الصفحة السابقة الصفحة التالية

شرح إحقاق الحق (ج33)

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب

ص 601

بالاعوجاج، ضالا عن السبيل، قائلا غير الجميل، يا ابن الأزرق أصف إلهي بما وصف به نفسه فأقول: لا يدرك بالحواس، ولا يقاس بالناس، قريب غير ملتصق، وبعيد غير مستقص، يوحد ولا يبعض، معروف بالآيات، موصوف بالعلامات، لا إله إلا هو الكبير المتعال. فبكى الأزرق وقال: ما أحسن كلامك! ومن كلامه رضي الله عنه: حوائج الناس من نعم الله عليكم، فلا تملوا النعم فتعود نقما. وقال: صاحب الحاجة لم يكرم وجهه عن سؤالك، فأكرم وجهك. وقال: الحلم زينة والوفاء مروءة والصلة نعمة والاكثار صلف والعجلة سفه، والسفه ضعف، والغلو ورطة ومجالسة أهل الدناءة شر، ومجالسة أهل الفسوق ريبة.

كلامه عليه السلام في حق السائل

رواه جماعة: فمنهم العلامة حميد بن زنجويه المتوفى سنة 251 ه في كتابه: (الأموال) (ج 3 ص 1125 ط مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية) قال: أخبرنا حميد ثنا محمد بن يوسف أنا سفيان عن يعلى مولى لفاطمة ابنة الحسين عن فاطمة ابنة الحسين عن أبيها حسين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: للسائل حق، وإن جاء على فرس. أخبرنا حميد ثنا علي بن الحسن عن ابن المبارك عن مصعب بن محمد عن يعلى ابن أبي يحيى مولى لفاطمة ابنة الحسين عن الحسين بن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله. أخبرنا حميد أنا علي بن الحسن عن ابن المبارك عن ابن جريج عن مصعب بن محمد عن يعلى بن أبي يحيى عن سكينة بنت حسين عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله.

ص 602

ومنهم العلامة أبو عبد الله الشيخ محمد بن السيد درويش الحوت الحنفي البيروتي المولود بها سنة 1209 والمتوفى بها أيضا سنة 1276 في كتابه: (الأحاديث المشكلة في الرتبة) (ص 207 ط عالم الكتب في بيروت 1403) قال: فذكر الحديث مثل ما تقدم - ثم قال: روي عن الحسين بن علي عليهما السلام موقوفا.

كلامه عليه السلام لعبد الله بن عمرو بن العاص وعتابه عليه

رواه جماعة: منهم العلامة أبو الحسن أسلم بن سهل بن أسلم بن زياد بن حبيب الرزاز الواسطي في (تاريخ واسط) (ص 236 ط عالم الكتب بيروت) قال: حدثنا أسلم، قال: ثنا محمد بن عبد الملك، قال: ثنا معلى بن عبد الرحمن، قال: ثنا شريك عن داود بن أبي عوف عن إسماعيل بن رجاء عن أبيه، قال: سمعت الحسين بن علي يعاتب عبد الله بن عمرو وهو يقول: لحفت بعدونا وفعلت وفعلت. فقال له عبد الله: أما والله ما ضربت معهم بسيف ولا طعنت معهم برمح ولا رميت بسهم. ولكن أبي شكاني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فوضعها في يده وقال: يا عبد الله، أطع أباك.

كلامه عليه السلام في الموت

رواه جماعة: فمنهم الفاضل المعاصر راجي الأسمر في (كنوز الحكمة - أو: حكمة الدين والدنيا) (ص 542 ط دار الجيل بيروت) قال: الموت باب الآخرة. (الحسين بن علي).

ص 603

ومنهم الفاضل المعاصر أمل شلق في (معجم حكمة العرب) (ص 391 ط دار الكتب العلمية بيروت) قال: فذكر مثله بعينه.

ومن كلام له عليه السلام لأعدائه أعداء الله

رواه جماعة: منهم الفاضل المعاصر الدكتور محمد جميل غازي في (استشهاد الحسين عليه السلام) (ص 83 خرجه من كتاب الحافظ ابن كثير ط مطبعة المدني المؤسسة السعودية بمصر) قال: ثم ركب الحسين على فرسه وأخذ مصحفا فوضعه بين يديه، ثم استقبل القوم رافعا يديه يدعو بما تقدم ذكره: اللهم أنت ثقتي في كل كرب، ورجائي في كل شدة إلى آخره، وركب ابنه علي بن الحسين - وكان ضعيفا مريضا - فرسا يقال له الأحمق، ونادى الحسين: أيها الناس: اسمعوا مني نصيحة أقولها لكم، فأنصت الناس كلهم، فقال بعد حمد الله والثناء عليه: أيها الناس: إن قبلتم مني وأنصفتموني كنتم بذلك أسعد، ولم يكن لكم علي سبيل، وإن لم تقبلوا مني: (فاجمعوا أمركم وشركاءكم ثم لا يكن أمركم عليكم غمة ثم اقضوا إلي ولا تنظرون) [يونس: 71]. فلما سمع ذلك أخواته وبناته ارتفعت أصواتهن بالبكاء فقال عند ذلك لا يبعد الله ابن العباس - يعني حين أشار عليه أن لا يخرج بالنساء معه ويدعهن بمكة إلى أن ينتظم الأمر - ثم بعث أخاه العباس فسكتهن، ثم شرع يذكر الناس فضله وعظمة نسبه وعلو قدره، وشرفه، ويقول: راجعوا أنفسكم وحاسبوها. هل يصلح لكم قتال مثلي، وأنا ابن بنت نبيكم، وليس على وجه الأرض ابن بنت نبي غيري؟ وعلي أبي، وجعفر ذو الجناحين عمي. وحمزة سيد الشهداء عم أبي؟ وقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأخي: هذان سيدا شباب أهل الجنة: فإن صدقتموني بما أقول فهو الحق، فوالله ما تعمدت كذبة منذ علمت أن الله يمقت على الكذب، وإلا فاسألوا

ص 604

أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، جابر بن عبد الله، وأبا سعيد، وسهل بن سعد، وزيد بن أرقم، وأنس بن مالك، يخبرونكم بذلك، ويحكم! أما تتقون الله؟ أما في هذا حاجز لكم عن سفك دمي؟. فقال عند ذلك شمر بن ذي الجوشن: هو يعبد الله على حرف: إن كنت أدري ما يقول؟ فقال له حبيب بن مطهر: والله يا شمر إنك لتعبد الله على سبعين حرفا، وأما نحن فوالله إنا لندري ما يقول، وإنه قد طبع على قلبك. ثم قال: أيها الناس، ذروني أرجع إلى مأمني من الأرض، فقالوا: وما يمنعك أن تنزل على حكم بني عمك؟ فقال: معاذ الله (إني عذت بربي وربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب)، ثم أناخ راحلته وأمر عقبة بن سمعان فعقلها، ثم قال: أخبروني أتطلبوني بقتيل لكم قتلته؟ أو مال لكم أكلته أو بقصاصة من جراحة؟ قال: فأخذوا يكلمونه. قال : فنادى يا شبيب بن ربعي، يا حجاج بن أبجر، يا قيس بن الأشعث، يا زيد بن الحارث، ألم تكتبوا إلي أنه قد أينعت الثمار واخضر الجنات، فأقدم علينا، فإنك إنما تقدم على جند مجندة! فقالوا له: لم نفعل. فقال: سبحان الله! والله لقد فعلتم، ثم قال: يا أيها الناس، إذ قد كرهتموني فدعوني أنصرف عنكم، فقال له قيس بن الأشعث: ألا تنزل على حكم بني عمك فإنهم لن يؤذوك، ولا ترى منهم إلا ما تحب؟ فقال له الحسين: أنت أخو أخيك، أتريد أن تطلبك بنو هاشم بأكثر من دم مسلم بن عقيل؟ لا والله لا أعطيهم بيدي إعطاء الذليل، ولا أقر لهم إقرار العبيد. قال: وأقبلوا يزحفون نحوه وقد تحيز إلى جيش الحسين من أولئك طائفة قريب من ثلاثين فارسا فيما قيل، منهم الحر بن يزيد أمير مقدمة جيش ابن زياد، فاعتذر إلى الحسين مما كان منهم.

ص 605

ومن كلامه عليه السلام الفقهي

رواه جماعة: فمنهم العلامة حميد بن زنجويه المتوفى سنة 251 ه في كتابه: (الأموال) (ج 1 ص 332 ط مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية) قال: حدثنا حميد قال: قال أبو عبيد: أنا ابن أبي عدي عن سفيان عن عبد الله بن شريك عن بشر بن غالب قال: سئل الحسين بن علي: على من فداء الأسير؟ قال: على الأرض التي يقاتل عنها. قيل: فمتى يجب سهم المولود؟ قال: إذا استهل. حدثنا حميد أنا يحيى بن عبد الحميد ثنا شريك عن عبد الله بن شريك عن بشر ابن غالب قال: سأل ابن الزبير الحسين بن علي عن فكاك الأسير فقال: على القرية التي يقاتل من دونها. وقال أيضا في ج 2 ص 527: حدثنا حميد قال أبو عبيد: أنا عبد الرحمن عن سفيان عن عبد الله بن شريك عن بشر بن غالب قال: سئل الحسين بن علي: متى يجب سهم المولود؟ قال: إذا استهل. قيل: فعلى من فداء الأسير؟ قال: على الأرض التي يقاتل عنها.

كلامه عليه السلام في (التهنئة)

رواه جماعة: فمنهم العلامة أبو زكريا يحيى بن شرف النووي في (المجموع - شرح المهذب) (ج 8 ص 441 ط دار الفكر) قال: جاء عن الحسين رضي الله عنه (أنه علم انسانا التهنئة فقال قل بارك الله لك في الموهوب لك وشكرت الواهب وبلغ أشده ورزقت بره.

ص 606

ومن كلامه عليه: (خير المال ما وقى العرض)

رواه جماعة: ومنهم الحافظ الجمال أبو الحجاج يوسف المزي في (تهذيب الكمال) (ج 6 ص 406 ط مؤسسة الرسالة في بيروت) قال: وقال محمد بن يونس الكديمي، عن الأصمعي، عن ابن عون: كتب الحسن إلى الحسين يعتب عليه إعطاء الشعراء، فكتب إليه: إن خير المال ما وقي العرض. رواها يحيى بن معين عن الأصمعي، قال: بلغنا عن ابن عون.

ومن كلامه عليه السلام: (لا تتكلف ما لا تطيق ولا تنفق إلا بقدر ما تستفيد)

رواه جماعة: فمنهم الفاضل المعاصر الشريف علي بن الدكتور محمد عبد الله فكري الحسيني القاهري المولود بها 1296 ه والمتوفى بها أيضا 1372 ه في (أحسن القصص) (ج 4 ص 229 ط دار الكتب العلمية في بيروت) قال: نهيه عن الاسراف والتبذير، كان الحسين رضي الله عنه مع جوده الذي امتاز به، وكرمه الذي يندر نظيره، لا يتجاوز حد السخاء إلى الاسراف، وينهى عن التبذير، فقد روي عن ياقوت المستعصي في أسرار الحكماء قوله: لا تتكلف ما لا تطيق ولا تنفق إلا بقدر ما تستفيد.

ومن كلامه عليه السلام للوليد في يزيد اللعين

رواه جماعة (1):

(هامش)

(1) الفاضل المعاصر محمد رضا أمين مكتبة جامعة فؤاد الأول سابقا في كتابه: (الحسن والحسين سبطا رسول الله صلى الله عليه وسلم) ص 143 ط دار الكتب العلمية بيروت قال: = (*)

ص 607

(هامش)

= وقال الإمام ابن حنبل بكفر يزيد. ونقل صالح بن أحمد بن حنبل رضي الله عنهما، قال: قلت لأبي: يا أبت أتلعن يزيد؟ فقال: يا بني كيف لا نلعن من لعنه الله تعالى في ثلاث آيات من كتابه العزيز في الرعد والقتال والأحزاب. قال تعالى: (والذين يقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار) وأي قطيعة أفظع من قطيعته صلى الله عليه وسلم في ابن بنته الزهراء. وقال تعالى: (إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا) وأي أذية له صلى الله عليه وسلم فوق قتل ابن بنته الزهراء؟ وقال تعالى: (فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم. أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم) وهل بعد قتل الحسين رضي الله عنه إفساد في الأرض أو قطيعة للأرحام؟ ا ه. وقال التفتازاني في شرح العقائد النسفية: اتفقوا على جواز لعن من قتل الحسين أو أمر به أو أجازه أو رضي به قال: والحق إن رضا يزيد بقتل الحسين واستبشاره بذلك وإهانته أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن كان تفصيله آحادا. فنحن لا نتوقف في شأنه بل في كفره، لعنة الله عليه وعلى أنصاره وأعوانه. لكن ليس في الروايات التي ذكرناها ما يثبت أن يزيد أمر بقتل الحسين وقال يزيد حين بلغه قتل الحسين قد كنت أقنع بطاعتكم بدون قتل الحسين. قال الذهبي في يزيد: كان ناصبيا (يتدين ببغض علي)، فظا، غليظا، يتناول المسكر ويفعل المنكر. افتتح دولته بقتل الحسين. وختمها بوقعة الحرة. فمقته الناس ولم يبارك في عمره وخرج عليه غير واحد بعد الحسين، وذكر من خرج عليه. وقال في الميزان: إنه مقدوح في عدالته، ليس بأهل أن يروى عنه. وقال رجل في حضرة عمر بن عبد العزيز أمير المؤمنين يزيد فضربه عمر عشرين سوطا. واستفتي الكيا الهراسي فيه فذكر فصلا واسعا في مخازيه ثم قال: ولو مددت ببياض لمددت العنان في مخازي هذا الرجل. جاء في مروج الذهب للمسعودي في أخبار يزيد أنه كان صاحب طرب وجوارح وكلاب وقرود وفهود ومنادمة على الشراب. وجلس ذات يوم على شرابه وعن يمينه ابن زياد وذلك بعد قتل الحسين، فأقبل على ساقيه فقال: اسقني شربة تروي مشاشي * ثم صل فاسق مثلها ابن زياد صاحب السر والأمانة عندي * ولتسديد مغنمي وجهادي ثم أمر المغنين فغنوا، وغلب على أصحاب يزيد وعماله ما كان يفعله من الفسوق، وفي أيامه ظهر الغناء بمكة والمدينة واستعملت الملاهي وأظهر الناس شرب الشراب، وكان له قرد يكنى بأبي = (*)

ص 608

(هامش)

= قيس يحضر مجلس منادمته ويطرح له متكأ، وكان قردا خبيثا، وكان يحمله على أتان وحشية قد ربضت وذللت لذلك بسرج ولجام، ويسابق بها الخيل يوم الحلية. فجاء في بعض الأيام سابقا فتناول القصبة ودخل الحجرة قبل الخيل وعلى أبي قباء من الحرير الأحمر والأصفر مشهر، وعلى رأسه قلنسوة من الحرير ذات ألوان بشقائق، وعلى الأتان سرج من الحرير منقوش ملمع بأنواع من الألوان، فقال في ذلك بعض شعراء الشام في ذلك اليوم: تمسك أبا قيس بفضل عنانها * فليس عليها إن سقطت ضمان ألا من رأى القرد الذي سبقت به * جياد أمير المؤمنين أتان وفي يزيد وتملكه وتجبره وانقياد الناس إلى ملكه يقول الأحوص: ملك تدين له الملوك مبارك * كادت لهيبته الجبال تزول تجبى له بلخ ودجلة كلها * وله الفرات وما سقى والنيل ولما شمل الناس جور يزيد وعماله، وعمهم ظلمه وما ظهر من فسقه من قتله ابن بنت رسول الله وأنصاره وما ظهر من شرب الخمور، أخرج أهل المدينة عامله عليهم وهو عثمان بن محمد بن أبي سفيان ومروان بن الحكم وسائر بني أمية وذلك لما أظهر ابن الزبير الدعوة لنفسه في سنة 63 ه فلما علم بذلك يزيد سير إليهم بالجيوش من أهل الشام، عليهم مسلم بن عقبة المري الذي أخاف المدينة ونهبها وقتل أهلها وبايعه أهلها على أنهم عبيد ليزيد وسماها نتنة، وقد سماها رسول الله طيبة. ولما انتهى الجيش من المدينة إلى الموضع المعروف بالحرة وعليهم مسرف خرج إلى حربه أهلها فكانت وقعة عظيمة قتل فيها خلق كثير من الناس من بني هاشم وسائر قريش والأنصار وغيرهم، ثم خرج مسرف إلى مكة، فلما انتهى إلى الموضع المعروف بقديد مات مسرف واستخلف على الجيش الحصين بن نمير فسار إلى مكة وأحاط بها ونصب فيمن معه من أهل الشام المجانيق والعرادات على مكة والمسجد فانهدمت الكعبة واشتد الأمر على أهل مكة وابن الزبير واتصل الأذى بالأحجار والنار والسيف. ففي ذلك يقول أبو حرة المديني: ابن نمير بئس ما تولى * قد أحرق المقام والمصلى أوردنا هنا سيرة يزيد ونوادره وهي سيرة لا ترضي أحدا، فقد ثبت من عدة مصادر أنه كان يحتسي الخمر ويتباهى بشربها، وأنه كان مولعا بالنساء والملاهي والألعاب وأعمال الطائشين، وقد كان الحسين رضي الله عنه معذورا في القيام في وجهه وتضحيته نفسه لأن هذه أخلاق منكرة يجب محاربتها، ولم يطق أهل المدينة ومكة هذا الظلم والجور وارتكاب الموبقات وانتشار الخمور في بلادهم المقدسة التي هي موضع احترام المسلمين كافة فقاموا بثورة كبيرة لا تأييدا لابن الزبير فقط، بل سخطا على هذه الفوضى وتمكنوا من طرد بني أمية غير أن يزيد استعان عليهم بجيش = (*)

ص 609

(هامش)

= الشام. ومات يزيد بحوارين من أرض دمشق لسبع عشرة ليلة خلت من صفر سنة 64 ه وهو ابن 33 سنة، وفي ذلك يقول رجل من عنزة: يا أيها القبر بحوارينا * ضممت شر الناس أجمعينا وقال العلامة الشريف أحمد بن محمد بن أحمد الحسيني الخوافي [الحافي] الشافعي في (البر المذاب) ص 102 المخطوط قال: والعجب من قوم يدعون الإسلام ويظهرون شعاره وهم مع ذلك يصوبون فعل يزيد في الحسين ابن علي عليه السلام مع علمهم بأنه كان يشرب الخمر ويلبس الحرير ويتلعب بالقردة ويحيى الليل بالمعازف وأصوات القينات ويقرب الفساق ويصرف لهم من بيت المال ما يصرفوه في اللهو والخمور ويحرم أفاضل الصحابة والتابعين ولم يكن له عند أهل العلم ذكر ولا دنوة في تصانيفهم ولا رووا عنه حديثا واحدا ولم يكن يحفظ من كتاب الله تعالى إلا القليل ولا أحرز من سنة الله ورسوله شيئا وكان شعره التشبيب والغناء بالخمر والنساء والصبيان حكم ثلاث سنين أول سنة أمر بقتل الحسين عليه السلام لعبيد الله بن زياد وأمره بتجهيز رأسه وحريمه إليه سبايا إلى دمشق وشرب على رأسه الخمر ونكث ثناياه بالقضيب ولم يرع له حرمة وثاني سنة سبى المدينة الشريفة النبوية وأباحها ثلاثة أيام وروى الإمام أحمد في المسند عن أنس بن عباس عن يزيد بن حصينة عن عبد الله بن عبد الرحمن أبي صعصعة عن عطاء بن يسار عن السايب بن خلاد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من أخاف المدينة ظالما أخافه الله وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا. وروى الإمام البخاري عن حسين بن حريث عن الفضل عن جعد عن عايشة قالت سمعت سعدا يقول لا يكيد أهل المدينة أحد إلا انماع الايمان من قلبه كما ينماع الملح في الماء وأخرجه مسلم أيضا بمعناه وفيه أيضا لا يريد أهل المدينة أحد بسوء إلا أذابه الله في النار كما يذوب الرصاص. وعن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن إبراهيم حرم مكة فجعلها حرما وإني حرمت المدينة حراما ما بين مأزميها لا يراق فيها دم ولا يحمل فيها سلاح لقتال ولا يحبط فيها شجرة إلا لعلف أخرجه مسلم في صحيحه وعنه صلى الله عليه وسلم أيضا المدينة حرام ما بين عير إلى ثور ويقال عاير فمن أحدث فيها حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ولا خلاف أن يزيد أخاف المدينة وسبى أهلها ونهبها وأباحها في وقعة الحرة. وسببه ما رواه الواقدي وابن إسحاق وهشام بن محمد إن جماعة من أجلا أهل المدينة وفدوا على يزيد سنة اثنتين وستين بعد مقتل الحسين عليه السلام فرأوه يشرب الخمر ويلعب بالطنابير = (*)

ص 610

(هامش)

= فلما عادوا إلى المدينة أظهروا سبه ولعنه وخلعوه وطردوا عامله عثمان بن محمد بن أبي سفيان وقالوا قدمنا من عند رجل لا دين له يسكر ويدع الصلاة وبايعوا عبد الله بن حنظلة ابن الغيل وكان ابن حنظلة يقول يا قوم ما خرجنا على يزيد حتى خفنا أن نرمى بالحجارة من السماء رجل ينكح الأمهات والبنات والأخوات ويشرب الخمور ويقتل أولاد الأنبياء والله لو لم يكن عندي أحد من الناس لأبليت الله فيه بلا حسنا فبلغ ذلك يزيد فبعث بمسلم بن عقبة المري في جيش كثيف من أهل الشام فقتل حنظلة والأشراف وأقام بالمدينة ثلاثة أيام ينهب المال ويهتك الحريم وذكر المدائني في كتاب وقعة الحرة عن الزهري قال كان القتلى يوم الحرة سبع مائة من وجوه قريش والأنصار والمهاجرين ووجوه الموالي وأما من لم يعرف من حر أو عبد أو امرأة فعشرة آلاف وخاض الناس في الدماء حتى بلغ قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وامتلأت الروضة الشريفة والمسجد منه قال مجاهد التجأ الناس إلى حجرة الرسول ومنبره والسيف يعمل فيهم وكانت وقعة الحرة ثلاثا وستين في ذي الحجة وذكر المدائني عن أبي وقرة قال هشام بن حسان ولدت ألف امرأة بعد الحرة من غير زوج وقال غيره عشرة آلاف قال الشعبي وكل ذلك برضى يزيد لإرساله الجيش وهو دليل الرضى بالفعل. وقد قال علي بن أبي طالب عليه السلام الراضي بفعل قوم كالداخل فيه معهم وعلى كل داخل إثمان إثم الرضا وإثم العمل وفي السنة الثالثة جهز جيشا إلى مكة شرفها الله، حاصرها وهتك حرمتها وقد كرمها الله إلى يوم القيامة فمن حرمتها إن الله حرم صيدها وقطع شجرها واخلاء خلائها وحرم القتل والقتال فيها ولم تحل لأحد إلا النبي صلى الله عليه وآله كما أخبر به تعالى (وأنت حل بهذا البلد) قال صلى الله عليه وسلم لم يحل لأحد قبلي ولا بعدي وإنما أحلت لي ساعة من نهار حتى أن الاحتكار في مكة الحاد وضرب الخادم الحاد والصغيرة بها كبيرة فكيف لمن قصد هدم الكعبة وأباح حرمتها. وقد قال عز وجل: (ومن يرد فيه بالحاد بظلم نذقه من عذاب السعير) وكان أمير جيشه مسلم بن عقبة فمات في أثناء الطريق فاستخلف على الجيش الحصين بن النمير السكوني فضرب الكعبة بالمناجيق وهدمها وحرقها وإلى الآن أثر الحرث على حجارتها وكان بينها وبين موت يزيد ثلاثة أيام، أمهله الله بل أخذه أخذ القرى وهي ظالمة فظهرت فيه الآثار النبوية والاشارات المحمدية والمقادير الإلهية. وقال في ص 104: قال أبو الفرج ابن الجوزي في كتاب الرد على المتعصب العنيد في تصويب فعل يزيد ليس العجب من قتال ابن زياد الحسين عليه السلام وتسليطه عمر بن سعد على قتله والشمر على حمل الرؤس إليه وإنما العجب صب الخمر على رأس الحسين عليه السلام وضربه بالقضيب على ثناياه وأمر ابن زياد بحمل آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم سبايا على أقتاب الجمال وعزمه على = (*)

ص 611

(هامش)

= دفع فاطمة بنت الحسين عليه السلام للرجل الذي طلبها منه وإنشاده شعر ليت أشياخي ببدر شهدوا الخ. أفيجوز أن يفعل هذا بالخوارج أليس بإجماع المسلمين إن قتلى المسلمين يكفنون ويصلى عليهم ويدفنون وقول يزيد لفاطمة بنت الحسين عليه السلام لي أن أسبيكم لما طلبها الرجل وهذا قول لا يقنع لقائله وفاعله باللعنة ولو لم يكن في قلبه أحقاد الجاهلية وأضغان بدرية لاحترم الرأس لما وصل إليه ولم يضربه بالقضيب ولا صب عليه جرعة الخمر ولكفنه ودفنه وأحسن إلى آل الرسول صلى الله عليه وسلم. والدليل على صحة ذلك أنه استدعى ابن زياد وشكره على فعله وأعطاه أموالا جزيلة وتحفا كثيرة من بيت مال المسلمين وقرب مجلسه ورفع منزلته وأدخله على نسائه وجعله نديمه وسكر ليله فقال للمغني غن ثم أنشد بديها:

سقني شربة تروي فؤادي * ثم ملي فسق ابن زياد

صاحب السر والأمانة عندي * ولتسديد مغنمي وجهادي

قاتل الخارجي أعني حسينا * ومبيد الأعداء والأضداد

قال ابن عقدة مما يدل على كفره وزندقته فضلا عن سبه ولعنه أشعاره التي أفصح فيها بالإلحاد وأبان عن خبث الضمير والاعتقاد فمنها قوله في قصيدته التي أولها:

علية هاتي علليني واعلني * بذلك أني لا أحب التناجيا

حديث أبي سفيان قدما بتمامها * إلى أحد حتى أقام البواكيا

 ألا هات سقيني على ذاك قهوة * تخيرها العلني كرماشاميا

إذا ما نظرنا في أمور قديمة * وجدنا حلالا شربها متواليا

وإن مت يا أم الاحيمر فانكحي * ولا تأملي بعد الفراق تلاقيا

فإن الذي حدثت من يوم بعثنا * أحاديث طسم تجعل القلب ساهيا

وله أيضا:

معشر الندمان قوموا * واسمعوا صوت الأغاني

واشربوا كأس مدام * واتركوا ذكر المغاني

شغلتني نغمة العيدان * عن صوت الأذان

وتعوضت عن الحور * خمورا في الدنان

وقال أيضا في ص 106: قال أبو الفرج ابن الجوزي وغير ذلك من أشعاره مما نقلته من ديوانه ولهذا تطرق إلى هذه الأمة العار بولايته عليها حتى قال أبو العلاء المعري في قصيدته التي أولها: = (*)

ص 612

(هامش)

= أرى الأيام تفعل كل نكر * فما أنا بالعجائب مستزيد

أليس قريشكم قتلت حسينا * وكان على خلافتكم يزيد

 قال سبط ابن الجوزي لما لعن جدي يزيد بحضرة الإمام الناصر للحق أحمد وكان في الحضرة أكابر العلماء بعد أن خطب وأبلغ على أعواد المنبر فسمع ذلك جماعة من الجفاة فقاموا من المجلس فقال لما أن خرجوا ألا بعدا لمدين كما بعدت ثمود وحكى بعض أشياخنا عن ذلك اليوم إن جماعة سألوا جدي عن يزيد فقال ما تقولون في رجل وله ثلاث سنين: الأولى قتل فيها الحسين عليه السلام ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم. والثانية أخاف المدينة وأباحها. والثالثة رمى الكعبة بالمناجيق وهدمها وحرقها فقالوا من فعل هذا يلعن فقال العنوه. وذكر جدي أبو الفرج في كتاب الرد على المتعصب العنيد المانع من لعن يزيد قال سألني سائل فقال ما تقول في يزيد قلت يكفيه ما به فقال أيجوز لعنته قلت قد أجازه العلماء الورعون: منهم الإمام أحمد بن حنبل فإنه ذكر في حقه ما يزيد اللعنة فإنه سئل عن يزيد فقال هو الذي فعل ما فعل قيل وما فعل قال قتل الحسين عليه السلام ونهب المدينة وخرب الكعبة قيل فنذكر عنه الحديث قال ولا كرامة لا ينبغي لأحد أن يكتب عنه الحديث وحكى أبو الفرج بن الجوزي عن القاضي أبي يعلى بن الفراء في كتابه المعتمد في الأصول بإسناده إلى صالح بن أحمد بن حنبل قال قلت لأبي أن قوما ينسبوننا إلى توالي يزيد فقال يا بني وهل يتوالى يزيد أحد يوهن بالله فقلت لم لا تلعنه فقال يا بني لم لا يلعن من لعنه الله في كتابه قال فقلت وأين لعن قال في قوله تعالى: (فهل عسيتم أن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم) فهل يكون فساد أعظم من نهب المدينة وإباحتها وهدم الكعبة وإحراقها وقطع الرحم بقتل الحسين عليه السلام. قال القاضي في الكتاب المذكور الممتنع من جواز لعن يزيد إما أن يكون غير عالم بجوازه أو منافقا يريد أن يوهم بذلك وربما استقر الجهال بشبهة قوله عليه السلام المؤمن لا يكون لعانا وهذا محمل على من لا يستحق اللعن وقد لعن الله الظالمين في عدة مواضع من القرآن وأي ظلم أعظم من قتل الحسين عليه السلام سيد شباب أهل الجنة وريحانة نبي هذه الأمة ونهب المدينة وهدم الكعبة وشرب الخمر والزنا واللعب بالقردة والطنابير وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم شارب الخمر وبايعها وحاملها والمحمولة إليه وحاضرها وعاصرها فإن استدل المتعصب العنيد ليزيد بحديث القسطنطنية قوله صلى الله عليه وسلم أول جيش يغزو القسطنطنية مغفور له ويزيد أول من غزاها فنقول الحديث يتناول أبا أيوب الأنصاري رضي الله عنه فإنه كان معهم وهو من أجلا الصحابة وهو أحق بالتبعية وإن كان تابعا في الظاهر وتولية يزيد وتغلبه عليها مع كراهة المسلمين له لا اعتداد بها فالحديث يتناول من سبقت لله سبحانه فيه العناية لا لمن سبقت له الشقاوة ونقول أيضا = (*)

ص 613

(هامش)

= الحديث معارض لقوله صلى الله عليه وسلم من أخاف المدينة فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين وغزو القسطنطنية أول سنة من ولايته وغزو المدينة ثاني سنة منها والآخر ينسخ الأول فعلمنا أن الحديث الأول غير متناول له ولعدم الخلاف في أن يزيد هو الذي أخاف المدينة وقتل رجالها ونهب مالها فلا يتناوله حديث القسطنطنية وإلا لزم التناقض وتضاد الحديثين لعدم جواز أن يكون مغفورا له على مقتضى الحديث الأول مع صحة الحديثين وعدم إمكان الجمع بينهما. وذكر علماء السير عن الحسين البصري أنه قال قد كان في معاوية هنآت لو لسقى أهل الارض الله ببعضها لكفاهم: وثوبه على هذا الأمر واقتطاعه من أهله وادعاه زيادا وقتله حجر بن عدي صاحب رسول الله وصحبه وسمه الحسن عليه السلام بن فاطمة ومحاربته عليا ثمانية عشر شهرا وتوليته يزيد على الناس مع علمه أنه شريب خمير يلبس الحرير ويلعب بالطنابير وقد كان معاوية يقول لولا هواي في يزيد لأبصرت رشدي فدل على أنه أقام يزيد لغلبته هواه ومحبته له لا للاستحقاق فيه وذكر عين القضاة أبو القاسم علي بن محمد السمناني في تاريخه قال لما وضع رأس الحسين بن علي عليه السلام بين يدي يزيد بن معاوية وكان بيده قضيب فكشف عن شفتيه وثناياه ونكتهما بالقضيب وتمثل بالأبيات المشهورة، ليست أشياخي ببدر شهدوا فرأى تغير وجوه أهل الشام مما شاهدوا منه وثقل عليهم ما جرى على أهل البيت عليهم السلام خاف مما شاهد من الناس عند ذلك فقال أتدرون من أين دهى أبو عبد الله الحسين عليه السلام فقالوا لا قال إنما دهى من حيث الفقه كأني به وقد قال أنا خير من يزيد وأبي خير من أبيه وأمي خير من أمه وجدي خير من جده وعمي خير من عمه وخالي خير من خاله وأما أنا فقد رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم ووضعني في حجره وحملني على ظهره وجعلني ريحانته وشهد لي بأني سيد شباب أهل الجنة ودعا لي ولنسلي بالبركة فأنا أحق بهذا الأمر من يزيد. ولكن ما لحظ قوله تعالى: (قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء) فسرى عن وجوه أهل الشام ما كانوا فيه لما سمعوه منه وظنوا أن الأمر كما قال وليس تأويل الآية ما ذكر ولا أراد الله تعالى ما ذهب الجاهل وإنما أراد الباري سبحانه بالملك الذي أضافه إليه إنما الملك بالحق والاستحقاق والعدل وتعز من تشاء بالطاعة التي يطاع بها في الدنيا والآخرة بالجنة والثواب وتذل من تشاء بالمعصية وقيام الحد عليه في الدنيا، وفي الآخرة عذاب النار. وأما التغلب على الملك وأخذه بغير استحقاق فلا يقال إنه داخل في الآية الشريفة وقد انتقم الله عز وجل في الدنيا من كل من أعان على الحسين عليه السلام. وخرج عليه على يد المختار بن أبي عبيد الثقفي أخذ كل من شهد بقتل الحسين بأقبح المثلات وأشنعها فلم يبق من الستة آلاف الذين قاتلوه بغير عمر بن سعد بن أبي وقاص أحد ولما أحضر = (*)

ص 614

(هامش)

= عمر بن سعد بين يدي المختار قال والله هذا رجل يرضى بقتله أهل السموات وأهل الأرض ثم أمر بقطع يديه ورجليه واحدة واحدة وسمل عينيه ثم أحرقه حيا وكان ولده حفص حاضرا وهو ابن أخت المختار فقال قتلتم أبا حفص لا خير في الحياة بعده فقال المختار صدقت والله لا خير لك فيها بعده اضربوا عنقه فضربت بين يديه ولم يأخذه لقرابة إليه عليه رأفة ثم قال عمر بالحسين عليه السلام وحفص بعلي بن الحسين ولا سواء والله لو قتلت بالحسين ثلاثة أرباع قريش ما وفوا ولا بانملة منه. ثم قتل الشمر بن ذي الجوشن الضبابي أقبح قتلة أوطأ الخيل صدره وظهره حيا حتى هلك لعنه الله وأما ابن زياد فإنه لما خرج من الكوفة قاصدا الشام استعمل على الكوفة من يثق به فخرج المختار عليه فقتله واستولى على الكوفة وقتل كل من خرج منها لقتال الحسين فبلغ ذلك ابن زياد فتجهز في ثلاثين ألفا من الشام فبلغ ذلك المختار فجهز إليه إبراهيم بن مالك الأشتر في سبعة آلاف وذلك في سنة سبع وستين فالتقيا على الزاب فقتله إبراهيم وكان من غرق أكثر ممن قتل والذي قتل ابن زياد شريك بن حريز التغلبي ثم إن إبراهيم أرسل برأس ابن زياد والفئ رأس إلى المختار فجلس في قصر الإمارة وألقيت الرؤس بين يديه فأمر بفرش الانطاع عليها ثم جلس على الانطاع وأمر بموائد الطعام فنصبت ثم قال الآن طاب الغذأ ثم أمر بإحراقها فقتل الله قتلة الحسين عليه السلام وقطع الله عز وجل نسلهم ولم يبق منهم أحد على وجه الأرض وآل رسول الله صلى الله عليه وسلم كثرهم الله في المشرق والمغرب حتى لم يكن بقعة في بلاد الإسلام إلا وفيها منهم والسر في ذلك: إن الله تبارك وتعالى بارك عليهم فقال سبحانه (رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت) والدعاء لهم على لسان كل مصل إلى يوم القيامة وهو قوله اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد وبارك على محمد وعلى آل محمد وسلم على محمد وعلى آل محمد كما صليت وباركت وسلمت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد. قال أبو القاسم السمناني وأعجب ما شوهد أن نسل الحسين عليه السلام ألوف في الدنيا رجال ونسأ لا يمكن حصرهم ولم يخلف ذكرا سوى زين العابدين عليه السلام ولا يعرف ليزيد نسل في الدنيا بل قرض الله نسله وأخلاهم من الدنيا ومات عن عشرين ذكرا وهذا سر من أسرار الله تعالى مجازاة لبني أمية على ما ارتكبوه من آل بيت الرسول لما أرادوا إبادتهم وإطفاء نورهم. قال تعالى: (يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره المشركون) قال إبراهيم النخعي والله لو كنت فيمت قاتل الحسين وأتتني المغفرة من ربي وأدخلني الجنة لاستحييت أن أمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فينظر وجهي. وقال العلامة المؤرخ محمد بن مكرم المشتهر بابن منظور المتوفى 711 ه في (مختصر تاريخ = (*)

ص 615

فمنهم الأستاذ أحمد أبو كف في (آل بيت النبي صلى الله عليه وآله في مصر) (ص 23 ط دار المعارف بالقاهرة) قال: قال عليه السلام للوليد: (يا أمير إنا أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة بنا فتح وبنا ختم، ويزيد فاسق فاجر شارب الخمر قاتل النفس المحترمة معلن بالفسوق والفجور ومثلي لا يبايع مثله ولكن نصبح وتصبحون وننظر وتنظرون أينا أحق بالبيعة والخلافة.

كلامه عليه السلام على بنيه وبني أخيه

رواه جماعة: فمنهم الحافظ المؤرخ الشيخ أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي في (تقييد العلم) (ص 91 ط دار إحياء السنة النبوية) قال: أخبرنا أبو نعيم الحافظ، حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن يحيى المزكي،

(هامش)

= دمشق لابن عساكر) ج 28 ط دار الفكر قال: عن عمر بن شبة قال: لما حج الناس في خلافة معاوية جلس يزيد بالمدينة على شراب، فاستأذن عليه ابن عباس والحسين بن علي، فأمر بشرابه فرفع. وقيل له: إن ابن عباس إن وجد ريح شرابك عرفه، فحجبه، وأذن للحسين، فلما دخل وجد رائحة الشراب مع الطيب، فقال: لله در طيبك هذا ما أطيبه، وما كنت أخشى أحدا يتقدمنا في صنعة الطيب، فما هذا يا بن معاوية؟ فقال: يا أبا عبد الله، هذا طيب يصنع بالشام. ثم دعا بقدح فشربه. ثم دعا بآخر، فقال: اسقي أبا عبد الله يا غلام، فقال الحسين: عليك شرابك أيها المرء، فلا عين عليك مني. فشرب يزيد، وقال: [من الهزج]:

ألا يا صاح للعجب * دعوتك ثم لم تجب

إلى القينات والش * هوات والصهباء والطرب

وباطية مكللة * عليها سادة العرب

وفيهن التي تبلت * فؤادك ثم لم تثب

 فنهض الحسين وقال: بل فؤادك يا بن معاوية تبلت! (*)

ص 616

أخبرنا أبو العباس محمد بن إسحاق السراج، حدثنا عمر بن محمد بن الحسن الأسدي، حدثنا أبي، حدثنا محمد بن أبان عن يونس بن عبد الله بن أبي فروة عن شرحبيل بن سعد قال: جمع الحسين بن علي بنيه وبني أخيه فقال يا بني! إنكم اليوم صغار قوم، أوشك أن تكونوا كبار قوم، فعليكم بالعلم، فمن لم يحفظ منكم، فليكتبه - كذا قال: جمع الحسين بن علي، والصواب الحسن كما ذكرناه أولا، والله أعلم.

كلامه عليه السلام لابن الزبير

رواه جماعة: فمنهم الفاضل المعاصر الدكتور محمد جميل غازي في (استشهاد الحسين عليه السلام) (ص 58) خرجه من كتاب الحافظ ابن كثير (ط مطبعة المدني المؤسسة السعودية بمصر) قال: وقال أبو مخنف: قال أبو جناب يحيى بن خيثمة عن عدي بن حرملة الأسدي عن عبد الله بن سليم والمنذر بن المشعل الأسديين قالا: خرجنا حاجين من الكوفة فقدمنا مكة فدخلنا يوم التروية، فإذا نحن بالحسين وابن الزبير قائمين عند ارتفاع الضحى فيما بين الحجر والباب، فسمعنا ابن الزبير وهو يقول للحسين: إن شئت تقيم أقمت فوليت، هذا الأمر فوازرناك وساعدناك، ونصحنا لك وبايعناك؟ فقال الحسين: إن أبي حدثني أن لها كبشا يستحل حرمتها يقتل، فما أحب أن أكون أنا ذلك الكبش. فقال له ابن الزبير: فأقم إن شئت وولني أنا الأمر فتطاع ولا تعصى، فقال: وما أريد هذا أيضا، ثم إنهما أخفيا كلامهما دوننا، فما زالا يتناجيان حتى سمعنا دعاة الناس متوجهين إلى منى عند الظهيرة، قالا: فطاف الحسين بالبيت وبين الصفا والمروة، وقصر من شعره وحل من عمرته، ثم توجه نحو الكوفة، وتوجهنا نحن مع الناس إلى منى.

ص 617

كلامه عليه السلام في معنى (الصمد)

رواه جماعة: فمنهم الشيخ محمد كامل حسن المحامي في كتابه (مع الله في القرآن الكريم) (ص 22 ط بيروت) قال: وقال الإمام الحسين بن علي رضي الله عنه: إن الصمد هو الذي اكتمل سؤدده وانتهى.

ومن كلامه عليه السلام: (من أتى مسجد الله فهو ضيف الله)

رواه جماعة: فمنهم العلامة الحافظ أبو الحسن علي بن عمر الدارقطني البغدادي المتوفى 385 ه في (المؤتلف والمختلف) (ج 3 ص 1313 ط 1 دار الغرب الإسلامي بيروت 1406 ه - 1986 م) قال: زياد بن سابور، سمع الحسين بن علي عليه السلام، يقول: من أتى مسجدا لا يأتيه إلا لله، فذاك ضيف الله، حتى يخرج منه. ذكر ذلك أسلم بن سهل، قال: [حدثنا] محمد بن عبد الله بن سعيد، قال: حدثنا أبي، حدثنا الحسن بن عمارة، عن زياد الحارثي. قال أسلم: [هذا] زياد بن سابور، عم بقية بن عبيد، والد وهب بن بقية.

ومن كلامه عليه السلام في القرآن

رواه جماعة: فمنهم الأستاذ محمد المنتصر الكتاني الأستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة في

ص 618

(معجم فقه السلف عترة وصحابة وتابعين) (ج 4 ص 74 ط مطابع الصفا بمكة المكرمة) قال: وعن الحسين بن علي قال: إذا قرنت بين الحج والعمرة فطف طوافين واسع سعيين.

كلامه عليه السلام في أن أبي خير مني ومن أمي

رواه جماعة: منهم العلامة المؤرخ محمد بن مكرم المشتهر بابن منظور المتوفى 711 ه في (مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر) (ج 18 ص 29 ط دار الفكر) قال: وعن مولى لحذيفة قال: كان حسين بن علي آخذا بذراعي في أيام الموسم، قال: ورجل خلفنا يقول: اللهم، اغفر له ولأمه، فأطال ذلك، فترك ذراعي وأقبل عليه فقال: قد آذيتنا منذ اليوم، تستغفر لي ولأمي، وتترك أبي، وأبي خير مني ومن أمي؟!

ومن كلامه عليه السلام المنظوم قاله في يوم تاسوعا

رواه جماعة: فمنهم الفاضل المعاصر الدكتور محمد جميل غازي في (استشهاد الحسين عليه السلام) (ص 80) خرجه من كتاب الحافظ ابن كثير (ط مطبعة المدني المؤسسة السعودية بمصر) قال: وقال أبو مخنف: حدثني الحارث بن كعب وأبو الضحاك عن علي بن الحسين زين العابدين، قال: إني لجالس تلك العشية التي قتل أبي في صبيحتها وعمتي زينب تمرضني إذ اعتزل أبي في خبائه ومعه أصحابه، وعنده حوى مولى أبي ذر الغفاري، وهو يعالج سيفه ويصلحه وأبي يقول:

يا دهر أف لك من خيل * كم لك بالاشراق والأصل

من صاحب أو طالب قتيل * والدهر لا يقنع بالبديل

ص 619

وإنما الأمر إلى الجليل * وكل حي سالك السبيل

فأعادها مرتين أو ثلاثا حتى حفظتها وفهمت ما أراد، فخنقتني العبرة فرددتها، ولزمت السكوت، وعلمت أن البلا قد نزل. ومنهم العلامة شمس الدين أبو البركات محمد الباعوني الشافعي في كتاب (جواهر المطالب في مناقب الإمام أبي الحسنين علي بن أبي طالب) (ق 136 والنسخة مصورة من المكتبة الرضوية بخراسان) قال: فذكر بيت الأول والمصراع الأول من البيت الثاني. أقول: في رواية غير الدكتور غازي (من خليل) و(والأصيل). وذكره ابن الجوزي في المنتظم ج 5 ص 338.

ومن كلامه المنظوم

ما رواه جماعة: فمنهم الشيخ محمد الخضر شيخ جامعة الأزهر في كتابه (تراجم الرجال) (ص 27 المطبعة التعاونية) قال: ونسب إليه الجاحظ ما يأتي: الموت خير من ركوب العار * والعار خير من دخول النار والله من هذا وهذا جاري

ومن كلامه المنظوم

ما قاله في زوجته رباب رواه جماعة: فمنهم أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد ابن الجوزي المتوفى سنة 597 ه في (المنتظم في تاريخ الملوك والأمم) (ج 6 ص 9 ط دار الكتب العلمية بيروت) قال:

ص 620

الرباب بنت امرئ القيس: تزوجها الحسين بن علي رضي الله عنهما، فولدت له سكينة، وكان يحبها حبا شديدا، ويقول:

لعمرك إنني لأحب دارا * تحل بها سكينة والرباب

أحبهما وأبذل جل مالي * وليس لعاتب عندي عتاب

وكانت الرباب معه يوم الطف، فرجعت إلى المدينة مصابة مع من رجع، فخطبها الأشراف من قريش، فقالت: والله لا يكون حمو آخر بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعاشت بعد الحسين رضي الله عنه سنة لم يظلها سقف، فبليت وماتت كمدا. ومنهم الفضيلة الشيخ محمد الخضر شيخ جامع الأزهر في كتابه (تراجم الرجال) (ص 27 ط المطبعة التعاونية) قال: شعره: يروى أن أخاه الحسن رضي الله عنه عاتبه في امرأته فقال: فذكر البيتين. إلا أن فيه: (كل مالي) و(ليس للائمي).

ومن كلامه المنظوم في الدنيا والرزق

رواه جماعة: فمنهم الفاضل المعاصر الدكتور محمد جميل غازي في (استشهاد الحسين عليه السلام) (ص 147) خرجه من كتاب الحافظ ابن كثير (ط مطبعة المدني المؤسسة السعودية بمصر) قال: وأنشد بعضهم للحسين رضي الله عنه أيضا:

لئن كانت الدنيا تعد نفيسة * فدار ثواب الله أعلى وأنبل

وإن كانت الأبدان للموت أنشئت * فقتل امرئ بالسيف في الله أفضل

وإن كانت الأرزاق شيئا مقدرا * فقلة سعي المرء في الرزق أجمل

وإن كانت الأموال للترك جمعها * فما بال متروك به المرء يبخل

ص 621

ومن كلامه عليه السلام في أهل القبور

رواه جماعة: فمنهم كمال الدين عمر بن أحمد ابن جرادة في (بغية الطلب في تاريخ حلب) (ج 6 ص 2596 ط دمشق) قال:

ناديت سكان القبور فاسكتوا * وأجابني عن صمتهم ندب الجثا

قالت أتدري ما صنعت بساكني * مزقت ألحمهم وخرقت الكسا

وحشوت أعينهم ترابا عبد ما * كانت تأذى باليسير من القذى

أما العظام فإنني فرقتها حتى * تباينت المفاصل والشوا

قطعت ذا من ذا ومن هذا كذا * فتركتها ومما يطول بها البلى

ومن كلامه المنظوم

شعره الغريب الفصيح قاله في جواب أعرابي - رواه جماعة: فمنهم العلامة كمال الدين محمد بن طلحة الشافعي في (مطالب السؤول) (ص 69 و73 ط طهران) قال: كان الحسن عليه السلام في المسجد الحرام فوقف أعرابي عليه وحوله حلقة فقال لبعض جلسائه عليه السلام من هذا الرجل؟ فقال: الحسن بن علي بن أبي طالب فقال الأعرابي: إياه أردت فقال له: وما تصنع به يا أعرابي؟ فقال: بلغني أنهم يتكلمون فيعربون في كلامهم وإني قطعت بواديا وقفارا وأودية وجبالا وجئت لأطارحه الكلام وأسأله عن عويص العربية فقال له جليس الحسن عليه السلام: إن كنت جئت لهذا فابدأ بذلك الشاب وأومئ إلى الحسين عليه السلام فوقف عليه وسلم عليه ثم قال: وما حاجتك يا أعرابي؟ فقال: إني جئتك من الهرقل والجعلل والاينم والهمم فتبسم الحسين عليه السلام وقال: يا أعرابي لقد تكلمت بكلام ما

ص 622

يعقله إلا العالمون. فقال الأعرابي: وأقول أكثر من هذا فهل تجيبني على قدر كلامي؟ فقال له الحسين عليه السلام: قل ما شئت فإني مجيبك عنه، فقال الأعرابي: إني بدوي وأكثر مقالي الشعر وهو ديوان العرب فقال له الحسين عليه السلام، قل ما شأت فإني مجيبك عليه فأنشأ يقول: هفا قلبي إلى اللهو وقد ودع شرخيه * وقد كان انيقا عفرى تجراري ذيليه

علالات ولذات فياسقيا لعصريه * فلما عمم الشيب من الراس نطاقيه

وأمسى قد عناني منه تجديد حصابيه * تسليت عن اللهو والقيت قناعيه

وفي الدهر أعاجيب لمن يلبس حاليه * فلو يعمل ذو رأي أصيل فيه راييه

لا لفا عبرة منه له في كل عصريه

فقال له الحسين عليه السلام: يا أعرابي قد قلت فاسمع مني ثم إنه عليه السلام قال:

فما رسم شجاني * انمحا أية رسمية

سفور [د] درح [ج] * الذيلين في بوغاء قاعيه

وهو وحرحف تترى * على تلبيد نوبيه

ودلاح من المزن * دنانوه سماكيه

أتى مثعنجر الود * ق يجود من خلاليه

وقد احمد برقاه * فلا ذم لبرقيه

وقد جلل رعداه * فلا ذم لرعديه

شجيج الرعد شجاج * إذا أرخى نطاقيه

فاضحى دارسا قفر البينونة أهليه

فقال الأعرابي لما سمعها: ما رأيت كاليوم قط مثل هذا الغلام أعرب منه كلاما وأدرب لسان وأفصح منه منطقا فقال له الحسن عليه السلام: يا أعرابي:

هذا غلام كرم الر * حمن بالتطهير جديه

ص 623

كساه القمر القمقا * م من نور سنائيه

ولو عدد طماح * نفحنا عن عداديه

وقد أرضيت من * شعري وقومت عروضيه

فلما سمع الأعرابي قول الحسن عليه السلام قال: بارك الله عليكما مثلكما بخلته الرجال وعن مثلكما قامت النساء فوالله لقد انصرفت وأنا محب لكما راض عنكما فجزاكما الله خيرا. وانصرف.

نبذة من كتبه الشريفة كتابه عليه السلام إلى عبد الله بن جعفر -

رواه جماعة: فمنهم العلامة المؤرخ محمد بن مكرم المشتهر بابن منظور المتوفى 711 ه في (مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر) (ج 7 ص 141 ط دار الفكر) قال: وكتب عبد الله بن جعفر بن أبي طالب إليه كتابا يحذره أهل الكوفة، ويناشده الله أن يشخص إليهم. فكتب إليه الحسين: إني رأيت رؤيا، ورأيت فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمرني بأمر أنا ماض له، ولست بمجبر بها أحدا حتى ألاقي عملي. ومنهم الفاضل المعاصر الدكتور محمد جميل غازي في (استشهاد الحسين عليه السلام) ( ص 61) خرجه من كتاب ابن كثير (ط مطبعة المدني المؤسسة السعودية بمصر) قال: فكتب ابن جعفر على لسان عمرو بن سعيد ما أراد عبد الله. ثم جاء بالكتاب إلى عمرو فختمه بخاتمه، وقال عبد الله لعمرو بن سعيد: ابعث معي أمانك، فبعث معه أخاه يحيى، فانصرفا حتى لحقا الحسين فقرءا عليه الكتاب فأبى أن يرجع، وقال: إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام وقد أمرني فيها بأمر وأنا ماض له، فقالا: وما تلك الرؤيا؟ فقال: لا أحدث بها أحدا حتى ألقى ربي عز وجل. ورواه أيضا في ص 90.

ص 624

كتابه الآخر إلى عبد الله بن جعفر

رواه جماعة: فمنهم الفاضل المعاصر محمد رضا أمين مكتبة جامعة فؤاد الأول سابقا في كتابه: (الحسن والحسين سبطا رسول الله صلى الله عليه وسلم) (ص 91 ط دار الكتب العلمية بيروت) قال: أما بعد، فإنه لم يشاقق الله ورسوله من دعا إلى الله عز وجل وعمل صالحا، وقال إنني من المسلمين، وقد دعوت إلى الأمان والبر والصلة. فخير الأمان أمان الله. ولن يؤمن الله يوم القيامة من لم يخفه في الدنيا. فنسأل الله مخافة في الدنيا توجب لنا أمانا يوم القيامة. فإن كنت نويت بالكتاب صلتي وبري، فجزيت خيرا من الدنيا والآخرة، والسلام.

كتابه عليه السلام في جواب عمرو بن سعيد بن العاص

رواه جماعة: فمنهم الحافظ جمال الدين أبو الحجاج يوسف المزي المتوفى سنة 742 ه في (تهذيب الكمال) (ج 6 ص 418 ط مؤسسة الرسالة بيروت) قال: فكتب إليه الحسين: إن كنت أردت بكتابك إلي بري وصلتي فجزيت خيرا في الدنيا والآخرة، وإن لم تشاقق من دعا إلى الله وعمل صالحا وقال: إنني من المسلمين، وخير الأمان أمان الله، ولم يؤمن بالله من لم يخفه في الدنيا، فنسأل الله مخافة في الدنيا توجب لنا أمان الآخرة عنده.

ص 625

جود الإمام عليه السلام وكرمه

رواه جماعة (1):

(هامش)

(1) قال العلامة الشيخ علي بن أحمد بن الصباغ في (الفصول المهمة) ص 176 ط مطبعة العدل بالنجف الأشرف قال الشيخ كمال الدين بن طلحة: قد اشتهر النقل عنه عليه السلام بأنه كان يكرم الضيف ويمنح الطالب ويصل الرحم وينيل الفقراء ويسعف السائل ويكسو العريان ويشبع الجوعان ويعطي الغارم ويشد من الضعيف ويشفق على اليتيم ويعين ذا الحاجة وقل أن وصله مال إلا فرقه وفي الفصل المتقدم المعقود لكرم أخيه عليه السلام وقصة المرأة التي ذبحت الشاة وما وصلها به لما أن جاءته بعد أخيه الحسن من أعطائها الألف دينا وشرائه لها الألف شاة ما يعرفك إن الكرم ثابت لهؤلاء القوم حقيقة ولغيرهم مجاز إذ كل واحد منهم ضرب فيه بالقدح المعلى فحاز منه ما حاز فيهم بحار تجاوزت الغيوث سماحة ويبارون الليوث حماسة ويعدلون الجبال حلما وجارحة فهم البحور الزاخرة والسحب الهامية الماطرة وفيه يقال الشاعر: فما كان من جود أتوه فإنما * توارثه آباء آبائهم قبل وهل ينبت الخطى إلا وشجه * وتغرس إلا في مغارسها النخل قال أنس كنت عند الحسين عليه السلام فدخلت عليه جارية فجأته بطاقة ريحان فقال أنت حرة لوجه الله تعالى فقلت له جارية تحبيك بطاقة ريحان لا حظ لها ولا بال فتعتقها فقال أما سمعت قوله تعالى (وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها) وكان أحسن منها عتقها. وكتب إليه أخوه الحسن تلومه على إعطائه الشعراء فكتب إليه أنت أعلم مني أن خير المال ما وقى العرض. وجنى بعض أقارنه جناية توجب التأديب فأمر بتأديبه فقال يا مولاي قال الله تعالى: (والكاظمين الغيظ) قال عليه السلام خلوا عنه كظمت غيظي فقال: (والعافين عن الناس) قال عليه السلام قد عفوت عنك، فقال: (والله يحب المحسنين) قال أنت حر لوجه الله تعالى وأجازه بجائزة سنية. وقيل أن معاوية لما قدم مكة وصله بمال كثير وثياب وافرة وكسوة فاخرة فرد الجميع عليه ولم يقبل منه شيئا، فهذه سجية الجود وشنشنة الكرم وصفة من حوى مكارم الأخلاق ومحاسن الشيم، ومما يؤديك بكرمه وسماحته ذكر ما تقدم في الفصل الذي قبل هذا من ثبات قلبه وشجاعته إذ الشجاعة والسماحة توأمان ورضيعا لبان فالجواد شجاع والشجاع جواد وهذه قاعدة كلية وإن خرج منها بعض الآحاد ومن خاف الوصمة في شرفه جاد بالطريف من ماله والتالد وقد قال أبو تمام في الجمع بينهما فأجاد: وإذ رأيت أبا يزيد في ندى * ووغى ومبدى غارة ومعيدا = (*)

ص 626

ومنهم الفاضل المعاصر الشريف علي بن الدكتور محمد عبد الله فكري الحسيني القاهري المولود بها 1296 ه والمتوفى بها أيضا 1372 ه في (أحسن القصص) (ج 4 ص 224 ط دار الكتب العلمية في بيروت) قال: قد اشتهر النقل عنه رضي الله عنه بأنه كان يكرم الضيف، ويمنح الطالب، ويصل الرحم، وينيل الفقير، ويسعف السائل، ويكسو العاري، ويشبع الجائع، ويعطي الغارم، ويشد على يد الضعيف، ويشفق على اليتيم، ويعين ذا الحاجة، وقل أن وصله مال إلا فرقه (كما قال محمد بن أبي طلحة الشافعي القرشي) في (مطالب السؤول في مناقب آل الرسول) في الفصل السابع، في كرم الحسين وجوده. وروى أحمد بن سليمان في (عقد اللآل في مناقب الآل) أن الحسين رضي الله عنه كان جالسا في مسجد جده رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد وفاة أخيه الحسن رضي الله عنه، وكان عبد الله بن الزبير جالسا في ناحية المسجد، (وعتبة بن أبي سفيان) في ناحية أخرى، فجاء أعرابي على ناقة فعقلها بباب المسجد، ودخل فوقف على (عتبة بن أبي سفيان) فسلم عليه، فرد عليه السلام، فقال له الأعرابي: إني قتلت ابن عم لي وطولبت بالدية، فهل لك أن تعطيني شيئا؟ فرفع رأسه إلى غلامه وقال: ادفع إليه مائة درهم. فقال الأعرابي: ما أريد إلا الدية تماما، ثم تركه وأتى عبد الله بن الزبير وقال له مثل ما قال لعتبة. فقال عبد الله لغلامه: إدفع إليه مائتي درهم. فقال الأعرابي: ما أريد إلا الدية تماما.

(هامش)

= أيقنت أن من السماح شجاعة * تدني وإن من الشجاعة جودا وقال آخر في هذا المعنى: يجود بالنفس إن ظن البخيل بها * والجود بالنفس أقصى غاية الجود وقيل الكريم شجاع القلب والبخيل شجاع الوجه. ومنهم الشريف أبو الحسن علي الحسني الندوي في (المرتضى - سيرة سيدنا أبي الحسن علي بن أبي طالب) ص 197 ط دار القلم بدمشق قال: وكان الحسن والحسين رضي الله عنهما من أجواد الإسلام. (*)

ص 627

ثم تركه وأتى الحسين رضي الله عنه فسلم عليه وقال: يا ابن رسول الله إن قتلت ابن عم لي وقد طولبت بالدية، فهل لك أن تعطيني شيئا؟ فقال له: يا أعرابي: نحن قوم لا نعطي المعروف إلا على قدر المعرفة، فقال: سل ما تريد؟ فقال له الحسين رضي الله عنه: يا أعرابي ما النجاة من الهلكة؟ قال: التوكل على الله عز وجل. فقال: وما الهمة؟ قال: الثقة بالله، ثم سأله الحسين رضي الله عنه غير ذلك وأجاب الأعرابي، فأمر له الحسين رضي الله عنه بعشرة آلاف درهم، وقال له: هذه لقضاء ديونك، وعشرة آلاف درهم أخرى، وقال: هذه تلم بها شعثك، وتحسن بها حالك، وتنفق منها على عيالك، فأنشأ الأعرابي يقول:

طربت وما هاج لي معبق * ولا لي مقام ولا معشق

ولكن طربت لآل الرسو * ل فلذ لي الشعر والمنطق

هم الأكرمون هم الأنجبون * نجوم السماء بهم تشرق

سبقت الأنام إلى الكرمات * وأنت الجواد فلا تلحق

أبوك الذي ساد بالمكرمات * فقصر عن سبقه السبق

به فتح الله باب الرشاد * وباب الفساد بكم بغلق

شجاعته عليه السلام

رواه جماعة: فمنهم العلامة علي بن أحمد ابن الصباغ في (الفصول المهمة) (ص 174 ط مطبعة العدل بالنجف الأشرف) قال: فصل في علمه وشجاعته وشرف نفسه وسيادته عليه السلام: قال بعض أهل العلم علوم أهل البيت لا تتوقف على التكرار والدرس ولا يزيد يومهم فيها على ما كان في الأمس لأنهم المخاطبون في أسرارهم والمحدثون في النفس. فسمى معارفهم وعلومهم بعيدة عن الادراك واللمس ومن أراد سترها كمن أراد ستر وجه

ص 628

الشمس وهذا مما يجب أن يكون ثابتا مقررا في النفس فهم يرون عالم الغيب في عالم الشهادة ويقفون على حقائق المعارف في خلوات العبادة وتناجيهم ثواقب أفكارهم في أوقات أذكارهم بما تسنموا به غارب الشرف والسيادة وحصلوا بصدق توجيههم إلى جناب القدس فبلغوا به منتهى السؤال والإرادة فهم كما في نفوس أوليائهم ومحبيهم وزيادة فما تزيد معارفهم في زمان الشيخوخة على معارفهم في زمن الولادة وهذه أمور تثبت لهم بالقياس والنظر ومناقب واضحة الحجول بادية الغرر ومزايا تشرق إشراق الشمس والقمر وسجايا يزيد عيون التواريخ وعنوانات الأثر فما سألهم مستفيد أو ممتحن فوقفوا ولا أنكر منكر أمرا من الأمور إلا علموا وعرفوا ولا جرى معهم غيرهم في مضمار شرف إلا سبقوا وقصر محاورهم وتحلقوا سنة جرى عليها الذين تقدموا منهم وأحسن اتباعهم الذين خلفوا وكم عانوا في الجدال والجلاد أمورا فبلغوها بالرأي الأصيل والصبر الجميل فما استكانوا ولا ضعفوا فبهذا وأمثاله سموا على الأمثال وشرفوا تقر الشقاشق إذا هدرت شقاشقهم وتصغى الأسماع إذا قال قائهم أن نطق ناطقهم ويكشف الهوى إذا أفنست به خلايقهم ويقف كل ساع عن شأوهم فلا يدرك فايتهم ولا ينال طرايقهم سجايا منحهم بها خالقهم وأخبر بها صادقهم فسر بها أوليائهم وأصادقهم وحزن لها مباينهم ومفارقهم وقد حل الحسين عليه السلام من هذا البيت الشريف في أوجه وارتفاعه وعلو محله فيه علوا تطامنت النجوم عن ارتفاعه واطلع بصفا سره على غوامض المعارف فانكشفت له الحقايق عند اطلاعه وطار صيته بالفضايل والفواضل فاستوى الصديق والعدو في استماعه ولما انقسمت غنايم المجد حصل على صعابها ومرتاعه فقد اجتمع فيه وفي أخيه عليهما السلام من خلال الفضايل ما لا خلاف في اجتماعه فكيف لا يكونا كذلك وهما ابنا علي وفاطمة وسبطان لمن كان سيد النبيين والمرسلين وخاتمهم والحسين عليه السلام هو الذي أرضى غرب السيف والسنان ومال إلى منازلة الأبطال والشجعان.

ص 629

قال الشيخ كمال الدين بن طلحة اعلم أن الشجاعة من المعاني القائمة بالنفوس ولها رجال أبطال وصناديد الشئوس ولا يعرف صاحبها إلا إذا ضاق المجال واشتد القتال وأحدقت الرجال بالرجال فمن كان مجزاعا مهلاعا فتراه يستركب الهزيمة ويستقبلها يستصوب المدينة ويتطرقها ويستعذب المفرة ويتشوقها ويستصحب الذلة وتعلقها فذلك مهبول الأم لا تعرف نفسه شرفا ولا له عن الخساسة والدنائة منصرفا، ومن كان كرارا صبارا خائضا غمرات الأهوال بنفس مطمئنة وعزيمة مرجحة بعد مصافحة الصفاح غنيمة باردة ومراوحة الرماح فائدة وعائدة ومكافحة الكتائب مكرمة زائدة ومناوحة المعائب منقبة شاهدة جانحا إلى ابتياع العز بمهجته ويراها ثمنا قليلا جامحا عن ارتكاب الدنايا وإن غادرت جماحه قتيلا: يرى الموت أحلى من ركوب دنية * ولا يقتدي للناكصين دليلا ويستعذب التعذيب فيما يفيده * نزاهته عن أن يقال ذليلا فهذا مالك زمام الشجاعة وحائزها وله من قداحها معلاها وفايزها وقد صحف النقلة في صحائف السير بما رواه وحرروا القول بما نقله المتقدم إلى المتأخر فيما رووه أن الحسين عليه السلام لما قصد العراق سمع به أميرها عبيد الله بن زياد لعنه الله فسرب الجنود لمقاتلته أسرابا وحزب الجيوش لمحاربته أحزابا وجهز إليه من العساكر عشرين ألف مقاتل ما بين فارس وراجل فأحدقوا به شاكين في كثرة العدد والعديد ملتمسين منه نزوله على حكم ابن زياد وبيعته ليزيد فإن أبى ذلك فليؤذن بقتال يقطع الوتين وحبل الوريد ويصعد بالأرواح إلى المحل الأعلى ويطرح الأشباح على الصعيد فتبعت نفسه الأبية جدها وأباها وعزفت عن ارتكاب الدنية فأباها ونادته النخوة الهاشمية فلباها ومنحها بالإجابة إلى مجانبة الذلة وحباها فاختار مجالدة الجنود ومصادمة صباها والصبر على مقارعة صوارمها وسم سباها وكان أكثر هؤلاء الخارجين لقتاله قد كاتبوه وطاوعوه وشايعوه وتابعوه وسألوه القدوم عليهم ليبايعوه فلما جاءهم أخلفوا ما وعدوه ومالوا إلى السحب العاجل فقصدوه فنصب

ص 630

نفسه صلى الله عليه وآله وأخوته وأهله وكانوا نيفا وسبعين لمحاربتهم واختاروا جميعهم القتل على متابعتهم ليزيد ومبايعتهم فاعتقلهم الفجرة الطغام ورشقتهم الرماح والسهام هذا والحسين عليه السلام ثابت أقدامه في المعترك أرسى من الجبال وقلبه لا يضطرب لهول القتال ولا لقتال الرجال ولا لمنازلة الأبطال ثم قال يا أهل الكوفة قبحا لكم وتعسا حين استصرختمونا فأتيناكم مرجفين فشحذتم علينا سيفا كان في أيماننا وحثثتم علينا نارا نحن أضرمناها على أعدائكم وأعدائنا فأصبحتم البا على أوليائكم ويدا لأعدائكم من غير عدل افشوه فيكم ولا ذنب كان منا اليكم فلكم الويلات هلا إذ كرهتمونا تركتمونا والسيف ما سام والجأش ما طاش والرأي يستحصد ولكنكم أسرعتم إلى بيعتنا إسراع الذباب وتهافتم وتهافت الفراش ثم نقضتمونا سفها وظلما ألا لعنة الله على الظالمين ثم حمل عليهم وسيفه مصلت في يده وهو ينشد ويقول: أنا ابن علي الطهر من آل هاشم * كفاني بهذا مفخرا حين أفخر وجدي رسول الله أكرم من مشى * ونحن سراج الله في الأرض نزهر وفاطم أمي من سلالة أحمد * وعمي يدعى ذا الجناحين جعفر وفينا كتاب الله أنزل صادقا * وفينا الهدى والوحي بالخير يذكر ولم يزل عليه السلام يقاتل حتى قتل كثيرا من رجالهم وفرسانهم وشجعانهم خائضا لجج الغمرات غير هائب للموت من جميع جهاته إلى أن تقدم إليه الشمر بن ذي الجوشن في جموعه وسيأتي تفصيل ما جرى له معه في فصل مصرعه إن شاء الله تعالى. ومنهم الحافظ الذهبي في (سير الأعلام) (ج 3 ص 302) قال: وبقي عامة يومه لا يقدم عليه أحد حتى أحاطت به الرجالة وهو رابط الجأش لقتال الفارس الشجاع إن كان ليشد عليهم فينكشفون عنه انكشاف المعزى شد فيها الأسد حتى صاح بهم شمر: ثكلتكم أمهاتكم ماذا تنظرون به؟ فإذا حملوا إليه

ص 631

من كل جانب. ومنهم العلامة ابن أبي الحديد المعتزلي في (شرح النهج) (ج 15 ص 274 ط القاهرة) قال: ومن مثل الحسين بن علي عليهما السلام! قالوا يوم الطف: ما رأينا مكثورا قد أفرد من إخوته وأهله وأنصاره أشجع منه، كان كالليث المحرب، يحطم الفرسان حطما، وما ظنك برجل أبت نفسه الدنية وأن يعطي بيده، فقاتل حتى قتل هو وبنوه وأخوته وبنو عمه بعد بذل الأمان لهم والتوثقة بالإيمان المغلظة وهو الذي سن للعرب الإباء واقتدى بعده أبناء الزبير وبنو المهلب وغيرهم. ومنهم العلامة المؤرخ محمد بن مكرم المشتهر بابن منظور المتوفى 711 ه في (مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر) (ج 26 ص 332 ط دار الفكر) قال: وعن ابن عباس: كتب معاوية إلى الوليد بن عتبة - ابن أخيه وكان قد ولاه على المدينة: أن أرسل إلي الحسين بن علي مع شرطي حتى نبلسه فبينا أنا عنده أرسل إليه، فأقراه كتاب معاوية. فقال: أنت ترسل بي إليه يا بن آكلة الأكباد، فقال: أما والله، إنه لا بد لك من ذلك من السمع والطاعة. فوثب الحسين، فأخذ عمامته، فاجترها إليه، وجعل الوليد يطلقها عنه كورا كورا، ويقول: ما أردنا أن نبلغ كل هذا منك يا أبا عبد الله. فقمت إلى الحسين، فلم أزل به حتى أخرجته، فالتفت إلي الوليد، فقال: جزاك الله خيرا، ما هجنا بأبي عبد الله إلا أسدا. فبلغ ذلك معاوية، فقال: يا أهل الشام، ما كنتم صانعين لو شهدتموه؟ قالوا: لو شهدناه لقتلناه. فقال معاوية: إن ثم لدما مصونا عند بني عبد مناف، الوليد أعلم بأدب أهله. ولما هلك معاوية ولي المدينة يومئذ الوليد بن عتبة بن أبي سفيان، وكان رجلا رفيقا سريا كريما. كان بين الحسين بن علي وبين الوليد بن عتبة كلام في مال كان بينهما بذي المرء. والوليد يومئذ أمير المدينة. فقال الحسين بن علي: استطال علي الوليد بن عتبة في حقي بسلطانه، أقسم بالله

ص 632

لينصفني من حقي أو لأحدن سيفي، ثم لأقومن في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم لأدعون بحلف الفضول. فقال عبد الله بن الزبير: وأنا أحلف بالله لئن دعا به لأحدن سيفي، ثم لأقومن معه حتى ينصف من حقه، أو نموت جميعا. فبلغت المسور بن مخرمة بن نوفل الزهري، فقال مثل ذلك. فبلغت عبد الرحمن بن عثمان ابن عبيد الله التميمي، فقال مثل ذلك. فلما بلغ ذلك الوليد بن عتبة أنصف الحسين من حقه حتى رضي وقيل: إنهما تنازعا في الأرض، فبينا حسين ينازعه إذ تناول عمامة الوليد عن رأسه، فجذبها. فقال مروان بن الحكم - وكان حاضرا - ما رأيت كاليوم جرأة رجل على أميره. قال الوليد: ليس ذلك بك، ولكنك حسدتني على حلمي عنه. فقال حسين عليه السلام: الأرض لك، اشهدوا أنها له (1).

مستدرك قول الملك للنبي: (إن أمتك ستقتل الحسين عليه السلام)

تقدم ما يدل عليه عن العامة في ج 27 ص 279 ومواضع أخرى، ونستدرك هيهنا عن الكتب التي لم نرو عنها فيما سبق. رواه جماعة:

(هامش)

(1) قيل: فلما قتل أصحابه وأعوانه دعى الناس إلى البراز فلم يزل يقتل كل من برز إليه حتى قتل مقتلة عظيمة وعن بعض من حضر المعركة أنه قال: والله ما رأيت مكسورا قط قد قتل ولده وأهل بيته وأصحابه أربط جأشا منه وإن كانت الرجال لتشتد عليه فيشد عليهم بسيفه فينكشفون عنه انكشاف المعزى إذا شد فيها الذئب ولقد كان يحمل فيهم وقد تكملوا ثلاثين ألفا فينهزمون من بين يديه كأنهم الجراد المنتشر ثم يرجع إلى مركزه وهو يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. قيل: ولم يزل يقاتل حتى قتل منهم ألف رجل وتسعمائة رجل وخمسين رجلا فقال عمر بن سعد اللعين للجيش: الويل لكم أتدرون لمن تقاتلون؟ هذا ابن الأنزع البطين هذا ابن قتال العرب فاحملوا عليه من كل جانب وكانت الرماة أربعة آلاف فرموه بالسهام. وكانت شجاعته موروثة من جده وأبيه - فلما جاءت أمه فاطمة به وبأخيه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وقالت: إعطهما شيئا فأعطاه جرئته. وحكي إن الناس بعد وقعة كربلا ما كانوا يذكرون شجاعة من سلف حتى شجاعة أمير المؤمنين عليه السلام وإنما يذكرون شجاعة الحسين وأولاده وأصحابه. (*)ص

633

فمنهم العلامة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني في (سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها) (ج 2 ص 484 ط المكتب الإسلامي بيروت) قال: أتاني جبريل عليه الصلاة والسلام، فأخبرني أن أمتي ستقتل ابني هذا (يعني الحسين)، فقلت: هذا؟ فقال: نعم، وأتاني بتربة من تربته حمراء. أخرجه الحاكم (3 / 176 - 177) عن محمد بن مصعب ثنا الأوزاعي عن أبي عمار شداد بن عبد الله عن أم الفضل بنت الحارث: أنها دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله رأيت حلما منكرا الليلة، قال: وما هو؟ قالت: إنه شديد، قال: وما هو؟ قال رأيت كأن قطعة من جسدك قطعت ووضعت في حجري، فقال: رأيت خيرا، تلد فاطمة إن شاء الله غلاما فيكون في حجرك، فولدت فاطمة الحسين، فكان في حجري كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدخلت يوما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضعته في حجره، ثم حانت مني التفاتة فإذا عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم تهريقان من الدموع، قالت فقلت: يا نبي الله بأبي أنت وأمي مالك؟.. فذكره وقال: صحيح على شرط الشيخين. وقال أيضا في ص 485: لقد دخل علي البيت ملك لم يدخل علي قبلها، فقال لي: إن ابنك هذا: حسين مقتول، وإن شئت أريتك من تربته الأرض التي يقتل بها. قال فأخرج تربة حمراء. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، وقال الهيثمي (9 / 187): رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح. وله شاهد آخر من حديث أنس نحوه. أخرجه أحمد (3 / 242 و265) عن عمارة بن زاذان ثنا ثابت عنه، وعمارة هذا صدوق كثير الخطأ. كما في التقريب.

ص 634

مستدرك قول جبرئيل للنبي (ص): (إن أمتك ستقتل الحسين عليه السلام)

 تقدم ما يدل عليه عن العامة في ج 27 ص 256 ومواضع أخرى، ونستدرك هيهنا عن الكتب التي لم نرو عنها فيما سبق. رواه جماعة: فمنهم الفاضلان عبد مهنا وسمير جابر في (أخبار النساء في العقد الفريد) (ص 29 ط دار الكتب العلمية بيروت) قال: ومن حديث أم سلمة قالت: كان عندي النبي عليه السلام ومعي الحسين فدنا من النبي صلى الله عليه وسلم، فأخذته، فبكى فتركته، فقال له جبريل: أتحبه يا محمد؟ قال: نعم! قال: أما إن أمتك ستقتله، وإن شئت أريتك من تربة الأرض التي يقتل بها! فبسط جناحه، فأراه منها، فبكى النبي صلى الله عليه وسلم. ومنهم الفاضل المعاصر أبو هاجر محمد السعيد بن بسيوني زغلول في (فهارس أحاديث وآثار مسند الإمام أحمد بن حنبل) (ج 1 ص 192 ط دار الكتب العلمية بيروت) قال: أما إن أمتك ستقتله (الحسين) أنس بن مالك 3 / 242.

يقتل الحسين حين يعلوه القتير

رواه جماعة: فمنهم الفاضل المعاصر أبو هاجر محمد السعيد بن بسيوني زغلول في (موسوعة أطراف الحديث النبوي الشريف) (ج 11 ص 372 ط عالم التراث للطباعة والنشر بيروت) قال: ص

635

يقتل الحسين حين يعلوه القتير. طب 3: 110.

يقتل الحسين بشط الفرات

رواه جماعة: فمنهم الفاضل المعاصر أبو هاجر محمد السعيد بن بسيوني زغلول في (فهارس أحاديث وآثار مسند الإمام أحمد بن حنبل) (ج 1 ص 469 ط دار الكتب العلمية بيروت) قال: بل قام من عندي جبريل قبل فحدثني أن الحسين يقتل بشط الفرات. علي بن أبي طالب 1 / 85.

إن الحسين يقتل بالطف

رواه جماعة: فمنهم الفاضل المعاصر رحمة الله بن خليل الرحمن الهندي في (إظهار الحق) (ج 2 ص 155 ط دار الجيل بيروت) قال: وإن الحسين بن علي رضي الله عنهما يقتل بالطف - وهو، بفتح الطاء وتشديد الفاء، مكان بناحية الكوفة على شط نهر الفرات والآن اشتهر بكربلاء - فاستشهد الحسين رضي الله عنه في الطف، كما أخبر. ومنهم العلامة محمد بن يحيى اليماني في (ابتسام البرق) (ص 253 ط بيروت) قال: وأخبر صلى الله عليه وآله وسلم بقتل الحسين رضي الله عنه بالطف، وأخرج بيده توبة وقال فيها مضجعه. ومنهم الفاضل الشيخ رحمة الله بن خليل الرحمن الهندي في (إظهار الحق) (ج 2 ص 154 ط دار الجيل بيروت) قال:

ص 636

وإن الحسين بن علي رضي الله عنهما يقتل بالطف - وهو، بفتح الطاء وتشديد الفاء، مكان بناحية الكوفة. ومنهم الفاضل المعاصر أبو هاجر محمد السعيد بن بسيوني زغلول في (موسوعة أطراف الحديث النبوي الشريف) (ج 11 ص 167 وص 372 ط عالم التراث للطباعة والنشر بيروت) قال: وذكر إخباره صلى الله عليه وسلم بشهادته.

إن الحسين عليه السلام يقتل بأرض بابل

رواه جماعة: ومنهم الفاضل المعاصر أبو هاجر محمد السعيد بن بسيوني زغلول في (موسوعة أطراف الحديث النبوي الشريف) (ج 11 ص 372 ط عالم التراث للطباعة والنشر بيروت) قال: يقتل الحسين بأرض بابل. بدية 3: 163. قال رسول الله صلى الله عليه وآله في المنام: (إن قتلة الحسين في النار) قد تقدم ما يدل عليه عن العامة في ج 11 ص 334 وج 19 ص 369 ومواضع أخرى، ونستدرك هيهنا عن الكتب التي لم نرو عنها فيما سبق. رواه جماعة من العامة: فمنهم العلامة كمال الدين عمر بن أحمد بن أبي جرادة المولود 588 والمتوفى 660 في (بغية الطلب في تاريخ حلب) (ج 6 ص 2643 ط دمشق) قال: أخبرنا أبو نصر، إذنا، قال: أخبرنا علي قال: أخبرنا أبو سهل محمد بن إبراهيم قال: أخبرنا أبو الفضل الرازي قال: أخبرنا جعفر بن عبد الله قال: حدثنا محمد بن هارون قال: حدثنا محمد بن إسحاق قال: أخبرنا العباس بن جعفر مولى بني هاشم قال:

ص 637

حدثنا يحيى بن أبي بكير قال: حدثنا علي - ويكنى أبا إسحاق - عن عامر بن سعد البجلي قال: لما قتل الحسين بن علي رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام فقال: إن رأيت البراء بن عازب فأقرأه مني السلام وأخبره أن قتلة الحسين بن علي في النار، وإن كاد الله يسحت أهل الأرض منه بعذاب أليم، فقال فأتيت البراء فأخبرته، فقال صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من رآني في المنام فقد رآني فإن الشيطان لا يتصور بي. ومنهم العلامة المؤرخ محمد بن مكرم المشتهر بابن منظور المتوفى 711 ه في (مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر) (ج 7 ص 155 ط دار الفكر) قال: قال عامر بن سعد البجلي: لما قتل الحسين بن علي رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام، فقال: إن رأيت البراء بن عازب - فذكر مثل ما تقدم عن (بغية الطلب). ومنهم العلامة الشيخ تقي الدين أبي إسحاق إبراهيم بن أبي عبد الله محمد بن مفلح المقدمي الحنبلي في (مصائب الانسان من مكائد الشيطان) (ص 175 ط دار الكتب العلمية بيروت ) قال: قال عامر بن سعيد البجلي: لما قتل الحسين رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فقال: إن رأيت البراء بن عازب فاقرئه مني السلام، وأخبره - فذكر مثل ما تقدم عن (بغية الطلب).

نبذة من كرامات سيدنا الحسين عليه السلام

منها نكال قتلته عليه السلام ونقمتهم وعذابهم

ص 638

رواه جماعة: فمنهم العلامة يوسف بن إسماعيل النبهاني المتولد 1265 والمتوفى 1350 ه في (جامع كرامات الأولياء) (ج 1 ص 131 ط مصطفى البابي وشركاه بمصر) قال: الحسين بن علي رضي الله عنهما قال الإمام الشلي باعلوي في المشرع الروي: من كرامات الحسين رضي الله عنه: ما روى عن ابن شهاب الزهري قال: لم يبق من قتلة الحسين أحد إلا وعوقب في الدنيا، إما بالقتل، أو بالعمى، أو سواد الوجه، أو زوال الملك في مدة يسيرة. ومنها أن عبد الله بن حصين ناداه وقت محاربتهم له ومنعهم الماء عنه: يا حسين ألا تنظر إلى الماء كأنه كبد السماء، والله لا تذوق منه قطرة حتى تموت عطشا، فقال الحسين: اللهم اقتله عطشا، فكان ذلك الخبيث يشرب الماء ولا يروى حتى مات عطشا. ودعا الحسين بماء يشربه، فرماه رجل يقال له وزغة بسهم فأصاب حنكه فحال بينه وبين الماء، فقال الحسين رضي الله عنه: اللهم أظمئه، فكان ذلك الخبيث يصيح من الحر في بطنه ومن البرد في ظهره، وبين يديه الثلج والمراوح وخلفه الكانون ويقول: اسقوني، فيؤتى بالإناء العظيم فيه السويق والماء واللبن لو شربه خمسة لكفاهم، فيشربه ويقول: اسقوني أهلكني العطش، فيسقى كذلك إلى أن انقد بطنه كانقداد البعير. وذكر هاتين الكرامتين أيضا ابن حجر في الصواعق. وقال الشلي أيضا: وسمع شيخ كبير ممن أعان على قتل الحسين رضي الله عنه: أن كل من أعان على قتله لم يمت حتى يصيبه بلا، فقال: أنا ممن شهده وما أصابني أمر أكرهه، فقام إلى السراج ليصلحه، فثارت النار فأصابته، فجعل ينادي النار النار حتى مات. قال: حكي أن شخصا حضر قتله فقط فعمى، فسئل عن سبب عماه فقال: إن رأى النبي صلى الله عليه وسلم حاسرا عن ذراعيه وبيده الكريمة سيف وبين يديه نطع، ورأى عشرة من قاتلي الحسين مذبوحين بين يديه صلى الله عليه وسلم، ثم لعنه

ص 639

وسبه بتكثيره سوادهم، ثم أكحله بمرود من دم الحسين فأصبح أعمى. قال: وعلق شخص رأس الحسين في لبب فرسه، فرؤي بعد أياد وجهه أشد سوادا من القار، فقيل له: كنت أنضر العرب وجها، فقال: ما مرت علي ليلة من حين حملت تلك الرأس إلا واثنان يأخذان بضبعي ثم ينتهيان بي إلى نار تأجج فيدفعاني فيها وأنا أنكس فتسعفني فصرت كما ترى، ثم مات على أقبح حالة، واستشهد الحسين يوم الجمعة يوم عاشوراء سنة 61 رضي الله عنه. ومنهم العلامة العارف الشيخ عبد الوهاب بن أحمد بن علي الشعراني القلقشندي المولود بها سنة 898 والمتوفى بالقاهرة سنة 973 ه في (مختصر تذكرة القرطبي) (ص 125 ط دار الفكر بيروت) قال: قال الإمام القرطبي وقد قتل الله تعالى قاتل الحسين المسمى شمر أشد قتلة وقاسى حزنا طويلا وألقى رأسه المذموم في الموضع الذي كان لقى فيه رأس الحسين رضي الله عنه وذلك بعد قتله الحسين بستة أعوام وبعث المختار به إلى المدينة فوضع بين يدي بني الحسين رضي الله عنه يقول لو لم يكن على قاتل الحسين من الإثم والمقت إلا اغضاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لكان في ذلك كفاية ثم إنه رضي الله عنه يحلف ويقول والله لو أنه كان لي في دم الحسين مدخل وخيرت بين دخول الجنة والنار لاخترت النار خوفا أن يراني رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنة فنظر إلي نظرة غضب انتهى. وروى الترمذي عن عمارة بن عمر قال لما جئ برأس عبيد الله بن زياد وألقيت تلك الرؤس في رحبة المسجد صار كل من دخل يقول خاب عبيد الله وأصحابه وخسروا دنياهم وآخرتهم ثم تباكى الناس حتى انتحبوا من البكاء على الحسين وأولاده وأصحابه فبينما الناس كذلك إذ جاءت حية سوداء فدخلت في منخري عبيد الله بن زياد فمكثت هنيهة ثم خرجت فغابت ثم جاءت فدخلت منخريه ثانيا

ص 640

حتى فعلت ذلك ثلاث مرات من بين تلك الرؤس والناس يقولون قد خاب عبيد الله وأصحابه وخسروا. قال العلماء وكان ذلك مكافأة له على ما فعل برأس الحسين وهي من علامات العذاب الظاهر الذي حل به فضلا عن العذاب الباطن ثم إن الله تعالى سلط المختار على أصحاب عبيد الله كلهم فقتلهم شر قتلة حتى أوردهم النار وذلك أن الأمير مذحج بن إبراهيم بن مالك لقى عبيد الله بن زياد على خمسة فراسخ من الموصل وعبيد الله في ثلاثة وثمانين ألفا وإبراهيم في أقل من عشرين ألفا فتطاعنوا بالرماح وتراموا بالسهام وتضاربوا بالسيوف إلى أن اختلط الظلام فنظر إبراهيم إلى رجل عليه بردة حسناء ودرع سابغة وعمامة من خز دكناء وديباجة خضراء من فوق الدرع وقد أخرج يده من الديباجة ورائحة المسك تفوح منه وفي يده صحيفة مذهبة فقصده الأمير إبراهيم لا لشيء وإنما هو ليأخذ من يده تلك الصحيفة مع الفرس الذي تحته فلما قرب منه لم يلبث أن ضربه ضربة كانت فيها نفسه فتناول الصحيفة وفر الفرس فلم يقدر عليه وإن الناس لا يبصر بعضهم بعضا من شدة الظلمة فتراجع أهل العراق إلى عسكرهم والخيل لا تطأ إلا على القتلى فأصبح الناس وقد فقدوا من أهل العراق ثلاثة وسبعين رجلا وقتل من أهل الشام سبعون ألفا فلما أصبح الناس وجدوا فرس عبيد الله فردوه إلى الأمير إبراهيم وعلم أن الذي قتله في الظلمة هو عبيد الله بن زياد فكبر الأمير إبراهيم وخر ساجدا لله عز وجل وقال الحمد لله الذي أجرى قتله على يدي ثم بعث به إلى المختار ومع الرأس سبعون ألف رأس ذكره المحافظ أبو الخطاب ابن دحية رحمه الله. ومنهم الدكتور محمد جميل غازي في (استشهاد الحسين عليه السلام) (ص 107) قال: وقد قال الترمذي: حدثنا واصل بن عبد الأعلى ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن عمارة بن عمير. قال: لما جئ برأس عبيد الله بن زياد وأصحابه فنصبت في المسجد في الرحبة فانتهيت إليهم وهم يقولون: قد جاءت قد جاءت، فإذا حية قد جاءت

ص 641

تتخلل الرؤوس حتى دخلت في منخري عبيد الله بن زياد، فمكثت هنيهة ثم خرجت، فذهبت حتى تغيب، ثم قالوا: قد جاءت قد جاءت، ففعلت ذلك مرتين أو ثلاثا. ثم قال الترمذي: حسن صحيح. وقال أيضا في ص 120: وقال عبد الملك بن عمير: دخلت على عبيد الله بن زياد وإذا رأس الحسين بن علي بين يديه على ترس، فوالله ما لبثت إلا قليلا حتى دخلت على المختار بن أبي عبيد وإذا رأس عبيد الله بن زياد بن يدي المختار على ترس، ووالله ما لبثت إلا قليلا حتى دخلت على عبد الله بن مروان وإذا برأس مصعب ابن الزبير على ترس بين يديه. ومنهم العلامة أبو العرب محمد بن أحمد بن تميم بن تمام بن تميم التميمي القيرواني المغربي المالكي المولود سنة 251 والمتوفى سنة 333 ه في كتابه (المحن) (ص 187 ط دار الغرب الإسلامي في بيروت سنة 1403) قال: قال أبو معشر: ولما ولى يزيد بن معاوية عبيد الله بن زياد العراق فكان عبيد الله في الكوفة حتى قتل الحسين ثم رجع [إلى] البصرة، فكان بها حتى مات يزيد وحرقت الكعبة ورجع حصين بن نمير إلى الشام، وبويع لمروان بن الحكم، فأرسل حصين بن نمير مددا إلى زياد، وأرسل ابن الزبير إبراهيم بن محمد بن طلحة إلى الكوفة أميرا، ثم أرسل عبد الله بن مطيع إلى المدينة، فسار عبيد الله بن زياد إلى المختار فالتقوا بخازر فاقتتلوا، فقتل المختار عبيد الله بن زياد ومن معه حصين بن نمير وذا الكلاع وعامة من كان معه ممن شهد الحرة من رؤوسهم. قال أبو معشر: فحدثني رجل من أهل المدينة أنه نظر إلى خمسين رأسا بعث بها المختار إلى ابن الزبير، فيهم رأس عبيد الله بن زياد، وحصين بن نمير، وذي الكلاع، فلما قتل عبيد الله بن زياد ارتضى أهل البصرة عبد الله بن الحارث بن نوفل فأمروه على أنفسهم، وبعث ابن الزبير الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة عاملا على البصرة،

ص 642

ثم بعث حمزة بن الزبير بعده، ثم بعث مصعبا، فقتل المختار وبعث برأسه إلى ابن الزبير، فقال ابن الزبير: ما حدثني كعب إلا صدقته فيه، قال لي تقتل ابن معقب قد قتلته. وقتل مصعب أصحاب المختار، قتل منهم ثمانية آلاف صبرا وكان خلع طاعة عبد الله بن الزبير ودعا إلى نفسه، ونافق بالكوفة، فحاربه مصعب بن الزبير من البصرة فقتله ودخل الكوفة، ثم حج في سنة إحدى وسبعين، فقدم على ابن الزبير، قال: ودخلت حية في رأس عبيد الله بن زياد لما وضع برحبة الكوفة. حدثني بكر بن حماد عن نعيم بن حماد عن أبي معاوية عن الأعمش عن عمار بن عمير قال: كنا بالرحبة، فأتي برؤوس، ورأس عبيد الله بن زياد، فقالوا: انفلتت الحية فانفرجوا لها، فأقبلت تشم الرؤوس حتى دخلت في رأس عبيد الله بن زياد، ثم خرجت ثم دخلت والناس ينظرون. قال بكر: حدثني به أبو الحسن الكوفي عن أبيه عن أبي معاوية بإسناد مثله. ومنهم الحافظ أبو العلي محمد بن عبد الرحمن بن عبد الرحيم المباركفوري الهندي المتوفى سنة 1353 ه في (تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي) (ج 10 ص 283 ط دار الفكر في بيروت) قال: أخبرنا أبو معاوية عن الأعمش عن عمارة بن عمير قال: لما جئ برأس عبيد الله بن زياد وأصحابه نضدت في المسجد في الرحبة فانتهيت إليهم وهم يقولون قد جاء قد جاءت فإذا حية قد جاءت تخلل الرؤوس حتى دخلت في منخري عبيد الله بن زياد فمكثت هنيهة ثم خرجت فذهبت حتى تغيبت ثم قالوا قد جاءت قد جاءت ففعلت ذلك مرتين أو ثلاثا. هذا حديث حسن صحيح. قال محشي الكتاب في الذيل: وإنما أورد الترمذي هذا الحديث في مناقب الحسين لأن فيه ذكر المجازاة لما فعله عبيد الله بن زياد برأس الحسين رضي الله عنه.

ص 643

قال العيني: إن الله تعالى جازى هذا الفاسق الظالم عبيد الله بن زياد بأن جعل قتله على يدي إبراهيم بن الأشتر يوم السبت لثمان من ذي الحجة سنة ست وستين على أرض يقال لها الجازر بينها وبين الموصل خمسة فراسخ وكان المختار بن أبي عبيدة الثقفي أرسله لقتال ابن زياد ولما قتل ابن زياد جئ برأسه وبرؤوس أصحابه وطرحت بين يدي المختار وجاءت حية دقيقة تخللت الرؤوس حتى دخلت في فم ابن مرجانة وهو ابن زياد وخرجت من منخره ودخلت في منخره وخرجت من فيه وجعلت تدخل وتخرج من رأسه بين الرؤوس ثم إن المختار بعث برأس ابن زياد ورؤوس الذين قتلوا معه إلى مكة إلى محمد بن الحنفية وقيل إلى عبد الله بن الزبير فنصبها بمكة وأحرق ابن الأشتر جثة ابن زياد وجثث الباقين. ومنهم الشريف أحمد بن محمد الخافي [الخوافي] في (التبر المذاب) (ص 88 مخطوط) قال: قال عبيد الله بن عمر لقد رأيت في هذا القصر عجبا يعني قصر الكوفة رأيت رأس الحسين عليه السلام بين يدي ابن زياد ورأيت رأس ابن زياد بين يدي المختار ورأيت رأس المختار بين يدي المصعب ابن الزبير ثم رأيت رأس مصعب بن الزبير بين يدي عبد الملك بن مروان ثم استقر الملك في بني أمية إلى أن خرج عبد الله السفاح ابن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس على بني أمية وقتلهم عن آخرهم وملكوا الملك ثم إن ابن زياد أمر بتجهيز الرؤس والسبايا إلى الشام إلى يزيد لعنه الله. ومنهم الفاضل المعاصر الأستاذ عباس محمود العقاد في (المجموعة الكاملة - العبقريات الإسلامية) (ج 2 ص 271 ط دار الكتاب اللبناني بيروت) قال: ولم تنقض سنوات أربع على يوم كربلاء حتى كان يزيد قد قضى نحبه، ونجمت بالكوفة جريرة العدل التي حاقت بكل من مد يدا إلى الحسين وذويه.. فسلط الله على قاتلي الحسين كفؤا لهم في النقمة والنكال يفل حديدهم بحديده ويكيل لهم

ص 644

بالكيل الذي يعرفونه. وهو المختار بن أبي عبيدة الثقفي داعية التوابين من طلاب ثأر الحسين. فأهاب بأهل الكوفة أن يكفروا عن تقصيرهم في نصرته، وأن يتعاهدوا على الأخذ بثأره فلا يبقين من قاتليه أحد ينعم بالحياة، وهو دفين مذال القبر في العراء.. فلم ينج عبيد الله بن زياد، ولا عمر بن سعد، ولا شمر بن ذي الجوشن، ولا الحصين ابن نمير، ولا خولي بن يزيد، ولا أحد ممن أحصيت عليهم ضربة أو كلمة أو مدوا أيديهم بالسلب والمهانة إلى الموتى أو الأحياء.. وبالغ في النقمة فقتل وأحرق ومزق وهدم الدور وتعقب الهاربين، وجوزي كل قاتل أو ضارب أو ناهب بكفاء عمله.. فقتل عبيد الله وأحرق، وقتل شمر بن ذي الجوشن وألقيت أشلاؤه للكلاب، ومات مئات من رؤسائهم بهذه المثلات وألوف من جندهم وأتباعهم مغرقين في النهر أو مطاردين إلى حيث لا وزر لهم ولا شفاعة.. فكان بلاؤهم بالمختار عدلا رحمة فيه، وما نحسب قسوة بالآثمين سلمت من اللوم أو بلغت من العذر ما بلغته قسوة المختار. ولحقت الجريرة الثالثة بأعقاب الجريرة الثانية في مدى سنوات معدودات.. فصمد الحجاز في ثورته أو في تنكره لبني أمية إلى أيام عبد الملك بن مروان، وكان أحرج الفريقين من سبق إلى أحرج العملين. وأحرج العملين ذاك الذي دفع إليه - أو اندفع إليه - الحجاج عامل عبد الملك.. فنصب المنجنيق على جبال مكة، ورمى الكعبة بالحجارة والنيران فهدمها وعفى على ما تركه منها جنود يزيد بن معاوية.. فقد كان قائده الذي خلف مسلم بن عقبة وذهب لحصار مكة أول من نصب لها المنجنيق وتصدى لها بالهدم والاحراق. وما زالت الجرائر تتلاحق حتى تقوض من وطأتها ملك بني أمية، وخرج لهم السفاح الأكبر وأعوانه في دولة بني العباس.. فعموا بنقمتهم الأحياء والموتى، وهدموا الدور، ونبشوا القبور، وذكر المنكوبون بالرحمة فتكات المختار بن أبي عبيد، وتجاوز الثأر كل مدى خطر على بال هاشم وأمية يوم مصرع الحسين.

ص 645

لقد كانت ضربة كربلاء، وضربة المدينة، وضربة البيت الحرام، أقوى ضربات أمية لتمكين سلطانهم وتثبيت بنيانهم وتغليب ملكهم على المنكرين والمنازعين.. فلم ينتصر عليهم المنكرون والمنازعون بشيء كما انتصروا عليهم بضربات أيديهم، ولم يذهبوا بها ضاربين حقبة، حتى ذهبوا بها مضروبين إلى آخر الزمان. وتلك جريرة يوم واحد هو يوم كربلاء.. فإذا بالدولة العريضة تذهب في عمر رجل واحد مديد الأيام، وإذا بالغالب في يوم كربلاء أخسر من المغلوب إذا وضعت الأعمار المنزوعة في الكفتين. ومنهم العلامة الحافظ جمال الدين أبي الحجاج يوسف المزي في (تهذيب الكمال في أسماء الرجال) (ص 357 ط مؤسسة الرسالة بيروت) قال: بعد ذكر اسمه ونسبه: وقال أحمد بن عبد الله العجلي: كان يروي عن أبيه أحاديث، وروى الناس عنه. وهو الذي قتل الحسين، وهو تابعي ثقة. وقال أبو بكر بن أبي خيثمة، سألت يحيى بن معين عن عمر بن سعد أثقة هو؟ فقال: كيف يكون من قتل الحسين ثقة؟ وقال الحاكم أبو أحمد: سمعت أبا الحسين الغازي يقول: سمعت أبا حفص عمرو بن علي يقول: سمعت يحيى بن سعيد يقول: حدثنا إسماعيل بن أبي خالد، قال : حدثنا العيزار بن حريث عن عمر بن سعد، فقال له رجل من بني ضبيعة يقال له موسى: يا أبا سعيد هذا قاتل الحسين. فسكت، فقال: عن قاتل الحسين تحدثنا. فسكت. وقال عبد الرحمان بن يوسف بن خراش: حدثنا أبو حفص هو الفلاس، قال: سمعت يحيى بن سعيد القطان، وحدثنا عن شعبة وسفيان عن أبي إسحاق عن العيزار بن حريث عن عمر بن سعد فقام إليه رجل، فقال: أما تخاف الله تروي عن عمر بن سعد، فبكى وقال: لا أعود أحدث عنه أبدا. إلى أن قال في ص 359: قال الحميدي: حدثنا سفيان عن سالم إن شاء الله قال:

ص 646

قال عمر بن سعد للحسين: إن قوما من السفهاء يزعمون أني أقتلك. فقال حسين: ليسوا بسفهاء، ولكنهم حلماء ثم قال: والله إنه ليقر بعيني أنك لا تأكل بر العراق بعدي إلا قليلا. وقال أبو بكر بن أبي خيثمة: حدثنا عبد السلام بن صالح، قال: حدثنا ابن عيينة عن عبد الله بن شريك، قال: أدركت أصحاب الأردية المعلمة وأصحاب البرانس من أصحاب السواري إذا مر بهم عمر بن سعد، قالوا: هذا قاتل الحسين وذلك قبل أن يقتله. وروي عن محمد بن سيرين عن بعض أصحابه، قال: قال علي لعمر بن سعد: كيف أنت إذا قمت مقاما تخير فيه بين الجنة والنار فتختار النار. وقال أبو بكر بن أبي خيثمة: حدثنا أبي، قال: حدثنا وهب بن جرير، عن أبيه، قال: وبلغ مسيره - يعني الحسين - عبيد الله بن زياد وهو بالبصرة، فخرج على بغالهم هو واثنا عشر رجلا حتى قدموا الكوفة، فحسب أهل الكوفة أنه الحسين بن علي وهو متلثم، فجعلوا يقولون: مرحبا بابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأقبل الحسن حتى نزل نهري كربلاء وبلغه خبر الكوفة، فبعث ابن زياد عمر بن سعد على جيش وأمره. أن يقتله، وبعث شمر بن جوشن الكلابي فقال: اذهب معه فإن قتله وإلا فاقتله وأنت على الناس، قال: فخرجوا حتى لقوه، فقاتل هو ومن معه حتى قتلوا. وقد ذكرنا بعض أخباره في ترجمة الحسين بن علي. قتله المختار سنة خمس وستين وقيل: ست وستين وقيل: سبع وستين وعليه لعائن الله والملائكة والناس أجمعين. ومنهم العلامة الشريف أحمد بن محمد الحسيني الشافعي في (التبر المذاب) (ص 86 - المخطوط) قال: ثم قام عمر بن سعد لعنه الله عند ابن زياد يريد منزلته التي وعده بها فلم يف له فخرج من عنده وهو يقول ما رجع أحد مثل ما رجعت أطعت الفاسق ابن زياد الظالم

ص 647

ابن الفاجر وأغضبت الحاكم العدل وقطعت القرابة الشريفة وكان كلما مر على ملأ من الناس أعرضوا عنه وكلما دخل المسجد خرج الناس منه وكل من رآه سبه فلزم بيته إلى أن قتل عليه غضب الله. ومنهم العلامة أبو العرب محمد بن أحمد بن تميم بن تمام بن تميم التميمي القيرواني المغربي المالكي المولود سنة 251 والمتوفى سنة 333 ه في كتابه (المحن) (ص 185 ط دار الغرب الإسلامي في بيروت سنة 1403) قال: حدثنا أبو جعفر تميم بن محمد قال: حدثني أبي رحمه الله محمد بن أحمد بن تميم التميمي قال: حدثني عمر بن يوسف ومحمد بن أسامة قال: حدثنا علي بن عبد العزيز عن أبي عبيد القاسم بن سلام قال: حدثنا أبو معشر قال: حدثني رجل من الأنصار أن المختار بن أبي عبيد كتب إلى عبد الله بن الزبير فقال لرسوله: إذا جئت مكة فدفعت كتابي إلى ابن الزبير فأت المهدي يعني ابن الحنفية محمد بن علي بن أبي طالب، فأقرأ عليه السلام وقل له: يقول لك أبو إسحاق، إني أحبك وأحب أهل بيتك، قال: فأتاه فقال له ذلك، فقال له: كذبت وكذب أبو إسحاق، كيف يحبني ويحب أهل بيتي وهو يجلس عمر بن سعد بن أبي وقاص على وسائده وقد قتل الحسين بن علي بن أبي طالب. قال: فلما قدم عليه رسوله أخبره بما قال محمد بن علي بن الحنفية، قال: فقال المختار بن أبي عبيد لأبي عمرة صاحب حرسه: استأجر لي نوائحا يبكين الحسين بن علي بن أبي طالب رحمه الله على باب عمر بن سعد بن أبي وقاص. قال: ففعل ذلك الحرسي، قال: فلما بكين قال عمر لابنه عمر ايت الأمير فقل له: ما بال النوائح يبكين الحسين بن علي بن أبي طالب على باب داري، قال: فأتاه ابنه فقال له ذلك، قال: فقال له المختار: لأنه أهل أن يبكى عليه، قال: أصلحك الله، إنه عن ذلك، قال: نعم، ثم دعا أبا عمرة صاحب حرسه فقال: إذهب إلى عمر بن سعد بن أبي وقاص فأتني برأسه، قال: فأتاه فقال: قم إلي أبا حفص، فقام إليه عمر

ص 648

وهو ملتحف فجلله بالسيف فقتله، وجئ برأسه إلى المختار وحفص جالس عنده على الكرسي، فقال: هل تعرف هذا، قال: نعم، رحمة الله عليه، قال: أتحب أن ألحقك به، قال: وما خير في الحياة بعده، فضرب رأسه أيضا فقلته.

سبب استشهاده عليه السلام

رواه جماعة: فمنهم الفاضل المعاصر الدكتور السيد عبد العزيز سالم - أستاذ التاريخ الإسلامي في (تاريخ الدولة العربية - منذ ظهور الإسلام حتى سقوط الدولة الأموية) (ص 360 ط مؤسسة شباب الجامعة) قال: لما توفى معاوية بن أبي سفيان كتب أهل الكوفة إلى الحسين بن علي يبايعونه بالخلافة، وكان مما كتبوه إليه: إنا قد حبسنا أنفسنا على بيعتك، ونحن نموت دونك، ولسنا نحضر جمعة ولا جماعة بسببك. وفي هذه الآونة استدعاه الوليد بن عتبة بن أبي سفيان عامل المدينة وطالبه بالبيعة ليزيد، فسام التأخير، واحتج بأن مثله لا يعطي بيعته سرا، وأبدى استعداده لمبايعة يزيد إذا اجتمع الناس، ثم انصرف إلى داره، وأقام حتى المساء. ورحل بعد ذلك إلى مكة. أما ابن الزبير فقد سبق الحسين في الرحيل إلى مكة حتى لا يرغم على المبايعة ليزيد. إذ كان يطمع في الظفر بالخلافة بعد معاوية. ولما دخل مكة، قال: أنا عائذ بالبيت. ولزم جانب الكعبة لا يفارقه عامة النهار. وما كاد الحسين يصل إلى مكة، ويعلم أهل مكة بوصوله، حتى بدأوا يترددون عليه ويجتمعون عنده دون أن يحفلوا بابن الزبير. ثم والاه أهل الكوفة بالمكاتبات العديدة يسألونه القدوم عليهم ليسلموا الأمر إليه ويطردون النعمان ابن بشير عامل الكوفة. وأول ما ورد عليه كتاب حمله إليه رسولان من قبل سليمان بن صرد وجماعة من شيعة الكوفة، وفي اليوم التالي ورد عليه رسولان آخران ومعهما خمسون كتابا من أشراف أهل الكوفة ورؤسائها. وفي اليوم الثالث وافاه رسولان

ص 649

يحملان إليه خمسين كتابا أخرى فلما أمسى ذلك اليوم ورد عليه سعيد بن عبد الله الثقفي ومعه كتاب من رؤساء أهل الكوفة، وهكذا تتابعت الكتب على الحسين حتى ملأ بها خرجين له. فرد الحسين على أهل الكوفة جميعا بكتاب واحد دفعه إلى رسولين من أهل الكوفة يخبرهم فيه بأنه سيرسل إليهم ابن عمه مسلم بن عقيل ليتحقق بنفسه من حقيقة مشاعرهم قبل أن يقدم هو (أي الحسين) عليهم. ووصل مسلم بن عقيل إلى الكوفة في 5 شوال سنة 60 ه، وبايعه من أهلها ثمانية عشر ألف رجل سرا للحسين. وعلم النعمان بن بشير الأنصاري والي الكوفة بوصوله، وكان رجلا مسالما، فوقف سلبيا من مسلم، وأعلن عن موقفه بقوله: لا أقاتل إلا من قاتلني، ولا أثب إلا على من وثب علي، ولا آخذ بالقرفة والظنة، فمن أبدى صفحته ونكث بيعته ضربته بسيفي ما ثبت قائمه في يدي، ولو لم أكن إلا وحدي. ولكن بعد أنصار الأمويين في الكوفة وعلى رأسهم عبد الله بن مسلم بن سعيد الحضرمي، وعمارة بن عقبة كتبوا إلى يزيد بن معاوية يخبرونه بما قدم مسلم بن عقيل إلى الكوفة من أجله، وما كان من تخاذل النعمان بن بشير نحو مسلم. فكتب يزيد إلى عبيد الله بن زياد عامله على البصرة بعهده إليه في ولاية البصرة والكوفة يزمعا إلى عبيد الله بن زياد عامله على البصرة بعهده إليه في ولاية البصرة والكوفة معا، ويأمره بعزل النعمان والقضاء على مسلم. فلما علم مسلم بقدوم عبيد الله، خاف على نفسه، فلاذ بدار هانئ بن عروة المرادي في قول وهانئ بن ورقة المذحجي في قول آخر، وكان هانئ هذا من أشراف الكوفة، وطلب منه أن يضيفه ويجيره، فأجاره هانئ على غير رغبته، وأدخله دار نسائه، وجعل الشيعة يختلفون إليه في دار هانئ فكان مسلم يبايع من أتاه منهم ويأخذ منهم العهود والمواثيق المؤكدة بالوفاء. وفي أثناء مقامه تهيأت له فرصة قتل عبيد الله بن زياد الذي قدم لزيارة شريك بن الأعور في منزل هانئ، وكان شريك قد مرض مرضا شديدا، ولكنه لم يغتنم هذه الفرصة ويثب عليه لآمرين: الأول كراهية هانئ لقتله في داره، والثاني كراهيته للغدر. وعلم ابن زياد عن طريق جواسيسه أن مسلم بن عقيل يقيم بدار هانئ، فاستقدمه

ص 650

إليه، فقدم إليه هانئ، فأمره بإحضار مسمل بن عقيل، فامتنع عن دفع ضيفه حتى يموت دونه، فهدده ابن زياد بالقتل، فلم يحفل بتهديده، فغضب أحد أتباع ابن زياد، وضرب هانئ بقضيب كان بيده على أنفه وجبينه حتى كسر أنفه وأسال الدماء على ثيابه ونثر لحم خديه وجبينه، ثم أمر ابن زياد به فألقي في بيت. وبلغ مذحجا أن ابن زياد قد قتل هانئا فأقبلوا حتى أحاطوا بالقصر، فخرج إليهم شريح القاضي وأعلن لهم أن هانئا لم يقتل، فانصرفوا. وعندما علم ابن عقيل أن هانئا قد قتل دعا كل من بايعه من الشيعة، فتجمعوا لديه فتقدم معهم حتى أحاطوا بقصر الإمارة، ولكن ابن زياد أرسل إليهم من يخوفهم المعصية ويهددهم بالعذاب، فتفرقوا عن ابن عقيل، فلما ألفى نفسه وحيدا قد خذله القوم مضى في أزقة الكوفة لا يدري إلى أين يذهب، فانتهى إلى باب امرأة كندية فآوته، ولكن ابنها مضى إلى ابن زياد ودله على مكان ابن عقيل، وتم القبض عليه، ثم أمر به ابن زياد فرقى به إلى أعلى القصر، فضربت عنقه هناك فسقطت رأسه إلى الرحبة ثم سقط الجسد، أما رأسه فبعث به إلى دمشق وأما جسده فصلب. أما الحسين فلم تكن قد وصلته أخبار مسلم، فاستبطأها وعزم على السير نحو الكوفة، فلما هم بالرحيل أتاه ابن عباس وحاول أن يثنيه عن السير خوفا من غدر أهل العراق به، ولكنه لم يصغ إليه بحجة أن مسلم بن عقيل كتب إليه باجتماع أهل الكوفة على بيعته ونصرته، وعندما علم ابن الزبير بعزم الحسين على الرحيل سر في نفسه لمسيره وشجعه على إتيان الكوفة وقال: وفقك الله! أما لو أن لي بها مثل أنصارك ما عدلت عنها ثم دخل أبو بكر بن الحارث بن هشام على الحسين قبل سيره ونصحه بعد الذهاب إلى الذين عدوا على أبيه علي وأخيه الحسن، ولكن الحسين شكره على نصيحته ولم يأخذ بها. فلما اقترب الحسين من القادسية لقيه نفر أبلغه بمقتل مسلم بن عقيل ونصحوه بالعودة، وظل كلما تقدم قليلا أقبل عليه من ينصحه بالعودة، ولكنه واصل السير. وكان ابن زياد قد وجه الحصين بن نمير في أربعة آلاف فارس من أهل الكوفة وأمره

ص 651

أن يقيم فيما بين القادسية إلى القطقطانة حتى يمنع من يخرج من الكوفة لنصرة الحسين. ثم سار الحسين في طريقه إلى الكوفة فتصدت له في الطريق فرقة من الفرسان منعته من السير إلى الكوفة أو العودة إلى الحجاز، فاختار طريقه إلى كربلاء وهو في قدر 500 فارس من أهل بيته وأصحابه ونحو مائة من الرجال، فلما وصل إلى هناك في غرة المحرم من سنة 61 أمر بأثقاله فحطت. ثم أرسل ابن زياد عمر بن سعد ابن أبي وقاص في أربعة آلاف فارس، فحالوا بين الحسين وأصحابه وبين الشريعة وهي موضع الماء، ثم نشب القتال في 9 من المحرم، وتكاثر عساكر الكوفة على الحسين وأصحابه، فلم يزل أصحاب الحسين يقاتلون ويقتلون حتى لم يبق معه غير أهل بيته، ثم قتل علي بن الحسين، ثم عبد الله بن مسلم بن عقيل، وظلوا يتساقطون الواحد بعد الآخر حتى لم يبق سواه، فحمل عليه مالك بن بشر الكندي فضربه بالسيف على رأسه وعليه برنس خز فقطعه وأفضى السيف إلى رأسه فجرحه، ثم اشتد على الطعان وتكاثرت عليه عساكر ابن زياد فظل يقاتل حتى قتل، واحتز القتلة رأسه وحملوها إلى ابن زياد بالكوفة، فأرسلها إلى يزيد بدمشق. وكان عدد القتلى من أصحاب الحسين 72 رجلا احتزت رؤوسهم وحملت على أطراف الرماح. ثم كانت حركة التوابين برئاسة سليمان بن صرد الخزاعي تعبيرا عن ندم الشيعة على خذلانهم للحسين بن علي وسخطهم على بني أمية، وتفصيل ذلك أنه لما قتل الحسين ورج ابن زياد إلى الكوفة تلاقت الشيعة بالتلاوم والندم، ورأت أن قد أخطأت خطئا كبيرا بدعائهم الحسين وتركهم نصرته وإجابته حتى قتل إلى جانبهم، ورأوا أنه لا يغسل عارهم والإثم عليهم إلا قتل من قتله أو القتل فيهم، فاجتمعوا بالكوفة إلى خمسة نفر من رؤساء الشيعة هم: سليمان بن صرد الخزاعي، والمسيب ابن نجبة الفزاري، وعبد الله بن سعد بن نفيل الأزدي، وعبد الله بن وال التيمي، ورفاعة بن شداد البجلي، كلهم من خيار أصحاب علي، فاجتمع هؤلاء الزعماء في منزل سليمان بن صرد، ولم يلبث أهل الكوفة أن قبلوا دعوة ابن الزبير عند ما دعاهم

ص 652

إليها مصعب ابن الزبير في سنة 68 ه للتخلص من استبداد المختار، وطلبوا من مصعب بن الزبير أن يخلص الكوفة من المختار الكاذب، فزحف مصعب بجموع أهل البصرة واشتبك مع المختار في موقعة المذار، فانهزم المختار وتراجع إلى الكوفة ثم قتل. وهكذا خضعت العراق لابن الزبير، وظلت كذلك إلى أن تمكن عبد الملك بن مروان من القضاء على مصعب في سنة 71 بدير الجاثليق على النحو الذي سنوضحه عند حديثنا عن حركة ابن الزبير في الحجاز. ومنهم أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد ابن الجوزي المتوفى سنة 597 ه في (المنتظم في تاريخ الملوك والأمم) (ج 5 ص 322 ط دار الكتب العلمية بيروت) قال: في ترجمة يزيد بن معاوية اللعين: ويكنى أبا خالد، ولد سنة ست وعشرين هو وعبد الملك، وأمه ميسون بنت بحدل، وكان له أولاد جماعة، فمنهم: معاوية ابنه، وولي الخلافة بعده أياما. ومنهم: عاتكة، تزوجها عبد الملك بن مروان، فولدت له أربعة أولاد، وهذه عاتكة كان لها اثنا عشر محرما كلهم خلفاء، أبوها يزيد، وجدها معاوية، وأخوها معاوية بن يزيد، وزوجها عبد الملك، وحموها مروان بن الحكم، وابنها يزيد بن عبد الملك، وابن أبيها الوليد بن يزيد، وبنو زوجها: الوليد، وسليمان، وهشام، وابنا زوجها: يزيد وإبراهيم، ابنا الوليد بن عبد الملك. ولم يتفق مثل هذا لامرأة سواها. وقد أسند يزيد بن معاوية الحديث، فروى عن أبيه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وإسنادنا إليه متصل، غير أن الإمام أحمد سئل: أيروى عن يزيد الحديث؟ فقال: لا، ولا كرامة، فلذلك امتنعنا أن نسند عنه. وقد ذكرنا أن معاوية لما مات كان ابنه يزيد غائبا، فلما سمع بموت أبيه معاوية قدم وقد دفن، فبويع له وهو ابن اثنتين وثلاثين سنة وأشهر، فأقر عبيد الله بن زياد على البصرة، والنعمان بن بشير على الكوفة، وكان أمير مكة عمرو بن سعيد بن العاص، وأمير المدينة الوليد بن عتبة بن أبي سفيان، ولم يكن ليزيد هم حين ولي إلا

ص 653

النفرة الذين أبوا على أبيه الإجابة إلى بيعة يزيد، فكتب إلى الوليد بن عتبة: أما بعد، فخذ حسينا وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير بالبيعة أخذا شديدا ليست فيه رخصة حتى يبايعوا، والسلام. فبعث إلى مروان، فدعاه واستشاره وقال: كيف ترى أن أصنع؟ قال: إني أرى أن تبعث الساعة إلى هؤلاء النفر فتدعوهم إلى البيعة، فإن فعلوا قبلت، وإن أبوا ضربت أعناقهم قبل أن يعلموا بموت معاوية، فإنهم إن علموا بموته وثب كل واحد منهم في جانب، فأظهر الخلاف والمنابذة، إلا أن ابن عمر لا أراه يرى القتال، ولا يحب الولاية، إلا أن تدفع إليه عفوا. وأرسل عبد الله بن عمرو بن عثمان وهو غلام حدث إلى الحسين وابن الزبير يدعوهما، فوجدهما في المجلس جالسين فقالا: أجيبا الأمير. فقالا له: انصرف، فآلان نأتيه: ثم أقبل ابن الزبير على الحسين فقال له: ما تظن فيما بعث إلينا؟ فقال الحسين: أظن طاغيتهم قد هلك، وقد بعث هذا إلينا ليأخذنا بالبيعة قبل أن يفشوا الخبر. قال: وأنا ما أظن غيره، فما تريد أن تصنع؟ قال: اجمع فتياني الساعة، ثم أسير إليه، فإذا بلغت الباب احتبستهم. قال: فإني أخافه عليك إذا دخلت قال: لا آتيه إلا وأنا على الامتناع. قال: فجمع مواليه وأهل بيته، ثم قام يمشي حتى انتهى إلى باب الوليد وقال لأصحابه: إني داخل، فإن دعوتكم أو سمعتم صوتي قد علا فاقتحموا علي بأجمعكم، وإلا فلا تبرحوا حتى أخرج. فدخل وعنده مروان، فسلم عليه بالإمرة وجلس، فأقراه الوليد الكتاب، ونعى إليه معاوية، ودعاه إلى البيعة، فقال الحسين (إنا لله وإنا إليه راجعون) رحم الله معاوية، وعظم لك الأجر، أما ما سألتني من البيعة فإن مثلي لا يعطي بيعته سرا، ولا أراك تجتزي مني سرا دون أن تظهرها على رؤوس الناس علانية قال: أجل، قال: فإذا خرجت إلى الناس فدعوتهم إلى البيعة دعوتنا مع الناس فكان أمرا واحدا. فقال له الوليد وكان يحب العافية، فانصرف على اسم الله حتى تأتينا مع جماعة الناس. فقال له مروان. والله إن فارقك الساعة ولم يبايع لا

ص 654

قدرت منه على مثلها أبدا حتى تكثر القتلى بينك وبينه، احبس الرجل ولا يخرج من عندك حتى يبايع أو تضرب عنقه. فوثب الحسين عند ذلك فقال: يا ابن الزرقاء، أنت تقتلني أو هو؟ كذبت والله وأثمت. ثم خرج فقال مروان: والله لا يمكنك من مثلها من نفسه، فقال الوليد: والله ما أحب أن لي ما طلعت عليه الشمس وغربت، وإني قتلت حسينا. إلى أن قال في ص 335 عند ذكر مقتله عليه السلام: وذلك أنه أقبل حتى نزل شراف، فبينما هم كذلك إذ طلعت عليهم الخيل، فنزل الحسين رضي الله عنه، وأمر بأبنيته فضربت، وجاء القوم وهم ألف فارس مع الحر بن يزيد التميمي - وكان صاحب شرطة ابن زياد - حتى وقفوا مقابل الحسين عليه السلام في حر الظهيرة، فأمر الحسين رجلا فأذن، ثم خرج فقال: أيها الناس إنها معذرة إلى الله وإليكم، إني لم آتكم حتى قدمت علي رسلكم، وأتتني كتبكم أن أقدم علينا، فليس لنا إمام، فإن كنتم كارهين انصرفت عنكم إلى المكان الذي أقبلت منه، فسكتوا عنه، وقالوا للمؤذن: أقم الصلاة، فأقام الصلاة، وصلى الحسين، وصلى الحر معه، ثم تراجعوا، فجاءت العصر، فخرج يصلي بهم وقال: أتتني كتبكم ورسلكم، فقال الحر: ما ندري ما هذه الكتب والرسل. فقال: يا عقبة بن سمعان، أخرج إلي الخرجين. فأخرجهما مملؤين صحفا فنشرها بين أيديهم، فقال الحر: إنا لسنا من هؤلاء الذين كتبوا إليك، وقد أمرنا أن لا نفارقك حتى نقدمك الكوفة على عبيد الله بن زياد، فقال الحسين: الموت أدنى [إليك] من ذلك. وقام فركب وركب أصحابه وقال: انصرفوا بنا. فحالوا بينه وبين الانصراف، فقال للحر: ثكلتك أمك، ما تريد؟ قال: إني لم أؤمر بقتالك، إنما أمرت أن لا أفارقك حتى أقدمك الكوفة، فإذا أبيت فخذ طريقا لا تدخلك الكوفة، ولا تردك المدينة حتى أكتب إلى ابن زياد، وتكتب أنت إلى يزيد أو إلى ابن زياد لعل الله أن يرزقني العافية من أن أبتلي من أمرك، فتباشر الحسين والحر يسايره، ثم جاءه كتاب عبيد الله بن زياد أن جعجع بالحسين حتى يبلغك

ص 655

كتابي، فأنزلهم الحر على غير ماء، ولا في قرية، وذلك في يوم الخميس ثاني المحرم، فلما كان من الغد قدم عمر بن سعد من الكوفة في أربعة آلاف، وكان عبيد الله قد ولى عمر بن سعد الري، فلما عرض أمر الحسين قال له: اكفني أمر هذا الرجل، ثم اذهب إلى عملك. فقال: أعفني فأبى. قال: أنظرني الليلة، فأخره فأنظر في أمره، [ثم أصبح] راضيا. فبعث إلى الحسين رجلا يقول له: ما جاء بك؟ فقال: كتب إلي أهل مصركم، فإذا كرهتموني فإني أنصرف عنكم. وجاء كتاب عبيد الله إلى عمر: حل بين الحسين وأصحابه وبين الماء كما صنع بعثمان. فقال: اختاروا مني واحدة من ثلاث: إما أن تدعوني فألحق بالثغور أو أذهب إلى يزيد (1)، أو أنصرف من حيث جئت. فقبل ذلك

(هامش)

(1) قال الأستاذ عباس محمود العقاد في (المجموعة الكاملة - العبقريات الإسلامية) ج 2 ص 220 ط دار الكتاب اللبناني بيروت قال: تلقى ابن زياد من عمر بن سعد كتابا يقول فيه إن الحسين أعطاني أن يرجع إلى المكان الذي أقبل منه أو أن نسيره إلى أي ثغر من الثغور شئنا، أو أن يأتي يزيد فيضع يده في يده. والذي نراه نحن من مراجعة الحوادث والأسانيد أن الحسين ربما اقترح الذهاب إلى يزيد ليرى رأيه، ولكنه لم يعدهم أن يبايعه أو يضع يده في يده.. لأنه لو قبل ذلك لبايع في مكانه واستطاع عمر بن سعد أن يذهب به إلى وجهته، ولأن أصحاب الحسين في خروجه إلى العراق قد نفوا ما جاء في ذلك الكتاب ومنهم عقبة بن سمعان حيث كان يقول: صحبت الحسين من المدينة إلى مكة ومن مكة إلى العراق، ولم أفارقه حتى قتل وسمعت جميع مخاطباته إلى الناس إلى يوم قتله.. فوالله ما أعطاهم ما يزعمون من أن يضع يده في يد يزيد ولا أن يسيروه إلى ثغر من الثغور، ولكنه قال: دعوني أرجع إلى المكان الذي أقبلت منه أو دعوني أذهب في هذه الأرض العريضة حتى ننظر إلى ما يصير إليه أمر الناس. ولعل عمر بن سعد قد تجوز في نقل كلام الحسين عمدا ليأذنوا له في حمله إلى يزيد فيلقى عن كاهله مقاتلته وما تجر إليه من سوء القالة ووخز الضمير، أو لعل الأعوان الأمويين قد أشاعوا عن الحسين اعتزامه للمبايعة ليلزموا بالبيعة أصحابه من بعده، ويسقطوا حجتهم في مناهضة الدولة الأموية.. وأيا كانت الحقيقة في هذه الدعوى فهي تكبر مأثمة عبيد الله وشمر ولا تنقص منها.ولقد كانا على العهد بمثليهما.. كلاهما كفيل أن يحول بين صاحبه وبين خالجة من الكرم تخامره أو تغالب اللؤم الذي فطر عليه، فلا يصدر منهما إلا ما يوائم لئيمين لا يتفقان على خير.. وكأنما جنح عبيد الله إلى شيء من الهوادة حين جاءه كتاب عمر بن سعد، فابتدره شمر ينهاه ويجنح إلى الشدة والاعتساف، فقال له: أتقبل هذا منه وقد نزل بأرضك وإلى جنبك! والله لئن رحل = (*)

ص 656

عمر، وكتب إلى عبيد الله بذلك، فكتب عبيد الله. لا ولا كرامة حتى يضع يده في يدي، فقال الحسين: لا والله لا يكون ذلك أبدا. وفي رواية: أن عبيد الله قبل ذلك، فقال له شمر بن ذي الجوشن: والله إن رحل عن بلادك لم يضع يده في يدك ليكونن أولى بالقوة والعز، ولتكونن أولى بالضعف، والعجز، ولكن لينزلن على حكمك هو وأصحابه، فقال له عبيد الله. أخرج بكتابي إلى عمر بن سعد، وليعرض على الحسين وأصحابه النزول على حكمي، فإن فعلوا فليبعث بهم إلي سلما، وإن أبو فليقاتلهم، فإن فعل فاسمع له وأطع، وإن أبى أن يقاتلهم فأنت أمير الناس، فثب عليه فاضرب عنقه وأبعث إلي برأسه. وكتب عبيد الله: أما بعد، فإني لم أبعثك إلى حسين لتكف عنه ولا لتطاوله ولا لتمنيه السلامة، فانظر فإن نزل حسين وأصحابه على الحكم واستسلموا فابعث بهم إلي سلما، فإن أبوا فازحف إليهم حتى تقتلهم، فإن قتل حسين فاوطئ الخيل صدره

(هامش)

= من بلادك ولم يضع يده في يدك ليكونن أولى بالقوة والعزة ولتكونن أولى بالضعف والعجز.. فلا تعطه هذه المنزلة، ولكن لينزل على حكمك هو وأصحابه، فإن عاقبت كنت ولي العقوبة، وإن عفوت كان ذلك لك. ثم أراد أن يوقع بعمر ويتهمه عند عبيد الله ليخلفه في القيادة ثم يخلفه في الولاية، فذكر لعبيد الله أن الحسين وعمر يتحدثان عامة الليل بين المعسكرين.. فعدل عبيد الله إلى رأي شمر وأنفذه بأمر منه أن يضرب عنق عمر إن هو تردد في إكراه الحسين على المسير إلى الكوفة أو مقاتلته حتى يقتل. وكتب إلى عمر يقول له: أما بعد: فإني لم أبعثك إلى الحسين لتكف عنه ولا لتمنيه السلامة والبقاء ولا لتطاوله ولا لتعتذر عنه ولا لتقعد له عندي شافعا.. انظر فإن نزل الحسين وأصحابه على الحكم واستسلموا فابعث بهم إلي مسلما، وإن أبوا فازحف إليهم حتى تقتلهم وتمثل بهم، فإنهم لذلك مستحقون، فإن قتل الحسين فأوطئ الخيل صدره وظهره فإنه عاق مشاق قاطع ظلوم.. فإن أنت مضيت لأمرنا جزيناك جزاء السامع المطيع، وإن أنت أبيت فاعتزل جندنا وخل بين شمر بن ذي الجوشن وبين العسكر والسلام. وختمت مأساة كربلاء كلها بعد أيام معدودات.. ولكنها أيام بقيت لها جريرة لم يحمدها طالب منفعة ولا طالب مروءة، ومضت مئات السنين وهي لا تمحو آثار تلك الأيام في تاريخ الشرق والاسلام.. (*)

ص 657

وظهره، فإنه عاق قاطع، فإن مضيت لأمرنا جزيناك خيرا، وإن أبيت فاعتزل عملنا وجندنا، وخل بين شمر بن ذي الجوشن وبين العسكر، فإنا قد أمرناه والسلام. فلما جاء شمر بالكتاب إلى عمر وقرأه قال: ويلك، لا قرب الله دارك، قبح الله ما قدمت به علي، والله إني لأظنك أنت ثنيته أن يقبل ما كتبت به إليه، وأفسدت علينا أمرا قد كنا رجونا أن يصلح، قال: فقال: أخبرني ما أنت صانع لأمر أميرك؟ أتقاتل عدوه، فدونك وإلا فخل بيني وبين الجند والعسكر. فقال: لا، ولا كرامة، ولكن أنا أتولى ذلك. قال: فدونك. فنهض إليه عشية الخميس لتسع مضين من المحرم، وجاء شمر حتى وقف على أصحاب الحسين فقال: أين بنو أختنا؟ فخرج إليه العباس وعبد الله وجعفر بنو علي، فقالوا: ما لك وما تريد؟ قال: أنتم يا بني أختي آمنون، قالوا: لعنك الله، ولعن أمانك، أتؤمننا وابن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا أمان له؟! فنادى عمر: يا خيل اركبي وأبشري. فركب في الناس، ثم زحف نحوهم بعد صلاة العصر، وحسن جالس أمام بنيه مجتثيا بسيفه إذ خفق برأسه على ركبتيه، فسمعت أخته الضجة، فقالت: يا أخي، أما تسمع الأصوات قد اقتربت؟ فرفع رأسه فقال: إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام فقال لي: إنك تروح إلينا فلطمت أخته وجهها وقال له العباس: يا أخي، أتاك القوم. فنهض وقال: يا عباس، اركب [بنفسك] أنت يا أخي حتى تلقاهم فتقول لهم ما لكم وما بدا لكم. فأتاهم العباس في نحو عشرين فارسا، فقال: ما تريدون؟ فقالوا: جاء أمر الأمير بأن نعرض عليكم أن تنزلوا على حكمه أو نناجزكم. قال: فلا تعجلوا حتى أرجع إلى أبي عبد الله فأعرض عليه ما ذكرتم. فوقفوا، فرجع إلى الحسين فأخبره الخبر، ثم رجع إليهم فقال: يا هؤلاء، إن أبا عبد الله يسألكم أن تنصرفوا هذه العشية حتى ننظر في هذا الأمر، فإذا أصبحنا التقينا إن شاء الله، وإنما أراد أن يوصي أهله، فقال عمر للناس: ما ترون؟ فقال له عمرو بن الحجاج: سبحان الله، والله لو كان من الديلم، ثم سألك هذا لكان ينبغي أن تجيبه، فجمع الحسين

ص 658

أصحابه، وقال: إني قد أذنت لكم فانطلقوا في هذه الليلة، فاتخذوه جملا، وتفرقوا في سوادكم ومدائنكم، فإن القوم إنما يطلبوني، ولو قد أصابوني لهوا عن طلب غيري. فقال أخوه العباس: لم نفعل ذلك لنبقى بعدك، لا أرانا الله ذلك أبدا. ثم تكلم إخوته وأولاده وبنو أخيه وبنو عبد الله بن جعفر بنحو ذلك، فقال الحسين: يا بني عقيل، حسبكم من الفتك بمسلم، إذهبوا فقد أذنت لكم. فقالوا: لا والله، بل نفديك بأنفسنا وأهلينا، فقبح الله العيش بعدك. وقال مسلم بن عوسجة: والله لو لم يكن معي سلاح أقاتلهم به لرميتهم بالحجارة، وقال سعيد بن عبد الله الحنفي: والله لا نخليك حتى يعلم الله أننا قد حفظنا غيبة رسول الله فيك، والله لو علمت أني أقتل، ثم أحيا، ثم أحرق حيا، ثم أذرى تسعين مرة ما فارقتك حتى ألقى حمامي دونك. وتكلم جماعة [من] أصحابه بنحو هذا، فلما أمسى الحسين جعل يصلح سيفه ويقول مرتجزا: يا دهر أف لك من خليل * كم لك بالاشراق والأصيل من صاحب أو طالب قتيل فلما سمعه ابنه علي خنقته العبرة، فسمعته زينب بنت علي، فنهضت إليه وهي تقول: واثكلاه، ليت الموت أعدمني الحياة، اليوم ماتت فاطمة أمي، وعلي أبي، يا خليفة الماضي، وثمال الباقي. فقال لها الحسين: أخية، لا يذهب حلمك الشيطان. وترقرقت عيناه، فلطمت وجهها، وشقت جيبها، وخرت مغشية عليها. فقام إليها الحسين عليه السلام فرش الماء على وجهها، وقال: يا أخية اعلمي أن أهل الأرض يموتون، وأهل السماء لا يبقون، ولي أسوة برسول الله صلى الله عليه وسلم، وإني أقسم عليك يا أخية لا تشقي علي جيبا ولا تخمشي وجها. وقام الحسين وأصحابه يصلون الليل كله، ويدعون، فلما صلى عمر بن سعد الغداة - وذلك يوم عاشوراء - خرج فيمن معه من الناس، وعبأ الحسين أصحابه، وكانوا اثنين وثلاثين فارسا، وأربعين راجلا، ثم ركب الحسين دابته، ودعى بمصحف

ص 659

فوضعه أمامه، وأمر أصحابه فأوقدوا النار في حطب كان ورأهم لئلا يأتيهم العدو من ورائهم. فمر شمر فقال: يا حسين، تعجلت النار في الدنيا. فقال مسلم بن عوسجة: ألا رميته بسهم؟ فقال الحسين: لا، إني أكره أن أبدأهم، ثم قال الحسين عليه السلام لأعدائه: أتنسبوني؟ فانظروا من أنا، ثم راجعوا أنفسكم، فانظروا هل يصلح لكم قتلي وانتهاك حرمتي، ألست ابن بنت نبيكم؟ وابن ابن عمه؟ أليس حمزة سيد الشهداء عم أبي؟ وجعفر الطيار عمي؟ فقال شمر [بن ذي الجوشن]: عبدت الله على غير حرف إن كنت أدري ما تقول. فقال: أخبروني أتطلبوني بقتيل منكم قتلته؟ أو مال لكم أخذته!؟ فلم يكلموه. فنادى: يا شبث بن ربعي، يا قيس بن الأشعث، يا حجار، ألم تكتبوا إلي؟ قالوا: لم نفعل، فقال: فإذا كرهتموني فدعوني أنصرف عنكم. فقال له قيس: أولا تنزل على حكم ابن عمك؟ فإنه لن يصل إليك منهم مكروه، فقال: لا والله، لا أعطيهم بيدي إعطاء الذليل. فعطف عليه الحر فقاتل معه فأول من رمى عسكر الحسين عليه السلام بسهم: عمر بن سعد، وصار يخرج الرجل من أصحاب الحسين فيقتل من يبارزه، فقال عمرو بن حجاج للناس. يا حمقى: أتدرون من تقاتلون؟ هؤلاء فرسان المصر، وهم قوم مستميتون، فقال عمر: صدقت، فحمل عمرو بن الحجاج على الحسين، فاضطربوا ساعة، فصرع مسلم بن عوسجة أول أصحاب الحسين، وحمل شمر وحمل أصحاب الحسين عليه السلام من كل جانب، وقاتل أصحاب الحسين قتالا شديدا، فلم يحملوا على ناحية إلا كشفوها، وهم اثنان وثلاثون فارسا، فرشقهم أصحاب عمر بالنبل، فعقروا خيولهم، فصاروا رجالة، ودخلوا على بيوتهم، يقوضونها ثم أحرقوها بالنار، فقتل أصحاب الحسين كلهم وفيهم بضعة عشر شابا من أهل بيته منهم من أولاد علي عليه السلام: العباس، وجعفر، وعثمان، ومحمد، وأبو بكر ومنهم من أولاد الحسين: علي، وعبد الله، وأبو بكر، والقاسم. ومنهم من أولاد عبد الله بن جعفر: عون، ومحمد. ومن أولاد عقيل: جعفر، وعبد الرحمن، وعبد الله، ومسلم، قتل

ص 660

بالكوفة. وقتل عبد الله بن مسلم بن عقيل، ومحمد بن أبي سعيد بن عقيل، وقتل عبد الله بن بقطر رضيع الحسين. وجاء سهم فأصاب ابنا للحسين وهو في حجره، فجعل يمسح الدم عنه وهو يقول: اللهم احكم بيننا وبين قوم دعونا لينصرونا فقتلونا. فحمل شمر بن ذي الجوشن حتى طعن فسطاط الحسين برمحه، ونادى: علي بالنار حتى أحرق هذا البيت على أهله. فصاح النساء وخرجن من الفسطاط، وصاح به الحسين عليه السلام: حرقك الله بالنار. ثم اقتتلوا حتى وقت الظهر، وصلى بهم الحر صلاة الخوف، ثم اقتتلوا بعد الظهر، وخرج علي بن الحسين الأكبر فشد على الناس وهو يقول: أنا علي بن الحسين بن علي * نحن ورب البيت أولى بالنبي تالله لا يحكم فينا ابن الدعي فطعنه مرة بن منقذ فصرعه، واحتوشوه فقطعوه بالسيوف، فقال الحسين: قتل الله قوما قتلوك يا بني، على الدنيا بعدك العفا. وخرجت زينب بنت فاطمة [تنادي]: يا أخاه يا ابن أخاه. وأكبت عليه، فأخذ بيدها الحسين فردها إلى الفسطاط، وجعل يقاتل قتال الشجاع، وبقي الحسين زمانا ما انتهى إليه رجل منهم [إلا] انصرف عنه وكره أن يتولى قتله، واشتد به العطش فتقدم ليشرب، فرماه حصين بن تميم بسهم فوقع في فمه، فجعل يتلقى الدم ويرمي به السماء ويقول: اللهم احصهم عددا واقتلهم مددا، ولا تذر على الأرض منهم أحدا. ثم جعل يقاتل، فنادى شمر في الناس: ويحكم، ما تنتظرون بالرجل، اقتلوه. فضربه زرعة بن شريك على كتفه، وضربه آخر على عاتقه، وحمل عليه سنان بن أنس النخعي فطعنه بالرمح، فوقع، فنزل إليه فذبحه واجتز رأسه، فسلمه إلى خولي ابن يزيد الأصبحي، ثم انتهبوا سلبه، فأخذ قيس بن الأشعث عمامته، وأخذ آخر سيفه، وأخذ آخر نعليه، وآخر سراويله، ثم انتهبوا ماله، فقال عمر بن سعد: من أخذ شيئا فليرده، فما منهم من رد شيئا. وجاء سنان حتى وقف على فسطاط عمر بن سعد، ثم نادى:

 

الصفحة السابقة الصفحة التالية

شرح إحقاق الحق (ج33)

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب