الصفحة السابقة الصفحة التالية

شرح إحقاق الحق (ج32)

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب

ص 501

ولعل ما ذكره ابن الأثير في تاريخه الكامل يعبر عن هذا المعنى في وضوح وصراحة حيث قال: إن مروان بن الحكم وقف على طلحة والزبير بعد خروجهما فقال: على أيكما أسلم بالإمرة وأؤذن بالصلاة؟ فقال عبد الله بن الزبير: على أبي، وقال محمد بن طلحة: على أبي. وقد ظهر هذا الخلاف بين طلحة والزبير والتنافس على الدنيا لأصحابهما حتى قال بعضهم: والله لو ظفرنا وانتصرنا على علي لاقتتلنا، لأن الزبير ما كان يترك الخلافة لطلحة ولا كان طلحة يتركها للزبير. ولقد قال سعد بن العاص لطلحة والزبير: أخبراني وأصدقاني إن ظفرتما لمن تجعلان الأمر؟ قالا نجعله لأحدنا أينا اختاره الناس، قال: بل تجعلونه لولد عثمان، فإنكم خرجتم تطلبون بدمه، فقالا: ندع شيوخ المهاجرين ونجعلها لأيتام؟ وقد عمل طلحة والزبير على استمالة عبد الله بن عمر فأتياه فقالا: يا أبا عبد الرحمن إن أمنا عائشة خفت لهذا الأمر رجاء الإصلاح بين الناس فاشخص معنا فإن لك بها أسوة، فإن بايعنا الناس فأنت أحق بها، فقال: أيها الشيخان: أتريدان أن تخرجاني من بيعتي ثم تلقياني بين مخالب ابن أبي طالب؟ أن الناس إنما يخدعون بالدينار والدرهم، وإني قد تركت هذا الأمر عيانا في عافية أنالها، واعلما أن بيت عائشة خير لها من هودجها، وأنتما المدينة خير لكما من البصرة، والذل خير لكما من السيف، ولن يقاتل عليا إلا من كان خيرا منه، فاكفياني أنفسكما. ولكن هذه النصيحة الغالية من عبد الله بن عمر لم تأت بالثمرة المرجوة، فصمم طلحة والزبير على المضي في طريقهما مع عائشة وقد استطاعوا تجهيز جيش يبلغ عدده ثلاثة آلاف رجل واتفقوا على الخروج إلى البصرة ليقطعوا على الخليفة أمله في العراق فتخرج من طاعته، وكتبوا إلى معاوية في الشام بما فعلوه حتى يمضي هو الآخر في طريقه من إخراج الشام على الخليفة. ثم خرجوا إلى البصرة وكان أميرها من قبل علي هو عثمان بن حنيف، فلما وصلته

ص 502

الأنباء بقرب وصولهم أرسل إليهم عمران بن حصين وأبا الأسود الدؤلي ليستطلعا خبرهم، وقد اتصلا بعائشة وقالا لها: إن أميرنا بعثنا إليك لنسألك عن مسيرك فهل أنت مخبرتنا؟ فقالت: والله ما مثلي يغطي لبنيه الخير، إن الغوغاء من أهل الأمصار ونزاع القبائل غزوا حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحدثوا فيه وآووا المحدثين، فاستوجبوا لعنة الله ولعنة رسول الله صلى عليه وسلم مع ما نالوا من قتل إمام المسلمين بلا ترة ولا عذر، فاستحلوا الدم الحرام وسفكوه، وانتهبوا المال الحرام، وأحلوا البلد الحرام والشهر الحرام، فخرجت في المسلمين أعلمهم ما أتى هؤلاء الناس فيه وراءنا، وما ينبغي أن يكون لإصلاح هذا الأمر، تنهض في الإصلاح بما أمر الله ورسوله، الصغير والكبير والذكر والأنثى إلى معروف نأمركم به ومنكر ننهاكم عنه ثم قرأت (لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما). فخرج عمران وأبو الأسود من عندها فأتيا طلحة فقالا له: ما الذي أقدمك؟ قال: الطب بدم عثمان، فقالا: ألم تبايع عليا؟ فقال: بلى، بايعته والسيف على عنقي. ثم أتيا الزبير فقالا له مثل قولهما لطلحة، وقال لهما مثل قول طلحة، فرجع الرجلان إلى عثمان بن حنيف فأخبراه يما ظهر لهما وبما يتوقعان من شر وفتنة، فقال عثمان وقد أخذه العجب واستبد به الألم: إنا لله وإنا إليه راجعون، دارت رحى الإسلام ورب الكعبة فانظروا كيف تجري الأمور. ثم نادى عثمان في الناس وأمرهم بأن يلبسوا السلاح ويتجهزوا للقتال. وقد وقف الفريقان وجها لوجه والتقى المسلمون بسيوفهم، ولسنا نحب أن نخوض بكم في أحشاء تلك المعركة ولكنها كانت معركة حامية وانجلت عن قتل من غزوا المدينة وهم هؤلاء الذين كانوا حرضوا على قتل عثمان أو اشتركوا في تلك الفتنة من أهل البصرة سوى حرقوص بن زهير السعدي فإن عشيرته من بني سعد منعوه لما التجأ إليهم بعد هزيمة أصحابه. وقد قبض على عثمان بن حنيف وضرب بالسياط

ص 503

وأرادوا قتله لولا أن السيدة عائشة أمرت بإخلاء سبيله بعد أن حلق القوم لحيته وحاحبيه وأشفار عينيه فمسخوه مسخا لا يقره الإسلام في غير مسلم. وقد أرسلت عائشة إلى أهل الشام بهذا النصر لتشجيعهم على أن يمدوها بالجنود والمال حتى إذا التقت بعد ذلك مع علي كان انتصارها عليه مرجوا غير بعيد المنال. وأما علي فإنه لم يكن ميالا لقتال عائشة، وكان يتمنى أن ينتهي الأمر بصلح يحقن الدماء ويصون الحرمات، وكان علي يقدر الخسارة الفادحة التي تلحق الغالب والمغلوب إذا نشبت الحرب من جديد. وبدلنا على ذلك أنه أرسل القعقاع بن عمرو لينصح عائشة وأنصارها ويحذرهم عاقبة الاستمرار في الخلاف والشقاق، وكادت النصيحة تأتي بالثمرة المرجوة. إلى أن قال: فوقعت الواقعة بين علي وعائشة، والتقى الجمعان، فئة كبيرة مسلمة يقرب عددها من ثلاثين ألفا وعلى رأسهم عائشة وطلحة والزبير. وفئة كبيرة مسلمة كذلك تقرب منها في العدد والعدة وعلى رأسهم علي بن أبي طالب. وخرج الزبير على فرس له وقد تقلد سلاحه ومعه طلحة بن عبيد الله وقد ناقشهما علي في أمر خروجهما عليه وكاد الزبير يرجع حينما ذكره علي بقول الرسول له: لتقاتلنه أي عليا وأنت ظالم له، لولا أن ابنه عبد الله بن الزبير اتهمه بالجبن والخوف من سيوف علي، فرجع إلى القتال. ومهما يكن من شيء فقد نشبت المعركة وكانت عائشة في هودجها، وكان يوما عصيبا لم يره المسلمون في حياتهم. فلقد وقف شجعان أهل البصرة يلوذون بجمل عائشة حتى لا تصاب بشر، فقتل حوله عدد كبير منهم وكانوا يرتجزون برجز يدل على مدى عقيدتهم في أنهم على حق حتى أنهم يستقبلون الموت وهم فرحون مستبشرون، فيقول قائلهم: * نحن بنو ضبة أصحاب الجمل نبارز القرن إذا القرن نزل *

ص 504

ننعى ابن عفان بأطراف الأسل * الموت أحلى عندنا من العسل فلما رأى علي كثرة القتل حول الجمل وعرف أن الناس لا تسلمه أبدا وفيهم عين تطرف نادى في أصحابه: اعقروا الجمل، فجاء رجل من خلفه وعقره فسقط وسقط الهودج فتفرق الناس وانتهت المعركة. ثم أمر علي بحمل الهودج إلى ناحية بعيدة عن ميدان القتال حتى لا تصاب أم المؤمنين بأذى، وبقيت عائشة في هودجها إلى الليل. ثم جاءها أخوها محمد بن أبي بكر فأدخلها دارا من دور البصرة، فأقامت بها أياما ثم أرادت الارتحال فجهزها علي بكل ما ينبغي لها من مال وزاد ومتاع واختار لها أربعين امرأة من نساء البصرة ليسرن معها وسير معها أخاها محمد بن أبي بكر، ولقد قالت عائشة حينئذ للناس: إنه والله ما كان بيني وبين علي في القديم إلا ما يكون بين المرأة وأحمائها أقارب زوجها، وأنه على معتبتي من الأخيار، فقال علي: صدقت وبرت وإنها لزوجة نبيكم في الدنيا والآخرة. ولما حانت ساعة الرحيل ودعها علي بنفسه. وسار بجانب الهودج حتى خارج المدينة. وسير أولاده معها مسيرة يوم، وكان ذلك في غرة رجب سنة 36 ه‍. فسارت إلى مكة وأقامت بها إلى موسم الحج، ثم توجهت إلى المدينة لتقضي البقية الباقية من أيامها. بعيدة عن النواحي السياسية متجهة إلى طاعة الله وعبادته حتى وافاها الأجل سنة 58 ه‍. وهكذا انتهت موقعة الجمل بما حملته من أوزار كبار، وقد ذهب ضحيتها عشرة آلاف من المسلمين، لم يخسر المسلمون مثلهم في أكبر المعارك التي خاضوها في سبيل الله. إلى أن قال: والمتأمل في هذه الموقعة يرى أن التبعة فيها تقع أول ما تقع على السيدة عائشة، فلقد خرجت على ولي الأمر الشرعي، ولم تسمع لنصح الناصحين حتى جرفها التيار

ص 505

وأفلت منها الزمام فتعرضت للذل والمهانة، ولقد قال لها رجل يقال له جارية بن قدامة السعدي قبل أن تبدأ المعركة: يا أم المؤمنين، والله لقتل عثمان أهون من خروجك من بيتك على هذا الجمل الملعون عرضة للسلاح، وإنه قد كان لك من الله ستر وحرمة فهتكت سترك وأبحت حرمتك، وإنه من رأى قتالك يرى قتلك. وتقع التبعة كذلك على طلحة والزبير فلقد بايعا عليا ثم نقضا بيعتهما وخرجا عليه، وقد خرجا يتهمان عليا بأنه مقصر في القصاص من قتلة عثمان مع أنهما قد ناقشاه قبل ذلك في هذه المسألة واقتنعا بوجهة نظره ووضح لهما أن عليا معذور في ارجائه عقاب هؤلاء الثوار والقتلة، وقد اتفقت على ذلك جميع المراجع التي تحت أيدينا. حيث جاء فيها أن طلحة والزبير دخلا على علي في عدد من الصحابة فقالوا: يا علي، إنا قد اشترطنا إقامة الحدود وإن هؤلاء القوم قد اشتركوا في قتل هذا الرجل أي عثمان. فقال: يا إخوتاه إني لست أجهل ما تعلمون، ولكن كيف أصنع بقوم يملكوننا ولا نملكهم، ها هم هؤلاء قد ثارت معهم عبدانكم وثابت إليه أعرابكم، وهو خلاطكم يسومونكم ما شاءوا، فهل ترون موضعا لقدرة على شيء مما تريدون؟ فقالوا: لا، قال: فلا والله لا أرى إلا رأيا ترونه أبدا إلا أن يشاء الله فاهدأوا عني وانظروا ماذا يأتيكم ثم عودوا، فكيف يقتنع طلحة والزبير بعذر علي ثم يخرجان عليه. ومنهم الفاضل المعاصر محمود شلبي في كتابه حياة الإمام علي عليه السلام (ص 407 ط دار الجيل في بيروت) فذكر سبب خروجهم واجتماعهم بمكة ومراجعة عائشة إلى مكة بعد خروجها منها وبعد سماعها بيعة المسلمين لعلي عليه السلام، واجتماع بني أمية حولها وإعانة عبد الله بن عامر الحضرمي لها وقدوم طلحة والزبير إلى مكة من المدينة وارتحالهم من مكة إلى البصرة، وقول جارية بن قدامة لعائشة: يا أم المؤمنين، والله لقتل عثمان

ص 506

أهون من خروجك من بيتك على هذا الجمل الملعون عرضة للسلاح إنه قد كان لك من الله ستر وحرمة فهتكت سترك وأبحت حرمتك، إنه من يرى قتالك يرى قتلك، لئن كنت أتيتنا طائعة فارجعي إلى منزلك، وإن كنت أتيتنا مكرهة فاستعيني بالناس - إلى آخر القصة. ومنهم العلامة أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن سعيد بن عبد الله بن سعيد بن علي ابن أحمد السلماني القرطبي المعروف بلسان الدين ابن الخطيب في رقم الحلل في نظم الدول (ص 74 ط وزارة الثقافة - دمشق) قال: ونقم على علي إسلامه عثمان، ولم يكن أسلمه، بل بعث إليه بنيه وأمرهم أن ينصروه، وتخلف عن بيعته سعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف وأسامة بن زيد. وخالف أمره طلحة والزبير وخرجا إلى مكة مع عائشة رضي الله عنها وحملوها على الطلب بدم عثمان، فحرض الناس. قالوا: لما خرجت عائشة، توجه علي إلى البصرة سنة ست وثلاثين. ووقعت بينه وبين أصحاب عائشة وقيعة يوم الجمل يوم الخميس لعشر خلون من جمادى الأولى من السنة وبرزت عائشة على الجمل قد غشيته الدروع، حتى استحر في حزبها القتل، وعقر الجمل، وقتل من أصحاب الجمل ثلاثة عشر ألفا، ومن أصحاب علي خمسة آلاف. ومنهم الفاضل المعاصر الدكتور محمد رواس قلعه جي في موسوعة فقه إبراهيم النخعي عصره وحياته (ج 1 ص 18 ط 2 دار النفائس - بيروت) قال: قدوم علي بن أبي طالب العراق ووقعة الجمل: خرج علي بن أبي طالب من المدينة المنورة في تسعمائة راكب من وجوه المهاجرين والأنصار من أهل السوابق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعهم خلق كثير من أخلاط الناس، يريد القتال

ص 507

معاوية الذي رفض مبايعته بالخلافة، والانضواء تحت لوائه، وفيما هو في بعض الطريق أتاه كتاب أخيه عقيل بن أبي طالب، يخبره فيه بخروج عائشة ومعها طلحة والزبير ومعهم أشياعهم إلى البصرة مطالبين بدم عثمان، فتوجه علي بن أبي طالب ب‍ (900) راكبا إلى الكوفة فنزل قريبا منها، وأرسل إلى أهل الكوفة كتابا يبين لهم فيه أن طلحة والزبير كانا أول من بايعه، ثم نقضا العهد، وأن خروج أم المؤمنين لم يكن إلا في ساعة غضب، فأجابه أهل الكوفة وبايعوه. ومنهم الفاضلان عبد مهنا وسمير جابر في أخبار النساء في العقد الفريد (ص 153 ط دار الكتب العلمية - بيروت) قالا: ومن حديث الجمل: الخشني، عن أبي حاتم السجستاني قال: أنشدني الأصمعي عن رجل شهد الجمل يقول: شهدت الحروب وشيبنني * فلم تر عيني كيوم الجمل أضر على مؤمن فتنة * وأفتك منه لخرق بطل فليت الظعينة في بيتها * وليتك عسكر لم ترتحل وكان جملها يدعى عسكرا حملها عليه يعلى بن منبه، وهبه لعائشة وجعل له هودجا من حديد، وجهز من ماله خمسمائة فارس بأسلحتهم وأزودتهم وكان أكثر أهل البصرة مالا، وكان ابن أبي طالب يقول: بليت بأنض الناس، وأنطق الناس وأطوع الناس في الناس، يريد بأنض الناس: يعلى بن منبه، وكان أكثر الناس ناضا، ويريد بأنطق الناس: طلحة بن عبيد الله، وأطوع الناس: عائشة أم المؤمنين. أبو بكر بن أبي شيبة عن مخلد بن عبيد عن التميمي قال: كانت راية علي يوم الجمل سوداء وراية أهل البصرة كالجمل. الأعمش، عن رجل سماه قال: كنت أرى عليا يوم الجمل يحمل فيضرب بسيفه حتى ينثني، ثم يرجع فيقول: لا تلوموني ولوموا هذا، ثم يعود ويقومه.

ص 508

ومن حديث أبي بكر بن أبي شيبة قال: عبد الله بن الزبير قال: التقيت مع الأشتر يوم الجمل، فما ضربته حتى ضربني خمسة أو ستة، ثم جر برجلي فألقاني في الخندق، وقال: والله لولا قربك من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما اجتمع فيك عضو إلى آخر. أبو بكر بن أبي شيبة قال: أعطت عائشة الذي بشرها بحياة ابن الزبير إذ التقى مع الأشتر يوم الجمل، أربعة آلاف. سعيد عن قتادة قال: قتل يوم الجمل مع عائشة عشرون ألفا، منهم ثمانمائة من بني ضبة. وقالت عائشة: ما أنكرت رأس جملي حتى فقدت أصوات بني عدي. وقتل من أصحاب علي خمسمائة رجل، لم يعرف منهم إلا علباء بن الهيثم وهند الجملي، قتلهما اليثربي، وأنشأ يقول: إني لمن يجهلني ابن اليثربي * قتلت علباء وهند الجمل عبد الله بن عون عن أبي رجاء قال: لقد رأيت الجمل حينئذ وهو كظهر القنفذ من النبل، ورجل من بني ضبة آخذ بخطامه وهو يقول: نحن بنو ضبة أصحاب الجمل * الموت أحلى عندنا من العسل ننعى ابن عفان بأطراف الأسل غندر قال: حدثنا شعبة بن عمرو بن مرة قال: سمعت عبد الله بن سلمة وكان مع علي بن أبي طالب يوم الجمل والحارث بن سويد وكان مع طلحة والزبير وتذاكروا وقعة الجمل، فقال الحارث بن سويد: والله ما رأيت مثل يوم الجمل لقد أشرعوا رماحهم في صدورنا، وأشرعنا رماحنا في صدورهم ولو شاءت الرجال أن تمشي عليها لمشت، يقول هؤلاء: لا إله إلا الله والله أكبر ويقول هؤلاء: لا إله إلا الله والله أكبر، فوالله لوددت أني لم أشهد ذلك اليوم وأني أعمى مقطوع اليدين والرجلين وقال عبد الله بن سلمة: والله ما يسرني أني غبت عن ذلك اليوم، ولا عن مشهد

ص 509

شهده علي بن أبي طالب، بحمر النعم. علي بن عاصم عن حصين قال: حدثني أبو جميلة البكاء قال: إني لفي الصف مع علي بن أبي طالب، إذ عقر بأم المؤمنين جملها، فرأيت محمد بن أبي بكر وعمار بن ياسر يشتدان بين الصفين أيهما يسبق إليها، فقطعا عارضة الرحل واحتملاها في هودجها. ومن حديث الشعبي قال: من زعم أنه شهد الجمل من أهل بدر إلا أربعة فكذبه: كان علي وعمار في ناحية، وطلحة والزبير في ناحية أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثني خالد بن مخلد عن يعقوب عن جعفر بن أبي المغيرة عن ابن أبزى قال: إنتهى عبد الله بن بديل إلى عائشة وهي في الهودج، فقال: يا أم المؤمنين، أنشدك الله، أتعلمين أني أتيتك يوم قتل عثمان، فقلت لك: إن عثمان قد قتل فما تأمرينني؟ فقتل لي ألزم عليا فوالله ما غير ولا بدل، فسكتت ثم أعاد عليها فسكتت، ثلاث مرات فقال: اعقروا الجمل فعقروه، فنزلت أنا وأخوها محمد ابن أبي بكر فاحتملنا الهودج حتى وضعنا بين يدي علي فسر به، فأدخل في منزل عبد الله بن بديل. وقالوا: لما كان يوم الجمل ما كان وظفر علي بن أبي طالب حتى دنا من هودج عائشة، كلمها بكلام، فأجابته: ملكت فأسجح، فجهزها علي بأحسن الجهاز، وبعث معها أربعين امرأة، وقال بعضهم: سبعين امرأة، حتى قدمت المدينة. عكرمة عن ابن عباس قال: لما انقضى أمر الجمل، دعا علي بن أبي طالب بآجرتين فعلاهما، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: يا أنصار المرأة، وأصحاب البهيمة، رغا فجئتم، وعقر فهربتم، ونزلتم شر بلاد، [أقربها من الماء] وأبعدها من السماء، بها مغيض كل ماء، ولها شر أسماء، هي البصرة، والبصيرة، والمؤتفكة، وتدمر. أين ابن عباس؟ قال: فدعيت له من كل ناحية، فأقبلت إليه، فقال: إيت هذه المرأة فلترجع إلى بيتها التي أمرها الله أن تقر

ص 510

فيه. قال: فجئت فاستأذنت عليها، فلم تأذن لي، فدخلت بلا إذن، ومددت يدي إلى وسادة في البيت فجلست عليها، فقالت: تالله يا بن عباس ما رأيت مثلك، تدخل بيتنا بلا إذننا وتجلس على وسادتنا بغير أمرنا، فقلت: والله ما هو بيتك، وما بيتك إلا الذي أمرك الله أن تقري فيه فلم تفعلي، إن أمير المؤمنين يأمرك أن ترجعي إلى بلدك الذي خرجت منه. قالت: رحم الله أمير المؤمنين ذاك: عمر بن الخطاب قلت: نعم، وهذا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب قالت: أبيت أبيت قلت: ما كان إباؤك إلا فواق ناقة بكيئة، ثم صرت ما تحلين ولا تمرين، ولا تأمرين ولو تنهين. قال: فبكت حتى علا نشيجها، ثم قالت: نعم أرجع، فإن أبغض البلدان إلى بلد أنتم فيه. فقلت: أما والله ما كان ذلك جزاؤنا منك إذ جعلناك للمؤمنين أما، وجعلنا أباك لهم صديقا. قالت: أتمن علي برسول الله يا بن عباس؟ قلت: نعم نمن عليك بمن لو كان منك بمنزلته منا لمننت به عليا. قال ابن عباس: فأتيت عليا فأخبرته، فقبل بين عيني وقال: بأبي ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم. وذكر جماعة وقعة الجمل ونكث طلحة والزبير البيعة وخروج عائشة من بيتها إلى البصرة وقتل جماعة من المسلمين في تلك الوقعة إلى أن عقر الجمل وأصرت عائشة وأمر أمير المؤمنين عليه السلام محمد بن أبي بكر أن يصحب أخته عائشة إلى دار أعدت لاستقبالها. ثم سرح علي عليه السلام عائشة وأرسل معها جماعة من النساء وأمر لها باثني عشر ألف من المال فارتحلت إلى المدينة. وسألت يومئذ أن يؤمن ابن أختها عبد الله بن الزبير فأمنه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وأمن مروان والوليد بن عقبة وولد عثمان وغيرهم من بني أمية وأمن الناس جميعا. وقتل في هذه المعركة طلحة والزبير اللذان أوقعا هذه الوقعة وخسرا من الدنيا والآخرة وذلك هو الخسران المبين.

ص 511

وممن ذكر هذه الوقعة: الشيخ محمد الخضرمي ابن الشيخ العفيفي الباجوري المفتش بوزارة الأوقاف في كتابه إتمام الوفاء في سيرة الخلفاء (ص 171 ط المكتبة التجارية الكبرى بمصر) والشيخ خالد محمد خالد في كتابه في رحاب علي عليه السلام (ص 118 ط دار المعارف بمصر ولبنان) والشيخ محمد رضا في كتابه الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه رابع الخلفاء الراشدين (ص 127 ط دار الكتب العلمية - بيروت) والشيخ محمد الخضري الباجوري مذكور في كتابه محاضرات تاريخ الأمم الإسلامية (ج 2 ص 49 ط المكتبة التجارية الكبرى بمصر) والفاضل المعاصر عمر رضا كحالة في كتابه المرأة في القديم والحديث (ج 6 ص 187 ط مؤسسة الرسالة - بيروت) والفاضل المعاصر أحمد عبد الغفور عطار في كتابه عائشة (ص 161 ط مكة المكرمة) والفاضل المعاصر عبد الخالق سيد أبو رابية المصري في كتابه عمرو بن العاص بين يدي التاريخ (ص 309 ط الزهراء للإعلام العربي بالقاهرة) والفاضل المعاصر علي إبراهيم حسن - أستاذ التاريخ الإسلامي في كتابه: التاريخ الإسلامي العام (ص 261 ط مكتبة النهضة المصرية) وجماعة من الفضلاء في كتاب علي بن أبي طالب - نظرة عصرية جديدة (ص 55 ط المؤسسة العربية للدراسات والنشر - بيروت)

ص 512

والحافظ أبو حاتم محمد بن أحمد التميمي البستي في السيرة النبوية وأخبار الخلفاء (ص 532 ط مؤسسة الكتب الثقافية - دار الفكر بيروت) والشريف علي فكري مصري في كتابه السمير المهدب (ج 2 ص 222 ط دار الكتب العلمية - بيروت) والفاضل حسن كامل الملطاوي في كتابه رسول الله صلى الله عليه وسلم في القرآن (ص 340 ط دار المعارف بالقاهرة) والشيخ محمد بن عبد الوهاب في كتابه مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم (ص 215 ط دار القلم - بيروت) والفاضل المعاصر الدكتور السيد عبد العزيز سالم - في كتابه تاريخ الدولة العربية منذ ظهور الإسلام حتى سقوط الدولة الأموية (ص 304 ط مؤسسة شباب الجامعة) والشيخ أبو الجود البتروني الحنفي في كتابه الكوكب المضئ في فضل أبي بكر وعمر وعثمان وعلي (ق 62 مخطوط)

ص 513

مستدرك ما صدر من شجاعته عليه السلام يوم صفين

تقدم نقل ما يدل عليه عن أعلام العامة في ج 8 ص 397 وج 18 ص 111 ومواضع أخرى، ونستدرك هيهنا عن الكتب التي لم نرو عنها فيما سبق: فمنهم العلامة المؤرخ محمد بن مكرم المشتهر بابن منظور المتوفى سنة 711 في مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر (ج 18 ص 49 ط دار الفكر) قال: وعن ابن عباس قال: عقم النساء أن يأتين بمثل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، والله ما رأيت، ولا سمعت رئيسا يوزن به. لرأيته يوم صفين، وعلى رأسه عمامة بيضاء، قد أرخى طرفيها، كأن عينيه سراجا سليط، وهو يقف على شرذمة شرذمة يحضهم ويحمشهم حتى انتهى إلي، وأنا في كثف من الناس فقال: معاشر المسلمين، استشعروا الخشية، وغضوا الأصوات، وتجلببوا السكينة - زاد في رواية: وأكملوا اللؤم، وأخفوا الجنن - وأعملوا الأسنة، وأقلقوا السيوف في الأغماد، قبل السلة، واطعنوا الوخز، ونافحوا بالظبا، وصلوا السيوف بالخطا، والنبال بالرماح، فإنكم بعين الله، ومع ابن عم نبيه صلى الله عليه وسلم وعاودوا الكر واستحيوا من الفر، فإنه عار

ص 514

باق في الأعقاب والأعناق ونار يوم الحساب، وطيبوا عن أنفسكم أنفسا، وامشوا إلى الموت سجحا، وعليكم بهذا السواد الأعظم، والرواق المطنب فاضربوا ثبجه، فإن الشيطان راكب صعبه، ومفرش ذراعيه، قد قدم للوثبة يدا، وأخر للنكوص رجلا، فصمدا صمدا حتى ينجلي لكم عمود الدين (وأنتم الأعلون والله معكم ولن يتركم أعمالكم). قوله: سراجا سليط السليط: الزيت، وهو عند قوم دهن السمسم. وقوله: يحمشهم أي يغضبهم، وأحمشت النار إذا ألهبتها. والكثف الجماعة، ومنه التكاثف والحشد نحوه. وقوله: وغضوا الأصوات - وفي رواية، وعنوا الأصوات - إن كان بفتح العين وتشديد النون فإنه أراد أحبسوها واخفوها، نهاهم عن اللغط، والتعنية، الحبس، ومنه قيل للأسير: عان، واللؤم جمع لأمة على غير قياس، واللامة: الدرع، والجنن الترسة، يقول: اجعلوها خفافا. وأقلقوا السيوف في الغمد يريد: سهلوا سلها قبل أن تحتاجوا إلى ذلك لئلا يعسر عليكم عند الحاجة إليها. والظبا جمع ظبة السيف: أي حدة، وقوله: وصلوا السيوف بالخطا يقول: إذا قصرت عن الضرائب تقدمتم وأسرعتم حتى تحلقوا. وقوله والرماح بالنبل يريد: إذا قصرت الرماح ببعد من تريد أن تطعنه منك رميته بالنبل. وقوله: امشوا إلى الموت مشية سجحا أو سجحا أي سهلة، لا تنكلوا، ومنه قول عائشة لعلي يوم الجمل: ملكت فأسجح، أي سهل. ويقال: خد أسجح أي سهل. وقوله: عليكم الرواق المطنب يعني: رواق البيت المشدود بالأطناب، وهي حبال تشد به، وهذا مثل قول عائشة: ضرب الشيطان روقه ومد طنبه، وقوله: قد قدم للوثبة يدا وأخر للنكوص رجلا، وهو مثل قوله تعالى: (وإذا زين لهم الشيطان أعمالهم) إلى قوله (نكص على عقبيه) أي رجع على عقبيه، وأراد على أنه قد قدم يدا ليثب إن رأى فرصة، وإن رأى الأمر على ما هو معه نكص رجلا، وقوله في رواية: والحظوا الشزر، هو النظر بمؤخر العين نظر العدو والمبغض. يقول: الحظوهم شزرا، ولا تنظروا إليهم نظرا يبين لهم، فإن ذلك أهيب

ص 515

لكم في صدورهم. وقال أيضا في ج 19 ص 198 في ترجمة عمرو بن حصين السكسكي: ويقال السكوني، من شجعان أصحاب معاوية من فرسان أهل الشام الذين شهدوا واقعة صفين. عن تميم بن حذلم، قال: خرج حريث مولى معاوية يومئذ، وكان شديدا ذا بأس، فقال: أهاهنا علي؟ هل لك يا علي في المبارزة؟ أقدم إذا شئت أبا حسن. فأقبل علي نحوه وهو يقول: [من الرجز] أنا علي وابن عبد المطلب * نحن لعمر الله أولى بالكتب أهل اللواء والمقام والحجب * منا النبي المصطفى غير كذب نحن نصرناه على جل العرب * يا أيها العبد العزيز المنتدب أثبت لنا يا أيها الكلب الكلب ثم التقيا فبدأه علي فقتله. فلما قتل حريثا نهد إليه عمرو بن الحصين السكسكي، فقال: يا أبا الحسن، هلم إلى المبارزة. فشد على علي، فأثنى عليه علي وهو يقول: [من الرجز] ما علتي وأنا جلد صارم * وعن يميني مذحج القماقم وعن يساري وائل الحضارم * والقلب منى مضر الجماجم أقسمت بالله العلي العالم * لا أنثني إلا برد الراغم فحمل عليه عمرو ليضربه بالسيف، وبذره سعيد بن قيس فطعنه بالرمح فدق صلبه. فقام علي بين الصفين فنادى: ويلك يا معاوية، أبرز إلي، علام نضرب بعض الناس ببعض؟ فالتفت معاوية إلى عمرو بن العاص فقال له: ما ترى يا أبا عبد الله؟ فقال له عمرو: قد أنصفك الرجل، واعلم أنك إن نكلت عنه لم تزل سبة عليك وعلى عقبك [ما بقي عربي]. فقال له معاوية: يا بن العاص، أمثلي يخدع عن نفسه؟ والله ما بارز ابن أبي طالب رجلا إلا سقى الأرض من دمه.

ص 516

ومنهم الفاضل المعاصر يوسف المرعشلي في كتابه فهرس تلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير (ص 90 ط دار المعرفة - بيروت) قال: إن عليا قتل ليلة هرير ألفا وخمسمائة. ومنهم العلامة أبو الجود البتروني الحنفي في الكوكب المضئ (ق 59 نسخة مكتبة جستربيتي) فذكر قصة صفين وشجاعة أمير المؤمنين وسماحته وعفوه وما وقع فيها. ومنهم المحدث الحافظ أبو عثمان سعيد بن منصور بن شعبة الخراساني المكي في السنن (ج 3 ق 2 ص 339 ط دار الكتب العلمية - بيروت) قال: حدثنا سعيد قال: نا سفيان، عن عمرو بن دينار، عن أبي فاختة قال: أخبرني جار لي قال: أتيت عليا يوم صفين بأسير فقال له: لا تقتلني فقال: لا أقتلك صبرا إني أخاف الله رب العالمين، أفيك خبر تبايع؟ فقال: نعم، فقال للذي جاء به: لك سلاحه. ومنهم العلامة شمس الدين أبو البركات محمد الباعوني الشافعي في كتاب جواهر المطالب في مناقب الإمام أبي الحسنين علي بن أبي طالب (ق 38 والنسخة مصورة من المكتبة الرضوية بخراسان) قال: وعن ابن عباس رضي الله عنهما - وقد سأله رجل: أكان علي مباشر القتال يوم صفين؟ - فقال: والله ما رأيت رجلا أطرح لنفسه في متلف من علي، ولقد كنت أراه يخرج حاسر الرأس بيده السيف إلى الرجل الدارع فيقتله. وعن صعصعة بن صوحان قال: خرج يوما رجل من أصحاب معاوية يقال له كرز ابن الصباح الحميري فوقف بين الصفين وقال: من يبارز؟ فخرج إليه رجل من

ص 517

أصحاب علي فقتله ثم قال: من يبارز؟ فخرج إليه آخر فقتله وألقاه على الأول ثم قال: من يبارز؟ فخرج إليه الثالث فقتله وألقاه على الآخرين وقال: من يبارز؟ فأحجم الناس عنه فخرج إليه علي رضي الله عنه على بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم البيضاء فشق الصفوف فلما اتصل منها نزل عن البغلة وسعى إليه فقتله وقال: من يبارز؟ فخرج إليه رجل فقتله فخرج ثان فقتله ووضعه على الأول ثم قال: من يبارز؟ فخرج إليه آخر فقتله وألقاه على الآخرين وقال: من يبارز؟ فخرج إليه آخر فقتله ووضعه على الثلاثة وقال: أيها الناس إن الله يقول: (الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص) وإن لم تبدوا بهذا لما بدأنا ثم رجع إلى مكانه. وقال أيضا في ق 78: وقال أبو الحسن: كان علي بن أبي طالب يخرج كل غداة بصفين في سرعان الخيل فيقف بين الصفين ويقول: يا معاوية علام تقتل الناس؟ ابرز إلى وأبرز إليك فيكون الأمر لمن غلب، فقال عمرو بن العاص لمعاوية: أنصفك الرجل، فقال معاوية: أردتها والله يا عمرو، والله لا رضيت عنك حتى تبارز عليا، فبرز إليه متنكرا فلما أغشاه علي بالسيف رمى بنفسه وأبدى له عورته فصرف علي وجهه عنه وانصرف عمروا. قال: فجلس يوما مع معاوية فلما نظر إليه ضحك فقال له عمرو: ممن تضحك أضحك الله سنك قال: من حضور ذهنك يوم بارزت عليا إذ اتقيته بعورتك أما والله لقد صادفته كريما منانا ولولا ذلك لحرم رفعتك بالرمح، فقال له عمرو: والله إني عن يمينك إذ دعاك إلى البراز فاحولت عيناك وريا سحرك وبدا منك ما أكره ذلك لك وأنت أعلم به. إلى أن قال في ق 85: قال الإمام محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله تعالى: قال رسول الله صلى الله

ص 518

عليه وسلم: لا تقوم حتى تقتتل فئتان عظيمتان يكون بينهما فتنة عظيمة دعواهما واحدة والصحيح أن عليا قاتلهم وهو على الحق وهم على الباطل. إلى أن قال: وكان علي رضي الله عنه يباشر الحرب بنفسه ويده فإذا وقف علي يوم وقفة يعترضهم بها وسيفه معلو بيده اليسرى وهو يقول: دبوا دبيب النمل لا تفوتوا * وأصبحوا بحربكم تبوتوا حتى تنالوا الفوز أو تموتوا * ليس لكم ما شيئتم وشئت بل ما يريد المحيي المميت ثم يضرب بسيفه حتى ينثني ويقول تحت العجاج إذا حمى الضرب: من أي يوم من الموت أفر أيوم لم يقدر ويوم قد قدر، وقد سمع صوته تحت العجاج وهو يقرأ: (أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون). إلى أن قال: وقال أبو محمد بن عبد الله بن مسلم في حديث ابن عباس: ما رأيت والله رجلا من الناس يزن علي بن أبي طالب وعقم النساء أن يأتين بمثله، والله ما رأيت ولا سمعت بمن يوازنه لقد رأيته في يوم صفين وعلى رأسه عمامة بيضاء وكأن عيناه سراجا سليط وهو بين أصحابه يقف على شرذمة يحرضهم حتى انتهى إلي وأنا في كثف من الناس فقال: يا معشر المسلمين استشعروا الخشية وغضوا الأصوات وتجلببوا السكينة وأطعنوا الوحد ونافحوا بالصبى وصلوا السيوف بالخطى والرماح بالنبل فإنكم بعين الله ومع ابن عم نبيه، عاودوا الكر واعملوا الأسنة واقلقوا السيوف في الأغماد قبل السلة والخطو والسرر واستحيوا من الفرار فإنه عار باق في الأعقاب ونار في الحساب وطيبوا عن أنفسكم نفسا وامشوا إلى الموت سجحا وعليكم بالسواد الأعظم والرواق المطنب فاصبروا سحة فإن الشيطان راكب صعبه مفترش

ص 519

ذراعيه قد قدم الوثبة وأخر النكوص (خ. ل: للنكوص) فصبرا حتى يتجلى لكم صبح اليقين وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين. ومنهم العلامة الشيخ جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد بن علي بن عبيد الله القرشي التيمي البكري البغدادي الحنبلي المشتهر بابن الجوزي المولود ببغداد سنة 510 والمتوفى بها سنة 597 في غريب الحديث (ج 2 ص 476 ط دار الكتب العلمية في بيروت سنة 1405) قال: أوعب الأنصار مع علي إلى صفين. أي: لم يتخلف عنه أحد منهم.

ص 520

مستدرك قتل مع علي عليه السلام بصفين من البدريين خمسة وعشرون بدريا

تقدم نقل ما يدل عليه عن أعلام العامة في ج 8 ص 403، ونستدرك هيهنا عن الكتب التي لم نرو عنها فيما سبق: فمنهم الحافظ المؤرخ شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي المتوفى سنة 748 في تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام (ج 3 ص 543 ط بيروت سنة 1407) قال: وقال ثوير بن أبي فاختة، عن أبيه قال: قتل مع علي بصفين خمسة وعشرون بدريا. وقال في ص 545: وقال خليفة: شهد مع علي من البدريين عمار بن ياسر، وسهل بن حنيف، وخوات بن جبير، وأبو سعد الساعدي، وأبو اليسر، ورفاعة بن رافع الأنصاري،

ص 521

وأبو أيوب الأنصاري بخلف فيه، قال: وشهد معه من الصحابة ممن لم يشهدوا بدرا: خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين، وقيس بن سعد بن عبادة، وأبو قتادة، وسهل بن سعد الساعدي، وقرظة بن كعب،، وجابر بن عبد الله، وابن عباس، والحسن، والحسين، وعبد الله بن جعفر بن أبي طالب، وأبو مسعود عقبة بن عمرو، وأبو عياش الزرقي، وعدي بن حاتم، والأشعث بن قيس، وسليمان بن صرد، وجندب بن عبد الله، وجارية بن قدامة السعدي. وقال عبد السلام بن حرب، عن يزيد بن عبد الرحمن، عن جعفر أظنه ابن أبي المغيرة، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه قال: شهدنا مع علي ثمانمائة ممن بايع بيعة الرضوان، قتل منهم ثلاثة وستون رجلا، منهم عمار، وقال في ص 542: قال عمرو بن صرة، عن عبد الله بن سلمة قال: رأيت عمار بن ياسر بصفين ورأى راية معاوية فقال: إن هذه قاتلت بها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع مرات. ثم قاتل حتى قتل. ومنهم العلامة المعاصر السيد أبو المعالي محمود شكري بن عبد الله بن شهاب الدين محمود الآلوسي البغدادي المتوفى سنة 1342 في تاريخ نجد (ص 62 ط القاهرة سنة 1347) قال: اعلم أنه لما اشتد القتال يوم صفين قال عمرو بن العاص لمعاوية بن أبي سفيان: هل لك في أمر أعرضه عليك لا يزيدنا إلا اجتماعا، ولا يزيدهم إلا فرقة؟ قال: نعم، قال: نرفع المصاحف ثم نقول: لما فيها هذا حكم بيننا وبينكم، فإن أبى بعضهم أن يقبلها رأيت فيهم من يقول: ينبغي لنا أن نقبلها فتكون فرقة فيهم، فإن قبلوا رفعت القتال عنا إلى أجل. فرفعوا المصاحف بالرماح، وقالوا: هذا كتاب الله عز وجل بيننا

ص 522

وبينكم من لثغور الشام بعد أهله؟ من لثغور العراق بعد أهله؟ فلما رآها الناس قالوا: نجيب إلى كتاب الله. فقال لهم علي: عباد الله! امضوا على حقكم وصدقكم فإنهم ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن أنا أعلم بهم منكم، والله ما رفعوها إلا خديعة ووهنا ومكيدة. قالوا: لا يسعنا أن ندعى إلى كتاب الله فنأبى أن نقبله. فقال لهم علي: [فإني] إنما أقاتلهم ليدينوا بحكم الكتاب فإنهم قد عصوا الله ونسوا عهده [ونبذوا كتابه]. فقال له مسعر بن فدكي التميمي وزيد بن حصين الطائي في عصابة من القرى: يا علي، أجب إلى كتاب الله عز وجل إذا دعيت إليه، وإلا دفعناك برمتك إلى القوم، أو نفعل بك ما فعلنا بابن عفان. فلم يزالوا به حتى نهى الناس عن القتال، ووقع السباب بينهم وبين الأشتر وغيره ممن يرى عدم التحكيم. فقال الناس: قد قبلنا أن نجعل القرآن بيننا وبينهم حكما فجاء الأشعث بن قيس إلى علي فقال: إن الناس قد رضوا بما دعوهم إليه من حكم القرآن إن شئت أتيت معاوية. قال علي إئته. فأتاه فسأله: لأي شيء رفعوا المصاحف؟ قال: لنرجع نحن وأنتم إلى ما أمر الله به في كتابه، تبعثون رجلا ترضون به ونبعث رجلا نرضى به فنأخذ عليهما أن يعملان بما في كتاب الله تعالى لا يعدوانه. فعاد إلى علي فأخبره، فقال الناس: قد رضينا، [ف‍] - قال أهل الشام: رضينا عمرو بن العاص، وقال الأشعث وأولئك القوم الذين صاروا خوارج: رضينا بأبي موسى الأشعري . فراودهم علي على غيره وأراد ابن عباس. [ف‍] قالوا: والله ما نبالي أنت كنت حكمها أم ابن عباس ولا نرضى إلا رجلا [هو] منك ومن معاوية سواء، وألحوا في ذلك وأبوا غير أبي موسى، فوافقهم علي كرها، وكتب كتاب التحكيم. فلما قرئ على الناس سمعه عروة بن أمية أخو أبي بلال [ف‍] - قال: تحكمون في أمر الله الرجال لا حكم إلا لله، وشد بسيفه فضرب دابة من قرأ الكتاب.

ص 523

مستدرك شجاعته عليه السلام يوم النهروان

قد مر نقل ما يدل عليه عن أعلام العامة في ج 8 ص 90 و94 وج 8 ص 475 وج 18 ص 126، ونستدرك هيهنا عن الكتب التي لم نرو عنها فيما سبق: فمنهم العلامة أبو الجود البتروني الحنفي في الكوكب المضئ (ق 61 خ) قال: قال الصلاح الصفدي: وذكر المؤرخون أن عليا رضي الله عنه قتل من الخوارج يوم النهروان ألف نفس، وكان يدخل فيضرب بسيفه حتى ينثني ويخرج ويقول: لا تلوموني ولوموا هذا، ويقومه بعد ذلك. الخوارج والأخبار الواردة فيهم عن النبي والوصي صلوات الله عليهما، وحرب النهروان رواه جماعة من أعلام العامة في كتبهم (1):

(هامش)

(1) قال الشيخ عبد القادر الجيلاني المولود سنة 470 والمتوفى 561 في الغنية لطالبي طريق الحق عز وجل (ص 395 ط بغداد): وأما الخوارج فلهم أسام وألقاب، سموا الخوارج لخروجهم على علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وسموا محكمة لإنكارهم الحكمين أبا موسى الأشعري وعمرو بن العاص رضي الله عنهم، ولقولهم: لا حكم إلا لله، لا حكم الحكمين. وسموا أيضا حرورية، لأنهم نزول بحروراء وهو موضع. = (*)

ص 524

(هامش)

= وسموا شراة، لقولهم شرينا أنفسنا في الله: أي بعناها بثواب الله وبرضاه الجنة. وسموا مارقة، لمروقهم من الدين، وقد وصفهم النبي صلى الله عليه وسلم بأنهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ثم لا يعودون فيه. فهم الذين مرقوا من الدين والإسلام، وفارقوا الملة وشردوا عنها وعن الجماعة، وضلوا عن سواء الهدى والسبيل وخرجوا على السلطان، وسلوا السيف على الأئمة، واستحلوا دماءهم وأموالهم، وكفروا من خالفهم، ويسبون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصهاره، ويتبرؤون منهم ويرمونهم بالكفر والعظائم،، ويرون خلافهم، ولا يؤمنون بعذاب القبر ولا الحوض ولا الشفاعة، ولا يخرجون أحدا من النار، ويقولون: من كذب كذبة أو أتى صغيرة أو كبيرة من الذنوب فمات من غير توبة فهو كافر وفي النار مخلد. ولا يرون الجماعة إلا خلف إمامهم، ويرون تأخير الصلاة عن وقتها والصوم قبل رؤية الهلال، والفطر مثل ذلك، والنكاح بغير ولي. ويرون المتعة والدرهم بالدرهمين يدا بيد حلالا، ولا يرون الصلاة في الخفاف ولا المسح عليها ولا طاعة السلطان ولا خلافة قريش. وأكثر ما يكون الخوارج بالجزيرة وعمان والموصل وحضرموت ونواحي المغرب. والذي وضع لهم الكتب وصنفها عبد الله بن زيد ومحمد بن حرب ويحيى بن كامل وسعيد بن هارون، فهم خمس عشرة فرقة: 1 - منهم النجدات نسبوا إلى النجدة بن عامر الحنفي، من اليمامة وتميم، وهم أصحاب عبد الله بن ناصر. ذهبوا إلى أن من كذب كذبة أو أتى صغيرة وأصر عليها فهو مشرك، وإن زنى وسرق وشرب الخمر من غير أن يصر عليها فهو مسلم، وأنه لا يحتاج إلى إمام إنما الواجب العلم بكتاب الله فحسب. 2 - ومنهم الأزارقة وهم أصحاب نافع بن الأزرق ذهبوا إلى أن كل كبيرة كفر وأن = (*)

ص 525

(هامش)

= الدار دار كفر، وأن أبا موسى وعمرو بن العاص رضي الله عنهما كفرا بالله حين حكمهما علي رضي الله عنه بينه وبين معاوية رضي الله عنه في النظر في الأصلح للرعية، ويرون أيضا قتل الأطفال، يعني أولاد المشركين، ويحرمون الرجم، ولا يحدون قاذف المحصن، ويحدون قاذف المحصنات. 3 - ومنهم الفدكية منسوبة إلى ابن فديك. 4 - ومنهم العطوية منسوبة إلى عطية بن الأسود. 5 - ومنهم العجاردة وهم فرق كثير. 6 - ومنهم اليمونية جميعا، يجيزون بنات البنين وبنات البنات وبنات الإخوة وبنات الأخوات، ويقولون إن سورة يوسف ليست من القرآن. 7 - ومنهم الخازمية تفردت بأن الولاية والعداوة صفتان في ذاته تعالى، وتشعبت الخازمية من المعلومية ذهبت إلى أن من لم يعلم الله بأسمائه فهو جاهل، ونفوا أن تكون الأفعال خلقا لله تعالى، وأن تكون الاستطاعة مع الفعل. ومن أصل الخمس عشرة: 8 - المجهولية: وهي تقول إن من علم الله ببعض أسمائه فهو عالم به غير جاهل. 9 - ومنهم الصلتية، وهي منسوبة إلى عثمان بن الصلت، وادعت أن من استجاب لنا وأسلم وله طفل فليس له إسلام حتى يدرك، ويدعوه فإن أبى فيقتله. 10 - ومنهم الأخنسية، منسوبة إلى رجل يقال له الأخنس ذهبوا إلى أن السيد يأخذ من زكاة عبده ويعطيه من زكاته إذا احتاج وافتقر. 11 - ومنهم الصفرية والحفصية طائفة متشعبة منها يزعمون أن من عرف الله وكفر بما سواه من رسول وجنة ونار، وفعل سائر الجنايات من قتل النفس، واستحلال الزنا فهو برئ من الشرك، وإنما يشرك من جهل الله وأنكره فحسب. 12 - ومنهم الأباضية زعموا أن جميع ما افترضه الله تعالى على خلقه إيمان، وأن كل كبيرة فهو كفر نعمة لا كفر شرك. 13 - ومنهم البيهسية منسوبة إلى أبي بيهس، تفردوا فزعموا أن الرجل لا يكون = (*)

ص 526

فمنهم العلامة المعاصر السيد أبو المعالي محمود شكري بن عبد الله بن شهاب الدين محمود الآلوسي الحسيني البغدادي المتوفى سنة 1342 في تاريخ نجد (ص 62 ط القاهرة سنة 1347) قال بعد ذكر رفع المصاحف على الرماح والدعوة إلى حكم كتاب الله بين الفرقتين: وكان ذلك بدسيسة عمرو بن العاص وخديعته ومكيدته الشيطانية، فقال لهم علي عليه السلام: فإني إنما أقاتلهم ليدينوا بحكم الكتاب فإنهم قد عصوا الله ونسوا عهده ونبذوا كتابه، فقال جماعة من عسكره: يا علي أجب إلى كتاب الله إذا دعيت إليه وإلا دفعناك برمتك إلى القوم أو نفعل بك ما فعلناه بابن عفان. وأراد علي عليه السلام ابن عباس للتحكيم. فقال أولئك الذين أجبروه إلى التحكيم: ولا نرضى إلا رجلا هو منك ومن معاوية سواء وهو أبو موسى الأشعري: فوافقهم علي عليه السلام كرها. فلما قرئ على الناس كتاب التحكيم قال عروة بن أمية [أدية - وهي أمه وهو ممن اشتهر بالنسبة لغير أبيه -] أخو أبي بلال فقال: تحكمون في أمر الله الرجال لا حكم إلا لله، وشد بسيفه فضرب دابة من قرأ الكتاب.

(هامش)

= مسلما حتى يعلم جميع ما أحل الله له وحرم عليه بعينه ونفسه. ومن البيهسية من يقول: كل من واقع ذنبا حراما عليه ليس يكفر حتى يرفع إلى السلطان فيحده عليه، فحينئذ يحكم بالكفر. 14 - ومنهم الشمراخية منسوبة إلى عبد الله بن الشمراخ زعم أن قتل الأبوين حلال. وكان حين ادعى ذلك في دار التقية، فتبرأت منه الخوارج بذلك. 15 - ومنهم البدعية قولها كقول الأزارقة، وتفردت بأن الصلاة ركعتان بالغداة وركعتان بالعشي، لقول الله عز وجل: (وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل، إن الحسنات يذهبن السيئات، ذلك ذكرى للذاكرين). (هود 114). واتفقت مع الأزارقة على جواز سبي النساء وقتل الأطفال من الكفار مغتالا لقوله تعالى: (لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا) (نوح 26). (*)

ص 527

وكان ذلك أول ما ظهرت الحرورية الخوارج، وفشت العداوة بينهم وبين عسكر علي، وقطعوا الطريق في إيابهم بالتشاتم والتضارب بالسياط، تقول الخوارج: يا أعداء الله داهنتم في دين الله. ويقول الآخرون: فارقتم إمامنا وفرقتم جماعتنا. ولم يزالوا كذلك حتى قدموا العراق، فقال بعض الناس من المختلفين: ما صنع علي شيئا [ذهب] ثم انصرف بغير شيء، فسمعها علي، فقال: وجوه قوم ما رأوا الشام، ثم أنشد: أخوك الذي إن أجرضتك ملمة * من الدهر لم يبرح لبثك واجما وليس أخوك بالذي إن تشعبت * عليك الأمور ظل يلحاك لائما فلما دخل الكوفة دخلت الخوارج إلى حروراء فنزل بها اثنا عشر ألفا - على ما ذكره ابن جرير - ونادى مناديهم: إن أمير القتال شبث بن ربعي التميمي، وأمير الصلاة عبد الله بن الكواء اليشكري، والأمر شورى بعد الفتح، والبيعة لله عز وجل، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. فلما سمع علي ذاك وأصحابه قامت إليه الشيعة فقالوا له: في أعناقنا بيعة ثانية نحن أولياء من واليت، وأعداء من عاديت. قالت لهم الخوارج: استبقتم أنتم وأهل الشام إلى الكفر كفرسي رهان: أهل الشام بايعوا معاوية على ما أحب، وأنتم بايعتم عليا على أنكم أولياء من والى وأعداء من عادى، يريدون أن البيعة لا تكون إلا على كتاب الله وسنة رسوله الله صلى الله عليه وسلم لأن الطاعة له تعالى. فقال لهم زياد بن النضر: والله ما بسط علي يده فبايعناه قط إلا على كتاب الله وسنة رسوله، ولكنكم لما خالفتموه جاءت شيعته فقالوا: نحن أولياء لمن واليت، وأعداء من عاديت، ونحن كذلك، وهو على الحق والهدى ومن خالفه ضال مضل. وبعث علي كرم الله وجهه بن عباس إلى الخوارج [وقال له: لا تعجل إلى جوابهم وخصومتهم حتى آتيك] فخرج إليهم فأقبلوا يكلمونه فقال: نقمتم من الحكمين وقد قال تعالى: (فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها) الآية،

ص 528

فكيف بأمة محمد صلى الله تعالى عليه وسلم [ف‍] - قالوا له: ما جعل الله حكمه إلى الناس وأمرهم بالنظر فيه فهو إليهم، وما حكم فأمضى فليس للعباد أن ينظروا فيه [حكم] في الزاني مائة جلدة، وفي السارق القطع، فليس للعباد أن ينظروا في هذا. قال ابن عباس: فإن الله تعالى يقول: (يحكم به ذوا عدل منكم) قالوا: [أو] تجعل الحكم في الصيد والحرث، وبين المرأة وزوجها، كالحكم في دماء المسلمين؟ وقالوا له: أعدل عندك عمرو بن العاص وهو بالأمس يقاتلنا؟ فإن كان عدلا فلسنا بعدول وقد حكمتم في أمر الله الرجال، قد أمضى الله حكمه في معاوية وأصحابه أن يقتلوا أو يرجعوا، وقد كتبتم بينكم وبينهم كتابا، وجعلتم بينكم وبينهم الموادعة، وقد قطع الله الموادعة بين المسلمين وأهل الحرب منذ نزلت براءة إلا من أقر بالجزية. فجاء علي وابن عباس يخاصمهم فقال: إني نهيتك عن الكلام حتى آتيك. ثم تكلم رضي الله تعالى عنه فقال: اللهم هذا مقام من يفلج فيه كان أولى بالفلج يوم القيامة. وقال لهم: من زعيمكم؟ قالوا: ابن الكواء. فقال: فما أخرجكم علينا، قالوا: حكومتك يوم صفين. قال: أشهدكم الله أتعلمون أنهم حين رفعوا المصاحف، وملتم بجنبهم، قلت لكم إني أعلم بالقوم منكم، إنهم ليسوا بأصحاب دين وذكرهم مقالته. ثم قال: وقد اشترطتم على الحكمين أن يحييا ما أحيا القرآن، ويميتا ما أمات القرآن، فإن حكما بحكم القرآن فليس لنا أن نخالف وإن أبيا فنحن من حكمهما براء. قالوا فخبرنا أتراه عدلا تحكيم الرجال في الدماء؟ قال: إنا لسنا حكمنا الرجال، إنما حكمنا القرآن، إنما هو خط مسطور بين دفتين [لا ينطق] وإنما يتكلم به الرجال. قالوا: فخبرنا عن الأجل لم جعلته بينكم؟ قال: ليعلم الجاهل، ويثبت العالم، ولعل الله عز وجل يصلح في هذه الهدنة هذه الأمة فاخلوا مصركم رحمكم الله، فدخلوا من عند آخرهم. فلما جاء الأجل، وأراد علي أن يبعث أبا موسى للحكومة، أتاه رجلان من

ص 529

الخوارج: زرعة بن المرح الطائي، وحرقوص بن زهير السعدي، وقالا له: لا حكم إلا لله [فقال علي: لا حكم إلا لله]. فقالا له: تب من خطيئتك، وارجع عن قضيتك، واخرج بنا إلى عدونا نقاتله حتى نلقى ربنا. فقال علي: قد أردتكم على ذلك فعصيتموني [و] قد كتبنا بيننا وبين القوم كتابا، وشرطنا شروطا، وأعطينا عهودا، وقد قال الله تعالى: (وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم) فقال حرقوص: ذلك ذنب ينبغي أن تتوب منه! [ف‍] - قال علي: ما هو ذنب، ولكنه عجز من الرأي وقد نهيتكم عنه. [ف‍] - قال زرعة: يا علي لئن لم تدع تحكيم الرجال لأقاتلنك أطلب وجه الله. فقال له علي: بؤسا لك ما أشقاك كأني بك قتيلا تسفى عليك الرياح. قال: وددت لو كان ذلك، وخرجا من عنده يقولان: لا حكم إلا لله. وخطب علي ذات يوم فقالوها في جوانب المسجد، فقال علي: الله أكبر كلمة حق يراد بها باطل. فوثب يزيد بن عاصم المحاربي فقال: الحمد لله غير مودع ربنا، ولا مستغن عنه، اللهم إنا نعوذ بك من إعطاء الدنيئة في ديننا، فإن إعطاء الدنيئة في الدين إدهان في أمر الله وذل راجع بأهله [إلى سخط الله]. يا علي، أبالقتل تخوفنا؟ أما والله إني لأرجو أن نضربكم بها عما قليل غير مصفحات ثم لتعلم أينا أولى بها صليا. وخطب علي يوما آخر، فقال رجلان في المسجد: لا حكم إلا لله، يريدون بهذا إنكار المنكر على زعمهم فقال علي: الله أكبر كلمة حق أريد بها باطل! أما إن لكم علينا ثلاثا ما صحبتمونا: لا نمنعكم مساجد الله أن تذكروا فيها اسمه، ولا نمنعكم الفئ ما دامت أيديكم مع أيدينا، ولا نقتلكم حتى تبدأونا، وإن ننتظر فيكم أمر الله. ثم عاد إلى مكانه من الخطبة. ثم إن الخوارج لقي بعضهم بعضا واجتمعوا في منزل عبد الله بن وهب الراسبي، فخطبهم وزهدهم في الدنيا وأمرهم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ثم قال: اخرجوا بنا من هذه القرية الظالم أهلها إلى بعض كهوف الجبال أو إلى بعض هذه

ص 530

المدائن، منكرين لهذه البدع المضلة. فقال حرقوص بن زهير: إن المتاع في هذه الدنيا قليل وإن الفراق لها وشيك فلا تدعونكم زينتها وبهجتها إلى المقام بها، ولا تلفتنكم عن طلب الحق، وإنكار الظلم، فإن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون. فقال حمزة بن سنان الأسدي: يا قوم إن الرأي ما رأيتم [ف‍] - ولوا أمركم رجلا منكم فإنه لا بد لكم من عماد وسنان، وراية تحفون بها وترجعون إليها. فعرضوا ولايتهم على زيد بن حصين الطائي فأبى، وعلى حرقوص بن زهير فأبى، وعلى حمزة ابن سنان وشريح بن أوفى العبس فأبيا، ثم عرضوها على عبد الله بن وهب فقال: هاتوها، أما والله لا آخذها رغبة في الدنيا، ولا أدعها فرارا من الموت، فبايعوه لعشرة خلون من شوال فكان يقال له ذو الثفنات. فاجتمعوا في منزل شريح بن أوفى العبسي فقال ابن وهب: اشخصوا بنا إلى بلدة مجتمع فيها وننفذ حكم الله فإنكم أهل الحق. قال شريح: نخرج إلى المدائن فننزلها، ونأخذ بأبوابها ونخرج منها سكانها ونبعث إلى إخواننا أهل البصرة فيقدمون علينا. فقال زيد بن حصين: إنكم إن خرجتم مجتمعين تبعوكم ولكن اخرجوا وحدانا ومستخفين، فأما المدائن فإن بها من يمنعكم ولا تسيروا حتى تنزلوا بجسر النهروان وتكلموا إخوانكم من أهل البصرة. قالوا: هذه الرأي، فكتب عبد الله بن وهب إلى من بالبصرة ليعلمهم ما اجتمعوا عليه ويحثهم على اللحاق فأجابوه. فلما خرجوا صار شريح بن أوفى العبسي يتلو قوله تعالى: (فخرج منها خائفا يترقب) وخرج معهم طرفة بن عدي إلى عامل علي بالمدينة يحذره فحذر وضبط الأبواب واستخلف عليها المختار بن أبي عبيد وخرج بالخيل في طلبهم فأخبر به ابن وهب فسار على بغداد ولحقه ابن مسعود أمير المدائن بالكرخ في خمسمائة فارس فانصرف إليه ابن وهب الخارجي في ثلاثين فارسا له فاقتتلوا ساعة، وامتنع القوم منهم، فلما جن الليلة على ابن وهب عبر دجلة، وصار إلى النهروان ووصل إلى أصحابه، وتفلت رجال من أهل الكوفة يريدون الخوارج فردهم أهلوهم.

ص 531

ولما خرجت الخوارج من الكوفة عاد أصحاب علي وشيعته إليه فقالوا: نحن أولياء من واليت، وأعداء من عاديت، فشرط لهم سنة رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، فجاء ربيعة بن أبي شداد الخثعمي فقال: أبايع على سنة أبي بكر وعمر. قال علي: ويلك لو أن أبا بكر وعمر عملا بغير كتاب الله وسنة رسوله لم يكونا على بينة من الحق. فبايعه ونظر إليه علي فقال: ما والله لكأني بك وقد نفرت مع هذه الخوارج فقتلت، كأني بك وقد وطأتك الخيل بحوافرها. فكان ذلك وقتل يوم النهروان مع الخوارج. وأما خوارج البصرة فإنهم اجتمعوا في خمسمائة رجل، وجعلوا عليهم مسعر ابن فدكي التميمي وعلم بهم ابن عباس فأتبعهم أبا الأسود الدؤلي ولحقهم بالجسر الأكبر فتوافقوا أمر التحكيم وخدع عمرو بن العاص أبا موسى الأشعري، وصرح عمرو بولاية معاوية بعد أن عزل أبو موسى عليا، خدعه عمرو بذلك فهرب أبو موسى إلى مكة، قام علي في الكوفة فخطبهم وقال في خطبته: الحمد لله وإن أتى الدهر بالخطب الفادح، والحدثان الجليل. وشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله. أما بعد: فإن المعصية تورث الحسرة، وتعقب الندم، وقد كنت أمرتكم في هذين الرجلين، يعني أبا موسى وعمرو بن العاص وفي هذه الحكومة أمري، ونحلتكم رأيي لو كان لقصير رأي ولكن أبيتم إلا ما أردتم فكنت أنا وأنتم كما قال أخو هوزان: أمرتهم أمري بمنعرج اللوى * فلم يستبينوا الرشد إلا ضحى الغد إلا أن هذين الرجلين اللذين اخترتموهما حكمين قد نبذا حكم القرآن وراء ظهورهما، وأحييا ما أمات القرآن، واتبع كل واحد منهما هواه، بغير هدى من الله، فحكما بغير حجة بينة، ولا سنة قاضية، واختلفا في حكمهما، وكلاهما لم يرشد، فبرئ الله منهما ورسوله وصالح المؤمنين، فاستعدوا وتأهبوا للمسير إلى الشام.

ص 532

وكتب للخوارج: من عبد الله علي أمير المؤمنين، إلى زيد بن حصين وعبد الله بن وهب ومن معهما من الناس، أما بعد، فإن هذين الرجلين اللذين ارتضيتما حكمين قد خالفا كتاب الله، واتبعا أهواءهما بغير هدى من الله، فلم يعملا بالسنة ولن ينفذا للقرآن حكما، فبرئ الله منهما ورسوله والمؤمنون، فإذا بلغكم كتابي هذا فاقبلوا إلينا فإنا سائرون إلى عدونا وعدوكم ونحن على الأمر الأول الذي كنا عليه. فكتبوا إليه: أما بعد فإنك لم تغضب لربك وإنما غضبت لنفسك، فإن شهدت على نفسك بالكفر، واستقبلت التوبة، نظرنا فيما بيننا وبينك، وإلا فقد نابذناك على سواء. إن الله لا يحب الخائنين. فلما قرأ كتابهم أيس منهم، ورأى أن يدعهم ويمضي بالناس إلى قتال أهل الشام. فقام في الكوفة فندبهم إلى الخروج معه، وخرج معه أربعون ألف مقاتل، وسبعة عشر من الأبناء وثمانية آلاف من الموالي والعبيد. وأما أهل البصرة فتثاقلوا، ولم يخرج منهم إلا ثلاثة آلاف، وبلغ عليا أن الناس يرون قتال الخوارج أهم وأولى، قال لهم علي: دعو هؤلاء، وسيروا إلى قوم يقاتلونكم كيما يكونوا جبارين ملوكا، ويتخذوا عباد الله خولا. فناداه الناس: أن سر بنا يا أمير المؤمنين حيث أحببت. ثم إن الخوارج استعر أمرهم، وبدأوا بسفك الدماء، وأخذ الأموال وقتلوا عبد الله ابن خباب صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجدوه سائرا بامرأته على حمار فانتهروه وأفزعوه، ثم قالوا له: من أنت؟ فأخبرهم. قالوا: حدثنا عن أبيك خباب حديثا سمعه من رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم تنفعنا به. فقال حدثني أبي عن رسول الله صلى الله عليه تعالى وسلم قال: إنه ستكون فتنة يموت فيها قلب الرجل كما يموت بدنه، يمسي مؤمنا ويصبح كافرا، ويصبح كافرا ويمسي مؤمنا. قالوا: لهذا سألناك، فما تقول في أبي بكر وعمر؟ فأثنى عليهما خيرا. فقالوا: ما تقول في عثمان في أول خلافته وفي آخرها؟ قال: إنه كان محقا في أولها وآخرها. قالوا: فما تقول

ص 533

في علي قبل التحكيم وبعده؟ قال: أقول إنه أعلم بالله منكم، وأشد توقيا على دينه، وأنفد بصيرة. فقالوا: إنك تتبع الهوى، وتوالي الرجال على أسمائها لا على أفعالها، والله لنقتلنك قتلة ما قتلناها أحدا، فأخذوه وكتفوه. ثم أقبلوا به وبامرأته وهي حبلى [متم] فنزلوا تحت نخل مثمر فسقطت منه رطبة فأخذها أحدهم فتركها في فيه، وقال آخر: أخذتها بغير حلها، وبغير ثمن، فألقاها ثم مر بهم خنزير فضربه أحدهم بسيفه فقالوا له: هذا فساد في الأرض، فلقي صاحب الخنزير - وهو من أهل الذمة - فأرضاه. فلما رأى ذلك ابن خباب قال: لئن كنتم صادقين فيما أرى فما علي من بأس ما أحدثت في الإسلام حدثا ولقد أمنتموني فأضجعوه وذبحوه وأقبلوا إلى المرأة فقالت: أنا امرأة ألا تتقون الله؟ فبقروا بطنها وقتلوا أم سنان الصيداوية، وثلاثا من النساء. فلما بلغ ذلك عليا بعث الحارث بن مرة العبدي يأتيه بالخبر، فلما دنا منهم قتلوه. فألح الناس على علي في قتالهم وقالوا: نخشى أن يخلفونا في عيالنا وأموالنا فسر بنا إليهم. وكلمه الأشعث بمثل ذلك واجتمع الرأي على حربهم، وسار علي يريد قتالهم، فلقيه منجم في مسيره فأشار عليه أن يسير في وقت مخصوص، وقال: إن سرت في غيره لقيت أنت وأصحابك ضررا شديدا. فخالفه علي فسار في الوقت الذي نهاه عنه، فلما وصل إليهم قال: ارفعوا إلينا قتلة إخواننا نقتلهم ونترككم فلعل الله يقبل بقلوبكم ويردكم إلى خير مما أنتم عليه. فقالوا: كلنا قتلهم، وكلنا مستحل لدمائهم ودمائكم. وخرج إليهم قيس بن سعد بن عبادة: فقال: عباد الله أخرجوا إلينا طلبتنا منكم وادخلوا في هذا الأمر الذي خرجتم منه، وعودوا بنا إلى قتال عدونا، فإنكم ركبتم عظيما من هذا الأمر تشهدون علينا بالشرك وتسفكون دماء المسلمين. فقال له عبد الله بن شجر السلمي: إن الحق قد أضاء لنا فلسنا متابعيكم أو تأتونا بمثل عمر. فقال: ما نعلم غير صاحبنا فهل تعلمونه فيكم؟ قالوا: لا. قال: نشدتكم الله في أنفسكم أن تهلكوها فإني لا أرى الفتنة إلا وقد غلبت

ص 534

عليكم. وخطبهم أبو أيوب الأنصاري فقال: عباد الله إنا وإياكم على الحال الأولى التي كنا عليها، ليست بيننا وبينكم فرقة فعلام تقاتلوننا؟ فقالوا: إن تابعناكم اليوم حكمتم غدا. فقال: فإني أنشدكم الله لا تجعلوا فتنة العام مخافة ما يأتي في القابل. وأتاهم علي رضي الله عنه فقال: أيتها العصابة التي أخرجها عداوة المراء واللجاج، وصدها عن الحق الهوى، وطوح بها وأصبحت في الخطب العظيم إني نذير لكم أن تصبحوا تلعنكم الأمة غدا صرعى بأثناء هذا النهر، وبأهضاب هذا الغائط بغير بينة من ربكم ولا برهان مبين، ألم تعلموا إني نهيتكم عن الحكومة، ونبأتكم أنها مكيدة، وأن القوم ليسوا بأصحاب دين فعصيتموني فلما فعلتم أخذت على الحكمين، واستوثقت أن يحييا ما أحيا القرآن، ويميتا ما أمات القرآن، فاختلفا وخالفا حكم الكتاب، فنبذنا أمرهما، فنحن على الأمر الأول فمن أين أتيتم؟ قالوا: إنا حكمنا فلما حكمنا أثمنا وكنا بذلك كافرين، وقد تبنا فإن تبت فنحن معك ومنك، فإن أبيت فإنا منابذوك على سواء. قال علي: أصابكم حاصب، ولا بقي منكم وابر وأبعد إيماني برسول الله صلى الله عليه وسلم وهجرتي معه، وجهادي في سبيل الله، أشهد على نفسي بالكفر؟ قد ضللت إذن وما أنا من المهتدين. [ثم انصرف عنهم]. وقيل: كان من كلامه يا هؤلاء إن أنفسكم قد سولت لكم فراقي بهذه الحكومة التي أنتم بدأتموها وسألتموها وأنا لها كاره، وأنبأتكم أن القوم إنما طلبوها مكيدة ووهنا، فأبيتم على إباء المخالفين وعندتم عنود النكداء العاصين، حتى صرفت رأيي إلى رأيكم رأي معاشر والله أخفاء الهام، سفهاء الأحلام فلم آت لا أبا لكم هجرا. والله ما حلت عن أموركم، ولا أخفيت شيئا من هذا الأمر عنكم، ولا أوطأتكم عشوة، ولا ارتكبت لكم ضرا، وإن كان أمرنا لأمر المسلمين ظاهرا، فأجمع رأي ملئكم إن اختاروا رجلين، فأخذنا عليهما أن يحكما بالحق ولا يعدواه، فتركا الحق وهما يبصرانه، وكان الجور هواهما، والتقية دينهما حتى خالفا سبيل الحق وأتيا بما

ص 535

لا يعرف. فبينوا لنا بم تستحلون قتالنا، والخروج عن جماعتنا، وتضعون سيوفكم على عواتقكم ثم تستعرضون الناس: تضربون رقابهم، إن هذا لهو الخسران المبين. والله لو قتلتم على هذا دجاجة لعظم عند الله قتلها، فكيف بالنفس التي قتلها عند الله حرام؟ فتنادوا: أن لا تخاطبوهم، ولا تكلموهم، وتهيئوا للقاء الله، الرواح الرواح إلى الجنة، فرجع علي عنهم. ثم إنهم قصدوا جسر النهر فظن الناس أنهم عبروه فقال علي: لن يعبروه وأن مصارعهم لدون الجسر. والله لا يقتلون منكم عشرة، ولا يسلم منهم عشرة. فتعبأ الفريقان للقتال، فناداهم أبو أيوب فقال: من جاء [تحت] هذه الراية فهو آمن، ومن انصرف إلى الكوفة، أو إلى المدائن، وخرج من هذه الجماعة فهو آمن فانصرف فروة بن نوفل الأشجعي في خمسمائة فارس، وخرجت طائفة أخرى متفرقين فبقي مع عبد الله بن وهب ألف وثمانمائة فزحفوا إلى علي وبدأوه بالقتال، وتنادوا: الرواح الرواح إلى الجنة، فاستقبلهم الرماة من جيش علي بالنبل والرماح والسيوف، ثم عطفت عليهم الخيل من الميمنة والميسرة وعليها أبو أيوب الأنصاري، وعلى الرجالة أبو قتادة الأنصاري. فلما عطفت عليهم الخيل والرجال، وتداعى عليهم الناس، ما لبثوا أن أناموهم فأهلكوا في ساعة واحدة، فكأنما قيل لهم: موتوا. فماتوا. وقتل ابن وهب. وحرقوص وسائر سراتهم، وفتش علي في القتلى والتمس المخدج الذي وصفه النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الخوارج فوجده في حفرة على شاطئ النهر، فنظر إلى عضده فإذا لحم مجتمع كثدي المرأة وحلمة عليها شعرات سود، فإذا مدت امتدت حتى تحاذي يده الطولى. فلما رآها قال: والله ما كذبت ولا كذبت والله لولا أن تنكلوا عن العمل لأخبرتكم بما قضى الله على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم لمن قاتلهم متبصرا في قتالهم، عارفا للحق الذي نحن عليه. وقال حين مر بهم وهم

ص 536

صرعى: بؤسا لكم! لقد ضركم من غركم. قالوا: يا أمير المؤمنين من غرهم؟ قال: الشيطان ونفس أمارة بالسوء غرتهم بالأمان وزينت لهم المعاصي ونبأتهم إنهم ظاهرون. ومنهم العلامة الشيخ أبو بكر محمد بن الحسين الآجري المتوفى سنة 360 في كتابه الشريعة (ص 21 ط بيروت) قال: باب ذم الخوارج وسوء مذاهبهم وإباحة قتالهم، وثواب من قتلهم أو قتلوه قال محمد بن الحسين: لم يختلف العلماء قديما وحديثا أن الخوارج قوم سوء، عصاة لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وإن صلوا وصاموا، واجتهدوا في العبادة، فليس ذلك بنافع لهم، وإن أظهروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وليس ذلك بنافع لهم، لأنهم قوم يتأولون القرآن على ما يهوون، ويموهون على المسلمين. قد حذرنا الله عز وجل منهم، وحذرنا النبي صلى الله عليه وسلم، وحذرناهم الخلفاء الراشدون بعده، وحذرناهم الصحابة رضي الله عنهم ومن تبعهم بإحسان رحمة الله تعالى عليهم. والخوارج هم الشراة الأنجاس الأرجاس، ومن كان على مذهبهم من سائر الخوارج، يتوارثون هذا المذهب قديما وحديثا، ويخرجون على الأئمة والأمراء ويستحلون قتل المسلمين. وأول قرن طلع منهم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: هو رجل طعن على النبي صلى الله عليه وسلم، وهو يقسم الغنائم بالجعرانة، فقال: اعدل يا محمد، فما أراك تعدل، فقال صلى الله عليه وسلم: ويلك! فمن يعدل إذا لم أكن أعدل؟ فأراد عمر رضي الله عنه قتله، فمنعه النبي صلى الله عليه وسلم من قتله، وأخبر عليه الصلاة والسلام أن هذا وأصحابا له يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم،

ص 537

يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، وأمر عليه الصلاة والسلام في غير حديث بقتالهم، وبين فضل من قتلهم أو قتلوه. ثم إنهم بعد ذلك خرجوا من بلدان شتى، واجتمعوا وأظهروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حتى قدموا المدينة، فقتلوا عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه. وقد اجتهد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ممن كان في المدينة في أن لا يقتل عثمان، فما أطاقوا ذلك. ثم خرجوا بعد ذلك على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ولم يرضوا بحكمه. وأظهروا قولهم وقالوا: لا حكم إلا لله، فقال علي رضي الله عنه: كلمة حق أرادوا بها الباطل، فقاتلهم علي رضي الله عنه فأكرمه الله عز وجل بقتلهم، وأخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم بفضل من قتلهم أو قتلوه، وقاتل معه الصحابة رضوان الله تعالى عليهم، فصار سيف علي بن أبي طالب في الخوارج سيف حق إلى أن تقوم الساعة. ثم ذكر الأحاديث والآثار الواردة في ذمهم وسوء أحوالهم ومروقهم من الدين واعتراضهم على النبي صلى الله عليه وسلم في التقسيم وأن منهم ذا الثدية وغير ذلك. إخباره عليه السلام عن الخوارج وعن ذي ثديتهم المخدج وغير ذلك قد تقدم نقل ما يدل عليه عن أعلام العامة في ج 8 ص 88 إلى ص 95 وص 474 إلى ص 522 وج 17 ص 539 إلى ص 544 وج 18 ص 126 ومواضع أخرى، ونستدرك هيهنا عمن لهم نرو عنهم فيما مضى: فمنهم العلامة أحمد بن علي بن ثابت الأشعري الشافعي البغدادي المولود سنة

ص 538

392 والمتوفى 463 في المتفق والمفترق (ص 119 نسخة مكتبة جستربيتي في إيرلندة) قال: أخبرنا أحمد بن عمر بن روح، أنا محمد بن إبراهيم الكهيلي بالكوفة، أنا محمد ابن عبد الله بن سليمان الحضرمي، نا أحمد بن عثمان، ثنا عبد الرحمن بن شريك حدثني أبي، ثنا أبو إسحاق، عن مسلم بن أبي مسلم، قال: كنت مع علي بن أبي طالب حين قاتل الحرورية فقال: اطلبوا ذا الثدية فطلبناه فلم نجده، فقال: اطلبوا فوالله ما كذبت ولا كذبت والله ما كذبني الصادق المصدق صلى الله عليه، فطلبناه فاستخرجناه من بين القتلى قال: فأخذت بيده فمددتها على طرفها شعرات ليس فيها عظم. ومنهم الشيخ تقي الدين أحمد بن عبد الحليم الحنبلي الحراني الدمشقي الشهير بابن تيمية المولود سنة 661 والمتوفى سنة 728 في كتابه منهاج السنة (ص 26 ط مطبعة الإمام في شارع قرقول بالقاهرة) قال: ولما اقتتل المسلمون بصفين واتفقوا على تحكيم حكمين خرجت الخوارج على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وفارقوه وفارقوا جماعة المسلمين إلى مكان يقال له: حروراء، فكف عنهم أمير المؤمنين وقال: لكم علينا أن لا نمنعكم حقكم من الفئ ولا نمنعكم المسجد إلى أن استحلوا دماء المسلمين وأموالهم، فقتلوا عبد الله ابن حباب وأغاروا على سرح المسلمين. فعلم علي أنهم الطائفة التي ذكرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم وقراءته مع قراءتهم، يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، آيتهم فيهم رجل مخدج اليد عليها بضعة شعرات. وفي رواية: يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان. فخطب الناس وأخبرهم بما سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: هم

ص 539

هؤلاء القوم سفكوا الدم الحرام وأغاروا على سرح الناس، فقاتلهم ووجد العلامة بعد أن كاد لا يوجد، فسجد لله شكرا. ومنهم الحافظ المؤرخ شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي المتوفى سنة 748 في تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام (ج 1 ص 394 ط بيروت سنة 1407 قال: الأوزاعي، عن الزهري، حدثني أبو سلمة، والضحاك - يعني المشرفي -، عن أبي سعيد قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم ذات يوم قسما، فقال: ذو الخويصرة من بني تميم: يا رسول الله اعدل، فقال: ويحك ومن يعدل إذا لم أعدل. فقام عمر فقال: يا رسول الله ائذن لي فأضرب عنقه، قال: لا إن له أصحابا يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، يمرقون الدين مروق السهم من الرمية، ينظر إلى نصله فلا يوجد فيه شيء، ثم ينظر إلى رصافه فلا يوجد فيه شيء، ثم ينظر إلى نضيه فلا يوجد فيه شيء، ثم ينظر إلى قذذه فلا يوجد فيه شيء آيتهم رجل أدعج إحدى يديه مثل ثدي المرأة، أو مثل البضعة تدردر. قال أبو سعيد: أشهد لسمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأشهد أني كنت مع علي رضي الله عنه حين قتلهم، فالتمس في القتلى وأتى به على النعت الذي نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم. أخرجه البخاري. وقال أيوب، عن ابن سيرين، عن عبيدة قال: ذكر علي رضي الله عنه أهل النهروان فقال: فيهم رجل مودن اليد أو مثدون اليد أو مخدج اليد، لولا أن تبطروا لنبأتكم بما وعد الله الذين يقاتلون على لسان محمد صلى الله عليه وسلم. قلت: أنت سمعت هذا؟ قال: إي ورب الكعبة. رواه مسلم. وقال حماد بن زيد، عن جميل بن مرة، عن أبي الوضي السحيمي قال: كنا مع علي بالنهروان، فقال لنا: التمسوا المخدج، فالتمسوه فلم يجدوه، فأتوه فقال:

ص 540

ارجعوا فالتمسوا المخدج، فوالله ما كذبت ولا كذبت، حتى قال ذلك مرارا، فرجعوا فقالوا: قد وجدناه تحت القتلى في الطين فكأني أنظر إليه حبشيا، له ثدي كثدي المرأة، عليه شعيرات كالشعيرات التي على ذنب اليربوع، فسر بذلك علي. رواه أبو داود الطيالسي في مسنده. ومنهم العلامة الحافظ شيخ الإسلام عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني الزيدي المصري المتوفى سنة 220 في الأمالي في آثار الصحابة (ص 86 ط مكتبة القرآن - بولاق القاهرة) قال: أخبرنا أبو علي إسماعيل، ثنا أحمد، ثنا عبد الرزاق، أنا معمر، عن أيوب بن سيرين، عن عبيدة، قال: سمعت عليا حين قتل أهل النهروان يقول: فيهم رجل مثدن أو مودن أو مخدع اليد (1)، فالتمسوه فلما وجدوه قال: والله لولا أن تبطروا

(هامش)

(1) قال العلامة الحافظ أبو الحسن علي بن عمر الدارقطني البغدادي المتوفى سنة 385 في المؤتلف والمختلف (ج 4 ص 2171 ط دار الغرب الإسلامي - بيروت سنة 1406) قال: وأما مخدج، فهو صفوان بن أمية بن المحرث بن شق بن رقبة بن مخدج الكناني. قال ذلك محمد بن إسحاق. وفي حديث ابن سيرين، عن عبيدة السلماني: إن عليا لما أتي بالمخدج خر ساجدا. قال المحقق في الذيل: ورجل مخدج اليد: وهو قول سيدنا علي رضي الله عنه في ذي الثدية، إنه مخدج اليد أي ناقصها، تاج العروس: 2 / 28 مادة (خدج)، النهاية: 2 / 13. انظر تاريخ الطبري: (5 / 88، 92). والحديث جاء من روايات متعددة منها رواية زيد بن وهب الجهني رضي الله عنه: إنه كان في الجيش الذين كانوا مع علي، الذين ساروا إلى الخوارج فقال علي: أيها الناس إني سمعت رسول الله صلى الله عليه = (*)

ص 541

لأخبرتكم بما سبق من الفضل لمن قتلهم، قلت: أو سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: إي ورب الكعبة، حتى قالها ثلاثا. وقال أيضا في ص 87: أخبرنا أبو علي إسماعيل، ثنا أحمد، ثنا عبد الرزاق، أنا النوري، عن أبيه، عن ابن أبي نعم، عن أبي سعيد الخدري قال: بعث علي رضي الله عنه وهو باليمن إلى النبي صلى الله عليه وسلم بذهبية في تربتها، فقسمها النبي صلى الله عليه وسلم بين زيد الطائي ، ثم أحد بني النبهان وبين الأقرع بن حابس الحنظلي، ثم أحد بني مجاشع

(هامش)

= وسلم يقول: يخرج قوم من أمتي يقرؤن القرآن وآية ذلك: أن فيهم رجلا له عضد، ليس له ذراع، فقال علي: التمسوا فيهم المخدج، فالتمسوه، فلم يجدوه، فقام علي بنفسه، حتى أتى ناسا، قد قتل بعضهم على بعض، قال: أخروهم، فوجدوه مما يلي الأرض، فكبر ثم قال: صدق الله، وبلغ رسوله. قال: فقام إليه عبيدة السلماني، فقال: يا أمير المؤمنين، الله الذي لا إله إلا هو.. الحديث. وفي رواية لأبي داود، عن أبي الوضئ، قال: قال علي اطلبوا المخدج، فذكر الحديث. قال أبو مريم: وكان المخدج يسمى نافعا، ذا الثدية، وكان في يده مثل ثدي المرأة، وعلى رأسه حلمة مثل حلمة الثدي، عليه شعيرات مثل سبالة السنور. رواه مسلم في الزكاة، باب التحريض على قتل الخوارج، حديث رقم: (1066)، وأبو داود في السنة، باب قتال الخوارج، حديث رقم: (4769 - 4770). ورواية عبيدة بن عمرو السلماني عن علي: أنه ذكر الخوارج فقال: فيهم رجل مخدج اليد.. الحديث. رواه مسلم في الزكاة، باب التحريض على قتل الخوارج، حديث رقم: (1066)، ورواه النسائي في كتاب خصائص الإمام علي رضي الله عنه بروايات مختلفة: (125 - 133). وروي من أوجه عدة أعرض عن ذكرها خشية الإطالة. وسيأتي في باب الواثلي في ترجمة أبو المؤمن الواثلي (ص: 2992 - 2993). (*)

ص 542

وبين عيينة بن حصن، وبين علقمة بن علاثة العامري، ثم أحد بني كلاب، فبغضت قريش، وقالوا: يعطي صناديد أهل نجد ويدعنا، قال: إنما أتألفهم، فجاء رجل غائر العينين، ناتئ الجبين، مشرف الوجنتين، كث اللحية محلوق الرأس، فقال: اتق الله عز وجل يا محمد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فمن يتقي الله إذا عصيته، أيأمنني على أهل الأرض ولا تأمنوني. قال فسأل رجل من القوم قتله، قال: أراه خالد بن الوليد ، فمنعه. قال: فلما ولى الرجل، قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن من ضئضئى هذا قوما يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، يقتلون أهل الإسلام، ويدعون أهل الأوثان، لئن لقيتهم لأقتلنهم قتل عاد. أخبرنا أبو علي إسماعيل، ثنا أحمد، ثنا عبد الرزاق، أنا سفيان بن عيينة، عن العلاء بن أبي العباس، عن أبي الطفيل، عن بكر بن قراوش، عن سعد قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: شيطان الردهة يحتذره رجل من بجيلة راعي الخيل، أو راع للخيل، علامة سوء في قوم ظلمة. قال أبو علي: قال الرمادي: قال: أنا عبد الرزاق في موضع آخر وأعاد هذا الحديث قال: يقال له: الأشهب أو ابن الأشهب. وقال أيضا في ص 90: أخبرنا أبو علي إسماعيل، ثنا أحمد، ثنا عبد الرزاق، أنا عبد الملك بن أبي سليمان، ثنا سلمة بن كهيل، أخبرني زيد وهب الجهني أنه كان في الجيش الذين كانوا مع علي الذين تباروا إلى الخوارج، فقال علي: أيها الناس إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يخرج من أمتي قوم يقرأون القرآن، ليست قراءاتكم إلى قراءتهم بشيء، ولا صلاتكم إلى صلاتهم بشيء، ولا صيامكم إلى صيامهم بشيء، يقرأون القرآن لا تجاوز صلاتهم تراقيهم، يمرقون من الإسلام كما

ص 543

يمرق السهم من الرمية، ولو يعلم الجيش الذين يصيبونهم ما قضى لهم على لسان نبيهم، لنكلوا عن العمل، وآية ذلك أن فيهم رجلا له عضد، وليس له ذراع على رأس عضده مثل حلمة ثدي المرأة عليها شعيرات بيض. أفتذهبون إلى معاوية وأهل الشام، وتتركون هؤلاء يخلفونكم في ذراريكم وأموالكم؟ وإني لأرجو أن يكونوا هؤلاء القوم، فإنهم سفكوا الدم الحرام وأغاروا في سرح الناس، فسيروا على اسم الله عز وجل. قال سلمة: فنزلت وزيد بن وهب منزلا، حتى قال: مررنا على قنطرة، فلما التقينا، وعلى الخوارج يومئذ عبد الله بن وهب الراسبي، فقال لهم: ألقوا الرماح، وسلوا سيوفكم من جفونها، فإني أخاف أن يناشدوكم كما ناشدوكم يوم حروراء فرجعتم، قال: فوحشوا برماحهم، وسلوا السيوف، وشجرهم الناس برماحهم. قال: وقتل بعضهم على بعض، وما أصيب من الناس يومئذ إلا رجلان، فقال علي: التمسوا فيه المخدج فلم يجدوه، فقام علي بنفسه فالتمسه فوجده. فقال: صدق الله، وبلغ رسوله، فقام إليه عبيدة السلماني فقال: يا أمير المؤمنين، الله الذي لا إله هو لسمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: إي والله الذي لا إله إلا هو، حتى استحلفه ثلاثا وهو يحلف له. ومنهم الأستاذ محمد المنتصر الكتاني الأستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة في معجم فقه السلف عترة وصحابة وتابعين (ج 2 ص 101 ط مطابع الصفا بمكة المكرمة) قال: وعن علي بن أبي طالب: أنه لما وجد ذو الثدية في القتلى سجد. قال ابن حزم: إذ عرف أنه في الحزب المبطل، وأنه هو المحق. ومنهم العلامة الشريف أبو الطيب صديق حسن بن علي الحسيني القنوجي البخاري المتوفى سنة 1307 في الروضة الندية شرح الدرر البهية (ج 2 ص 360 ط بيروت سنة 1406) قال:

ص 544

أقول: وأما الكلام فيمن حارب عليا كرم الله وجهه فلا شك ولا شبهة أن الحق بيده في جميع مواطنه، أما طلحة والزبير ومن معهم فلأنهم قد كانوا بايعوه فنكثوا بيعته بغيا عليه وخرجوا في جيوش من المسلمين فوجب عليه قتالهم، وأما قتاله للخوارج فلا ريب في ذلك والأحاديث المتواترة قد دلت على أنهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية. ومنهم الفاضل الأمير أحمد حسين بهادر خان الحنفي البريانوي الهندي في كتابه تاريخ الأحمدي (ص 199 ط بيروت سنة 1408) قال: أخرج النسائي في الخصائص، عن أبي سعيد الخدري، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذكر أناسا في أنه يخرجون في فرقة من الناس يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية هم أشد الخلق. وفي حديث آخر: فذكر من صلاتهم وزكاتهم وصومهم. وقال: يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية لا يجاوز القرآن من تراقيهم لقاتلهم أقرب الناس إلى الحق. وفي حديث آخر: آيتهم رجل أسود أحد عضديه مثل ثدي المرأة يخرجون على خير فرقة من الناس. قال أبو سعيد: فأشهد أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأشهد أن علي بن أبي طالب قاتلهم وأنا معه، فأمر بذلك الرجل فالتمس فوجد فأتي به حتى نظرت إليه على النعت الذي نعته به رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومنهم العلامة المعاصر الشيخ محمد العربي التباني الجزائري المكي في تحذير العبقري من محاضرات الخضري (ج 2 ص 8) قال: وأحاديث الخوارج الصحيحة في رواية: هم شرار أمتي تقتلهم خيار أمتي. وفي حديث: هم شر الخلق والخليقة.

ص 545

وقال في ص 84: أخرج ابن ماجة في سننه، عن أبي أمامة رضي الله تعالى عنه قال: شر قتلى قتلوا تحت أديم السماء وخير قتلى قتلوا، كلاب أهل النار قد كان هؤلاء مسلمين فصاروا كفارا. قال أبو غالب: قتلت: يا أبا أمامة هذا شيء تقوله؟ قال: بل سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ا ه‍. وقال الحافظ ابن حجر في فتحه في كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم ج 12، شارحا أثر ابن عمر الذي ذكره الإمام البخاري وهو: وكان ابن عمر يراهم - يعني الخوارج - شرار خلق الله، وقال: إنهم انطلقوا إلى آيات نزلت في الكفار فجعلوها على المؤمنين. قلت: وسنده صحيح. وقد ثبت في الحديث الصحيح المرفوع عند مسلم من حديث أبي ذر في وصف الخوارج (هم شرار الخلق والخليفة). وعند أحمد بسند جيد عن أنس مرفوعا مثله، وعند البزار من طريق الشعبي عن مسروق عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الخوارج فقال: هم شرار أمتي يقتلهم خيار أمتي، وسنده حسن. وعند الطبراني من هذا الوجه مرفوعا: هم شرار الخلق والخليفة يقتلهم خير الخلق والخليقة، وفي حديث أبي سعيد عند أحمد: هم شر البرية وفي رواية عبيد الله بن أبي رافع عن علي عند مسلم من أبغض خلق الله إليه. وفي حديث عبد الله بن خباب عن أبيه عند الطبراني: شر قتلى أظلتهم السماء وأقلتهم الأرض، وفي حديث أبي أمامة نحوه، وعند أحمد وابن أبي شيبة من حديث أبي بردة مرفوعا في ذكر الخوارج شر الخلق والخليقة يقولها ثلاثا. وعند ابن أبي شيبة من طريق عمير بن إسحاق عن أبي هريرة هم شر الخلق، وهذا مما يؤيد قول من قال بكفرهم ا ه‍. ثم قال الحافظ في آخر باب يتعلق بهم ما نصه: قال الطبري: وروى هذا الحديث

ص 546

في الخوارج عن علي تاما ومختصرا عبيد الله بن أبي رافع وسويد بن غفلة وعبيدة بن عمرو وزيد بن وهب وكليب الجرمي وطارق بن زياد وأبو مريم. قلت: وأبو الوضي وأبو كثير وأبو موسى وأبو وائل في مسند إسحاق بن راهويه والطبراني وأبو جحيفة عند البزار وأبو جعفر الفراء مولى علي، أخرجه الطبراني في الأوسط وكثير بن نمير وعاصم بن ضمرة. قال الطبري: ورواه عن النبي صلى الله عليه وسلم مع علي بن أبي طالب أو بعضه عبد الله بن مسعود وأبو زيد وابن عباس وعبد الله بن عمرو بن العاص وابن عمر وأبو سعيد الخدري وأنس بن مالك وحذيفة وأبو بكرة وعائشة وجابر وأبو برزة وأبو أمامة وعبد الله بن أبي أوفى وسهل بن حنيف وسلمان الفارسي: قلت: ورافع بن عمرو وسعد بن أبي وقاص وعمار بن ياسر وجندب بن عبد الله البجلي وعبد الرحمن ابن عديس وعقبة بن عامر وطلق بن علي وأبو هريرة. أخرجه الطبراني في الأوسط بسند جيد من طريق الفرزدق الشاعر أنه سمع أبا هريرة وأبا سعيد وسألهما فقال: إني رجل من أهل المشرق وإن قوما يخرجون علينا يقتلون من قال لا إله إلا الله ويؤمنون من سواهم، فقالا لي: سمعنا النبي صلى الله عليه وسلم يقول: من قتلهم فله أجر شهيد ومن قتلوه فله أجر شهيد. فهؤلاء خمسة وعشرون نفسا من الصحابة والطرق إلى كثرتهم متعددة كعلي وأبي سعيد وعبد الله بن عمر وأبي بكرة وأبي برزة وأبي ذر، فيفيد مجموعها القطع بصحة ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ا ه‍. ومنهم الحافظ الشيخ جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد السيوطي المتوفى سنة 911 في كتابه مسند علي بن أبي طالب (ج 1 ص 50 ط المطبعة العزيزية بحيدر آباد، الهند) قال: عن عبيد الله بن عياض بن عمر القاري قال: جاء عبد الله بن شداد فدخل على عائشة ونحن عندها جلوس مرجعه من العراق ليالي قتل علي فقالت له: يا عبد الله بن شداد،

ص 547

هل أنت صادقي عما أسألك عنه؟ حدثني عن هؤلاء القوم الذين قتلهم علي. قال: إن عليا لما كاتب معاوية وحكم الحكمين خرج عليه ثمانية آلاف من قراء الناس فنزلوا أرضا يقال لها حروراء من جانب الكوفة وإنهم عتبوا عليه فقالوا: انسلخت من قميص ألبسكه الله واسم سماك [الله تعالى] به ثم انطلقت فحكمت في دين الله ولا حكم إلا لله، فلما بلغ عليا ما عتبوا عليه وفارقوه [عليه] فأمر مؤذنا فأذن أن لا يدخل على أمير المؤمنين إلا رجل قد حمل القرآن، فلما أن امتلأت الدار من قراء الناس دعا بمصحف إمام عظيم فوضعه بين يديه فجعل يصكه بيده ويقول: أيها المصحف حدث الناس، فقالوا: يا أمير المؤمنين، ما تسأل عنه فإنما هو مداد في ورق ونحن نتكلم بما رويناه منها فما تريد؟ قال: أصحابكم هؤلاء الذين خرجوا بيني وبينهم كتاب الله يقول الله في كتابه امرأة ورجل (فإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما) فأمة محمد أعظم دما وحرمة من امرأة ورجل، ونقموا علي أن كاتبت معاوية كتب علي بن أبي طالب وقد جاءنا سهيل بن عمرو ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديبية حين صالح قومه قريشا فكتب رسول الله صلى الله عليه: بسم الله الرحمن الرحيم،، قال سهيل: لا تكتب بسم الله الرحمن الرحيم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فكيف نكتب؟ فقال: اكتب: باسمك اللهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أكتب محمد رسول الله. فقال سهيل: لو أعلم أنك رسول الله لم أخالفك . فكتب: هذا ما صالح محمد بن عبد الله قريشا، والله تعالى يقول في كتابه: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) (حم، والعدني ع، ق كر، ص). ومنهم العلامة المؤرخ محمد بن مكرم المشتهر بابن منظور المتوفى سنة 711 في مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر (ج 18 ص 51 ط دار الفكر) قال: خرج عبد الله بن شداد بن الهاد على عائشة مرجعه من العراق ليالي قتل علي،

ص 548

فقالت: يا عبد الله بن شداد، هل أنت صادقي عما أسألك عنه؟ قال: وما لي لا أصدقك؟ قالت: فحدثني عن قصتهم قال - فذكر الحديث مثل ما تقدم عن السيوطي بتفاوت يسير في اللفظ، إلى أسوة حسنة فزاد: فبعث إليهم عبد الله بن عباس فخرجت معه، حتى توسطنا عسكرهم - فقال عبد الله ابن شداد -: فقام ابن الكوا فخطب الناس فقال: يا حملة القرآن، إن هذا عبد الله بن عباس، فمن لم يكن يعرفه فأنا أعرفه من كتاب الله، هو الذي نزل فيه وفي قومه: (بل هم قوم خصمون) فردوه إلى صاحبه، ولا تواضعوا كتاب الله، فقام خطباؤهم فقالوا: بلى والله لنواضعنه كتاب الله فإن جاء بحق نعرفه اتبعناه، وإن جاء بباطل لنبكتنه بباطله ولنردنه إلى صاحبه. فواضعوا عبد الله الكتاب ثلاثة أيام، قالوا: كيف قلت يا بن عباس؟ قال: قلت: ما الذي تتكلمون على صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن عمه؟ قالوا: ثلاث خصال . قال: فما هن؟ قالوا: أما واحدة فإنما قاتل ولم يسب، ولم يغنم، فإن كان القوم كفارا فقد أحل الله دماءهم ونساءهم، وإن كانوا غير ذلك فبم استحل ما صنع بهم؟ وأما الثانية فإنه حكم الرجال في أمر الله، وفي دين الله، فما للرجال والحكم في دين الله بعد قوله: (إن الحكم إلا لله) وأما الثالثة فإنه محا نفسه، وهو أمير المؤمنين، فإن لم يكن أمير المؤمنين فهو أمير الكافرين. قال ابن عباس: هل عندكم غير هذا؟ قالوا: حسبنا خصلة من هذه الخصال، قال: فإن أنا أتيتكم من كتاب الله ما ينقض قولكم هذا فترجعون؟ قالوا: نعم، قال: فإن الله صير مع حكمه حكم الرجال في كتابه ما لا يقبل غيره (يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم) وقال في آية أخرى: (وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدان إصلاحا يوفق الله بينهما) أخرجت لكم من هذه؟ قالوا: نعم.

ص 549

وأما قولكم: قاتل ولم يسب ولم يغنم فأيكم كان يسبي عائشة، فإن قلتم: إنما نستحل منها ما نستحل من المشركات بعد قول الله تعالى (وأزواجه أمهاتكم) فقد خرجتم من الإسلام، فأنتم بين الضلالتين، فأخرجوا من إحداهما إن كنتم صادقين، قال: أخرجت من هذه؟ قالوا: نعم. وأما قولكم: إنه محي اسمه وهو أمير المؤمنين، فإن لم يكن أمير المؤمنين فهو أمير الكافرين، فأنا آتيكم برجال ممن ترضون، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الموادعة كتب: هذا ما اصطلح عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو سفيان وسهيل بن عمرو فمحو رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الوحي والنبوة أعظم أو محو علي بن أبي طالب نفسه يوم الحكمين؟ قالوا: بل محو رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: أخرجت من هذه؟ قالوا: نعم. قال عبد الله بن شداد: فرجع منهم أربعة آلاف فيهم ابن الكوا حتى أدخلناهم على علي بالكوفة، فبعث علي إلى بقيتهم، فقال: قد كان من أمرنا وأمر الناس ما قد رأيتم، فاعتزلوا حيث شئتم حتى تجتمع أمة محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم فتوجهوا منها حيث شئتم، بيننا وبينكم أن تسفكوا دما حراما، أو تقطعوا سبيلا، أو تظلموا الأمة، فإنكم إن فعلتم فقد نبذنا إليكم الحرب على سواء (إن الله لا يحب الخائنين). فقالت عائشة: يا بن شداد، فلم قتلهم؟ قال: فوالله ما بعث إليهم حتى قطعوا السبل، وسفكوا الدم، واستحلوا أهل الذمة، قالت: الله الذي لا إله إلا هو لقد كان؟ قال: نعم، قالت: فما شيء بلغني عن أهل العراق يتحدثون: ذو الثدية؟ قال: قد رأيته وقمت عليه مع علي في القتلى فدعا الناس فقال: هل تعرفون هذا؟ فما أكثر من قال: رأيته في مسجد بني فلان يصلي، ورأيته في مسجد بني فلان يصلي، قالت: فما قال علي حين قام عليه كما يزعم أهل العراق. قال: سمعته يقول: صدق الله ورسوله، قالت: نعم، صدق الله ورسوله، رحم الله عليا لئن كان

ص 550

من قوله إذا رأى شيئا يعجبه قال: صدق رسوله، قال: فذهب أهل العراق يكذبون عليه ويزيدون عليه الحديث. ومنهم العلامة الحافظ أبو يعلى أحمد بن علي بن المثنى التميمي الموصلي المتوفى سنة 307 مسند أبي يعلى (ج 1 ص 367 ط دار المأمون للتراث - دمشق) قال: حدثنا إسحاق بن أبي إسرائيل، حدثنا يحيى بن سليم، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن عبيد الله بن عياض بن عمرو القاري، أنه جاء عبد الله بن شداد فدخل على عائشة ونحن عندها جلوس، مرجعه من العراق، ليالي قتل علي بن أبي طالب. فقالت له: يا ابن شداد بن الهاد، هل أنت صادقي عما أسألك عنه؟ حدثني عن القوم الذين قتلهم علي. قال: وما لي لا أصدقك؟ قالت فحدثني عن قصتهم. قال: فإن علي بن أبي طالب لما كاتب معاوية، وحكم الحكمان خرج عليه ثمانية آلاف من قراء الناس فنزلوا بأرض يقال لها: حروراء من جانب الكوفة وأنهم عتبوا عليه فقالوا: انسلخت من قميص كساكه الله - فذكر مثل ما تقدم عن مختصر تاريخ دمشق . وقال السيوطي أيضا في المسند ص 134: عن زيد بن وهب الجهني أنه كان في الجيش الذين كانوا مع علي الذين ساروا إلى الخوارج فقال علي رضي الله عنه: أيها الناس إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يخرج قوم من أمتي يقرؤون القرآن ليست قراءتكم إلى قراءتهم شيئا ولا صلاتكم إلى صلاتهم شيئا ولا صيامكم إلى صيامهم شيئا، يقرؤون القرآن، يحسبونه أنه لهم وهو عليهم لا تجاوز صلاتهم تراقيهم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، لو يعلم الجيش الذين يصيبونهم ما قضى لهم على لسان نبيهم صلى الله

 

الصفحة السابقة الصفحة التالية

شرح إحقاق الحق (ج32)

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب