ص 351
مستدرك تأسف عبد الله بن عمر على عدم مقاتلته الفئة الباغية
تقدم نقل ما يدل عليه
عن أعلام العامة في ج 8 ص 442 ومواضع أخرى ، ونستدرك هيهنا عن الكتب التي لم نرو
عنها فيما سبق : فمنهم العلامة كمال الدين عمر بن أحمد بن هبة الله الشهير بابن
العديم المتوفى سنة 660 في كتابه بغية الطلب في تاريخ حلب (ص 295 ط معهد تاريخ
العلوم العربية في فرانكفورت سنة 1406) قال : أنبأنا أبو القاسم عبد الصمد بن محمد
القاضي ، عن كتاب زاهر بن طاهر الشحامي أن أبوي عثمان الصابوني والبحيري وأبوي بكر
البيهقي والحيري كتبوا إليه ، أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ ، قال :
حدثني محمد بن صالح ، قال : حدثنا عمر بن الحسن القاضي ببغداد ، قال : حدثنا الحسن
بن أحمد بن الحسن السبيعي ، قال : حدثنا أبي ، قال : حدثنا قيس بن الربيع ، عن
الصلت بن بهرام ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن ابن عمر قال : ما آسي علي شيء كما آسي
ص 352
على أني لم أقاتل الفئة الباغية مع علي . ومنهم شمس الدين أبو البركات محمد
الباعوني الشافعي في كتاب جواهر المطالب في مناقب أبي الإمام أبي الحسنين علي بن
أبي طالب (ص 43 والنسخة مصورة من المكتبة الرضوية بخراسان) قال : وعن ابن عمر أنه
قال : ما آسي علي شيء إلا أني لم أقاتل مع علي الفئة الباغية وعلى صوم الهواجر .
وهذا أعظم دليل على صحة خلافته . ومنهم العلامة المعاصر الشيخ محمد العربي التباني
الجزائري المكي في تحذير العبقري من محاضرات الخضري (ج 2 ص 10 ط بيروت) قال :
وروى الدارقطني في المؤلف والمختلف بأسناده إلى ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه
قال : ما آسي على شيء إلا على أن لا أكون قاتلت الفئة الباغية . ذكره ابن عبد البر
في الاستيعاب في ترجمة علي .
مستدرك 
إن الأمير عليه السلام كان مصيبا في قتاله
والدين قاتلوه كانوا بغاة ظالمين 
تقدم نقل ما يدل عليه عن أعلام العامة في ج 8 ص
417 ومواضع أخرى ، ونستدرك هيهنا عن الكتب التي لم نرو عنها فيما سبق : فمنهم
العلامة السيد صديق حسن خان القنوجي في إكليل الكرامة في تبيين مقاصد الإمامة
(ص 23) قال :
ص 353
وقال الشوكاني في وبل الغمام على شفاء الأوام : لا شك ولا شبهه أن الحق بيده في
جميع مواطنه ، أما طلحه والزبير ومن معهما فلأنهم قد كانوا بايعوه فنكثوا بيعته
بغيا عليه وخرجوا في جيوش من المسلمين فوجب عليه قتالهم ، وأما قتاله للخوارج فلا
ريب في ذلك ، والأحاديث المتواترة قد دلت على أنهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم
من الرمية ، وأما أهل صفين فبغيهم ظاهر ، ولو لم يكن في ذلك إلا قوله صلى الله عليه
وسلم لعمار : تقتلك الفئة الباغية لكان ذلك مفيدا للمطلوب ، ثم ليس معاوية ممن يصلح
لمعارضة علي ولكنه أراد طلب الرياسة والدنيا بين أقوام أغنام لا يعرفون معروفا ولا
ينكرون منكرا فخادعهم بأنه طالب بدم عثمان فنفق ذلك عليهم وبذلوا بين يديه دماءهم
وأموالهم ونصحوا له ، حتى كان يقول علي لأهل العراق أنه يود أن يصرف العشرة منهم
بواحد من أهل الشام صرف الدراهم بالدينار ، وليس العجب من مثل عوام الشام إنما
العجب ممن له بصيرة ودين كبعض الصحابة المائلين إليه وبعض فضلاء التابعين ، فليت
شعري أي أمر اشتبه عليهم في ذلك الأمر حتى نصروا المبطلين وخذلوا المحقين ، وقد
سمعوا قول الله تعالى : (فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى
أمر الله) وسمعوا الأحاديث المتواترة في تحريم عصيان الأئمة ما لم يروا كفرا بواحا
وسمعوا قول النبي صلى الله عليه وسلم لعمار أنها تقتله الفتة الباغية ، ولولا عظيم
قدر الصحبة ورفيع فضل خير القرون لقلت : حب المال والشرف قد فتن سلف هذه الأمة كما
فتن خلفها ، اللهم غفرا . إنتهى كلامه رحمه الله . ومنهم العلامة الشيخ حافظ بن
أحمد حكمي في معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول في التوحيد (ج 2 ص
475 ط دار الكتب العلمية - بيروت) قال : وأما علي رضي الله عنه فكان مجتهدا مصيبا
وفالجا محقا يريد جمع كلمة الأمة حتى إذا كانوا جماعة وخمدت الفتن وطفئت نارها أخذ
بالحق من قتلة عثمان ،
ص 354
وكان رضي الله عنه أعلم بكتاب الله من المطالبين بدم عثمان ، وكان السبئية يخافونه
أعظم من خصمائه ، وذلك الذي حملهم على ما فعلوه يوم الجمل فكان أهل الشام بغاة
اجتهدوا فأخطئوا وعلي رضي الله عنه يقاتلهم ليرجعوا إلى الحق ويفيئوا إلى أمر الله
، ولهذا كان أهل بدر الموجودون على وجه الأرض كلهم في جيشه وعمار قتل معه رضي الله
عنه كما في الصحيحين من حديث أبي سعيد في بناء المسجد ، فقال كنا نحمل لبنة لبنة
وعمار لبنتين ، فرآه النبي صلى الله عليه وسلم فينفض التراب عنه ويقول : ويح عمارا
تقتله الفئة الباغية ، يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار ، قال يقول عمار : أعوذ
بالله من الفتن ، فقتله أهل الشام مصداق ما أخبرهم به الصادق المصدوق صلى الله عليه
وسلم وهو يدعوهم إلى الجماعة والإئتلاف وإلى طاعة الإمام التي هي من أسباب دخول
الجنة ويدعونه إلى الفتنة والفرقة التي هي من أسباب دخول النار ، وكان علي رضي الله
عنه أسعد منهم وأولاهم بالحق لقتله الخوارج بالنهروان ، وقد قال النبي صلى الله
عليه وسلم : تقتلهم أولى الطائفتين بالحق كما قدمنا . ومنهم العلامة الحافظ أبو بكر
أحمد بن الحسين البيهقي المتوفى سنة 458 في الاعتقاد والهداية إلى سبيل الرشاد
(ص 249 ط عالم الكتب في بيروت سنة 1405) قال : أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، ثنا
علي بن حمشاد ، ثنا الحرث بن أبي أسامة أن كثير بن هشام حدثهم ، ثنا جعفر بن برقان
، ثنا ميمون بن مهران ، عن أبي أمامة قال : شهدت صفين فكانوا لا يجهزون على جريح
ولا يقتلون موليا ولا يسلبون قتيلا ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر بفرقة
تكون بين طائفتين من أمته فيخرج من بينهما مارقة يقتلها أولى الطائفتين بالحق ،
فكانت هذه الفرقة بين علي ومن نازعه وقد جعلهما جميعا من أمته ثم خرجت هذه المارقة
وهي أهل النهروان قتلهم
ص 355
علي وأصحابه وهم أولى الطائفتين بالحق وكان النبي صلى الله عليه وسلم وصف المارقة
الخارجة وأخبر بالمخدج الذي يكون فيهم فوجدوا بالصفة التي وصف ووجد المخدج بالنعت
الذي نعت وذلك بين في حديث أبي سعيد الخدري وغيره ، وكان إخبار النبي صلى الله عليه
وسلم بذلك ووجود تصديقه بعد وفاته من دلائل النبوة ، ومما يؤثر في فضائل أمير
المؤمنين علي رضي الله عنه في كونه محقا في قتالهم مصيبا في قتل منهم ، وحين وجد
المخدج سجد علي رضي الله عنه شكرا لله تعالى على ما وفق له من قتالهم . ومنهم
العلامة المعاصر الشيخ محمد العربي التباني الجزائري المكي في تحذير العبقري من
محاضرات الخضري (ج 1 ص 234 ط دار الكتب العلمية - بيروت) قال : قال الإمام عبد
القاهر الجرجاني في كتاب الإمامة : أجمع فقهاء الحجاز والعراق من فريقي أهل الحديث
والرأي منهم مالك والشافعي وأبو حنيفة والأوزاعي والجمهور الأعظم من المسلمين
والمتكلمين : على أن عليا مصيب في قتاله لأهل صفين كما هو مصيب في أهل الجمل ، وأن
الذين قاتلوه بغاة ظالمون له لكن لا يكفرون ببغيهم . وقال الإمام أبو منصور
الماتريدي : أجمعوا على أن عليا كان مصيبا في قتال أهل الجمل طلحة والزبير وعائشة
بالبصرة ، وأهل صفين معاوية وعسكره . وفي روض السهيلي أن عاملا لعمر (رض) قال لعمر
: رأيت الليلة كأن الشمس والقمر يقتتلان ومع كل نجوم ، فقال له عمر : مع أيهما كنت
؟ قال : مع القمر ، قال : كنت مع الآية الممحوة اذهب لا تعمل لي عملا أبدا ، وعزله
فقتل بصفين مع معاوية ، واسم ذلك العامل حابس بن سعد . وقال عليه الصلاة والسلام
لعمار : تقتلك الفئة الباغية ، رواه الشيخان . قال العلماء : وحديث عمار متواتر ،
قال القرطبي : ولما لم يقدر معاوية على
ص 356
إنكاره قال : إنما قتله من أخرجه . فأجابه علي : بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم
إذا قتل عمه حمزة حين أخرجه . قال ابن دحية : وهذا من الالزام المفحم الذي لا جواب
عنه ، وحجة لا اعتراض عليها . ومنهم الفاضل المعاصر الأستاذ عباس محمود العقاد في
المجموعة الكاملة - العبقريات الإسلامية (ج 2 ص 20 ط دار الكتاب اللبناني -
بيروت) قال : أما مروءته في هذا الباب فكانت أند بين ذوي المروءة من شجاعته بين
الشجعان ، فأبى على جنده وهم ناقمون أن يقتلوا مدبرا أو يجهزوا على جريح أو يكشفوا
سترا أو يأخذوا مالا ، وصلى في وقعة الجمل على القتلى من أصحابه ومن أعدائه على
السواء ، وظفر بعبد الله بن الزبير ومروان بن الحكم وسعيد بن العاص وهم ألد أعدائه
المؤلبين عليه فعفا عنهم ولم يتعقبهم بسوء ، وظفر بعمرو بن العاص وهو أخطر عليه من
جيش ذي عدة فأعرض عنه وتركه ينجو بحياته حين كشف عن سوأته اتقاء لضربته ، وحال جند
معاوية بينه وبين الماء في معركة صفين وهم يقولون له : ولا قطرة حتى تموت عطشا ،
فلما حمل عليهم وأجلاهم عنه سوغ لهم أن يشربوا منه كما يشرب جنده ، وزار السيدة
عائشة بعد وقعة الجمل فصاحت به صفية أم طلحة الطلحات : أيتم الله منك أولادك كما
أيتمت أولادي . فلم يرد عليها شيئا ، ثم خرج فأعادت عليه ما استقبلته به فسكت ولم
يرد عليها . قال رجل أغضبه مقالها : يا أمير المؤمنين ، أتسكت عن هذه المرأة وهي
تقول ما تسمع ؟ فانتهره وهو يقول : ويحك ! إنا أمرنا أن نكف عن النساء وهن مشركات
أفلا نكف عنهن وهن مسلمات ؟ وإنه لفي طريقه إذ أخبره بعض أتباعه عن رجلين ينالان من
عائشة فأمر بجلدهما مائة جلدة . ثم ودع السيدة عائشة أكرم وداع وسار في ركابها
أميالا وأرسل معها من يخدمها ويحف بها ، قيل أنه أرسل معها عشرين امرأة من نساء عبد
القيس عممهن بالعمائم وقلدهن السيوف ، فلما كانت ببعض الطريق ذكرته بما لا يجوز أن
ص 357
يذكر به وتأففت وقالت : هتك ستري برجاله وجنده الذين وكلهم بي ، فلما وصلت إلى
المدينة ألقى النساء عمائمهن وقلن لها : إنما نحن نسوة . وكانت هذه المروءة سنته مع
خصومه ، من استحق منهم الكرامة ومن لم يستحقها ، ومن كان في حرمة عائشة رضي الله
عنها ومن لم تكن له قط حرمة ، وهي أندر مروءة عرفت من مقاتل في وغر القتال وتعدلها
في النبل والندرة سلامة صدره من الضغن على أعدى الناس له وأضرهم به وأشهرهم بالضغن
عليه ، فنهى أهله وصحبه أن يمثلوا بقاتله وأن بقتلوا أحدا غيره ، ورثى طلحة الذي
خلع بيعته وجمع الجموع لحربه رثاء محزون يفيض كلامه بالألم والمودة ، وأوصى أتباعه
ألا يقاتلوا الخوارج الذين شقوا صفوفه وأفسدوا عليه أمره وكانوا شرا عليه من معاوية
وجنده ، لأنه رآهم مخلصين وإن كانوا مخطئين وعلى خطئهم مصرين . ومنهم الفاضل
المعاصر الدكتور السيد الجميلي في صحابة النبي صلى الله عليه وسلم السابقون
الأولون من المهاجرين والأنصار (ص 64 ط دار الكتاب العربي - بيروت) قال : وفروسية
علي رضي الله عنه ، وبطولته لا ينازع فيها أحد ولا يمتري فيها ذو امتراء ، فبعد أن
انتصر في وقعة الجمل وقبل موقعة صفين بوقت قليل ، نما إلى علمه أن اثنين من كبار
شيعته يحملون على معاوية ويشتمونه ، ولعن أهل الشام المتمردين على بيعة علي رضي
الله عنه ، فلما سمع بهما بعث إليهما برسالة يأمرهما أن يكفأ عن شتم معاوية وقذعه
بالمقبوحات ، فلما أن قدما عليه وسألاه : ألسنا على الحق وهم على الباطل ؟ أجابهم :
بلى ورب الكعبة ، قالا : فلم تمنعنا من شتمهم وسبهم ولعنهم ؟ قال علي رضي الله عنه
: كرهت لكم أن تكونوا شتامين لعانين ولكن قولوا : اللهم احقن دماءنا ودماءهم ،
وأصلح ذات بيننا وبينهم ، واهدهم من
ص 358
ضلالتهم حتى يعرف الحق من جهله ، ويرعوي عن الغي من لج به . وفي فضائل الإمام علي
وردت أحاديث كثيرة : عن مساور الحميري ، عن أمه قالت : سمعت أم سلمة تقول : سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول - فذكر الأحاديث الواردة عن النبي صلى الله عليه
وسلم في فضائله عليه السلام . ومنهم العلامة السيد محمد صديق حسن الحسيني القنوجي
البخاري في الإذاعة (ص 74 ط دار الكتب العلمية في بيروت) قال : قال الحافظ ابن
دحية : والإجماع منعقد على أن طائفة الإمام طائفة عدل ، والأخرى طائفة بغي ، ومعلوم
أن عليا كان الإمام ، انتهى . وقال أبو عمر بن عبد البر في كتاب [الاستيعاب] :
وتواترت الأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : يقتل عمارا الفئة الباغية
، وهو من أصح الأحاديث . انتهى . وأجمع فقهاء الحجاز والعراق من فريق الحديث والرأي
، منهم مالك والشافعي وأبو حنيفة والأوزاعي والجمهور الأعظم من المتكلمين على أن
عليا مصيب في قتاله لأهل صفين ، كما قالوا بإصابته في قتل أصحاب الجمل . وقالوا
أيضا بأن الذين قاتلوه بغاة ظالمون له . ومنهم الفاضل المعاصر عبد الرحمن الشرقاوي
في كتابه أئمة الفقه التسعة (ج 1 ص 199 ط الهيئة المصرية العامة للكتاب) قال :
وقد استطاع الشافعي وهو في مصر أن يتحرر في آرائه ، فألف كتابا عن قتال أهل البغي
لعله لم يكن يستطيع أن يضعه في غير مصر . وقتال أهل البغي قائم على تفسير قوله
تعالى : (فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ
ص 359
إلى أمر الله) . وقد ورد هذا النص باقتتال المسلمين ، إذ فئة منهم بغت على الأخرى .
وأهل البغي عند الشافعي هم معاوية بن أبي سفيان وجنوده الذين حاربوا أمير المؤمنين
عليا بن أبي طالب ، والشافعي يرى قتالهم واجبا شرعيا . ولقد نقد بعض أصحاب أحمد بن
حنبل شيخه الشافعي على كتابه قتال أهل البغي وقالوا : إنه متشيع ، فقال أحمد :
سبحان الله ، وهل ابتلي أحد بقتال أهل البغي قبل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ؟
وقال أيضا في ج 2 ص 25 : وقد بنى أحمد آراءه في قتال أهل البغي على سيره الإمام علي
كرم الله وجهه ، متبعا في ذلك رأي الإمام الشافعي ، فلما عاتبه أحد أصحابه قال :
ويحك يا عجبا لك ! فما عسى أن يقال في هذا إلا هذا ؟ وهل ابتلي أحد بقتال أهل البغي
قبل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ؟ وقال أيضا في ص 142 : ولكن ابن
حزم لم يدن معاوية بالبغي على الإمام علي كما قضى بذلك الأئمة الذين تعرضوا لهذا
الأمر من قبل ، فأخذوا أحكام البغاة من سلوك علي مع معاوية وجنده ، واعتبروا عليا
بن أبي طالب أول من ابتلي بأهل البغي ، فما صنعه معهم أحكام يجب إتباعها شرعا ،
بهذا أفتى الإمام الشافعي والإمام أحمد بن حنبل ومن تابعهم . ومنهم الفاضل المعاصر
عبد الرحمن الشرقاوي في علي إمام المتقين (ج 2 ص 59 ط مكتبة غريب الفجالة) قال
:
ص 360
وكان أبو الكلاع من أقوى أصحاب معاوية ، وأشدهم تحرجا ، وأكثرهم سطوة وتأثيرا على
أهل الشام . كان يحب عليا ، ولكنه خرج يقاتله ، لأن معاوية أقنعه بأن عليا مسئول عن
قتل عثمان ، فقد حشد معاوية عددا ممن ينتسبون إلى العلم ، فجعلهم أئمة على المساجد
. وأجزل لهم العطاء وأغدق عليهم وأقطع لهم الإقطاعات ، وملأ خزائنهم بالذهب والفضة
، وربط مصيرهم بمصيره ، وأقنعهم بأنه هو ولي دم عثمان ، وقد قتل عثمان مظلوما ،
فلمعاوية سلطان ، وله الحق في أن يطالب بدمه . وإذ هذا النفر يقنعون الآخرين برأي
معاوية ، ويتأولون تفسير الآية الكريمة : (ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا)
. هذا النفر من علماء الشام ، كانوا كما قال الإمام علي عنهم أنهم علماء مرتشون
باعوا علمهم ودينهم بزخرف الدنيا ، فهم يعلمون أن ولي الأمر - وهو الإمام - هو وحده
المسؤول عن القصاص ، ومع ذلك فقد قالوا وعملوا بغير ما تعلموا وبغير ما علموا ،
وكان أبو الكلاع في شك من أمرهم جميعا . لقد سمع أن عمار بن ياسر من أمراء جيش علي
، وهو يعلم كما يعلم كل المسلمين أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لعمار بن ياسر :
تقتلك الفئة الباغية ، فهذا الحديث الشريف لا يجهله أحد ، ولا ينكره أحد في كل بلاد
المسلمين ، وفي كل بلاد المسلمين تتواتر أحاديث شريفة فيها ثناء على عمار بن ياسر ،
وفيها أن عمار بن ياسر ما خير بين شيئين إلا اختار أرشدهما . ومضى أبو الكلاع يسأل
عمرو بن العاص عن عمار ، وسكت عمرو ، فصاح أبو الكلاع : ويحك ، ما هذا يا عمرو ؟
ألم يقل الرسول صلى الله عليه وسلم : يلتقي أهل الشام وأهل العراق ، وفي إحدى
الكتيبتين الحق وإمام الهدى ، ومعه عمار بن ياسر ؟ قال عمرو في ضيق : عمار بن ياسر
سيرجع إلينا .
ص 361
ومضى أبو الكلاع يحدث أهل الشام عن علي ، ويقسم لهم أنه يعرف فضله وسابقته وحقه ،
ولكنه يحاربه ليسلم معاوية قتله عثمان ، كما أفتى بعض العلماء من حاشية معاوية
لرؤساء أهل الشام . وخشي عمرو أن يفت كلام أبي الكلاع في عضد جيش الشام ، فحاول أن
يقنعه بأن عمار بن ياسر هو أحد المسؤولين عن قتل عثمان الخليفة المظلوم ، ولكن أبا
الكلاع أغلظ لعمرو ومضى يحدث أصحابه من أهل الشام عن مناقب عمار ، فقال : إنه كان
أحد سبعة هم أول من أظهروا إسلامهم ، منهم أمه سمية أول شهيدة في الإسلام ، كما كان
أبوه ياسر أول شهيد في الإسلام ، عذبا حتى هلكا . ومضى أبو الكلاع إلى ابن خالد بن
الوليد ، وكان من أصحاب معاوية فسأله عما كان بين خالد وعمار أمام الرسول صلى الله
عليه وسلم ، فقال : قال لي أبي : كان بيني وبين عمار كلام فأغلظت له في القول ،
فانطلق عمار يشكوني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجئت وعمار يشكوني ، فجعلت
أغلظ له ، ولا أزيده إلا غلظة ، والنبي صلى الله عليه وسلم ساكت لا يتكلم ، فبكى
عمار وقال : يا رسول الله ، ألا تراه ؟ فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه
وقال : من عادى عمارا عاداه الله ، من أبغض عمارا أبغضه الله ، فخرجت من عند الرسول
فما كان شيء أحب إلي من رضا عمار ، فأرضيته حتى رضي . ومضى أبو الكلاع يسأل العلماء
الذين اصطنعهم ، أسمعوا عن الحديث الشريف : إهتدوا بهدي عمار ؟ ، فسكتوا ، خرجوا
بالصمت عن لا ونعم . وأبو الكلاع يبحث عن قراء الشام الذين انضموا إلى قراء العراق
، فإذا هم جميعا تحت إمرة عمار ، وإنه ليقودهم متجها إلى صفوف معاوية ، والناس تقول
: ما يسلك عمار أوديا من أودية صفين إلا التف حوله أصحاب رسول الله . كان قراء
الكوفة هم وآباؤهم يرون فيه رائدا عظيما ، ذلك أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أرسل
عمارا إلى الكوفة بكتاب أهلها : أما بعد فإني أرسلت إليكم
ص 362
عمار بن ياسر أميرا ، وعبد الله بن مسعود وزيرا ومعلما ، وهما من نجباء أصحاب محمد
، فاقتدوا بهما . واتصلت المودة بين أهل الكوفة وبين ابن مسعود وعمار كليهما رضي
الله عنهما ، فلما مات ابن مسعود لم يعد لأهل الكوفة شيخ إلا عمار . وكان عمار
حيثما مضى من أرض الإسلام أحبه الناس ، وتمثلوا بصلابته في الحق ، وحسن بلائه في
سبيل الله ، هكذا أحبه المصريون حين جاء إلى مصر ، وأحبه أهل العرق . سألوا عنه ابن
عباس فقال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في أول الدعوة يمر بعمار وأمه (سمية)
وأبيه ياسر وهم يعذبون في رمضاء مكة فيقول : (صبرا آل ياسر ، موعدكم الجنة) وكان
المشركون يبلغون من المسلمين في العذاب ما يعذرون به على ترك دينهم ، إن كانوا
ليضربون أحدهم ويجيعونه ويعطشونه حتى ما يقدر على أن يستوي جالسا ، من شدة الضر
الذي به حتى أنه ليعطيهم ما سألوه من الفتنة ، وحتى يقولوا له : اللات والعزى إلهك
من دون الله ، فيقول : نعم . ولقد عذبوا سمية أم عمار على الإسلام ، وهي تأبى ما
يريدون ، حتى قتلوها ، فكانت أول من استشهد في الإسلام . وأخذ المشركون عمارا
فعذبوه ، فلم يتركوه حتى سب النبي صلى الله عليه وسلم ، وذكر آلهتهم بخير ، ثم
تركوه ، فأتى الرسول باكيا ، فقال الرسول : ما وراءك ، قال : شر يا رسول الله ، ما
تركوني حتى نلت منك وذكرت آلهتهم بخير . قال الرسول : كيف تجد قلبك ؟ قال : مطمئنا
بالإيمان ، قال : فإن عادوا لك فعد لهم ، فنزلت فيه الآية الكريمة من سورة النحل :
(من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان) . وعمار الآن في
نحو التسعين ، وما زال قادرا على القتال والجهاد في سبيل الله . أسمر ، طويل القامة
، أبيض اللحية ، سريع الخطوات على الرغم من شيخوخته ، نشط ، جليل ، مهيب . وإنه
لمطاع الكلمة عنه الصحابة ، يتبعه القراء فيما يقول ،
ص 363
ولقد يراهم يسرفون في العبادة ، فيعلمهم ، القصد ، ويحملهم على الاعتدال ، وإنهم
لفي طاعته لا يردون له أمرا . عمار مثلهم من المساكين ، يعاني ما يعانون ، ولقد
تعلم من الإمام علي لونا من الزهد جعله لا يرضى الدنية في دينه ، هذا اللون من
الزهد الذي يملأ قلوب المؤمنين حبا للحقيقة ، ويجعل المتقين أقوى من الإغراء ،
ويجعل المساكين فقراء إلى الله حقا ، أغنياء عن الناس . وقد علم عمار تلاميذه من
القراء كل ما تعلمه من الرسول صلى الله عليه وسلم ، ومن علي كرم الله وجهه ، فلما
وجدهم يغالون في الزهد ، علمهم ما تعلمه من الرسول : لا رهبانية في الإسلام ،
ورهبانية أمتي الجهاد . الدفاع عن قيم الإسلام الفاضلة : عن الحق والعدل والإحسان ،
الدفاع عن كل أولئك جهاد في سبيل الله ، هكذا علم عمار أتباعه القراء . وما زال
ثناء الرسول عليه في كل ما شهده مع الرسول من مواقع ، ما زال هذا الثناء يمنحه
القدرة على القتال ، وإنه اليوم ليجاهد تحت راية علي ، هؤلاء الذين جاهدهم هم
وآباءهم من قبل تحت الراية نفسها في زمن الرسول في مواقع كثيرة ، ما واحدة منها
بأزكى من الأخرى ولا بأزكى من هذه كما قال ، وهاهم أولاء أصحاب علي من حوله يحملون
حملة صدق ، فيزيلون جند معاوية عن مواقعهم ، وتضطرب صفوفهم ، وها هو ذا معاوية في
آخر صف يحميه فرسان الشام الدارعون ، ولكن خالد بن معمر أمير هذا الرهط من فرسان
علي يزحف على فرسان معاوية وهم يتقهقرون فرقا . وهاهو ذا يكاد يفضي إلى سرادق
معاوية ويزيل قبته العالية ، فإذا بمعاوية يهرب منهزما ويختفي ، ليرسل إلى خالد
يسأله ألا يتقدم بعد ، وألا يغامر بحياته ، فما عساه يكسب من علي . إن معاوية ليعده
بأن يوليه خراسان إن هو توقف عن الزحف ، وإن معاوية ليهدي خالدا من التبر ما لا
يستطيع أن يحصل على ذرة منه من أبي تراب ، ويتوقف خالد
ص 364
عن الزحف . يالقدرة معاوية على أن يطيش أحلام الرجال بوعود الجاه والثراء والسلطان
وإن لديه من المال ما يمكنه من شراء من يلين : فله خراج الشام كله ملكا خالصا لا
يؤدي منه لبيت المال درهما واحدا . أما الإمام علي فما عساه يملك . إنه يملك غير
العدل في القسمة بين الناس . ما يملك إلا التقوى ، وما عساها تجدي مع الرجال الذين
يصطنعهم معاوية ، من الذين قال عنهم هو نفسه : إنهم لا يعرفون غير المال . ما عسى
أن تجدي التقوى إذا أصبحت ضمائر بعض الرجال تشترى وتباع ، وتستخدم ، وتزيف باسم
المقدسات . ولكن سقوط هذا الرجال أو ذاك ، لم يكن ليزيد الآخرين إلا ارتفاعا على
الدنايا ، في الحق أن سقوط رجل ما أو قبيلة ما تحت إغراء ما يعرضه معاوية من مال
ومناصب وجاه كان يوجع قلب الإمام ، ولكن الإمام كان على الرغم من كل شيء يؤمن بأنه
من الخير له أن يتخفف من الذين تعربد رؤوسهم الأطماع وأحلام الغنى والأباطيل . إنه
لمع الحق ، وإن أوحشت طرقه ، وقال نصيره ، وكفى بالله نصيرا . وكان المتأمل في جند
الإمام وجند معاوية يرى عجبا . فأغلب جند الإمام صفر الوجوه من القيام ، وعلى
الجباه علامات من أثر السجود ، ثيابهم خشنة ، ولكن وجوههم على الرغم من كل شيء تضئ
بالثقة ، يسعى نورهم بين أيديهم إلا قليلا . فإذا وقف الإمام ينظمهم في صفوف ،
ويأمرهم أن يصطفوا كالبنيان المرصوص ، حاوروه حتى يقتنعوا ، وحتى يفقهوا معنى ما
يتلوه عليهم : (إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص) .
وحينئذ يغرسون أقدامهم في الأرض بثبات . أما جند معاوية ، فكانت ملابسهم فاخرة ،
جاءوا إلى القتال في أحسن زينة ، وما كان معاوية في حاجة إلى أن يكلمهم فالإشارة
تغنيه عن العبارة . وقف عمرو بن العاص ينظر إلى جند معاوية وجند علي ويقارن بين
الحالين ،
ص 365
وشعر معاوية بما في أعماق عمرو فقال مزهوا : يا ابن العاص كيف ترى هؤلاء وما هم
عليه ؟ قال عمرو : لقد رأيت من يسوس رعيته بالدين والدنيا ، فما رأيت أحدا تأتى له
من طاعة رعيته ما تأتى لك من هؤلاء ، قال معاوية : أفتدري متى يفسد هذا ، وفي كم
ينقض ؟ قال : في يوم واحد ، إي والله أو في بعض يوم ، قال عمرو : وكيف ذلك ؟ قال
معاوية : متى كذبوا في الوعد الوعيد ، وأعطوا على الهوى لا على الغناء . القبائل
العربية موزعة بين جيش الإمام وجيش معاوية ، كل قبيلة تكفي أختها ، حتى قريش الشام
تعرضت للقرشيين الذين جاءوا من العراق أو من الحجاز . ومعاوية ما برح يغري رؤساء
القبائل في جيش علي ، ولقد راسل الأشعث بن قيس رئيس اليمانية فلم يحفل به ، ولم يرد
عليه ، وراسل عبد الله بن عباس لعله يكفكف من حماسته . ورد عليه ابن عباس أكثر من
مرة ينصحه بأن يحقن الدماء ، ويدخل في الجماعة ، فيعود معاوية إلى مخاطبته مصرا على
أن يسلمه علي قتلة عثمان ليدخل في الطاعة . . وقد حاول معاوية أن يخاطب من جيش علي
رؤساء ربيعة وهمدان ، ولكنهم ردوا عليه ردا منكرا قبيحا ، فكسروه . وارتفع صوت
الإمام يقوم في جنده : سيروا على بركة الله ، الله أكبر الله أكبر ، يا الله يا أحد
يا صمد ، يا رب محمد ، ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين ، بسم
الله الرحمن الرحيم لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، الحمد لله رب العالمين
، الرحمن الرحيم ، مالك يوم الدين ، إياك نعبد وإياك نستعين ، اللهم اكفنا واكف عنا
بأس الظالمين . وبرز للإمام أربعة من أبطال الشام فصرعهم الواحد بعد الآخر ، واشتبك
الجيشان ، وتساقط الناس صرعى ، وعز ذلك على الإمام ، فنادى بأعلى صوته :
ص 366
ويحك يا معاوية ، أبرز إلي ولا تفن العرب بيني وبينك ، فقال له عمرو بن العاص :
اغتنمه وهو مجهد فإنه قد أثخن بقتل هؤلاء الأربعة . فقال له معاوية : والله لقد
علمت أن عليا لم يقهر قط ، إنما أردت قتلي لتصيب الخلافة بعدي . اشتد القتال من
جديد ، والإمام يدعو الله : اللهم إليك رفعت الأبصار وبسطت الأيدي ، ونقلت الأقدام
، ودعت الألسن ، وأفضت القلوب ، فاحكم بيننا وبينهم بالحق وأنت خير الفاتحين ،
اللهم إنا نشكو إليك غيبة نبينا وقلة عددنا ، وكثرة عدونا ، وتشتت أهوائنا ، وشدة
الزمان ، وظهور الفتن ، أعنا عليهم بفتح تعجله ، ونصر تعزبه سلطان الحق وتظهره . ثم
قال لأصحابه : قال الله تعالى لقوم (قل لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت أو
القتل) وإذن لا تمتعون إلا قليلا ، وأيم الله لئن فررتم من سيف الدنيا لا تسلمون من
سيف الأخرى . تضرجت السيوف والحراب من مهج المسلمين ، وتطايرت الرؤوس وسقط القتلى ،
فصاح الإمام مرة أخرى : يا معاوية ! فقال معاوية : اسألوه ما شأنه ، قال الإمام :
أحب أن يظهر لي فأكلمه كلمة واحدة ، فبرز معاوية ومعه عمرو بن العاص ، فقال : يا
معاوية ! ويحك علام تقتيل الناس بيني وبينك ؟ أبرز إلي فأينا يقتل صاحبه فالأمر له
، فالتفت معاوية إلى عمرو فقال : ما ترى أبا عبد الله ؟ أأبارزه ؟ قال عمرو : اعلم
أنه إن نكلت مرة أخرى لم تزل سبة عليك وعلى عقبك ما بقي عربي ، قال معاوية : يا
عمرو بن العاص ، ليس مثلي يخدع عن نفسه ، والله ما بارز ابن أبي طالب رجلا قط إلا
سقى الأرض من دمه ، والله إن تريد إلا أن أقتل فتصيب الخلافة بعدي . ثم انصرف
معاوية راجعا ومعه عمرو ، فاختبآ في آخر الصفوف . فضحك الإمام ، ووقف عبد الله بن
عباس يخطب المقاتلين فكان مما قاله : لقد
ص 367
قاتل علي أبي طالب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي يقول صدق الله ورسوله ،
ومعاوية وأبو سفيان يقولان : كذب الله ورسوله ، فما معاوية في هذه بأبر ولا أتقى
ولا أرشد ولا أصوب في قتالكم ، فعليكم بتقوى الله والجد والحزم والصبر ، وإنكم لعلى
الحق وإن القوم لعلى الباطل ، فلا يكونن أولى بالجد في باطلهم منكم في حقكم ، اللهم
ربنا أعنا ولا تخذلنا ، وانصرنا على عدونا . ووقف عمار يخطب فقال : اللهم إنك تعلم
أني لو أعلم أن رضاك في أن أضع ظبة (طرف) سيفي في بطني ثم أنحني عليها حتى تخرج من
ظهري لفعلته ، والله إني لا أعلم اليوم عملا هو أرضى لك من جهاد هؤلاء الفاسقين ،
من يبتغ رضوان الله فلا يرجع إلى مال ولا ولد ، أقصد بنا هؤلاء القوم الذين يطلبون
دم عثمان ، والله ما أرادوا الطلب بدمه ، ولكنهم ذاقوا الدنيا واستحبوها ، وعلموا
أن الحق إذا لزمهم حال بينهم وبين ما يتمرغون فيه منها ، ولم تكن لهم سابقة يستحقون
بها طاعة الناس والولاية عليهم . فخدعوا أتباعهم أن قالوا : إمامنا قتل مظلوما ،
ليكونوا بذلك ملوكا جبابرة ، فبلغوا ما ترون ، ولولا هذه ما تبعهم من الناس رجلان ،
ولكن قول الباطل له حلاوة في أسماع الغافلين ، فسيروا إليهم سيرا جميلا ، اللهم إن
تنصرنا فطالما نصرت ، فإن جعلت لهم الأمر فادخر لهم بما أحدثوا في عبادك العذاب
الأليم ، اذكروا الله ذكرا كثيرا ، الجنة تحت ظلال السيوف ، الشهادة في أطراف
الأسنة ، وقد فتحت أبواب السماء ، وتزينت الحور العين ، ألقى الأحبة ، محمدا وصحبه
. وتقدم حتى دنا من عمرو بن العاص ، فقال له : يا عمرو بعت دينك بمصر ، تبا لك !
تبا لك ! . فقال عمرو : لا ، ولكني أطلب دم عثمان ، قال : أشهد أنك أنك لا تطلب
بشيء من فعلك هذا وجه الله ، وأنك إن لم تقتل اليوم تمت غدا ، فانظر إذا أعطي الناس
على نياتهم ما نيتك ؟ لقد قاتلت صاحب هذه الراية ثلاثا مع رسول الله صلى الله عليه
وسلم ، وهذه الرابعة ما هي بأبر ولا أتقى .
ص 368
ثم قاتل عمار ، وعطش فطلب أن يشرب ، فجاءوه بلبن ممزوج بماء فهمهم : بشرني حبيبي
رسول الله أن آخر زادي اللبن الممزوج بالماء ، واندفع يحار وهو يدعو الله أن يرزقه
النصر أو الشادة ، وطعنه رجل من بني السكسك ، ولهم ثروة عظيمة بالشام . ظل الرجل
الثري يتحرى عمار بن ياسر حتى طعنه بحربة ، وأقبل ثري آخر من أثرياء الشام فاحتز
رأسه . وجاء من يبشر عمرو بن العاص ومعاوية بقتل عمار ، ومن ينعى إليهما ذا الكلاع
قال عمرو لمعاوية : ما أدري بقتل أيهما أنا أشد فرحا ، بقتل عمار أو ذي الكلاع ،
والله لو بقي ذو الكلاع بعد قتل عمار لمال بعامة أهل الشام إلى علي وأفسد علينا
جندنا . وجاء الرجلان الثريان إلى معاوية : الذي طعن عمارا ، والذي حز رأسه ، كل
منهما يدعي أنه صاحب الفضل في قتل عمار . فقال لهما عبد الله بن عمرو : ليطب كل
واحد منكما نفسا لصاحبه بقتل عمار ، فإني سمعت رسول الله صلى الله وسلم يقول :
قاتله وسالبه في النار ، إنما تقتله الفئة الباغية . فغضب معاوية وقال لعمر محتدا :
ألا تنهى عنا مجنونك هذا ؟ ثم قال لعبد الله : فلم تقاتل معنا ؟ فقال عبد الله : إن
رسول الله أمرني بطاعة والدي ما كان حيا ، وأنا معكم والست أقاتل ، فقال معاوية :
أو نحن نقتل عمارا ، إنما قتل عمارا من جاء به . وشارع في . جند معاوية أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال عن عمار : إنما تقتله الفئة الباغية . فخرج معاوية
إليهم فقال : صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إنما قاتل عمارا من جاء به ، قتله
علي بن أبي طالب ، وبارك العلماء المرتشون من صنائع معاوية هذا التخريج . فأخذ جند
معاوية يرددون دون أن يكفروا : إنما قتل عمارا من جاء به ، قتله علي ابن أبي طالب .
ص 369
وحمل أهل العراق على أهل الشام ، فتقهقروا ثم توقفوا ، فوقف الأحنف بن قيس يخطب أهل
العراق : يا أهل العراق ، والله لا تصيبون هذا الأمر أذل عنقا منه اليوم ، قد كشف
القوم لكم قناع الحياء ، وما يقاتلون على دين ، وما يصبرون إلا حمية وحبا في الدنيا
، فتقدموا ، قالوا : إنا إن تقدمنا اليوم فقد تقدمنا أمس ، فما تقول يا أمير
المؤمنين ؟ قال الإمام علي لهم : تقدموا في موضع التقدم ، وتأخروا في موضع التأخر ،
تقدموا من قبل أن يتقدموا إليكم . فانقض أهل الشام يقودهم عمرو بن العاص ، وتقدم
أهل العراق يقودهم أمير المؤمنين الإمام علي ، وكان في الدروع والزرد لا تبين منه
إلا عيناه ، وكذلك كان عمرو ، فلم يعرف عمرو أن الذي يقود أهل العراق هو علي الذي
ما صارع أحدا إلا صرعه وتصدى لعمرو ، فلما تلقى عمرو أول ضربة في الصراع أدرك من
ثقل الضربة أنها لعلي ، ثم ضربة علي بحربته فأوقعه من على ظهر حصانه ، فأدرك عمرو
أنه هالك ، فبادر فكشف عورته وهو يتخبط على الأرض ، فتنحى الإمام علي كرم الله وجهه
- وجهه عن عمرو وتركه يسرع هاربا ، فقال أصحاب علي : أفلت الرجل يا أمير المؤمنين ،
قال : فهل تدرون من هو ؟ إنه عمرو بن العاص ، تلقاني بعورته فصرفت وجهي عنه . وتقدم
بسر بن أرطاة ، وهو أقوى فرسان معاوية ليصارع عليا ، فضربه فأسقطه ، فلما أدرك بسر
أنه يبارز عليا ، كشف عورته كما صنع عمرو ، فصرف الإمام وجهه عنه ، وتركه يفلت
هاربا ، وروى عمرو ما كان من علي ، فقال معاوية : أحمد الله وعورتك ، أما والله أن
لو عرفته يا عمرو ما أقحمت نفسك عليه ، ثم قال شعرا يزري فيه بعمرو ، فقال عمرو :
ما أشد تعظيمك في أمري هذا ؟ وهل هو إلا رجل لقيه ابن عمه فصرعه ؟ أفترى السماء
قاطرة لذلك دما ؟ قال معاوية : لا ولكنها معقبة لك خزيا . وهدأ القتال ، فقدر
معاوية أن عليا سيقهره إن استمر القتال .
ص 370
ورأى معاوية أن يحاول استمالة بعض أصحاب علي ، ممن كانت له بهم مودة من قبل ، فأرسل
أخاه عتبة إلى الأشعث بن قيس فنادى الأشعث فقال : سلوا هذا المنادي من جيش معاوية
من هو ؟ قال عتبة : أنا عتبه بن أبي سفيان ، قال الأشعث : غلام مترف ولا بد من
لقائه . فلما خرج إليه سأله : ما عندك يا عتبة ؟ قال عتبة : أيها الرجل إن معاوية
لو كان لاقيا رجلا غير علي للقيك ، إنك رأس أهل العراق ، وسيد أهر اليمن ، وقد سلف
من عثمان إليك ما سلف من الصهر والعمل ، لست كأصحابك ، أما الأشتر فقتل عثمان ،
وأما عدي فحرض عليه ، وأما شريح وابن قيس فلا يعرفان غير الهوى ، وإنك حاميت عن أهل
العراق تكرما ، ثم حاربت أهل الشام حمية ، وقد بلغنا والله منك ما بلغنا ، وبلغت
منا ما أردت ، وإنا لا ندعوك إلى ترك علي ونصر معاوية ولكنا ندعوك إلى البقية (أن
تبقوا علينا ولا تستأصلونا) ، التي فيها صلاحك وصلاحنا . فقال الأشعث : يا عتبة ،
أما قولك أن معاوية لا يلقى إلا عليا فإن لقيني والله ما عظم مني ولا صغرت عنه ،
فإن أحب أن أجمع بينه وبين علي فعلت ، وأما قولك أني رأس أهل العراق وسيد أهل اليمن
، فإن الرأس المتبع والسيد المطاع هو علي ابن أبي طالب عليه السلام ، وأما ما سلف
من عثمان إلي فوالله ما زادني صهره شرفا ، ولا عمله عزا ، ما عيبك أصحابي فإن هذا
لا يقربك مني ولا يباعدني عنهم ، وأما محاماتي عن أهل العراق فمن نزل بيتا حماه ،
وأما البقية (الإبقاء على المقاتلين وعدم استئصالهم) فلستم بأحوج إليها منا . فلما
روى عتبة لأخيه معاوية ما قاله الأشعث قال : يا عتبة لا تلقه بعدها فإن الرجل عظيم
عند نفسه ، وإن كان قد جنح للسلم . على أن معاوية رأى يحاول مع غير الأشعث ، مع رجل
له عند علي حظوة ومكان ، وله على أصحابه سلطان ، فلم يجد غير عبد الله بن عباس ،
فقال معاوية لمستشاره عمرو بن العاص : إن رأس الناس بعد علي هو عبد الله بن عباس ،
فلو
ص 371
ألقيت إليك كتابا ترفقه به ، فإنه إن قال شيئا لم يخرج علي منه ، وقد أكلتنا الحرب
. فقال عمرو : ابن عباس لا يخدع ، ولو طمعت فيه لطمعت في علي ، قال معاوية : على
ذلك ، فاكتب إليه . فكتب عمرو إلى عبد الله بن عباس : أما بعد ، وأنت رأس هذا الجمع
بعد علي ، فانظر فيما بقي ودع ما مضى ، فوالله ما أبقت هذه الحرب لنا ولكم حياة ولا
صبرا ، واعلموا أن الشام لا تملك إلا بهلاك العراق ، وأن العراق لا تملك إلا بهلاك
الشام ، وما خيرنا بعد هلاك أعدادنا منكم ، وما خيركم بعد هلاك أعدادكم منا ، ولسنا
نقول ليت الحرب غارت (انتهت) ولكنا نقول ليتها لم تكن ، وإن فينا من يكره القتال ،
كما أن فيكم من يكرهه ، وإنما هو أمير مطاع أو مأمور مطيع ، أو مؤتمن مشاور ، وهو
أنت ، وأما الأشتر الغليظ الطبع ، القاسي القلب ، فليس بأهل أن يدعى في الشورى ،
ولا في خواص أهل النجوى . طال البلاء وما يرجى له آس * بعد الإله سوى رفق ابن عباس
قولا له قول من يرجو مودته * لا تنس حظك إن الخاسر الناسي فلما قرأ عبد الله بن
عباس الكتاب ، أطلع عليه الإمام ، فقال ضاحكا : قاتل الله ابن العاص ، ما أغراه بك
يا ابن عباس ؟ أجبه . فأجابه ابن عباس : أما بعد فإني لا أعلم رجلا من العرب أقل
حياء منك ، إنه مال بك معاوية إلى الهوى ، وبعته دينك بالثمن اليسير ، ثم خبطت
بالناس في عشوة طمعا في الدنيا ، فلما لم تر شيئا أعظمت الدنيا إعظام أهل الدنيا ،
ثم تزعم أنك تتنزه عنها تنزه أهل الورع ، فإن كنت ترضى الله بذلك فدع مصر وارجع إلى
بيتك ، وهذه الحرب ليس فيها معاوية كعلي ، ابتداها علي بالحق وانتهى فيها إلى العذر
، وبدأها معاوية بالبغي وانتهى فيها إلى السرف ، وليس أهل العراق فيها كأهل الشام ،
بايع أهل العراق عليا وهو خير منهم ، وبايع معاوية أهل الشام وهم خير منه ، ولست
أنت وأنا فيها بسواء ، أردت أنت مصر ، وقد عرفت الشيء الذي باعدك مني
ص 372
ولا أعرف الذي قربك من معاوية ، فإن ترد شرا لا نسبقك به ، وإن ترد خيرا لا تسبقنا
إليه . فجاء عمرو بكتاب ابن عباس إلى معاوية وقال له في غضب : أنت دعوتني إلى هذا ،
ما كان أغناني وإياك عن بني عبد المطلب ، فقال معاوية : إن قلب ابن عباس وقلب علي
قلب واحد ، كلاهما ولد عبد المطلب ، وإن كان ابن عباس قد خشن فقد لان ، وإن كان قد
تعظم أو عظم صاحبة فلقد قارب وجنح إلى السلم ، وإن ابن عباس رجل من قريش وأنا كاتب
إليه أخوفه عواقب هذه الحرب لعله يكف عنا . وأرسل معاوية إلى ابن عباس : أما بعد ،
فإنكم يا معشر بني هاشم لستم إلى أحد أسرع بالمساءة منكم إلى أنصار عثمان بن عفان ،
فإن كان ذلك لسلطان بني أمية ، فقد وليها عدي (قبيلة أبي بكر) وتيم (قبيلة عمر) فلم
تنافسوهم ، وأظهرتم لهم الطاعة ، وقد وقع من الأمر ما قد ترى ، وأكلت هذه الحروب
بعضها من بعض حتى استوينا فيها ، فما أطمعكم فينا أطمعنا فيكم وما يسيئكم منا
يسيئنا منكم ، وقد رجونا غير الذي كان ، وخشينا دون ما وقع ، قد قنعنا بما كان في
أيدينا من ملك الشام ، فاقنعوا بما في أيديكم من ملك العراق ، وأبقوا على قريش ،
فإنما بقي من رجالها ستة : رجلان بالشام ، ورجلان بالعراق ، ورجلان بالحجاز ، فأما
اللذان بالشام فأنا وعمرو ، وأما اللذان بالعراق فأنت وعلي ، وأما اللذان بالحجاز
فسعد (ابن أبي وقاص) وابن عمر ، وأنت رأس هذا الجمع اليوم ، ولو بايع لك الناس بعد
عثمان كنا إليك أسرع منا إلى علي . فلما قرأ ابن عباس الكتاب غضب وقال : حتى متى
يخطب ابن هند إلى عقلي وحتى متى أجمجم على ما في نفسي ؟ وأسرع يرد عليه : أما بعد ،
أتاني كتابك وقرأته ، فأما ما ذكرت من سرعتنا إليك بالمساءة في أنصار ابن عفان ،
وكراهيتنا لسلطان بني أمية ، فلعمري لقد أدركت في عثمان حاجتك حين استنصرك فلم
ص 373
تنصره ، حتى إلى ما صرت إليه ، وبيني وبينك في ذلك ابن عمك وأخو عثمان الوليد بن
عقبة (أخو عثمان لأمه) ، وأما قولك أنه لم يبق من قريش غير ستة فما أكثر رجالها
وأحسن بقيتها ، وقد قاتلك من خيارها من قاتلك ، ولم يخذلنا إلا من خذلك ، وأما
إغراؤك إيانا بعدي وتيم فأبو بكر وعمر خير من عثمان ، كما أن عثمان خير منك ، وقد
بقي لنا منك يوم ينسيك ما قبله ، وتخاف ما بعده ، وأما قولك : إنه لو بايع الناس لي
لاستمعتم لي ، فقد بايع الناس عليا وهو خير مني فلم تستقيموا له ، وإنما الخلافة
لمن كانت له المشورة ، وما أنت يا معاوية والخلافة وأنت طليق وابن طليق ؟ والخلافة
للمهاجرين ، وليست للطلقاء (الذين أسلموا يوم فتح مكة) . فلما قرأ معاوية الكتاب ،
نظر إليه عمرو شامتا وضحك ، فقال معاوية : هذا عملي بنفسي ، والله لا أكتب إليه
أبدا . ثم قال : والله لأستميلن بالأموال ثقات علي ، ولأقسمن فيهم المال حتى تغلب
دنياي آخرته . وأغدق معاوية على بعض أهل العراق أموالا طائلة ووعدهم بإقطاعات
ومناصب كبرى ، فمالوا إليه ، وانتشر الخبر في الناس ، فأحزن ذلك عليا ، واستنفر
آخرين آثروا دين علي على دنيا معاوية ، فانقضوا على من انضموا إلى جيش الشام ،
وأعمروا فيهم القتل وفي أهل الشام ، فجزع معاوية جزعا شديدا ، وقال لأهل الشام :
هذا يوم تمحيص ، وإن لهذا اليوم ما بعده ، اصبروا وكونوا كراما . استشهد عمار بن
ياسر رضي الله عنه ، فجزع أتباعه القراء وزلزلوا زلزالا شديدا ، فقد كانوا لا
يتخيلون أن يقتل عمار على هذا النحو البشع : يعمد إليه أحد أثرياء الشام فيقتله ،
وينقض ثري آخر فيفصل رأسه عن جسده ، كأنه يريد أن بطمئن أنه لن يعود إلى الحياة مرة
أخرى ، فيطالب الأغنياء بأن يقوموا بأمر الفقراء ، وينادي بأن للفقراء والمساكين
أهل الحاجة حقوقا في أموال الأغنياء غير الزكاة .
ص 374
وما حيلة عمار ، وما ذنبه وهو قد تعلم هذا من الرسول صلى الله عليه وسلم ، وفقهه
فيه علي بن أبي طالب . وتساءل بعض القراء : كيف نصر الله الأغنياء بافترائهم ، على
المساكين بزهدهم وتقواهم ؟ الحكمة ما أراد الله تعالى ، وما أراد لقضائه ، وتساءل
آخرون منهم : لماذا يبتلى إمامهم علي بكل هذه المحن ؟ وقال آخرون : إن عليا من
أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولاهم يحزنون ، وقد شرى علي نفسه ابتغاء مرضاة الله
. فقال أحد القراء : رأيت في بعض الكتب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أراد
الهجرة ، خلف علي بن أبي طالب بمكة لقضاء ديونه ورد الودائع التي كانت عنده ، وأمره
ليلة خرج إلى الغار ، وقد أحاط المشركون بالدار ، أن ينام في فراشه ، وقال له :
(اتشح ببردي الخضرمي الأخضر ، فإنه لا يخلص إليك منه مكروه إن شاء الله تعالى) ،
ففعل ذلك ، فأوحى الله إلى جبريل وميكائيل عليها السلام : أني آخيت بينكما ، وجعلت
عمر أحدكما أطول من عمر الآخر ، فأيكما يؤثر صاحبه بالحياة ؟ فاختار كلاهما الحياة
، فأوحى الله عز وجل إليهما : أفلا كنتما مثل علي بن أبي طالب ؟ آخيت بينة وبين
نبيي محمد ، فبات على فراشه، يفديه بنفسه، ويؤثره بالحياة، اهبطا إلى الأرض فاحفظاه من عدوه، فنزلا فكان جبريل عند رأس علي، وميكائيل عند رجليه ، وجبريل
ينادي : بخ بخ ! من مثلك يا بن أبي طالب يباهي الله عز وجل به الملائكة ، فأنزل
الله عز وجل على رسوله وهو يتوجه إلى المدينة - في شأن علي : (ومن الناس من يشري
نفسه ابتغاء مرضاة الله) . فقال أحد القراء : سينصر الله إمامنا فقد علمنا من شيخنا
ابن مسعود وعمار أن رسول الله صلى عليه وسلم قال : علي مع القرآن والقرآن مع علي لا
يفترقان . وأخذ القراء يبكون عمارا ويدعون الله، ويرتلون القرآن، ويطيلون الركوع
والسجود، حتى رآهم الأشتر، فأشفق عليهم، وضمهم إلى رجاله وقادهم جميعا
ص 375
فشقوا طريقا في صفوف جند معاوية ، وتزايلت صفوف معاوية صفا بعد صف ، فحرض معاوية
أصحابه على أن يبارزوا الأشتر ويقتلوه ، فخافه أصحاب معاوية ، ولم يتقدم أحد بعد
إلى الأشتر ، وحاول معاوية أن يغري مروان بن الحكم بذلك ، فأبى مروان ، وقال
لمعاوية : أدع للأشتر عمرو بن العاص فهو وزيرك ، قال معاوية : وأنت نفسي ، فقال
مروان : لو كنت كذلك ألحقتني به في العطاء ، وألحقته بي في الحرمان . وسمع عمرو
بذلك فقال لمعاوية : قد غمك القوم في مصر ، فإن كان لا يرضيهم إلا أخذها ، فخذها ،
إن ابن عمك مروان يباعدك منا ويباعدنا منك ويأبى الله إلا أن يقربنا إليك . عندما
علم الإمام باستشهاد عمار ، بكاه وصلى عليه ، وأمر بدفنه حيث استشهد ثم اتجه الإمام
إلى ربيعة وهمدان فقال لهم : أنتم درعي ورمحي ، فقال لهم شيوخهم : يا معشر ربيعة لا
عذر لرجل في العرب إن وصل أحد بأذى إلى أمير المؤمنين وهو بينكم وفيكم رجل حي ، إنه
لعاركم آخر الدهر فإن منعتموه ، مجد الحياة اكتسبتموه . تقدم الإمام يقود نحو اثنى
عشر ألفا من ربيعة وهمدان ، منهم ألفان وثمانمائة من المهاجرين والأنصار ، ومن بقي
من أهل بدر إلا ثلاثة نفر ، وتسعمائة ممن شهدوا بيعة الرسول تحت الشجرة ، ونزل فيهم
قرآن كريم يبشرهم برضوان الله . بايعته ربيعة وهمدان على الموت ، وحملوا على جند
الشام ، فنقضوا صفوفهم ، ومعاوية يحرض جنده على قتل علي ، ورجال علي يحرسونه ، وهو
يلاقي الفرسان واحدا بعد الآخر فما يبارز أحدا إلا قتله ، ويطلب منه رؤساء
القبيلتين أن يأخذ حذره ، وسيبارزون هم عنه ، فيقول : من أي يومي من الموت أفر *
أيوم لا قدر أم يوم قدر وحرض معاوية عمرو بن العاص على مبارزة علي ، فقال له عمرو :
بارزه أنت
ص 376
فتكون على إحدى الحسنيين، أما أن تقتله فتكون قد قتلت قاتل الأقران وتزداد شرفا
إلى شرفك، وإما أن يقتلك فتكون قد استعجلت مرافقة الشهداء والصالحين وحسن أولئك
رفيقا. فقال معاوية: يا عمرو! الثانية شر من الأولى. وكان معاوية واقفا على تل
يشاهد المعركة وعلي يفلق الهامات، وما من أحد يقوى عليه، والصفوف تنهزم أمامه هو
وفرسان ربيعة وهمدان، وجيش الشام ينهار، وصناديده يفرون يلتمسون النجاة من علي
وأصحابه. فقال معاوية وهو يتأمل كل ذلك: تبا لهؤلاء الرجال وقبحا! أمام فيهم من
يقتل عليا مبارزة أو غيلة؟ فقال له الوليد بن عقبة: أبرز إليه أنت فإنك أولى
الناس بمبارزته، فقال معاوية: والله لقد دعاني إلى البراز حتى استحييت من قريش،
إني والله لا أبرز إليه، وما جعل العسكر بين يدي الرئيس إلا وقاية له. وجمع
معاوية من معه من رجالات قريش وقال لهم: العجب يا معشر قريش إنه ليس لأحد منكم في
هذه الحرب فعل حسن يطول به لسانه ما عدا عمرو بن العاص، فما بالكم؟ أين حمية قريش؟ فرد عليه الوليد بن عقبة في غضب: وأي فعل تريد؟ والله ما نعرف في أكفائنا من
قريش العراق من يغني غناءنا باللسان ولا باليد، فقال معاوية: بل إن أولئك قد وقوا
عليا بأنفسهم، قال الوليد متحديا معوضا بمعاوية: كلا، بل وقاهم علي بنفسه، فقال
معاوية: أما منكم من يقوم لقرن منهم مبارزة أو مفاخرة ؟ قال مروان: أما البراز
فإن عليا لا يأذن لحسن ولا لحسين ولا لمحمد بنيه فيه ولا لابن عباس وإخوته ، ويصلى
علي بالحرب دونهم، فلأيهم نبارز؟ أما المفاخرة فبماذا نفاخرهم؟ أبالإسلام أم
بالجاهلية؟ فإن كان بالإسلام فالفخر لهم بالنبوة . . وقاطعه معاوية فسفهه. تنابزوا جميعا، فأغلظ الوليد لمعاوية . وقال مروان: أما والله لولا ما كان مني
يوم الدار مع عثمان، ومشهدي بالبصرة،
ص 377
لكان منى في علي رأي يكفي امرءا ذا حسب ودين ، ثم انصرفوا جميعا عن معاوية غاضبين ،
ولكنه لم يدعهم يبيتون في غيظهم ، فصالحهم (وأرضاهم من نفسه ، ووصلهم بأموال جليلة)
. وإذ رأى معاوية أن الدائرة توشك أن تدور عليه ، وأن عليا يوشك أن يكسب الحرب ،
قال لعمرو : قد رأيت أن أكتب لعلي كتابا أسأله الشام - وهو الشيء الأول الذي ردني
عنه وألقى في نفسه الشك والريبة . فضحك عمرو قائلا : أين أنت يا معاوية من خدعة علي
؟ . فقال : ألسنا بني عبد مناف ، قال عمرو : بلى ، ولكن لهم النبوة دونك ، وإن شئت
أن تكتب فاكتب . فكتب معاوية لعلي : أما بعد ، فإني أظنك أن لو علمت أن الحرب تبلغ
بنا وبك ما بلغت وعلمنا ، لم يجنها بعضنا على بعض ، وإنا قد غلبنا على عقولنا فقد
بقي لنا منها ما نندم به على ما مضى ، ونصلح به ما بقي ، وقد كنت سألتك الشام على
ألا يلزمني لك طاعة ولا بيعة ، فأبيت ذلك علي فأعطاني الله ما منعت ، وأنا أدعوك
اليوم إلى ما دعوتك إليه أمس ، فإني لا أرجو من البقاء إلا ما ترجو ، ولا أخاف من
الموت إلا ما تخاف ، وقد والله رقت الأجناد ، وذهبت الرجال ، ونحن بنو عبد مناف ليس
لبعضنا على بعض فضل إلا فضل لا يستذل به عزيز ، ولا يسترق به حر والسلام . فلما قرأ
الإمام كتاب معاوية قال : العجب لمعاوية وكتابه ! . ثم كتب إلى معاوية : أما بعد ،
فقد جاءني كتابك تذكر أنك لو علمت وعلمنا أن الحرب تبلغ بنا وبك ما بغلت لم يجنها
بعضنا على بعض . فإنا وإياك منها في غاية لم نبلغها ، وإني لو قتلت في ذات الله
وحييت ، ثم قتلت ثم حييت سبعين مرة ، لم أرجع عن الشدة في ذات الله ، والجهاد
لأعداء الله . وأما قولك أنه قد بقي من عقولنا ما نندم به على ما مضى ، فإني ما
نقضت عقلي ، ولا ندمت على فعلي .
ص 378
فأما طلبك الشام ، فإني لم أكن لأعطيك اليوم ما منعتك أمس . وأما استواؤنا في الخوف
والرجاء ، فإنك لست أمضى على الشك مني على اليقين وليس أهل الشام بأحرص على الدنيا
من أهل العراق على الآخرة . وأما قولك إنا بنو عبد مناف ليس لبعضنا على بعض فضل ،
فلعمري إنا بنو أب واحد ، ولكن ليس أمية كهاشم ، ولا حرب كعبد المطلب ، ولا أبو
سفيان كأبي طالب ، ولا المهاجر كالطليق ولا المحق كالمبطل ، وفي أيدينا بعد فضل
النبوة التي أذللنا بها العزيز ، وأعززنا بها الذليل . فلما قرأ معاوية كتاب الإمام
، أخفاه . ثم إن عمرو بن العاص ألح على معاوية حتى أطلعه على كتاب الإمام ، فأثنى
عمرو عليه ، وأغضب ذلك معاوية ، فقال لعمرو عاتبا : أردت تسفيه رأيي وإعظام علي وقد
فضحك . وكان عمرو يعظم عليا لأنه بعد أن صرعه لم يجهز عليه بل أشاح عنه بوجهه وتركه
ينجو ، فقال عمرو : أما إعظامي عليا فإنك بعظمته أشد معرفة مني ، ولكنك تطوي ما
تعرفه وأنا أنشره ، وأما فضحني يوم صارعته ، فلم يفتضح امرؤ لقي أبا الحسن . خرج
علي ، ومعاوية ، كل واحد منهما على رأس جنده ، وبرز من جند معاوية عبيد الله بن عمر
بن الخطاب يقود أربعة آلاف بعمائم خضراء يطالبون بدم عثمان ، فنادى الإمام : ويحك
يا بن عمر ، علام تقاتلني ، والله لو كان أبوك حيا ما قاتلني . قال عبيد الله :
أطالب بدم عثمان ، فقال الإمام : أنت تطلب بدم عثمان والله يطلبك بدم الهرمزان .
وأمر الإمام صاحبه الأشتر وفرسانه أن يتصدوا لعبيد الله بن عمر وفرسانه ، وكان عبيد
الله بن عمر قد تعود حين يخرج إلى القتال أن يأمر نساءه فيشددن عليه السلاح ، ويأخذ
إحداهن على راحلتها من خلفه لترى بلاءه في القتال ، فلما خرج ذلك اليوم طلب من
امرأته بنت هانئ أن تخرج خلفه وقال لها : إني عبأت اليوم
ص 379
لقومك وإني لأرجو أن أربط في كل وتد من أوتاد خيمتي سيدا منهم، وكان قومها في جند
الإمام ، فقالت: ما أبغض إلا أن تقاتلهم، قال: ولم؟ قالت: لأنه لم يتوجه إليهم
صنديد في جاهلية ولا إسلام وفي رأسه صعر (غرور) إلا أبادوه، وأخاف أن يقتلوك،
وكأني بك قتيلا وقد أتيتهم أسألهم أن يهبوا لي جيفتك، فرماها بقوس فشج رأسها وقال: ستعلمين بمن آتيك من زعماء قومك، وخرج إلى القتال، وخلفه امرأتان له على
راحلتين أخرجهما معه لتشهدا بطولته. ولكنه لم يلبث أن بارز الأشتر، فصرعه الأشتر، فلما وجدته امرأتاه مجند لا أكثرتا العويل عليه. ثم إن نساءه ذهبن إلى معاوية
ليرسل في طلب جيفته، فأرسل يعرض فيها عشرة آلاف على قوم أم عبيد الله، وسألوا
الإمام عليا، فقال لهم: لا يحل بيعها. جاءتهم امرأته بنت هانئ فقالت: أنا بنت
هانئ وهذا زوجي القاطع الظالم وقد حذرته ما صار إليه فهبوا لي جيفته، فدفعوا إليها
جيفته، وكانت مربوطة في وتد خيمة. ورأى معاوية تفوق أهل العراق على أهل الشام،
فأنب أصحاب رايات الشام، وأغلظ لهم، وهددهم وتوعدهم وقال لأكبرهم : لقد هممت أن
أولى قومك من هو خير منك مقدما وأنصح منك دنيا ، فقال له الرجل مغضبا : والله لقد
نصحتك على نفسي ، وآثرت ملكك على ديني ، وتركت لهواك الرشد وأنا أعرفه ، وحدت عن
الحق وأنا أبصر ، وما وفقت لرشد حين أقاتل على ملكك ابن عم رسول الله صلى الله عليه
وسلم وأول مؤمن به ، ولو أعطيناه ما أعطيناك لكان أرأف بالرعية ، ولكن قد بذلنا لك
الأمر ، ولا بد من إتمامه غيا كان أو رشدا ، وحاشا أن يكون رشدا ، وسنقاتل عن تين الغوطة (موضع بالشام) وزيتونها ، إذ حرما ثمار الجنة وأنهارها . واندفع الرجل براية
قومه يقاتل جيش علي ، وأخذته الحمية ، فأحسن البلاء وحمى وطيس المعركة من جديد .
ص 380
وخلال المعركة رأى الإمام ولديه الحسن والحسين يخوضان غمراتها ، فدعا الله أن
يحفظهما ، وقال لأحد أصحابه : إني أضن بهذين على الموت ، لئلا ينقطع بعدهما نسل
رسول الله صلى عليه وسلم . ولاحظ الإمام أن معاوية يقف على التل تحت الترس الذهبي ،
يتفقد طريق مؤخرته إلى الشام ، ليسحب إذا ما لم يجد حلية إلا الانسحاب . وشاهد
الإمام تدفق الإمدادت والميرة من الشام إلى مؤخرة جيش معاوية ، فنظر الإمام في
الأمر ، فوجد أن معاوية كلما حوصر نفدت منه الميرة جاءه مدد ضخم من الشام ، فالطريق
إليها مفتوح ، وإذن فلا سبيل إلى الانتصار الحاسم على جيش الشام ومعاوية ما بقي
طريق الميرة والإمداد مفتوحا ومؤمنا . وأصدر الإمام علي أمره إلى أحد أصحابه : سر
في بعض هذه الخيل فاقطع الميرة عن معاوية ، ولا تقتل إلا من يحل لك قتله ، وضع
السيف موضعه . بلغ ذلك معاوية ، فدعا أقوى أمراء جيشه وأمر أن يخرج بفرسانه لتأمين
الطريق ، ولكنه عاد منهزما بعد حين ، وقطع الإمام الميرة عن جيش الشام . فجمع
معاوية رؤوس جند الشام وأصحابه وقال لهم : أتاني خبر من ناحية من نواحي فيه أمر
شديد ، فقالوا جميعا : يا أمير المؤمنين ليس لنا رأي في شيء مما أتاك ، إنما علينا
السمع والطاعة . وأراد الإمام علي أن يعرف رأي أصحابه من أهل العراق ، فقال أيها
الناس ، إنه أتاني خبر من ناحية من نواحي ، فقال بعضهم : الرأي لك ، وقال آخرون :
يا أمير المؤمنين ، إن لنا في كل أمر رأيا ، فما أتاك فأطلعنا عليه حتى نشير عليك ،
فقال علي : ظفر والله ابن هند باجتماع أهل الشام له واختلافكم علي ، والله ليغلبن
باطله حقكم ، إنما أتاني أن بعض خيلنا قطعت الميرة عن معاوية ، وظفرت بفرسانه وأتى
معاوية نبأ هزيمة أصحابه فقال : يا أهل الشام ، إني أتاني أمر شريد ، فقلدوه أمرهم
، واختلفتم علي .
ص 381
فقام قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري فقال : أما والله يا أمير المؤمنين لنحن كنا
أولى بالتسليم لك من أهل الشام لمعاوية . وشعر معاوية أنه سيحاط به وبجند الشام بعد
أن قطع الإمام طريق الميرة ، فبعث أبا هريرة والنعمان بن بشير الأنصاري إلى علي
فقالا له : يا أبا الحسن إن الله قد جعل لك في الإسلام فضلا وشرفا ، وقد بعثنا
معاوية يسألك أمرا تسكن به هذه الحرب ، ويصلح له به ذات البين : أن تدفع إليه قتلة
عثمان ، فيقتلهم به ، ويجمع الله تعالى أمرك وأمره ، ويصلح بينكم ، وتسلم الأمة من
الفتنة والفرقة . فعجب الإمام لهذا الكلام . أما يزال معاوية يطالب بقتلة عثمان ،
ويرى نفسه ولي الدم وله الحق في القصاص دون الإمام ولي أمر الأمة ، وعجب أن يحمل
إليه أبو هريرة والنعمان بن بشير الأنصاري مثل هذا الكلام . فقال الإمام لهما : دعا
هذا الكلام . ثم اتجه إلى النعمان قائلا : حدثني عنك يا نعمان ، هل أنت أهدى قومك
سبيلا ؟ قال : لا ، الإمام : فكل قومك الأنصار قد اتبعني إلا شذاذا منهم ثلاثة أو
أربعة ، أتكون أنت من الشذاذ ؟ قال النعمان : إنما جئت لأكون معك وألزمك ، وكان
معاوية قد سألني أن أؤدي هذا الكلام ، ورجوت أن يكون لي موقف أجتمع فيه معك ، وطمعت
أن يجري الله تعالى بينكما صلحا ، فإذا كان رأيك غير ذلك فأنا ملازمك وكائن معك.
وكان بعض الناس في صفين يسعى بين المعسكرين، وكانت الحرب إذا هدأت عشاء يتسامر أهل
المعسكرين معا ، فيتعاتبون ، ولقد يرق الواحد منهم للآخر، حتى إذا أصبحوا واستعر
القتال بينهم كره بعضهم بعضا. وكان ممن يترددون بين المعسكرين في صفين، نفر
اعتزلوا القتال، وسعوا في الصلح ، فكانوا إذا نودي للصلاة يصلون خلف علي، فإذا
جاء وقت الطعام أو النوم، ذهبوا إلى معاوية حيث الطعام ألذ والفراش ألين، وكانوا
إذا سئلوا في ذلك
ص 382
قالوا : الصلاة وراء علي كرم الله وجهه أتقى وأزكى ، ولكن طعام معاوية أشهى . ولقد
أقام النعمان عند علي ، ولكنه سئم المقام إذ لم يطق تقشف الإمام ، ولا خشونة العيش
مع أتباعه المساكين ، ففر إلى معاوية . وسمع عبد الرحمن بن عثمان وهو معتزل في حمص
، أن معاوية أرسل إلى علي رجلين آخرين ، فقال لرسولي معاوية لما لقيهما : العجب
منكما ! أتأتيان عليا وتطلبان منه قتلة ؟ وأعجب من ذلك قولكما لعلي إجعلها شورى
واخلعها من عنقك ، وإنكما لتعلمان أن من رضي بعلي خير ممن كرهه ، وأن من بايعه خير
ممن لم يبايعه ، ثم صرتما رسولي رجل من الطلقاء ، لا تحل له الخلافة . فلما علم
معاوية بما قاله عبد الرحمن بن عثمان ، أوشك أن يرسل إليه من يقتله ، ولكنه خاف غضب
قومه . وسمع فتى من همدان عمرو بن العاص يحرض على الإمام ، فقال : يا عمرو إن
أشياخنا سمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من كنت مولاه فعلي مولاه . فحق
ذلك أم باطل ؟ فقال عمرو : حق ، وأنا أزيدك أنه ليس أحد من صحابة رسول الله صلى
الله عليه وسلم له مناقب مثل علي ، ولكنه أفسدها بأمره في عثمان . قال الفتى منكرا
: هل أمر بالقتل أو قتل ؟ قال عمرو : لا ولكنه نوى ومنع . قال الفتى : فهل بايعه
الناس ؟ قال عمرو : نعم . قال : فما أخرجك عن بيعته ؟ قال : اتهامي إياه في عثمان .
قال الفتى : فأنت أيضا قد اتهمت ؟ قال : صدقت ، إني خرجت إلى فلسطين . فعاد الفتى
إلى قومه همدان ، يقول : إنا أتينا أقواما أخذنا الحجة عليهم من أفواههم . وزحف علي
بجيشه ، واشتجرت القنا ، واشتبكت الرماح، وتقارعت السيوف والحراب ، فما أحد يسع
شيئا إلا وقع الحديد ، وما ترى إلا أشعة الشمس تسطع على الأسنة، ودماء المسلمين
تختلط بالنقع المثار.
ص 383
ورأى علي ابنه الحسن في حومة الوغى فقال : ابعدوا عني هذا الغلام لا يهدني . كان
الإمام قد نهى بنيه ، وبني عمه عن الدعوة إلى المبارزة ، فكان إذا دعى أحد منهم
بارز الإمام عنه ، هكذا بارز عن ابن عمه عبد الله بن عباس وصرع متحديه ، وعرض أن
يبارز عن ابنه محمد ابن الحنفية ، ولكن متحديه ولى . إنه كرم الله وجهه يحمي
العشيرة ولا يدع العشيرة تحمية ، كما ضن بعدد من كبار الصحابة من غير المقاتلين من
أهل الزهادة والنسك فمنعهم من القتال ، وقاتل هو عنهم ، واكتفى بصحبتهم يعظمون
المقاتلين ، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ، ويمجدون الجهاد في سبيل الله .
مستدرك اللهم اهد قلبه وسدد لسانه 
تقدم نقل ما يدل عليه عن أعلام العامة في ج 4 ص
450 وج 7 ص 63 وج 8 ص 26 وج 17 ص 119 وج 20 ص 562 ومواضع أخرى ، ونستدرك هيهنا عن
الكتب التي لم نرو عنها فيما سبق : فمنهم العلامة أبي الطيب محمد صديق حسن خان بن
علي القنوجي البخاري المتوفى سنة 1307 في خبيئة الأكوان (ص 84 ط دار الكتب
العلمية - بيروت) قال : وقد روي عن علي كرم الله وجهه أنه قال : بعثني رسول الله
صلى الله عليه وسلم قاضيا إلى اليمن ، فقلت : يا رسول الله كيف أقضي بين الناس وأنا
حديث السن ؟ فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده صدري ، وقال : اللهم اهد قلبه
وثبت لسانه ، فما شككت بعد ذلك في قضاء بين اثنين . ومنهم الفاضل المستشار عبد
الحليم الجندي في الإمام جعفر الصادق عليه
ص 384
السلام (ص 24 ط المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - القاهرة) فذكر الحديث الشريف مثل
ما تقدم . ومنهم الفاضل المعاصر أحمد حسن الباقوري المصري في علي إمام الأئمة
(ص 30 ط دار مصر للطباعة) فذكر الحديث الشريف كما تقدم . وكذلك ذكره في 356 . ومنهم
الفاضل المعاصر مأمون غريب المصري القاهري في خلافة علي بن أبي طالب عليه
السلام (ص 136 ط مكتبة غريب بالقاهرة) فذكر الحديث الشريف كما تقدم . ومنهم الفاضل
المعاصر الشيخ أبو إسحاق الحويني الأثري حجازي بن محمد بن شريف في تهذيب خصائص
الإمام علي للحافظ النسائي (ص 43 ط دار الكتب العلمية بيروت) قال : أخبرنا محمد
بن المثنى ، قال : حدثنا أبو معاوية ، قال : حدثنا الأعمش ، عن عمرو بن مرة ، عن
أبي البختري ، عن علي رضي الله عنه ، قال : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى
أهل اليمن لأقضي بينهم ، فقلت : يا رسول الله - فذكر مثل ما تقدم . ومنهم عدة من
الفضلاء في فهرس أحاديث وآثار المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري (القسم
الأول ص 94 ط عالم الكتب - بيروت) قالوا : اللهم ثبت لسانه واهد قلبه . . علي معرفة
الصحابة / علي 3 / 135 ومنهم الشريف علي فكري الحسيني القاهري في أحسن القصص (ج
3 ص 207
ص 385
ط دار الكتب العلمية - بيروت) قال : حكمه وقضاؤه : قال علي رضي عنه : بعثني رسول
صلى الله وسلم إلى اليمن فقلت : يا رسول الله بعثتني وأنا شاب أقضي بينهم ، ولا
أدري - فذكر الحديث مثل ما تقدم . ومنهم الفضل المعاصر عبد الرحمن الشرقاوي في
علي إمام المتقين (ج 1 ص 72 ط مكتبة غريب الفجالة) قال : وفوجئ علي بجماعة من
الصحابة فيهم عبد الله بن العباس ، وفيهم الخليفة أبو بكر ، ورجل يهودي يقرعون عليه
باب داره . ذلك أن اليهودي دخل المسجد فسأل الناس ، كما روى مالك بن أنس : أين وصي
رسول الله ؟ فأشار القوم إلى أبي بكر ، فقال الرجل : أريد أن أسألك عن أشياء لا
يعلمها إلا وصي أو نبي . قال أبو بكر : سل عما بدا لك ، قال اليهودي : أخبرني عما
ليس لله ، وعما ليس عند الله ، وعما لا يعلمه الله . قال أبو بكر : هذه مسائل
الزنادقة يا يهودي ! . هم أبو بكر والمسلمون رضي الله عنهم باليهودي ، فقال ابن
عباس رضي الله عنه : ما أنصفتم الرجل ، فقال أبو بكر : أما سمعت ما تكلم به ؟ فقال
ابن عباس : إن كان عندكم جوابه ، وإلا فاذهبوا به إلى علي رضي الله عنه يجيبه ،
فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله يقول لعلي بن أبي طالب : اللهم
اهد قلبه وثبت لسانه . فقام أبو بكر رضي الله عنه ومن حضره فأتوا علي بن أبي طالب
في داره ، فاستأذنوا عليه ، فقال أبو بكر : يا أبا الحسن إن هذا اليهودي سألني
مسائل الزندقة فقال علي كرم الله وجهه : ما تقول يا يهودي ؟ قال : أسألك عن أشياء
لا يعلمها إلا نبي أو وصي نبي ، فقال له : قل ، فأعاد اليهودي الأسئلة . فقال علي
رضي الله عنه : أما ما لا يعلمه الله فذلك قولكم معشر اليهود أن عزيرا
ص 386
ابن الله ، والله لا يعلم أن له ولدا (إذ لو كان له ولد لكان يعلمه) ، وأما قولك :
أخبرني بما ليس عند الله فليس عنده ظلم للعباد ، وأما قولك : أخبرني بما ليس لله ،
فليس لله شريك . فقال اليهودي : أشهد أن محمدا رسول الله وأنك وصي رسول الله .
فارتاح أبو بكر والمسلمون من جواب علي ، وقالوا : يا مفرج الكروب ! . ومنهم الفاضل
أبو بكر جابر الجزائري في العلم والعلماء (ص 172 ط دار الكتب العلمية - بيروت)
قال : أخرج الحاكم وصححه أن عليا رضي الله عنه قال : بعثني رسول الله صلى الله عليه
وسلم إلى اليمن قاضيا - فذكر الحديث مثل ما تقدم . ومنهم الفاضل المعاصر عبد العزيز
الشناوي في كتابه سيدات نساء أهل الجنة (ص 131 ط مكتبة التراث الإسلامي -
القاهر) قال : وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب إلى اليمن فقال
أبو الحسن : يا رسول الله تبعثني وأنا شاب أقضي بينهم ولا أدري ما القضاء ؟ فضرب
النبي عليه الصلاة والسلام بيده الشريفة صدر علي بن أبي طالب ثم قال : اللهم اهد
قلبه وثبت لسانه ، يقول علي بن أبي طالب : فما شككت بعد في قضاء بين اثنين . ومنهم
الفضل المعاصر عدنان علي شلاق في فهرس أحاديث وآثار كتاب نصب الراية (ج 1 ص 61
ط عالم الكتب) قال : اللهم اهد قلبه وثبت لسانه علي أدب القاضي 4 / 61 ومنهم
العلامة يوسف بن إسماعيل النبهاني رئيس محكمة الحقوق في بيروت في الأنوار
المحمدية من المواهب اللدنية (ص 132 ط دار الإيمان - دمشق وبيروت)
ص 387
قال : أرسل علي بن أبي طالب إلى اليمن في رمضان سنة عشر وعقد له لواء وعممه بيده ،
قال علي رضي الله عنه : بعثني النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن فقلت : يا رسول
الله تبعثني إلى قوم أسن مني وأنا حديث السن لا أبصر القضاء ، فوضع يده في صدري
وقال : اللهم ثبت لسانه واهد قلبه ، وقال : يا علي إذا جلس إليك الخصمان فلا تقض
بينهما حتى تسمع من الآخر . ومنهم الفاضل المعاصر الدكتور محمد مصطفى أمبابي أستاد
الفقه المقارن بجامعة الأزهر في الجديد في تاريخ الفقه الإسلامي (ص 107 ط دار
المنار للنشر والتوزيع - القاهرة عام 1406) فذكر الحديث الشريف ، وفي آخره : فوالذي
فلق الحبة ما شككت في قضاء بين اثنين . ومنهم الفاضل المعاصر المحامي الدكتور صبحي
محمصاني في تراث الخلفاء الراشدين في الفقه والقضاء (ص 188 ط دار العلم
للملايين - بيروت) فذكر الحديث الشريف . ومنهم الفاضل المعاصر محمد بن قاسم ابن
الوجيه في المنهاج السوي شرح منظومة الهدى النبوي للحسن بن إسحاق (ص 372 ط دار
الحكمة اليمانية - صنعاء) فذكر الحديث الشريف .
ص 388
مستدرك اللهم اخذل من خذله 
مر مرارا عن العامة نقل ما يدل على ذلك ، منها في ج 4 ص
82 وج 5 ص 55 وج 7 ص 79 و374 و381 وج 17 ص 125 وفي أحاديث : من كنت مولاه ، ونستدرك
هيهنا عن الكتب التي لم نرو عنها فيما سبق : فمنهم الفاضل المعاصر أبو هاجر محمد
السعيد بن بسيوني زغلول في فهارس أحاديث وآثار مسند الإمام أحمد بن حنبل (ج 1 ص
42 ط دار الكتب العلمية - بيروت) قال : أخذل من خذله (يعني علي) علي 1 / 118 مستدرك
اللهم وال من والاه وعاد من عاداه تقدم نقل ما يدل عليه عن أعلام العامة في ج 2 ص
426 وج 3 ص 322 وج 6 ص 225 وج 16 ص 559 ومواضع أخرى منها الغدير ، نستدرك هيهنا عن
الكتب التي لم نرو عنها فيما سبق : فمنهم الدكتور عامر النجار في الطرق الصوفية
في مصر (ص 32 ط دار المعارف - القاهر) قال : ألم يقل رسول الله صلى الله عليه
وسلم فيما ذكره - البخاري ومسلم - في حديث
ص 389
الغدير : من كنت مولاه فهذا علي مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ، وقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن عليا مني وأنا منه وهو ولي كل مؤمن ، [حديث
صحيح] وقول علي نفسه : (فوالذي برأ النسمة إنه لعهد النبي إلي لا يحبني إلا مؤمن
ولا يبغضني إلا منافق) . منهم الفاضل المعاصر المستشار عبد الحليم الجندي في
الإمام جعفر الصادق عليه السلام (ص 23 ط المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية -
القاهرة) قال : وفي كتب السنن أن النبي بعد عودته من حجة الوداع نزل بغدير خم وأعلن
أنه يترك القرآن وعترته للمسلمين ، ثم أخذ بيد علي ودعا ربه : اللهم وال من والاه
وعاد من عاداه . ومنهم العلامة الشيخ أبو إسحاق الحويني الأثري في جمهره الفهارس
(ص 262 ط دار الصحابة للتراث) قال : اللهم وال من والاه وعاد من عاداه 3 / 187
ومنهم الفاضل المعاصر الدكتور عبد المعطي أمين قلعجي في آل بيت الرسول صلى الله
عليه وآله وسلم (ص 116 ط القاهرة سنة 1399) فذكر الحديث الشريف في ضمن حديث الناشدة
(1) .
ص 392
ص 887 ومواضع أخرى من هذا الكتاب المستطاب ، ونستدرك هيهنا عن الكتب التي لم ننقل
عنها فيما سبق : فمنهم الحافظ الشيخ جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد
السيوطي المتوفى سنة 911 في كتابه القول الجلي في فضائل علي عليه السلام (ص 43
ط مؤسسة نادر للطباعة والنشر) قال : عن ابن عباس أن رسول صلى الله عليه وسلم دعا
لعلي فقال : اللهم أعن وأعن به ، وارحمه وارحم به ، وانصره وانصر به ، اللهم وال من
والاه وعاد من عاداه . أخرجه الطبراني . ومنهم العلامة المؤرخ محمد بن مكرم المشتهر
بابن منظور المتوفى سنة 711 في مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر (ج ص 313 ط دار
الفكر) قال : وعن جعفر قال : سمعت أبا ذر وهو مستند إلى الكعبة ، وهو يقول : أيها
الناس ، استووا أحدثكم مما سمعت من رسول الله صلى الله وسلم ، يقول لعلي كلمات ، لو
تكون لي إحداهن أحب إلي من الدنيا وما فيها ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
وهو يقول : اللهم أعنه واستعن به ، اللهم انصره وانتصر له ، فإنه عبدك وأخو رسولك .
مستدرك اللهم عافه (أو اشفه)

قد تقدم ما يدل عليه عن أعلام العامة في ج 7 ص 47 وج
17 ص 112 وج 20 ص 590 ومواضع أخرى ، ونستدرك هيهنا عن الكتب التي لم نرو عنها فيما
ص 393
سبق : فمنهم الفاضل الشيخ محمد المختار السلامي مفتي الجمهورية التونسية في منهاج
الهداية الإسلامية من خلال الخطب الجمعية (ج 1 ص 480 ط دار الغرب الإسلامي -
بيروت عام 1406) قال : روى الترمذي ، عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ، قال : كنت
شاكيا فمر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأنا أقول : اللهم إن كان أجلي قد حضر
فأرحني ، وإن كان متأخرا فارفعني ، وإن كان بلاء فصبرني ، فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم : كيف قلت ؟ فأعاد عليه ، قال : فضربه برجله ، فقال : اللهم عافه أو اشفه
، قال : فما اشتكيت وجعي بعد . ومنهم عدة من الفضلاء في فهرس أحاديث وآثار
المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري (القسم الأول ص 89 ط عالم الكتب -
بيروت) قالوا : اللهم اشفه اللهم عافه ثم قال : قم فقمت فما عاد لي . . علي بن أبي
طالب التاريخ 2 / 621
مستدرك اللهم لا تذرني فردا وأنت خير الوارثين

قاله في علي بن
أبي طالب عليه السلام قد تقدم ما يدل عليه عن أعلام العامة في ج 7 ص 44 وج 17 ص 112
وج 20 ص 624 ومواضع أخرى ، ونستدرك هيهنا عن الكتب الكتب التي لم نرو عنها فيما
ص 394
سبق : فمنهم الحافظ الشيخ جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد السيوطي
المتوفى سنة 911 في كتابه القوم الجلي في فضائل علي عليه السلام (ص 46 ط مؤسسة
نادر للطباعة والنشر) قال : عن علي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : اللهم
إنك أخذت مني عبيدة بن الحارث يوم بدر ، وحمزة بن عبد المطلب يوم أحد ، وهذا علي
فلا تذرني فردا وأنت خير الوارثين . أخرجه الديلمي .
مستدرك يجمع الله شملهما وأطاب
نسلهما وجعل نسلهما مفاتيح الرحمة ومعادن الحكمة وأمن الأمة 
قد تقدم نقل ما يدل
عليه عن أعلام العامة في ج 10 ص 409 ومواضع أخرى ، ونستدرك هيهنا عن الكتب التي لم
نرو عنها فيما سبق : فمنهم العلامة الشيخ أبو عبد الله محمد بن المدني جنون المغربي
الفاسي المالكي المتوفى بعد سنة 1278 في كتابه الدرر المكنونة في النسبة الشريفة
المصونة (ص 43 المطبعة الفاسية) قال : وفي حديث أنس في خطبته صلى الله عليه وسلم
حين تزوج علي فاطمة رضي الله عنهما أنه قال : يجمع الله شملهما وأطاب نسلهما وجعل
نسلهما مفاتيح الرحمة ومعادن الحكمة وأمن الأمة . ثم قال صلى الله عليه وسلم : بارك
الله لكما وبارك
ص 395
فيكما وأسعد جدكما وأخرج منكما الكثير الطيب . قال أنس : والله لقد أخرج الله منهما
الكثير الطيب . أخرجه أبو علي بن شاذان .
مستدرك إن الله سيهدي لسانك ويثبت قلبك 
قد
تقدم نقل ما يدل عليه عن أعلام العالمة في ج 7 ص 63 وج 8 ص 34 وج 17 ص 124 وص 519
وج 22 ص 510 وج 23 ص 215 ومواضع أخرى من هذا الكتاب المستطاب ، ونستدرك هيهنا عن
الكتب التي لم نرو عنها فيما سبق : فمنهم العلامة أبو الفتح فتح الدين محمد بن محمد
بن محمد بن عبد الله بن محمد ابن يحيى المشتهر بابن سيد الناس المتوفى سنة 732 في
منح المدح (ص 185 ط دار الفكر بدمشق) قال : قرئ على السيد أبي الفضل بن العلم
المزي وأنا أسمع : أخبركم أبو علي حنبل ابن عبد الله قراءة عليه وأنتم تسمعون فأقر
به ، أنا الرئيس أبو القاسم هبة الله بن محمد الشيباني ، أنا أبو علي الحسن بن علي
بن المذهب ، أنا أبو بكر أحمد بن جعفر بن حمدان القطيعي ، أنا عبد الله بن أحمد بن
حنبل ، ثنا أبي ، ثنا يحيى ، عن الأعمش ، عن عمرو بن مرة ، عن أبي البختري ، عن علي
رضي الله عنه ، قال : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن وأنا حديث السن
، قال : قلت : تبعثني إلى أقوام يكون بينهم أحداث ، ولا علم لي بالقضاء ، قال : إن
الله سيهدي لسانك ويثبت قلبك ، قال : فما شككت في قضاء بين اثنين بعد . رواه ابن
ماجة في الأحكام عن علي بن محمد بن يعلى وأبي معاوية ، عن الأعمش ، ورواه أبو داود
، عن عمرو بن عون ، عن شريك ، عن سماك ، عن حسين
ص 396
أبي المعتر ، عن علي . ومنهم الحافظ صلاح الدين خليل بن سيف الدين كيكلدي بن عبد
الله العلائي الشافعي المولود سنة 694 والمتوفى 761 في إجمال الإصابة في أقوال
الصحابة (ص 55 ط جمعية إحياء التراث الإسلامي - الكويت سنة 1407) قال : وثبت عن
النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لعلي رضي الله عنه لما بعثه إلى اليمن : إن الله
سيهدي قلبك ويسدد لسانك ، قال [علي] : فما شككت في قضاء بين اثنين . ومنهم الفاضل
محمد علي في عقيلة الطهر والكرم زينب الكبرى (ص 23 ط بيروت) قال : وأخرج الإمام
أحمد والطبراني في الكبير ، عن علي رضي الله عنه ، يقول : بعثني رسول الله صلى الله
عليه وسلم إلى اليمن - فذكر الحديث كما تقدم . ومنهم العلامة الشيخ أبو الحسن علي
بن محمد الماوردي الشافعي المتوفى سنة 450 في أعلام النبوة (ص 103 ط دار الكتب
العلمية - بيروت) قال : ومن أعلامه صلى الله عليه وسلم : ما روي عن علي بن أبي طالب
كرم الله تعالى وجهه قال : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن فقلت : يا
رسول الله تبعثني وأنا حدث السن - فذكر الحديث الشريف مثل ما تقدم . ومنهم العلامة
الحافظ أبو يعلى أحمد بن علي بن المثنى التميمي الموصلي المتوفى سنة 307 في مسند
أبي يعلى (ج 1 ص 323 ط دار المأمون للتراث - دمشق) قال : حدثنا عبيد الله بن عمر
، حدثنا يحيى بن سعيد ، عن الأعمش ، عن عمرو بن
ص 397
مرة ، عن أبي البختري ، عن علي ، قال : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى
اليمن وأنا حديث السن ليس لي علم بالقضاء ، قال : فضرب صدري وقال : إن الله سيهدي
قلبك ويثبت لسانك ، قال : فما شككت في قضاء بين اثنين بعده . ومنهم العلامة شمس
الدين أنو البركات محمد الباعوني الشافعي في كتاب جواهر المطالب في مناقب الإمام
أبي الحسنين علي أبي طالب (ص 27 والنسخة مصورة من المكتبة الرضوية بخراسان) قال :
عن علي رضي الله عنه ، قال : بعثني رسول الله عليه وسلم إلى اليمن - فذكر الحديث
مثل ما تقدم باختلاف يسير ، وفي آخره : أخرجه الإمام أحمد . وذكره أيضا في ص 28 عنه
عليه السلام باختلاف قليل في اللفظ ، وقال في آخره : أخرجه الإسماعيلي والحاكمي .
ومنهم الفاضل المعاصر محمود شلبي في كتابه حياة الإمام علي عليه السلام (ص 29 ط
دار الجيل في بيروت) قال : عن علي رضي الله عنه ، قال : - فذكر الحديث مثل ما تقدم
. قال في آخره : وفي رواية أخرى : أبهج وأكثر تفصيلا ، ثم ذكرها وفيها : فضرب بيده
على صدري . . الخ ، ثم قال : وفي رواية ثالثة تسجل رواية جديدة من ذلك المشهد
الجليل ، عن علي رضي الله عنه ، قال : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى
اليمن وأنا شاب ، فقلت : يا رسول الله تبعثني وأنا شاب إلى قوم ذوي أسنان أقضي
بينهم ولا علم لي بالفضاء ؟ فوضع يده على صدري ثم قال : إن الله سيهدي قلبك ويثبت
لسانك ، يا علي إذا أجلس إليك الخصمان فلا تقضي بينهما حتى تسمع من الآخر كما سمعت
من الأول فإنك إذا فعلت ذلك تبدى لك القضاء . قال علي رضي الله عنه : فما أشل علي
قضاء بعد ذلك
ص 398
ومنهم الفاضل المعاصر أحمد حسن الباقوري المصري في علي إمام الأئمة (ص 169 ط
دار مصر للطباعة) قال : حديث شريف خلاصته ما أخرجه النسائي عن أبي زكريا يحيى بن
آدم بن سليمان الأموي قال : حدثنا شريك ، عن سماك بن حرب ، عن حنش بن المعتمر ، عن
علي كرم الله وجهه قال : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن وأنا شاب
فقلت : يا رسول الله - إلى آخر الحديث . ومنهم الفاضل المعاصر الشيخ أبو إسحاق
الحويني الأثري حجازي بن محمد بن شريف في تهذيب خصائص الإمام علي للحافظ
النسائي (ص 40 ط دار الكتب العلمية بيروت) قال : أخبرنا أبو جعفر ، قال : [حدثنا
أبو معاوية عن الأعمش] ، عن عمرو بن مرة ، عن أبي البختري ، عن علي قال - فذكر
الحديث الشريف كما تقدم . وقال أيضا في ص 42 : أخبرنا علي بن خشرم المروزي قال :
أخبرنا عيسى ، عن الأعمش ، عن عمرو ابن مرة ، عن أبي البختري ، عن علي رضي الله عنه
، قال - فذكر الحديث مثل ما تقدم . وقال أيضا في ص 43 : أخبرنا أحمد بن سليمان
الرهاوي ، قال : حدثنا يحيى بن آدم ، قال : حدثنا شريك ، عن سماك بن حرب : عن حنش
بن المعتمر ، عن علي رضي الله عنه ، قال : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى
اليمن وأنا شاب - فذكر الحديث الشريف مثل ما تقدم .
ص 399
وقال أيضا : أخبرنا أحمد بن سليمان ، قال : حدثنا يحيى بن آدم قال : حدثنا إسرائيل
بن أبي إسحاق ، عن حارثة بن مضرب ، عن علي رضي الله عنه - فذكر الحديث الشريف مثل
ما تقدم . وقال أيضا : أخبرني أبو عبد الرحمن زكريا بن يحيى ، قال : حدثنا محمد بن
العلاء قال : حدثنا معاوية بن هشام ، عن شيبان ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو بن حبشي ،
عن علي كرم الله وجهه ، قال : بعثني رسول الله - فذكر الحديث الشريف مثل ما تقدم .
ومنهم أبو هاجر محمد السعيد بن بسيوني زغلول في فهارس حلية الأولياء لأبي نعيم
الأصفهاني (ص 32 ط دار الكتب العلمية - بيروت) فأشار إلى الحديث الشريف . ومنهم
العلامة أبو عبد الله محمد بن عيسى بن محمد بن أصبع بن محمد بن محمد بن أصبع
المشتهر بابن الناصف المتوفى سنة 620 في تنبيه الحكام على مأخذ الأحكام (ص 28
وص 197 ط دار التركي للنشر في تونس) قال : وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال :
بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم قاضيا إلى اليمن - فذكر مثل ما تقدم . ومنهم
الفاضل محمد رضا في الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه رابع الخلفاء الراشدين
(ص 19 ط دار الكتب العلمية - بيروت) قال : عن علي رضي الله عنه قال : بعثني رسول
الله عليه وسلم إلى اليمن
ص 400
قاضيا - فذكر الحديث الشريف . ومنهم الفاضل المعاصر خالد عبد الرحمن العك المدرس في
إدارة الإفتاء العام بدمشق في مختصر حياة الصحابة للعلامة محمد يوسف الكاندهلوي
(ص 430 ط دار الإيمان - دمشق وبيروت) فذكر الحديث كما تقدم . ومنهم الفاضل المعاصر
الدكتور محمد عبد الرحمن البكر في السلطة القضائية وشخصية القاضي في النظام
الإسلامي (ص 76 ط الزهراء للإعلام العربي) فذكر الحديث كما تقدم . ومنهم الفاضل
المعاصر أحمد عبد الجواد المدني في المعاملات في الإسلام (ص 14 ط مؤسسة الإيمان
ودار الرشيد - بيروت ودمشق) فذكر الحديث الشريف كما تقدم . ومنهم الفاضل المعاصر
عدنان علي شلاق في فهرس أحاديث وآثار كتاب نصب الراية للحافظ أبي محمد الزيلعي
(ج 1 ص 78 ط عالم الكتب) قال : انطلق فإن الله تعالى يثبت لسانك علي أدب القاضي 4 /
061 مستدرك اللهم انصر من نصر عليا واخذل من خدل عليا تقدم في ضمن حديث الغدير ،
ونستدرك هيهنا عن الكتب التي لم نرو عنها فيما