الصفحة السابقة الصفحة التالية

شرح إحقاق الحق (ج33)

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب

 ص 781

(ق 389 نسخة مكتبة الملي بفارس) قال: وكان رضي الله عنه يقول: اللهم إني أعوذ بك أن تحسن علانيتي وتقبح سريرتي اللهم كما أسأت وأحسنت إلي فإذا عدت فعد علي. وعن سفيان بن عيينة عن الزهري قال: سمعت علي بن الحسين عليهما السلام سيد العابدين وهو يحاسب نفسه ويناجي ربه ويقول: حتام إلى الحياة سكونك وإلى الدين وعمارتها كونك أما اعتبرت بمن مضى من أسلافك ومن وارته الأرض من الإفك ومن فجعت به من إخوانك ومن نقل إلى دار البلى من أقرانك.

فهم في بطون الأرض بعد ظهورها * محاسنهم فيها بوال دواثر

خلت دورهم منهم واقوت عراصها * وساقتهم نحو المنايا المقادر

وخلوا عن الدنيا وما جمعوا لها * وضمتهم تحت التراب الحفاير

كم تخرمت أيدي المنون من قرون بعد وكم غيرت الأرض ببلاها وغيبت في ثراها ممن عاشرت من صنوف الناس وشيعتهم إلى الارماس.

وأنت على الدنيا مكتب منافر * لخطابها فيها حريص مكابر

على خطر تمسي وتصبح لاهيا * أتدري بماذا لو عقلت تخاطر

وإن امرأ يسعى لدنياه جاهدا * ويذهل عن أخراه لا شك خاسر

فحتام على الدنيا اقبالك وبشهواتها اشتغالك قد وحطك القتر وداناك الذبر دانت عما يراد بك ساه لومك لاه.

وفي ذكر هول الموت والقبر والبلى * عن اللهو واللذات للمرء زاجر

انظر إلى الأمم الخالية والقرون الفانية والملوك الماضية العاتية كيف انتفستهم الأيام وأفناهم الحمام فامتحت من الدنيا آثارهم وبقيت فها أخبارهم.

وأضحوا رميما في التراب وأقفرت * مجالس منهم عطلت ومقاصر

وحلوا بدار لا تزاد ربينهم * وأنى لسكان القبور التزاور فما

إن ترى إلا جثى قد ثووا بها * مسنمة تسفى عليها الأعاصر

ص 782

كما عانيت من ذي عزة وسلطان وجنود وأعوان تمكن من دنياه ونال فيها مناه فبنى الحصون والدساكر وجمع الأعلاق والذخائر.

فما صرفت كف المنية إذ أتت * مبادرة تهوى إليه الذخائر

ولا دفعت عنه الحصون التي بنى * وحفت بها أنهارها والدساكر

ولا قارعت عنه المنية خيله * ولا طمعت في الذب عنه العساكر

أتاه من أمر الله ما لا يرد ونزل به من قضائه ما لا يسد فتعالى الله الملك الجبار المتكبر القهار قاصم الجبارين ومبير المتكبرين.

ملك عزيز ما يرد قضائه * عليم حكيم نافذ الأمر قاهر

عنى كل ذي عز لعزة وجهه * وكل عزيز للمهيمن صاغر

لقد خشعت واستسلمت وتضاءلت لعزة ذي العرش الملوك الجبابر البدار البدار والحذار الحذار من الدنيا ومكائدها وما نصبت لك من مصايدها وتخلت لك من زينتها واستشرقت لك من فتنتها.

وفي دون ما عاينت من فجعاتها * إلى رفضها مراع وبالزهد آمر

فجد ولا تغفل فعيشك زائل * وأنت إلى دار المنية صابر

فلا تطلب الدنيا فإن طلابها * وإن تلت منها غبة لك ضائر

وهل يحرص عليها لبيب أو يسر بلذاتها أريب وهو على ثقة من فنائها وغير طامع في بقائها أم كيف تنام عين من يخشى البيات وتسكن نفس من يتوقع الممات.

ألا لا ولكنا نفر نفوسنا * وتشغلنا اللذات عما نحاذر

فكيف تلذ العيش من هو موقن * بموقف عدل يوم تبلى السرائر

كأنا نرى إلا نشور وإننا * سدى ما لنا بعد الفناء مصادر

وما عسى أن ينال طالب الدنيا من لذتها ويتمتع به من بهجتها مع فنون مصائبها وأصناف عجائبها وكثرة التعب في طلابها ومكابد أسقامها وأوصابها.

وما إن بنى في كل يوم وليلة * يروح عليه صرفه ويباكر

ص 783

تغاوره آفاتها وهمومها * وكم ما عسى يبقى لها المتغاور

فلا هو مغبوط بدنياه آمن * ولا هو عن تطلابها النفس قاصر

كم غرت الدنيا من مخلد إليها وصرعت من مكب عليها فلم تنعشه من صرعته

ولم تقله من عثرته ولم تداوه من شعبه ولم تشفه من ألمه.

بلى أوردته بعد عز ومنعة * موارد سوء ما لهن مصادر

فلما رأى أن لا نجاة وإنه * هو الموت لا ينجيه منه المواذر

تندم لم تفنيه طول ندامة * عليه وأبكته الذنوب الكبائر

بكى على ما له سلف من خطاياه وتحسر على ما خلف من دنياه حيث لا تنفعه الاستعبار ولا ينجيه الاعتذار من هو المنية ونزول البلية.

أحاطت به آفاته وهمومه * وأبلس لما أعجزته المعاذر

فليس له مما يحاذر ناصر * وقد جشات خوف المنية نفسه

ترددها دون اللهاة الحناجر

هنالك خف عنه غواده وأسلمه أهله وعواده وارتفعت الرزية والعويل ويئسوا من بر العليل وغمضوا بأيديهم عينيه ومدوا عند خروج نفسه.

فكم موجع يبكى عليه تفجعا * ومستنجد صبرا وما هو صابر

ومسترجع داع له الله مخلص * يعدد منه خير ما هو ذاكر

وكم شامت مستبشر بوفاته * وعما قليل كالذي صار صاير

شقت جيوبها نساؤه ولطمت خدودها إماؤه وأعول لفقده جيرانه وتوجع لرزئه إخوانه ثم أقبلوا على جهازه وتشمروا لابرازه.

فظل أحب القوم كان لقربه * يحث على تجهيزه ويبادروا

شمر من قد أحضروه لغسله * ووجه لما فاض للقبر حافر

وكفن في ثوبين واجتمعت مشيعة إخوانه والعشاير فلو رأيت الأصغر من أولاده وقد غلب الحزن على فؤاده يغشى من الجزع عليه وقد خضب بالدموع خديه ثم

ص 784

آفاف وهو يندب أخاه ويقول بشجو واويلاه.

لأبصرت من قبح المنية منظرا * يهال لمرآة ويرتاع ناظر

أكابر أولاد يهيج اكتيابهم * إلى ما تناسوه البنون الأصاغر

ورنه نسوان عليه جوازع * مدامغها فوق الخدود غزاير

ثم أخرج من سعة قصره إلى ضيق قبره حثوا بأيديهم عليه التراب وأكثروا التلدد والانتخاب ووقفوا ساعة عليه وقد يئسوا من النظر إليه.

فولوا عليه معولين وكلهم * لمثل الذي لامي أخوهم محاذر

كشاه رتاع آمنات بدا لها * بمدنية بادي الذراعين حاسر

فريعت ولم ترتع قليلا وأحفلت * فلما انتهى منه الذي هو حاذر

عادت إلى مراعاها ونسيت ما في اجتهادها أفبأفعال البهائم اقتدينا أم على آثارها جرينا عد إل ذكر المنقول إلى الثرى والمدفوع إلى هول ما ترى.

هوى مصرعا في لحده وتوزعت * مواريثه وحامه والأواصر

وأنحوا على أمواله يقسمونها * ولا حامدا منهم عليها وشاكر

فيا عامر الدنيا ويا ساعيا لها * ويا آمنا من أن تدور الدوائر

كيف أمنت هذه الحالة وأنت ساير إليها لا محالة أم كيف تتهنأ بحياتك وهي مطيتك إلى مماتك أم كيف يشبع طعامك وأنت تنتظر حمامك.

ولم تتزود للرحيل وقد دنا * وأنت على حال وشيكا مسافر

ويا ويح نفسي كم أسوف توبتي * وعمري فان والردى لي ناظر

وكل الذي أسلفت الصحف مثلت * يحاذي عليه عادل الحكم قاهر

فكم توقع بدينك دنياك وتركت في ذلك هواك إني لأراك ضعيف اليقين يا واقع الدنيا بالدين أبهذا أمرك الرحمن أم على هذا ذلك القرآن.

تخرب ما يبقى وتعمر فانيا * فلا ذاك موفور ولا ذاك عامر

فهل لك إن وافاك حتفك بغتة * ولم تكتسب خير لدى الله عاذر

ص 785

أترضى بأن تفنى الحياة وتنقضي * ودينك منقوص ومالك وافر

كلام الإمام السجاد عليه السلام في أقسام الصوم

رواه جماعة: فمنهم العلامة شيخ الإسلام إبراهيم بن محمد المؤيد الخراساني الجويني في (فرائد السمطين) (ج 2 ص 229 ط بيروت) قال: أخبرنا القاضي فاضل قطره، بل كامل عصره بهاء الدين عبد الغفار بن عبد المجيد بن وهسوذان الرناني الزنجاني رحمه الله بقراءتي عليه في داره بزنجان سلخ شهر رمضان ويوم عيد الفطر لسنة خمس وتسعين وست مائة قلت له: أخبرك الإمام ضياء الدين أبو حامد محمد بن الحسن بن محمد الغزنوي الأصل الزنجاني المولد - إجازة؟ قال: نعم، قال: أخبرنا الشيخ أبو القاسم ذاكر بن كامل بن أبي غالب قراءة عليه وأنا أسمع. حيلولة: أقول: وأخبرني بجميع روايات ذاكر هذا، الشيخ أبو عبد الله محمد بن يعقوب بن أبي الفرج إجازة بروايته عنه، إجازة، قال: أنبأنا الشيخ الحافظ أبو الغنائم محمد بن علي بن ميمون النرسي قدم علينا، أنبأنا أبو عبد الله محمد بن علي بن الحسن بن عبد الرحمان بن الحسين قراءة، أنبأنا أحمد بن محمد بن علي الصوفي التميمي قراءة عليه، أنبأنا أبو يعقوب يوسف بن محمد بن حسان الزنجاني المقر، حدثنا أحمد بن محمد أبو سهل الرازي، حدثنا القاسم بن محمد الضبي، حدثنا سليمان [بن] داود [عن سفيان بن عيينة]: عن الزهري قال: دخلت على علي بن الحسين فقال لي: يا زهري من أين جئت؟ قلت: من المسجد. قال: فيم كنتم؟ قلت: تذاكرنا أمر الصوم فاجتمع رأيي ورأي أصحابي [على] أنه ليس شيء من الصوم واجب إلا [صوم] شهر رمضان. فقال علي بن الحسين: ليس كما قلتم، إن الصوم على أربعة وثلاثين وجها، عشر خصال منها واجبة كوجوب شهر رمضان، وعشر خصال منها حرام، وأربعة عشرة خصلة منها صاحبها [فيها] بالخيار إن شاء

ص 786

صام وإن شاء أفطر. فأما عشر خصال التي هي واجبة: فصوم شهر رمضان، و[صوم] شهرين متتابعين فيمن جامع أو كل متعمدا في شهر رمضان واجب إذا لم يجد العتق. وصوم شهرين متتابعين [في] كفارة الظهار إذا لم يجد العتق واجب. وصوم شهرين متتابعين في [قتل] الخطأ إذا لم يجد العتق. وصوم ثلاثة أيام متتابعات في كفارة اليمين واجب إذا لم يقدر على العتق وعلى الطعام. وصوم أذى حلق الرأس كما قال الله تعالى: (فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك) [فصاحبها فيها بالخيار، فإن صام صام ثلاثة أيام]. وصوم المتعة واجب لمن لم يجد الهدي وذلك كما قال الله عز وجل: (فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم، تلك عشرة كاملة ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام). وصوم جزاء الصيد [واجب] قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما) [المائدة: 95]. ثم قال: أو تدري كيف يكون عدل الصيام يا زهري؟ قال: قلت: لا. قال: يقوم الصيد قيمة ثم يفض تلك القيمة على الأصوع فنظر كم صاع هن فصام لكل نصف صاع يوما وصوم النذر واجب. وصوم الاعتكاف واجب. وأما صوم الحرام فصوم يوم الأضحى ويوم الفطر، وثلاثة من أيام التشريق. وصوم يوم الشك أمرنا به ونهينا عنه، أمرنا به أن نصومه شعبان، ونهينا أن نفرده رمضان. وصوم الوصال. وصوم الصمت. وصوم الدهر. وصوم نذر المعصية كل ذلك حرام. وأما الصوم الذي صاحبه فيه بالخيار: فصوم يوم الجمعة ويوم الخميس ويوم الاثنين ويوم عرفة، ويوم عاشوراء، وثلاثة أيام من كل شهر وستة أيام من شوال بعد شهر رمضان فهذا صاحبها بالخيار، إن شاء صام، وإن شاء أفطر. فهذه جماع الصوم يا زهري.

ص 787

مستدرك ما قيل في شأنه عليه السلام

منها

قصيدة الفرزدق ابن غالب الشاعر

رواها جماعة: فمنهم أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد ابن الجوزي المتوفى سنة 597 ه في (المنتظم في تاريخ الملوك والأمم) (ج 6 ص 331 ط دار الكتب العلمية بيروت) قال: قال علماء السير: حج هشام بن عبد الملك ولم يل الخلافة بعد، فطاف بالبيت فجهد أن يصل إلى الحجر فيستلمه، فلم يقدر عليه، فنصب له منبر وجلس عليه ينظر إلى الناس، فأقبل علي بن الحسين فطاف بالبيت، فلما بلغ إلى الحجر تنحى له الناس حتى استلمه، فقال رجل من أهل الشام: من هذا الذي قد هابه الناس هذه الهيبة؟ فقال هشام: لا أعرفه، مخافة أن يرغب فيه أهل الشام، وكان الفرزدق حاضرا، فقال الفرزدق: ولكني أعرفه، فقال الشامي: من هذا يا أبا فراس؟ فقال:

هذا الذي تعرف البطحاء وطأته * والبيت يعرفه والحل والحرم

هذا ابن خير عباد الله كلهم * هذا التقي النقي الطاهر العلم

إذا رأته قريش قال قائلها * إلى مكارم هذا ينتهي الكرم

ينمي إلى ذروة العز التي قصرت * عن نيلها عرب الإسلام والعجم

يكاد يمسكه عرفان راحته * ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم

لو يعلم الركن من قد جاء يلثمه * لخر يلثم منه الكف والقدم

يغضي حياء ويغضى من * مهابته فما يكلم إلا حين يبتسم

ص 788

من جده دان فضل الأنبياء له * وفضل أمته دانت له الأمم

ينشق نور الهدى عن نور غرته * كالشمس ينجاب عن إشراقها القتم

مشتقة من رسول الله نبعته * طابت عناصره والخيم والشيم

هذا ابن فاطمة إن كنت جاهله * بجده أنبياء الله قد ختموا

 الله شرفه قدما وفضله * جرى بذاك له في لوحه القلم

وليس قولك: من هذا؟ بضائره * العرب تعرف من أنكرت والعجم

كلتا يديه غياث عم نفعهما * يستوكفان ولا يعروهما العدم

سهل الخليقة لا تخشى بوادره * يزينه اثنان حسن الخلق والشيم

حمال أثقال أقوام إذا قدحوا * رحب الفناء أريب حين يعتزم

عم البرية بالاحسان فانقشعت * عنه الغيابة والاملاق والعدم

من معشر حبهم دين وبغضهم * كفر وقربهم منجى ومعتصم

إن عد أهل التقى كانوا أئمتهم * أو قيل من خير أهل الأرض قيل هم

لا يستطيع جواد بعد غايتهم * ولا يدانيهم قوم وإن كرموا

هم الغيوث إذا ما أزمة أزمت * والأسد أسد الشرى والبأس محتدم

لا ينقص العسر بسطا من أكفهم * سيان ذلك إن أثروا وإن عدموا

يستدفع السوء والبلوى بحبهم * ويسترب به الاحسان والنعم

مقدم بعد ذكر الله ذكرهم * في كل بد ومختوم به الكلم

يأبى لهم أن يحل الذم ساحتهم * خيم كريم وأيد بالندى هضم

أي الخلائق ليست في رقابهم * لأولية هذا أوله نعم

ما قال لا قط إلا في تشهده * لولا التشهد كانت لاه نعم

من يعرف الله يعرف أولية ذا * الدين من بيت هذا ناله الأمم

قال: فغضب هشام وأمر بحبس الفرزدق بعسفان - بين مكة والمدينة. وبلغ ذلك علي بن الحسين، فبعث إلى الفرزدق باثني عشر ألف درهم، وقال: أعذر أبا فراس،

ص 789

فلو كان عندنا أكثر من هذا لوصلناك به، فردها الفرزدق وقال: يا ابن رسول الله ما قلت الذي قلت إلا غضبا لله عز وجل ولرسوله، وما كنت لأزرأ عليه شيئا، فقال: شكر الله لك، إلا إنا أهل البيت إذا أنفذنا أمرا لم نعد فيه، فقبلها، وجعل يهجو هشاما وهو في الحبس، فكان مما هجاه به قوله:

أتحبسني بين المدينة والتي * إليها قلوب الناس يهوى منيبها

يقلب رأسا لم يكن رأس سيد * وعين له حولا باد عيوبها

توفي علي بن الحسين بالمدينة في هذه السنة، ودفن بالبقيع، وهو ابن ثمان وخمسين سنة. ومن العجائب: ثلاثة كانوا في زمان واحد، وهم بنو أعمام، كل واحد منهم اسمه علي، ولهم ثلاثة أولاد كل واحد اسمه محمد، والآباء والأبناء علماء أشراف: علي ابن الحسين بن علي، وعلي بن عبد الله بن عباس، وعلي بن عبد الله بن جعفر. ومنهم الشريف أحمد بن عبد الله الحسيني الإيجي الشيرازي في (توضيح الدلائل) (ق 392 نسخة مكتبة الملي بفارس) قال: قال الحافظ الصالحاني ومما قيل فيه وأدى منشده حق الولا ويوفيه - فوجدت بخط المادني يروي عن كيسان عن الهيثم بن عدي قال: حج عبد الملك بن مروان وكان معه الفرزدق بن غالب فبينا هو قاعد ومر علي بن الحسين عليهما السلام يمشي على سمت السكون والوقار وهيئة الأئمة الأخيار يتلألأ من وجهه أنوار العبادات ويتفرس من ميامن ناصيته شعاشع الكرامات ومعه طائفة بكعبة ولائه طائفه فقال عبد الملك: من هذا الذي لا أعرف طوله يستعمش بزور الانكار من حوله فقال الفرزدق: أنا أعرفه وأعرفه وأنشأ: هذا الذي تعرف البطحاء وطأته... القصيدة. وقال الإمام اليافعي في تاريخه في ذكر الفرزدق ومفاخراته ومابهاته مع بعض الشعراء: وينسب إلى الفرزدق ومكرمة فاخرة يرجى له بها الرحمة في دار الآخرة وهي إنه لما حج هشام بن عبد الملك في أيام أبيه طاف وجهد أن يقبل الحجر

ص 790

الأسود فلم يقدر عليه لكثرة الزحام فنصب له منبر فجلس عليه ينظر إلى الناس ومعه جماعة من أعيان أهل الشام فبينا هو كذلك إذ أقبل زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام ورضوان الله تعالى عليهم أجمعين وكان من أحسن الناس وجها وأطيبهم ريحا قلت: بل أطيبهم وأشرفهم ذاتا وطبعا وأصلا وفرعا - فطاف بالبيت فلما انتهى إلى الحجر تنحى له الناس حتى استلم فقال رجل من أهل الشام: من هذا الرجل الذي هابه الناس هذه الهيبة؟ فقال هشام: لا أعرفه مخافة أن لا يرغب فيه أهل الشام وكان الفرزدق حاضرا فقال: أنا أعرفه فقال الشامي: من هذا يا أبا فراس؟ فقال: هذا الذي تعرف البطحاء وطأته. وحكى الشيخ الإمام أبو الحسن علي بن عثمان الجلابي حكاية الفرزدق كما حكاه اليافعي. وأما الشيخ العلامة كمال الدين ابن طلحة حكاها أن الفرزدق لقى أمير المؤمنين أبا عبد الله الحسين بن علي عليهما السلام مسيره إلى كربلاء فلما ودعه الفرزدق وفي نفر من أصحابه ومضى يريد مكة فقال له ابن عم له من بني مجاشع: يا أبا فراس هذا الحسين بن علي؟ قال الفرزدق: نعم هذا الحسين بن علي وابن فاطمة الزهراء بنت محمد المصطفى صلى الله عليه وآله وبارك وسلم هذا والله ابن خيرة الله وأفضل من مشى على الأرض الآن وقد كنت قلت فيه قبل اليوم أبياتا غير متعرض لمعروفه بل أردت بذلك وجه الله والدار الآخرة فلا عليك أن تسمعها فقال ابن عمران رأيت أن تسمعنيها أبا فراس فقال: قلت فيه وفي أمه وأبيه وجده - فأنشد القصيدة. وقال ابن طلحة: ولما حج هشام بن عبد الملك قبل أن يلي الخلافة فاجتهد أن يستلم الحجر فلم يمكنه وجاء علي بن الحسين عليهما السلام فوقف له الناس وتنحوا حتى استلم فقال جماعة هشام لهشام: من هذا؟ فقال: لا أعرفه. فسمعه الفرزدق فقال: لكني أعرفه هذا علي بن الحسين زين العابدين وأنشد هشاما من الأبيات التي قالها في أبيه الحسين: هذا ابن خير عباد الله كلهم...

ص 791

وخلاف بين الكتابين في الزيادة والنقصان فإن الأبيات في (المنتظم) ثمان وعشرون بيتا وفي (توضيح الدلائل) ثلاث وعشرين بيتا. والحال ليس في الأول:

هذا ابن فاطمة الزهراء ويحكم * وابن الوصي علي خيركم قدم

وأيضا ليس فيه: هذا علي رسول الله والده * أمست بنور هداه تهتدي الظلم

وأيضا ليس فيه: في كفه خيزران ريحها عبق في كف أروع في عرنينه شمم

وليس في الثاني:

لو يعلم الركن من قد جاء يلثمه - الخ

و: سهل الخليقة لا تخشى بوادره - الخ

و: حمال أثقال أقوام إذا فدحوا - الخ

و: لا ينقص العسر بسطا من أكفهم - الخ

و: يستدفع السوء والبلوى بحبهم - الخ

و: مقدم بعد ذكر الله ذكرهم - الخ

و: يأبى لهم أن يحل الذم ساحتهم - الخ

و: أي الخلايق ليست في رقابهم - الخ

ومنه ما رواه الشريف أبو الحسن علي الحسني الندوي في (المرتضى - سيرة سيدنا أبي الحسن علي بن أبي طالب) (ص 123 ط دار القلم دمشق) قال: نروي من ذلك النزر اليسير من الوفير الكثير والبحر الغزير. يقول سعيد بن المسيب: ما رأيت أحدا أورع من علي بن الحسين. قال الزهري: ما رأيت قريشيا أفضل منه. وكان إذا ذكر علي بن الحسين يبكي ويقول: زين العابدين. كان علي بن الحسين يحمل جراب الخبز على ظهره بالليل، فيتصدق به.

ص 792

قال جرير: إنه حين مات وجدوا بظهره آثارا مما كان يحمل بالليل الجرب إلى المساكين. وعن شيبة: قال لما مات علي بن الحسين وجدوه يقوت مائة أهل بيت بالمدينة. وعن محمد بن إسحاق قال: كان الناس من أهل المدينة يعيشون لا يدرون من أين كان معاشهم؟ فلما مات علي بن الحسين فقدوا ما كانوا يؤتون به في الليل. وكان يصلي في كل يوم وليلة ألف ركعة وتهيج الريح فيسقط مغشيا عليه. وعن عبد الغفار بن القاسم قال: كان علي بن الحسين خارجا من المسجد، فلقيه رجل فسبه، فثار إليه العبيد والموالي، فقال علي بن الحسين: مهلا عن الرجل، ثم أقبل على الرجل فقال: ما ستر عنك من أمرنا أكثر، ألك حاجة نعينك عليها؟ فاستحيى الرجل، فألقى عليه خميصة كانت عليه، وأمر له بألف درهم، فكان الرجل بعد ذلك يقول: أشهد أنك من أولاد الرسول. وكان عند علي بن الحسين قوم، فاستعجل خادما له بشواء كان له في التنور، فأقبل به الخادم مسرعا، فسقط السفود من يده على بني لعلي أسفل الدرجة، فأصاب رأسه فقتله، فقال علي للغلام: أنت حر، إنك لم تعمده، وأخذ في جهاز ابنه. ومنه ما رواه أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد ابن الجوزي المتوفى سنة 597 ه في (المنتظم في تاريخ الملوك والأمم) (ج 6 ص 330 ط دار الكتب العلمية بيروت) قال: وفي رواية: أنه كان إذا أقرض قرضا لم يستعده، وإذا عار ثوبا لم يرتجعه، وإذا وعد شيئا لم يأكل ولم يشرب حتى يفي بوعده، وإذا مشى في حاجة فوقفت قضاها من ماله. وكان يحج ويغزو ولا يضرب راحلته. وكان يصلي كل يوم وليلة ألف ركعة. وقال الزهري: لم أر هاشميا أفضل منه ولا أفقه منه.

ص 793

مستدرك فضائل ومناقب الإمام الباقر محمد بن علي صلوات الله عليهما

مدح سيدنا الإمام الباقر عليه السلام

قاله العلامة الكبير الشيخ محمد حسين الكمباني الأصفهاني قدس سره:

أضاء وجه العلم والرسوم * بنور وجه باقر العلوم

إذ هو شمس مشرق الحقائق * وبدره المشرق بالدقائق

وكعبة العلم ومستجارها * بل في فناء بابه قرارها

ومشعر التوحيد والشهود * بل مشرع الحياة والوجود

بل هو ماء الحيوان الجاري * فإنه سر الوجود الساري

رقيقة الحقيقة الكلية * حقيقة الرقائق العلوية

إذ هو في مقامه المكين * واسطة التشريع والتكوين

صحيفة التكوين من إنشائه * ونسخة التشريع من إملائه

ما قلم القضا وما لوح القدر * لولا بنانه لدى أهل النظر

فإنه قطب رحى المشية * لا بل هو المشية الفعلية

هو المدار في محيط المعرفة * به استدار كل اسم وصفة

لا بل هو المدبر في أفلاكها * وهو له الحكم على أملاكها

وفي كتاب علمه الربوبي * دقائق الأسرار والغيوب

أم الكتاب في علو رتبته * فصل الخطاب في بليغ حكمته

ص 794

جوامع الحكمة مفرداته * سحائب الرحمة مرسلاته

وهو لسان الله في بيانه * وسره المودع في لسانه

قام بحمل راية الرسالة * بمحكم البيان والدلالة

فطبق الأرض بلابتيها * بالعلم اشفاقا بمن عليها

وشيد الدين الحنيف السامي * حتى علت دعائم الإسلام

قامت به قواعد التوحيد * واستحكمت برأيه السديد

فرق جمع الغي والضلال * بجمع شمل العلم والكمال

أحيى دوارس الربوع الخالية * فأصبحت ذات قباب عالية

أنار وجه الحق والحقيقة * بأحسن البيان والطريقة

أحيى بما فيه من اللطائف * لطيفه العارف والمكاشف

أحيى بعلمه معالم الهدى * فأصبحت آمنة من الردى

وأشرقت به سماء المعرفة * مذ أصبحت وشمسها منكسفة

بل استنار عالم الأنوار * بنوره الخاطف للأبصار

به استنار الملأ الأعلى كما * بالنير الأعظم ضائت السما

فإنه في النور النور والضياء * نور سماء عالم الأسماء

علومه الغر مصابيح الهدى * بنور علمه اهتدى من اهتدى

هو الصراط المستقيم الأزلي * به اهتدى كل نبي وولي

علومه أثماره الزكية * من دوحة العلم المحمدية

جوهر علمه من الكنز الخفي * فياله من شرف في شرف

ناشر آثار النبي الهادي * بالعلم والحكم والارشاد

به استبانت لأولي الأفهام * معالم الحلال والحرام

به صفت شريعة المختار * عن كدر الأهواء والأفكار

كأنها الكوثر في الصفاء * طاب ورودها لطيب الماء

ص 795

به نمت وأورقت أشجارها * به زكت وأينعت أثمارها

به تدلت لذوي المعالي * أغصانها في غاية الكمال

فاقت بيمنه شرائع السلف * فهي كدرة وتلك كالصدف (الشمائل القدسية)

وكان كالنبي في شمائله * وفي صفاته وفي دلائله

ففي محياه حياة العرفا * وكيف لا وهو شبيه المصطفى

ووجهه الوجيه قبلة الورى من * كل ما يرى وما ليس يرى

وعينه عين عيون المعرفة * أسرارها بنورها منكشفة

وصدره خزانة الجواهر * وكنز أسرار الوجود الزاهر

وقبلة طور تجلى الباري * يندك فيه عالم الأنوار

وروحه في عالم الأرواح * منزلة الروح من الأشباح

والخير كل الخير في لسانه * والعلم كل العلم في بيانه

منطقه منطقة الكمال * ناطقة بالعدل والاعتدال

وللصواب والخطا ميزان * والحق والصدق له عنوان

مستدرك اسمه ونسبه الشريف وكناه وألقابه وميلاده ووفاته عليه السلام

قد تقدم ما يدل عليه عن العامة في ج 12 ص 152 وج 19 ص 488 وج 28 ص 215 ومواضع أخرى، ونستدرك هيهنا عن الكتب التي لم نرو عنها فيما سبق. رواه جماعة (1):

(هامش)

(1) قال الفاضل الدكتور دوايت. رونلدسن في (عقيدة الشيعة) تعريب: ع. م ص 123 ط مؤسسة المفيد بيروت قال: = (*)

ص 796

(هامش) = انتقلت الإمامة الروحانية إلى محمد الباقر في السنة الأخيرة أو نحوها من خلافة الوليد. وكان ذلك أيام عز الأمويين في دمشق، فقد انتشرت فنون السلم، وتأسست المدارس، وانبث العلم، ومنح الشعراء الجوائز. السنية، وشجعت الأعمال الخيرية على أنواعها، فشيدت المستشفيات ودور للشيوخ والعرج والعمى. أما الإمام الجديد الذي كان يسكن المدينة كأبيه هادئا فكان عمره عند انتقال الإمامة إليه نحو 19 سنة. أما تاريخ وفاته فمختلف فيه، فاليعقوبي يقول إنه توفي سنة 117 ه، أما المسعودي فيقول إنه عاش حتى سنة 125 - 126 ه. أما التاريخ الذي يقول به ستانلي لين بول في كتاب Dvnasties Muhammoban فهو 113 ه وربما كان ذلك قبل موعد وفاته بعشر سنين. ويقال إن محمدا الباقر كان مشهورا بعلمه وشريف مولده. فيذكر ابن خلكان أنه سمي بالباقر لتبقره بالعلم. ويقول اليعقوبي: إنه سمي بالباقر لأنه بقر العلم بقرا. وولد في المدينة يوم الثلاثاء لثلاث خلون من صفر سنة 57 ه ويقال إن عمره كان ثلاث أو أربع سنين عند شهادة جده الحسين. وأمه أم عبد الله بنت الحسن بن علي بن أبي طالب. وعاش مكرما متفرغا للعلم في عزلته بالمدينة. وكان الناس يأتونه فيسألونه عن الإمامة. وقد نقل cnon _ sell في كتابه الاثنى عشرية عن (مآثر الباقر) في بعض أقواله عن الإمامة ما يدل على التأكيد على صفة الإمام الروحية: فقد سأله رجل يوما هل ورث النبي صلى الله عليه وسلم علم الأنبياء؟ قال: نعم. ثم سأله: هل روثها هو؟ فقال: نعم. ثم سأله: هل يقدر أن يحيي الموتى ويبرئ الأكمه والأبرص؟ قال: نعم بإذن الله. ثم إنه مسح يده على عين الرجل وكان أعمى فأبصر، ثم مسح عليها فعاد كما كان (المعرب عن البحار) فعمى ثم أعاد له بصره. وتذكر روايات كثيرة أخرى مثلها. وعاش في المدينة منجمعا عن الناس متفرغا للدرس، وكان الناس يستوضحونه بعض الأمور المتعلقة بالإمامة. وترى خلاصة تعاليمه في كتاب مآثر الباقر اقتبسها sell canon في الاثنى عشرية، ويمكن أن نقتبس قسما مهما منها لأنه يوضح التأكيد في هذا الدور المتقدم على صفة الإمامة العقلية والروحية. سأله رجل يوما. هل ورث النبي صلى الله عليه وسلم علم جميع الأنبياء؟ قال: نعم. فسأله: هل ورثها هو؟ قال: نعم. قال: وهل تقدر أن تحيي الميت وتبرئ الأكمه والأعمى؟ قال: نعم بإذن الله تعالى. ومسح يده على عين رجل فعمى ثم أعاد له بصره. وتروى قصص كثيرة عن ذلك. وكان يبحث في مواضع كثيرة: كماهية الروح وصفات العلماء وصفات الله. وكان لا يشجع البحث في كنه ذات الله ويقول: إن ذلك فوق إدراك البشر. وسأله أحد رؤساء المعتزلة يوما عن = (*)

ص 797

فمنهم أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد ابن الجوزي المتوفى سنة 597 ه في (المنتظم في تاريخ الملوك والأمم) (ج 7 ص 161 ط دار الكتب العلمية بيروت) قال: محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم، أبو جعفر الباقر: باقر العلم، أمه أم عبد الله بنت الحسن بن علي بن أبي طالب، وولد له جعفر، وعبد الله من أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق. وقال في ص 162: توفي محمد في هذه السنة، وقيل: سنة ثمان عشرة، وقيل: سبع عشر وهو ابن ثلاث وسبعين سنة، وأوصى أن يكفن في قميصه الذي كان يصلي فيه. ومنهم عدة من الفضلاء المعاصرين في (فهرس أحاديث وآثار المصنف - للشيخ عبد الرزاق الصنعاني) (ج 3 ص 162 ط عالم الكتب بيروت) قالوا: أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين. 3417.

(هامش)

= تفسير غضب الله فقال: إنه العقاب وليس غضبه كغضب البشر. وإن طبيعة الله لا تتغير. وعرف الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه ينزل عليه جبريل فيراه ويسمع كلامه وينزل عليه الوحي وربما رأى في منامه، والنبي صلى الله عليه وسلم ربما سمع الكلام وربما رأى الشخص ولم يسمع، والإمام هو الذي يسمع الكلام ولا يرى الشخص. وقال: إن الأئمة معصومون، وإن أهل البيت خالصون من ارتكاب المعاصي، وإن الأرض هي ملك للأئمة وبهم ينظر إلى الناس بعين الرحمة ولولاهم لهلك الناس، وهم لا يخافون وإن أنكر الأشقياء ذلك. وفي دفاع الإمام الباقر عن حقوقه في الإمامة أمام الخليفة هشام، قرأ قوله تعالى: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) [سورة المائدة: 3]. ثم قال بأن الوحي الظاهر قد كمل وإن الرسول صلى الله عليه وسلم أسر لعلي بأمور أخرى. وإن عليا اختص أحد آل البيت فأورثه الأسرار. وأجاب هشام: إن الله لم يشرك أحدا بمعرفة أسراره فكيف يجوز لعلي أن يدعي ذلك؟ فذكر له الباقر أحاديث كثيرة عن الرسول صلى الله عليه وسلم تدل على العلاقة الوثيقة بينه وبين المكانة السامية لعلي. فلما سمع هشام ذلك سكت ساعة ثم أذن للباقر وأصحابه بالانصراف. ولم تؤثر مظاهر السلطة والفخفخة عند الخليفة على الإمام فأجاب على مسائله بدون خوف أو تردد. (*)

ص 798

ومنهم العلامة يوسف ابن إسماعيل النبهاني في (جامع كرامات الأولياء) (ج 1 ص 164 ط مصر) قال: توفي في المدينة المنورة سنة 117 ودفن في قبة العباس رضي الله عنهما. ومنهم العلامة أبو عبد الله محمد بن يوسف الگنجي الشافعي القرشي المقتول سنة 658 ه في (كفاية الطالب) (ص 455 ط النجف الأشرف) قال: ولد بالمدينة سنة سبع وخمسين من الهجرة وقبض بها سنة أربع عشرة ومائة وله يومئذ سبع وخمسون سنة وقبره بالبقيع مع أبيه وجدته كان له من الولد سبعة أولاد.

مستدرك كراماته عليه السلام

تقدم ما يدل عليه عن العامة في ج 28 ص 238 ومواضع أخرى، ونستدرك هيهنا عمن لم نرو عنه. رواه جماعة: فمنهم العلامة يوسف بن إسماعيل النبهاني المتولد 1265 والمتوفى 1350 ه في (جامع كرامات الأولياء) (ج 1 ص 164 ط مصطفى البابي وشركاه بمصر) قال: محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين رضي الله عنهم، أحد أئمة ساداتنا آل البيت الكرام، وأوحد أعيان العلماء الأعلام. ومن كراماته: ما روي عن أبي بصير قال: كنت مع محمد بن علي في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ دخل المنصور وداود بن سليمان قبل أن يفضى الملك لبني العباس، فجاء داود إلى الباقر فقال له: ما منع الدوانيقي أن يأتي؟ قال: فيه جفأ، فقال الباقر: لا تذهب الأيام حتى يلي هذا الرجل أمر الخلق، فيطأ أعناق الرجال، ويملك شرقها وغربها ويطول عمره فيها حتى يجمع من كنوز المال ما لا يجمعه غيره، فأخبر داود المنصور بذلك، فأتى

ص 799

إليه وقال: ما منعني من الجلوس إليك إلا إجلالك، وسأله عما أخبر به داود فقال: هو كائن، قال: وملكنا قبل ملككم، قال: نعم، قال: ويملك بعدي أحد من ولدي، قال: نعم، قال: فمدة بني أمية أطول أم مدتنا؟ قال: مدتكم أطول، وليلعبن بهذا الملك صبيانكم كما يلعبون بالكرة، بهذا عهد إلي أبي، فلما أفضت الخلافة إلى المنصور تعجب من قوله، قال في [المشرع الروي] توفي في المدينة المنورة سنة 117، ودفن في قبة العباس رضي الله عنهما.

مستدرك نبذة من كلماته عليه السلام

تقدم ما يدل عليه في ج 12 ص 185 وج 19 ص 494 وج 28 ص 245 ومواضع أخرى ونستدرك هيهنا عن الكتب التي لم نرو عنها فيما سبق. رواه جماعة: فمنهم العلامة الشيخ شمس الدين أبو عبد الله محمد بن قيم الجوزية المتوفى سنة 751 ه في (عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين) (ص 156 ط دار الآفاق الجديدة في بيروت سنة 1403) قال: وقال جعفر بن محمد رضي الله عنه: فقد أبي بغلة له فقال: إن ردها الله علي لأحمدنه بمحامد يرضاها. فما لبث أن أتي بها بسرجها ولجامها، فركبها فلما استوى عليها وضم إليه ثيابه رفع رأسه إلى السماء فقال: الحمد لله! لم يزد عليها. فقيل له في ذلك فقال: هل تركت وأبقيت شيئا، جعلت الحمد كله لله. ومنهم أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد ابن الجوزي المتوفى سنة 597 ه في (المنتظم في تاريخ الملوك والأمم) (ج 7 ص 162 ط دار الكتب العلمية بيروت) قال: أخبرنا عبد الوهاب الأنماطي، قال: أخبرنا أبو الحسين بن عبد الجبار، قال: أخبرنا

ص 800

أبو بكر بن محمد بن علي، قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن يوسف، قال: أخبرنا ابن صفوان، قال: حدثنا عبد الله بن محمد القرشي، قال: حدثني محمد بن الحسين، قال: حدثنا سعيد بن سليمان عن إسحاق بن كثير، عن عبد الله بن الوليد، قال: قال لنا أبو جعفر محمد بن علي: يدخل أحدكم يده في كم صاحبه فيأخذ ما يريد؟ قلنا: لا، قال: فلستم إخوانا كما تزعمون. ومنهم عدة من الفضلاء المعاصرين في (فهرس أحاديث وآثار المصنف - للشيخ عبد الرزاق الصنعاني) (ج 1 ص 102 ط عالم الكتب بيروت) قالوا: أسأل الله العافية. محمد بن علي فضائل القرآن 5960. 3 / 357.. ومنهم الفاضل المعاصر عبد السلام محمد هارون في كتابه (تهذيب إحياء علوم الدين - للغزالي) (ج 2 ص 126 ط القاهرة) قال: وقد قال محمد بن علي بن الحسين بن علي: ما دخل قلب امرئ شيء من التكبر قط إلا نقص من عقله بقدر ما دخل من ذلك، قل أو كثر. ومنهم أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد ابن الجوزي المتوفى سنة 597 ه في (المنتظم في تاريخ الملوك والأمم) (ج 1 ص 305 ط دار الكتب العلمية بيروت) قال: أنبأنا أبو عبد الله الحسين بن محمد بن عبد الوهاب الدباس، أخبرنا أبو جعفر بن المسلمة، أخبرنا أبو طاهر محمد بن عبد الرحمن المخلص، أخبرنا أبو عبد الله أحمد ابن إسماعيل بن داود الطوسي، حدثنا الزبير بن بكار، قال: حدثني إسماعيل بن أبي أويس، عن أبيه، عن الربيع بن قريع الغطفاني، عن عقبة بن بشير، قال: سألت محمد ابن علي بن الحسين، قلت: يا أبا جعفر من أول من تكلم بالعربية؟ قال: إسماعيل وهو يومئذ ابن ثلاث عشرة سنة، قلت: فما كان كلام الناس قبل ذلك قال: العبرانية. وفي رواية عن أبي جعفر، قال: ألهم الله إسماعيل العربية فنطق بها.

ص 801

كلامه عليه السلام في (البيداء)

رواه جماعة: فمنهم العلامة ابن أبي الحديد المعتزلي في (شرح النهج) (ج 2 ص 295 ط مصر) قال: فسئل أبو جعفر محمد بن علي [عن البيداء]: أهي بيداء في الأرض؟ فقال: كلا والله إنها بيداء المدينة. أخرج البخاري بعضه [أي بعض حديث الخسف بالجيش في البيداء]. وأخرج مسلم الباقي - الصحيح لمسلم: 4 / 209. وقال أيضا في ج 7 ص 108 في وصية أبيه إليه عليهما السلام: وروى صاحب الكامل أيضا عن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال: لما حضرت الوفاة علي بن الحسين عليهما السلام أبي ضمني إلى صدره ثم قال: يا بني أوصيك بما أوصاني به أبي يوم قتل وبما ذكر لي إن أباه عليا عليه السلام أوصاه به: يا بني عليك ببذل نفسك فإنه لا يسر أباك بذل نفسه حمر النعم. ومنهم العلامة الشيخ عز الدين عبد الحميد ابن أبي الحديد المعتزلي في (شرح النهج) (ج 11 ص 43 ط القاهرة) قال: وقد روي أن أبا جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام، قال لبعض أصحابه: يا فلان، ما لقينا من ظلم قريش إيانا، وتظاهرهم علينا، وما لقي شيعتنا ومحبونا من الناس! إن رسول الله صلى الله عليه وآله قبض وقد أخبر أنا أولى الناس بالناس، فتمالأت علينا قريش حتى أخرجت الأمر عن معدنه، واحتجت على الأنصار بحقنا وحجتنا. ثم تداولتها قريش، واحد بعد واحد، حتى رجعت إلينا، فنكثت بيعتنا، ونصبت الحرب لنا، ولم يزل صاحب الأمر في صعود كئود، حتى قتل، فبويع الحسن ابنه وعوهد ثم غدر به، وأسلم، ووثب عليه أهل العراق حتى طعن بخنجر في جنبه، ونهبت عسكره، وعولجت خلاليل أمهات أولاده، فوادع معاوية وحقن دمه ودماء أهل بيته، وهم قليل حق قليل. ثم بايع الحسين عليه السلام من أهل العراق عشرون

ص 802

ألفا، ثم غدروا به، وخرجوا عليه، وبيعته في أعناقهم وقتلوه، ثم لم نزل - أهل البيت - نستذل ونستضام، ونقصى ونمتهن، ونحرم ونقتل، ونخاف ولا نأمن على دمائنا ودماء أوليائنا، ووجد الكاذبون الجاحدون لكذبهم وجحودهم موضعا يقتربون به إلى أوليائهم وقضاة السوء وعمال السوء في كل بلدة، فحدثوهم بالأحاديث الموضوعة المكذوبة، ورووا عنا ما لم نقله وما لم نفعله، ليغضونا إلى الناس، وكان عظم ذلك وكبره زمن معاوية بعد موت الحسن عليه السلام، فقلت شيعتنا بكل بلدة، وقطعت الأيدي والأرجل على الظنة، وكان من يذكر بحبنا والانقطاع إلينا سجن أو نهب ماله، أو هدمت داره، ثم لم يزل البلا يشتد ويزداد، إلى زمان عبيد الله بن زياد قاتل الحسين عليه السلام، ثم جاء الحجاج فقتلهم كل قتلة، وأخذهم بكل ظنة وتهمة، حتى إن الرجل ليقال له: زنديق أو كافر، أحب إليه من أن يقال: شيعة علي، وحتى صار الرجل الذي يذكر بالخير - ولعله يكون ورعا صدوقا - يحدث بأحاديث عظيمة عجيبة، من تفضيل بعض من قد سلف من الولاة، ولم يخلق الله تعالى شيئا منها، ولا كانت ولا وقعت وهو يحسب أنها حق لكثرة من قد رواها ممن لم يعرف بكذب ولا بقلة ورع. وقال أيضا في ج 13 ص 207: وروي أن بعض أصحاب أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام سأله عن قول الله عز وجل: (إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا). فقال عليه السلام: يوكل الله تعالى بأنبيائه ملائكة يحصون أعمالهم، ويؤدون إليه تبليغهم الرسالة، ووكل بمحمد صلى الله عليه وآله ملكا عظيما منذ فصل عن الرضاع يرشده إلى الخيرات ومكارم الأخلاق، ويصده عن الشر ومساوئ الأخلاق، وهو الذي كان يناديه: السلام عليك يا محمد يا رسول الله وهو شاب لم يبلغ درجة الرسالة بعد، فيظن أن ذلك من الحجر والأرض، فيتأمل فلا يرى شيئا.

ص 803

مستدرك فضائل ومناقب الإمام السادس أبي عبد الله جعفر بن محمد(ص)

 أنت يا جعفر ال * مدح والمدح عناء

جاز حد المدح من قد ولدته الأنبياء

عبد الله بن المبارك

مدح مولانا الإمام جعفر الصادق عليه السلام

قاله العلامة الأكبر الشيخ محمد حسين الكمباني الأصفهاني قدس سره:

شق ظلام الجهل فجر المعرفة * بصبحه الصادق رسما وصفة

أصبح مشرقا محيط الدين * بضوء صبح العلم واليقين

وأصبحت دائرة الحقائق * مشرقة بنور علم الصادق

وأصبحت به أصول المعرفة * على أساس جل عن كل صفة

وأصبحت قواعد التوحيد * قائمة برأيه السديد

وأصبحت لطائف المعارف * جلية في قلب كل عارف

وأصبحت معاهد العلوم * واضحة الحدود والرسوم

وأصبحت به معالم الهدى * زاهرة لمن تحرى رشدا

وأصبحت سنة خير الأنبيا * كالقمر البازغ نورا وضيا

وأصبحت دقائق الكتاب * تلمع كالشمس بلا حجاب

وأشرقت من أفق الرسالة * شمس الهدى والرشد والدلالة

ص 804

بل من سماء الذات بدر المعرفة * به استنار كل اسم وصفة

بل هو صبح الأزل الوضاح * من نوره العقول والأرواح

وهو مدار عالم الأسماء * واسطة الابداع والانشاء

وكل نور هو ضوء نوره * ونور سيناء من طوره

ونوره في عالم الأنوار * كالبدر في الكواكب الدراري

أنفاسه كالنفس الرحماني * حياة ما في عالم الامكان

وفيض علمه على الأنام * مقدس عن درن الأوهام

وأمره الماضي كلمح بالبصر * بل هو محور القضاء والقدر

وعزمه المحيط بالجهات * كنقطة المركز في الثبات

غرته الغراء في الاشراق * بارقة الأنفس والآفاق

منطقه كالوحي لا سواه * إذ هو لا ينطق عن هواه

فإنه في ذاته العلية * سر الحقيقة المحمدية

لسانه مفتاح أبواب الحكم * لسانه مصباح أرباب الهمم

لسانه محجة القلوب * للسير في عوالم الغيوب

لسانه لسان غيب الباري * وسره المحيط بالأسرار

تجلت الأسرار من لسانه * وانجلت الأستار من بيانه

بدت بنور علمه الرباني * حقيقة القرآن والمثاني

وكيف لا وعلمه الإلهي * مرآت غيب ذاته كما هي

وعلم الأسماء آدم الصفي * في كنه ذاته وسره الخفي

ونال خضر من لدنه علما * ومنه لقمان استفاد حكما

ومنه داود أصاب الحكمة * ثم ابنه إذ هو باب الرحمة

وعنده علم الكتاب كله * فكل من سواه تحت ظله

بل هو كالبحر من الحباب * ممن له علم من الكتاب

ص 805

وكل ما في الصحف المكرمة * ففي كتابه الحكيم محكمة

إذ هو في مقامه الرفيع * صحيفة التكوين والتشريع

وكيف لا وهي به قوامها * ومنه بدئها به ختامها

قام بتكميل العقول والنهى * مبدئة النبي وهو المنتهى

بث لباب العلم في الألباب * وميز القشر من اللباب

أحيى بأنواع العلوم والحكم * قلوب أرباب المعالي والهمم

روى الصدور بالعلم الشافية * فإنه عين الحياة الصافية

أفاض كالحيا على مواتها * فأسفر الصباح عن حياتها

أبان عن حقائق العرفان * بمحكم البيان والبنيان

شيد أركان الهدى بحكمه * وشاد قصرها بعالي همته

همته من هامة السماء * كقاب قوسين من الغبراء

مهد للسير إلى الحقيقة * قواعد السلوك والطريقة

أعرب عن مقام سر الذات * وعالم الأسماء والصفات

حتى تجلى الحق في كلامه * فشاهدوه وهو في مقامه

بل أشرقت حقيقة الحقائق * مذ بزغت شمس محيا الصادق

وفي بيانه وفي عيانه * غنى لذي عينين عن برهانه

فلا وحق الصدق لولا الصادق * لم يك بالحق الحقيق ناطق

له يد المعروف عند العارف * بل يده البيضاء على المعارف

دعى إلى مكارم الأخلاق * بالقول والفعل بالاتفاق

سن حديث الصدق صدق لهجته * وحسن الأخلاق حسن بهجة

وسار في الناس بأحسن السير * سيرته سيرة خيرة الخير

وهل ترى مكارم الأخلاق * إلا عن الطيب في الأعراق

كان عظيم خلقه تراثا * عن جده أكرم به ميراثا

ص 806

أفصح عن حقائق الكتاب * بما يزيل ريبة المرتاب

فإنه سليل من خوطب به * وهو ولي عهده ومنصبه

بل هو في صحيفة الوجود * كنقطة الباء لدى الشهود

وليس ما في الكتب المنزلة * إلا وفي نقطة باء البسملة

وفي بيانه لحفظ السنة * ما ليس في الستة إلا سنة

دافع عنها بقواه العالية * مما خلت عنه القرون الخالية

جاهد عنها أعظم الجهاد * ببث روح العلم والارشاد

فاستحكمت بجده حدودها * يغنيك عن آثارها شهودها

أحيى ربوع العلم بعد الطمس * فاخضر عوده عقيب اليبس

حتى غدت رياضها انيقه * واثمرت ثمارها الحقيقة

سادت به شريعة الأحكام * نقية عن كدر الأوهام

حتى صفا لأهلها زلالها * وبان عن حرامها حلالها

أكرم بها شريعة معظمه * بنائها على أساس العظمة

على أساس الوحي والتنزيل * على يد الخير بالتأويل

مستدرك اسمه ونسبه الشريف

تقدم ما يدل عليه عن العامة في ج 12 ص 208 وج 9 ص 505 وج 28 ص 309، ونستدرك هيهنا عن الكتب التي لم نرو عنها فيما سبق. رواه جماعة:

ص 807

فمنهم الحافظ أبو الحسن أحمد بن عبد الله بن صالح العجلي الكوفي الطرابلسي المتوفى بها سنة 261 في (تاريخ الثقات) ترتيب الحافظ نور الدين الهيثمي المتوفى 807 وتضمينات ابن حجر العسقلاني (ص 98 ط دار الكتب العلمية بيروت) قال: جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين ولهم شيء ليس لغيرهم، خمسة أئمة: جعفر بن محمد بن علي بن الحسين ابن علي بن أبي طالب. حدثني الحسين الجعفي، عن حفص بن غياث، قال: قدمت البصرة، فقالوا: لا تحدثنا عن ثلاثة: جعفر بن محمد، وأشعث بن سوار، وأشعث بن عبد الملك، فقلت: أما جعفر بن محمد فلم أكن لأدع الحديث عنه، لقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولفضله. وقال الدكتور عبد المعطي قلعجي في تعليقه على الكتاب: جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي العلوي أبو عبد الله الصادق: روى عنه شعبة، والسفيانان، ومالك، وابن جريج، وأبو حنيفة، وخلق كثير، ولا يسأل عن عدالته فهو الثقة ابن الثقة، ذكره ابن حبان في الثقات فقال: كان من سادات أهل البيت فقها وعلما وفضلا، يحتج بحديثه وقد اعتبرت حديث الثقات عنه فرأيت أحاديث مستقيمة، ليس فيها شيء يخالف حديث الاثبات، ومن المحال أن يلصق به ما جناه غيره. له ترجمة في التاريخ ابن معين (2: 87)، التاريخ الكبير (1: 2: 198 - 199)، التهذيب (2: 103). ومنهم أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد ابن الجوزي المتوفى سنة 597 ه في (المنتظم في تاريخ الملوك والأمم) (ج 8 ص 110 ط دار الكتب العلمية بيروت) قال: جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، أبو عبد الله جعفر الصادق. أمه أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر. كان عالما زاهدا عابدا.

ص 808

من كراماته عليه السلام

رواها جماعة: فمنهم العلامة يوسف بن إسماعيل النبهاني المتولد 1265 والمتوفى 1350 ه في (جامع كرامات الأولياء) (ج 2 ص 4 ط مصطفى البابي وشركاه بمصر) قال: جعفر الصادق أحد أئمة ساداتنا آل البيت الكبار، كان رضي الله عنه إذا احتاج إلى شيء قال: يا رباه أنا محتاج إلى كذا، فما يستتم دعاءه إلا وذلك الشيء بجنبه موضوعا. قاله الشعراني. قال المناوي: من كراماته أنه سعي به عند المنصور، فلما حج أحضر الساعي وأحضره وقال للساعي أتحلف؟ فقال نعم، فقال جعفر للمنصور حلفه؟ بما أراه فقال حلفه، فقال قل برئت من حول الله وقوته والتجأت إلى حولي وقوتي لقد فعل جعفر كذا وكذا، فامتنع الرجل ثم حلف، فما تم حتى مات مكانه. ومنها: أن بعض البغاة قتل مولاه، فلم يزل ليلته يصلي ثم دعا عليه عند السحر فسمعت الضجة بموته. ومنها: أنه لما بلغه قول الحكم بن العباس الكلبي في عمه زيد: صلبنا لكم زيدا على جذع نخلة * ولم نر مهديا على الجذع يصلب قال: اللهم سلط عليه كلبا من كلابك، فافترسه الأسد. قال الإمام الشلي: من كراماته أن بني هاشم أرادوا أن يبايعوا محمدا وإبراهيم بن عبد الله المحض بن الحسن المثنى، وذلك في أواخر دولة بني مروان وضعفهم، فأرسلوا لجعفر الصادق، فلما حضر أخبروه بسبب اجتماعهم فأبى فقالوا مد يدك لنبايعك، فامتنع وقال: والله إنها ليست لي ولا لهما، إنها لصاحب القباء الأصفر، والله ليلعبن بها صبيانهم وغلمانهم، ثم نهض وخرج، وكان المنصور العباسي يومئذ حاضرا وعليه قباء أصفر، فما زالت كلمة جعفر تعمل فيه حتى ملكوا.

ص 809

قال الليث بن سعد: حججت سنة ثلاث عشرة ومائة، فلما صليت العصر رقيت أبا قبيس، وإذا برجل جالس يدعو، فقال: يا رب حتى انقطع نفسه، ثم قال: اللهم يا حي يا حي حتى انقطع نفسه، ثم قال: اللهم إني أشتهي العنب فأطعمنيه، اللهم وإن بردي قد خلقا فاكسني، فوالله ما استتم كلامه حتى نظرت إلى سلة مملؤة عنبا وليس على الأرض يومئذ عنب، وإذا ببردين موضوعين ولم أر مثلهما في الدنيا، فأراد أن يأكل فقلت أنا شريكك لأنك دعوت وأنا أؤمن فقال تقدم وكل، فأكلت عنبا لم آكل مثله قط، ما كان له عجم، فأكلنا ولم تتغير السلة، فقال لا تدخر ولا تخبأ شيئا ثم أخذ أحد البردين ودفع إلي الآخر، فقلت أنا في غنى عنه، فاتزر بأحدهما وارتدى بالآخر، ثم أخذ البردين اللذين كانا عليه فلقيه رجل بالمسعى فقال: اكسني يا ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم مما كساك الله، فدفعهما إليه، فقلت للذي أعطاه البردين من هذا؟ قال جعفر بن محمد، توفى بالمدينة المنورة سنة 148 ودفن بالبقيع في قبة أهل البيت رضي الله عنه وعنهم أجمعين. ونفعني ببركاتهم والمسلمين.

مستدرك وصيته عليه السلام لابنه الإمام الكاظم

تقدم ما يدل عليه عن العامة في ج 12 ص 284 وج 28 ص 345 ومواضع أخرى ونستدرك هيهنا عن الكتب التي لم نرو عنها فيما سبق. رواه جماعة: فمنهم أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد ابن الجوزي المتوفى سنة 597 ه في (المنتظم في تاريخ الملوك والأمم) (ج 8 ص 111 ط دار الكتب العلمية بيروت) قال: أخبرنا محمد بن القاسم قال: حدثنا حمد بن أحمد قال: حدثنا أحمد بن عبد الله الحافظ قال: حدثنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن مقسم قال: حدثني أبو الحسن بن الحسين الكاتب قال: حدثني أبي قال: قال حدثني الهيثم قال: حدثني بعض

ص 810

أصحاب جعفر الصادق قال: دخلت على جعفر وموسى بين يديه وهو يوصيه بهذه الوصية، فكان مما حفظت منها أن قال: يا بني، اقبل وصيتي، واحفظ مقالتي، فإنك إن حفظتها تعش سعيدا، وتمت حميدا، يا بني إنه من قنع بما قسم له استغنى، ومن مد عينه إلى ما في يد غيره مات فقيرا، ومن لم يرض بما قسم الله له اتهم الله في قضائه، ومن استصغر زلة غيره استعظم زلة نفسه. يا بني، من كشف حجاب غير انكشفت عورات بيته، ومن سل سيف البغي قتل به، ومن احتفر لأخيه بئرا سقط فيها، ومن داخل السفهاء حقر، ومن خالط العلماء وقر، ومن دخل مداخل السوء اتهم. يا بني، قل الحق لك وعليك، وإياك والنميمة، فإنها تزرع الشحناء في قلوب الرجال. يا بني إذا طلبت الجود فعليك بمعادنه.

كلماته عليه السلام

تقدم في ج 12 و19 و28 ونستدرك هيهنا ما لم نروه هناك.

ومن كلامه عليه السلام في التفسير

رواه جماعة: فمنهم الشيخ محمد علي طه الدرة في (تفسير القرآن الكريم وإعرابه وبيانه) (ج 5 ص 166 ط دار الحكمة دمشق وبيروت 1402) قال: وقال جعفر الصادق: أمر الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم بمكارم الأخلاق، وليس في القرآن آية أجمع لمكارم الأخلاق من هذه: (خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين).

كلامه عليه السلام في الفقه

رواه جماعة:

ص 811

فمنهم قائد الشافعية أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي المتوفى سنة 204 في (المسند) (ص 76 ط دار الكتب العلمية في بيروت) قال: أخبرنا إبراهيم بن محمد حدثني جعفر بن محمد عن أبيه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه كبر في العيدين والاستسقاء سبعا وخمسا وجهز بالقراءة. وقال أيضا في ص 93: أخبرنا إبراهيم بن محمد بن جعفر بن محمد عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر على الحر والعبد والذكر والأنثى ممن تمونون. وقال في ص 74: أخبرنا إبراهيم بن محمد أخبرني جعفر بن محمد عن أبيه أن عليا كان يغتسل يوم العيدين ويوم الجمعة ويوم عرفة وإذا أراد أن يحرم. وقال أيضا في ص 315: أخبرنا إبراهيم بن أبي يحيى عن جعفر عن أبيه عن علي بن الحسين قال لا والله ما سمل رسول الله صلى الله عليه وسلم عينا ولا زاد أهل اللقاح على قطع أيديهم وأرجلهم. وقال أيضا في ص 198: أخبرنا إبراهيم بن محمد عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده قال وجد في قائم سيف النبي صلى الله عليه وسلم كتاب إن أعدى الناس على الله سبحانه وتعالى القاتل غير قاتله والضارب غير ضاربه من تولى غير مواليه فقد كفر بما أنزل سبحانه على محمد صلى الله عليه وسلم.

ومن كلامه عليه السلام

رواه جماعة: فمنهم أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد ابن الجوزي المتوفى سنة 597 ه في (المنتظم في تاريخ الملوك والأمم) (ج 8 ص 111 ط دار الكتب العلمية بيروت) قال: حدثنا محمد بن أبي القاسم قال: أخبرنا حمد بن أحمد قال: حدثنا أبو نعيم الأصفهاني قال: حدثنا أبي قال: حدثنا أبو الحسن بن أبان قال: حدثنا أبو بكر بن

ص 812

عبد الله قال: حدثنا الوليد بن شجاع قال: حدثنا إبراهيم بن أعين، عن يحيى بن الفرات قال: قال جعفر بن محمد لسفيان الثوري: لا يتم المعروف إلا بثلاثة: تعجيله، وتصغيره، وستره. أخبرنا محمد بن ناصر قال: أنبأنا عبد المحسن بن محمد قال: حدثنا مسعود بن ناصر السجستاني قال: أخبرنا سعيد بن أبي عمرو البحتري قال: سمعت أبا الحسن علي بن حمد بن عبيدة يقول: سمعت أحمد سهل البخاري يقول: سمعت صالح ابن محمد يقول: سمعت أحمد بن عبيدة يقول: سمعت محمد بن يوسف يقول: سمعت الثوري يقول: دخلت على جعفر بن محمد الصادق فقلت له: يا ابن رسول الله، ما لي أراك قد اعتزلت عن الناس؟ قال: يا سفيان، فسد الزمان، وتغير الإخوان، فرأيت الانفراد أسكن للفؤاد، ثم أنشأ يقول:

ذهب الوفاء ذهاب أمس الذاهب * والناس بين مخاتل وموارب

يغشون بينهم المودة والصفا * وقلوبهم محشوة بعقارب

وقال أيضا في ج 9 ص 107 - بعد ذكر سؤال المنصور الدوانيقي عن عبد الصمد العباسي عن حديث البر والصلة - إلى أن قال: ثم التفت المنصور إلى جعفر بن محمد، فقال: يا أبا عبد الله حدث بني عمك وأخوتك بحديث أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في البر. فقال جعفر بن محمد: حدثني أبي، عن أبيه، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من ملك يصل رحمه وذا قربته ويعدل في رعيته إلا شيد الله ملكه، وأجزل له ثوابه، وأكرم ما به، وخفف حسابه.

ومن كلامه عليه السلام

رواه جماعة: فمنهم الفاضل المعاصر أمل شلق في (معجم حكمة العرب) (ص 123 ط دار الكتب

ص 813

العلمية بيروت) قال: احذروا الحقد فإن الله يخذل الظالم وينصر المظلوم. جعفر الصادق.

ومن كلامه عليه السلام

رواه جماعة: فمنهم العلامة الشيخ أبو عبد الله محمد بن محمد بن محمد المنبجي الحنبلي في كتابه: (تسلية أهل المصائب) (ص 122 ط دار الكتب العلمية) قال: وعن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده. قال: لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجاءت التعزية سمعوا قائلا يقول: إن في الله عزاء من كل مصيبة وخلفا من كل هالك ودركا من كل ما فات فبالله فثقوا وإياه فارجوا فإن المصاب من حرم الثواب. رواه الشافعي في مسنده.

ومن كلامه عليه السلام

رواه جماعة: فمنهم العلامة زكريا بن محمد بن محمود القزويني المتوفى 862 ه في (مفيد العلوم ومبيد الهموم) (ص 294 ط دار الكتب العلمية بيروت) قال: وقال جعفر بن محمد: كفاك بالنصرة من الله أن ترى عدوك يعصي الله فيك.

ومن كلامه عليه السلام

رواه جماعة: فمنهم الفاضل المعاصر المستشار عبد الحليم الجندي في (الإمام جعفر الصادق عليه السلام) (ص 75 ط المجلس الأعلى للشئون الإسلامية القاهرة) قال:

ص 814

وذات يوم دخل على جعفر الصادق سدير الصيرفي قال: يا أبا عبد الله ما يسعك القعود. قال لم؟ قال لكثرة أنصارك.. مائة ألف. مائتي ألف. فتسأل الإمام عن عدد المخلصين منهم. وأبدى زهدا وبصرا بالعواقب. والحق أن زين العابدين وابنه وحفيده وبنيهم لم يتجهوا إلى أن تكون لهم دولة. ومن ذلك قول الكاظم لهشام بن الحكم: يا هشام كما تركوا لكم الحكمة اتركوا لهم الدنيا.

ومن كلامه عليه السلام

رواه جماعة: فمنهم العلامة فخر الدين أبو عبد الله أبو المعالي محمد بن عمر بن الحسين الرازي المعروف بابن الخطيب في (المطالب العالية من العلم الإلهي) (ج 1 ص 242 ط دار الكتاب العربي بيروت) قال: سئل جعفر الصادق رضي الله عنه عن هذه المسألة أيضا فقال: شاهدنا قلعة حصينة مسأ، ظاهرها كالفضة المسبوكة، وباطنها مملوء من الذهب المذاب والفضة المذابة ثم انشقت الجدران، وخرج من القلعة حيوان سميع بصير. فلا بد من مدير يديره، وصانع يخلقه. وعنى بالقلعة: البيضة. وبالحيوان: الفرخ. وقال أيضا في ص 243: سئل جعفر بن محمد مرة أخرى عن الدليل فقال: أقوى الدلائل على وجوده: وجودي وذلك لأن وجودي حدث بعد أن لم يكن. فله فاعل. ومنهم الفاضل المعاصر راجي الأسمر في (كنوز الحكمة - أو: حكمة الدين والدنيا) (ص 197 ط دار الجيل في بيروت) قال: أقربكم إلى الحق أحسنكم أدبا في الدين. جعفر الصادق.

ص 815

ومن كلامه عليه السلام

رواه جماعة: فمنهم عدة من الفضلاء المعاصرين في (فهرس أحاديث وآثار المصنف - للشيخ عبد الرزاق الصنعاني) (ج 1 ص 48 ط عالم الكتب بيروت) قالوا: إذا أقمت بأرض عشرا فأتم. جعفر بن محمد عن أبيه عن علي. الصلاة 4334 2 / 532. إذا أقمت بأرض عشرا فأتم. جعفر بن محمد بن علي عن أبيه. الصلاة 4333 2 / 532.

ومن كلامه عليه السلام

رواه جماعة: منهم العلامة المولى شهاب الدين أحمد الخفاجي المصري في (نسيم الرياض في شرح شفاء القاضي عياض) (ج 1 ص 97 ط دار الفكر بيروت) قال: وقال جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهم: علم الله تعالى وتقدس عجز خلقه عن طاعته فعرفهم ذلك لكي يعلموا أنهم لا ينالوا الصفو من خدمته فأقام بينهم وبينه رسولا مخلوقا من جنسهم في الصورة وألبسه من نعته الرأفة والرحمة وأخرجه إلى الخلق سفيرا صادقا وجعل طاعته طاعته وموافقته موافقته فقال تعالى: (من يطع الرسول فقد أطاع الله) وشرح الحديث الشريف. وقال أيضا في ص 125: وقال جعفر بن محمد الصادق: لا يذكرك أحد بالرسالة إلا ذكرني بالربوبية - ثم ذكر شرح الحديث الشريف. وقال أيضا في ص 298: وقيل: السبع المثاني: أكرمناك بسبع كرامات. هذا مروي

ص 816

عن الإمام جعفر الصادق - فذكر شرح الحديث الشريف.

ومن كلامه عليه السلام

رواه جماعة: فمنهم المولوي علي بن سلطان محمد القاري في (شرح الشفاء للقاضي عياض) (ج 1 ص 246) المطبوع بهامش (نسيم الرياض في شرح شفاء القاضي عياض) (ط دار الفكر بيروت) قال: وقال جعفر بن محمد: من تمام نعمته عليه أن جعله حبيبه وأقسم بحياته ونسخ به شرائع غيره وعرج به إلى المحل الأعلى وحفظه في المعراج حتى ما زاغ البصر وما طغى - فذكر شرحه.

ومن كلامه عليه السلام

رواه جماعة: فمنهم الشريف علي فكري المصري في (أحسن القصص) (ج 4 ص 283 ط دار الكتب العلمية في بيروت) قال: وروى محمد بن حبيب عن جعفر الصادق بن محمد عن أبيه عن جده ورفعه قال: ما من مؤمن ادخل على قومه سرورا إلا خلق الله من ذلك السرور ملكا يعبد الله يحمده ويمجده، فإذا صار المؤمن في لحده أتاه ذلك السرور الذي أدخله على أولئك ملكا فيقول: أنا اليوم أونس وحشتك، وألقنك، وأثبتك بالقول الثابت، وأشهد بك مشاهد القيامة، وأشفع لك إلى ربك، وأريك منزلتك في الجنة، كذا في الفصول المهمة.

ص 817

ومن كلامه عليه السلام

رواه جماعة: فمنهم العلامة عز الدين عبد الحميد المعتزلي في (شرح النهج) (ج 7 ص 108 ط القاهرة) قال: قال: ومن كلام المروي عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام مرفوعا: ما هلك امرؤ عرف قدره. رواه أبو العباس المبرد عنه في الكامل. قال: ثم قال أبو عبد الله عليه السلام: وما أخال رجلا يرفع نفسه فوق قدرها إلا من خلل في عقله.

كلمات العلماء في شأنه عليه السلام

منهم الشريف أبو الحسن علي الحسني الندوي في (المرتضى - سيرة سيدنا أبي الحسن علي بن أبي طالب) (ص 225 ط دار القلم دمشق) قال: وأما ابنه جعفر بن محمد الصادق فأقبل على العبادة والخضوع، وآثر العزلة والخشوع، ونهى عن الرياسة والجموع. يصف الإمام مالك حاله، فيقول: كنت آتي جعفر بن محمد وكان كثير التبسم، فإذا ذكر عنده النبي اخضر واصفر، ولقد اختلفت إليه زمانا، فما كنت أراه إلا على إحدى ثلاث خصال: إما مصليا، وإما صائما، وإما يقرأ القرآن، وما رأيته قط يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا على طهارة، ولا يتكلم فيما لا يعنيه، وكان من العباد الذين يخشون الله. ومنهم العلامة ابن الصباغ في (الفصول المهمة) (ص 222 ط النجف الأشرف) قال: كان جعفر الصادق عليه السلام من بين إخوته خليفة أبيه ووصيه والقائم بالإمامة من بعده برز على جماعة بالفضل وكان أنبههم ذكرا وأجلهم قدرا نقل الناس عنه من العلوم ما سارت به الركبان وانتشر صيته وذكره في ساير البلدان ولم ينقل العلماء عن أحد من أهل بيته ما نقل عنه من الحديث وروى عنه جماعة من أعيان الأمة: مثل

ص 818

يحيى بن سعيد وابن جريج ومالك بن أنس والثوري وأبو عيينة وأبو حنيفة وشعبة وأبو أيوب السجستاني وغيرهم. وصى إليه أبو جعفر بالإمامة وغيرها وصية ظاهرة ونص عليها نصا جليا. عن أبي عبد الله جعفر الصادق عليه السلام قال: إن أبي استودعني ما هناك وذلك أنه لما حضرته الوفاة قال: ادع لي شهودا فدعوت له أربعة منهم: نافع مولى عبد الله بن عمر فقال: اكتب هذا ما أوصى به يعقوب بنيه - الوصية. وقال في ص 230: مناقب جعفر الصادق عليه السلام فاضلة وصفاته في الشرف كاملة وشرفه على جهات الأيام سائلة وأندية المجد والعز بمفاخره ومآثره آهلة. ومنهم العلامة جابر بن حيان في (تدبير الاكسير الأعظم) (ص 40 ط دمشق) قال: وبالله أقول: لقد تحملت من هذا ألما عظيما بذكري له إلى أن من الله تعالى علي بجعفر بن محمد صلوات الله عليه. فلم يزل يسهل علي ذلك ويكشف لي الأمر وكنت قد حملت نفسي على أن الغز في هذا الكتاب، وافك الضمان فاستنقذني الله من الكذب فأنقذكم الله منه لكم وعليكم فإنه بلية عظيمة. وكتابي هذا يعرف بثلاثين كلمة، يذكر فيه الباب الذي قد تقدم في الكتاب الذي قبله في ثلاثين كلمة، ونحن نستوفي الكلام في ذلك على ما قد ضمنا في كتبنا هذه وعلى ما قد أتينا به فيما تقدم من هذه الكتب أعني السبعين وبالله أقول: لو لم يقع إلى أحد من الناس ممن طلب هذه الصناعة وهذا العلم غير كتابي هذا، ما كان بالذي يبالي أن لا يسمع بشيء من الصنعة لصحة ما ذكرته.

ص 819

مستدرك فضائل ومناقب سيدنا الإمام السابع موسى بن جعفر عليهما السلام

مدح سيدنا الإمام الكاظم عليه السلام

قاله الآية الشيخ محمد حسين الكمباني الأصفهاني قدس سره:

أشرق نور العلم والعبادة * في ملكوت الغيب والشهادة

وقد تجلى نير اللاهوت * فأشرقت مشارق الناسوت

أو نور طور الجبروت سطعا * فاندك فيه الطور والنور معا

والطور فإن في فناء بابه * والنور كل النور من قبابه

فإنه مبد كل نور * بل هو منتهاه في الظهور

نور تعالى شأنه عن حد * وعز في نعوته عن عد

ذلك نور منية الكليم * رؤيته من زمن قديم

ذلك نور كعبة الأعاظم * وقبلة الحاجات موسى الكاظم

أبو العقول والنفوس النيرة * أم الكتاب وابن خير الخيرة

بل هو نرو كعبة التوحيد * وقبلة الشاهد في الشهود

نور سماء الذات والصفات * به حياة عالم الحيات

فالق صبح الأزل المنير * به استنار كل مستنير

أضائت السبع العلى بنوره * كأنها تدور حول طوره

تود وهي ركع ببابه * تكون سجدا على ترابه

ص 820

وبابه كعبة كل سالك * ومستجار الكل في المهالك

وبابه ملتزم الأرواح * باب المقام قبلة الضراح

وهو مطاف كعبة الإسلام * ومشعر المشاعر العظام

وبابه باب القضاء الجاري * كيف وهذا البا باب الباري

باب بدا الله فيه ما بدا * باب إليه مرجع الأمر غدا

أكرم به فإنه باب الهدى * أنعم به فإنه باب الندى

بل هو باب الكشف والشهود * والسير في عوالم الوجود

وباب أبواب التجليات * في الذات والأفعال والصفات

وباب أبواب المعالي والهمم * باب مدينة العلوم والحكم

وكيف لا وإنه ابن بجدته * سر علي في علو رتبته

وسر خير الخلق في سريرته * في علمه وحلمه وسيرته

والجوهر الفرد من الكنز الخفي * وحاز فيما حاز كل الشرف

كرسي علمه العظيم أرفع * من السموات العلى وأوسع

فإنه في علمه الاشراق * مليك عرشه بالاستحقاق

وكيف وهو أعظم المرائي * لغيب ذات بارئ الأشياء

فإنه كالشمس والضياء * من المحمدية البيضاء

فهل ترى بغيره يضاهى * مهجة ياسين وقلب طاها

إلى علاه منتهى مكارمه * ذا فاتح الخير وهذا خاتمه

له الخلافة المحمدية * في كل مكرماته العلية

له الخلافة الإلهية في * عباده أكرم به من خلف

يعرب حقا في تجلياته * عن ذاته العليا وعن صفاته

ص 821

مستدرك نسبه الشريف وميلاده ووفاته عليه السلام

تقدم ما يدل عليه عن العامة في ج 12 ص 295 وج 19 ص 537 وج 28 ص 539، ونستدرك هيهنا عن الكتب التي لم نرو عنها فيما سبق. رواه جماعة: فمنهم أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد ابن الجوزي المتوفى سنة 597 ه في (المنتظم في تاريخ الملوك والأمم) (ج 9 ص 87 ط دار الكتب العلمية بيروت) قال: موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم، أبو الحسن الهاشمي. ولد بالمدينة في سنة ثمان وعشرين. وقيل: سنة تسع وعشرين. وولد له أربعون ولدا من ذكر وأنثى، وكان كثير التعبد، جوادا، وإذا بلغه عن رجل أنه يؤذيه بعث إليه ألف دينا، وخرج إلى الصلح. وقال في ص 88: توفي موسى بن جعفر لخمس بقين من رجب في هذه السنة. ومنهم الحافظ شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي المتوفى 748 ه في (سير أعلام النبلاء) (ج 6 ص 270 ط مؤسسة الرسالة بيروت) قال: الإمام القدوة، السيد أبو الحسن العلوي، والد الإمام علي بن موسى الرضا مدني نزل بغداد. قيل: إنه ولد سنة ثمان وعشرين ومئة بالمدينة. قال الخطيب: أقدمه المهدي بغداد، ورده. ثم قدمها. وأقام ببغداد في أيام الرشيد، قدم في صحبة الرشيد سنة تسع وسبعين ومئة، وحبسه بها إلى أن توفي في محبسه. ومنهم شعيب الارنؤوط محقق الكتاب في الذيل فإنه قال في تخريج المصادر: الجرح والتعديل 8 / 139، تاريخ بغداد 13 / 27، صفوة الصفوة 2 / 103، منهاج

ص 822

السنة 2 / 115 - 124، وفيات الأعيان 5 / 308 - 310، تهذيب الكمال (1383)، تذهيب التهذيب 4 / 76 / 2، ميزان الاعتدال 4 / 201 - 202، عبر الذهبي 1 / 287، تاريخ ابن خلدون 4 / 115، تهذيب التهذيب 10 / 339 - 340، خلاصة تذهيب الكمال (390)، شذرات الذهب 1 / 304.

مستدرك عبادته عليه السلام ودعائه

قد تقدم ما يدل عليه عن العامة في ج 19 ص 539 وج 28 ص 548 ومواضع أخرى، ونستدرك هيهنا عن الكتب التي لم نرو عنها فيما سبق. رواه جماعة: فمنهم الحافظ شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي المتوفى 748 ه في (سير أعلام النبلاء) (ج 6 ص 271 ط مؤسسة الرسالة بيروت) قال: ثم قال الخطيب: أنبأنا الحسن بن أبي بكر، أنبأنا الحسن بن محمد بن يحيى العلوي، حدثني جدي يحيى بن الحسن بن عبيد الله بن الحسين بن علي بن الحسين قال: كان موسى بن جعفر يدعى العبد الصالح من عبادته واجتهاده. روى أصحابنا أنه دخل مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فسجد سجدة في أول الليل، فسمع وهو يقول في سجوده: عظم الذنب عندي فليحسن العفو من عندك، يا أهل التقوى، ويا أهل المغفرة. فجعل يرددها حتى أصبح.

ص 823

مستدرك جوده وسخائه وسماحته عليه السلام

تقدم ما يدل عليه عن العامة في ج 19 ص 541 وج 28 ص 554 ومواضع أخرى، ونستدرك هيهنا عن الكتب التي لم نرو عنها فيما سبق. رواه جماعة: فمنهم الحافظ شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي المتوفى 748 ه في (سير أعلام النبلاء) (ج 6 ص 71 ط مؤسسة الرسالة بيروت) قال: وكان سخيا كريما، يبلغه عن الرجل أنه يؤذيه فيبعث إليه بصرة فيها ألف دينار. وكان يصر الصرر بثلاث مئة دينار، وأربع مئة، ومئتين، ثم يقسمها بالمدينة، فمن جاءته صرة، استغنى. حكاية منقطعة، مع أن يحيى بن الحسن متهم. ثم قال يحيى هذا: حدثنا إسماعيل بن يعقوب، حدثنا محمد بن عبد الله البكري، قال: قدمت المدينة أطلب بها دينا فقلت: لو أتيت موسى بن جعفر فشكوت إليه، فأتيته بنقمي في ضيعته، فخرج إلي، وأكلت معه، فذكرت له قصتي فأعطاني ثلاث مئة دينار. ثم قال يحيى: وذكر لي غير واحد، أن رجلا من آل عمر كان بالمدينة يؤذيه ويشتم عليا، وكان قد قال له بعض حاشيته: دعنا نقتله، فنهاهم، وزجرهم. وذكر له أن العمري يزدرع بأرض، فركب إليه في مزرعته، فوجده، فدخل بحماره، فصاح العمري لا توطئ زرعنا. فوطئ بالحمار حتى وصل إليه، فنزل عنده وضاحكه. وقال: كم غرمت في زرعك هذا؟ قال: مئة دينار. قال: فكم ترجو؟ قال: لا أعلم الغيب وأرجو أن يجيئني مئتا دينار. فأعطاه ثلاث مئة دينار. وقال هذا زرعك على حاله. فقام العمري فقبل رأسه وقال: الله أعلم حيث يجعل رسالاته. وجعل يدعو له كل وقت. فقال أبو الحسن لخاصته الذين أرادوا قتل العمري: أيما هو خير؟ ما أردتم أو ما أردت أن أصلح أمره بهذا المقدار؟

ص 824

ومنهم أبو الفرج عبد الرحمن بن علي ابن الجوزي في (المنتظم) (ج 9 ص 87 ط دار الكتب العلمية بيروت) قال: وأهدى له بعض العبيد عصيدة، فاشترى الضيعة التي فيها ذلك العبد والعبد بألف دينار، وأعتقه ووهبها له. ومنهم الشريف أبو الحسن علي الحسني الندوي في (المرتضى - سيرة سيدنا أبي الحسن علي بن أبي طالب) (ص 226 ط دار القلم دمشق) قال: وكان موسى بن جعفر بن محمد بن علي وهو موسى الكاظم كريما حليما، إذا بلغه عن رجل أنه يؤذيه بعث إليه بمال، وقد يبعث إليه بصرة فيها ألف دينار، وكان يصر الصرر ثلاث مائة دينار، وأربع مائة دينار، ومائتي دينار ثم يقسمها بالمدينة.

مستدرك خطابه للنبي صلى الله عليه وآله: السلام عليك يا أبة

تقدم ما يدل عليه عن العامة في ج 12 ص 334 وج 19 ص 542 وج 28 ص 559، ونستدرك هيهنا عن الكتب التي لم نرو عنها فيما سبق. رواه جماعة: فمنهم أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد ابن الجوزي المتوفى سنة 597 ه في (المنتظم في تاريخ الملوك والأمم) (ج 9 ص 88 ط دار الكتب العلمية بيروت) قال: ثم لم يزل مقيما بالمدينة إلى أيام الرشيد، فحج الرشيد فاجتمعا عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم فسمع منه الرشيد كلاما غيره. وهو ما أخبرنا به منصور القزاز قال: أخبرنا أحمد بن علي قال: أخبرنا القاضي أبو العلاء الواسطي قال: حدثنا عمر ابن أحمد الواعظ قال: حدثنا الحسين بن القاسم قال: حدثني أحمد بن وهب قال: أخبرني عبد الرحمن بن صالح الأزدي قال: حج هارون الرشيد فأتى قبر النبي صلى

ص 825

الله عليه وسلم زائرا له وحوله قريش وأفياء القبائل ومعه موسى بن جعفر فلما انتهيا إلى القبر قال: السلام عليك يا رسول الله، يا ابن عم. افتخارا على من حوله، فدنا موسى ابن جعفر فقال: السلام عليك يا أبت فتغير وجه هارون وقال: هذا الفخر يا أبا الحسن حقا؟ ثم اعتمر الرشيد في رمضان سنة تسع وسبعين، فحمل موسى معه إلى بغداد فحبسه بها، فتوفي في حبسه، فلما طال حبسه كتب إلى الرشيد بما أخبرنا به عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال: أخبرنا الجوهري قال: حدثنا محمد بن عمران المرزباني قال: حدثنا عبد الواحد بن محمد الخصيبي قال: حدثني أحمد بن إسماعيل قال: بعث موسى بن جعفر إلى الرشيد من الحبس رسالة كانت: إنه لن ينقضي عني يوم من البلا إلا انقضى عنك معه يوم من الرخاء، حتى نقضي جميعا إلى يوم ليس فيه انقضاء، يخسر فيه المبطلون. توفي موسى بن جعفر لخمس بقين من رجب هذه السنة.

مستدرك نبذة من كراماته عليه السلام

تقدم ما يدل عليه عن العامة في ج 12 ص 314 وج 19 ص 544 وج 28 ص 550، ونستدرك هيهنا عن الكتب التي لم نرو عنها في ما سبق. رواه جماعة: فمنهم أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد ابن الجوزي المتوفى سنة 597 ه في (المنتظم في تاريخ الملوك والأمم) (ج 9 ص 87 ط دار الكتب العلمية بيروت) قال: وأقدمه المهدي بغداد ثم رده إلى المدينة لمنام له رآه. أخبرنا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا أبو بكر بن ثابت قال: حدثني الحسن بن محمد الخلال قال: حدثنا أحمد بن محمد بن عمران قال: حدثنا محمد بن يحيى الصولي قال: حدثنا عون بن محمد قال: سمعت إسحاق الموصلي يقول: حدثني

ص 826

الفضل بن الربيع، عن أبيه: أنه لما حبس المهدي موسى بن جعفر رأى المهدي في النوم علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهو يقول: يا محمد (فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم) قال الربيع: فأرسل إلي ليلا، فراعني ذلك فجئته، فإذا هو يقرأ هذه الآية، وكان أحسن الناس صوتا. وقال علي بموسى بن جعفر: فجئته به فعانقه وأجلسه إلى جانبه، وقال: يا أبا الحسن، رأيت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في النوم فقرأ علي كذا، فتؤمنني أن تخرج علي أو على أحد من ولدي؟ فقال: والله لا فعلت ذلك، ولا هو من شأني قال: صدقت، يا ربيع أعطه ثلاثة آلاف دينار ورده إلى أهله إلى المدينة قال الربيع: فأحكمت أمره ليلا، فما أصبح إلا وهو على الطريق خوف العوائق. وقال في ص 88: أخبرنا القزاز قال: أخبرنا أبو بكر بن ثابت الخطيب قال: أخبرنا القاضي أبو محمد الحسن بن الحسين الاسترآبادي قال: أخبرنا أحمد بن جعفر بن حمدان القطيعي قال: سمعت الحسن بن إبراهيم الخلال يقول: ما أهمني أمر، فقصدت قبر موسى بن جعفر، فتوسلت به إلا سهل الله لي ما أحب. ومنهم العلامة يوسف بن إسماعيل النبهاني المتولد 1265 والمتوفى 1350 ه في (جامع كرامات الأولياء) (ج 2 ص 496 ط مصطفى البابي وشركاه بمصر) قال: قال شقيق البلخي: خرجت حاجا في سنة 149، فنزلت القادسية، فبينما أنا أنظر إلى الناس وزينتهم وكثرتهم نظرت فتى حسن الوجه. فوق ثيابه ثوب صوف مشتمل بشملة، وفي رجليه نعلان وقد جلس منفردا، فقلت في نفسي: هذا الفتى من الصوفية يريد أن يكون كلا على الناس في طريقهم، والله لأمضين إليه ولأوبخنه، فدنوت منه فلما رآني مقبلا قال: يا شقيق (اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم) وتركني ومضى، فقلت في نفسي. إن هذا لأمر عظيم قد تكلم بما في نفسي ونطق باسمي، ما هذا إلا عبد صالح لألحقنه ولأسألنه أن يحللني، فأسرعت في أثره فلم ألحقه وغاب عن عيني، فلما نزلنا أرض واقصة إذا به يصلي وأعضاؤه تضطرب

ص 827

ودموعه تجري فقلت: هذا صاحبي أمضي إليه وأستحله، فصبرت حتى جلس وأقبلت نحوه، فلما رآني قال: يا شقيق اقرأ (وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى) ثم تركني ومضي، فقلت: إن هذا الفتى لمن الأبدال، قد تكلم على سري مرتين، فلما نزلنا منزلا إذا بالفتى قائم على بئر وبيده ركوة يريد أن يستسقي، فسقطت الركوة من يده إلى البئر وأنا أنظر إليه، فرأيته قد رمق السماء وسمعته يقول: أنت ربي إذا ظمئت من الما * ء وقوتي إذا أردت الطعاما اللهم أنت تعلم يا إلهي وسيدي ما لي سواها فلا تعدمني إياها. قال شقيق رضي الله عنه: فوالله لقد رأيت البئر وقد ارتفع ماؤها، فمد يده وأخذ الركوة وملأها ماء وتوضأ وصلى أربع ركعات، ثم مال إلى كثيب من رمل فجعل يقبض بيده ويطرحه في الركوة ويحركه ويشرب، فأقبلت إليه وسلمت عليه، فرد علي السلام، فقلت: أطعمني من فضل ما أنعم الله تعالى به عليك، فقال: يا شقيق لم تزل نعمة الله تعالى علينا ظاهرة وباطنة، فأحسن ظنك بربك، ثم ناولني الركوة فشربت منها، فإذا سويق وسكر، فوالله ما شربت قط ألذ منه ولا أطيب ريحا، فشعبت ورويت وأقمت أياما لا أشتهي طعاما ولا شرابا، ثم لم أره حتى دخلنا مكة، فرأيته ليلة في جنب قبلة الشراب في نصف الليل يصلي بخشوع وأنين وبكأ، فلم يزل كذلك حتى ذهب الليل، فلما رأى الفجر جلس في مصلاه يسبح ثم قام فصلى، فلما سلم من صلاة الصبح فطاف بالبيت أسبوعا وخرج، فتبعته فإذا له حاشية وموال، وهو على خلاف ما رأيته في الطريق، ودار به الناس من حوله ليسلموا عليه، فقلت لبعض من رأيته بالقرب منه: من هذا الفتى؟ فقال: هذا موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين ابن علي بن أبي طالب رضوان الله عليهم أجمعين، فقلت وقد عجبت أن تكون هذه العجائب والشواهد إلا لمثل هذا السيد. قاله الإمام اليافعي. وذكره الشيخ عبد الله الشبراوي في كتابه الاتحاف بحب الأشراف وذكر له مناقب كثيرة كغيره من أئمة آل البيت وساداتهم رضي الله عنهم، ونقل هذه الكرامة عن ابن

ص 828

الجوزي والرامهرمزي، وذكر أن وفاته رضي الله عنه في رجب سنة 183، ونقل عن كمال الدين طلحة أنه كان له سبع وثلاثون ولدا ما بين ذكر وأنثى، أجلهم علي الرضا رضي الله عنهم أجمعين.

مستدرك نبذة من كلماته عليه السلام

تقدم ما يدل عليه عن العامة في ج 12 ص 338 وج 19 ص 551 وج 28 ص 563، ونستدرك هيهنا عن الكتب التي لم نرو عنها فيما سبق. رواه جماعة: فمنهم العلامة ابن الصباغ في (الفصول المهمة) (ص 238 ط النجف الأشرف) قال: وحكي إن الرشيد سأله يوما كيف قلتم نحن ذرية رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنتم بنو علي وإنما ينسب الرجل إلى جده لأبيه دون جده لأمه فقال الكاظم عليه السلام أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم: (ومن ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين وزكريا ويحيى وعيسى والياس) وليس لعيسى أب، وإنما الحق بذرية الأنبياء من قبل أمه وكذلك الحقنا بذرية النبي من قبل أمنا فاطمة الزهراء وزيادة أخرى يا أمير المؤمنين قال الله عز وجل: (فمن حاجك فيه من بعد ما جائك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل) ولم يدع صلى الله عليه وسلم عند مباهلة النصارى غير علي وفاطمة والحسن والحسين وهما الأبناء.

ومن كلام عليه السلام

رواه في الكتاب المذكور: وروي عن موسى بن جعفر عن آبائه مرفوعا قال قال رسول الله صلى الله عليه

ص 829

وآل نظر الولد إلى والده حبا له عبادة. وعن إسحاق بن جعفر قال سألت أخي موسى بن جعفر قلت أصلحك الله أيكون المؤمن خائنا قال لا يكون كذابا، ثم قال: حدثني أبي جعفر الصادق عن آبائه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول كل خلة يطوى المؤمن ليس الكذب والخيانة.

ومن كلامه عليه السلام في ثواب زيارة قبر ابنه الرضا عليه السلام

رواه جماعة: فمنهم العلامة شيخ الإسلام الجويني الشيخ إبراهيم بن محمد بن المؤيد الخراساني في (فرائد السمطين) (ج 2 ص 194 ط بيروت) قال: وبالسند المتقدم عن الحاكم عن محمد بن علي بن الحسين الرازي قال: وحدثنا جعفر بن محمد بن مسرور قال: حدثنا الحسين بن محمد بن عامر عن عمه عبد الله ابن عامر عن سليمان بن حفص قال: سمعت أبا الحسن موسى بن جعفر يقول: من زار قبر ولدي علي كان له عند الله سبعين حجة ثم قال: ورب حجة لا تقبل، من زاره أو بات عنده ليلة كان كمن زار أهل السماوات وإذا كان يوم القيامة وجد معنا زوار أئمتنا أهل البيت وأعلاهم درجة وأقربهم حياة زوار ولدي علي.

كلمات الأعاظم في شأن سيدنا الإمام الكاظم عليه السلام

ومنهم ابن الجوزي في (تذكرة خواص الأمة) (ص 196 ط طهران) قال: وكان موسى جوادا حليما وإنما سمي الكاظم لأنه كان إذا بلغه عن أحد شيء بعث إليه بمال. ومنهم العلامة محمد بن طلحة الشافعي في (مطالب السؤول) (ص 83 ط طهران) قال:

ص 830

هو الإمام الكبير القدر العظيم الشأن الكبير المجتهد الجاد في الاجتهاد المشهور بالعبادة المواظب على الطاعات المشهور بالكرامات يبيت الليل ساجدا وقائما ويقطع النهار متصدقا وصائما ولفرط حلمه وتجاوزه عن المعيدين عليه دعي كاظما كان يجازي المسئ بإحسانه إليه ويقابل الجاني بعفوه عنه ولكثرة عباداته كان يسمى بالعبد الصالح ويعرف في العراق بباب الحوائج إلى الله لنجح مطالب المتوسلين إلى الله تعالى به، كراماته تحار منها العقول وتقضي بأن له عند الله تعالى قدم صدق لا تزال ولا تزول. ومنهم الشاعر الفاضل السيد عبد الغفار بن عبد الواحد بن وهب الموصلي البغدادي البصري المتوفى 1291 ه في (ديوان الأخرس) (ص 88 ط عالم الكتب ومكتبة النهضة العربية بيروت) قال: وقال مادحا الإمام موسى الكاظم رضي الله عنه حين ورد الستارة النبوية الشريفة التي أهداها إليه السلطان محمود خان وهي من الخفيف: يا إمام الهدى ويا صفوة الله * ويا من هدى هداه العبادا

يا ابن بنت الرسول يا ابن علي * حي هذا النادي وهذا المنادى

قد أتينا بثوب جدك نسعى * وأتيناك سيدي وفادا

فأتيناك راجلين احتراما * واحتشاما وهيبة وانقيادا

نتهادى به إليك جميعا * وبه كانت المطايا تهادى

راميات سهم النوى عن قسي * قاطعات دكادكا ووهادا

طالبات (موسى بن جعفر) فيه * وكذا القدوة (الإمام الجوادا)

من نبي قد شرف العرش لما * أن ترقى بالله سبعا شدادا

شرف في ثياب قبر نبي * عطرت في الجد يورث الأولادا

أنتم علة الوجود وفيكم * قد عرفنا التكوين والايجادا

ص 831

ما ركنتم إلى نفائس دنيا * ولقد كنتم بها أفرادا

وانتقلتم منها وأنتم أناس * ما اتخذتم إلا رضا الله زادا

ولقد قمتم الليالي قياما * واكتحلتم من القيام السهادا

إن يكونوا كما أذاعوا فمن ذا * مهد الأرض سطوة والبلادا

ومحا الشرك بالمواضي غزاة * وسطا سطوة الأسوة جهادا

حيث إن الإله يرضى بهذا * بل بهذا من القديم أرادا

فجزيتم عن أجركم بنعيم * تتوالى الأرواح والأجسادا

وأبتغيتم رضا الإله ولا ز * لتم بعز يصاحب الآبادا

أنتم يا بني البتول أناس * قد صعدتم بالفجر سبعا شدادا

آل بيت النبي والسادة الط - * هر رجال لم يبرحوا أمجادا

فضلوا بالفضائل الخلق طرا * مثلما تفضل الظبا الأغمادا

ليس يحصي عليهم المدح مني * ولو أن البحار صارت مدادا

أنتم الذخر يوم حشر ونشر * ومعاذا إذا رأينا المعادا

(كاظم الغيظ) سالم الصدر عاف * وما هوى قط صدره الأحقادا

قد وقفنا لدى علاك وأل - * قينا إلى بابك الرفيع القيادا

مع أن الذنوب قد أوثقتنا * نرتجي الوعد نختشي الايعادا

ومددنا إليك أيدي محتاج * يرجي بفضلك الأمدادا

وبكينا من الخشوع بدمع * هو طورا وطورا فرادى

قد وفدنا آل النبي عليكم * زودونا من رفدكم إرفادا

بسواد الذنوب جئنا لنمحو * ببياض الغفران هذا السوادا

وطلبنا عفو المهيمن عنا * وأغظنا الأعداء والإلحادا

موطن تنزل الملائك فيه * ومقام يسر هذا الفؤادا

أيها الطاهر الزكي أغثنا * وأنلنا الاسعاف والاسعادا

ص 832

و (علي) أباك يا ابن علي * كي ينال المني بكم والمرادا

مستزيدا بفضلكم حيث كنتم * منهلا ما استزيد إلا وزادا

فعليك السلام يا خيرة الخلق * سلام يبقى ويأبى النفادا

ومنهم العلامة يوسف بن إسماعيل النبهاني المتولد 1265 والمتوفى 1350 ه في (جامع كرامات الأولياء) (ج 2 ص 495 ط مصطفى البابي وشركاه بمصر) قال: موسى الكاظم أحد أعيان أكابر الأئمة من ساداتنا آل البيت الكرام هداة الإسلام رضي الله عنهم أجمعين ونفعنا ببركاتهم، وأماتنا على حبهم وحب جدهم الأعظم صلى الله عليه وسلم.

مستدرك أولاده عليه السلام

ذكرهم جماعة: فمنهم العلامة ابن الصباغ في (الفصول المهمة) (ص 199) قال: وأما أولاده فقال الشيخ المفيد رحمه الله كان لأبي الحسن موسى بن جعفر سبعة وثلاثون ولدا ما بين ذكر وأنثى وهم: علي بن موسى الرضا الإمام وإبراهيم والعباس والقاسم لأمهات أولاد وإسماعيل وجعفر وهارون والحسن أشقاء لأم ولد وعبد الله وإسحاق وعبيد الله وزيد والحسن والفضل وسليمان لأمهات شتى وأحمد ومحمد وحمزة أشقاء ولأم ولد وفاطمة الكبرى وفاطمة الصغرى ورقية وحليمة وأم أسماء ورقية الصغرى وكلثوم وأم جعفر وأم لبانة وزينب وخديجة وعايشة وآمنة وحسنة وبريرة وعلية وأم سلمة وميمونة وأم كلثوم. وكان أفضل أولاد موسى الكاظم عليه السلام وأنبههم ذكرا وأجلهم قدرا علي بن موسى الرضا وكان أحمد بن موسى كريما جليلا كبيرا موقرا وكان أبوه موسى الكاظم يحبه ووهب له ضيعة اليسيرية ويقال إن

ص 833

أحمد بن موسى أعتق له ألف مملوك، وكان محمد بن موسى صاحب وضوء وصلاة ليله كله يتوضأ ويصلي ويرقد ثم يقوم فيتوضأ ويصل ويرقد هكذا إلى الصباح، قال بعض شيعة أبيه ما رأيته قط إلا ذكرت قوله تعالى: (كانوا قليلا من الليل ما يهجعون)، وكان إبراهيم بن موسى شجاعا كريما وتقلد الأمر على اليمن في أيام المأمون من قبل محمد بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام ولكل واحد من أولاد أبي الحسن موسى المذكور الكاظم عليه السلام فضل مشهور. ومنهم العلامة ابن الجوزي في (التذكرة) (ص 197 ط طهران) قال: قال علماء السير وله عشرون ذكرا وعشرون أنثى: علي الإمام وزيد كان قد خرج على المأمون فظفر به فبعث به إلى أخيه علي بن موسى الرضا فوبخه وجرى بينهما كلام ذكره القاضي المعافي في (الجليس والأنيس) فيه: إن عليا قال له: سوأة لك يا زيد ما أنت قائل لرسول الله صلى الله عليه وآله إذ سفكت الدماء وأخفت السبل وأخذت المال من غير حله غرك حمقاء أهل الكوفة وقول رسول الله صلى الله عليه وآله: إن فاطمة أحصنت فرجها فحرم الله ذريتها على النار. وهذا لمن خرج من بطنها مثل الحسن والحسن فقط لا لي ولا لك والله ما نالوا بذلك إلا بطاعة الله فإن أردت أن تنال بمعصية الله ما نالوا بطاعته إنك إذن لأكرم على الله منهم. ومنهم الكمال محمد بن طلحة في (مطالب السؤل) (ص 84 ط طهران) قال: فقيل: ولد له عشرون أبنا وثماني عشرة بنتا - فذكر أسمائهم ذكورا وإناثا.

ص 834

مستدرك فضائل ومناقب سيدنا الإمام الثامن علي بن موسى الرضا عليهما السلام

مدح سيدنا الإمام الرضا عليه السلام

قاله المولى الشيخ محمد حسين الكمباني الإصبهاني قدس سره:

قد استوى سلطان إقليم الرضا * باليمن والعز على عرش القضا

عرش الخلافة الإلهية في * عباده فياله من شرف

لا بل على أريكة الهوية * ومركز المشية الفعلية

له الولاية المحمدية * في سر ذاته على البرية

ولاية التكوين والابداع * أكرم بهذا الملك المطاع

إذ يده العليا يد الأيادي * فهو مثال مبد المبادي

أسمائه الحسنى له صفات * وهي لذاته تجليات

سلطانه على الورى سلطانه * فيما أعزه تعالى شأنه

أعظم ما أحب أن يعرف به * في ذاته وفي معالي رتبه

فهو من الكنز الخفي الباهر * ذاتا ووصفا أعظم المظاهر

مقامه الرفيع في أعلى القلم * ولوح ذاته صحيفة الحكم

فاتحة الكتاب في الجلالة * إذ هو سر خاتم الرسالة

بل نقطة الباء هي عين الرضا * فإنه سر أبيه المرتضى

آيات كبريائه والعظمة * بينة في الزبر المعظمة

ص 835

صحيفة الوجود من آياته * لطيفة الشهود سر ذاته

ومحكمات الكلمات الباهرة * لذاته العليا شؤون ظاهرة

والحرف عالياته مرتسمة * في ذاته للعلى قدرا وسمة

تحكي عن الغيب المصون ذاته * تعرب عن شئونه صفاته

ظهوره ظهور نور النور * فلا أتم منه في الظهور

 2 شمس سماء عالم اللاهوت * والقمر الزاهر في الناسوت

والملكوت من ظلال نوره * والملك كله فناء طوره

الجبروت كالمسخرات * لأمره في المحو والاثبات

والملأ الأعلى سرادقاته * والعرش والسبع العلى مرقاته

غرته نور رواق العظمة * ديباجة الكون بها منتظمة

طلعته مطلع أنوار الهدى * ولا ترى أفولا أبدا

ووجهه قبلة كل عارف * ومستجار كعبة المعارف

وفي محياه حياة الأوليا * وكيف وهو روح خير الأنبيا

وعينه عن الرضا بالقضا * نفسي لك الفدأ يا عين الرضا

ولا تسل عن قلبه السليم * إذ لا تنال نقطة التسليم

وهو بما فيه من الجواهر * ممثل الكنز الخفي الباهر

جل عن الحدود والرسوم * ما فيه من جواهر العلوم

مفاتح الغيوب في لسانه * مصابح الشهود في بيانه

وعز شأنه عن المشاكل * في حله لعقدة المشاكل

لسانه عين الحياة الدائمة * به مبادئ الحياة قائمة

لسانه ناطقة التوحيد * ومنطق التجريد والتفريد

منطقه منطقة الشوارق * في الفلك الدوار بالبوارق

يعرف عن جوامع العلوم * بأحسن الحدود والرسوم

ص 836

يفصح عن مصادر الأمور * وكيف وهو مبد الصدور

رموز علمه كنوز المعرفة * حقائق الدين بها منكشفة

بنور علمه وحسن المنطق * يكشف عن سر الوجود المطلق

وفي بيانه مكارم الشيم * وفي معانيه بدايع الحكم

وفي ببذله العلوم حقها * كرامة على من استحقها

علومه الحقة في الاشراق * كالشمس في الأنفس والآفاق

كل كلامه جوامع الكلم * عقودها وثيقة لا تنفصم

كلامه هدى لمن به اهتدى * وقوله فصل على من اعتدى

كلامه نور ونور الطور * كأنه ظهور ذاك النور

كلامه لطيفة المعارف * حياة كل سالك وعارف

به تجلت لأولي الأبصار * حقائق الأسرار والأنوار

به سمت معاهد العلوم * حتى علت على ذرى النجوم

بل جازت السدة منتهاها * تكاد أن تدنو إلى أدناها

كيف وربانيها على * فلا ينال قدرها العلى

علي الرضا سليل المرتضى * ومن بكفه مقاليد القضا

عقل العقول في علو المرتبة * نفس الرسول في سمو المنقبة

أصل الأصول فهو أسمى شجرة * فرع البتول فهو أزكى ثمرة

وباسمه استدارت الدوائر * وباسمه استقامت السرائر

وباسمه السامي جرى فلك الفلك * وذكره عنوان تسبيح الملك

وذكره تحيى به القلوب * وتنجلي بذكره الكروب

هو المثاني بل هو التوحيد * هو الكتاب المحكم المجيد

فمن يضاهي شرفا وجاها * روح محمد وقلب طاها

بيضأ موسى هي في يمينه * ونور ياسين على جبينه

ص 837

وآية النور سناء نوره * والنور كل النور في ظهوره

في لوح نفسه مقام للرضا * عن وصفه تكل أقلام القضا

لقد تفانى في الرضاء بالقضا * حتى تسامى وتسمى بالرضا

بل في رضا الباري رضاه فإن * بل ذاته بذلك العنوان

بل جاز عن أقصى مراتب الفنا * حتى تجلى قائلا إني أنا

هو ابن من دنى إلى أدنا * ما كذب الفؤاد ما رآه

وهو لذلك الفؤاد ثمرة * فأين منه الطور أين الشجرة

يمثل النبي في أخلاقه * فإنه النابت من أعراقه

له كرامات ومكرمات * في صفحات الدهر بينات

شهود صدق لسمو ذاته * كأنه النبي في صفاته

لله در صاحب بن عباد يمدح الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام

يا زائرا سائرا إلى طوس * مشهد طهر وأرض تقديس

أبلغ سلامي الرضا وحط على * أكرم رمس لخير مرموس

والله والله حلفة صدرت * عن مخلص في الولاء مغموس

 إني لو كنت مالكا اربي * كان بطوس الغناء تعريسي

وكنت أمضي العزيم مرتحلا * منتسفا فيه قوة العيس

لمشهد بالزكاء ملتحف * وبالسنى والسناء مأنوس

يا سيدي وابن سادتي ضحكت * وجوه دهري بعقب تعبيس

لما رأيت النواصب انقلبت * راياتها في ضمان تنكيس

صدعت بالحق في ولائكم * والحق مذ كان غير مبخوس

يا ابن النبي الذي [به] قصم ال * له ظهور الجبابر الشوس

وابن الوصي الذي تقدم في ال * فضل على البزل القناعيس

ص 838

وحائز الفضل غير منتقص * ولابس المجد غير تلبيس

إن بني النصب كاليهود وقد * يخلط تهويدهم بتمجيس

كم دفنوا في القبور من نجس * أولى به الطرح في النواويس

أنتم حبال اليقين أعلقها * ما وصل العمر حبل تنفيس

ما زال عن عقد حبكم أحد * غير تهيم النصاب مدسوس

إذا تأملت شؤم جبهته * وجدت فيها أشراك إبليس

كم فرقة فيكم تكفرني * ذللت هاماتها بفطيس

قمعتها بالحجاج فانخزلت * تجفل عني كطير منحوس

عالمهم عند ما أباحثه * في جلد ثور أو مسك جاموس

لم يعلموا - والأذان يرفعكم - * صوت أذان أو قرع ناقوس

إن ابن عباد استجار بكم * فما يخاف الليوث في الخيس

كونوا أيا سادتي وسائله * يفسح له الله في الفراديس

كم مدحة فيكم يحبرها * كأنها حلة الطواويس

وهذه كم يقول قارئها * قد نثر الدر في الفراطيس

يملك رق القريض قائلها * ملك سليمان صرح بلقيس

بلغه الله ما يؤمله * حتى يحل الرحال في طوس

وقال أيضا: يا ساريا قد نهضا * مبتدرا أو ركضا

وقد مضى كأنه ال - * برق إذا ما ومضا

أبلغ سلامي راكبا * بطوس مولاي الرضا

سبط النبي المصطفى * وابن الوصي المرتضى

من شاد عزا أقعسا * وحاز فخرا أبيضا

وقل له من مخلص * يرى الولا مفترضا

ص 839

في الصدر لفح حرقة * تترك نفسي حرضا

من ناصبين غادروا * قلب الموالي ممرضا

وخلفوه واجبا * مكتئبا قد أرمضا

صرحت عنهم معرضا * ولم أكن معرضا

نابذتهم ولم أبل * إن قيل قد ترفضا

يا حبذا رفضي لمن * نابذكم وأبغضا

ولو قدرت زرته * ولو على جمر الغضا

لكنني معتقل * بقيد خطب عرضا

جعلت مدحي بدلا * من قصده وعوضا

 أمانة موردة * على الرضا لترتضى

رام ابن عباد بها * شفاعة لن تدحضا

اسمه الشريف ونسبه وميلاده ووفاته

تقدم ما يدل عليه عن العامة في ج 12 ص 344 وج 19 ص 53 وج 28 ص 593، ونستدرك هيهنا عن الكتب التي لم نرو عنها فيما سبق. رواه جماعة: منهم أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد ابن الجوزي المتوفى سنة 597 ه في (المنتظم في تاريخ الملوك والأمم) (ج 10 ص 119 ط دار الكتب العلمية بيروت) قال: علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام أبو الحسن الرضي. سمع أباه، وعمومته، وغيرهم، وكان يفتي في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن نيف وعشرين سنة. ومنهم الشريف أبو الحسن علي الحسني الندوي في (المرتضى - سيرة سيدنا أبي الحسن علي بن أبي طالب) (ط دار القلم دمشق) قال:

ص 840

وأبو الحسن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق جعله المأمون ولي عهده، كانت ولادته في بعض شهور سنة ثلاث وخمسين ومائة، وتوفي في آخر يوم من صفر سنة اثنتين ومائتين، صلى عليه المأمون ودفنه ملاصق قبر أبيه الرشيد. ومنهم العلامة شيخ الإسلام الشيخ إبراهيم بن محمد الجويني الخراساني في (فرائد السمطين) (ج 2 ص 199 ط بيروت) قال: أخبرنا أبو عمرو عثمان بن الموفق الأذكاني بروايته عن المؤيد محمد بن علي المقرئ إجازة بروايته، عن أبي القاسم زاهر بن طاهر الشحامي إجازة قال: أنبأنا المشايخ الأربعة: أبو بكر أحمد بن الحسين بن محمد البيهقي، وأبو بكر محمد بن عبد العزيز الحيري، وأبو عثمان سعيد بن أحمد بن محمد البحيري، وإسماعيل بن عبد الرحمان الصابوني، قالوا: أنبأنا الإمام أبو عبد الله محمد بن عبد الله البيع الحاكم رحمه الله سماعا عليه أنه قال في تاريخه: علي بن موسى أبو الحسن ورد نيسابور سنة مأتين، سمع أباه وعمومته إسماعيل وعبد الله وإسحاق وعليا بني جعفر بن محمد، وعبد الرحمان بن أبي الموالي القرشي. وكان يفتي في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن نيف وعشرين سنة. روى عنه من أئمة الحديث المعلى بن منصور الرازي وآدم بن أبي أياس العسقلاني ومحمد بن أبي رافع القصري القشيري، ونصر بن علي الجهضمي وغيرهم. استشهد بسناباد من طوس في شهر رمضان سنة ثلاث ومأتين، وهو ابن تسع وأربعين سنة وستة أشهر.

من كراماته عليه السلام

ما رواه القوم: فمنهم العلامة يوسف بن إسماعيل النبهاني المتولد 1265 والمتوفى 1350 هـ في

 

الصفحة السابقة الصفحة التالية

شرح إحقاق الحق (ج33)

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب