا بأن الرضا أودى الزمان به * ما يطلب الموت إلا كل منفوس ذا اللحظتين وذا اليومين مفترش * رمسا كآخر في يومين مرموس بمطلع الشمس وافته منيته * ما كان يوم الردى عنه بمحبوس يا نازلا جدثا في غير منزله * ويا فريسة يوم غير مفروس لبست ثوب البلى اعزز علي به * لبسا جديدا وثوبا غير ملبوس صلى عليك الذي قد كنت تعبده * تحت الهواجر في تلك الأماليس لولا مناقضة الدنيا محاسنها * لما تقايسها أهل المقاييس أحلك الله دارا غير زائلة * في منزل برسول الله مأنوس قال أبو الفرج : هذه القصيدة ذكر محمد بن علي بن حمزة أنها في علي بن موسى الرضا . قال أبو الفرج : وأنشدني علي بن سليمان الأخفش لدعبل بن علي الخزاعي يذكر الرضا والسم الذي = (*)

ص 604

(هامش)

= سقيه ، ويرثي ابنا له ، وينعى على الخلفاء من بني العباس : على الكره ما فارقت أحمد وانطوى * عليه بناء جندل ورزين وأسكنته بيتا خسيسا متاعه * وإني على رغمي به لضنين ولولا التأسي بالنبي وأهله * لأسبل من عيني عليه شؤون هو النفس إلا أن آل محمد * لهم دون نفسي في الفؤاد كمين أضر بهم إرث النبي فأصبحوا * يساهم فيه ميتة ومنون دعتهم ذئاب من مية وانتحب * عليهم دراكا ازمة وسنون وعاثت بنو العباس في الدين عيثة * تحكم فيه ظالم وظنين وسموا رشيدا ليس فيهم لرشده * وها ذاك مأمون وذاك أمين فما قبلت بالرشد منهم رعاية * ولا لولي بالأمانة دين رشيدهم غاو وطفلاه بعده * لهذا رزايا دون ذاك مجون ألا أيها القبر الغريب محله * بطوس عليه الساريات هتون شككت فما أدري أمسقى بشربة * فأبكيك أم ريب الردى فيهون ؟ وأيهما ما قلت إن قلت شربة * وإن قلت موت إنه لقمين أيا عجبا منهم يسمونك الرضا * ويلقاك منهم كلحة وغضون أتعجب للأجلاف أن يتخيفوا * معالم دين الله وهو مبين لقد سبقت فيهم بفضلك آية * لدي ولكن ما هناك يقين هذا آخر خبر علي بن موسى الرضا . أخبرنا أبو الفرج قال : حدثنا الحسن بن علي الخفاف ، قال : حدثنا أبو الصلت الهروي ، قال : دخل المأمون إلى الرضا يعوده فوجده يجود بنفسه فبكى وقال : اعزز علي يا أخي بأن أعيش ليومك ، وقد كان في بقائك أمل ، واغلظ علي من ذلك وأشد أن الناس يقولون : إني سقيتك سما ، وأنا إلى الله من ذلك برئ . = (*) إلى أن قال :

ص 605

كنيته عليه السلام ولقبه ونقش خاتمه

ذكرها جماعة من أعلام العامة في كتبهم : فمنهم الشيخ الفاضل أبو الفوز محمد بن أمين البغدادي المشتهر بالسويدي في سبائك الذهب في معرفة قبائل العرب (ص 334 ط دار الكتب العلمية ، بيروت) قال : وكنيته أبو الحسن ، ولقبه الراضي والصابر والزاكي ، وكان نقش خاتمه : لا حول ولا قوة إلا بالله . ومنهم الفاضل المعاصر الشريف علي بن الدكتور محمد عبد الله فكري الحسيني القاهري المولود بها سنة 1296 والمتوفى بها أيضا 1372 في أحسن القصص (ج 4 ص 289 ط دار الكتب العلمية في بيروت) قال : كنيته : أبو الحسن . ألقابه : الرضا والصابر والزكي والولي ، وأشهرها الرضا . ونقش خاتمه : (حسبي الله) .

(هامش)

= ثم خرج المأمون من عنده ، ومات الرضا ، فحضره المأمون قبل أن يحفر قبره وأمر أن يحفر إلى جانب أبيه ، ثم أقبل علينا فقال : حدثني صاحب هذا النعش أنه يحفر له قبر فيظهر فيه ماء وسمك ، احفروا . فحفروا ، فلما انتهوا إلى اللحد نبع ماء وظهر فيه سمك ، ثم غاض الماء ، فدفن فيه الرضا عليه السلام . (*)

ص 606

تزويج المأمون ابنته منه عليه السلام

ذكره جماعة من أعلام العامة في كتبهم : فمنهم الشريف علي فكري الحسيني القاهري في أحسن القصص (ج 4 ص 293 ط بيروت) قال : وقد زوجه المأمون ابنته (أم حبيب) في أول اثنتين ومائتين والمأمون متوجه إلى العراق وقد ضربت الدنانير باسمه .

ص 607

وروده عليه السلام بنيسابور

رواه جماعة من أعلام العامة في كتبهم : فمنهم العلامة الحافظ شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز الذهبي في سير أعلام النبلاء (ج 9 ص 390 ط مؤسسة الرسالة ، بيروت) قال : قال الحاكم : ورد الرضا نيسابور سنة مائتين ، بعث إليه المأمون رجاء بن أبي الضحاك لإشخاصه من المدينة إلى البصرة ، ثم منها إلى الأهواز ، فسار منها إلى فارس ، ثم على طريق بست إلى نيسابور ، وأمره أن لا يسلك به طريق الجبال ، ثم سار به إلى مرو .

حديث سلسلة الذهب حدثه عليه السلام أهل نيشابور

قد تقدم نقله عن أعلام العامة في ج 12 ص 387 وج 19 ص 579 ، ونستدرك هيهنا عن الكتب التي لم نرو عنها فيما سبق : فمنهم العلامة الشيخ عبد الغني بن إسماعيل النابلسي المتوفى سنة 1143 في أسرار الشريعة أو الفتح الرباني والفيض الرحماني (ص 223 ط دار الكتب العلمية في بيروت سنة 1405) قال :

ص 608

ورد أن عليا الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين رضي الله عنهم ، لما دخل نيسابور كان في قبة مستورة على بغلة شهباء وقد شق بها السوق ، فعرض له الإمامان الحافظان أبو زرعة وابن مسلم الطوسي ، ومعهما من أهل العلم والحديث من لا يحصى ، فقالا : أيها السيد الجليل ابن السادة الأئمة ، بحق آبائك الأطهرين وأسلافك الأكرمين ، إلا ما أريتنا وجهك الميمون ، ورويت لنا حديثا عن آبائك عن جدك نذكرك به . فاستوقف غلمانه وأمر بكشف المظلة ، وأقر عيون الخلائق برؤية طلعته . فكانت له ذؤابتان متدليتان على عاتقه ، والناس قيام على طبقاتهم ينظرون ، ما بين باك وصارخ ، ومتمرغ في التراب ، ومقبل لحافر بغلته ، وعلا الضجيج ، فصاحت الأئمة الأعلام ، معاشر الناس أنصتوا واسمعوا ما ينفعكم ، ولا تؤذونا بصراخكم . وكان المستملي أبو زرعة الطوسي . فقال الرضا : حدثنا أبي موسى الرضا ، عن أبيه جعفر الصادق ، عن أبيه محمد الباقر ، عن أبيه علي زين العابدين ، عن أبيه شهيد كربلاء ، عن أبيه علي المرتضى ، قال : حدثني حبيبي وقرة عيني رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : حدثني جبريل : قال : حدثني رب العزة سبحانه يقول كلمته : لا إله إلا الله حصني ، فمن قالها دخل حصني ، ومن دخل حصني أمن من عذابي . ثم أرخى الستر على القبة وسار ، فعد أهل المحابر والدوى الذين كانوا يكتبون ، فنافوا على عشرين ألفا . ومنهم العلامة أبو القاسم علي بن الحسن الشهير بابن عساكر الشافعي في تاريخ مدينة دمشق (ج 14 ص 253 ط دار البشير بدمشق) قال : أخبرنا أبو محمد بن الأكفاني ، نا أبو محمد الكناني ، أنا أبو المعالي فضل بن محمد الهروي الفقيه ، نا أبو الحسن محمد بن يحيى ، نا أبو الفضل ، نا محمد بن علي بن

ص 609

موسى ، نا أبو علي أحمد بن علي الخزرجي ، نا أبو الصلت الهروي قال : كنت مع علي ابن موسى الرضا ، فدخل نيسابور وهو راكب بغلة شهباء أو أشهب - قال أبو الصلت : الشك مني - وقد عدوا في طلبه ، فتعلقوا بلجامه وفيهم ياسين بن النضر ، قالوا : يا بن رسول الله بحق آبائك الطاهرين حدثنا بحديث سمعته من أبيك ، فأخرج رأسه من العمارية قال : حدثني أبي الرجل الصالح موسى بن جعفر - فذكر مثل ما تقدم عن النابلسي ، إلا أنه ليس فيه : ثم أرخى الستر - الخ . وقال أيضا : أخبرنا أعلى من هذا بدرجتين أبو سعد إسماعيل بن أبي صالح ، أنا أبو القاسم أميرك ابن أبي أحمد محمد بن أحمد بن علي بن أحمد البزار الكتبي ، أنا الأستاذ الإمام أبو القاسم الحسن بن حبيب عسر ، نا أبو بكر محمد بن عبد الله بن محمد العباس بن حمزة ، نا أبو القاسم عبد الله بن أحمد بن عامر الطائي بالبصرة ، حدثني أبي ، نا علي بن موسى الرضا ، حدثني أبي موسى بن جعفر - فذكر مثل ما تقدم بعينه . ومنهم العلامة المؤرخ محمد بن مكرم المشتهر بابن منظور المتوفى سنة 711 في مختصر تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر (ج 20 ص 293 ط دار الفكر) قال في ترجمة الفضل بن محمد الهروي : وحدث عن أبي الحسن محمد بن يحيى بسنده إلى أبي الصلت الهروي قال : كنت مع علي بن موسى الرضا - فذكر مثل ما تقدم . ومنهم العلامة فضل الله بن روزبهان الخنجي الأصفهاني المتوفى سنة 927 في مهماننامه بخارى (ص 343 ط طهران) قال : أخبرنا الشيخ الإمام الرحلة قدوة السادة والأشراف شرف آل عبد مناف القاضي

ص 610

الشريف محيي الدين عبد القادر الحسني الحنبلي المكي قاضي القضاة الحنبلية بالحرمين الشريفين وإمام الحنابلة في حرم مكة بحذاء حجر الأسود قدس الله روحه إجازة ، بإسناده إلى الشيخ الإمام ابن الصباغ المالكي رحمه الله فيما ذكره في كتابه المسمى بالفصول المهمة في معرفة الأيمة ، أنه قال بإسناده : لما دخل الإمام علي بن موسى الرضا سلام الله عليه بلدة نيسابور في العام الذي التمس فيه المأمون الخليفة العباسي حضوره في مرو الشاهجان ليوليه ولاية عهد المسلمين ، استقبله جميع أهل البلدة من حكامها وأيمتها وعلمايها وكان فيهم إمام المسلمين في الحديث الإمام أحمد بن الحرب النيسابوري ومحمد بن أسلم الطوسي رحمهما الله تعالى وكان الإمام الرضا في محفته وهي كانت محفوفة بالأستار والخدور والناس كانوا ينتظرون رفع الستر لينظروا إلى وجه الإمام . فنادى الإمام أحمد بن الحرب ومحمد بن أسلم وقالا : أيها الإمام ننشدك بالله أن ترفع الستر وتحدثنا بشيء مما حدثك به آباؤك الكرام . فرفع الإمام الستر وأخرج رأسه من المحفة وله ذؤابتان كالقمر ليلة البدر ، فأوقفوا دابته التي كانت تحمل المحفة ، ووقف عند المحفة ناس ينيف عددهم على عشرة آلاف من العلماء والأدباء ، وكان مقدم الجماعة الإمامين المذكورين . فقال الإمام الرضا علي بن موسى صلوات الله وسلامه عليه : حدثني أبي الكاظم موسى ، قال : حدثني أبي الصادق جعفر ، قال : حدثني أبي الباقر محمد ، قال : حدثني أبي زين العباد علي ، قال : حدثني أبي الشهيد الحسين ، قال : حدثني أبي المرتضى علي ، قال : حدثني - حبيبي سيد المرسلين محمد المصطفى صلى الله عليه وسلم ، قال : حدثني أخي سيد الملائكة جبريل ، قال : قال الله تبارك وتعالى عن اسمه وعظمت كبرياؤه : كلمة لا إله إلا الله حصني ، فمن قالها دخل حصني ، ومن دخل حصني أمن من عذابي - الحديث بتمامه .

ص 611

فلما حدث الإمام هذا الحديث بإسناده كتبه في ذلك المحضر عشرة آلاف أنفس من الحضار ، وهذا أول الأحاديث المذكورة في صحيفة الرضا . والله هو الموفق والمستعان . ثم ذكر ترجمة الحديث المذكور بالفارسية أعرضنا عن ذكرها .

ص 612

الرسالة الذهبية في الطب بعثها إلى المأمون

رواها جماعة من أعلام العامة في كتبهم : فمنهم الفاضل المعاصر الدكتور حسني ناعسة ، مدرسي الأدب العباسي في كلية الآداب بجامعة اللاذقية في كتابه الكتابة الفنية في مشرق الدولة الإسلامية في القرن الثالث الهجري (ص 254 ط بيروت) قال : فعلي بن موسى الرضا يبعث إلى المأمون بالرسالة الذهبية في الطب وحفظ صحة المزاج وتدبيره بالأغذية والأشربة والأدوية ، يقول في مطلعها : إعلم يا أمير المؤمنين أن الله تعالى لم يبتل العبد المؤمن ببلاء حتى جعل له دواء يعالج به ، ولكل صنف من الداء صنف من الدواء ، وتدبير ونعت . ويذكر له أن الأجسام الانسانية جعلت على مثال الملك ، فملك الجسد هو ما في القلب ، وهو مثل الملوك له ثواب وعقاب ، فأما ثوابه فالفرج وأما عذابه فالحزن . وإن هذا الجسد بمنزلة الأرض الطيبة ، متى تعوهدت بالعمارة والسقي دونما إقلال ولا إسراف دامت عمارتها وكثير ريعها وزكا زرعها ، وإن تغوفل عنه فسدت ولم ينبت فيها العشب . وكذلك الجسد يصلح بالتدبير في الأغذية وتزكو عافيته ، وينصح أمير المؤمنين بما يوافقه ويوافق معدته وتستمرئه نفسه وجسده ، وأن يجعل طعامه

ص 613

بقدر كفايته ، فيرفع يده عنه وله إليه ميل ، فذلك أصح لمعدته وبدنه ، وأزكى لعقله وأخف على جسمه . وعلى هذا النحو يوالي نصائحه بأن يشرع حين يأكل بأخف الأغذية ويحدد له العدد الأمثل للوجبات ، وأوقاتها ، ويعرض لفوائد النوم وطريقته الفضلى والعناية بالأسنان واستعمال الحجامة واعتدال الجماع . وأشار إليها الفاضل المعاصر باقر أمين الورد المحامي في معجم العلماء العرب (ج 1 ص 153) يأتي عند ذكر كلمات القوم إن شاء الله تعالى .

ص 614

نبذة من كلماته الشريفة

قد تقدم نقل ما يدل على ذلك عن أعلام العامة في ج 12 ص 395 إلى 399 وج 19 ص 581 إلى ص 584 ، ونستدرك هيهنا عن كتبهم التي لم نرو عنها فيما مضى : فمنهم علامة الأدب الشيخ صلاح الدين خليل بن ايبك الصفدي الشافعي المتوفى سنة 764 في الغيث المسجم (ج 2 ص 71) قال : قال العباس بن المأمون : سمعت أمير المؤمنين المأمون يقول : قال علي بن موسى الرضا : ثلاثة موكل بها ثلاثة : تحامل الأيام على ذوي الأدوات الكاملة ، واستيلاء الحرمان على المتقدم في صنعته ، ومعاداة العوام لأهل المعرفة .

ومن كلامه عليه السلام

ما رواه جماعة من أعلام العامة في كتبهم : فمنهم العلامة أبو أحمد عبد الله بن عدي الجرجاني الشافعي المتوفى سنة 365 في الكامل في الرجال (ج 1 ص 201 ط دار الفكر ، بيروت) قال : أحمد بن العباس بن منيح بن إبراهيم بن محمد بن عنترة بن سهل بن عبد الرحمن ابن عوف من أهل صنعاء هكذا نسبه لي محمد بن محمد الجهني . ثنا عنه بأحاديث

ص 615

عن محمد بن يوسف الفريابي ، وعن علي بن موسى الرضا بأحاديث فيها حديث الإيمان معرفة بالقلب .

حديث آخر ألقاء لأهل نيسابور

قد تقدم نقل مثله عن أعلام العامة في ج 12 ص 392 ، ونستدرك هيهنا عمن لم نرو عنه فيما مضى : فمنهم العلامة محمد بن يوسف بن عيسى بن أطيفش الحفصي العدوي القرشي الجزائري الأباضي المذهب المولود سنة 1236 والمتوفى سنة 1332 في جامع الشمل في حديث خاتم الرسل (ج 1 ص 30 ط دار الكتب العلمية) قال : روى أنه دخل على بن موسى بنيسابور ، فتعلق العلماء بلجام بغلته ، وقالوا : بحق آبائك الطاهرين حدثنا حديثا سمعته عن آبائك ، قال : حدثني أبي موسى ، قال : حدثني أبي جعفر ، قال : حدثني أبي الباقر ، قال : حدثني أبي زين العابدين ، قال : حدثني أبي الحسين ، قال : حدثني أبي علي بن أبي طالب ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : الإيمان معرفة بالقلب ، وإقرار باللسان ، وعمل بالأركان . قال أحمد بن حنبل : لو قرأت هذا الإسناد على مجنون لبرئ . قيل : إنه قرئ على مصروع فأفاق . ومنهم العلامة أبو الفرج علي بن الحسين بن محمد الإصبهاني في مقاتل الطالبيين (ص 362 ط دار إحياء علوم الدين ، بيروت) قال : حدثني أحمد بن عبيد الله بن عمار ، قال : حدثني محمد بن عبد الله المدائني ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثني بعض أصحابنا : إن الرشيد لما حج لقيه موسى بن جعفر على بغلة . فقال له الفضل بن الربيع : ما هذه الدابة التي تلقيت عليها أمير المؤمنين ؟ فأنت إن

ص 616

طلبت عليها لم تدرك ، وإن طلبت لم تفت . قال : إنها تطأطأت عن خيلاء الخيل ، وارتفعت عن ذلة العير ، وخير الأمور أوسطها .

ومن كلماته عليه السلام

رواها جماعة من أعلام العامة في كتبهم : فمنهم الحافظ شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز الذهبي في سير أعلام النبلاء (ج 9 ص 391 ط مؤسسة الرسالة ، بيروت) قال : قال المبرد : عن أبي عثمان المازني قال : سئل علي بن موسى الرضا : أيكلف الله العباد ما لا يطيقون ؟ قال : هو أعدل من ذلك ، قيل : فيستطيعون أن يفعلوا ما يريدون ؟ قال : هم أعجز من ذلك . ومنهم العلامة يعقوب بن علي المعروف بسيد علي زادة في شرح شرعة الإسلام (ص 543 ط دار الكتب العلمية ، بيروت) قال : قال خلف بن حماد رحمه الله : رآني علي بن موسى الرضا وأنا أشتكي عيني ، فقال : ألا أدلك على شيء إذا فعلته لم تشتك عينك ؟ فقلت : بلى . قال : خذ من شاربك كل خميس . قال : ففعلت ولم تتجع عيني - ذكره في أنس الوحيد . ومنهم العلامة عبد الكريم بن محمد الرافعي القزويني في التدوين (ج 1 ص 438 ط بيروت) قال : أنبأ عن القاضي عبد الملك ، سمعت الشيخ الجد ، سمعت المعافى بن زكريا ، يقول : ثنا الحسين بن القاسم الكوكبي ، ثنا جرير بن أحمد بن أبي داود ، سمعت العباس بن مأمون ، سمعت أمير المؤمنين يقول : قال لي علي بن موسى : ثلاثة موكل بها ثلاثة :

ص 617

تجاهل الأيام على ذوي الآداب الكاملة ، واستيلاء الحرمان على المتقدم في صنعته ، ومعاداة العوام لأهل المعرفة . ومنهم الحافظ شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز الذهبي في سير أعلام النبلاء (ج 9 ص 388 ط مؤسسة الرسالة ، بيروت) قال : وعن علي بن موسى الرضا ، عن أبيه قال : إذا أقبلت الدنيا على انسان ، أعطته محاسن غيره ، وإذا أدبرت عنه سلبته محاسن نفسه . وقال أيضا في ص 389 : قال أحمد بن خالد الذهلي الأمير : صليت خلف علي الرضا بنيسابور ، فجهر ببسم الله الرحمن الرحيم في كل سورة . وقال أيضا في ص 389 : ويروى عن علي الرضا عن آبائه : كل شيء بقدر حتى العجز والكيس . وقال أيضا : وعن أبي الصلت قال : سمعت علي بن موسى بالموقف يدعو : اللهم كما سترت علي ما أعلم فاغفر لي ما تعلم ، وكما وسعني علمك فليسعني عفوك ، وكما أكرمتني بمعرفتك فاشفعها بمغفرتك يا ذا الجلال والاكرام .

ومن كلامه عليه السلام في الإمامة

رواه جماعة من أعلام العامة في كتبهم : فمنهم الفاضل المعاصر المستشار عبد الحليم الجندي في الإمام جعفر الصادق

ص 618

(ص 174 ط المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية ، القاهرة) قال في تعاليق الكتاب : يقول الإمام الرضا : الإمامة منزلة الأنبياء ووراثة الأوصياء ، الإمامة خلافة الله وخلافة الرسول ، والإمامة زمام الدين ونظام المسلمين وصلاح الدنيا وعز المؤمنين .

كلامه عليه السلام للمأمون في جده العباس

رواه جماعة من أعلام العامة في كتبهم : فمنهم العلامة الحافظ شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز الذهبي في سير أعلام النبلاء (ج 9 ص 391 ط مؤسسة الرسالة ، بيروت) قال : قيل : قال المأمون للرضا : ما يقول بنو أبيك في جدنا العباس ؟ قال : ما يقولون في رجل فرض الله طاعة نبيه على خلقه ، وفرض طاعته على نبيه . وهذا يوهم في البديهة أن الضمير في طاعته للعباس ، وإنما هو لله . فأمر له المأمون بألف ألف درهم .

ومن كلامه عليه السلام في الشيعة

رواه جماعة من أعلام العامة في كتبهم : فمنهم العلامة الشريف السيد محمد بن عبد الرسول البرزنجي الحسيني الموسوي الشافعي الشهرزوري المدني المتوفى سنة 1103 في كتابه الإشاعة لأشراط الساعة (ص 42 ط دار الكتب العلمية في بيروت) قال : وعن موسى بن علي بن الحسين بن علي عليهم السلام وكان فاضلا عن أبيه عن جده قال : إنما شيعتنا من أطاع الله تعالى وعمل مثل أعمالنا .

ص 619

ومن كلامه عليه السلام

رواه جماعة من أعلام العامة في كتبهم : فمنهم الفاضل المعاصر الشريف علي بن الدكتور محمد عبد الله فكري الحسيني القاهري المولود بها سنة 1296 والمتوفى بها أيضا 1372 في أحسن القصص (ج 4 ص 284 ط دار الكتب العلمية في بيروت) قال : قال إبراهيم بن العباس : سمعت الرضا يقول وقد سأله رجل : يكلف الله العباد ما لا يطيقون ؟ فقال : هو أعدل من ذلك . قال : فيقدرون على كل ما يريدون ؟ قال : هم أعجز من ذلك . وعن ياسر الخادم قال : سمعت علي الرضا بن موسى يقول : أوحش ما يكون هذا الخلق في ثلاثة مواضع : يوم يولد إلى الدنيا ويخرج المولود من بطن أمه فيرى الدنيا ، ويوم يموت فيرى الآخرة وأهلها ، ويوم يبعث فيرى أحكاما لم يرها في دار الدنيا ، وقد سلم الله تعالى على يحيى في هذه الثلاثة المواطن وأمن روعته ، فقال : (وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا) . وقد سلم عيسى بن مريم على نفسه في هذه الثلاثة المواطن فقال : (والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا) .

ومن كلامه عليه السلام

رواه جماعة من أعلام العامة في كتبهم : فمنهم العلامة الحافظ جمال الدين أبو الحجاج يوسف المزي في تهذيب الكمال في أسماء الرجال (ج 21 ص 151 ط مؤسسة الرسالة ، بيروت) قال : وقال محمد بن يزيد المبرد ، عن أبي عثمان المازني : سئل علي بن موسى الرضا :

ص 620

يكلف الله العباد ما لا يطيقون ؟ قال : هو أعدل من ذلك . قال : يستطيعون أن يفعلوا ما يريدون ؟ قال : هم أعجز من ذلك . وقال أبو بكر بن يحيى الصولي : حدثنا محمد بن يحيى بن أبي عباد ، قال : حدثني عثمان ، قال : سمعت علي بن موسى الرضا رحمه الله يوما ينشد شعرا : كلنا يأمل مدا في الأجل * والمنايا هن آفات الأمل لا تغرنك أباطيل المنى * والزم القصد ودع عنك العلل إنما الدنيا كظل زائل * حل فيه راكب ثم رحل

ومن كلامه عليه السلام في من اسمه محمد

رواه جماعة من أعلام العامة في كتبهم : فمنهم العلامة أمين الدولة أبو الغنائم مسلم بن محمد الشيرازي المتوفى سنة 622 في جمهرة الإسلام ذات النثر والنظام (ص 19 ط معهد تاريخ العلوم في فرانكفورت بالتصوير عن مخطوطة مكتبة جامعة ليدن في هولندا سنة 1407) قال : وبه قال : أنبأ أبو يعقوب يوسف بن عامر الطائي ، نبأ أبي ، أنبأ علي بن موسى الرضا ، عن أبيه ، عن جده جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جده ، عن الحسين بن علي بن أبي طالب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا سميتم الولد محمدا فأكرموه ، ووسعوا له في المجالس ، ولا تقبحوا له وجها .

ومن كلامه عليه السلام

رواه جماعة من أعلام العامة في كتبهم : فمنهم المحقق المعاصر محمد عبد القادر عطا في تعليقاته على كتاب الغماز على

ص 621

اللماز للعلامة السمهودي (ص 72 ط دار الكتب العلمية ، بيروت) قال في تعليقه على حديث الإيمان عقد بالقلب وإقرار باللسان وعمل بالأركان : أخرجه ابن ماجة من حديث عبد السلام بن صالح الهروي ، عن علي بن موسى الرضا ، عن أبيه ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن علي بن الحسين ، عن أبيه ، عن علي مرفوعا بلفظ الترجمة . وقال أيضا في ص 80 في تعليقه على حديث تختموا بالعقيق : وأخرجه أيضا الديلمي من طريق علي بن مهرويه القزويني ، عن داود بن سليمان ، عن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي ، عن أبيه ، عن أبيه ، عن أبيه ، عن أبيه ، عن أبيه ، عن أبيه ، بلفظ وتختموا بالعقيق فإنه لا يصيب أحدكم غم ما دام عليه . وقال السخاوي : وعلي بن مهرويه صدوق ، وداود بن سليمان ، يقال له الغازي ، وهو جرجاني : كذبه ابن معين .

ص 622

كلمات أعلام العامة في شأنه عليه السلام

ننقل فيما يلي بعض ما قيل فيه عليه السلام من أقوال الأعلام : فمنهم الفاضل المعاصر الشريف علي بن الدكتور محمد عبد الله فكري الحسيني القاهري المولود بها سنة 1296 والمتوفى بها أيضا 1372 في أحسن القصص (ج 4 ص 289 ط دار الكتب العلمية في بيروت) قال : علمه وفضله : قال إبراهيم بن العباس : ما رأيت الرضا سئل عن شيء إلا علمه ، ولا رأيت أعلم منه بما كان في الزمان إلى وقت عصره ، وكان المأمون يمتحنه بالسؤال عن كل شيء فيجيبه الجواب الشافي الكافي . تعبده : وكان قليل النوم ، كثير الصوم ، لا يفوته صوم ثلاثة أيام من كل شهر . ويقول : ذلك صيام الدهر . معروفه وتصدقه : وكان كثير المعروف والصدقة ، وأكثر ما يكون ذلك منه في الليالي المظلمة . كرمه وجوده : من كرمه أن أبا نواس مدحه بأبيات فأمر غلامه بأن يعطيه ثلاثمائة دينار كانت معه ، ومدحه دعبل الخزاعي بقصيدة طويلة فأنفذ إليه صرة فيها مائة دينار واعتذر إليه .

ص 623

زهده وورعه : كان زاهدا ورعا وكان جلوسه في الصيف على حصير وفي الشتاء على مسح . ومنهم الفاضل المعاصر الهادي حموفي أضواء على الشيعة (ص 134 ط دار التركي) قال : هو أبو الحسن علي الرضا بن موسى الكاظم ، كان في عهد المأمون ، وقد تغير الوضع السياسي بانتصاره على أخيه الأمين وذلك بفضل تدبير الوزير الفضل بن سهل ، فكأن الأيام كفرت لعلي الرضا عما ناله أبوه من الاعتساف فارتأى المأمون أن يقربه ويزوجه أخته أم حبيب وتم ذلك في حفل مشهود استحضر له المأمون أولاد العباس رجالا ونساء وهو بمدينة مرو بخراسان ، وأعلن على الأشهاد أنه لم يجد أفضل ولا أحق بالأمر من علي الرضا ، فبايع له بولاية العهد ، وأمر بإزالة السواد والأعلام ، وضرب اسمه على الدينار والدرهم ، وكان أثناء ذلك يتودد للرضا ويعتذر قائلا : هذه أرحام قطعت منذ مائتي عام . وأغضب عمل المأمون هذا الشق العباسي المستقر في العراق إذ رأى فيه تحولا سياسيا خطيرا على مستقبل العباسيين ، فأعلن الثورة على المأمون وخلعه وبايع عمه إبراهيم بن المهدي ، وكان من اضطراب الأحوال السياسية ما كان حتى توفي الرضا أو دس له (حسب رواية الشيعة) سما في العنب فمات ، تخلصا من مشاكل الوضع الذي أوجده ودفن بطوس . وعلى كل فالإمام الرضا كان في أزهى عصور الحضارة الإسلامية فقد عاصر المأمون حقبة ، وكان له في مجالسه العلمية ونشاطه الفكري نصيب عظيم ، وكان المأمون يخصه بعقد المناظرات ويجمع له العلماء والفقهاء والمتكلمين من جميع الأديان فيسألونه ويجيب الواحد تلو الآخر حتى لا يبدي أحد منهم إلا الاعتراف له بالفضل ويقر على نفسه بالقصور أمامه . وقد جمع له عيسى اليقطيني كتابا فيه 18

ص 624

مسألة وأجوبتها لكن هذا الكتاب قد فقد مع ألوف الكتب التي خسرتها المكتبة العربية الإسلامية . ويقولون : إن المأمون طلب إلى الرضا أن يؤلف له كتابا يجمع الأصول وعلم الحلال والحرام وفرائض الدين والسنة فاستجاب له الرضا . ومما قاله فيه عن الإمامة : إن الدليل من بعده - النبي - والحجة على المؤمنين والقائم بأمور المسلمين والناطق على القرآن والعالم بأحكامه أخوه وخليفته ووصيه ووليه الذي كان منه بمنزلة هارون من موسى ، علي بن أبي طالب ثم بعده الحسن والحسين ، ثم ذكر الأئمة واحدا بعد واحد ووصفهم بأنهم عترة الرسول وأعلمهم بالكتاب والسنة وأعدلهم في القضية وأولاهم بالإمامة ، وهم العروة الوثقى وأئمة الهدى ، والحجة على أهل الدنيا ، وكل من خالفهم ضال مضل تارك للهدى والحق . ثم يذكر عقائد الشيعة كالتقية فيقول : لا حنث على من حلف تقية يدفع به ظلما عن نفسه . ويرى أحمد محمود صبحي أن الرضا هدف بكتابه هذا إلى إبعاد كل صفة روحية للخلفاء ونفي كل سلطة دينية عنهم ولا يجعلهم إلا حكاما زمنيين شأن اتجاه الأمم في العصور الحديثة من الفصل بين السلطة الدينية والسلطة الزمانية أو شأن بني إسرائيل بعد موسى إذا كان لهم أنبياؤهم وقضاتهم الذين لا تخضع الملوك لتوجيهاتهم وتعليماتهم القدسية . ولدى الشيعة الآن أثر أنيق التعبير شيق الأسلوب يدعونه صحيفة الرضا . وهي تتضمن عقائد الاثني عشرية في وجوب الإمامة على الله لطفا منه ورحمة بعباده وفي منزلة الأئمة وعلمهم الموروث ونقد نظام الحكم بالبيعة والاختيار ، وهذه فقرة منها : الإمامة منزلة الأنبياء ، وإرث الأوصياء ، والإمامة زمام الدين ونظام المسلمين . . . والإمام : الماء العذب على الظما ، والدليل على الهدى ، والمنجي من الردى ، والإمام : مطهر من الذنوب مبرء من العيوب مخصوص بالفضل كله ، من غير طلب منه ولا اكتساب ، بل اختصاص من المفضل الوهاب ، فمن ذا الذي يمكنه اختياره ؟

ص 625

هيهات هيهات . ، ضلت العقول وحارت الألباب . . . لقد راموا صعبا وقالوا إفكا ، إذ تركوا أهل بيت نبيه عن بصيرة ورغبوا عن اختيار الله ورسوله ، والقرآن ينادي (وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة من أمره) (68 - القصص : 28) . ونرى في مثل هذا الكلام على ما فيه من توجيه الآية غير وجهتها ، نثرا فنيا جيدا يعكس إشراقة الحياة الأدبية التي كانت تنير الذهن وتهذيب الذوق وتطلق الألسنة بالكلام الطلي في كل لون من ألوان المعرفة ، وكيف لا يكون الأمر كذلك في عصر ظهر فيه أمثال عبد الحميد الكاتب وعبد الله بن المقفع وأمثال أبي نواس وأبي العتاهية . وقد قال صاحب لأبي نواس : ما رأيت أوقح منك ؟ ما تركت خمرا ولا طودا ومغني إلا قلت فيه شيئا وهذا علي بن موسى الرضا رضي الله عنهما ، في عصرك لم تقل فيه شيئا . فقال : والله ما تركت ذلك إلا إعظاما له ، وليس قدر مثلي أن يقول في مثله ، ثم بعد ساعة أنشد هذه الأبيات : قيل لي أنت أحسن الناس طرا * في فنون من الكلام النبيه لك في جيد القريظ مديح * يثمر الدر في يدي مجتبيه فعلام تركت مدح ابن موسى * والخصال التي تجمعن فيه ؟ قلت : لا أستطيع مدح إمام * كان جبريل خادما لأبيه ومنهم الأستاذ عبد المتعال الصعيدي المصري الأزهري في المجددون في الإسلام (ص 88 ط مكتبة الآداب) قال : وقد قيل لأبي نواس : علام تركت مدح علي بن موسى والخصال التي تجمعن فيه ؟ فقال : لا يستطيع مدح أمام كان جبريل خادما لأبيه ، والله ما تركت ذلك إلا إعظاما له ، وليس قدر مثلي أن يقول في مثله - فذكر مثل ما تقدم آنفا إلا أن فيه : القريض ، مكان القريظ ، ومجتنيه ، مكان مجتبيه . ومنهم الفاضل الأمير أحمد حسين بهادرخان الحنفي البريانوي الهندي في كتابه

ص 626

تاريخ الأحمدي (ص 36 ط بيروت سنة 1408) قال في ترجمة الإمام موسى بن جعفر عليهما السلام : وفي الصواعق قال : وكان أولاده حين وفاته سبعة وثلاثين ذكرا وأنثى منهم علي الرضا وهو أجلهم قدرا . ودر حبيب السير است كه افضل اولاد امام موسى بلكه اشرف جميع برايا على بن موسى الرضا بود . ودر وسيلة النجات است كه آن حضرت را از آباء واجداد علم ما كان وما يكون به وراثت رسيده . ودر روضة الاحباب است كه على الرضا رضى الله عنه با مردم سخن ميكرد به لغات ايشان وامام رضا فصيح ترين مردم بود وداناترين به همه زبانى ولغتى . علاء الدين قونوى در شرح حاوى صغير قزوينى وملامحمد مبين لكهنوى در وسيلة النجات از جامع الاصول ابن اثير نقل فرموده كه مجدد مذهب اماميه بر سرمايه ثانيه على بن موسى الرضا بود . إلى أن قال في ص 345 : قال ابن الوردي : ثم دخلت سنة إحدى ومائتين فيها جعل المأمون علي الرضا بن موسى الكاظم ولي عهد المسلمين والخليفة من بعده ، وصعب ذلك علي بني العباس . وفي شرح المواقف قال : وفي كتاب قبول العهد الذي كتبه علي بن موسى رضي الله عنهما إلى المأمون : إنك قد عرفت من حقوقنا ما لم يعرفه آباؤك فقبلت منك عهدك إلا أن الجفر والجامعة يدلان على أنه لا يتم . قال السيد الشريف الجرجاني : الجفر والجامعة هما كتابان لعلي رضي الله عنه قد ذكر فيهما على طريقة علم الحروف الحوادث التي تحدث إلى انقراض العالم وكانت الأئمة المعروفون من أولاده يعرفونهما ويحكمون بهما . ودر وسيلة النجات است كه چون مأمون از امام على الرضا گفت كه اراده كرده ام كه خود را از خلافت عزل كنم وامامت را به تو بگذارم وبا تو بيعت كنم حضرت

ص 627

فرمود كه : اگر خلافت را خدا براى تو قرار داده است ترا جائز نباشد كه به ديگر بخشى وخود را از آن معزول كنى واگر خلافت از تو نيست تو را اختيار آن نيست كه به ديگرى تفويض كنى . مأمون گفت : يابن رسول الله لازم است كه درخواست ما قبول كنى . حضرت فرمود كه : به رضاى خود هرگز قبول نخواهم كرد . تا مدت دو ماه اين سخن در ميان بود وچندان كه او مبالغه مى كرد حضرت امتناع مى نمود . چون مأمون از قبول خلافت آن حضرت مأيوس شد گفت : هرگاه كه خلافت را قبول نمى كنى پس ولايت عهد من اختيار كن . حضرت فرمود كه : پدر بزرگوارم مرا خبر داد كه پيش تو از دنيا بيرون خواهم رفت ومرا به سم بخواهند كشت . . . بعد از آن فرمود كه : خير قبول مى كنم به اين شرط كه كسى را نصب نكنم واحدى را عزل ننمايم وبه بساط حكومت از دور نظر كنم . مأمون به اين شرائط از آن حضرت راضى شد . پس حضرت روى بسوى آسمان برداشت وگفت : خداوندا تو مى بينى مرا اكراه كرد وبه ضرورت اين امر را اختيار كردم . پس مرا مؤاخذه مكن چنانچه مؤاخذه نكردى دو بنده پيغمبر خود يوسف ودانيال را در هنگامى كه قبول كردند ولايت را از جانب پادشاهان در زمان خود . خداوندا عهدى نيست مگر عهد وولايتى نمى باشد مگر از جانب . . . پس محزون وگريان ولايت عهد را از مأمون قبول كرد . . . وهرگاه كه بيعت آن حضرت منعقد گشت وروز عيد آمد مأمون به آن حضرت گفت كه براى نماز سوار شوند ونماز وخطب براى مردمان بخوانند . حضرت فرمود : تو ميدانى كه من با تو شرط كرده ام كه از دور به به بساط حكومت نظر كنم . مرا از نماز عيد وخطبه معاف داريد . مأمون بسيار إلحاح وزارى پيش آمد . ناچار حضرت فرمود كه : اگر معاف دارى بهتر واگر معاف ندارى پس بيرون خواهم آمد بسوى مصلاى عيد چنانكه بيرون مى آمد رسول خدا صلعم . مأمون گفت : هر طورى كه بخاطر شريف بيايد تشريف فرما شو وامر كرد به خادمان ولشكريان كه به در حضرت على بن

ص 628

موسى الرضا حاضر شوند تا آفتاب طلوع كرد وآن حضرت وضو فرمود وجامه ها پوشيد ودستار سفيد بر سر مبارك بست ويك طرف شمله آن بر سينه بى كينه خود گذاشت وخوشبو ماليد وعصا در دست گرفت ومواليان را حكم كرد كه شما هم غسل كنيد وجامه ها بپوشيد . همه امر بجا آوردند . پس اراده رفتن بيرون فرمود . بعد از دو سه گام ايستاده شده سر خود را بسوى آسمان برداشت وگفت : الله اكبر الله اكبر . مواليان همه نيز گفتند . . . راوى گويد كه به نظر ما مى آيد كه در وديوار وزمين وآسمان آن حضرت را جواب مى دهند وتمام اهل مرو در گريه وزارى وآه وناله وبيقرارى درآمدند واين خبر به مأمون رسيد . فضل بن سهل كه وزير ومشير او بود گفت كه : على بن موسى الرضا به مصلى عيد همين حال خواهد رفت . خدا داند كه چه فتنه برپا گردد وچه هنگامه شود ومى ترسم كه چگونه سلامت خواهيم ماند . پس مأمون يكى از خواص خود را به خدمت آن حضرت فرستاد كه من آن حضرت را تكليف دادم ودر مشقت انداختم ودوست ندارم كه به آن حضرت مشقتى برسد . آن حضرت مراجعت به خانه خود فرمايد وبه مصلى عيد تشريف نبرد . ومنهم الفاضل المعاصر باقر أمين الورد - المحامي عضو اتحاد المؤرخين العرب في معجم العلماء العرب (ج 1 ص 153 عالم الكتب ومكتبة النهضة العربية ، بيروت) قال : علي بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق ، أبو الحسن الملقب بالرضا : ثامن الأئمة الاثني عشر عند الإمامية ومن أجلاء السادة أهل البيت وفضلائهم . ولد في المدينة وكان أسود اللون . أمه حبشية وأحبه المأمون العباسي فعهد إليه بالخلافة من بعده وزوجه ابنته وضرب اسمه على الدينار والدرهم وغير من أجله الزي العباسي الذي هو السواد فجعله أخضر وكان هذا شعار أهل البيت فاضطرب العراق وثار أهل بغداد فخلعوا المأمون وهو في طوس وبايعوا لعمه إبراهيم بن المهدي فقصدهم المأمون بجيشه فاختبأ إبراهيم ثم استسلم وعفى عنه المأمون .

ص 629

ومات علي الرضا في حياة المأمون بطوس فدفنه إلى جانب أبيه الرشيد ولم تتم له الخلافة . وعاد المأمون إلى السواد . فاستأنف القلوب ورضي عنه الناس وقد كتب الإمام الرضا عليه السلام رسالة في الطب حيث خاطب فيها المأمون الخليفة العباسي قال فيها : إعلم أمير المؤمنين أن الله تعالى لم يبتل عبده المؤمن ببلاء حتى جعل له دواء يعالج به ولكل صنف من الداء صنف من الدواء وتدبير ونعت . وذلك لأن الأجسام الانسانية جعلت على مثال ذلك فملك الجسد هو القلب والعمال العروق والأوصال والدماغ . والأعوان يداه ورجلاه وعيناه وشفتاه ولسانه وأذناه . وخزانته معدته وبطنه . وحجابه صدره . ويسترسل في ذكر أعضاء الجسم كافة صغيرها وكبيرها ويذكر أعمالها وفوائدها وكيفية المحافظة عليها والعناية بها وعلاجها . ثم يذكر في الرسالة التي أعجب بها المأمون وأمر بكتابتها بالذهب لذلك سميت بالرسالة الذهبية . ثم يذكر فيها فصول السنة وكيفية الحفاظ على الجسم البشري من تغيير بسبب تبدل حرارة الجو والتغيرات الأخرى . وما يستحب من الأطعمة في مختلف فصول السنة وما يستحسن القيام به من أعمال . ومنهم الفاضل المعاصر خير الدين الزركلي في الأعلام (ج 5 ص 178 الطبعة الثالثة) - فذكر عين ما مر عن معجم العلماء العرب إلى ورضي عنه الناس .

ص 630

القصيدة التائية لدعبل في أهل البيت وأنشأها للرضا عليه السلام

رواها جماعة من أعلام العامة في كتبهم : فمنهم العلامة الحافظ جمال الدين أبو الحجاج يوسف المزي في تهذيب الكمال في أسماء الرجال (ج 21 ص 150 ط مؤسسة الرسالة ، بيروت) قال : وقال أيضا : بلغني أن دعبل بن علي وفد على الرضا عليه السلام بخراسان ، فلما دخل عليه قال : إني قد قلت قصيدة ، وجعلت على نفسي ألا أنشدها أحدا أول منك . قال : هاتها . فأنشده قصيدته التي يقول فيها : أحب قصي الرحم من أجل حبكم * وأهجر فيكم زوجتي وبناتي وأكتم حبيكم مخافة كاشح * عنيف لاهل الحق غير موات ألم تر أني مذ ثلاثين حجة * أروح وأغدو دائم الحسرات أرى فيأهم في غيرهم متقسما * وأيديهم من فيئهم صفرات فلولا الذي أرجوه في اليوم أوغد * تقطع نفسي دونه حسرات خروج إمام لا محالة خارج * يقوم على اسم الله والبركات يميز فينا كل حق وباطل * ويجزي على الأهواء بالنقمات فيا نفس طيبي ثم يا نفس أبشري * فغير بعيد كل ما هو آت

ص 631

قال : فلما فرغ من إنشاده قام الرضا عليه السلام ، فدخل منزله ، وبعث إليه خادما بخرقة خز فيها ست مائة دينار ، وقال للخادم : قل له : يقول لك مولاي : استعن بهذه على سفرك واعذرنا . فقال له دعبل : لا والله ما هذا أردت ولا له خرجت . ولكن قل له : إكسني ثوبا من أثوابك . وردها عليه . فردها عليه الرضا عليه السلام ، وبعث إليه معها بجبة من ثيابه ، وخرج دعبل حتى ورد قم ، فنظروا إلى الجبة فأعطوه بها ألف دينار ، فقال : لا والله ولا خرقة منها بألف دينار ، ثم خرج من قم فاتبعوه وقطعوا عليه ، وأخذوا الجبة ، فرجع إلى قم ، فكلمهم . فقالوا : ليس إليها سبيل ، ولكن هذه ألف دينار . قال : وخرقة منها . فأعطوه ألف دينار ، وخرقة من الجبة . ومنهم العلامة الحافظ شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز الذهبي في سير أعلام النبلاء (ج 9 ص 391 ط مؤسسة الرسالة ، بيروت) قال : وقيل : إن دعبلا الخزاعي أنشد علي بن موسى مدحة ، فوصله بست مائة دينار ، وجبة خز ، بذل له فيها أهل قم ألف دينار ، فامتنع وسافر . فجهزوا عليه من قطع عليه الطريق ، وأخذت الجبة . فرجع وكلمهم ، فقالوا : ليس إلى ردها سبيل . وأعطوه الألف دينار وخرقة من الجبة للبركة . ومنهم العلامة أمين الدولة أبو الغنائم مسلم بن محمود الشيزري المتوفى سنة 632 في جمهرة الإسلام ذات النثر والنظام (ص 118 ط معهد تاريخ العلوم في فرانكفورت بالتصوير عن مخطوطة مكتبة جامعة ليدن) قال : قال الرياشي : مما يستحسن من شعر دعبل ، لإحكام وضعه وحسن وصفه كلمته التي يرثي بها آل رسول الله صلى الله عليه وسلم وبسبب هذه القصيدة رضي عليه المأمون بعد غضبه ، وهي : مدارس آيات خلت من تلاوة * ومنزل وحي مقفر العرصات

ص 632

لآل رسول الله بالخيف من منى * وبالركن التعريف والجمرات

ديار علي والحسين وجعفر * وحمزة والسجاد ذي الثفنات

ذو الثفنات علي بن الحسين ، وكان يصلي في كل يوم ألف ركعة حتى صار بجبهته وركبته مثل ثفن البعير غلظا وصلابة .

ديار عفاها جور كل منابذ * ولم تعف بالأيام والسنوات

قفا نسأل الدار التي خف أهلها * متى عهدها بالصوم والصلوات

وأين الأولى شطت بهم غربة النوى * أفانين في الأطراف منقبضات

هم أهل ميراث النبي إذ اعتزوا * فهم خير قادات وخير حمات

وما الناس إلا غاصب ومكذب * ومصطعن ذو إحنة وترات

إذا ذكروا قتلى ببدر وخيبر * ويوم حنين أسكبوا العبرات

وكيف يحبون النبي وأهله * وقد تركوا أجسادهم وغيرات

لقد لاينوه في المقال وأضرموا * قلوبا على الأحقاد منطويات

قبور بكوفان وأخرى بطيبة * وأخرى بفخ نالها صلوات

قوله قبور بكوفان يعني قبر أمير المؤمنين كرم الله وجهه ، وقبر عبد الله وإبراهيم والحسن وأولادهم وبني أبيهم ستة عشر رجلا ما توافي حبس المنصور من بني حسن وسليمان بن عبد الله بن حسن والحسن بن محمد بن عبد الله بن حسن في جماعة منهم قبله عيسى بن موسى في الموسم بفخ أيام . وقوله قبر بطيبة فهو قبر محمد بن عبد الله النفس الزكية .

وقبر بأرض الجوزجان محله * وقبر بباخمرا لدى الغربات

وقبر ببغداد لنفس زكية * تضمنها الرحمن في العرصات

قوله قبر بأرض الجوزجان يعني قبر يحيى بن زيد بن علي بن الحسين ، وقوله قبر بباخمرا وهو قبر إبراهيم بن عبد الله بن الحسن ، وقوله قبر ببغداد يعني قبر موسى بن جعفر بن محمد .

ص 633

وقبر بطوس يا لها من مصيبة * تردد من الصدر والحجبات

قوله قبر بطوس يعني علي بن موسى الرضا ، وهو الذي جعل المأمون الأمر إليه من بعده .

فأما الممضات التي لست بالغا * مبالغا مني بكنه صفات

أبى الله حتى يبلغ الله قائما * يفرج منها الهم والكربات

نفوس لدى النهرين من بطن كربلا * معرسهم منها بشط فرات

أخاف بأن أزدادهم وتشوقني * معرسهم بالجزع من نخلات

تقسمهم ريب المنون فما ترى * لهم عفوة مغشية الحجرات

خلا أن منهم بالمدينة عصبة * مذادون أنضاء من العزمات

قليلة زوار خلا أن زورا * من الضبع والعقبان والرخمات

لها كل حين نومة بمضاجع * لهم من نواحي الأرض مختلفات

وقد كان منهم بالحجاز وأرضها * مغاوير نجادون في السنوات

تنكبت لأواء السنين جوارهم * فلم تصطليهم جمرة الجمرات

حمى لم تطره المبديات وأوجه * تضئ من الأستار في الظلمات

إذا وردوا خيلا تشمص بالقنا * مشارع موت أقحموا الغمرات

وإن فخروا يوما أتوا بمحمد * وجبريل والقرآن والسورات

أولئك لا من شيخ هند وتربها * سمية من نوكا ومن خدرات

ملامك في آل النبي لأنهم * أوداى ما عاشوا وأهل ثقاتي

تخيرتهم رشدا لأمري لأنهم * على كل حال خيرة الخيرات

نبذت إليهم بالمودة جاهدا * وسلمت نفسي طائعا لولاتي

فيا رب زدني في يقيني بصيرة * وزد حبهم يا رب في حسناتي

بنفسي أفدي من كهول وفتية * لفك عتاه أو لحمل ديات

وللخيل ما قيد الموت خطوها * فأطلقتم منهن بالذربات

ص 634

أحب قصي الأهل من أجل حبكم * وأهجر فيكم زوجتي وبناتي

وأكتم حبيكم مخافة كاشح * عنيف بأهل الحق غير موات

لقد خفت في الدنيا وأيام سعيها * وإني لأرجو الأمن بعد وفاتي

ألم تر أني مذ ثلاثون حجة * أروح وأغدو دائم الحسرات

أرى فيئهم في غيرهم متقسما * وأيديهم من فيئهم صفرات

وآل رسول الله تحفا جسومهم * وآل زياد غلظ القصرات

إذا أوتروا مدوا إلى واتريهم * أكفا من الأور منقبضات

فلولا الذي نرجوه في اليوم أو غد * يقطع قلبي أثرهم حسرات

خروج إمام لا محالة خارج * يقوم على اسم الله والبركات

يميز فينا كل حق وباطل * ويجزي على النعماء والنقمات

فيا نفس طيبي ثم يا نفس أبشري * فغير بعيد كلما هو آتي

ولا تجزعي من مدة الجور إنني * كأني بها قد آذنت ببتات

شفيت ولم أترك رزية * ورويت منهم منصلي وقناتي

عسى الله أن يأوى لذا الخلق إنه * إلى كل قوم دائم اللحظات

تقاصر نفسي جاهدا عن جدالهم * كفاني ما ألقي من العبرات

أحاول نقل الشم عن مستقرها * وإسماع أحجار من الصلدات

فمن عارف لم ينتفع ومعاند * تميل به الأعداء للشهوات

إذا قلت عرفا أنكروه بمنكر * وغطوا على التحقيق بالشبهات

فقصدي منهم أن أؤوب بغصة * تردد بين الصدر واللهوات

كأنك بالأضلاع قد ضاق رحبها * لما ضمنت من شدة الزفرات

ص 635

ومنهم الفاضل المعاصر الشيخ يوسف بن عيسى القناعي الكويتي كان حيا في سنة 1384 في كتابه الملتقطات (ج 2 ص 192 ط مطبعة حكومة الكويت) قال : من قصيدة لدعبل الخزاعي

مدارس آيات خلت من تلاوة * ومنزل وحي مقفر العرصات

لآل رسول الله بالخيف من منى * وبالركن والتعريف والجمرات

ديار علي والحسين وجعفر * وحمزة والسجاد ذي الثفنات

فيا رب زدني من يقيني بصيرة * وزد حبهم يا رب في حسناتي

ومنهم العلامة أحمد بن أحمد المشتهر بالشافعي الصغير في تحفة الراغب في سيرة جماعة من أعيان أهل البيت الأطايب (ص 19 ط مطبعة محمد أفندي مصطفى) قال : وقال دعبل بن قصيدة طويلة :

مدارس آيات خلت من تلاوة * ومنزل وحي مقفر العرصات

لآل رسول الله بالخيف من منى * وبالبيت والتعريف والجمرات

قفا نسأل الدار التي باد أهلها * متى عهدها بالصوم والصلوات

وأين الأولى شطت بهم غربة النوى * أفانين بالأطراف مفتقرات

هم أهل ميراث النبي إذ انتموا * وهم خير سادات وخير حمات

تقسمهم ريب المنون فلا ترى * لهم عفوة مغشية الحجرات

بنفسي ثقاة من كهول وفتية * لفك عناة أو لتحميل ديات

إذا أوتروا مدوا إلى واتريهم * أكفا عن الفحشاء منقبضات

وإن فخروا يوما أتوا بمحمد * وجبريل والفرقان والسورات

أحب قصي الرحم من أجل حبهم * وأهجر فيهم زوجتي وخواتي

ولولا الذي أرجوه في اليوم أو غد * لقطع قلبي بينهم قطعات

خروج إمام لا محالة عادل * يقوم على اسم الله والبركات

ص 636

يميز فينا كل حق وباطل * ويجزي على النعماء والنقمات

فيا نفس طيبي ثم يا نفس أبشري * فغير بعيد كل ما هو آتي

ولا تجزعي من مدة الجور واصبري * كأني بها قد آذنت ببتات

ص 637

من ذكر الإمام الرضا عليه السلام

كتب عنه جماعة من الأعلام فيما كتبوا عن حياته : فمنهم العلامة الحافظ جمال الدين أبو الحجاج يوسف المزي في تهذيب الكمال في أسماء الرجال (ج 21 ص 149 ط مؤسسة الرسالة ، بيروت) قال : حدثني موسى بن سلمة ، قال : كنت بخراسان مع محمد بن جعفر ، فسمعت أن ذا الرياستين خرج ذات يوم وهو يقول : واعجبا ! وقد رأيت عجبا ، سلوني ما رأيت . قالوا : ما رأيت أصلحك الله ؟ قال : رأيت أمير المؤمنين المأمون يقول لعلي بن موسى : قد رأيت أن أقلدك أمر المسلمين وأفسخ ما في رقبتي وأجعله في رقبتك . ورأيت علي بن موسى يقول : يا أمير المؤمنين لا طاقة لي بذلك ولا قوة . فما رأيت خلافة قط أضيع منها ، أمير المؤمنين يتقضى منها ، ويعرضها على علي بن موسى ، وعلي بن موسى يرفضها ويأباها . وقال أبو الحسين أيضا : حدثني من سمع عبد الجبار بن سعيد على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : هذا علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين : ستة آباء هم ما هم * خير من يشرب صوب الغمام ومنهم العلامة الحافظ شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز الذهبي في سير أعلام النبلاء (ج 9 ص 390 ط مؤسسة الرسالة ، بيروت) قال : قال ابن جرير في تاريخه : إن عيسى بن محمد بن أبي خالد بينما هو في عرض أصحابه ورد عليه كتاب الحسن بن سهل يعلمه فيه أن المأمون جعل علي بن موسى

ص 638

ولي عهده ، لأنه نظر في بني العباس وبني علي ، فلم يجد أحدا هو أفضل ولا أعلم ولا أورع منه ، وأنه سماه الرضا من آل محمد ، وأمره بطرح لبس السواد ولبس الخضرة في رمضان سنة إحدى ومائتين ، ويأمره أن يأمر من [قبله] بالبيعة له ، ويلبس الخضرة في أقبيتهم وقلانسهم وأعلامهم ، ويأخذ أهل بغداد جميعا بذلك ، فدعا عيسى أهل بغداد إلى ذلك على أن يجعل لهم رزق شهر ، فأبى بعضهم ، وقالوا : هذا دسيس من الفضل بن سهل ، وغضب بنو العباس ، ونهض إبراهيم والمنصور ابنا المهدي ، ثم نزعوا الطاعة ، وبايعوا إبراهيم بن المهدي . ومنهم الفاضل الدكتور دوايت . رونلدسن في عقيدة الشيعة تعريب ع . م (ص 170 ط مؤسسة المفيد ، بيروت) قال : وبعد تسع سنوات ، أي في سنة 192 ه‍ ، خرج هارون إلى خراسان ومعه ابنه المأمون . وكان قد حدثت عدة ثورات في خراسان وازداد فيها الاستياء ، وكانت غاية الرشيد القضاء على الثورة وتثبيت المأمون في مركزه الجديد ، وبقي الأمين في العراق ، غير أن صديقه الساهر على مصلحته ، الوزير الفضل بن الربيع ذهب مع الرشيد ، وكان مع المأمون وزيره الفضل بن سهل . وبعد أن ساروا في طريقهم الطويل المنهك الممتد بامتداد سلسلة البرز ، وقطعوا العقبة الكائنة قرب شريف آباد الحديثة بلغوا مدينة نوقان ، وهي مدينة طوس العظمى . فمرض الرشيد فجأة مرضا شديدا ومات في ليلته ، وربما كان سبب وفاته شدة التعب الذي أصابه في السفر ، في الوقت الذي كان يحاول إخفاء عدم طاقته البدنية التي كان يقاسي آلامها ، أو أصابته كما ذهب بعضهم نوبة قلبية عندما شعر بأنه وصل مريضا إلى طوس ، وهو المكان الذي أخبر أنه سيموت فيه ، فدفن في بستان في قرية سناباذ على ميل من نوقان . فلما مات عاد وزيره الفضل بن الربيع مسرعا إلى بغداد وأعاد الجيش الذي جاء للمدد .

ص 639

وغضب المأمون على الفضل بن الربيع غضبا شديدا لعمله هذا ، وكان معه الفضل ابن سهل الذي اشتهر بميوله الفارسية بدرجة لا يعادلها إلا بغضه لسميه وزير الأمين ، فأشار هذا على سيده أن يتهيأ لكفاح حاسم ، فإن أخاه قد جرده بعمل وزيره من جيشه ، وهو لا بد يريد نكث بيعته والاستئثار بميراث أبيه ، وذكره بفضل إيران في توطيد حكم بني العباس على زمن أبي مسلم . وخلاصة القول فإنه حثه على تقوية مركزه بالتقرب من الشعب الايراني ، ثم العمل على الاستئثار بالسلطة في البلاد جميعا . فوطد المأمون السلم في خراسان وتقرب إلى كثير من رعاياه في تلك المقاطعة . ولكنه لم يشأ أن يخل بالعهد الذي أخذه عليه أبوه في مكة . فبايع أخاه بالخلافة . غير أن الفضل بن الربيع لما عاد إلى بغداد تمكن من إقناع الأمين بنكث العهد وتعيين ابنه موسى وليا للعهد بدلا من المأمون . ففعل ذلك سنة 194 ه‍ ، فأخذ المأمون على ذلك يعد العدة لتسيير الجيوش من خراسان لتثبيت حقه في الخلافة . وانضم ألوف من الإيرانيين الموالين ، الذين يفضلون المأمون على الأمين ، إلى هذه الجيوش التي كانت بقيادة قائدين قديرين ، وهما هرثمة وطاهر . وانتهى الأمر بحصار بغداد حصارا طويلا شاقا (196 - 198) حتى تمكن طاهر من إنفاذ رأس الأمين إلى المأمون وهو في خراسان برهانا على انتهاء الحرب . وبويع المأمون حينئذ بالخلافة لكنه لم يجرؤ على الشخوص إلى بغداد وكان خلال هذه المدة تحت تأثير شديد من وزيره الفضل بن سهل الذي اشتهر بميوله الفارسية والشيعية ، وقرر أخيرا ، وهو في رأيه عمل سياسي كبير ، أن يتقرب من الشيعة بتعيين إمامهم وليا للعهد . وكان الإمام عند الشيعة آنئذ علي الرضا بن موسى الكاظم وأمه فارسية أيضا وهي جارية اسمها تكتما ، اختارتها حميدة لابنها موسى الكاظم . ويذكر المصدر نفسه أن عليا الرضا كان كثير الرضاع في طفولته حتى قالت أمه : أعينوني بمرضعة . فقيل لها : أنقص الدر ؟ فقالت : لا أكذب والله ما نقص ولكن عليا ورد من صلاتي وتسبيحي

ص 640

وقد نقص منذ ولدت . وكان لأبيه عدد كبير من السرايا ، ولم يتزوج . وولد له ثمانية عشر ولدا وتسع عشرة بنتا . ويظهر أنه لم يهتم كثيرا في تسجيل الولادات وغيرها . فقد ذكر عدد من الكتاب أن ولادة الرضا كانت سنة 153 ه‍ ولكن المصادر الشيعة تعتبر ولادته من 11 ذي القعدة سنة 148 . فكان عمره 25 سنة عندما خلف والده في الإمامة بالمدينة . وبعد 18 سنة من ذلك أراد المأمون أن يكتسب صداقة مختلف طوائف الشيعة بتعيين علي الرضا لولاية عهده . وكان الخليفة المأمون بعيدا في مرو ، فأرسل إلى علي الرضا أن يأتيه هناك . فأجاب الإمام إلى ذلك وخرج من المدينة سنة 300 ه‍ في سفرته الطويلة إلى مرو التي تقع في منتهى الزاوية الشمالية الشرقية من إيران ، وبذلك تنازل عن سياسة الأئمة الثالثة الذين سبقوه ، لأن الإمام لا يتمكن من قبول ولاية العهد دون أن يتورط في السياسة ، وقد قال : إنه لا يرغب في ذلك إنما ينفذ الدعوة التي تلقاها . وفي المعجزات الكثيرة التي تنسب إليه ، يظهرونه بمظهر الرجل المفكر المحبوب فضلا عن شدة تقواه التي يتطلبها مركزه ، فعن الريان بن صلت قال : لما أردت الخروج إلى العراق عزمت على توديع الرضا . فقلت في نفسي : إذا ودعته سألته قميصا من ثياب جسده لأكفن به ، ودراهم من ماله أصوغ به لبناتي خواتيم . فلما ودعته شغلني البكاء والأسى على فراقه عن مسألة ذلك . فلما خرجت من بين يديه صاح بي : يا ريان ، ارجع . فرجعت . فقال لي : أما تحب أن أدفع إليك قميصا من ثياب جسدي تكفن فيه إذا دنا أجلك ؟ أو ما تحب أن أدفع إليك دراهم تصوغ بها لبناتك خواتيم ؟ فقلت : يا سيدي ، قد كان في نفسي أن أسألك ذلك فمنعني الغم بفراقك . فرفع الوسادة وأخرج قميصا فدفعه إلي ، ورفع جانب المصلى فأخرج دراهم فدفعها إلي . فعددتها فكانت ثلاثين درهما . وروى البزنطي قال : بعث إلى الرضا بحمار له فجئته ، فمكثت عامة الليل معه . فلما

ص 641

أردت النهوض قال لي : لا أظنك تقدر على العودة هذه الليلة . فقلت : نعم . أظن ذلك . قال : لا ، ومن الخير أن تبيت الليلة هنا وعند الصباح اذهب على بركة الله . وأمر جاريته أن تفرش لي فراشه . فبت في وسادته وكسائه وملحفته . فأصابني زهو في نفسي ، فإذا به يقول : يا أحمد ، إن أمير المؤمنين أتى زيد (صعصعة) بن صوحان عائدا له ، فلما أراد أن يقوم من عنده قال : يا زيد (صعصعة) بن صوحان ، لا تفتخر بعيادتي إياك وتواضع لله وتوكل عليه . وقال أبو محمد الغفاري : لزمني دين ثقيل فقلت : ما لقضائه غير الرضا . فلما أصبحت أتيت منزله فاستأذنت عليه ، فأذن لي . فلما دخلت قال لي ابتداء : يا أبا محمد قد عرفنا حاجتك وعلينا قضاء دينك . فلما أمسينا أتى بطعام للافطار ، فأكلنا . فقال : يا أبا محمد ، تبيت أو تنصرف ؟ فقلت : يا سيدي ، إن قضيت حاجتي فالانصراف أحب إلي . قال : فتناول من تحت البساط قبضة فدفعها إلي . فخرجت فدنوت من السراج فإذا هي دنانير حمر وصفر ، فأول دينار وقع في يدي رأيت نقشه كان عليه : يا أبا محمد الدنانير خمسون ، ستة وعشرون منها لقضاء دينك ، وأربعة وعشرون لنفقة عيالك . فلما أصبحت فتشت الدنانير فلم أجد ذلك الدينار ، وإذا هي لا تنقص شيئا . وحج الإمام عند خروجه من المدينة إلى مرو حجة وداع ، ثم توجه من المدينة إلى البصرة ولم يصل الكوفة . ومن بغداد توجه شمالا قاطعا الجبال إلى قرمسين وهمدان ثم سار بمراحل قصيرة إلى الري ، وهي مدينة Rhages عند اليونان وخرائبها قرب طهران اليوم . وتوجهت القافلة المنهوكة القوى شرقا وهي تحمل نور محمد حتى بلغت مدينة طوس بعد شهر ، ومنها سارت إلى مرو في تركستان الحديثة . وقد يكون البطئ في سفر الإمام لطول الوقت الذي تقطع به القوافل ذلك الطريق بين بغداد ومرو ، فالمسافة تتراوح بين شهرين وثلاثة أشهر ، وقد يكون ذلك لاستقبال الناس له في كل مكان استقبالا فخما . وعند وصوله إلى مرو كان الخليفة المأمون لا يزال مصرا على رأيه ، وقد أكرمه

ص 642

إكراما عظيما وأسكنه دارا فخمة . ويتمسك كتاب الشيعة بقولهم : إنه اضطر إلى قبول رأي المأمون . وقد أبدى رأيه بصراحة في تفضيله الحياة الطليقة على قيود الحكم . ويقول اليعقوبي : إن المأمون بايع له بولاية العهد لسبع وعشرين خلون من شهر رمضان سنة 201 ه‍ . وضربت الدنانير والدراهم باسمه . وقد نقش عليها : ملك الله والدين ، المأمون أمير وخليفة المؤمنين والرضا إمام المسلمين . ولم يكتف المأمون بذلك بل جمع ولد العباس في مرو ، نساء ورجالا ، صغيرهم وكبيرهم ، فكان عددهم ثلاثة وثلاثين ألفا (والصحيح أنه أمر بإحصائهم فقط وأنه أمر بجمع خواص الأولياء - المعرب) وقدم على الرضا وأجلسه بأعلى المراتب ثم أخبرهم أنه نظر في ولد العباس وولد علي فلم يجد في وقته أحدا أفضل ولا أحق بالأمر من علي بن موسى الرضا . وأخذ بيده وبايعه بولاية العهد ، وزوجه بابنته أم حبيب ، وأمر بإزالة السواد من اللباس والأعلام ولبس الخضرة ، وهي شعار العلويين ، بينما كان السواد شعار العباسيين . وانتهى ذلك إلى الحزب العربي في بغداد ، وكان لا يميل إلى المأمون ، كما أعظمه من بالعراق من ولد العباس ، إذ علموا أن فيه خروج الأمر عنهم ، فأجمعوا على خلع المأمون ومبايعة إبراهيم بن المهدي عم المأمون . فبويع له لخمس خلون من المحرم سنة اثنتين ومائتين . وجمع الفضل بن سهل أثناء وجود الرضا مع المأمون في مرو مجلسا دعا إليه رؤساء الأديان من اليهود والنصارى والمجوس ليسمع المأمون كلامه وكلامهم ، وفي الاجتماع الأول جلس الإمام مع المأمون وأعقبته اجتماعات أخرى ، وجرت في أحدها مناظرة في علم الكلام والتوحيد اشترك فيها سليمان المروزي في بغداد (الفصل 13) وجرت مناظرة أخرى في العصمة بين الإمام وعلي بن محمد بن الجهم (الفصل 14) أعقبه مجلس آخر لإتمام البحث (الفصل 15) . وقد اشترك المأمون

ص 643

في الموضوع اشتراكا كبيرا . ومن المؤسف أن أخبار هذه المجادلات في المصادر الشيعية لم تكتب إلا بعد مأتي سنة من الحادث ، فكان من السهل طبعا على الكاتب وهو ابن بابويه (المتوفى سنة 431 ه‍) أن ينسب أقوالا مناسبة للإمام عن أن يخترع أجوبة وافية لخصومه ، اليهودي منهم أو النصراني أو المجوسي على السواء . ويجوز أن يكون ثيودور أبو قرة أسقف حران هو الجاثليق المجهول الوارد ذكره في عدة مجالس ، وإن ذكره لمجادلة أمام المأمون صحيح ، غير أن أخباره مثل أخبار ابن بابويه ضعيفة جدا فيما يختص بالجانب الآخر ، إذ بينما يذكر أحدهما بعض المعلومات غير الصحيحة عن التوراة والإنجيل يذكر الآخر معلومات مثلها عن القرآن . وبقي الإمام الرضا في مرو مدة لا تزيد على السنة ، إذ أن المأمون عندما سمع بمبايعة عمه إبراهيم بالخلافة في بغداد قرر مغادرة خراسان وإثبات حقه بنفسه . فخرج في السنة نفسها (سنة 202 ه‍) إلى العراق ومعه ، كما قال اليعقوبي . الرضا عليه السلام وهو ولي عهده وذو الرياستين الفضل بن سهل وزيره . فلما صار في سرخس (قومس) نزل الوزير مع المأمون فقتل وهو في الحمام ، قتله غالب الرومي وسراج الخادم ، فقتلهما المأمون جميعا وقتل قوما معهما . يرجح الرأي القائل بأن القتل كان بسبب حقد أعضاء الحزب العربي ، على رأي أن المأمون هو الذي دبر قتله لشكه في أن الفضل كان يخفى عليه معلوماته عن سوء الوضع العسكري في العراق ولما صار الجيش بعد يوم أو يومين إلى طوس توفي الرضا بقرية يقال لها النوقان أول سنة 203 . ويقول اليعقوبي الذي يمثل الرأي الشيعي : إن علته لم تكن غير ثلاثة أيام . فقيل إن علي بن هشام أطعمه رمانا فيه سم ، وأظهر المأمون عليه جزعا شديدا . إلى أن قال :

ص 644

وقيل : إنه كان مسموما ، والرواية المعروفة هي أنه أكل عنبا مسموما . ويذكر ابن بابويه عدة أسباب جعلت المأمون يسم الإمام الرضا ، ويبين الظروف التي نصب فيها الرضا ابنه محمدا للإمامة بعده . فمات الرضا ودفن بعيدا عن المدينة ، بلد آبائه من أهل البيت ، فدفن في سناباذ على ميل من القرية التي مات فيها ، ودفن في القبر الذي دفن فيه أشهر خلفاء بني العباس ، ففي البستان نفسه دفن المأمون أباه هارون الرشيد قبل تسع سنوات ، فوقف هذه المرة في سفره الذي تأجل طويلا إلى بغداد ، بنفس المكان ، وصلى على الإمام الذي أراد أن يجعله خليفة . وقال في ص 178 : كان لدفن الإمام علي الرضا في مكان ناء مثل طوس ، نصيبه الكبير من الاهتمام في الأحاديث الشيعية . فيقال : إن الرسول نفسه قال : ستدفن بضعة مني بأرض خراسان لا يزورها مؤمن إلا أوجب الله له الجنة وحرم جسده على النار ، وما زارها مكروب إلا نفس الله كربته . ويروى عن علي أمير المؤمنين أنه كان عالما حق العلم بما سيكون ، حتى أنه قال مرة : سيسم أحد أولادي ظلما بأرض خراسان ، اسمه كاسمي واسم أبيه موسى . وللتعويض عما سيناله هذا الولد المعين من أولاده من الأذى أردف مؤكدا : من زار قبره غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ولو كانت بعدد النجوم والقطر وأوراق الشجر . ويقال إن موسى أبا علي الرضا قال : سيقتل ولدي علي مسموما ظلما وعدوانا ويدفن بجانب قبر هارون الرشيد . ثم قال : ومن زار ولدي عليا كان له عند الله كسبعين ألف حجة ومن زاره وبات عنده كان كمن زار الله في عرشه . فقال له أحدهم : كمن زار الله في عرشه ؟ ! قال : نعم . إذا كان يوم القيامة كان على عرش الله أربعة من الأولين

ص 645

وأربعة من الآخرين ، فأما الأربعة الذين هم من الأولين فنوح وإبراهيم وموسى وعيسى . وأما الأربعة الذين هم من الآخرين فمحمد وعلي والحسن والحسين عليهم السلام . ثم يمد المضمار فيقف معنا من زار قبور الأئمة ، إلا أن أعلاهم درجة وأوفرهم حياة زوار قبر ولدي علي . ونرى كثيرا من هذه الأحاديث منقوشة في الحضرة الرضوية في الوقت الحاضر ، ويرى الحديث الأخير على إفريز تجاه بوابة نادر الذهبية .

صورة تاريخية مشهد

توفي الإمام الرضا في طوس في أوائل القرن التاسع الميلادي ، وللذي كتبه اليعقوبي خلال النصف الأخير من القرن نفسه ، يعود الفضل في تعريفنا أن اسم طوس كان يطلق حينئذ على المقاطعة أكثر مما يطلق على مدينة معينة . وأشهر مدينتين كانتا في هذه المقاطعة هما نوقان وطابران ، ونوقان هي مدينة طوس العظمى ، ويطلق عليها اسم طوس في أكثر الأحيان . وبطوس قوم من العرب من طيئ وغيرهم ، وأكثر أهلها عجم . وفي نوقان مات هارون الرشيد والإمام الرضا . ثم أصبحت طابران بعدها مدينة طوس العظمى . ويؤيد كلام اليعقوبي المراحل التي ذكرها ابن رستة من نيسابور إلى طوس ، وكانت نوقان منزلا من المنازل بدلا من طابران . ولما قدم هارون الرشيد طوس نزل دار حميد بن قحطبة الطائي عامله هناك . وله دار وبستان في سناباذ على ميل من نوقان ، فمات ودفن حسب وصيته في حجرة من الدار ، وأمر المأمون بن هارون ببناء قبة فوق قبره . فلما مات الرضا في نوقان دفن بنفس الحجرة ، فقيل فيه : دخل دار حميد بن قحطبة الطائي فدخل قبر هارون الرشيد . ونسمع في القرن العاشر بوجود قلعة إلى جوار طابران ، وهي بناء عظيم يرى من مسافات بعيدة ، كما يقول المقدسي : وأسواق هذا النصف من المدينة عامرة . ونلاحظ أيضا بالعصر ذاته أن القبور المجاورة لسناباذ كانت محاطة بسور في القرن

ص 646

الرابع (العاشر) . ويذكر ابن حوقل وجود مشهد يزوره كثير من الناس . وبنى مسجد عند قبر الإمام الرضا بأمر الأمير فائق عميد الدولة ، ولا يوجد أجمل منه في خراسان كلها ، على قول المقدسي . وبني قبر هارون الرشيد إلى جانب قبر الإمام ، وشيدت دور دور وسور في جوار ذلك البستان ، وقد تخرب هذا البناء الجميل الذي وصفه كل من ابن حوقل والمقدسي ، بعد مدة قصيرة من إتمامه بأمر الأمير سبكتكين تشديدا في مقاومة الشيعة . وظل البناء خرابا سنين عديدة لم يجسر أحد على عمارته خوفا من الاضطهاد . وفي أوائل القرن الحادي عشر أمر السلطان محمود بن سبكتكين بتعمير مشهد الرضا وإقامة بناء فخم عليه قبة عالية . ويقال إنه رأى أمير المؤمنين في المنام فعاتبه وقال له : إلى كم يدوم هذا الحال ؟ فعلم أنه يشير إلى قبر الرضا . وتم البناء بإشراف حاكم نيسابور سنة 1009 م . ولكن هذا البناء تخرب أيضا بعد مدة قصيرة على يد القبائل التركية واللصوص . وكان الخراب كاملا ، فلا توجد اليوم كتابة على بناء المشهد الحالي يرجع تاريخها إلى ما قبل ذلك الدور . وفي القرن الثاني عشر أعاد أبو طاهر القمي في زمن السلطان سنجر السلجوقي تشييد البناء على نفقته الخاصة أو نفقة السلطان . وبقي هذا البناء الجديد نحو مائة سنة حتى تخرب معظمه على يد المغول ، ففي سنة 1220 بعد أن ذبح تلكوخان سكان مدينة نيسابور فعل بطوس ما فعل نيسابور ، فخربت مدينة طوس (طابران القديمة) ونهب المشهد الذي كان فيه قبرا الإمام علي الرضا وهارون الرشيد . ولم يتخرب المشهد كله ، إذا لا تزال بعض الكتابات عند الضريح يرجع تاريخها إلى سنة 612 ه‍ (1215) إلى قبل غزو المغول بخمس سنوات . وأعيد بناء المشهد في أوائل القرن الرابع عشر على زمن السلطان محمد الجايتو ، وهو أول من تشيع من المغول ، فيذكر هوارث في كتابه تاريخ المغول أن أم الجاتيو نشأت ابنها نشأة مسيحية ، فعمدته باسم نقولا . فلما ماتت أمه أقنعته زوجه بالدخول في

ص 647

الإسلام . وكان متمسكا بقواعد الدين الحنيف مع مراعاة أحكام ياسا غازان . وكانت الأموال التي تأتي إلى المشهد تصرف حسب شروط الوقف لأصحابها . فلما تيسرت الأموال للمشهد أعيد بناء قبر علي الرضا . وكان الجايتو كثير التنقل من مذهب إلى مذهب ، وقد أساءه كثيرا الجدال بين الحنفية والشافعية حول قواعد النكاح ، غير أننا نرى على السكة التي ضربت في أواخر أيامه نقش اسم علي وذكر الأئمة الاثني عشر . وزار ابن بطوطة في القرن الرابع عشر المشهد بعد تجديد بنائه بسنوات (1333 م) فيذكر أنه وجد المشهد مدينة كبيرة ضخمة كثيرة الفواكه والمشهد عليه قبة عظيمة على بابها ستر حرير . وعلى القبة قناديل فضة معلقة وإزاء هذا القبر قبر هارون الرشيد . وعليه دكانة يضعون عليها الشمعدانات . وإذا دخل الرافضي للزيارة ضرب قبر الرشيد برجله وسلم على الرضا . ويشير المستوفي ، وهو معاصر لابن بطوطة ، إلى سناباذ باسم المشهد ويقول عنها : إنها مدينة صغيرة ، ويذكر حب أهلها للغرباء وكثرة الفواكه بها . ولم يمض زمن طويل على ذلك حتى أخذ تيمورلنك يشن غاراته على خراسان سنة 1380 م . فأصاب طوس والمشهد الكثير من الضرر . ومن حسن الحظ أن شاه رخ ابن تيمور عين حاكما لخراسان فأعاد تعميرها . وكان يفكر ، بعد وفاة تيمور ، وعلى الأخص في زمن ثورة سمرقند ، بضرورة تعمير البلاد التي تم له الاستيلاء عليها . فقرر في سنة 1405 إعادة بناء طوس أولا ، غير أنه وجد أن الذين نجوا من السيف منها قد انتقلوا إلى سناباذ وبنوا لهم بيوتا من الطين فيها ، وقد حاول عماله إقناعهم بالرجوع فلم ينجحوا لأنهم لاذوا بالإمام ، واستأذنوا من شاه رخ في بناء سور وحصون حول بيوتهم ، فصار هذا المكان مدينة المشهد الشهيرة . وأهملت طوس ، وهي التي كانت مكان طابران القديمة ، إهمالا تاما . وتبرعت زوجة الشاه رخ بالمال اللازم لبناء مسجد فخم لا زال يعرف باسمها ، وهو مسجد جوهر شاه ، و أفخم مسجد في آسيا الوسطى . ولا زال اسمها موجودا على الكتابات على البناء ، ونرى كتابات أخرى تنسب إكمال البناء والتزيين إلى الشاه

ص 648

سلطان حسين الصفوي ، ونقرأ في بعض الكتابات التي يرجع عهدها إلى سنة 821 ه‍ ، وهو عصر جوهر شاه ، حديثا ينسب إلى الرسول وهو : المؤمن في المسجد كالسمكة في الماء أما الكافر فهو كالدجاجة في الكن . وليس ما يدل على حدوث تلف آخر في مشهد الرضا بعد ذلك . اللهم إلا ما حدث من الزلازل ، فانشق جدار البناء الرئيس على زمن الشاه سليمان الأول الصفوي . وكان السير جون جادرين في أصفهان عندما وردت الأخبار بحدوث الزلازل فكتب في مذكراته ليوم 11 آب 1673 م . ما يلي : وجاء خبران سيئان مترادفان يوم 11 وهو أن ثلثي مدينة المشهد عاصمة خراسان وهي بنفس المقاطعة ، ونصف نيسابور وهي مدينة عظيمة بنفس المقاطعة ، ومدينة أخرى صغيرة قربها قد تهدمت بالزلزال . وكان ما أحزن قلوب الإيرانيين عموما والمتدينين منهم خصوصا هو التخريب الذي حدث في حضرة المشهد حيث قبر الإمام الرضا ، وهو مسجد جميل مشهور في الشرق قاطبة ، فقد تصدعت القبة ، وسلمت وجهة البناء نوعا ما . فأرسل الشاه معتمدا من قبله ليرى بنفسه مقدار ما تخرب ، ثم أعقبه بشخصين آخرين وزودهما بأوامر إلى عمال المقاطعة ، لملافاة هذه المصيبة الكبرى . وكتب جادرين أيضا بعد ذلك بشهرين : وفي اليوم التاسع من شهر تشرين الأول ذهبت إلى دار صاغة الملك في القصر الملكي لأشاهد صنع الصفائح الذهبية على شكل طوابيق يغطى بها سطح قبة حضرة الإمام الرضا بالمشهد ، وهي القبة التي هدمتها الزلازل كما ذكرت آنفا . وقد استخدم ألف رجل كما قلنا في ترميم بناء المسجد . وهم يعملون بهمة ونشاط . فلا ينتهي شهر كانون الأول حتى ينتهي معه عملهم . وهذه الصفائح هي من النحاس مربعة الشكل عرضها 10 عقد وطولها 16 وثخنها بثخن كراونين (العملة الانكليزية المعروفة) وتحتها قضيبان عرض كل منهما 3 عقد ، متصلان بعضهما ببعض على شكل صليب فيغرسا بالتسييع لتمسك بالطوابيق ، وقد ذهب وجه الطابوقة بطبقة من الذهب ذات كثافة تظهر بها كأنها قطعة مصمتة من

ص 649

الذهب . واستهلكت كل طابوقة ما وزنه 3 دوقات وربع كلدنك وكلفت ما قيمته 10 كراونات . وأخبرني رئيس الصاغة وهو الناظر على العمل ، بأنهم أمروا بصنع 3000 طابوقة . ورممت القبة الذهبية بأمر الشاه سليمان وفي زمنه كما يظهر من الكتابات على القبة نفسها ، وقد جاء في آخر هذه الكتابة : إن الشاه سليمان الحسيني قد تمكن من كسوة هذه القبة السماوية بالذهب وزينها وعمرها بعد ما أصابها من الضرر بزلزال عظيم في هذا المكان المقدس سنة 1086 - 1673 . وتذكر الكتابة على الباب المؤدية إلى المسجد من البوابة الذهبية أن الشاه سليمان أمر بترميم مسجد جوهر شاه بالوقت نفسه . وعلى الافريز في داخل البوابة الذهبية كتابة تخلد أن الشاه عباس الكبير أذن له أن يمشي على قدميه من أصفهان دار السلطنة زائرا المشهد وقد أسعده الحظ في الاشتراك بتزيين هذه القبة من ماله الحلال سنة 1010 - 1061 وتم العمل سنة 1016 - 1067 . وفي القرن الثامن عشر أمر نادر شاه بترميم القبة الذهبية وأهدى هدايا كثيرة إلى المشهد . وأهم ما أهداه الشاهات القاجاريون هو قاعة الاستقبال والبوابة الذهبية ، وقد أهداها فتح علي شاه ، ثم حسنها وزينها ناصر الدين شاه سنة 1250 - 1848 . وآخر تلف مهم حدث في المشهد هو ما كان نتيجة القصف الروسي سنة 1911 . فقد أغار على المدينة جماعة من اللصوص فنهبوها والتجأوا إلى حرم المشهد وأعلنوا عصيانهم على الحكومة الدستورية ، ولما كانت الحكومة الايرانية ضعيفة آنئذ فيقال إنها خولت الروس الذين كانت لهم قوات كبيرة في خراسان أن يعيدوا الأمن إلى نصابه ، فقصف الروس الحضرة الرضوية ، حيث التجأ الثوار ، بالمدافع من موضع مناسب خارج المدينة . ولم تمض دقائق معدودات حتى تلف قسم كبير من القبة والأبنية العالية وقتل نحو مائة من الأبرياء العزل ، وتمكن اللصوص من التسرب إلى

ص 650

خارج المدينة والخلاص . واستاء الإيرانيون من هذا العمل استياء كبيرا . فهم يقيمون له ذكرى سنوية . ويذكرون ما أصاب روسيا منذ 1911 من العقاب الإلهي لإهانتهم حرمة الإمام الرضا ، فلم يكتفوا بإطلاق النار عليه بل شغلوه عدة أيام ، فكانوا يدخلون إلى الحرم بأحذيتهم ومعهم كلابهم .

حب الناس للإمام الرضا

إن المصائب التي مرت بالمشهد قد زادت في الحب الذي يظهره الناس عامة للإمام الرضا . ولا عجب في مدينة مقدسة هي أبعد المدن عن التأثير السني أن تتجسم فيها الأخبار بعد سنوات طويلة وتتخذ أشكالا وصورا غريبة ، وأن تنسب للإمام أعمال عجيبة كثيرة ، فقد أمطرت السماء إجابة لدعائه ، وكان يذكر وجهة كل غمامة ومسقطها ، وأخرج قطعة ذهبية من النقود من صخرة بعد أن حكها بخشبة ، وأنه أخبر عبد الله بن المغيرة عن دعاء دعا به في مكة ، وأنه كان يعلم ما بقلوب الناس فأخبر الكثيرين منهم . وكان يعلم بساعة موت كان انسان . وأنبت الخضرة في وسط الشتاء في بستان أحدهم وأنضج العنب . والساعة الثالثة من النهار عنده ساعة مقدسة . وهم يستعينون به على الأسفار بالبر والبحر وعلى ما يقاسونه من آلام التغرب ، ذلك إلى أن هذا المشهد هو أبعد المشاهد عن مركز الثقافة الإسلامية ، ولا يمكن بلوغه إلا بعد سفر طويل مضن يقطع فيه المسافر نحو 800 أو 900 ميل . وما في هذه المشقة من الأجر في زيارة الإمام الرضا في المشهد البعيد .

وصف المشهد المقدس

يمتد شارع مركزي من الشمال الشرقي إلى الجنوب الغربي على طول المدينة فيدخل الزائر إلى الحضرة من البابين العلوي والسفلى لهذا الشارع ، أو من طريق

 

الصفحة السابقة الصفحة التالية

شرح إحقاق الحق (ج28)

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب