ص 151
ذلك أن العرب لم تكن تعرف هذا اللون الفاحش من الشذوذ في إرواء الشهوات الحيوانية،
حتى أنهم لم يضعوا له كلمة تعبر عنه في لغتهم العربية الشريفة كما وضعوا للمفاحشة
بين الرجل والمرأة كلمة الزنا، وللمفاحشة بين المرأة والمرأة كلمة السحاق، فإذا ما
أرادوا التعبير عن المفاحشة بين الذكور، استخدموا كلمة اللواط يأخذونها عن قوم لوط
عليه السلام، وقد كانوا لعنهم الله أول الذين ابتكروا هذه الفاحشة لم يسبقهم إليها
أحد من العالمين. فلما هدأت العاصفة في صدر الإمام كرم الله وجهه، توجه بالحديث إلى
ذلك الذي جاء إليه راجيا أن يطهره، فقال له: يا هذا عد إلى منزلك فلعل سوء مزاجك
هاج بك فأوقعك في هذا البلاء المبين. ولم يسع الرجل إلا أن يصدع بأمر أمير المؤمنين
فرجع إلى منزله كما أمر، ولكنه ما لبث أن عاد إلى ما قد اقترفه من قبل فجاء إلى
أمير المؤمنين يطلب إليه أن يطهره، فقال له كرم الله وجهه: يا هذا إن تطهيرك مما
قارفته يقتضي أحد أمور ثلاثة: أن يضرب عنقك بالسيف ضربة بالغة ما بلغت، أو أن تقذف
من شاهق جبل مشدود اليدين والرجلين، أو أن تحرق بالنار. فاختر أيهن شئت. ولم يشأ
الرجل أن يختار حتى أقبل علي أمير المؤمنين يسأله: أي الثلاثة أبلغ أذى وأشد إيلاما
يا أمير المؤمنين؟ فأجابه كرم الله وجهه: الحرق بالنار هو الأبلغ الأشد. فقال
الرجل: فإني قد أخذت هذا على ما سواه فطهرني به رضي الله عنك. فأجابه أمير
المؤمنين: خذ لذلك أهبتك واستعد. ولم تكن أهبة الرجل إلا أن يفزع إلى الصلاة، فقام
فصلى ركعتين ثم جلس في تشهده يدعو الله تعالى ويقول: اللهم إني قد أتيت من الذنب ما
قد علمت، وقد جئت لابن عم نبيك أسأله أن يطهرني فخيرني بين ثلاث شدائد فاخترت أشدها
الإحراق بالنار، اللهم إني أسألك أن تجعل ذلك كفارة لذنبي وألا تحرقني بنار الآخرة.
ثم قام يبكي حتى جلس في الحفرة التي حفروها له وهو يرى النار تتأجج، ولم يتمالك
أمير المؤمنين أن بكى وبكى معه أصحابه، ثم قال الرجل: يا هذا إنك أبكيت ملائكة الله
في سمائه وأرضه وإني أرى
ص 152
بذلك لك توبة، فقم وإياك أن تعاود شيئا مما فعلت، والله غفور رحيم. ومن أقضيته كرم
الله وجهه قضاء ما قضى به أحد قبله، وكان ذلك أول ما قضى به بعد رسول الله صلى الله
عليه وسلم، وذلك أنه لما قبض رسول الله وأفضى الأمر إلى أبي بكر، جئ إليه برجل شرب
الخمر، فقال له أبو بكر: هل شربت الخمر؟ فقال الرجل: نعم شربتها. فعاد أبو بكر
يسأله: ولم تشربها وهي محرمة؟ قال الرجل: لقد أسلمت يا خليفة رسول الله ومنزلي بين
ظهراني قوم يشربون الخمر ويستحلونها، ولو علمت أنها حرام لاجتنبتها. فالتفت أبو بكر
رضي الله عنه إلى عمر قائلا له: ما تقول يا أبا حفص في أمر هذا الرجل، فقال عمر رضي
الله عنه: معضلة ليس لها إلا أبو الحسن. فدعا أبو بكر بغلام ثم أمره أن يذهب إلى
الإمام فيدعوه إليه، غير أن عمر رضي الله عنه قال: يؤتى الحكم في منزله. ثم قام عمر
ومعه أبو بكر وسلمان الفارسي فأخبروا الإمام بقصة الرجل، فقال كرم الله وجهه لأبي
بكر رضي الله عنه: ابعث مع الرجل من يدور به على مجالس المهاجرين والأنصار، فمن كان
قد تلا عليه آية بتحريم الخمر فليشهد عليه، فإن لم يكن من يشهد بذلك فعليهم أن
يتلوا عليه آية التحريم ثم لا شيء عليه بعد. ففعل أبو بكر ما أشار به الإمام ولكن
أحدا لم يشهد عليه، فخلى سبيله. ومن أقضيته كرم الله وجهه تحديده كلمة حين بستة
أشهر، فقد جئ إليه برجل نذر أن يصوم حينا من الدهر ولم يعين وقتا محددا، فقضى
الإمام أن يصوم الناذر ستة أشهر ثم تلا قول الله جل ثناؤه: (ألم تر كيف ضرب الله
مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن
ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون). فكلمة حين في هذه الآية حددها
الإمام بستة أشهر. ومن أقضيته كرم الله وجهه ما روي عن جعفر الصادق من قوله: إن
أمير المؤمنين عليا كرم الله وجهه قضى في امرأة زوجها وليها وهي برصاء، فقال: إن
لها المهر بما
ص 153
استحل منها، وأن المهر على الذي زوجها. ومن أقضيته كرم الله وجهه أن امرأة حرة دلس
عليها عبد فتزوجها وهي تظن أنه حر وإن كان عبدا في حقيقة أمره، فقضى في هذه الواقعة
الإمام بأن يفرق بينهما إن شاءت المرأة التفريق، وإلا ظلت زوجة له. ومن أقضيته أن
رجلا كاتب مملوكه على قدر من المال يدفعه إليه منجما، فإذا قضى نجومه نال حريته،
غير أن المملوك المكاتب جاء بالمال كله إلى سيده ضربة واحدة وسأله أن يأخذ المال
ويجيز عتقه، فأبى السيد إلا أن يأخذ ماله منجما مقسطا. فقضى الإمام كرم الله وجهه
بأن الشرط أحق بالإمضاء، فعلى المكاتب أن يحترم شرطه فيقضي كتابته أقساطا، وللسيد
أن يرفض أخذ المال دفعة واحدة. وليس يخفى عليك حفظك الله وجه الحق في هذا القضاء
الشريف، إذ كان أداء المال الكتابة على سبيل التقسيط والتنجيم يمكن السيد من
الانتفاع. ومن أقضيته كرم الله وجهه ما روي عن الباقر من قوله: قضى أمير المؤمنين
علي في رجل شهد عليه رجلان بأنه سرق فأمر بقطع يده، حتى إذا كان بعد ذلك جاء
الشاهدان برجل آخر زعما أنه هو الذي سرق وأنهما أخطأ في نسبتهما السرقة إلى الذي
قطعت يده. فغضب الإمام أشد الغضب ثم غرم الشاهدين نصف الدية ولم يجز شهادتهما على
الآخر. ومن أقضيته كرم الله وجهه ما يرويه الثقة مرفوعا إليه، أن الإمام قضى في رجل
وامرأة ماتا معا في الطاعون على فراش واحد، ويد الزوج تضم الزوجة إلى صدره. فجعل
الميراث للرجل قائلا إنها ماتت قبله، ثم لحقها هو فمات بعدها. وليس لقائل أن يقول:
إن الإمام قضى في هذه الواقعة بعلمه دون بينة ودون يقين ذلك أن وجود يد الزوج على
الزوجة في فراش الزوجية يعطي العلم. ومن أقضيته كرم الله وجهه قضاء ينتمي إلى قاعدة
كلية تقول: لو أن رجلا أراد الحج فعرض له مرض أو خالطه سقم فلم يستطع الخروج، لكان
له أن يجهز رجلا
ص 154
من ماله ثم يبعثه مكانه. ومن أقضيته كرم الله وجهه قضية خلاصتها: أن عبدا قتل حرا
خطأ، فلما علم سيد العبد بجناية عبده أعتقه، ثم لما رفعت القضية إلى الإمام أجاز
العتق وضمن سيد العبد دية القتيل. ومن أقضيته كرم الله وجهه في رجل قلد خاتم
الخلافة على عهد أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه، وقد أصاب الرجل بهذا الخاتم الزور
مالا من خراج الكوفة فلما أفضى الأمر إلى أمير المؤمنين عمر صلى بالناس صلاة الصبح،
ثم ذكر لهم القصة طالبا رأيهم في هذا المزور الغشاش المستولي على مال حرام. فقال
بعض القوم تقطع يده، وقال البعض الآخر يصلب. وكان الإمام حاضرا يستمع ولا يتكلم،
فسأله عمر: ما تقول يا أبا الحسن؟ فقال كرم الله وجهه: رجل كذب كذبا فيعاقب في
جسده. فأمر به عمر فضرب ضربا شديدا ثم حبسه. ومن أقضيته ما يرويه الثقة الأصمعي
رحمه الله، قال: أخذ الإمام علي رضي الله عنه قوما بسرقة فحبسهم، ثم جاء رجل فقال:
يا أمير المؤمنين إني كنت معهم وقد تبت إلى الله. فأمر الإمام بحده حد السرقة ثم
أنشد قول الشاعر: وأدخل رأسه لم يدعه أحد * بين القرينين حتى لزه القرن ووجه تمثله
بهذا البيت كرم الله وجهه أن هذا الذي جاء يزعم أنه تاب من جريمة قد اقترفها مع قوم
آخرين، إنما مثله كمثل اثنين وضعا في حبل واحد، فجاء ثالث متطوعا فأدخل رأسه في
الحبل بين القرينين، فكان كمثل صاحبيه، وقد جمع الثلاثة حبل واحد. ومن أقضيته ما
يرويه الإمام جعفر قال: إن أمير المؤمنين عليا قال: إذا ماتت المرأة وفي بطنها ولد
يتحرك، فإن بطنها يشق ليخرج منه الولد. وقال في المرأة
ص 155
يموت في بطنها الولد فيخاف عليها من ذلك: لا بأس بأن يدخل يده فيقطع الجنين الميت
ويخرجه، إذا لم تترفق به النساء. ومن أقضيته إجاباته عن أسئلة توجه إليه محتاجة إلى
مزيد من الفهم والفطانة: فمن ذلك ما يروونه من أن جماعة من أصحاب رسول الله صلى
الله عليه وسلم جلسوا يتذاكرون، فتذاكروا حروف الهجاء وأجمعوا على أن الألف أكثر
دخولا في الكلام من سائر الحروف. فقام الإمام كرم الله وجهه فخطب على البديهة خطبة
قال فيها: حمدت وعظمت من عظمت منته، وسبغت نعمته، وسبقت رحمته غضبه وتمت كلمته،
ونفذت مشيئته. حمدته حمد مقر بربوبيته، متخضع لعبوديته، متنصل من خطيئته، معترف
بتوحيده، مؤمل من ربه مغفرة تنجيه، يوم يشغل عن فصيلته وبنيه، ونستعينه ونسترشده
ونستهديه ونؤمن به ونتوكل عليه، وشهدت له تشهد مخلص موقن، وفردته تفريد مؤمن متيقن،
ووحدته توحيد عبد مذعن ليس له شريك في ملكه، ولم يكن له ولي في صنعه، جل مشير
ووزير، وعون ومعين ونظير. علم فستر، ونظر فخبر، وملك فقهر، وعصي فغفر، وحكم فعدل.
لم يزل ولن يزول، ليس كمثله شيء وهو قبل كل شيء وبعد كل شيء، متفرد بعزته، متمكن
بقوته، متقدس بعلوه، متكبر بسموه، ليس يدركه بصر، وليس يحيط به نظر، قوي منيع بصير،
سميع حليم حكيم، رؤوف رحيم، عجز عن وصفه من يصفه، وضل عن نعته من يعرفه. قرب فبعد،
وبعد فقرب، يجيب دعوة من يدعوه، ويرزقه ويحبوه، ذو لطف خفي، وبطش قوي، ورحمة موسعة،
وعقوبة موجعة، رحمته جنة عريضة مونقة، وعقوبته جحيم ممدودة موبقة. وشهدت ببعثه محمد
عبده ورسوله، ونبيه وخليله، صلى عليه ربه صلاة تزلفه وتعليه، وتقربه وتدنيه. بعثه
في خير عصر، وحين فترة وكفرة، رحمة لعبيده ومنة لمزيده، ختم به نبوته، ووضح به
حجته، فوعظ ونصح، وبلغ وكدح، عليه رحمة وتسليم، وبركة وتكريم، من غفور رحيم، قريب
مجيب.
ص 156
وصيتكم جميع من حضر وصية ربكم، وذكرتكم سنة نبيكم، فعليكم برهبة تسكن قلوبكم، وخشية
تذري دموعكم، وتقية تنجيكم، قبل يوم يذهلكم ويبليكم. يوم يفوز فيه من ثقل وزن
حسنته، وخف وزن سيئته، ولتكن مسألتكم مسألة ذل وخضوع، وشكر وخشوع، وتوبة ونزوع،
وندم ورجوع. وليغتنم كل مغتنم منكم صحته قبل سقمه، وشيبته قبل هرمه وكبره، وفرغته
قبل شغله، وغنيته قبل فقره، وحضره قبل سفره. ثم قرأ كرم الله وجهه: (تلك الدار
الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين) القصص:
83. ومن أقضيته كرم الله وجهه أنه جئ إليه بالنجاشي الشاعر وقد شرب الخمر في شهر
رمضان، فضربه الإمام ثمانين جلدة ثم حبسه ليلا. ثم دعا به إلى الغد فضربه عشرين
سوطا، فقال له: ما هذا الذي صنعت بي يا أمير المؤمنين، ضربتني ثمانين في شرب الخمر،
فما هذه العشرون؟ فقال: شربت الخمر فجلدناك ثمانين، ثم دعونا بك فضربناك عشرين
لجرأتك على الشرب في شهر رمضان. ومن أقضيته كرم الله وجهه أن صبيانا في زمنه كانوا
يلعبون، فرمى أحدهم فدق رباعية صاحب من أصحابه، فرفع ذلك إليه فدعا بالرامي فأقام
البينة بأنه قال قبل أن يرمى: ضرار. فدرأ الإمام عنه القصاص قائلا: لقد أعذر من
أنذر. ومن أقضيته كرم الله وجهه أنه لم يجعل على المستحاضة حدا حتى ينقطع عنها
دمها، وكذلك لم يجعل على الحائض حتى تطهر ومثلها النفساء، وكذلك لم يجعل على الحامل
حدا حتى تضع حملها. ومن أقضيته كرم الله وجهه أن سئل عن حمل غذي بلبن خنزيرة، فقال:
قيدوه ثم اعلفوه الكسب والنوى والخبز إن كان قد استغنى عن اللبن، وإن لم يكن قد
استغنى فأمكنوا من ضرع شاة سبعة أيام. ومن أجوبته كرم الله وجهه عن أسئلة تجرى في
طريق القضاء، أن سائلا سأله
ص 157
عمن لا أب له ولا عشيرة ولم يركض، وعن القبر الذي سار بصاحبه. فأجاب كرم الله وجهه:
أما من لا أب له فعيسى بن مريم، وأما من لا عشيرة له فآدم أبو البشر، وأما القبر
الذي سار بصاحبه فذلك يونس بن متى: (إذ أبق إلى الفلك المشحون * فساهم فكان
المدحضين * فالتقمه الحوت وهو مليم) الصافات: 140 - 142. ومن أقضيته كرم الله وجهه
أن رجلا كاتب مملوكا له مشترطا عليه أن ميراثه له، فلما رفع ذلك إليه أبطل شرطه
قائلا له: إن شرط الله قبل شرطك. ومن أقضيته التي تنظر إلى بعيد قضاؤه بأن لا يقام
على أحد حد بأرض العدو. وليس يخفى وجه الحكمة في هذا القضاء، إذ كان من الميسور
المحتمل أن يحقد المحدود على قومه، وقد يحمله الحقد على أن يفر إلى العدو يكشف له
عن العورات ويدلهم على ما يؤذي قومه ويسوؤهم. ومن أقضيته كرم الله وجهه أنهم قدموا
إليه رجلا يستحق القطع فأمر به أن تقطع يمينه، فقدموا شماله فقطعوها وهم يحسبونها
يمينه، ثم قدموه لتقطع يمينه فقالوا إنما قطعنا شماله. فقال كرم الله وجهه: لا
تقطعوا يمينه وقد قطعت شماله. ومن قضائه أنه رفض قطع سارق البيضة من الغنيمة، قائلا
لمن قدموه للقطع: إني لا أقطع أحدا له فيما أخذ شرك. ومن أقضيته كرم الله وجهه
قضاؤه في السارق إذا قبض عليه وقد أخذ المتاع دون أن يخرج به من البيت، فقال كرم
الله وجهه: ليس على هذا قطع حتى يخرج بالذي سرق من الدار. ومن أقضيته كرم الله وجهه
ما يرويه الثقة عن الإمام جعفر الصادق أنه قال: جئ إلى أمير المؤمنين علي بطرار طر
دراهم من كم رجل، فقال الإمام: إن كان النشال قد نشل الدراهم من قميص الرجل الداخلي
قطعته، وإن كان قد نشلها من قميصه الأعلى لم أقطعه. فلما حققوا الأمر وجدوه قد نشل
الدراهم من قميصه الداخلي، فأمر بقطعه فقطعت يده. وليس يخفى وجه الفرق بين طر
الدراهم من القميص الداخلي وبين
ص 158
طرها من القميص الخارجي إذ كانت القرائن في القميص الداخلي مصونة في حرز حريز،
بخلاف ما إذا كانت في القميص الخارجي فإنها على غير ذلك من الحفظ والصيانة. ومن
أقضيته كرم الله وجهه أنه لا قطع على أربعة: أحدها المختلس، وثانيها الغال، وثالثها
السارق من الغنيمة، ورابعهم الأجير. ومن قوله في هذا الباب كرم الله وجهه: إذا
سرقني عبدي لم أقطعه فإذا سرق غيري قطعته، وكذلك عبد الأمان إذا سرق لم أقطعه لأنه
فئ. ومن قضائه كرم الله وجهه فيمن قتل وشرب الخمر وسرق وقام عليه الحد، فأمر بجلده
لشربه الخمر، ثم قطع يده في سرقته، ثم قتله بما قتل. ومن أقضيته كرم الله وجهه ما
يرويه الثقة من أنه جئ إليه برجل فقال: هذا قذفني، ولم تكن له بينة فقال: أمير
المؤمنين استحلفه. فقال الإمام: لا يمين في حد، ولا قصاص في عظم. ومن أقضيته كرم
الله وجهه ما يرويه الثقات من أنه جئ إليه برجل استوجب حدا، فأمر الإمام خادمه
قنبرا أن يضربه الحد، فغلط قنبر فزاده ثلاثة أسواط، فأمر الإمام المضروب بأن يقتص
من قنبر فيضربه ثلاثة أسواط. ومن أقضيته كرم الله وجهه أن تستوفى الدية في القتل
الخطأ في ثلاث سنوات، وأن تستوفى دية العمد في سنة واحدة، وكان يقول، قضاء ماضيا:
من ضربناه حدا من حدود الله فمات، فلا دية علينا، ومن ضربناه في حقوق الناس فمات،
فديته علينا. ومن أقضيته فيما روي عن الصادق: أنه جلد رجلا افترى على جماعة، فجلده
حدا واحدا. ومن أقضيته كرم الله وجهه أنه قد اختصم إليه رجلان اشترى أحدهما من
الآخر بعيرا واستثنى البائع رأس البعير وجلده، ثم بدا للمشتري أن ينحر البعير فقال
الإمام
ص 159
للمشتري: هو شريكك فيه على قدر الرأس والجلد. ومن أقضيته كرم الله وجهه أنه جلد
الوليد بن عقبة بسوط له شعبتان أربعين جلدة، فقد اعتبر كل شعبة سوطا، فيكون قد جلده
ثمانين جلدة هي حد شرب الخمر. ومن أقضيته كرم الله وجهه قوله في صغار قتل أبوهم: إن
قاتل أبيهم لا يقتل حتى يكبر صغاره، فإذا بلغوا فإن أحبوا أن يقتلوا قاتل أبيهم
قتلوه، وإن أحبوا أن يعفوا عنه أو يصالحوه كان لهم ذلك. ومن أقضيته قضاؤه برد شهادة
شاهدين من اليهود إذا شهدا على يهودي بأنه أسلم. ووجه ذلك عنده كرم الله وجهه أنهما
يجيزان تغير كلام الله وشهادة الزور. فلما سئل عن شاهدين من النصارى شهدا على
نصراني أو مجوسي أو يهودي بأنه أسلم، أجاز قبول شهادتهما قائلا: إن الله يقول في
النصار (لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم
مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا
يستكبرون) ثم قال كرم الله وجهه: إن من لا يستكبر عن عبادة الله لا يشهد الزور. ومن
أقضيته كرم الله وجهه أن جاريتين دخلتا إلى حمام فافتضت إحداهما أخرى بأصبعها، فلما
رفع الأمر إليه قضى على التي فعلت ذلك بدية البكارة للمجني عليها. ومن أقضيته كرم
الله وجهه ما ذكره الإمام جعفر من أنه جئ إلى الإمام علي برجلين قذف كل واحد منهما
صاحبه باللواط، فدرأ عنهما الحد وعزرهما. ومن أقضيته كرم الله وجهه في رجل دعى آخر
بابن المجنون، فقال له الآخر أنت ابن المجنون. فأمر الإمام أول الرجلين أن يجلد
صاحبه عشرين جلدة، فلما جلده أعطى المجلود السوط فجلده عشرين جلدة. وكان ذلك تنكيلا
بهما كليهما. ومن أقضيته فيما كان يرويه جعفر الصادق أن الإمام كرم الله وجهه نهى
أن يشتري مشتر شبكة الصياد، على أن يقول له اضرب شبكتك فما خرج منها فهو من مالي
بكذا وكذا.
ص 160
ولعل وجه نهيه كرم الله وجهه أن هاهنا بيع غرر لعدم تعيين السلعة ومعرفة الثمن،
وذلك قد يفضي إلى التنازع الذي ضره أكثر من نفعه وشره أخطر من خيره. وقال في ص 214:
ومن أقضيته كرم الله وجهه أن رجلا شكا إليه آخر زعم أنه احتلم بأمه. فذكر الإمام
كرم الله وجهه أن الحلم في المنام بالنسبة للحالم مثله كالظل للبناء والشجر ونحو
ذلك، ثم قال للشاكي: أوقف غريمك في الشمس ثم اضرب ظله. ومع ذلك فإننا نضربه حتى لا
يعود يؤذي المسلمين، فضربه ما دون حد القذف. ومن أقضيته كرم الله وجهه قضاؤه بأن لا
يؤكل لحم الدجاج إلا إذا حبس على الغذاء النظيف ثلاثة أيام، وكذلك البط لا يؤكل إلا
إذا حبس على الغذاء النظيف خمسة أيام. ومن أقضيته كرم الله وجهه قضاؤه بقطع يد الذي
ينبش القبور، فيسرق الأكفان وأشياء الموتى ويهتك أستارهم، وذلك أنه قال: إن النباش
سارق. وقال في ص 215: ومن أقضيته كرم الله وجهه ما يرويه الثقة عن الإمام جعفر
الصادق من قوله: كان أمير المؤمنين علي عليه السلام إذا بلغه أن مولى تزوج حرة، طلب
إليه أن يطلقها، فإن أبى جعل له الإمام حظيرة من قصب أو جريدة فحبسه فيها، ثم أعطاه
قوته من طعام وشراب حتى يطلق زوجته. ومن أقضيته كرم الله وجهه ما يرويه الثقة من أن
رجلا جاء إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: إني طلقت امرأتي
تطليقة في الشرك وتطليقتين في الإسلام، فما ترى يا أمير المؤمنين؟ فسكت عمر. فقال
الرجل: ما تقول يا أمير المؤمنين؟ فقال عمر: كما أنت حتى يجئ علي بن أبي طالب. فلما
جاء علي قص
ص 161
عليه الرجل قصته وأنه طلق امرأته تطليقة في الشرك وتطليقتين في الإسلام. فقال له
كرم الله وجهه: لقد هدم الإسلام ما كان قبله، والمرأة عندك على واحدة. ومن أقضيته
كرم الله وجهه ما رواه الثقة عن الإمام الباقر قال: كان لرجل على عهد علي جاريتان
فولدتا جميعا إحداهما ولدا ذكر، والأخرى بنتا. فعمدت صاحبة البنت فوضعت بنتها في
المهد الذي فيه الولد الذكر ثم أخذته لنفسها، ثم تنازعتا الولد الذكر فكل واحدة
منهما تدعيه لنفسها، فتحاكما إلى أمير المؤمنين كرم الله وجهه، فأمر أن يوزن لبنهما
قائلا: أيتهما كان لبنها أثقل فالولد الذكر لها. على أن لهذه القضية وجها آخر
خلاصته ما يذكره شريح القاضي فيقول: كنت أقضى لعمر بن الخطاب، فأتاني يوما رجل فقال
لي: يا أبا أمية إن رجلا أودعني امرأتين إحداهما حرة مهيرة، والأخرى سرية، فجعلتهما
في دار وأصبحت اليوم فإذا هما قد ولدتا غلاما وجارية، وكلتاهما تدعي الغلام لنفسها
وتنفى من الجارية، وقد جئتك أيها القاضي أطلب قضاءك بينهما. يقول شريح: فلم يحضرني
شيء فيهما أقضي به، فأتيت أمير المؤمنين عمر بن الخطاب فقصصت عليه القصة. فقال: فما
الذي قضيت بينهما؟ قلت: لو كان عندي قضاء فيهما ما أتيتك. فجمع عمر جميع من حضره من
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أمرني أن أقص عليهم ما جئت به. وجعل عمر
يشاور أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكلهم يرد الرأي إلى وإليه فقال عمر:
لكني أعرف مفزغ القضية ومنتزعها. قالوا: كأنك أردت ابن أبي طالب. قال نعم، وأين
المذهب عنه؟ قالوا: فابعث إليه يأتيك. قال: إن له شمخة من هاشم، وأثرة من علم
تقتضينا أن نسعى إليه ولا. تأذن له أن يسعى هو إلينا، فقوموا بنا إليه. فلما جئناه
وجدناه في حائط له يركل فيه على مسحاة ويقرأ قول الله تعالى (أيحسب الانسان أن يترك
سدى). ثم يبكي بكاء شديدا، ولم يجد القوم بدا من أن يجهلوه حتى تسكن نفسه ويرفأ
دمعه. ثم استأذنوا عليه فخرج إليهم وعليه قميص قدت أكمامه إلى النصف منها، ثم قال
كرم الله وجهه: ما الذي جاء بك يا
ص 162
شريح؟ قلت: أمر عرض جئنا نسأل عنه. فأمرني فقصصت عليه القصة فقال: فبم حكمت فيهما؟
قلت: لم يحضرني حكم فيهما. فأخذ بيده من الأرض شيئا ثم قال: الحكم فيها أهون من
هذا. ثم أمر بإحضار المرأتين وأحضر قدحا ثم دفعه إلى إحداهما قائلا لها احلبي فيه.
فامتثلت المرأة فحلبت ثم وزنه، ثم قال للأخرى احلبي أنت أيضا في قدح أخرى ثم وزنه
أيضا. ثم قال لصاحبة اللبن الخفيف: خذي ابنتك. وقال لصاحبة اللبن الثقيل: خذي ابنك.
ثم التفت كرم الله وجهه إلى أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه قائلا: أما علمت أن
الله تعالى حط المرأة عن الرجل في ميراثها، فكذلك كان لبنها دون لبنه. فقال عمر:
لقد أرادك الحق يا أبا الحسن ولكن قومك أبوا. فقال الإمام: خفض عليك أبا حفص (إن
يوم الفصل كان ميقاتا). ولم يدع أهل العلم هذا القضاء دون تعليق حتى قال ثقة فاضل:
إن جعفرا الصادق رضي الله عنه كان يقول: لبن أحد الثديين طعام، ولبن الثدي الآخر
شراب. فعلى الأم أن ترضع ولدها من ثدييها كليهما فذلك أصح لجسده وأحكم لقوته. ومن
أقضيته كرم الله وجهه ما يرويه الثقات عن الصادق أيضا قال: جئ إلى أمير المؤمنين
عمر رضي الله عنه بامرأة تزوجت شيخا كبيرا، فلما كانت ليلة دخوله بها مات على
بطنها، ثم وضعت المرأة ولدا فادعى بنوه أنها فجرت وتشاهدوا عليها، فأمر بها عمر أن
ترجم. فمر بها علي كرم الله وجهه فاستغاثت به قائلة: يا ابن عم رسول الله، إن لي
حجة على الذين تظاهروا علي. فقال لها: هاتي حجتك. فدفعت إليه كتابا فقرأه فقال: هذه
المرأة تعلمكم بيوم تزوجها وبما يكون بين الرجل والمرأة في ذلك اليوم. فردوا المرأة
عن الحفرة. فلما كان من الغد دعا بصبيان أتراب في سن واحدة، ثم دعا بالصبى معهم
وأمرهم أن يلعبوا، حتى إذا ألهاهم اللعب قال لهم: اجلسوا. حتى إذا تمكنوا في
مجالسهم صاح بهم أن يقوموا: فقام الصبيان وقام الغلام، غير أن الغلام اتكأ على
راحتيه في أثناء قيامه، فدعا به الإمام وورثه من أبيه
ص 163
وجلد إخوته حد المفترين حدا حدا. فقال له أمير المؤمنين عمر: كيف صنعت يا أبا
الحسن؟ قال: عرفت ضعف الشيخ في اتكاء الغلام على راحتيه حين قام. ومن أقضيته كرم
الله وجهه قضاؤه في رجل وصى بعد الموت بسهم من ماله دون أن يبينه، فلما مضى إلى ربه
اختلف الورثة في المراد بالسهم وكيف يصنعون، فلما ترافعوا إليه كرم الله وجهه قضى
عليهم بإخراج الثمن من ماله، ثم استشهد لقضائه هذا قوله الله جل ثناؤه في سورة
التوبة: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي
الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم)
التوبة: 60. وهؤلاء الذين ذكرهم الله في هذه الآية الشريفة هم ثمانية أصناف، لكل
صنف منهم سهم من الصدقات. ومن أقضيته كرم الله وجهه، قضاؤه في رجل وصى فقال: اعتقوا
عني كل عبد قديم في ملكي، فلما مات الرجل لم يعرفوا ما أراد الموصى، فقال الإمام:
يعتق عنه كل عبد ملكه ستة أشهر، ثم تلا قول الله جل ثناؤه: (والقمر قدرناه منازل
حتى عاد كالعرجون القديم) يس: 39. وقد ثبت أن العرجون إنما ينتهي إلى الشبه بالهلال
في تقوسه وضؤولته بعد ستة أشهر من أخذ الثمرة عنه. ومن أقضية الإمام أيضا قضاؤه
الذي صان للمرأة المسلمة حياتها وحفظ عليها كرامتها، وبيان ذلك أن رجلا جاء إلى
أمير المؤمنين عثمان يشكو إليه أنه تزوج وأن زوجته ولدت بعد ستة أشهر، فأراد أمير
المؤمنين عثمان أن يقيم عليها الحد، فقال له علي كرم الله وجهه: ليس لك ذلك يا أمير
المؤمنين، فإن الله تعالى يقول: (ووصينا الانسان بوالديه إحسانا حملته أمه كرها
ووضعته كرها وحمله وفصاله ثلاثون شهرا) الآية من سورة الأحقاف: 15 فقد جعل الله
تعالى في هذه الآية مدة الحمل
ص 164
والرضاع ثلاثين شهرا، ثم جعل مدة الرضاع الذي يعقبه الفطام أربعة وعشرين شهرا كما
في الآية: (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة). الآية
من سورة البقرة. وعلى هذا النحو جاءت الآية من سورة لقمان: (ووصينا الانسان بوالديه
حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير). ففي
هاتين الآيتين من سورة البقرة وسورة لقمان، أن مدة الرضاع أربعة وعشرون شهرا، فإذا
أخذت هذه الشهور من الثلاثين شهرا في سورة الأحقاف فقد بقي ستة أشهر هي مدة حمل
الزوجة التي يشكوها زوجها. ولم يسع أصحاب رسول الله ومعهم أمير المؤمنين عثمان إلا
أن يذعنوا لقضاء الإمام، وبذلك انطلقت المرأة إلى بيتها أسعد ما يكون الانسان
بسلامة حياته وصيانة كرامته. ومن أقضية الإمام أيضا تسويته في الفئ والصدقة بين
المسلمين، مخالفا بذلك أمير المؤمنين عمر إذ كان رضي الله عنه يفضل في العطاء بعض
المسلمين على بعض فضل السابقين على غيرهم، وفضل المهاجرين من قريش على غيرهم من
المهاجرين، وفضل المهاجرين كافة على الأنصار كافة، ثم فضل العرب على العجم. وعلى
غير هذا النهج كان يمضي الخليفة الأول أبو بكر رضي الله عنه فكان يسوى بين أهل
الإسلام في الفئ والصدقات، وكان يستند في ذلك إلى النص في آية الصدقات من سورة
التوبة. وقد كان عمر رضي الله عنه استفتى بعروبتها على الأعجمية. فقد جاءت امرأتان
إلى الإمام تسألانه المعونة على العيش، فدفع إليهما كرم الله وجهه دراهم وطعاما
بالسواء. فقالت إحداهما في غضب: إني امرأة من العرب وهذه من العجم، فكيف نكون سواء
في العطاء يا أمير المؤمنين؟ فقال لها الإمام: إني والله لا أجد فضلا لك عليها. ومن
أقضيته كرم الله وجهه ما يرويه الثقات عن جعفر الصادق رضي الله عنه قال: ولد على
عهد أمير المؤمنين مولود له رأسان وصدران، فمضى أهل المولود إلى
ص 165
الإمام يسألونه عن ميراثه: أيرث ميراثين أم يرث ميراثا واحدا؟ فقال: يترك المولود
حتى ينام ثم يصاح به، فإن انتبها جميعا معا كان له ميراث واحد، وإن انتبه أحدهما
وبقي الآخر نائما ورث هذا المولود ميراث اثنين. ومن فقهه كرم الله وجهه ما يرويه
الثقات عن الثوري، عن السدي قال: كنت عند أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه
إد أقبل كعب بن الأشرف ومالك بن يحيى ويحيى بن أخطب فقالوا: إنكم تقرؤن في كتابكم
عن جنة عرضها السموات والأرض، فإذا كانت سعة جنة واحدة كسبع سماوات وسبع أرضين،
فأين تكون الجنان كلها يوم القيامة؟ فقال أمير المؤمنين عمر: أما أنا فلا أعلم.
فبينما هم في ذلك إذ دخل الإمام كرم الله وجهه فقال: في أي شيء أنتم؟ فالتفت اليهود
إليه وذكروا المسألة. فقال لهم كرم الله وجهه: خبروني أنتم عن النهار إذا أقبل
الليل أين يكون، وعن الليل إذا أقبل النهار أين يكون؟ قالوا: في علم الله يكون،
فقال علي كرم الله وجهه: كذلك الجنات في علم الله تكون. ومن فقهه كرم الله وجهه ما
أجاب به ابن عنيزة الشيباني فيما كان يذكر عن أبيه عن جده، فقال: جاء رجل إلى أمير
المؤمنين علي فقال: أخبرني عن القدر. فقال الإمام: سر الله فلا تتكلف علمه. فقال
الرجل: يا أمير المؤمنين أخبرني عن القدر: فأجابه كرم الله وجهه بقوله: بحر عميق
فلا تلق بنفسك فيه. فراح يسأله أيضا: أخبرني يا أمير المؤمنين عن القدر. فقال له:
طريق مظلم فتجنب السير فيه. ومضى الرجل يسأل لا يكاد يكف عن السؤال. فقال له كرم
الله وجهه: أما إذ أبيت فإني سائلك: أكانت رحمة الله للعباد قبل أعمال العباد، أم
كانت أعمال العباد قبل رحمة الله؟ فقال الرجل مجيبا عن السؤال: كانت رحمة الله
للعباد قبل أعمال العباد. فقال كرم الله وجهه لمن حوله: قوموا فسلموا على أخيكم فقد
أسلم. وقد كان من قبل غير مسلم. ومن أقضيته كرم الله وجهه ما يسنده الرواة إلى
الإمام جعفر الصادق قال: اشتكى
ص 166
رجل إلى أمير المؤمنين بطنه فقال له: سل امرأتك درهما من صداقها فاشتر به عسلا ثم
اشربه بماء السماء، فإن الله يشفيك إن شاء الله. ففعل الرجل ما أمره به علي كرم
الله وجهه فبرئ وزالت عنه شكواه. ولم يكن لجلسائه بد من أن يسألوه عن سر هذه الفتوى
كما عودهم ذلك وحرضهم عليه ثم رضيه منهم، فقام إليه أحدهم فقال: ما سر ذلك يا أمير
المؤمنين؟ أهو سر سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فأجابه كرم الله وجهه
قائلا: لا لم أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكني سمعت الله تعالى يقول
في كتابه العزيز: (وآتوا النساء صدقاتهن نحله فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه
هنيئا مريئا) وكذلك قول الله تعالى: (ونزلنا من السماء ماء مباركا فأنبتنا به جنات
وحب الحصيد). ومن أقضيته كرم الله وجهه ما يأثره الثقات عن الإمام جعفر الصادق قال:
إن رجلا أتى بامرأة إلى عمر فقال: يا أمير المؤمنين هذه امرأتي، وهي كما ترى سوداء
وأنا أسود، وقد ولدت لي غلاما أبيض. فالتفت أمير المؤمنين عمر إلى الحاضرين في
مجلسه قائلا لهم: ما ترون؟ قالوا: نرى أن ترجمها. فأمر عمر بأن ترجم، وفيما هي في
الطريق إلى الحفرة أقبل الإمام، ثم سأل فحدثوه بما قال الأسود وبما أمر به أمير
المؤمنين. فقال الإمام للأسود: أتتهم امرأتك؟ قال الرجل: لا. فمضى الإمام يسأل حتى
قال: هل أتيتها وهي طامث؟ قال الرجل لقد قالت لي في ليلة: إني طامث، فظننت أنها
تتقي البرد فوقعت عليها. فتوجه الإمام للمرأة بالسؤال: هل أتاك وأنت طامث؟ قالت
الزوجة: نعم، واسأله إنني قد خرجت عليه وأبيت أن أطاوعه. قال الإمام: انطلقا
والمولود ابنكما، وإنما غلب الدم النطفة. ومن أقضية الإمام كرم الله وجهه ما ذكره
شيخ الإسلام ابن القيم عن الشعبي رخمه الله، من أن ثلاث جوار اجتمعن فركبت إحداهن
على عنق الأخرى، فقرصت الثالثة المركوبة فقمصت فسقطت الراكبة فوقصت أي كسرت عنقها
فماتت، فلما رفع ذلك إلى علي رضي الله عنه قضى بالدية أثلاثا على عواقلهن، وألغى
الثلث الذي يقابل فعل
ص 167
المقتولة لأنها أعانت على قتل نفسها. ومن أقضيته كرم الله وجهه ما كان يتحدث به
جابر الأنصاري رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى علي كرم الله وجهه فقال: إني كنت أعزل
عن امرأتي وقد جاءت بولد مع ذلك. فقال الإمام للرجل: أنشدك الله هل أتيتها ثم
عاودتها قبل أن تبول؟ قال الرجل: نعم، فعلت ذلك. فأجابه الإمام: إذن فالولد لك. ومن
أقضيته كرم الله وجهه ما رواه الثقة عن الإمام الصادق رضي الله عنه قال: جئ إلى
أمير المؤمنين علي بامرأة بكر زعموا أنها فاحشت، فأمر كرم الله وجهه النساء فنظرن
إليها فقلن إنها عذراء، فخلى الإمام سبيلها قائلا: ما كنت لأضرب امرأة عليها من
الله عز وجل خاتم. وكان رضي الله عنه يجيز شهادة النساء في مثل تلك القضية. ومن
أقضيته كرم الله وجهه ما صح عن محمد الباقر بن علي بن زين العابدين بن الحسين بن
علي بن أبي طالب قال: جئ إلى أمير المؤمنين علي بامرأة مع رجل قد فجر بها، فقالت
المرأة: لقد استكرهني والله يا أمير المؤمنين. فدرأ عنها الحد. ومن أقضيته كرم الله
وجهه، أن امرأة شهد عليها الشهود بأنهم وجدوا في بعض مياه العرب رجلا معها يفاحشها
وليس بعلا لها. فأمر عمر برجمها، فقالت: اللهم إنك تعلم أني بريئة. فغضب عمر ثم
قال: تفاحشين ثم تجرحين الشهود أيضا؟ فلما جاء الإمام سئل عن تلك القضية فقال:
ردوها فاسألوها فلعل لها عذرا يقبل. فردت المرأة وسئلت فقالت: كان لأهلي إبل فخرجت
في إبلهم وحملت معي ماء ولم يكن في إبل أهلي لبن، وخرج معي خليطنا وكان في إبله
لبن، فنفد ما كان معي من ماء فاستسقيته فأبى أن يسقيني حتى أمكنه من نفسي، ولكنني
أبيت، فلما كادت نفسي تخرج من شدة الظمأ أمكنته تحت سلطان الإكراه. فقال الإمام كرم
الله وجهه: الله أكبر. ثم تلا: (فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه إن الله
غفور رحيم). فلما انتهت القضية إلى أمير المؤمنين عمر، خلى سبيل المرأة.
ص 168
ومن أقضيته كرم الله وجهه ما يأثره أهل الثقة من أنه قد جئ إلى عمر برجل وامرأة،
فقال الرجل للمرأة: يا زانية. فأجابته المرأة بقولها: أنت أزنى مني. فأمر عمر رضي
الله عنه بأن يجلد كل منهما ثمانين جلدة حد القذف. ولكن الإمام كرم الله وجهه قال
في المجلس: لا تعجلوا. ثم قضى على المرأة بأن يقام عليها حدان، وقرر أن الرجل لا
شيء عليه. ثم علل ذلك القضاء بقوله: إن على المرأة حدا لقاء افترائها وحدا آخر لقاء
إقرارها على نفسها، غير أنها لا يصار بها إلى غاية الحد. ومن أقضيته كرم الله وجهه
ما يرويه الإمام الباقر رضي الله عنه قال: جئ إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب
بقدامة بن مظعون وقد شرب الخمر، فشهد عليه رجلان أحدهما خصي وهو عمرو التميمي،
والآخر المعلى بن جارود، فشهد عليه فشهد أحدهما أنه رأى قدامة يشرب الخمر، وشهد
الآخر أنه رآه يقئ الخمر. فأرسل أمير المؤمنين عمر إلى أناس من الصحابة فيهم الإمام
علي فقال له: ما تقول يا أبا الحسن في هذه القضية، فإنك الذي قال فيك رسول الله صلى
الله عليه وسلم: إنك أعلم هذه الأمة وأقضاها بالحق، وقد اختلف هذان الرجلان في
شهادتهما على قدامة بن مظعون. فقال الإمام كرم الله وجهه: إنهما لم يختلفا في
شهادتهما، فقد شرب الخمر فشهد عليه عمر التميمي بأنه رآه يشرب، ثم شهد الآخر بأنه
رآه يقئ الخمر، فالذي قاءه هو الذي شربه، فهما لم يختلفا في شهادتهما عليه.
قضية
أخرى رواها جماعة من أعلامهم في كتبهم: 
فمنهم الفاضل المعاصر المحامي الدكتور صبحي
محمصاني في تراث الخلفاء الراشدين في الفقه والقضاء (ص 281 ط دار العلم
للملايين - بيروت) قال: ومن أقضية علي أيضا مسألة القارصة والقابضة والواقصة، وهي
أن ثلاث جوار
ص 169
اجتمعن، فركبت إحداهن على عنق الأخرى، فقرصت الثالثة الثانية المركوبة، فسقطت
الراكبة الأولى، فوقصت (كسرت) عنقها فماتت. فرفعت القضية إلى علي، فقضى بالدية
أثلاثا، الثلثان على القارصة والمقروصة، ويقسط الثلث لركوب الراكبة عبثا. ثم في
قضية أخرى: دخل الزوج على امرأته ليلة زفافها فوجد عندها صديقها فقتله، وقتلت
الزوجة زوجها القاتل. فلقد رأينا أن الإمام عليا قضى على الزوجة بالقتل قصاصا
لقتلها زوجها، وقضى عليها أيضا بدية الصديق، لأنها المتسببة إلى قتله، وهي أول من
زوجها المباشر، لأن هذا قتله مأذونا فيه دفعا عن حرمته. ولما كان الإمام علي قاضيا
في اليمن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، عرضت عليه قضية أسد سقط في بئر، فسقط
فيها رجل فتعلق بآخر، وتعلق الآخر بثالث، وتعلق الثالث برابع، فسقطوا كلهم، فقتلهم
الأسد. فقضى الإمام في ذلك بديتين وسدس على حافر البئر. فأعطى لأهل الأول ربع دية
لأنه هلك فوقه ثلاثة، ولأهل الثاني ثلث دية لأنه هلك فوقه اثنان، ولأهل الثالث نصف
دية لأنه هلك فوق واحد، ولأهل الرابع دية كاملة. وقد علم النبي صلى الله عليه وسلم
بقضاء علي فأقره. وفي كتاب شرائع الإسلام، روى حكم الإمام علي في تلك القضية مع
توزيع مختلف. وهو: تغريم أهل الأول ثلث الدية لأهل الثاني، وتغريم هؤلاء ثلثي الدية
لأهل الثالث، وتغريم هؤلاء الدية كاملة لأهل الرابع. ومنهم الأستاذ محمد المنتصر
الكتاني بجامعة أم القرى بمكة المكرمة في معجم فقه السلف عترة وصحابة وتابعين
(ج 8 ص 95 ط مطابع الصفا بمكة المكرمة) قال: وعن مجاهد: ركبت جارية جارية فنخستها
أخرى، فوقعت فماتت فضمن علي ابن أبي طالب: الناخسة والمنخوسة.
ص 170
قضية أخرى رواها جماعة من أعلام العامة في كتبهم: فمنهم الفاضل المعاصر أحمد عبد
الجواد المدني في المعاملات في الإسلام (ص 42 ط مؤسسة الإيمان ودار الرشيد -
بيروت ودمشق) قال: عن الحسن صلى الله عليه وسلم قال: أرسل عمر بن الخطاب رضي الله
عنه إلى امرأة مغيبة كان يدخل عليها، فأنكر ذلك فأرسل إليها، فقيل لها: أجيبي عمر
فقالت: يا ويلها ما لها ولعمر فبينما هي في الطريق فزعت فضربها الطلق، فدخلت دارا
فألقت ولدها فصاح الصبي صيحتين ثم مات، فاستشار عمر أصحاب النبي صلى الله عليه
وسلم، فأشار عليه بعضهم أن ليس عليك شيء إنما أنت وال ومؤدب، وصمت علي رضي الله
عنه، فأقبل على علي فقال: ما تقول؟ قال: إن كانوا قالوا برأيهم فقد أخطأ رأيهم، وإن
كانوا قالوا في هواك فلم ينصحوا لك، أرى أن ديته عليك، فإنك أنت أفزعتها وألقت
ولدها في سبيلك، فأمر عليا أن يقسم عقله على قريش، يعني يأخذ عقله من قريش، لأنه
أخطأ. أخرجه عبد الرزاق والبيهقي. ومنهم الفاضل المعاصر الدكتور سليمان دنيا
الأستاذ بجامعة الأزهر في التفكير الفلسفي الإسلامي (ص 354 ط مطبعة السنة
المحمدية بالقاهرة) قال: وروى ابن عبد البر ما يلي: وعن عمر في المرأة التي غاب
عنها زوجها، وبلغه أنه يتحدث عندها - فذكر مثل ما تقدم. ومنهم الحافظ صلاح الدين
خليل بن سيف الدين كيكلدي بن عبد الله العلائي الشافعي المولود سنة 694 في إجمال
الإصابة في أقوال الصحابة (ص 81 ط جمعية إحياء التراث الإسلامي - الكويت سنة
1407)
ص 171
فذكر قصة المرأة التي فزعت وأسقطت جنينا كما تقدم. قضية أخرى رواها جماعة من علماء
العامة في كتبهم: فمنهم الحافظ الشيخ زكي الدين أبو محمد عبد العظيم بن عبد القوي
الشامي المصري في مختصر سنن أبي داود (ج 6 ص 230 ط دار المعرفة - بيروت) قال:
وعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: أتى عمر بمجنونة قد زنت، فاستشار فيها أناسا،
فأمر بها عمر أن ترجم، فمر بها على علي بن أبي طالب رضوان الله عليه فقال: ما شأن
هذه؟ قالوا: مجنونة بني فلان زنت، فأمر بها عمر أن ترجم، قال فقال: ارجعوا بها، ثم
أتاه فقال: يا أمير المؤمنين أما علمت أن القلم قد رفع عن ثلاثة: عن المجنون حتى
يبرأ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يعقل؟ قال: بلى، قال: فما بال هذه
ترجم؟ قال: لا شيء، قال: فأرسلها، قال: فأرسلها، قال: فجعل يكبر. وفي رواية حتى
يعقل، وقال: عن المجنون حتى يفيق، قال: فجعل عمر يكبر. وفي رواية عن ابن عباس، قال:
مر على علي بن أبي طالب رضي الله عنه بمعنى عثمان، يعني ابن أبي شيبة، قال: أوما
تذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: رفع القلم عن الثلاثة: عن المجنون
المغلوب على عقله، وعن النائم حتى يستيقظ، عن الصبي حتى يحتلم؟ قال: صدقت. قال: فخل
عنها. وأخرجه النسائي. وعن أبي ظبيان وهو حصين بن جندب رضي الله عنه، قال: أتى عمر
بامرأة قد فجرت، فأمر برجمها، فمر علي رضي الله عنه، فأخذها، فخلى سبيلها، فأخبر
عمر رضي الله عنه بذلك، فقال: ادعوا لي عليا، فجاء علي رضي الله عنه، فقال: يا أمير
المؤمنين، لقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: رفع القلم عن ثلاثة: عن
ص 172
الصبي حتى يبلغ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن المعتوه حتى يبرأ. وإن هذه معتوهة بني
فلان، لعل الذي أتاها أتاها وهي في بلائها، فقال عمر: لا أدري، فقال علي: وأنا لا
أدري. ومنهم العلامة حسام الدين المردي الحنفي في آل محمد (ص 48) قال: أخرج
الإمام أحمد وابن السمان في كتاب الموافقة، هما يرفعه بسنده عن أبي ظبيان قال: أتي
بامرأة مجنونة قد زنت فاعترفت بزناها في حضور عمر بن الخطاب فقال له علي: إن النبي
صلى الله عليه وسلم قال: رفع القلم عن ثلاث: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصغير حتى
يحتلم، وعن المجنون حتى يعقل، فترك رجمها. ومن أقضيته عليه السلام ما رواه جماعة
فمنهم الفاضل المعاصر الشيخ أبو بكر جابر الجزائري في كتابه العلم والعلماء (ص
173 ط دار الكتب العلمية - بيروت) قال: من غرائب فتاواه رضي الله عنه: من أغرب ما
روي في فتاوى علي رضي الله عنه ما أخرجه عبد الرزاق في مصنفه عن سلمان القيباني، عن
رجل، عن علي رضي الله عنه قال: أنه أوتي برجل، فقيل له: زعم هذا أنه احتلم بأمي،
فقال: إذهب فأقعه في الشمس فاضرب ظله. وقال أيضا في ص 174: ومن عجائب سياسة علي في
قضائه رضي الله عنه ما روي ابن أبي شيبة في مصنفه أنه قال: أتي علي برجل وشهد عليه
رجلان أنه سرق، فأخذ علي في شتى أمور
ص 173
الناس، وتهدد شهود الزور، وقال: لا أوتي بشاهد زور إلا فعلت به كذا أو كذا، ثم طلب
الشاهدين فلم يجدهما هربا لما سمعا من التهديد وكانا كاذبين. فخلى سبيل الرجل.
أول
من فرق الخصوم علي عليه السلام 
رواه جماعة من أعلام العامة في كتبهم: فمنهم العلامة
الشيخ الجلال عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي في الوسائل في مسامرة الأوائل (ص
88 ط بيروت) قال: أول من فرق الخصوم علي. وهو أول خليفة من بني هاشم. جلد شراحة يوم
الخميس ورجمها يوم الجمعة رواه جماعة من أعلام العامة في كتبهم: فمنهم الفاضل
المعاصر الدكتور فاروق عبد العليم موسى رئيس محكمة الاستئناف في الشريعة
الإسلامية أصل أحكام القضاء (ص 80 ط دار الأقصر للكتاب - كرداسة - جيزة) قال: ومن
قضائه كرم الله وجهه فيما رواه الشعبي وسئل هل رأيت أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب
رضي الله تعالى عنه؟ قال: رأيته أبيض الرأس واللحية. قيل: فهل تذكر عنه شيئا؟ قال:
نعم أذكر أنه جلد شراحة يوم الخميس ورجمها يوم الجمعة، فقال: جلدتها بكتاب الله
ورجمتها بسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
ص 174
قضية أخرى رواها جماعة من أعلام العامة في كتبهم: فمنهم الفاضل المعاصر محمد خير
المقداد في مختصر المحاسن المجتمعة في فضائل الخلفاء الأربعة للعلامة الصفوري
(ص 180 ط دار ابن كثير، دمشق وبيروت) قال: وتزوج رجل امرأتين فولدتا ذكرا وأنثى في
ليلة واحدة، فاختصما في الصبي إلى علي رضي الله عنه، فأمرهما أن يزنا حليبهما، فمن
رجح لبنها فهي أم الصبي لقوله تعالى: (للذكر مثل حظ الأنثيين). ومنهم العلامة الشيخ
أبو الجواد البتروني الحنفي في الكوكب المضئ (ص 57 والنسخة مصورة من مكتبة طوپ
قاپوسراى بإستامبول) قال: ومما وقع له أيضا رضي الله عنه أن رجلا في زمانه تزوج
امرأتين فولدتا الصبي وكل منهما تقول هذا ولدي، فارتفعتا إلى علي رضي الله عنه فأمر
كل امرأة أن تحلب من لبنها شيئا ثم وزن الحليبين فرجح أحدهما على الآخر فحكم بأن
الصبي لصاحبة اللبن الراجح، فقيل له: من أين أخذت هذا؟ قال: من قوله تعالى (للذكر
مثل حظ الأنثيين) فإن الله تعالى فضل الذكر على الأنثى في كل شيء حتى في غذائه.
قضاؤه عليه السلام في الخنثى المشكل سأله معاوية

رواه جماعة من أعلام العامة في
كتبهم: فمنهم الشيح أبو بكر جابر الجزائري في كتابه العلم والعلماء (ص 172 ط
دار
ص 175
الكتب العلمية) قال: ما رواه سعيد بن منصور عن شيح من فزارة قال: سمعت عليا رضي
الله عنه يقول: الحمد لله الذي جعل عدونا يسألنا عما نزل به من أمر دينه، إن معاوية
كتب إلي يسألني عن الخنثى المشكل، فكتبت إليه أن يورثه من قبل مباله. فهذه الآثار
أكبر برهان على علمه، وانتهاء الفتيا إليه.
مستدرك قضائه عليه السلام في ثلاثة نفر
وقعوا على امرأة فولدت 
تقدم نقل ما يدل عليه عن أعلام العامة في ج 8 ص 50 ومواضع
أخرى، ونستدرك هيهنا عن الكتب التي لم نرو عنها فيما سبق: فمنهم الحافظ الشيخ زكي
الدين أبو محمد عبد العظيم بن عبد القوي الشامي المصري المتوفى سنة 656 في مختصر
سنن أبي داود (ج 3 ص 176 ط دار المعرفة - بيروت) قال: عن عبد الله بن الخليل، عن
زيد بن أرقم قال: كنت جالسا عند النبي صلى الله عليه وسلم، فجاء رجل من أهل اليمن،
فقال: إن ثلاثة نفر من أهل اليمن أتوا عليا يختصمون إليه في ولد، وقد وقعوا على
امرأة في طهر واحد، فقال لاثنين: طيبا بالولد لهذا، فغليا، ثم قال لاثنين: طيبا
بالولد لهذا، فغليا، ثم قال لاثنين، طيبا بالولد لهذا، فغليا، فقال: أنتم فيه شركاء
متشاكسون، إني مقرع بينكم، فمن قرع فله الولد، وعليه لصاحبيه ثلثا الدية، فأقرع
بينهم، فجعله لمن قرع، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت أضراسه، أو
نواجذه.
ص 176
وعن عبد خير، عن زيد بن أرقم قال: أتي علي رضي الله عنه بثلاثة وهو باليمن، وقعوا
على امرأة في طهر واحد، فسأل اثنين: أتقران لهذا؟ قالا: لا، حتى سألهم - فذكر مثل
ما تقدم. ومنهم الشيخ أبو الفداء عماد الدين إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الشافعي
الدمشقي في السيرة النبوية (ج 4 ص 208 ط دار الإحياء - بيروت) قال: قال الإمام
أحمد: حدثنا سفيان بن عيينة، عن الأجلح، عن الشعبي، عن عبد الله ابن أبي الخليل، عن
زيد بن أرقم: أن نفرا وطئوا امرأة في طهر، فقال علي لاثنين - فذكر مثل ما تقدم عن
مختصر السنن، ثم قال: قال: فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم قال: لا أعلم إلا ما
قال علي. قال أحمد: حدثنا شريح بن النعمان، حدثنا هشيم، أنبأنا الأجلح، عن الشعبي،
عن أبي خليل، عن زيد بن أرقم: أن عليا أتي في ثلاثة نفر إذ كان في اليمن اشتركوا في
ولد، فأقرع بينهم فضمن الذي أصابته القرعة ثلثي الدية وجعل الولد له. قال زيد بن
أرقم: فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته بقضاء علي، فضحك حتى بدت نواجذه.
رواه أبو داود عن مسدد، عن يحيى القطان، والنسائي عن علي بن حجر، عن علي بن مسهر،
كلاهما عن الأجلح بن عبد الله، عن عامر الشعبي، عن عبد الله بن الخليل. وقال
النسائي في رواية عبد الله بن أبي خليل، عن زيد بن أرقم قال: كنت عند النبي صلى
الله عليه وسلم فجاء رجل من أهل اليمن فقال: إن ثلاثة نفر أتوا عليا يختصمون في ولد
وقعوا على امرأة في طهر واحد. فذكر نحو ما تقدم، وقال: فضحك النبي صلى الله عليه
وسلم. وقد روياه - أعني أبا دود والنسائي - من حديث شعبة، عن سلمة بن كهيل، عن
الشعبي، عن أبي الخليل أو ابن الخليل، عن علي قوله. فأرسله ولم يرفعه.
ص 177
وقد رواه الإمام أحمد أيضا، عن عبد الرزاق، عن سفيان الثوري، عن الأجلح، عن الشعبي،
عن عبد خير، عن زيد بن أرقم، فذكر نحو ما تقدم. وأخرجه أبو داود والنسائي جميعا عن
حنش بن أصرم، وابن ماجة عن إسحاق ابن منصور، كلاهما عن عبد الرزاق، عن سفيان
الثوري، عن صالح الهمداني، عن الشعبي، عن عبد خير، عن زيد بن أرقم به. ومنهم الحافظ
جمال الدين أبو الحجاج يوسف بن الزكي عبد الرحمن المزي المتوفى سنة 742 في كتابه
تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف (ج 3 ص 196 بيروت) قال: كنت جالسا عند النبي صلى
الله عليه وسلم، فجاء رجل من اليمن، فقال: إن ثلاثة نفر من أهل اليمن أتوا عليا
يختصمون إليه في ولد.. الحديث. د في الطلاق (32: 1) عن مسدد، عن يحيى بن سعيد، عن
الأجلح، عن الشعبي، عن عبد الله بن الخليل به.. و(32: 3) عن عبيد الله بن معاذ، عن
أبيه، عن شعبة عن سلمة، عن الشعبي، عن الخليل أو ابن الخليل قال: أتي علي (ح 10161)
في امرأة ولدت من ثلاثة - فذكر نحوه ولم يرفع، ولم يذكر زيدا. س فيه (الطلاق: 50:
2) عن علي بن حجر، عن علي بن مسهر، عن الأجلح نحوه وقال: عبد الله بن أبي الخليل.
و(50: 4) عن إسحاق بن شاهين، عن خالد بن عبد الله، عن الشيباني، عن الشعبي، عن رجل
من حضرموت ولم يسمه، عن زيد بن أرقم نحوه. و(50: 5) عن أبي الخليل أو ابن الخليل:
أن ثلاثة نفر اشتركوا في طهر - فذكر نحوه ولم يرفعه، ولم يذكر زيدا. وأعاد حديث علي
ابن حجر وإسحاق بن شاهين في القضاء. (لعله في الكبرى). (وفي الطلاق 50: 3 عن عمرو
بن علي، عن يحيى، عن الأجلح، عن الشعبي، عنه به لم يذكر المزي، ولا الحافظ وهو في
الرواية).
ص 178
عبد خير بن يزيد الخيواني الكوفي، عن زيد بن أرقم. وفي س الحيراني وكلاهما خطأ.
والصواب ما أثبتناه من ك و ش . حديث: أتي علي بثلاثة باليمن وقعوا على امرأة
الحديث. د في الطلاق (23: 2) س فيه (الطلاق 50: 1) وفي القضاء لعله في الكبرى
جميعا عن خشيش بن أصرم ق في الأحكام (20: 4) عن إسحاق بن منصور كلاهما عن عبد
الرزاق، عن سفيان الثوري، عن صالح الهمداني، عن الشعبي، عنه به. عبد الله بن عباس
القرشي الهاشمي، عن زيد بن أرقم له في ترجمته عطاء، عن زيد بن أرقم - ح 3677. ومنهم
الحافظ أبو عبد الله بن محمد بن جعفر بن حيان الإصبهاني المشتهر بأبي الشيخ المتوفى
سنة 369 في أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم وآدابه (ص 94 ط القاهرة سنة 1401)
قال: حدثنا أحمد بن موسى الأنصاري، نا أحمد بن الرمادي، نا عبد الله بن صالح، حدثني
الليث، حدثني جرير بن حازم، عن الحسن يعني ابن عمارة، عن سلمة بن كهيل، عن عبد
الرحمن، قال: سمعت علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: بعثني رسول الله صلى الله
عليه وسلم إلى اليمن، أتاني ثلاثة نفر يختصمون في غلام من امرأة، وقعوا عليها جميعا
في طهر واحد - فذكر الحديث مثل ما تقدم. ومنهم الفاضل المعاصر الشيخ محمد الأمين بن
محمد المختار الجنكي الشنقيطي في كتابه أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن
(ج 4 ص 625 ط عالم الكتب في بيروت) قال: ومنها أن عليا رضي الله عنه لما كان باليمن
أتاه ثلاثة نفر يختصمون في غلام فقال كل منهم: هو ابني، فأقرع بينهم فجعل الولد
للقارع وجعل عليه للرجلين الآخرين
ص 179
ثلثي الدية، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فضحك حتى بدت نواجذه من قضاء علي
رضي الله عنه. ومنهم الفاضل المعاصر المحامي الدكتور صبحي محمصاني في تراث
الخلفاء الراشدين في الفقه والقضاء (ص 372 ط دار العلم للملايين - بيروت) قال:
ولما كان الإمام علي قاضيا في اليمن، اختصم إليه ثلاثة نفر في ولد وقعوا على أمة في
طهر واحد، فأقرع الإمام بينهم، وألحق بالذي صارت له القرعة، وجعل لصاحبيه عليه ثلثي
الدية. ومنهم الفاضلان المعاصران الشريف عباس أحمد صقر وأحمد عبد الجواد المدنيان
في جامع الأحاديث (القسم الثاني ج 4 ص 10 ط دمشق) قالا: عن زيد بن أرقم قال:
بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أتاه رجل من أهل اليمن وعلي رضي
الله عنه بها، فجعل يحدث النبي صلى الله عليه وسلم ويخبره قال: يا رسول الله أتى
عليا ثلاثة نفر - فذكرا مثل ما تقدم. وقالا أيضا في ص 18: عن علي رضي الله عنه: إنه
أتي بثلاثة نفر اشتركوا في طهر امرأة فأقرع بينهم - فذكر الحديث كما تقدم. ومنهم
الفاضل محمد حميد الله في مجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة
(ص 168 ط دار النفائس - بيروت) قال: وقال محشي الكتاب: حديث زيد بن أرقم في قضاء
علي في نسب الولد رواه البيهقي في شعب الإيمان ورواه ابن أبي شيبة، وأحمد في
مسنده ورواه أبو داود والنسائي بلفظ: كنت جالسا عند النبي فجاء رجل من أهل اليمن
فقال: إن ثلاثة نفر
ص 180
من أهل اليمن أتوا عليا يختصمون إليه في نفر قد وقعوا على امرأة في طهر واحد - فذكر
الحديث مثل ما تقدم. ومنهم الفاضل المعاصر عمر رضا كحالة في كتابه النسل والعناية
به (ج 1 ص 98 ط مؤسسة الرسالة في بيروت سنة 1408) قال: وروى النسائي عن القرعة في
الولد حتى صدر الإسلام عن زيد بن أرقم قال: أتي علي بن أبي طالب بثلاثة وهو باليمن
وقعوا على امرأة في طهر واحد، فسأل اثنين أتقر أن لهذا الولد؟ قالا: لا ثم سأل
اثنين - فذكر مثل ما تقدم، وقال: وضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه.
ومنهم الدكتور محمد مصطفى أمبابي في الجديد في الفقه الإسلامي (ص 106 ط دار
المنار القاهرة) قال: ومن القضايا التي اشتهر علي بالفصل فيها أن ثلاثة أشخاص
تخاصموا إليه في غلام، وادعى كل منهم أنه ابنه، فأقرع بينهم علي - فذكر مثل ما
تقدم، وقال في آخره: وضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه. ومنهم الفاضل
المعاصر عبد العزيز الشناوي في كتابه سيدات نساء أهل الجنة (ص 132 ط مكتبة
التراث الإسلامي - القاهرة) قال: وأتى علي بن أبي طالب وهو باليمن في ثلاثة قد
وقعوا على امرأة في طهر واحد فسأل اثنين فقال: أتقران لهذا بالولد؟ فقالا: لا، ثم
سأل اثنين: أتقران لهذا بالولد؟ فقالا: لا، فجعل أبو الحسن كلما سأل اثنين: أتقران
لهذا بالولد؟ فقالا: لا، فأقرع بينهم وألحق بالذي أصابته القرعة وجعل عليه ثلثي
الدية، ولما عاد علي بن أبي طالب إلى مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبره
بذلك ضحك النبي عليه الصلاة
ص 181
والسلام حتى بدت نواجذه.
ومن جملة أقضيته عليه السلام 
ما أورده القوم فمنهم الفاضل
المعاصر المحامي الدكتور صبحي محمصاني في تراث الخلفاء الراشدين في الفقه والقضاء
(ص 258 ط دار العلم للملايين - بيروت) قال: أما الإمام علي فقد ضرب ثمانين في حد
الشرب، ثم عزر الشارب لشربه في رمضان عشرين سوطا إضافيا. وقال في ص 271: امرأة قتلت
زوجها يوم زفافها بحضور صديقها قضى الإمام علي على القاتلة بالقتل قصاصا. وقال في ص
277: وقد عرضت على الإمام علي أيضا قضية المتدخل، الذي يمسك الرجل ليقتله رجل آخر.
فقضى فيها على القاتل بالقتل، وعلى الممسك بالحبس المؤبد، قائلا له: أمسكت للموت
فأنا أحبسك حتى الموت. وفي قضية رجل فر من رجل يريد قتله، فأمسكه له آخر حتى أدركه
فقتله، في هذه القضية قضى الإمام علي: أن يقتل القاتل، ويحبس الممسك حتى يموت،
وتفقأ عين الناظر، ولعل عليا رأى في تعزير الناظر بفقء عينه مصلحة للأمة، وتأديبا
له على إهماله السعي لمنع ذلك المنكر. وهذا التعزير شبيه بما نراه اليوم في أرقى
قوانين العقوبات.
ص 182
وقال أيضا في ص 280: ومن أقضية الإمام علي في هذا الباب تضمينه من أخرج طاحونة من
ركن داره إلى الطريق العام، فأصابت رجلا وتسببت بقتله. ومنها تضمينه رجلا حفر بئرا
في غير ملكه، فوقع فيها رجل ومات. وكذلك لو أشهد أحد على صاحب الحائط المائل، فلم
يهدمه حتى سقط، وأصاب انسانا فقتله، فقد قضى الإمام علي بتضمين صاحب الحائط دية
القتيل. ومنها أيضا أن رجلا استأجر أربعة رجال ليحفروا بئرا. فانخسفت بهم البئر،
فمات أحدهم. فرفع الأمر إلى الإمام علي، فضمن الثلاثة ثلاثة أرباع الدية، وطرح عنهم
ربع الدية. وقال أيضا في ص 328: وكذلك روي عن الإمام على أنه في نزاع بين رجل
وامرأته، قضى بإرسال حكمين من أهله وأهلها. وسألهما: هل تدريان ما عليكما من الحق؟
إن رأيتما تجمعا جمعتما، وإن رأيتما تفرقا فرقتما. فقالت المرأة: رضيت بكتاب الله
على ولي. وقال الرجل: أما الفرقة فلا. فأجابه علي: كذبت، حتى ترضى بما رضيت به.
وهكذا، أقر على للحكمين حق التجمع والتفريق بدون توكيل أو إذن من الزوج. وقال أيضا
في ص 361: وقد أوجب الإمام علي المهر أيضا في شبهة الزواج. مثاله خطب رجل إلى رجل
من أهل الشام ابنته من امرأة عربية فزوجه إياها. ولكن زف له أختها من أبيها ومن
أمها الأعجمية. فلما عرف الزوج بالأمر، رفعه إلى الإمام علي. فقضى بالمهر للمرأة
التي دخل بها بالشبهة، وقضى له بالابنة العربية وأوجب على أبيها مهرها. وأمر الزوج
أن لا يقرب زوجته حتى تنقضي عدة أختها.
ص 183
وكذلك في قضية شبيهة: تزوج أخوان أختين، فزفت كل منهما إلى أخي زوجها، فأصابها.
فقضى الإمام علي على كل من الزوجين بصداق لمن أصابها بالشبهة، وجعل له أن يرجع به
على الذي غره. وقال في ص 364: أما الإمام علي، فمن أقضيته في هذه المسألة أن رجلا
سمى لإمرأته مهرا مؤجلا، ثم بعد الدخول رفع أمره إلى علي، فقضى عليه بتأدية المهر،
وقال له: لا أجل لك في مهرها، إذا دخلت بها فحقها حال، فأد إليها حقها. وقال في ص
444: ومن أقضية الإمام أن رجلا وجد صرة، فيها ألف وخمسمائة درهم، في خربة في السواد
(العراق). فأفتاه علي: إن كنت وجدتها في قرية يؤدي خراجها قوم، فهم أحق بها منك.
وإن كنت وجدتها في قرية ليس يؤدي خراجها أحد، فخمسها لبيت المال، وبقيتها لك؟ وقال
في ص 447: من أتلف مال غيره بدون حق، كان ضامنا. مثاله، قال الإمام علي: من خرق
ثوبا، أو أكل طعاما، أو كسر عودا، ومن ركب دابة غيره، كان ضامنا للضرر الحاصل من
التعدي والإتلاف. وقال أيضا بأن من يستعين بمملوك غيره أو بغلام صغير بغير إذن أهله
فهو لهما ضامن. وقال أيضا في ص 466: ومن أقضية الإمام علي في ذلك أن رجلين اختصما
إليه، فادعى أحدهما أنه باع من آخر عددا من القواصر، أي أوعية التمر، واستثنى منها
خمس قواصر لا يعلم
ص 184
محتوياتها. فقضى علي بفساد البيع للجهالة لكنه أجاز بيع المجازفة، أي بيع المقدرات
بمجموعها بلا تقدير. وهو قول جمهور الفقهاء. وقال أيضا في ص 494: في كراء الداوب،
يرعى شرط العقد. فقد سئل الإمام علي عمن يستكري دابة، ويجاوز بها الشرط. فأجاب أنه
يضمن لصاحبها الضرر. وإن قصرت الدابة عن بلوغ الشرط، واستكرى المستأجر دابة أخرى،
فالإمام علي قضى لصاحب الدابة بقدر من الأجرة حسبما بلغت. أما إذا استكرى رجل بعيرا
بعينه ثم هلك، فليس لصاحبه أن يؤمن له غيره، ولا أن يطالبه بأي ضمان. وقال أيضا في
ص 505: دفع رجلان من قريش مائة دينار إلى امرأة، واشترطا عليها أن لا تعيد الوديعة
إلا إليهما مجتمعين. وبعد مرور حول، جاء أحدهما وزعم أن رفيقه قد مات، وطلب استعادة
الوديعة. فرفضت المرأة، فاختصما إلى الفاروق، الذي أوشك أن يحكم عليها. ولكن بناء
على طلبها، أحال القضية إلى الإمام علي. فعرف الإمام مكر المودعين، فقضى برد
الدعوى، وقال للمدعي: أليس قلتما لا تدفعيها إلى واحد دون صاحبه؟ مالك عندها، فأذهب
فجئ بصاحبك حتى تدفعه إليكما. ومن أقضيته عليه السلام ما أورده جماعة فمنهم الشيخ
محمد خير المقداد في مختصر المحاسن المجتمعة في فضائل الخلفاء الأربعة (ص 180 ط
دار ابن كثير) قال: قال في الفصول المهمة في معرفة الأئمة جاء رجلان إلى النبي
صلى الله عليه
ص 185
وسلم، وقال أحدهما: يا رسول الله إن بقرة هذا قتلت حماري، فبادر الرجل وقال: لا
ضمان على البهائم، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم عليا أن يقضي بينهما، فقال: أكانا
مرسلين أم مشدودين؟ أم أحدهما مشدود والآخر مرسل؟ فقالا: كان الحمار مشدودا والبقرة
مرسلة، وصاحبها معها، فقال علي رضي الله عنه: صاحب البقرة ضامن الحمار، فأمضى النبي
صلى الله عليه وسلم حكمه. ومنهم العلامة محمد بن علي الحنفي المصري في إتحاف أهل
الإسلام (ق 65 نسخة مكتبة الظاهرية بدمشق) قال: وسبب قوله صلى الله عليه وسلم:
علي أقضاكم، ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان جالسا فجاءه، خصمان - فذكر
الحديث مثل ما تقدم عن السمير المهذب . ومنهم العلامة حسام الدين المردي الحنفي
في آل محمد (ص 48) قال: قوله صلى الله عليه وسلم: اقض بينهما يا علي. أخرجه
الحاكم في أحاديث أبي بكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان جالسا مع جماعة من
أصحابه فجاءه خصمان - فذكر الحديث الشريف، ثم قال في آخره: فرفع رسول الله صلى الله
عليه وسلم يده إلى السماء فقال: الحمد لله الذي جعل مني من يقضي بالقضاء البينة.
وقال أيضا في ص 48: أخرج الإمام أحمد في المناقب يرفعه بسنده إلى عن حميد بن أبي
عبد الله قال: ذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم ما قضى به علي فأعجبه فقال: الحمد
لله الذي جعل فينا أهل البيت الحكم. ومنهم العلامة المولوي ولي الله اللكهنوي في
مرآة المؤمنين (ق 71 المخطوط) قال:
ص 186
وعن حميد بن عبد الله بن يزيد المدني قال: ذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم قضاء
علي فأعجب النبي صلى الله عليه وسلم فقال - فذكر مثل ما تقدم. ومنهم الفاضل المعاصر
السيد علي فكري ابن الدكتور محمد عبد الله يتصل نسبه بالحسين عليه السلام القاهري
المصري المولود سنة 1296 والمتوفى 1372 بالقاهرة في كتابه السمير المهدب (ج 2 ص
119 ط دار الكتب العلمية في بيروت سنة 1399) قال: حكي أن النبي صلى الله عليه وسلم
كان جالسا مع جماعة من الصحابة فجاءه خصمان فقال أحدهما: إن لي حمارا، وإن لهذا
بقرة، وإن بقرته قتلت حماري. فبدأ رجل من الحاضرين فقال: لا ضمان على البهائم. فقال
صلى الله عليه وسلم: اقض بينهما يا علي - فذكر الحديث مثل ما تقدم. وذكر مثله بعينه
في كتابه أحسن القصص ج 3 ص 207 ط بيروت. وجعل ذلك سببا لقوله صلى الله عليه
وسلم: أقضاكم علي. ومن جملة أقضيته عليه السلام ما رواه جماعة فمنهم الفاضل أحمد
عبد الجواد المدني في المعاملات في الإسلام (ص 26 ظ مؤسسة الإيمان) قال: عن
قتادة عن سعيد بن المسيب أن رجلا أصاب عين رجل فذهب بعض بصره وبقي بعض، فرفع ذلك
إلى علي رضي الله عنه فأمر بعينه الصحيحة فعصبت، فأمر رجلا ببيضة فانطلق بها وهو
ينظر حتى انتهى بصره، ثم خط عند ذلك علما، ثم نظر في ذلك فوجدوه سواء، فأعطاه بقدر
ما نقص، ثم حط عنها من مال الآخر. أخرجه
ص 187
البيهقي في السنن الكبرى. ومنهم الفاضلان المعاصران الشريف عباس أحمد صقر وأحمد عبد
الجواد المدنيان في جامع الأحاديث (القسم الثاني ج 4 ص 588 ط دمشق) قالا: عن
الحكم بن عيينة قال: لطم رجل رجلا فذهب بصره وعينه قائمة، فأرادوا أن يقيدوه، فلم
يدروا كيف يصنعون. فأتاهم علي رضي الله عنه فأمر به فجعل على وجهه كرسف، ثم استقبل
به الشمس وأدنى من عينه مرآة فالتمع بصره وعينه قائمة. (عب). ومن أقضيته عليه
السلام ما رواه جماعة فمنهم الأستاذ محمد المنتصر الكتاني الأستاذ بجامعة أم القرى
بمكة المكرمة في معجم فقه السلف عترة وصحابة وتابعين (ج 8 ص 75 ط مطابع الصفا
بمكة المكرمة) قال: قتل رجل في الطواف، فاستشار عمر الناس؟ فقال علي: ديته على
المسلمين أو في بيت المال. ازدحم الناس في المسجد الجامع بالكوفة يوم الجمعة،
فأفرجوا عن قتيل، فوداه علي بن أبي طالب من بيت المال. ومن أقضيته أيضا ما رواه في
الكتاب السابق: وقضي علي بن أبي طالب في ستة غلمة كانوا يتغاطون في النهر، فغرق
أحدهم، فشهد اثنان على ثلاثة أنهم غرقوه، وشهد ثلاثة على اثنين أنهما غرقاه، فجعل
علي بن أبي طالب: ثلاثة أخماس الدية على الاثنين، وخمسي الدية على الثلاثة.
ص 188
ومنهم الفاضل المعاصر محمد الأمين بن محمد المختار الجكني الشنقيطي في أضواء
البيان في إيضاح القرآن بالقرآن (ج 4 ص 625 ط عالم الكتب - بيروت) قال: ومنها أن
عليا رضي الله عنه لما كان باليمن أتاه ثلاثة نفر يختصمون في غلام، فقال كل منهم:
هو ابني. فأقرع بينهم، فجعل الولد للقارع وجعل للرجلين الآخرين ثلثي الدية، فبلغ
ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فضحك حتى بدت نواجذه من قضاء علي رضي الله عنه. ومنهم
الفاضل المعاصر محمد حميد الله في مجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة
الراشدة (ص 168 ط دار النفائس - بيروت) قال: عن زيد بن أرقم قال: كنت عند النبي
عليه السلام إذ أتاه كتاب من علي باليمن، فذكر أن ثلاثة نفر يختصمون في غلام. وذكر
نحوا من القصة، وقال: فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه، ثم قال:
لا أعلم فيها إلا ما قضى علي. وقال محشي الكتاب: حديث زيد بن أرقم في قضاء علي في
نسب الولد رواه البيهقي في شعب الإيمان، ورواه ابن شيبة، وأحمد في مسنده، ورواه أبو
داود والنسائي بلفظ: كنت جالسا عند النبي صلى الله عليه وسلم - فذكر الحديث مثل ما
تقدم وذكر في آخره: ضحك النبي صلى الله عليه وسلم. ومنهم الفاضل المعاصر أحمد حسن
الباقوري المصري في علي إمام الأئمة (ص 198 ط دار مصر للطباعة) قال: ومن أقضيته
كرم الله وجهه قضاؤه في مولود تنازعه ثلاثة نفر كلهم يدعيه لنفسه، وكان أولئك
الثلاثة قد وقعوا على أم ذلك الولد في طهر واحد. فدعا كرم الله وجهه باثنين منهم -
فذكر الحديث مثل ما تقدم، وفي آخره: ضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه.
ص 189
ومنهم الأستاذ محمد سعيد زغلول في فهارس المستدرك للحاكم (ص 692 ط بيروت) قال:
قضاء علي في ثلاثة وقعوا على امرأة في طهر واحد. 3 / 135 مستدرك عدل علي عليه
السلام في الحكومة قد تقدم نقل ما يدل عليه عن أعلام العامة في ج 8 ص 532 و540 وج
18 ص 9 و11 ومواضع أخرى، ونستدرك هيهنا عن الكتب التي لم نرو عنها فيما سبق: فمنهم
العلامة الحافظ شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي التركماني في
أحاديث مختارة من موضوعات الجوزقاني وابن الجوزي (ص 143 ط مكتبة الدار بالمدينة
الطبية) قال: الحاكم أبو أحمد الحافظ، أنا علي بن عبد الله بن مبشر، ثنا أحمد بن
المقدام، ثنا أبو سمير حكيم بن خذام، ثنا الأعمش، عن إبراهيم التيمي، قال: عرف علي
درعا له مع يهودي، فقال: درعي سقطت مني يوم كدا، قال اليهودي: درعي، وفي يدي، بيني
وبينك قاضي المسلمين. فلما رآه شريح، قام له من مجلسه، وجلس علي، ثم قال: لو كان
خصمي مسلما، جلست معه بين يديك، ولكني سمعت رسول الله يقول: لا تساووهم في المجلس،
ولا تعودوا مرضاهم، واضطروهم إلى أضيق الطريق، فإن سبوكم فاضربوهم، وإن ضربوكم
فاقتلوهم. فقال: درعي، فقال: صدقت يا أمير المؤمنين ولكن بينة؟ فدعا قنبرا، فشهدا
له، والحسن، فقال: أما هذاك فنعم وأما شهادة ابنك فلا، فقال: أنشدك الله أسمعت عمر
يقول: قال رسول الله صلى الله عليه
ص 190
وسلم: الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة؟ قال: اللهم نعم، فأمضى شهادة الحسن،
والله لتخرجن إلى بانقيا، فلتقضين بين أهلها أربعين يوما، قال: ثم سلم الدرع إلى
اليهودي، فقال اليهودي: أمير المؤمنين مشين معي إلى قاضيه، فقضى عليه فرضي به، صدقت
أنها لدرعك، التقطتها، وأسلم، فقال علي: الدرع لك، وهذا الفرس لك، وفرض له، وقتل
بصفين. ومنهم الحافظ الشيخ جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد السيوطي
المتوفى سنة 911 في كتاب مسند على بن أبى طالب (ج 1 ص 246 ط المطبعة العزيزية
بحيدر آباد، الهند) قال: عن إبراهيم بن يزيد التيمي، عن أبيه قال: وجد علي بن أبي
طالب رضي الله عنه درعا له عند يهودي التقطها فعرفها، فقال: درعي سقطت - فذكر
الحديث باختلاف يسير في اللفظ. وقال في ص 346: عن ميسرة عن شريح قال - فذكر الحديث
مثل ما تقدم باختلاف يسير. ومنهم العلامة المؤرخ محمد بن مكرم المشتهر بابن منظور
المتوفى سنة 711 في مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر (ج 18 ص 63 ط دار الفكر) قال:
قال الشعبي: وجد علي بن أبي طالب درعه عند رجل نصراني، فأقبل به إلى شريح يخاصمه -
فذكر الحديث مثل ما تقدم عن الذهبي باختلاف يسير. ومنهم العلامة القاضي أبو الحسن
علي بن محمد الماوردي الشافعي المتوفى سنة 450 في أدب القاضي (ص 208) قال: روى
أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه اختصم مع يهودي وجد معه درعا
ص 191
ضاعت منه يوم الجمل إلى شريح، فلما دخلا عليه قام شريح عن مجلسه حتى جلس فيه علي،
وجلس شريح واليهودي بين يديه. فقال علي: لولا أن خصمي ذمي لجلست مع خصمي بين يديك،
ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا تساووهم في المجلس. ومنهم العلامة
زين الدين عمر بن مظفر الشهير بابن الوردي المتوفى سنة 749 في تتمة المختصر في
أخبار البشر (ص 62 من مخطوطة إحدى مكاتب اسلامبول) قال: وحاكم علي نصرانيا في درع
إلى شريح، فقال شريح لعلي: ألك بنية؟ قال: لا، وهو يضحك وأخذ النصراني الدرع ومشى
يسيرا ثم عاد وقال: أشهد أن هذه أحكام الأنبياء، ثم أسلم واعترف بسقوط الدرع من
علي، ففرح بإسلامه ووهبه الدرع وفرسا وشهد معه الخوارج وقتل. ومنهم الشريف أبو
الحسن علي الحسني الندوي في المرتضى سيرة سيدنا أبي الحسن علي بن أبي طالب (ص
181 ط دار القلم - دمشق) فذكر الحديث. ومنهم الفاضل المعاصر المحامي الدكتور صبحي
محمصاني في تراث الخلفاء الراشدين في الفقه والقضاء (ص 591 ط دار العلم
للملايين - بيروت) فأشار إلى قصة الدرع المفقودة. ومنهم الفاضل المعاصر يوسف
المرعشلي في كتابه فهرس تلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير (ص 205 ط
دار المعرفة - بيروت) فأشار إلى قصة الدرع المفقودة.
ص 192
ومنهم الفاضل الشيخ قرني طلبة البدوي في العشرة المبشرة بالجنة (ص 212 ط محمد
علي صبيح بمصر) فذكر قصة الدرع المفقودة كما تقدم. ومنهم العلامة الشيخ أبو المعالي
محمد بن الحسن بن محمد بن علي ابن حمدون في التذكرة الحمدونية (ص 403 ط بيروت)
قال: وروي أن عليا عليه السلام وجد درعا له عند يهودي - فذكر قصة الدرع كما تقدم عن
الذهبي باختلاف في اللفظ. ومنهم العلامة الشيخ أبو الوليد إسماعيل بن محمد المشتهر
بابن رأس عتمة الإشبيلي في مناقل الدرر ومناقب الزهر (ق 34 والنسخة مصورة من
مكتبة جستربيتي بإيرلندة) قال: استعرف علي رضي الله عنه درعا له بيد يهودي - فذكر
الحديث مثل ما تقدم عن الذهبي باختلاف يسير. ومنهم الفاضلان المعاصران الشريف عباس
أحمد صقر والشيخ أخمد عبد الجواد المدنيان في جامع الأحاديث (القسم الثاني ج 3
ص 743 ط دمشق) قالا: عن إبراهيم بن يزيد التيمي عن أبيه قال: وجد علي بن أبي طالب
رضي الله عنه درعا له عند يهودي التقطها فعرفها - فذكر مثل ما تقدم عن الذهبي
باختلاف قليل. ورويا في ج 4 ص 49 عن ميسرة عن شريح مثل ما تقدم. وفيه: وخرج مع علي
عليه السلام يقاتل السراة بالنهروان فقتل. ومنهم العلامة يحيى بن الموفق بالله
الشجري المتوفى سنة 499 في الأمالي (ج 2ص 235 ط القاهرة) قال:
ص 193
أخبرنا أبو القاسم عبيد الله بن أحمد بن عثمان بقراءتي عليه، قال: حدثنا أبي، قال:
حدثنا أحمد بن محمد بن يزيد ومحمد بن مخلد، قالا: حدثنا علي بن عبد الله بن معاوية،
عن ميسرة بن شريح القاضي، قال: حدثني أبي، عن أبيه معاوية، عن ميسرة، عن شريح قال:
لما توجه علي عليه السلام إلى حرب معاوية - فذكر مثل ما تقدم عن الذهبي باختلاف
يسير في اللفظ. ومنهم العلامة المعاصر الشيخ محمد العربي التباني الجزائري المكي في
تحذير العبقري من محاضرات الخضري (ج 2 ص 130 ط بيروت سنة 1404) قال: ومنها قال
الشعبي: وجد علي رضي الله تعالى عنه درعا له عند نصراني - فذكر مثل ما تقدم. ومنهم
العلامة أبو الجواد البتروني الحنفي في الكوكب المضئ في فضل أبي بكر وعمر وعثمان
وعلي (ق 50 نسخة مكتبة السلطان أحمد الثالث بإسلامبول) قال: وقال الشعبي: وجد علي
بن أبي طالب عليه السلام درعه عند رجل نصراني - فذكر مثل ما تقدم عن الذهبي باختلاف
يسير. ومنهم العلامة الحافظ أبو الحسن علي بن عمر الدارقطني البغدادي المتوفى سنة
385 في المؤتلف والمختلف (ج 4 ص 2101 ط دار الغرب الإسلامي - بيروت 1406) قال:
أخبرنا أبو أحمد الجريري محمد بن أحمد بن يوسف، حدثنا أحمد بن الحارث الخزاز، حدثنا
أبو الحسن المدائني، عن منازل بن سلام، عن مجالد، عن الشعبي، قال: ضاع درع لعلي
عليه السلام يوم الجمل - الحديث. ومنهم الفاضل المعاصر إبراهيم محمد الجمل في
مواعظ الصحابة في الدين
ص 194
والحيا (ص 28 ط الدار المصرية اللبنانية) ذكر القصة الدرعية عن الحاكم والترمذي
عن الشعبي، وقال في ص 20 بعد نقلها: وأخرجه الحاكم في الكنى وأبو نعيم في الحلية من
طريق إبراهيم بن زيد التيمي عن أبيه مطولا. ومنهم الدكتور أحمد الحصري أستاذ الفقه
المقارن بكلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر في الدولة وسياسة الحكم في الفقه
الإسلامي (ج 2 ص 130 ط مكتبة الكليات الأزهرية - القاهرة) فذكر قصة الدرع. ومنهم
الفاضل المعاصر الشيخ محمد عبد الخالد عبد القادر عطا في تعاليقه على أدب القضاء
للشيخ شهاب الدين إبراهيم بن عبد الله المشتهر بابن أبي الدم (ص 83 ط دار الكتب
العلمية - بيروت) فذكر قصة الدرع. ومنهم الفاضل المعاصر محمد سيد أحمد الأقرع إمام
مسجد المفشاوي بطنطا المصري في الخطبة المنبرية (ص 118 ط المختار الإسلامي -
القاهرة) فذكر قصة الدرع. ومنهم الفاضل المعاصر عبد الأعلى مهنا في طرائف الخلفاء
والملوك (ص 29 ط 1 دار الكتب العلمية بيروت) فذكر قصة الدرع.
ص 195
حديث آخر رواه جماعة من أعلام العامة في كتبهم: فمنهم المحامي الدكتور صبحي محمصاني
في تراث الخلفاء الراشدين في الفقه والقضاء (ص 159 ط دار العلم للملايين -
بيروت) فذكر قصة الدرع المفقودة - إلى أن قال: وأسلم اليهودي فدفع إليه الدرع تبرعا
ثم توجه هذا مع علي عليه السلام يقاتل معه في النهروان حتى استشهد. ثم قال: ومن
أشباه هذه القضية أن الإمام عليا وجد عند ابن قفل التيمي درع رجل قتل في معركة يوم
الجمل، وادعى هذا أنه اشتراها بأربعة آلاف درهم، ولما اختصما إلى القاضي شريح وجلسا
بين يديه تناظرا، ثم سأل القاضي عليا إثبات دعواه، فجاء بعبد الله بن جعفر ومولى
له، فشهدا لكن القاضي لم يقبل شهادة المولى لمن هو عنده فرد الدعوى. حديث آخر رواه
جماعة من أعلام العامة في كتبهم: فمنهم الفاضل المعاصر عبد الأعلى مهنا في طرائف
الخلفاء والملوك (ص 30 ط دار الكتب العلمية، بيروت) قال: استعدى رجل على علي بن
أبي طالب عليه السلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه وعلي جالس، فالتفت إليه فقال: قم
يا أبا الحسن فاجلس مع خصمك. فقام فجلس معه وتناظرا، ثم انصرف الرجل ورجع علي إلى
محله، فتبين عمر التغير في وجهه فقال: يا أبا الحسن، ما لي أراك متغيرا أكرهت ما
كان؟ قال: نعم قال: وما ذاك؟ قال: كنيتني بحضرة خصمي، هلا قلت: قم يا علي فاجلس مع
خصمك.
ص 196
فاعتنق عمر عليا وجعل يقبل وجهه وقال: بأبي أنتم بكم هدانا الله، وبكم أخرجنا من
الظلمات إلى النور. ومنهم الفاضل المعاصر المحامي الدكتور صبحي محمصاني في تراث
الخلفاء الراشدين في الفقه والقضاء (ص 159 ط دار العلم للملايين - بيروت) فذكر
مثل ما تقدم عن طرائف الخلفاء الملوك بعينه. ومنهم الفاضل المعاصر توفيق علي
وهبة في دور المرأة في المجتمع الإسلامي (ص 39 ط دار اللواء - الرياض) قال:
ولقد شكا يهودي عليا رضي الله عنه وكرم الله وجهه إلى عمر بن الخطاب في خلافة سيدنا
عمر، فلما مثلا بين يديه خاطب عمر اليهودي باسمه، بينما خاطب عليا بكنيته فقال له:
يا أبا الحسن حسب عادته في خطابه معه، فظهرت آثار الغضب على وجه علي، فقال عمر:
أكرهت أن يكون خصمك يهوديا، وأن تمثل معه أمام القضاء على قدم المساواة؟ فقال علي:
لا، ولكني غضبت لأنك لم تسو بيني وبينه، بل فضلتني عليه إذ خاطبته باسمه، بينما
خاطبتني بكنيتي. ومنهم العلامتان الشريف عباس أحمد صقر وأحمد عبد الجواد في القسم
الثاني من جامع الأحاديث (ج 3 ص 681 ط دمشق) قالا: عن علي بن ربيعة قال: جاء
جعدة بن هبيرة إلى علي رضي الله عنه فقال: يا أمير المؤمنين يأتيك الرجلان أنت أحب
إلى أحدهما من نفسه - أو قال: من أهله وماله - والآخر لو يستطيع أن يذبحك لذبحك،
فتقضي لهذا على هذا؟ قال: فلهزه علي وقال: هذا شيء لو كان لي فعلت، ولكن إنما ذا
شيء لله. (كر). ومنهم العلامة المعاصر الشيخ محمد التباني الجزائري المكي في
تحذير العبقري
ص 197
من محاضرات الخضري (ج 2 ص 130) قال: وقال له جعدة بن هبيرة: يا أمير المؤمنين
يأتيك الرجلان - فذكر مثل ما تقدم عن جامع الأحاديث . ومنهم الفاضل المعاصر
الدكتور محمد عبد الرحمن البكر في السلطة القضائية وشخصية القاضي في النظام
الإسلامي (ص 707 ط الزهراء للإعلام العربي) قال: ولى علي رضي الله عنه أبا الأسود
ثم عزله فقال له: لم عزلتني وما خنت؟ قال: إني رأيتك يعلو كلامك على الخصمين. وقال
في ص 409: فهذا شريح القاضي يقضي ليهودي على علي بن أبي طالب، وهو يومئذ أمير
المؤمنين. ومنهم الحافظ أبو العلي محمد بن عبد الرحمن بن عبد الرحيم المباركفوري
الهندي المتوفى سنة 1353 في تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي (ج 1 ص 451 ط دار
الفكر في بيروت) قال: وروي أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه دخل معه خصم له ذمي إلى
القاضي شريح، فقام له، فقال: هذا أول جورك، فأسند ظهره إلى الجدار، وقال: أما إن
خصمي لو كان مسلما لجلست بجنبه. ومنهم الفاضل المستشار عبد الحليم الجندي في
الإمام جعفر الصادق عليه السلام (ص 313 ط المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية -
القاهرة) قال: لقد خطب في اليوم التالي لمبايعته فقال: أما بعد ألا لا يقولن رجال
منكم غدا
ص 198
قد غمرتهم الدنيا فاتخذوا العقار وفجروا الأنهار وركبوا لخيول الفارهة واتخذوا
الوصائف الرقيقة وصار ذلك عليهم عارا وشنارا، إذا ما منعتهم ما كانوا يخوضون فيه
وأصرتهم إلى حقوقهم التي يعلمون، فينقمون ذلك ويستنكرون ويقولون حرمنا ابن أبي طالب
حقوقنا. فلما كان الغد غدا الناس لقبض حقوقهم، فأمر كاتبه عبيد الله بن أبي رافع أن
يبدأ بالمهاجرين، وأعطى كل من حضر منهم ثلاثة دنانير، ثم ثنى بالأنصار ثم سائر
الناس كلهم، سوى بينهم الأحمر فيهم والأسود، فقال له سهل بن حنيف: هذا غلامي أعتقته
بالأمس. قال: نعطيه كما نعطيك ثلاثة دنانير. وقد تخلف عن هذه القسمة طلحة والزبير
وسعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عمر وسعيد بن العاص ومروان بن الحكم. وقال علي: ألا
إن كل قطيعة أقطعها عثمان وكل مال أعطاه من مال الله فهو مردود في بيت المال، فإن
الحق القديم لا يبطله شيء، ولو وجدته قد تزوج به النساء وفرقه في البلدان لرددته
إلى حاله، فإن في العدل سعة، ومن ضاق عنه الحق فالجور عنه أضيق. ولما جاءته امرأتان
فسوى بينهما، قالت إحداهما: إني امرأة من العرب وهذه أعجمية، فقال: إني لا أرى لبني
إسماعيل في هذا الغني فضلا على بني إسحاق. وغضب البعض مما يصنع أمير المؤمنين. وكتب
عمرو بن العاص إلى معاوية يقول: ما كنت صانعا فاصنع. ودعى البعض في السير إلى رفض
علي لمساواته بينهم وبين الأعاجم، ولما بلغه ذلك صعد المنبر متقلدا سيفه وقال: ليس
لأحد عندنا فضل إلا بطاعة الله وطاعة الرسول، قال الله تعالى: (يا أيها الناس إنا
خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم).
ثم صاح بأعلى صوته: (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن توليتم فإن الله لا يحب
ص 199
الكافرين). في هذه الأيام الأولى وضح منهاجه الدستوري: المساواة في الحقوق والعدل
بين الناس. ومنهاجه الاقتصادي: المساواة في العطاء بين فئات الشعب. ومنهاجه
الاجتماعي: ليس في الإسلام شريف ومشروف، ولا أحمر وأسود، ولا عربي وأعجمي، وإنما
أكرم الناس أتقاهم. وكان عدله مع الذين حاربوه أو كفروه أو قتلوه دروسا في الفقه:
روى الغزالي في المستصفى أن قضاته استشاروه في شهادة الخوارج بالبصرة فأمر بقبولها
كما كانت تقبل قبل خروجهم عليه، لأنهم إنما حاربوا على تأويل، وفي رد شهادتهم تعصب
وإثارة خلاف، حتى قاتله عبد الرحمن بن ملجم نهى عن المثلة به. وبالمساواة التي هي
خصيصة الإسلام الأولى، بعد التوحيد، أهرع أبناء البلاد المفتوحة من غير العرب إلى
اعتناق الإسلام، ثم اختار كثير منهم الانضمام تحت لواء الشيعة. ولما سادت الدعوة
لأهل البيت في خراسان أقبلت جيوشها تقيم دولة الدين على أنقاض بني أمية وبني مروان،
وكانت تولية الرضا من أهل البيت والتسوية بين الموالي والعرب، شعار الدولة التي
أقامها أبو مسلم الخراساني والتي سرقها بنو العباس من بني علي، كما أوضحنا قبل.
ولقد وهم الذين نسبوا أسباب التشيع في خراسان إلى ما زعموه من تشابه تتابع الخلافة
النبوية والدينية في بيت الرسول، وتوارث الملك عند الفرس في الدولة الكسروية، وحكم
كسرى بالحق الآلهي. فلقد ترك الفرس دين كسرى بتمامه إلى الإسلام وقواعده. إنما كانت
تفرقة الولاة والحكام بين العجم وبين العرب سببا لتصبح المساواة صيحة التجمع منهم
على أمير المؤمنين علي وبنيه. وكان أهل البيت مضطهدين.
ص 200
تهوي إليهم الأفئدة، وكانوا شجعانا يستشهدون، فاجتمع على إيجاب الانضمام إليهم
الدين والعقل والمصلحة، وهي دوافع كافية للجهاد ضد بني أمية. أما زعم الزاعمين أن
إصهار الحسين إلى الفرس في أم زين العابدين كان سببا لتشيعهم، فينقضه أن ابني عمر
وأبي بكر أصهرا إليهم في أختين لها، ومع ذلك لم يتعصب الفرس لأبويهما. لا مراء كان
طلب المساواة هو الباعث على التشيع لعلي، من قوم سلبت حقوقهم في المساواة، وهم في
قمة المجتمع العلمي والديني، يحملون مسئوليات الدين الجديد مع العرب. والدول
العظيمة، والحروب الدامية، وتغيير التاريخ، لا يحدثها الغضب من أجل النسب. وإنما
تحدثها المبادئ الخالدة والبطولات الرائعة وابتغاء مستقبل أفضل. وتفسير التاريخ على
أساس النسب تفسير أوربي يدفع المستشرقين إليه سوابق الزواج السياسي بين ملوكهم
وحروب الوراثة بين دولهم. وقال أيضا في هامش ص 314: كان بنو أمية يجعلون للعرب درجة
على الموالي وسمى العرب الموالي بالعلوج. بل قال جرير: قالوا نبيعكه بيعا فقلت لهم
* بيعوا الموالي واستغنوا عن العرب والمبرد يقول: وتزعم الرواة أن الذي أنفت منه
جلة الموالي هذا البيت لأنه حطهم ووضعهم. وتزوج أعجمي من عربية من بني سليم،
فشكاهما محتسب إلى والي المدينة إبراهيم بن هشام صهر الخليفة عبد الملك بن مروان،
ففرق بينهما لعدم الكفاءة، وعزر الزوج لأنه ارتكب جريمة بأن ضربه مائتي جلدة ثم حلق
لحيته وشاربه. فقالوا عن الموالي: