الصفحة السابقة الصفحة التالية

شرح إحقاق الحق (ج33)

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب

 

ص 841

(جامع كرامات الأولياء) (ج 2 ص 311 ط مصطفى البابي وشركاه بمصر) قال: علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق أحد أكابر الأئمة ومصابيح الأمة، من أهل بيت النبوة ومعادن العلم والعرفان والكرم والفتوة. كان عظيم القدر مشهور الذكر. وله كرامات كثيرة: منها أنه أخبر أنه يأكل عنبا ورمانا فيموت فكان كذلك. ومنها: أنه قال لرجل صحيح سليم: استعد لما لا بد منه، فمات بعد ثلاثة أيام. رواه الحاكم. ومنها: ما رواه الحاكم أيضا عن محمد بن عيسى بن أبي حبيب قال: رأيت المصطفى صلى الله عليه وسلم في النوم في المنزل الذي ينزله الحاج ببلدنا، فوجدت عنده طبقا من خوص فيه تمر صيحاني، فناولني ثمان عشرة تمرة، فبعد عشرين يوما قدم علي الرضا من المدينة ونزل ذلك المنزل، وهرع الناس للسلام عليه، ومضيت نحوه، فإذا هو جالس بالموضع الذي رأيت المصطفى صلى الله عليه وسلم قاعدا فيه وبين يديه طبق فيه تمر صيحاني فناولني قبضة فإذا عدتها بعدد ما ناولني المصطفى صلى الله عليه وسلم، فقلت زدني، فقال: لو زادك رسول الله صلى الله عليه وسلم لزدناك. قاله المناوي. وقال الشيخ عبد الله الشبراوي في كتابه الاتحاف بحب الأشراف في ترجمة علي الرضا رضي الله عنه: وكانت مناقبه علية وصفاته سنية، ونفسه الشريفة هاشمية، وأرومته الكريمة نبوية، وكراماته أكثر من أن تحصر وأشهر من أن تذكر. منها: أنه لما جعله المأمون ولي عهده من بعده، كان من حاشية المأمون أناس قد كرهوا ذلك وخافوا من خروج الخلافة عن بني العباس وعودها إلى بني فاطمة رضي الله عنها فحصل عندهم من علي الرضا بن موسى الكاظم نفور وكان عادة الرضا إذا جاء إلى دار المأمون ليدخل عليه بادر من في الدهليز من الحجاب وأهل النوبة من الخدم والحشم بالقيام له والسلام عليه، ويرفعون له الستور حتى يدخل، فلما حصل لهم هذه النفرة وتفاوضوا في أمر هذه القضية ودخل في قلوبهم منها شيء، قالوا فيما

ص 842

بينهم: إذا جاء يدخل على الخليفة بعد اليوم نعرض عنه ولا نرفع له الستر واتفقوا على ذلك، فبينما هم جلوس إذ جاء الرضا على جري عادته، فلم يملكوا أنفسهم أن قاموا له وسلموا عليه ورفعوا له الستر على عادتهم، فلما دخل أقبل بعضهم على بعض يتلاومون في كونهم ما فعلوا ما اتفقوا عليه وقالوا: الكرة الآتية إذا جاء لا نرفعه له، فلما كان اليوم الثاني وجاء الرضا على عادته قاموا فسلموا عليه ولم يرفعوا الستر، فجاءت ريح شديدة فدخلت في الستر ورفعته له حين دخل وخرج، فأقبل بعضهم على بعض وقالوا: إن لهذا الرجل عند الله منزلة وله منه عناية، انظروا إلى الريح كيف جاءت ورفعت له الستر عند دخوله وعند خروجه من الجهتين، ارجعوا إلى ما كنتم عليه من خدمته. وعن صفوان بن يحيى قال: لما مضى موسى الكاظم وقام ولده أبو الحسن من بعده وتكلم خفنا عليه من ذلك وقلنا له: إنك أظهرت أمرا عظيما وإنا نخاف عليك منه، يعني هارون. قال: ليجهدن جهده فلا سبيل له علي. وعن مسافر قال: كنت مع أبي الحسن علي الرضا بمنى، فمر يحيى بن خالد البرمكي وهو مغط وجهه بمنديل من الغبار فقال: مساكين هؤلاء ما يدرون ما يحل بهم في هذه السنة، فكان من أمرهم ما كان، قال: وأعجبت من هذا أني أنا وهارون كهاتين، وضم أصبعيه السبابة والوسطى. قال مسافر: فوالله ما عرفت معنى حديثه في هارون إلا بعد موت الرضا ودفنه بجانبه. وعن موسى بن مروان قال: رأيت علي الرضا بن موسى في مسجد المدينة وهارون الرشيد يخطب، قال: تروني وإياه ندفن في بيت واحد. وعن حمزة بن جعفر الأرجاني قال: خرج هارون الرشيد من المسجد الحرام من باب وخرج علي الرضا عليه السلام من باب فقال الرضا عليه السلام وهو يعني هارون: يا بعد الدار وقرب الملتقى إن طوس ستجمعني وإياه. ومن ذلك ما روي عن بكر بن صالح قال: أتيت الرضا عليه السلام فقلت: امرأتي

ص 843

أخت محمد بن سنان وكان من خواص شيعتكم وبها حمل فادع الله أن يجعله ذكرا قال عليه السلام: هما اثنان فإذا ولدت سم واحدا محمد والأخرى أم عمرو فعدت إلى الكوفة فولدت لي غلاما وجارية فسميت الذكر محمدا والأنثى أم عمرو، كما أمرني وقلت لأمي: ما معنى أم عمرو؟ قالت: كانت جدتي تسمى أم عمرو، وعن الحسن بن موسى قال: كنا حول أبي الحسن علي الرضا بن موسى عليهما السلام ونحن شباب من بني هاشم فمر علينا جعفر بن عمر العلوي وهو رث الهيئة فنظر بعضنا إلى بعض نظر مستزر لهيئته وحالته فقال الرضا عليه السلام: سترونه عن قريب كثر المال كثير الخدم حسن الهيئة فما مضى إلا شهر واحد حتى ولي أمر المدينة وحسنت حالته وكان يمر بنا وحوله الخدم والحشم يسيرون بين يديه فنقوم ونعظمه وندعو له. وعن الحسين بن يسارة قال: قال لي علي الرضا عليه السلام: إن عبد الله يقتل محمدا فقلت: عبد الله بن هارون يقتل محمد بن هارون؟ قال: نعم وقد وقع ذلك. ومنهم المحدث شيخ الإسلام إبراهيم بن محمد بن المؤيد الجويني الخراساني في (فرائد السمطين) (ج 2 ص 208 ط بيروت) قال: قال الحاكم: ومن كرامات أولياء الله التي شاهدوا لعلي بن موسى الرضا صلوات الله عليه أولها ما قدمنا ذكره من تمزيق الصورتين بطن حميد بن مهران في مجلس المأمون. ثم قال الحاكم: ولقد حدثني علي بن محمد بن يحيى الواعظ، قال: حدثنا أبو الفضل ابن أبي نصر الحافظ، قال: قرأت في كتاب عيسى بن مريم العماني: أن موسى ابن جعفر أوصى إلى ابنه علي بن موسى ويكنى أبا الحسن ويلقب بالرضا، وأمه تكتم النوبية. وكان سني إمامته بقية ملك الرشيد، ثم محمد بن زبيدة وهو الأمين، ثم المأمون. ثم إن المأمون في صدر ملكه أخذ البيعة لعلي بن موسى الرضا بعهد ولايته لأمور المسلمين - بعد رضاه بذلك - فقيل له ما تقول؟ فقال: والله لا أفعل وإني

ص 844

والرشيد كهاتين - وحرك إصبعيه الوسطى والسبابة - فما علم معنى قوله: أنا والرشيد كهاتين حتى دفن بجنبه فصار قبراهما واحد بجنب الآخر. فلما كان يوم من الأيام دخل علي الرضا على المأمون وعنده زينب الكذابة التي كانت تزعم أنها ابنة علي ابن أبي طالب وأن عليا دعا لها بالبقاء إلى يوم الساعة. فقال المأمون لعلي: سلم على أختك. فقال: والله ما هي أختي ولا ولدها علي بن أبي طالب. فقالت زينب: والله ما هو أخي ولا ولده علي بن أبي طالب. فقال المأمون: ما مصداق قولك هذا؟ قال: إنا أهل البيت لحومنا محرمة على السباع فاطرحها إلى السباع، فإن تك صادقة فإن السباع تغب لحمها قالت زينب: ابدأ بالشيخ. فقال: المأمون: لقد أنصفت. قال الرضا: أجل ففتحت بركة السباع وأضربت فنزل الرضا إليها، فلما أن رأته بصبصت وأومأت إليه بالسجود فصلى ما بينها ركعتين وخرج منها، فأمر المأمون زينب لتنزل وامتنعت فطرحت إلى السباع فأكلتها. فحسد المأمون علي الرضا على ذلك. وقال أيضا في ص 209: فلما كان بعد مدة دخل الرضا على المأمون فوجد فيه هما، فقال له: أرى فيك هما؟ فقال المأمون: نعم بالباب بدوي قد دفع إلي منه سبع شعرات يزعم أنهن من لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد طلب الجائزة، فإن يك صادقا ومنعته الجائرة قد بخست شرفي، وإن يك كاذبا فأعطه الجائزة فقد سخر بي وما أدريما أعمل؟ قال الرضا عليه السلام: علي بالشعر فلما رآه شمه قوال: هذه أربع من لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم وأما الباقي فليس من لحيته صلى الله عليه وسلم. فقال المأمون: ومن أين هذا؟ فقال: النار والشعر. فألقي الشعر في النار فاحترقت ثلاث شعرات، وبقيت الأربعة التي أخرجها علي بن موسى الرضا ولم يكن للنار عليها سبيل. فقال المأمون: علي بالبدوي. فلما مثل بين يديه أمر بضرب عنقه فقال البدوي: بماذا؟ فقال: تصدق عن الشعر. قال: أربعة من لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم وثلاث من لحيتي. فتمكن حسد المأمون في قلبه للرضا، فنفاه إلى طوس ثم سقاه سما فمات علي الرضا مسموما وقد كمل عمره ثمان

ص 845

وأربعون سنة، فدفن إلى جانب قبر الرشيد، فعلم قول علي: أنا والرشيد كهاتين. ولما صار إلى كرامة الله سبحانه وتعالى، صار ولي الله في أرضه ابنه محمد بن علي بوصية أبيه إليه، ولقبه: صاحب الذوابة. ويقال: التقي. وأمه ريحانة أم الحسين ومولده بالمدينة سنة سبعين ومأة من الهجرة. وقال أيضا في ص 210: قال الحاكم: وحدثني علي بن محمد بن يحيى المذكر قال: حدثنا محمد بن علي بن الحسين الفقيه قال: حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر، قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم، عن محمد بن عيسي، عن أبي حبيب البناجي أنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في المنام وقد وافى البناج ونزل في المسجد الذي ينزله الحاج في كل سنة، وكأني مضيت إليه ونزلت عنده وسلمت عليه ووقفت بين يديه، فوجدت عنده طبقا من خوص نخل المدينة فيه تمر صيحاني فكأنه قبض قبضة من ذلك التمر، فناولني فعددته فكان ثمانية عشر تمرة، فتأولت أنني أعيش بعدد كل تمرة سنة. فلما كان بعد عشرين يوما كنت في أرض تعمر بين يدي للزراعة إذ جاءني من أخبرني بقدوم أبي الحسن الرضا عليه السلام من المدينة ونزوله ذلك المسجد، فرأيت الناس يسعون إليه، فمضيت نحوه فإذا هو جالس في الموضع الذي كنت رأيت فيه النبي صلى الله عليه وسلم وتحته حصير مثل ما كان تحته، وبين يديه طبق فيه تمر صيحاني فسلمت عليه ورد علي السلام واستدناني فناولني قبضة من ذلك التمر، فعددته فإذا عدده مثل ذلك العدد الذي ناولني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت له: زدني منه يا ابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: لو زادك رسول الله صلى الله عليه وسلم لزدناك. كرامة أخرى، رواها في 211: وبالسند المتقدم عن الحاكم، عن محمد بن علي بن الحسين قال: وحدثنا محمد ابن موسى بن المتوكل، قال: حدثنا عبد الله بن جعفر الحميري، عن أحمد بن محمد ابن عيسى، عن سعد بن سعيد. عن أبي الحسن الرضا عليه السلام أنه نظر إلى رجل فقال له: يا عبد الله أوص بما تريد، واستعد لما

ص 846

لا بد منه وكأن قد قال: فمات بعد ذلك بثلاثة أيام. كرامة أخرى وهي استسقاؤه عليه السلام - رواها في 212 وقال: وبالإسناد المتقدم إلى الحاكم البيع رحمة الله عليه قال: رأيت في كتب أهل البيت عليهم السلام أن المأمون لما جعل علي بن موسى الرضا عليه السلام ولي عهده احتبس المطر فجعل بعض حاشية المأمون والمتعصبين على الرضا يقولون: انظروا ما جاءنا علي بن موسى الرضا؟! ولي عهدنا فحبس عنا المطر. واتصل ذلك بالمأمون واشتد عليه، فقال للرضا: قد احتبس عنا المطر، فلو دعوت الله تعالى أن يمطر الناس. قال الرضا: نعم. قال: فمتى نفعل ذلك؟ - وكان ذلك يوم الجمعة - فقال: يوم الاثنين فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاني البارحة في منامي ومعه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب فقال: يا بني انتظر يوم الاثنين فابرز فيه إلى الصحراء واستسق فإن الله عز وجل يسقيهم، وأخبرهم بما يريك الله مما لا يعلمون ليزداد علمهم بفضلك ومكانك من ربك عز وجل. فلما كان يوم الاثنين، غدا علي بن موسى الرضا إلى الصحراء، وخرج الخلائق ينظرون، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: اللهم يا رب أنت عظمت حقنا أهل البيت فتوسلوا بنا كما أمرت، وأملوا فضلك ورحمتك، وتوقعوا إحسانك ونعمتك، فاسقهم سقيا نافعا عاما غير ضار، وليكن ابتدأ مطرهم بعد انصرافهم من مشهدهم هذا إلى منازلهم ومقارهم. قال: فوالذي بعث محمدا نبيا لقد نسجت الرياح الغيوم وأرعدت وأبرقت وتحرك الناس كأنهم يريدون التنحي عن المطر، فقال الرضا: على رسلكم أيها الناس فليس هذا الغيم لكم إنما هو لأهل بلد كذا. فمضت السحابة وعبرت ثم جاءت سحابة أخرى تشتمل على رعد وبرق فتحركوا، فقال الرضا: على رسلكم فما هذه لكم إنما هو لبلد كذا. فما زالت حتى جاءت عشرة سحائب وعبرت ويقول علي بن موسى الرضا عليه السلام: على رسلكم ليست هذه لكم إنما هي لبلد كذا. ثم أقبلت سحابة حادية عشر فقال: يا أيها الناس هذه بعثها الله لكم فاشكروا الله على تفضله عليكم وقوموا إلى مقاركم

ص 847

ومنازلكم فإنها مسامتة لرؤسكم ممسكة عنكم إلى أن تدخلوا مقاركم ثم يأتيكم من الخير ما يليق بكرم الله عز وجل. ونزل الرضا عن المنبر وانصرف الناس، فما زالت السحابة ممسكة إلى أن قربوا من منازلهم ثم جاءت بوابل المطر فملأت الأودية والحياض والغدران والفلوات. فجعل الناس يقولون: هنيئا لولد رسول الله صلى الله عليه وسلم كرامات الله. ثم برز إليهم الرضا عليه السلام، وحضرت الجماعة الكثيرة منهم فقال: يا أيها الناس: اتقوا الله في نعم الله عليكم فلا تنفروها عنكم بمعاصيه، بل استديموها بطاعته وشكره على نعمه وأياديه، واعلموا أنكم لا تشكرون الله عز وجل بشيء بعد الإيمان بالله وبعد الاعتراف بحقوق أولياء الله من آل محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إليه من معاونتكم لإخوانكم المؤمنين على دنياهم التي هي معبر لهم تعبر بهم إلى جنان ربهم فإن من فعل ذلك كان من خاصة الله تعالى، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك قولا ينبغي للعاقل أن يزيد في فضل الله عليه فيه أن يأمله ويعمل عليه قيل: يا رسول الله هلك فلان يعمل من الذنوب كيت وكيت. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بل قد نجا، ولا يختم الله عمله إلا بالحسنى، وسيمحوا الله عنه السيئات ويبدلها له حسنات: إنه كان مرة يمر في طريق وعرض له مؤمن قد انكشفت عورته وهو لا يشعر، فسترها عليه ولم يخبره بها مخافة أن يخجل. ثم إن ذلك المؤمن عرفه في مهواة فقال له: أجزل الله لك الثواب، وأكرم لك المآب، ولا ناقشك الحساب. فهذا العبد لا يختم له إلا بخير بدعاء ذلك المؤمن فاتصل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا الرجل فتاب وأناب وأقبل على طاعة الله، فلم يأت عليه سبعة أيام حتى أغير على سرح المدينة، فوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم في أثرهم جماعة ذلك الرجل آخرهم واستشهد فيهم. فعظم الله تعالى البركة من البلاد بدعاء الرضا رضوان الله عليه. وقد كان للمأمون من يريد أن يكون ولي عهده دون الرضا، وحساد كانوا بحضرة المأمون للرضا عليه السلام، فقال للمأمون بعض أولئك: يا أمير المؤمنين أعيذك بالله أن يكون تاريخ الخلفاء في

ص 848

إخراجك هذا الشرف العميم والفخر العظيم من بيت ولد العباس إلى بيت ولد علي عليه السلام اعتب على نفسك وأهلك، جئت بهذا الساحر من ولد السحرة وقد كان خاملا فأظهرته ووضيعا فرفعته ومنسيا فذكرت به. ومستخفا به فنوهت به، قد ملأ الدنيا مخرقة وتشرفا بهذا المطر الوارد عند دعائه، ما أخوفني أن يخرج هذا الأمر عن ولد العباس إلى ولد علي، بل ما أخوفني أن يتوصل بسحره إلى إزالة نعمتك والتوثب على مملكتك، هل جنا أحد على نفسه وملكه مثل جنايتك؟!! فقال المأمون: قد كان هذا الرجل مستترا عنا يدعو إلى نفسه فأردنا أن نجعله ولي عهدنا ليكون دعاؤه إلينا، ولنعرف ما يخالفه والملك لنا، وليعتقد فيه المعترفون به أنه ليس مما ادعى في قليل ولا كثير، وأن هذا الأمر لنا من دونه، وقد خشينا إن تركناه على تلك الحالة أن ينفتق علينا منه ما لا نسده، ويأتي علينا ما لا نطيقه، والآن وإذ قد فعلنا به ما قد فعلنا، وأخطأنا في أمره ما أخطأنا وأشرفنا من الهلاك - بالتنويه به - على ما أشرفنا فليس يجوز التهاون في أمره، ولكنا نحتاج أن نضع منه قليلا قليلا حتى نصوره عند الرعايا بصورة من لا يستحق هذا الأمر ثم ندبر فيه بما يحسم عنا مواد بلائه. قال الرجل: يا أمير المؤمنين فولني مجادلته فإني أفحمه وأصحابه وأضع من قدره، فولا هيبتك في صدري لأنزلته منزلته وبينت للناس قصوره عما رشحته له. فقال المأمون: ما شيء أحب إلي من هذا. قال: فاجمع جماعة وجوه أهل مملكتك من القواد والقضاة وخيار الفقهاء لأبين نقصه بحضرتهم فيكون تأخيرك له عن محله الذي أحللته فيه على علم منهم بصواب فعلك. قال: فجمع المأمون الخلق الفاضلين من رعيته في مجلس واسع قعد فيه لهم وأقعد الرضا بين يديه في مرتبته التي جعلها له، فابتدأ الحاجب المتضمن للوضع عن الرضا، وقال له: إن الناس قد أكثروا عليك الحكايات وأسرفوا في وصفك، فما أرى أنك إن وقفت عليه إلا برئت منه، رأوك دعوت الله تعالى في المطر المعتاد مجيئه فجعلوه آية لك ومعجزة أوجبوا لك بها أن لا نظير لك في الدنيا!! وهذا أمير المؤمنين أدام الله ملكه لا يوازي بأحد إلا رجع به،

ص 849

وقد أحلك المحل الذي قد عرفت، فليس من حقه أن تسوغ للكذابين وعليه ما يكذبونه. فقال الرضا رضوان الله عليه: ما أدفع عباد الله عن التحدث بنعم الله علي وإن كنت لا أبغي أشرا ولا بطرا، وأما ذكرك صاحبك الذي أحلني فما أحلني إلا المحل الذي أحله ملك مصر يوسف الصديق عليه السلام، وكانت حالهما ما قد عرفت. فغضب الحاجب عند ذلك فقال: يا ابن موسى لقد عدوت طورك وتجاوزت قدرك أن بعث الله تعالى بمطر مقدور في وقته لا يتقدم ولا يتأخر وجعلته آية تستطيل بها، وصولة تصول بها كأنك جئت بمثل آية الخليل إبراهيم عليه السلام لما أخذ رؤوس الطير بيده ودعا أعضاءها التي كان فرقها على الجبال فأتته سعيا على الرؤوس وحففن وطرن بإذن الله تعالى. فإن كنت صادقا فيما توهم فأحي هاتين الصورتين وسلطهما علي فإن ذلك يكون حينئذ آية معجزة، فأما المطر المعتاد فلست أنت أحق بأن يكون جأ بدعوتك من غيرك الذي دعا كما دعوت!!! وكان الحاجب أشار إلى أسدين مصورين على مسند المأمون الذي كان مستندا إليه وكانا متقابلين على المسند. فغضب علي بن موسى عليه السلام وصاح بالصورتين: دونكما الفاجر فافترساه ولا تبقيا له عينا ولا أثرا. فوثب الصورتان - وقد عادتا أسدين - فتناولا الحاجب ورضضاه وتهشماه وأكلاه ولحسا دمه والقوم ينظرون متحيرين مما يبصرون. فلما فرغا منه أقبلا على الرضا عليه السلام فقالا: يا ولي الله في أرضه ماذا تأمرنا أن نفعل بهذا؟ - ويشيران إلى المأمون - فغشي على المأمون مما سمع منهما، فقال الرضا: قفا. فوقفا. ثم قال الرضا: صبوا عليه ماء ورد وطيبوه. ففعل ذلك به، وعاد الأسدان يقولان: أتأذن لنا أن نلحقه بصاحبه الذي أفنيناه؟ قال: لا فإن لله تعالى تدبيرا هو ممضيه. فقالا: بماذا تأمرنا؟ قال: عودا إلى مقركما كما كنتما. فعادا إلى المسند وصار صورتين كما كانتا. فقال المأمون: الحمد الله الذي كفاني شر حميد ابن مهران - يعني الرجل المفترس - ثم قال للرضا عليه السلام: هذا الأمر لجدكم صلى الله عليه وسلم ثم لكم فلو شئت لنزلت لك عنه.

ص 850

كرامة أخرى رواها في ص 217 وقال: أنبأني الشيخ محي الدين عبد الحميد بن أبي البركات الحربي، وأمين الدين أبو الفضل إسماعيل بن أبي عبد الله بن حماد العسقلاني، قالا: أنبأنا أبو أحمد عبد الوهاب بن علي بن علي إجازة، أنبأنا زاهر بن طاهر بن محمد المستملي إجازة، قال: أنبأنا أبو بكر الحسين بن علي، أنبأنا محمد بن عبد الله الحافظ، قال: سمعت أبا القاسم ابن علي المعمري يقول: سمعت أبي يقول: سمعت أبا النضر المؤذن النيسابوري يقول: أصابتني علة شديدة ثقل فيها لساني فلم أقدر منها على الكلام فخطر ببالي زيارة الرضا عليه السلام والدعاء عنده والتوسل به إلى الله تعالى ليعافني فخرجت زائرا وزرت الرضا وقمت عند رأسه وصليت ركعتين، وكنت في الدعاء والتضرع مستشفعا صاحب القبر إلى الله عز وجل أن يعافني من علتي ويحل عقدة لساني إذ ذهب بي النوم في سجودي، فرأيت في منامي كأن القمر قد انفرج فخرج منه رجل آدم كهل شديد الأدمة، فدنا مني فقال: يا أبا النضر قل: لا إله إلا الله قال: فأومأت إليه كيف أقول ذلك ولساني منغلق؟ فصاح علي صيحة وقال: تنكر لله القدرة؟ قال: لا إله إلا الله قال: فانطلق لساني فقلت: لا إله إلا الله ورجعت إلى منزلي راجلا وكنت أقول: لا إله إلا الله ولم ينغلق لساني بعد ذلك. كرامة قبره الشريف - رواها في ص 219: وبالسند المتقدم عن الحاكم عن علي بن محمد بن يحيى قال أبو الفضل بن أبي نصر الصوفي: سمعت زيد الفارسي يقول: كنت بمرو الرود منقرسا مدة سنتين لا أقدر أن أقوم قائما ولا أن أصلي قائما، فأريت في المنام: ألا تمر بقبر الرضا وتمسح رجليك به وتدعو الله تعالى عند القبر حتى يذهب ما بك؟ قال: فاكتريت دابة وجئت إلى طوس ومسحت رجلي بالقبر ودعوت الله عز وجل فذهب عني ذلك النقرس والوجع فأنا هاهنا منذ سنتين وما نقرست. وبه قال الحاكم: سمعت أبا الحسن بن أبي منصور العلوي يقول: سمعت عمي أبا

ص 851

محمد يقول: سمعت أبا نصر بن أبي الفضل بن محمد يقول: سمعت حاجب حمويه ابن علي يقول: كنت مع حمويه ببلخ فركب يوما وأنا معه فبينا نحن في سوق بلخ إذ رأى حمويه رجلا فوكل به وقال: احملوه إلى الباب ثم عند انصرافه أمر بإحضار حمار فاره وسفرة وجبنة ومأتي درهم، فلما احضر قال: هاتوا الرجل. فجئ به فلما وقف بين يديه قال: قد صفعتني صفعة وأنا أقتصها منك اليوم؟! أتذكر اليوم الذي زرنا جميعا قبر الرضا رضي الله عنه فدعوت أنت وقلت: اللهم ارزقني حمارا ومأتي درهم وسفرة فيها جبنة وخبزة. وقلت أنا: اللهم ارزقني قيادة خراسان. فصفعتني وقلت: لا تسأل ما لا يكون. فآلان قد بلغني الله عز وجل مأمولي وبلغك مأمولك، والصفعة لي عليك. ومنها ا رواه في ص 220: وبه قال الحاكم: سمعت أبا الحسين محمد بن علي بن سهل الفقيه يقول: ما عرض لي مهم من أمر الدين والدنيا فقصدت قبر الرضا لتلك الحاجة، ودعوت عند القبر إلا قضيت لي تلك الحاجة، وفرج الله عني ذلك المهم. ثم قال أبو الحسن رحمه الله: وقد صارت إلي هذه العادة أن أخرج إلى ذلك المشهد في جميع ما يعرض لي فإنه عندي مجرب. قال الحاكم رحمه الله: وقد عرفني الله من كرامات التربة خير كرامة، منها: أني كنت متقرسا لا أتحرك إلا بجهد فخرجت وزرت وانصرفت إلى نوقان بخفين من كرابيس فأصبحت من الغد بنوقان وقد ذهب ذلك الوجع وانصرفت سالما إلى نيسابور. وبه قال الحاكم: سمعت أبا الحسين بن أبي بكر الفقيه يقول: قد أجاب الله لي في كل دعوة دعوته بها عند مشهد الرضا، حتى إني دعوت الله أن يرزقني ولدا فرزقت ولدا بعد الآياس منه. من كرامات قبره الشريف - رواه في ص 196 وقال: وبه عن الحاكم قال: حدثني علي بن محمد بن يحيى المذكر قال: حدثني محمد ابن علي بن الحسين الفقيه قال: حدثنا محمد بن أبي القاسم التميمي، قال: سمعت أبا الحسن علي بن الحسن القهستاني يقول: كنت بمرو الرود، فلقيت بها رجلا من

ص 852

أهل مصر مجتازا اسمه حمزة، وقد ذكر أنه خرج من مصر زائرا لمشهد الرضا عليه السلام بطوس، وذكر أنه لما دخل المشهد كان قرب غروب الشمس فزار الامام وصلى ولم يكن في ذلك اليوم زائر غيره، فلما صلى العتمة أراد خادم القبر أن يخرجه أو يغلق عليه الباب، فسأله أن يغلق عليه الباب ويدعه في المسجد ليصلي فيه - فإنه جاء من بلد شاسع - ولا يخرجه فإنه لا حاجة له في الخروج. فتركه وغلق عليه الباب، فإنه كان يصلي وحده إلى أن أعيا، فجلس ووضع رأسه على ركبتيه ليستريح ساعة، فلما رفع رأسه رأس في الجدار مواجه وجهه رقعة عليها هذا البيتان: من سره أن يرى قبرا برؤيته * يفرج الله عمن زاره كربه فليأت ذا القبر إن الله أسكنه * سلاة من رسول الله منتجبه قال: فقمت وأخذت في الصلاة إلى وقت السحر، ثم جلست كجلستي الأولى ووضعت رأسي على ركبتي، فلما رفعت رأسي لم أر على الجدار شيئا. وكان الذي رآه مكتوبا رطبا كأنه كتب في تلك الساعة. قال: فانفلق الصبح وفتح الباب وخرج من هناك. أورد الإمام شهاب الدين أبو سعيد عبد الملك بن سعد بن عمرو بن محمد بن عمر بن إبراهيم رحمه الله في مصنفه الموسوم بكتاب نزهة الأخيار، أنه سمع من الشيخ الزكي أبي الفتوح محمد بن عبد الكريم بن منصور بن غلان، قال: سمعت الشيخ أبا الحسن محمد بن القاسم الفارسي بنيسابور، قال: كنت أنكر على من قصد المشهد بطوس للزيارة!!! وأصررت على هذا الانكار، فأتفق أني رأيت ليلة فيما يرى النائم كأني كنت بطوس في المشهد ورأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قائما وراء صندوق القبر يصلي فسمعت هاتفا من فوق وهو ينشد ويقول: من سره أن يرى قبرا برؤيته * يفرج الله عمن زاره كربه فليأت ذا القبر إن الله أسكنه * سلالة من رسول الله منتجبة وكان يشير في الخطاب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: فاستيقظت

ص 853

من نومي كأني غريق في العرق فناديت غلامي يسرج دابتي في الحال فركبتها وقصدت الزيارة وتعودت في كل سنة مرتين. قلت: أروي هذه الرؤيا وجميع مرويات السلار أبي الحسن مكي بن منصور بن علان الكرجي، عن الشيخ محي الدين عبد المحي بن أبي البركات الحربي إجازة بروايته عن الإمام مجد الدين يحيى بن الربيع بن سليمان بن حراز الواسطي إجازة عن أبي زرعة طاهر من محمد بن طاهر بن علي المقدسي، عنه إجازة. ولقد أنشدنا الإمام الفاضل الحسن الأخلاق والشمائل فخر الدين هبة الله بن محمد بن محمود الأديب الجندي رحمه الله تعالى لنفسه بالمشهد المقدس الرضوي على مشرفه السلام في زيارتنا الأولى لها جعلها الله مبرورة، وفي صحائف الأعمال المقبولة مسطورة: أيا من مناه رضى ربه * تهيأ وإن منكر الحسن لام فزر مشهدا للإمام الرضا * علي بن موسى عليه السلام وبه أي بالسند المتقدم في أول الباب: (40) تحت الرقم: (467) عن الحاكم الإمام أبي عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ، قال: سمعت أبا بكر محمد بن المؤمل ابن الحسين بن عيسى يقول: خرجنا مع إمام أهل الحديث أبي بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة - وعديله في العمارية أبو علي الثقفي وجماعة من مشايخنا وهم إذ ذاك متوافرون - إلى المشهد لزيارة قبر علي بن موسى الرضا رضي الله عنه، فرأيت من تعظيمه لتلك التربة وتواضعه لها، وتضرعه عند الوصول إليها ما تحيرنا فيه، وذلك بمشهد من عدة من آل السلطان وآل شاذان ابن نعيم وآل الشنقشين، وبحضرة جماعة من العلوية من أهل نيسابور وهرات وطوس وسرخس، فدونوا شمائل أبي بكر محمد بن إسحاق عند الزيارة، وفرحوا وتصدقوا شكرا لله على ما ظهر من إمام العلماء عند ذلك الإمام والمشهد، وقالوا بأجمعهم: لو لم يعلم هذا الإمام أنه سنة وفضيلة لما فعل هذا، قال: ثم انصرفنا من الزيارة في ربيع الآخر سنة تسع وثلاث ومأة.

ص 854

أخبار رسول الله صلى الله عليه وآله عن شهادته وعن ثواب زيارة قبره الشريف - رواه في ص 188 - وقال: أخبرنا الإمام العالم محمد بن أبي القاسم إجازة، قال: أخبرني الشيخ عز الدين محمد بن عبد الرحمان بن معالي الوابيني، قال: أنبأنا زاهر بن طاهر الشحامي قال: أنبأنا الحافظ أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي، قال: أنبأنا الحاكم الحافظ البيع رحمه الله، قال: حدثنا أبو سعيد أحمد بن محمد بن عمرو الأحمسي بالكوفة، قال: أنبأنا الحسين بن حميد بن الربيع، قال: سمعت أبي يقول: استشهد علي بن موسى الرضا بخراسان بطوس، بقرية يقال لها: سناباد في شهر رمضان سنة ثلاث ومأتين. وبالسند المتقدم قال الحاكم: أنبأنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن أحمد العبسي، قال: حدثنا محمد بن زكريا الغلابي، قال: حدثنا جعفر بن محمد - يعني ابن عمار - عن أبيه، عن جعفر بن محمد الصادق رضي الله عنه، عن أبيه محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه، عن علي عليهم السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ستدفن بضعة مني بخراسان، لا يزورها مؤمن إلا أوجب الله له الجنة وحرم جسده على النار. وقال أيضا في ص 190: أنبأني الشيخ كمال الدين علي بن محمد بن محمد بن محمد بن وضاح الشهرياني، أنبأنا مؤرخ بغداد الإمام محب الدين محمد بن محمود بن الحسين بن النجار إجازة، قال: أنبأنا الإمام أبو الفتوح ناصر بن أبي المكارم المطرزي إجازة، أنبأنا الإمام أخطب خوارزم أبو المؤيد الموفق بن أحمد المكي، ثم الخوارزمي، قال: أخبرني الشيخ الزاهد الحافظ أبو الحسن علي بن أحمد العاصمي الخوارزمي، قال: أنبأنا الإمام شيخ القضاة إسماعيل بن أحمد الواعظ رحمه الله، قال: أنبأنا الإمام أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي، قال: أنبأنا الحاكم أبو عبد الله محمد بن عبد الله البيع الحافظ رحمه الله، قال: أخبرني علي بن محمد بن موسى الواعظ، قال: حدثنا أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين الرازي عن أحمد بن زياد بن جعفر

ص 855

الهمداني قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم، قال: حدثنا محمد بن عيسى بن عبيد، قال: حدثنا محمد بن سليمان المصري عن أبيه عن إبراهيم بن أبي حجر الأسلمي، عن قبيصة عن جابر بن يزيد الجعفري قال: سمعت وارث علم الأنبياء أبا جعفر محمد بن علي ابن الحسين بن علي بن أبي طالب يقول: حدثني سيد العابدين علي بن الحسين، عن سيد الشهداء الحسين بن علي، عن سيد الأوصياء علي بن أبي طالب عليه السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ستدفن بضعة مني بأرض خراسان، ما زارها مكروب إلا نفس الله كربته، ولا مذنب إلا غفر الله ذنوبه. حديث آخر في إخباره صلى الله عليه وآله في المنام وكلام نفسه عليه السلام في ثواب زيارته عليه السلام - رواه في ص 191 وقال: وبه يعني بالسند المتقدم عن الحاكم البيع، قال: حدثنا أبو الحسين أحمد بن جعفر بن البزار العلوي بالكوفة قال: حدثنا أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد الحافظ، قال: حدثنا علي بن الحسين بن علي بن فضال قال: حدثنا أبي، قال: سمعت علي بن موسى الرضا وجاءه رجل فقال له: يا ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأيت رسول الله في المنام كأنه يقول لي: كيف أنتم إذا دفن في أرضكم بعضي واستحفظتم وديعتي وغيب في ثراكم نجمي؟ فقال الرضا عليه السلام: أنا المدفون في أرضكم وأنا بضعة من نبيكم، وأنا الوديعة والنجم. ومن زارني وهو يعرف ما أوجب الله من حقي وطاعتي فأنا وآبائي شفعاؤه يوم القيامة، ومن كنا شفعاؤه نجا ولو كان عليه مثل وزر الثقلين: الجن والإنس. ولقد حدثني أبي عن أبيه، عن آبائه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من رآني في منامه فقد رآني فإن الشيطان لا يتمثل في صورتي ولا في صورة واحد من أوصيائي، وإن الرؤيا الصادقة جز من سبعين جز من النبوة. إخبار نفسه عليه السلام عن شهادته بأرض غربة - رواه في ص 192 وقال: وبه عن الحاكم البيع النيسابوري قال: حدثني أبو سعيد أحمد بن عمرو بن رميح

ص 856

الحافظ، قال: حدثنا أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد الحافظ، قال: حدثنا علي ابن الحسين بن فضال، عن أبيه، قال: سمعت أبا الحسن علي بن موسى الرضا يقول: إني مقتول مسموم مدفون بأرض غربة، أعلم ذلك بعهد عهده إلي أبي عن أبيه عن آبائه، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا فمن زارني في غربتي كنت أنا وآبائي شفعاؤه يوم القيامة، ومن كنا شفعاؤه نجا لو كان عليه مثل وزر الثقلين. إخباره في ثواب زيارته عليه السلام في ص 195 وقال: وبه قال الحاكم: أخبرني أبو القاسم بن أبي سعيد الصيدلاني، قال: حدثنا محمد ابن علي بن الحسين الرازي قال: حدثنا علي بن أحمد بن عمران الدقاق، قال: حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي، عن أحمد بن محمد بن صالح الرازي عن حمدان الديواني رضي الله عنه قال: قال الرضا رضي الله عنه: من زارني على بعد داري أتيته يوم القيامة في ثلاثة مواطن حتى أخلصه من أهوالها: إذا تطايرت الكتب يمينا وشمالا، وعند الصراط، وعند الميزان. إخبار أبي جعفر الجواد عن ثواب زيارة قبر أبيه عليه السلام. وبه عن الحاكم قال: حدثنا أبو القاسم بن أبي سعيد الصيدلاني، قال: أخبرني علي بن أحمد البيع، قال: حدثني أبي، قال: حدثني سعيد بن عبد الله عن أيوب بن نوح قال: سمعت أبا جعفر محمد بن علي بن موسى يقول: من زار قبر أبي بطوس غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وإذا كان يوم القيامة ينصب له منبرا بحذاء منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يفرغ الله من حساب عباده. إخبار الإمام علي الهادي عن ثواب زيارة قبر جده الرضا عليهما السلام - رواه في ص 193 وقال: وبه عن الحاكم، قال: أخبرني أبو القاسم بن أبي سعيد الصيدلاني قال: حدثنا محمد بن علي بن الحسين الرازي قال: حدثنا أحمد بن علي بن إبراهيم بن هاشم، قال: حدثني أبي، عن جدي، عن الصقر بن دلف قال: سمعت علي بن

ص 857

محمد بن علي الرضا، يقول: من كانت له إلى الله حاجة فليزر قبر جدي الرضا بطوس وهو على غسل وليصل عند رأسه ركعتين ويسأل الله تعالى حاجته في قنوته فإنه يستجاب له ما لم يسأله في مأثم أو قطيعة رحم. وإن موضع قبره لبقعة من بقاع الجنة، لا يزورها مؤمن إلا أعتقه الله من النار وأدخله دار القرار. إخبار الإمام الكاظم عليه السلام عن ثواب زيارة تربة ابنه الرضا عليه السلام - رواه في ص 194 وقال: وبالسند المتقدم عن الحاكم عن محمد بن علي بن الحسين الرازي قال: وحدثنا جعفر بن محمد بن مسرور، قال: حدثنا الحسين بن محمد بن عامر، عن عمه عبد الله ابن عامر عن سليمان بن حفص المروزي، قال: سمعت أبا الحسن موسى بن جعفر يقول: من زار قبر ولدي علي كان له عند الله سبعين حجة ثم قال: ورب حجة لا تقبل. من زاره أو بات عنده ليلة كان كمن زار أهل السماوات وإذا كان يوم القيامة وجد معنا زوار أئمتنا أهل البيت وأعلاهم درجة وأقربهم حياة زوار ولدي علي.

ومن كلامه عليه السلام

ما رواه جماعة: فمنهم شيخ الإسلام الشيخ إبراهيم بن محمد بن مؤيد بن عبد الله الجويني الخراساني في (فرائد السمطين) (ج 2 ص 221 ط بيروت) قال: أنبأني الشيخ عبد الرحيم بن محمد بن أحمد بن فارس بن الزجاج الثعلبي أنبأنا القاضي جمال الدين عبد الصمد بن محمد بن أبي الفضل، أنبأنا محمد بن الفضل أبو عبد الله وأبو القاسم زاهر بن طاهر إجازة، قالا: أخبرنا الحافظ أبو بكر أحمد بن الحسين إجازة، قال: أخبرنا الحاكم محمد بن عبد الله البيع، قال: حدثني محمد بن علي الحافظ الواعظ، قال: حدثنا محمد بن علي بن الحسين الفقيه قال: حدثنا أبي قال: حدثنا أحمد بن إدريس، قال: حدثنا محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران

ص 858

الأشعري، قال: حدثنا سهل بن زياد: عن الحارث بن الدلهاث مولى الرضا، قال: سمعت الرضا عليه السلام يقول: لا يكون المؤمن مؤمنا حتى يكون فيه ثلاث خصال: سنة من ربه، وسنة من نبيه وسنة من وليه. فأما السنة من ربه فكتمان سره، قال الله تعالى: (عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول) [الجن: 76]. وأما السنة من نبيه فمداراة الناس فإن الله عز وجل أمر نبيه بمداراة الناس فقال: (خذ العفو وأمر بالمعروف وأعرض عن الجاهلين) [الأعراف: 199]. وأما السنة من وليه فالصبر على البأساء والضراء، قال الله تعالى: (والصابرين في البأساء والضراء) [البقرة: 177]. وبالسند المتقدم قال الحاكم: حدثني محمد بن علي الحافظ، قال: حدثني محمد ابن علي بن الحسين قال: حدثني أبي عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن السياري، عن الحارث بن الدلهاث، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام، قال: إن الله عز وجل أمر بثلاثة، مقرون بها ثلاثة أخرى: أمر بالصلاة والزكاة، فمن صلى ولم يزك لم تقبل منه صلاته، وأمر بالشكر له وللوالدين فمن لم يشكر والديه لم يشكر الله عز وجل. وأمر باتقاء الله عز وجل وصلة الرحم فمن لم يصل رحمه لم يتق الله تعالى. وبالسند السالف قال الحاكم: حدثني محمد بن علي، قال: حدثني محمد بن علي بن الحسين الفقيه قال: وحدثنا علي بن أحمد الدقاق، قال: حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي، عن أحمد بن محمد بن صالح الخواري، عن حمدان الديراني، قال: قال الرضا عليه السلام: صديق كل امرئ عقله، وعدوه جهله. وبالسند المتقدم قال الحاكم: حدثني محمد بن علي قال: حدثني محمد بن علي الفقيه، قال: حدثنا أبي قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم قال: حدثنا ياسر الخادم: عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: السخي يأكل من طعام الناس ليأكلوا من طعامه. وبالسند السابق قال الحاكم: حدثنا محمد بن علي الحافظ، قال: حدثنا محمد بن

ص 859

علي الفقيه قال: وحدثنا أبي، قال: حدثني سعد بن عبد الله، عن محمد بن الحسين ابن أبي الخطاب، عن محمد بن أبي الفضل [كذا]: عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: الصلاة قربان كل تقي. وبالسند المتقدم قال الحاكم: حدثنا محمد بن علي، قال: حدثنا محمد بن علي قال: وحدثنا أبي، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن علي الوشاء، قال: سمعت الرضا عليه السلام يقول: أقرب ما يكون العبد من الله سبحانه تعالى وهو ساجد، وذلك قوله عز اسمه: (واسجد واقترب). قال الوشاء: وسمعت الرضا يقول: إذا نام العبد وهو ساجد، قال الله سبحانه للملائكة: انظروا إلى عبدي قبضت روحه وهو في طاعتي. وبالسند المتقدم قال الحاكم: وحدثني أبو القاسم بن أبي سعيد، قال: حدثنا أبي رحمه الله، قال: حدثنا الحسين بن أحمد القاضي، قال: حدثنا محمد بن يحيى قال: حدثنا أبو ذكوان، قال: حدثنا إبراهيم بن العباس، قال: كان الرضا رضي الله عنه ينشد كثيرا:

إذا كنت في خير فلا تغترر به * ولكن قل: اللهم سلم وتمم

وبالسند المتقدم، قال: حدثنا الحاكم، قال: سمعت علي بن محمد المعاذي يقول: سمعت أبا محمد يقول: سمعت يحيى بن يحيى العلوي العالم العابد يقول: سمعت عمي أبا الحسن علي بن محمد بن قتيبة النيسابوري يقول: سمعت الفضل ابن شاذان، يقول: سمعت علي بن موسى الرضا رضي الله عنه ينشد:

أعذر أخاك على ذنوبه * واستر وغض على عيوبه

واصبر على ثلب السفيه * وللزمان على خطوبه

ودع الجواب تفضلا * وكل الظلوم إلى حسيبه

ص 860

كلامه عليه السلام في التفسير

رواه جماعة: فمنهم العلامة شيخ الإسلام الشيخ إبراهيم بن محمد ابن المؤيد الجويني الخراساني في (فرائد السمطين) (ج 2 ص 225 ط بيروت) قال: وبالسند المتقدم قال الحاكم: حدثني علي بن عمر المذكر، قال: أنبأنا محمد بن علي الفقيه قال: حدثنا أبي قال: حدثنا سعيد بن عبد الله، عن إبراهيم بن هاشم، عن أحمد بن سليمان، قال: سأل رجل أبا الحسن الرضا - وهو في الطواف - فقال له: أخبرني عن الجواد؟ فقال: إن لكلامك وجهين: فإن كنت تسأل عن المخلوق فإن الجواد الذي يؤدي ما افترض الله عليه. والبخيل من بخل بما افترض الله عليه. وإن كنت تعنى الخالق فهو الجواد إن أعطى، وهو الجواد إن منع، لأنه إن أعطى عبدا أعطاه ما ليس له، وإن منع منه منعه ما ليس منه.

كلامه عليه السلام في الدعاء

وبالسند المتقدم عن الحاكم قال: قال بعضهم: حججت سنة مع علي بن موسى الرضا عليه السلام، فسمعته بالموقف يدعو بهذا الدعاء: اللهم كما سترت علي ما أعلم فاغفر لي ما تعلم، وكما وسعني حلمك فليسعني عفوك، وكما ابتدأتني بالاحسان فأتم نعمتك علي بالغفران، وكما أكرمتني بمعرفتك فاشفعها بمغفرتك، وكما عرفتني وحدانيتك فالزمني طواعيتك، وكما عصمتني مما لم أكن أعتصم منه إلا بعصمتك، فاغفر لي ما لو شئت عصمتني منه، يا جواد يا كريم، يا ذا الجلال والاكرام.

ص 861

كلامه عليه السلام في زيارة قبورهم الشريفة وفي إخباره عن شهادته وكيفيتها وعن استجابة الدعاء عند قبره

رواه في ص 218 وقال: وبه أي (بالسند المتقدم) أخبرنا الحافظ أبو عبد الله محمد بن عبد الله البيع قال: حدثني علي بن محمد المذكر، قال: حدثنا محمد بن علي الفقيه قال: حدثنا أحمد ابن زياد بن جعفر الهمداني، قال: حدثني علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن ياسر الخادم، قال: قال علي بن موسى الرضا: لا تشد الرحال إلى شيء من القبور إلا إلى قبورنا. ألا وإني مقتول بالسم ظلما ومدفون في موضع غربة، فمن شد رحله إلى زيارتي استجيب دعاؤه وغفر ذنوبه. وبهذا الإسناد الذي تقدم آنفا قال الحاكم: سمعت علي بن محمد بن يحيى المذكر، يقول: سمعت أبا الفضل ابن أبي نصر الصوفي يقول: سمعت محمد بن أبي علي الصائغ يقول: سمعت رجلا ذهب عني اسمه عند قبر الرضا يقول: كنت أفكر في شرف القبر وشرف من توارى فيه فتخالج في قلبي الانكار على بعض من بها فضربت بيدي إلى المصحف متفألا، فخرجت هذه الآية: (ويستنبؤنك أحق هو قل إي وربي إنه لحق) [يونس: 53]. حتى ضربت ثلاث مرات فخرج في كلها هذه الآية. ومن كلامه الشريف الحديث المعروف بسلسلة الذهب رواه في ص 189 - قال: أما نسب الإمام الرضا عليه السلام فهو مذكور في الحديث المعروف بسلسلة الذهب الذي رواه الحاكم وغيره، قال الحاكم: حدثنا أبو محمد أحمد بن محمد بن إبراهيم بن هاشم البلاذري قال: حدثنا أبو محمد الحسن بن علي بن محمد بن علي ابن موسى الرضا إمام عصره بمكة - حرسها الله - سنة إحدى وخمسين ومأتين، قال: حدثني أبي علي بن محمد المفتي، قال: حدثني أبي محمد بن علي السيد المحجوب قال: حدثني أبي علي بن موسى الرضا، قال: حدثني أبي موسى بن جعفر المرتضى، قال: حدثني أبي جعفر بن محمد الصادق،

ص 862

قال: حدثني أبي محمد ابن علي الباقر، قال: حدثني أبي علي بن الحسين زين العابدين، قال: حدثني أبي الحسين بن علي سيد شباب أهل الجنة، قال: حدثني أبي علي بن أبي طالب سيد الأوصياء، قال: حدثني محمد بن عبد الله سيد الأنبياء، قال: حدثني جبرئيل سيد الملائكة، قال: قال الله عز وجل سيد السادات: إني أنا الله لا إله إلا أنا، من أقر لي بالتوحيد دخل حصني ومن دخل حصني أمن من عذابي.

جعل المأمون ولاية العهد إلى الرضا عليه السلام من بعده

رواه جماعة: فمنهم أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد ابن الجوزي المتوفى سنة 597 ه في (المنتظم في تاريخ الملوك والأمم) (ج 10 ص 93 ط دار الكتب العلمية بيروت) قال: وفي هذه السنة: جعل المأمون علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين ولي عهد المسلمين والخليفة من بعده، وسماه الرضي من آل محمد صلى الله عليه وسلم وأمر جنده أن يطرح السواد ولبس ثياب الخضرة، وكتب بذلك إلى الآفاق، وذلك يوم الاثنين لليلتين خلتا من رمضان هذه السنة. فكتب الحسن بن سهل إلى عيسى بن محمد يخبره أن أمير المؤمنين قد جعل علي بن موسى الرضي ولي عهده، وذلك أنه نظر في بني العباس وبني علي فلم يجد أحدا أفضل ولا أورع ولا أعلم منه، وأنه سماه الرضي من آل محمد صلى الله عليه وسلم، وأمر أن يطرح السواد ولبس الخضرة، وأن يأمر من قبله من الجند والقواد وبني هاشم بالبيعة له، ويأخذهم بلبس الخضرة في أقبيتهم وقلانسهم وأعلامهم، ويأخذ أهل بغداد جميعا بذلك، فوصل الكتاب إلى عيسى يوم الثلاثاء لخمس بقين من ذي الحجة، فدعا أهل بغداد إلى ذلك، فاختلفوا، فقال قوم: نبايع، وقال قوم: لا نخرج الأمر من ولد العباس، وإنما هذا دسيس من قبل الفضل بن سهل، وغضب ولد العباس من ذلك، واجتمع بعض إلى بعض، وتكلموا فيه وقالوا: نولي بعضنا ونخلع المأمون. وكان المتكلم في

ص 863

هذا والمختلف فيه والمتقلد له: إبراهيم ومنصور بن المهدي. ذكر العهد الذي كتبه المأمون بخطه لعلي بن موسى الرضي عليهما السلام بسم الله الرحمن الرحيم. هذا كتاب كتبه عبد الله بن هارون الرشيد أمير المؤمنين بيده لعلي بن موسى بن جعفر ولي عهده. أما بعد: فإن الله اصطفى الإسلام دينا، واصطفى له عباده رسلا دالين عليه، وهادين إليه، يبشر أولهم بآخرهم، ويصدق تاليهم ماضيهم، حتى انتهت نبوة الله تعالى إلى محمد صلى الله عليه وسلم على فترة من الرسل، ودروس من العلم، وانقطاع من الوحي، واقتراب من الساعة، فختم الله به النبيين، وجعله شاهدا لهم، ومهيمنا عليهم، وأنزل عليه كتابه العزيز الذي (لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد) بما أحل وحرم، ووعد وأوعد، وحذر وأنذر، ليكون له الحجة البالغة على خلقه (ليهلك من هلك عن بينة، ويحيى من حيا عن بينة، وإن الله لسميع عليم). فبلغ عن الله رسالته، ودعا إلى سبيله بما أمره به من الحكمة والموعظة الحسنة، والمجادلة بالتي هي أحسن، ثم الجهاد والغلظة حتى قبضه الله إليه، واختار له ما عنده صلى الله عليه وسلم، فلما انقضت النبوة، وختم الله بمحمد الوحي والرسالة، جعل قوام الدين ونظام أمر المسلمين بالخلافة، وإتمامها وعزها، والقيام بحق الله فيها بالطاعة التي بها تقام فرائض الله وحدوده وشرائع الإسلام وسننه، ويجاهد بها عدوه، فعلى خلفاء الله طاعته فيما استخلفهم، واسترعاهم من أمر دينه وعباده، وعلى المسلمين طاعة خلفائهم ومعاونتهم على إقامة حق الله وعدله، وأمن السبل، وحقن الدماء، وإصلاح ذات البين، وجمع الألفة، وفي خلاف ذلك اضطرب أمر المسلمين، واختلاف ملتهم، وقهر دينهم، واستعلا عدوهم، وتفرق الكلمة، وخسران الدنيا والآخرة، فحق على من استخلفه في أرضه، وائتمنه على خلقه أن يجهد لله نفسه، ويؤثر على ما فيه رضى الله وطاعته، ويعمل لما الله واقفه عليه، وسائله عنه، ويحكم بالحق، ويعمل بالعدل فيما حمله الله وقلده، فإن

ص 864

الله عز وجل يقول لنبيه داود عليه السلام: (يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق) وقال تعالى: (فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون). وبلغنا أن عمر بن الخطاب قال: لو ضاعت سخلة بشاطئ الفرات لتخوفت أن يسألني الله عنها، وأيم الله إن المسؤول عن خاصة نفسه على عمله فيما بين الله وبينه ليعرض أمر كبير على خطر عظيم، فكيف بالمسؤول عن رعاية الأمة، وبالله الثقة، وإليه المفزع والرغبة في التوفيق والعصمة والتسديد والهداية إلى ما فيه ثبوت الحجة، والفوز من الله، والرضوان والرحمة، وانظر الأئمة لنفسه وأنصحهم لله في دينه وعباده، وخلافته في أرضه من عمل بطاعته ودينه وسنة نبيه عليه السلام في مدة أيامه وبعدها، فأجهد رأيه ونظره ليمن يوليه عهده، ويختار لإمارة المسلمين ورعايتهم بعده، وينصبه علما لهم، ومفزعا في جمع ألفتهم، ولم شعثهم، وحقن دمائهم، والأمن بإذن الله من فرقتهم، وفساد ذات بينهم، واختلافهم، ورفع نزغ الشيطان وكيده عنهم، وإن الله عز وجل جعل العهد بعد الخلافة من تمام أمر الإسلام وكماله وعزه وصلاح أهله، وأنهم خلفاؤه من توكيده لمن يختارونه لهم من بعدهم ما عظمت به النعمة، وسلمت فيه العاقبة، وينقض الله بذلك الشقاق والعداوة، والسعي في الفرقة، والتربص للفتنة، ولم يزل أمير المؤمنين مذ أفضت إليه الخلافة، فاختبر بشاعة مذاقها، وثقل محملها، وشدة مؤونتها، وما يجب على من تقلدها من ارتباط طاعة الله ومراقبته فيما حمله فيها وأنصب بدنه، وأسهر عينه، وأطال فكره فيما فيه عز الدين، وقمع المشركين، وصلاح الأمة، ونشر العدل، وإقامة الكتاب والسنة، ومنع ذلك من الخفض، والدعة، ومهنأ العيش، علما بما الله سائله عنه، ومحبته أن يلقى الله مناصحا في دينه وعباده، ومختارا لولاية عهده ورعاية الأمة من بعده أفضل ما يقدر عليه في دينه وورعه، وأرجاهم للقيام بأمر الله وحقه، مناجيا لله بالاستخارة في ذلك، ومسألته إلهامه ما فيه رضاه وطاعته في آناء ليله ونهاره، معملا في طلبه،

ص 865

والتماسه في أهل بيته من ولد عبد الله بن العباس وعلي بن أبي طالب، فكره ونظره، مقتصرا فيمن علم حاله، ومذهبه منهم على الحق علما بالغا في المسألة فيمن خفي عليه أمره، وجهده وطاقته، حتى استقصى أمورهم معرفة، وابتلى أخبارهم مشاهدة، وكشف ما عندهم مسألة، فكانت خيرته بعد استخارته لله، وإجهاد نفسه في قضاء حقه في عباده من البيتين جميعا: علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي الحسين بن علي بن أبي طالب، لما رأى من فضله البارع، وعلمه الناصع، وورعه الظاهر، وزهده الخالص، وتخليه من الدنيا، ومسلمته من الناس، فقد استبان له ما لم تزل الأخبار عليه متواطئة، والألسن متفقة، والكلمة فيه جامعة، وما لم يزل يعرفه به من الفضل، يافعا وناشئا، وحدثا ومكتهلا، فعقد له العهد والولاية من بعده، واثقا بخيرة الله في ذلك، إذ علم الله من فعله إيثارا له وللدين، ونظرا للمسلمين، وطلبا للسلامة، وثبات الحجة، والنجاة في اليوم الذي يقوم الناس فيه لرب العالمين، ودعا أمير المؤمنين ولده وأهل بيته وخاصته وقواده وجنده، فبايعوه مسارعين مسرورين عالمين بإيثار أمير المؤمنين طاعة الله الله على الهوى في ولده وغيرهم ممن هو أشبك رحما، وأقرب قرابة، وسماه الرضي، إذا كان رضا عند أمير المؤمنين، فبايعوه معشر بيت أمير المؤمنين، ومن بالمدينة المحروسة من قواده وجنده وعامة المسلمين لأمير المؤمنين والرضي من بعده على اسم الله وبركته وحسن قضائه لدينه وعباده، بيعة مبسوطة إليها أيديكم، منشرحة لها صدوركم، عالمين ما أراد أمير المؤمنين بها، وأثر طاعة الله، والنظر لنفسه ولكم فيها، شاكرين لله على ما ألهم أمير المؤمنين من قضاء حقه في رعايتكم، وحرصه على رشدكم وصلاحكم، راجين عائدة الله في جمع ألفتكم، وحقن دمائكم، ولم شعثكم، وسد ثغوركم، وقوة دينكم، وقمع عدوكم، واستقامة أموركم، فسارعوا إلى طاعة وطاعة أمير المؤمنين، فإنه الأمر إن سارعتم إليه، وحمدتم الله عليه، عرفتم الحظ فيه إن شاء الله، وكتب بيده لسبع خلون من شهر رمضان المعظم قدره سنة إحدى ومائتين.

ص 866

وكتب الرضي عليه السلام كلمات منها أنه كتب عند قوله: اختار من البيتين جميعا علي بن موسى بن جعفر، كتب تحته: وصلتك رحم وجزيت خيرا. وكتب تحت مدحه إياه بقوله: وورعه وزهده: أثنى الله عليك فأجمل، وأجزل لك الثواب فأكمل. وكتب تحت قوله: فعقد له العهد بعده: بل جعلت فداك. وكتب تحت قوله: وسماه الرضي: رضي الله عنك وأرضاك وأحسن في الدارين جزاك. ثم كتب الرضي على ظهر العهد ما نسخته: بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، الفعال لما تريد، لا معقب لحكمه، ولا راد لقضائه، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، وصلواته على نبيه وعلى آله الطيبين الطاهرين. أقول وأنا علي بن موسى بن جعفر إن أمير المؤمنين عضده الله بالسداد، ووفقه للرشاد عرف من حقنا ما جهله غيره، فوصل أرحاما قطعت، وأمن أنفسا فزعت، بل أحياها وقد تلفت، وأغناها وقد افتقرت، مبتغيا رضا رب العالمين، لا يرضى جزاء من غيره، وسيجزي الله الشاكرين، ولا يضيع أجر المحسنين، وإنه جعل إلي عهده والإمرة الكبرى إن بقيت من بعده، فمن حل عقدة أمرها، وفصم عروة أحب إيثاقها، فقد أباح حريمه وأحل محرمه، إذ كان بذلك زاريا على الإمام، منتهكا حرمة الإسلام وقد جعلت لله على نفسي إن استرعاني أمير المؤمنين وقلدني خلافته العمل فيهم عامة، وفي بني العباس بن عبد المطلب خاصة، بطاعته وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن لا أسفك دما حراما، ولا أبيح فرجا ولا مالا إلا ما سفكته حدوده، وأباحته فرائضه، وأن أتخير الكفاة جهدي وطاقتي، وقد جعلت بذلك على نفسي عهدا مؤكدا، يسألني الله عنه، فإنه عز وجل يقول: (وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا) فإن حدت أو غيرت أو بدلت كنت للتغيير مستحقا، وللنكال متعرضا،

ص 867

فأعوذ بالله من سخطه وإليه أرغب في التوفيق لطاعته والحول بيني وبين معصيته في عافيته لي وللمسلمين. وقد امتثلت أمر أمير المؤمنين، وآثرت رضاه، والله يعصمني وإياه، وأشهدت الله على نفسي، وكفى بالله شهيدا. وكتبت بخطي بحضرة أمير المؤمنين، أطال الله بقاءه، والفضل بن سهل، ويحيى ابن أكثم، وعبد الله بن طاهر، وثمامة بن أشرس، وبشر بن المعتمر، وحماد بن النعمان. في شهر رمضان سنة إحدى ومائتين.

نسخة الشهادات

رسم أمير المؤمنين - أطال الله بقاءه وكبت أعداءه - قراءة مضمون هذه الصحيفة، ظهرها وبطنها بحرم سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الروضة والمنبر، على رؤوس الأشهاد، وبمرأى ومسمع من وجوه بني هاشم وسائر الأولياء والأجناد، بما أوجب أمير المؤمنين الحجة بن على سائر المسلمين، وأبطل الشبهة التي كانت اعترضت آراء الجاهلين، (وما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه). وكتب الفضل بن سهل بحضرة أمير المؤمنين في التاريخ المذكور: عبد الله بن طاهر بن الحسين أثبت شهادته في تاريخه. شهد يحيى بن أكثم على مضمون هذا الكتاب، ظهره وبطنه، وهو يسأل الله عز وجل أن يعرف أمير المؤمنين وكافة المسلمين بركات هذا العهد، والميثاق، وكتب بخطه في التاريخ المبين. شهد حماد بن النعمان على مضمون ظهره وبطنه، وكتب بيده في تاريخه. بشر بن المعتمر يشهد بذلك، وكتب بيده في التاريخ. ثمامة بن أشرس حضر وكتب خطه. قال هبة الله بن الفضل بن صاعد الكاتب: هذا العهد، رأيته بخط المأمون، ابتاعه خالي يحيى بن صاعد بمائتي دينار، وحمله إلى سيف الدولة صدقة بن منصور، وكان فيه خطوط جماعة من الكتاب، مثل الصولي عبد الله بن العباس، والوزير المغربي.

ص 868

مستدرك تزويج المأمون العباسي ابنته للإمام علي بن موسى الرضا عليهما السلام

رواه جماعة: فمنهم أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد ابن الجوزي المتوفى سنة 597 ه في (المنتظم في تاريخ الملوك والأمم) (ج 10 ص 109 ط دار الكتب العلمية بيروت) قال: وفي هذه السنة: زوج المأمون علي بن موسى الرضي ابنته أم حبيب، وزوج محمد بن علي بن موسى ابنته أم الفضل. أخبرنا المنصور القزاز قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت قال: أجاز لي أبو نصر أحمد بن محمد بن حسنون النرسي وحدثنيه ثقة من أصحابنا عنه قال: أخبرنا إبراهيم بن حامد بن شباب الإصبهاني قال: أخبرنا أحمد بن يحيى قال: سمعت يحيى بن أكثم يقول: لما أراد المأمون أن يزوج ابنته من الرضي، قال لي يا يحيى تكلم. قال: فأجللته أن أقول له: أنكحت؟ فقلت: يا أمير المؤمنين، أنت الحاكم الأكبر وأنت أولى بالكلام، فقال: الحمد لله الذي تصاغرت الأمور بمشيئته، ولا إله إلا الله إقرارا بربوبيته وصلى الله على سيدنا محمد عند ذكره، أما بعد: فإن الله جعل النكاح الذي رضيه سببا للمناسبة ألا وإني قد زوجت ابنتي من علي ابن موسى الرضي، وأمهرتها عنه أربعمائة درهم.

أشعار أبي نواس في شأنه عليه السلام

رواه في ص 200 وقال: أنبأني الشيخ عبد الرحيم بن محمد بن أحمد بن فارس بن الزجاج الثعلبي أنبأني القاضي جمال الدين عبد الصمد بن محمد بن أبي الفضل، أنبأنا محمد بن الفضل أبو عبد الله، وأبو القاسم زاهر بن طاهر إجازة، قالا: أنبأنا الحافظ أبو

ص 869

بكر أحمد بن الحسين، قال: أنبأنا الإمام الحاكم البيع، قال: حدثني علي بن محمد بن يحيى المذكر قال: حدثنا محمد بن علي الفقيه قال: حدثنا الحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المكتب، قال: أنبأنا علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه، قال: حدثنا أبو الحسين محمد بن يحيى الفارسي قال: نظر أبو نواس إلى أبي الحسن علي بن موسى الرضا عليه السلام ذات يوم وقد خرج من عند الخليفة على بغلة له، فدنا منه أبو نواس وسلم عليه وقال: يا ابن رسول الله قد قلت فيك أبياتا فأحب أن تسمعها مني. قال: هات. فأنشأ أبو نواس يقول: مطهرون نقيات ثيابهم * تجري الصلاة عليهم أينا ذكروا

من لم يكن علويا حين تنسبه * فما له في قديم الدهر مفتخر

والله لما بدا خلقا فأتقنه * صفاكم واصطفاكم أيها البشر

وأنتم الملأ الأعلى وعندكم * علم الكتاب وما جاءت به السور

فقال الرضا عليه السلام: قد جئت بأبيات ما سبقك إليها أحد. ثم قال: يا غلام هل معك من نفقتنا شيء؟ فقال: ثلاث مأة دينار. فقال: أعطها إياه. ثم قال عليه السلام: لعله استقلها؟ يا غلام سق إليه البغلة. وقال أيضا في ص 202: وبالسند المتقدم قال الحاكم النيسابوري في تاريخ مدينة نيسابور وحدثنا أبو نصر محمد بن الحسن بن إبراهيم الكرخي الكاتب، قال: حدثني أبو الحسن محمد بن سفيان الغساني، قال: حدثنا أبو بكر محمد بن يحيى الصولي قال: سمعت أبا العباس محمد بن يزيد المبرد، يقول: خرج أبو نواس ذات يوم من داره فبصر براكب قد حاذاه فسأل عنه ولم ير وجهه، فقيل: إنه علي بن موسى الرضا.

ص 870

مستدرك فضائل مناقب سيدنا الإمام التاسع محمد بن علي التقي سلام الله عليهما

مدح سيدنا الجواد الإمام محمد التقي

قاله المولى الشيخ محمد حسين الكمباني الأصفهاني قدس سره:

سبحان من جاد على الذوات * بمقتضى الأسماء والصفات

فقد تجلى باسمه الجواد * في مصدر الخيرات والأيادي

في عنصر النبوة الختمية * بصورة الولاية العلية

حقيقة الأمانة المعروضة * رقيقة الديانة المفروضة

صحيفة المكارم الجميلة * لطيفة المعارف الجليلة

سر النبي خاتم النبوة * في العلم والحكمة والمروة

ومهجة المخصوص بالأخوة * في الحكم والآباء والفتوة

سليل ياسين وسبط طاها * فقد تعالى شرفا وجاها

سلالة الخليل في وفائه * وصفوة الصفي في صفائه

ساحل جوده هو الجودي * به نجى ربنا نجيا

بل هو بالكليم تاج رأسه * في بطشه وفي شديد بأسه

بل هو روح الروح في ابن مريم * وهو من الكلام أم الكلم

وحشمة الله رهين نعمته * في ملكه وعلمه وحكمته

ولا ترى في الأنبياء مكرمة * إلا وفيه كل معنى الكلمة

ص 871

ووجهه مصباح نور النور * طلعته منصة الظهور

ونور وجهه كنور الباري * يذهب الألباب والأبصار

غرته بارقة الكمال * شارقة الجلال والجمال

وعينه في عالم التكوين * انسان عين الحق واليقين

وقلبه عرش مليك المعرفة * بل عرش من لا اسم له ولا صفة

وصدره خزانة الغيوب * في سره مسرة القلوب

لسانه شريعة الأحكام * لا بل لسان الوحي والإلهام

لسانه ينطق عن الهوي * فإنه من الشديد في القوى

يمثل النبي في منطقه * فإن هذا النور من مشرقه

كأنه أريد ذاك المنطق * هذا كتابنا عليكم ينطق

كلامه أم جوامع الكلم * ومنه سر الكل في الكل علم

كلامه هو الكتاب الناطق * آياته الغر هي الحقائق

حقيقة السبع المثاني ذاته * والكلمات كلها آياته

 سر علي في علو المنزلة * فهو إذا نقطة باء البسملة

وليس عندي عاليات الأحرف * إلا رموز سر سره الخفي

وجوده مصباح أنوار الهدى * وجوده مفتاح أبواب الندى

دليل أهل الأرض والسماء * بل سره معلم الأسماء

 هو الجواد لا إلى نهاية * وجوده غاية كل غاية

هو الجواد بالوجود الساري * وجوده مظهر جود الباري

هو الجواد المحض لا لغاية * فإنه المبدء والنهاية

وكل ما في الكون فيض جوده * والجود كالذاتي في وجوده

ومن بديع جوده الابداع * فإنه في أمره مطاع

فالمبدعات من معالي هممه * والكائنات نبذة من كرمه

ص 872

وجنة النعيم من نعمائه * وكيف والجواد من أسمائه

هو الجواد بالعلم والحكم * بل كل ما في اللوح يسطر

القلم له يد المعروف بالمعارف * فإنها قرة عين العارف

بل يده البيضا تعالت عن صفه * إذ هي بيضا سماء المعرفة

وهي يد الجواد بالإضافة * أكرم بهذه اليد الفياضة (باب المراد والفرج)

وباب أبواب المراد بابه * والحرز من كل البلا حجابه

كهف الورى وغوث كل ملتجى * في الضيق والشدة باب الفرج

وكعبة البيت لكل ناسك * وقبلة الضراح للملائك

معتكف للتاليات ذكرا * مختلف المدبرات أمرا

وهو مدار الفلك الدوار * ومركز الثابت والسيار

والحجب السبعة ستر بابه * والحضرات الخمس في قبابه

والعرش كرسي بباب داره * ومستوى الرحمة في جواره

كيف وباب الجود للجواد * واسم الجواد مبد الايجاد

وكم لأرباب العقول المرسلة * باب من الخير وباب الجود له

كل المعالي في أئمة الورى * هو الجواد أولا وآخرا

وكلهم أسماء حسنى الباري * والجود مبد الوجود الساري

وكلهم جواهر الكنز الخفي * واسم الجواد مبد التعرف

وكل اسم مبد العناية * واسم الجواد مبد وغاية

من جاد ساد فله السيادة * في ملكوت الغيب والشهادة

والمكرمات كلها في الجود * أكرم به من خلق محمود

ص 873

مستدرك نسبه الشريف وميلاده ووفاته

تقدم ما يدل عليه عن العامة في ج 12 ص 414 وج 19 ص 585 وج 29 ص 3، ونستدرك هيهنا عن الكتب التي لم نرو عنها فيما سبق. رواه جماعة: فمنهم أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد ابن الجوزي المتوفى سنة 597 ه في (المنتظم في تاريخ الملوك والأمم) (ج 11 ص 62 ط دار الكتب العلمية بيروت) قال: محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، أبو جعفر رضوان الله عليهم. ولد سنة مائة وخمس وتسعين، وقدم من المدينة إلى بغداد وافدا على المعتصم ومعه امرأته أم الفضل بنت المأمون، وكان المأمون قد زوجه إياها وأعطاه مالا عظيما، وذلك أن الرشيد كان يجري على علي ابن موسى بن جعفر في كل سنة ثلاثمائة ألف درهم ولنزله عشرين ألف درهم في كل شهر، فقال المأمون لمحمد بن علي بن موسى لأزيدك على مرتبة أبيك وجدك. فأجرى له ذلك، ووصله بألف ألف درهم. وقدم بغداد فتوفي بها يوم الثلاثاء لخمس ليال خلون من ذي الحجة في هذه السنة، وركب هارون بن المعتصم وصلى عليه، ثم حمل ودفن في مقابر قريش عند جده موسى بن جعفر، وهو ابن خمس وعشرين سنة، وثلاثة أشهر، واثني عشر يوما، وحملت امرأته إلى قصر المعتصم فجعلت في جملة الحرم.

ص 874

مستدرك تزويج المأمون ابنته من الإمام محمد التقي عليه السلام

قد مر ما يدل عليه عن العامة في ج 19 ص 596 وج 29 ص 11 ومواضع أخرى، ونستدرك هيهنا عن الكتب التي لم نرو عنها فيما سبق. رواه جماعة: منهم أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد بن الجوزي المتوفى سنة 597 ه في (المنتظم في تاريخ الملوك والأمم) (ج 10 ص 265 ط دار الكتب العلمية بيروت) قال: في حوادث سنة خمس وعشرة ومأتين: أن المأمون شخص من بغداد لغزو الروم في يوم السبت لثلاث بقين من المحرم، وكان ارتحاله من الشماسية إلى البردان يوم الخميس بعد صلاة الظهر لست بقين من المحرم، واستخلف حين رحل عن بغداد عليها إسحاق بن إبراهيم بن مصعب، وولاه مع ذلك السواد وحلوان وكور دجلة، فلما صار المأمون بتكريت قدم عليه محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه من المدينة في صفر، فأجازه، وأمره أن يدخل بابنته أم الفضل، وكان زوجها منه، فأدخلت عليه في دار أحمد بن يوسف التي على شاطئ دجلة، فأقام بها، فلما جاءت أيام الحج خرج بأهله وعياله حتى أتى مكة، ثم أتى منزله بالمدينة، فأقام بها.

مستدرك نبذة من كراماته عليه السلام

رواها جماعة: فمنهم العلامة يوسف بن إسماعيل النبهاني المتولد 1265 والمتوفى 1350 ه في

ص 875

(جامع كرامات الأولياء) (ج 1 ص 168 ط مصطفى البابي وشركاه بمصر) قال: محمد الجواد بن علي الرضا أحد أكابر الأئمة ومصابيح الأمة، من ساداتنا أهل البيت، وذكره الشبراوي في الاتحاف بحب الأشراف وبعد أن أثنى عليه الثناء الجميل وذكر شيئا من مناقبه وما جرى له مما دل على فضله وكماله، وأن المأمون العباسي زوجه بنته أم الفضل، حكى أنه لما توجه رضي الله عنه من بغداد إلى المدينة الشريفة خرج معه الناس يشيعونه للوداع، فسار إلى أن وصل إلى باب الكوفة عند دار المسيب، فنزل هناك مع غروب الشمس ودخل إلى مسجد قديم مؤسس بذلك الموضع يصلي فيه المغرب، وكانت في صحن المسجد شجرة نبق لم تثمر قط، فدعا بكوز فيه ماء، فتوضأ في أصل الشجرة، فقام وصلى معه الناس المغرب، فقرأ في الأولى بالحمد لله، وإذا جاء نصر الله والفتح وقرأ في الثانية بالحمد لله، وقل هو الله أحد ثم بعد فراغه جلس هنيهة يذكر الله، وقام فتنفل بأربع ركعات وسجد معن سجدتي الشكر، ثم قام فودع الناس وانصرف، فأصبحت النبقة وقد حملت من ليلتها حملا حسنا، فرآها الناس وتعجبوا من ذلك غاية العجب وكان ما هو أغرب من ذلك، وهو أن نبق هذه الشجرة لم يكن له عجم، فزاد تعجبهم من ذلك، وهذا من بعض كراماته الجليلة ومناقبه الجميلة. توفي محمد الجواد رضي الله عنه في آخر ذي القعدة سنة 220 وله من العمر خمس وعشرون سنة وشهر، رضي الله عنه وعن آبائه الطيبين الطاهرين وأعقابهم أجمعين، ونفعنا ببركاتهم آمين.

مستدرك جوده وكرمه عليه السلام

رواه جماعة: فمنهم أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد ابن الجوزي المتوفى سنة 597 ه في

ص 876

(المنتظم في تاريخ الملوك والأمم) (ج 11 ص 62 ط دار الكتب العلمية بيروت) قال: وبلغنا عن بعض العلويين أنه قال: كنت أهوى جارية بالمدينة، وتقصر يدي عن ثمنها، فشكوت ذلك إلى محمد بن علي بن موسى الرضا، فبعث فاشتراها سرا فلما بلغني أنها بيعت ولم أعلم أنه اشتراها زاد قلقي فأتيته فأخبرته ببيعها فقال: من اشتراها؟ قلت: لا أعلم، قال: فهل لك في الفرجة؟ قلت: نعم. فخرجنا إلى قصر له عنده ضيعة فيها نخل وشجر، وقد قدم إليه فرشا وطعاما، فلما صرنا إلى الضيعة أخذ بيدي ودخلنا، ومنع أصحابه من الدخول، وأقبل يقول لي: بيعت فلانة ولا تدري من اشتراها؟ فأقول: نعم وأبكي، حتى انتهى إلى بيت على بابه ستر، وفيه جارية جالسة على فرض له قيمة، فتراجعت، فقال: والله لتدخلن، فدخلت، فإذا الجارية التي كنت أحبها بعينها، فبهت وتحيرت، فقال: أفتعرفها؟ قلت: نعم، قال: هي لك مع الفرض والقصر والضيعة والغلة والطعام، وأقم بحياتي معها، وابلغ وطرك في التمتع بها، وخرج إلى أصحابه فقال: أما طعامنا فقد صار لغيرنا فجددوا لنا طعاما، ثم دعا الأكار فعوضه عن حقه من الغلة حتى صارت لي تامة ثم مضى.

ص 877

مستدرك فضائل ومناقب الإمام العاشر علي النقي عليه السلام

مدح سيدنا الإمام الهادي عليه السلام

قاله المولى الشيخ محمد حسين الأصفهاني الكمباني قدس سره:

لقد تجلى مبد الايجاد * في غاية الوجود باسم الهادي

 أحسن خلق كل شيء فهدى * وباسمه الهادي اهتدى من اهتدى

ميز بين الماء والسراب * بالعلم الهادي إلى الصواب

فبان وجه الحق ذاتا وصفة * بنير العلم ونور المعرفة

وانفجرت لكل قلب صادي * عين الحياة من محيا الهادي

منه حياة الروح بالهداية * بل مطلق الحياة بالعناية

بل هو في العقول والأرواح * كالروح في الأجساد والأشباح

 كيف ومن مشرقه صبح الأزل * فلا يزال مشرقا ولم يزل

به حياة عالم الامكان * فإنه كالنفس الرحماني

معنى الحقيقة المحمدية * وصورة المشية الفعلية

ووجهه في مصحف الامكان * فاتحة الكتاب في القرآن

بل وجهه عنوان حس الذات * ديباجة الأسماء والصفات

طلعته مطلع نور النور * ومشرق الشموس والبدور

غرته في أفق الإمامة * بارقة العزة والكرامة

ص 878

نور الهدى والرشد في جبينه * بحر الندى والجود في يمينه

بل هي بيضاء سماء المعرفة * بها أضاء كل اسم وصفة

بل يده في البسط فوق كل يد * وكيف لا وهي يد الله الأحد

كلتا يديه مبد الأيادي * وفيها نهاية المراد

ففي اليمين قلم العناية * وفي الشمال علم الهداية

واليمين والأمان في يمناه * واليسر واليسار في يسراه

وعينه باصرة البصائر * ونورها النافذ في الضمائر

بل عينه في النور والشعاع * انسان عين عالم الابداع

بل هي في الضياء والبهاء * قرة عين عالم الأسماء

أنفاسه جواهر الناسوت * وصدره خزانة اللاهوت

وقلبه في قالب الامكان * كالروح في الأعيان والأكوان

وكيف وهو أعظم المظاهر * للمتجلي بالجمال الباهر

همته فوق سموات الهمم * بل هي كالعنقاء في قاف القدم

وعزمه يكاد يسبق القضا * كيف وفي رضاه لله رضا

وهو له ولاية الهداية * في منتهى مراتب الولاية

وهو يمثل النبي الهادي * في بث روح العلم والارشاد

فإنه لكل قوم هاد * كجده المنذر للمعاد

بل سره الخفي في هدايته * موصل كل ممكن لغايته

فهو له في مسند التمكين * هداية التشريع والتكوين

هو النقي لم يزل نقيا * وكان عند ربه مرضيا

بل هو من شوائب الامكان * مقدس بمحكم البرهان

وكيف وهو برزخ البرازخ * ودونه كل مقام شامخ

وسره بكل معناه نقي * فإنه سر الوجود المطلق

ص 879

فهو مجرد عن القيود * فكيف بالرسوم والحدود

فهو نقي السر والسريرة * وسر جده بحكم السيرة

وهو كتاب ليس فيه ريب * وشاهد فيه تجلى الغيب

وكيف لا وهو ابن من تدلى * في قربه من العلي الأعلى

ما كذب الفؤاد ما رآه * مذ بلغ الشهود منتهاه

مرآته نقية من الكدر * فما طغى قط وما زاغ البصر

مستدرك

فضائل الإمام علي بن محمد التقي نسبه الشريف وإقامته بسامراء ووفاته بها

تقدم ما يدل عليه عن العامة في ج 12 ص 442 وج 19 ص 606 وج 29 ص 31، ونستدرك هيهنا عن الكتب التي لم نرو عنها فيما سبق. رواه جماعة: فمنهم أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد ابن الجوزي المتوفى سنة 597 ه في (المنتظم في تاريخ الملوك والأمم) (ج 12 ص 74 ط دار الكتب العلمية بيروت) قال: علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، أبو الحسن الهاشمي. أحد من يعتقد فيه الشيعة الإمامة أشخصه المتوكل في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بغداد، ثم إلى سامراء فقدمها، وأقام بها في هذه السنة ودفن في داره فلإقامته بالعسكر عرف بأبي الحسن العسكري، وصلى عليه أبو أحمد بن المتوكل. أخبرنا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب قال: أخبرنا الأزهري، أخبرنا أبو أحمد عبيد الله بن محمد المقرئ حدثنا محمد بن يحيى النديم قال: حدثنا الحسين بن يحيى قال: اعتل المتوكل في أول خلافته، فقال لئن برئت لأتصدقن بدنانير كثيرة، فلما برئ جمع الفقهاء فسألهم عن ذلك،

ص 880

فاختلفوا، فبعث إلى علي بن محمد بن علي بن موسى، فقال: تتصدق بثلاثة وثمانين دينارا. فعجب قوم من ذلك وتعصب قوم عليه وقالوا: تسأله يا أمير المؤمنين من أين له هذا فرد الرسول إليه. فقال: قل لأمير المؤمنين في هذا الوفاء بالنذر لأن الله تعالى قال: (لقد نصركم الله في مواطن كثيرة) فروى أهلنا جميعا أن المواطن في الوقائع والسرايا والغزوات كانت ثلاثة وثمانين موطنا، وأن يوم حنين كان الرابع والثمانون وكلما زاد أمير المؤمنين في فعل الخير كان أنفع له وأجدى عليه في الدنيا والآخرة.

ومن كلامه الشريف زيارة الجامعة الكبيرة علمها موسى بن عبد الله النخعي

رواها جماعة: فمنهم العلامة شيخ الإسلام إبراهيم بن محمد الجويني الخراساني في (فرائد السمطين) (ج 2 ص 195 ط بيروت) قال: قال الحاكم: وأخبرني علي بن محمد بن موسى، قال: حدثنا محمد بن علي بن الحسين الفقيه الرازي قال: حدثنا علي بن أحمد الدقاق في آخرين، قالوا: حدثنا أبو الحسن محمد بن أبي عبد الله الأسدي قال: حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي، قال: حدثنا موسى بن عبد الله النخعي قال: قلت لعلي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم الصلاة والسلام: علمني يا ابن رسول الله قولا أقوله بليغا كاملا إذا زرت واحدا منكم. فقال: إذا صرت إلى الباب فقف واشهد الشهادتين وأنت على غسل، فإذا دخلت ورأيت القبر فقف وقل: الله أكبر، الله أكبر ثلاثين مرة، ثم امش قليلا وعليك السكينة والوقار، وقارب بين خطاك، ثم قف وكبر الله ثلاثين مرة، ثم ادن من القبر وكبر الله أربعين مرة، تمام مأة تكبيرة، ثم قال: السلام عليكم يا أهل بيت النبوة وموضع الرسالة ومختلف الملائكة، ومهبط الوحي، ومعدن الرحمة وخزان العلم، ومنتهى الحلم، وأصول الكرم، وقادة الأمم، وأولياء النعم، وعناصر الأبرار، ودعائم الأخيار، وساسة العباد، وأركان البلاد،

ص 881

وأبواب الإيمان، وأمناء الرحمان، وسلالة النبيين، وصفوة المرسلين، وعترة خيرة رب العالمين ورحمة الله وبركاته. السلام على أئمة الهدى، ومصابيح الدجى، وأعلام التقى وذوي النهى وأولي الحجى، وكهف الورى، وورثة الأنبياء والمثل الأعلى والدعوة الحسنى، وحجج الله على أهل الدنيا والآخرة والأولى ورحمة الله وبركاته. السلام على محال معرفة الله ومساكن بركة الله، ومعادن حكمة الله، وحفظة سر الله، وحملة كتاب الله، وأوصياء نبي الله وذرية رسول الله صلى الله عليه وآله ورحمة الله وبركاته. السلام على الدعاة إلى الله والأدلاء على مرضاة الله، والمستوفرين في أمر الله، والثابتين في محبة الله والمخلصين في توحيد الله، والمظهرين لأمر الله ونهيه، وعباده المكرمين الذين لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون ورحمة الله وبركاته. السلام على الأئمة الدعاة والقادة الهداة، والسادة الولاة، والذاة الحماة وأهل الذكر وأولي الأمر، وبقية الله وخيرته وحزبه وعيبة علمه، وحجته وصراطه ونوره وبرهانه ورحمة الله وبركاته. أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، كما شهد الله لنفسه وشهدت له الملائكة وأولوا العلم من خلقه، لا إله إلا هو العزيز الحكيم، وأن الدين عند الله الإسلام. وأشهد أن محمدا عبده المنتجب ورسوله المرتضى، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون. وأشهد أنكم الأئمة الهادون المهديون الراشدون المكرمون المقربون، المتقون الصادقون المصطفون المطيعون لله، القوامون بأمره، العاملون بإرادته، الفائزون بكرامته. اصطفاكم بعلمه، وارتضاكم لغيبه واختاركم لسره، واجتباكم بقدرته، وأعزكم بهداه، وخصكم ببرهانه، وانتجبكم لنوره، وأيدكم بروحه، ورضيكم خلفاء في أرضه وحججا على بريته، وأنصارا لدينه، وحفظة لسره، وخزنة لعلمه، ومستودعا لحكمته، وتراجمة لوحيه، وأركانا لتوحيده، وشهداء على خلقه،

ص 882

وأعلاما لعباده، ومنارا في بلاده، وأدلاء على صراطه. عصمكم الله من الزلل، وآمنكم من الفتن، وطهركم من الدنس، وأذهب عنكم الرجس وطهركم تطهيرا، فعظمتم جلاله، وأكبرتم شأنه، ومجدتم كرمه، وأدمتم ذكره، ووكدتم ميثاقه، وأحكمتم عقد طاعته، ونصحتم له في السر والعلانية، ودعوتم إلى سبيله بالحكمة والموعظة الحسنة، وبذلتم أنفسكم في مرضاته، وصبرتم على ما أصابكم في جنبه، وأقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة، وأمرتم بالمعروف ونهيتم عن المنكر، وجاهدتم في الله حق جهاده حتى أعلنتم دعوته، وبينتم فرائضه، وأقمتم حدوده، ونشرتم شرائع أحكامه، وسننتم سنته، وصرتم في ذلك منه إلى الرضا، وسلمتم له القضاء، وصدقتم من رسله من مضى. فالراغب عنكم مارق، واللازم لكم لاحق، والمقصر في حقكم زاهق، والحق معكم وفيكم ومنكم وإليكم، وأنتم أهله ومعدنه، وميراث النبوة عندكم، وإياب الخلق إليكم، وحسابهم عليكم، وفصل الخطاب عندكم وآيات الله لديكم وعزائمه فيكم، ونوره وبرهانه عندكم، وأمره إليكم. من والاكم فقد والى الله، ومن عاداكم فقد عادى الله، ومن أحبكم فقد أحب الله، ومن أبغضكم فقد أبغض الله، ومن اعتصم بكم فقد اعتصم بالله. أنتم السبيل الأعظم، والصراط الأقوم، وشهداء دار الفناء، وشفعاء دار البقاء، والرحمة الموصولة، والآية المخزونة، والأمانة المحفوظة، والباب المبتلى به الناس. من أتاكم نجا، ومن لم يأتكم هلك، إلى الله تدعون، وعليه تدلون، وبه تؤمنون، وله تسلمون، وبأمره تعملون، وإلى سبيله ترشدون، وبقوله تحكمون. سعد والله من والاكم، وهلك من عاداكم، وخاب من جحدكم، وضل من فارقكم، وفاز من تمسك بكم، وأمن من لجأ إليكم، وسلم من صدقكم وهدي من اعتصم بكم. من اتبعكم فالجنة مأواه، ومن خالفكم فالنار مثواه، ومن جحدكم كافر، ومن حاربكم مشرك، ومن رد عليكم فهو في أسفل درك من الجحيم.

ص 883

أشهد أن هذا سابق لكم فيما مضى، وجار لكم فيما بقي، وأن أرواحكم ونوركم وطينتكم واحدة طابت وطهرت، بعضها من بعض. خلقكم الله أنوارا فجعلكم بعرشه محدقين، حتى من علينا بكم فجعلكم في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه، وجعل صلواتنا عليكم، وما خصنا به من ولايتكم، طيبا لخلقنا، وطهارة لأنفسنا، وتزكية لنا، وكفارة لذنوبنا، فكنا عنده مسلمين بفضلكم، ومعروفين بتصديقنا إياكم فبلغ الله بكم أشرف محل المكرمين، وأعلى منازل المقربين، وأرفع درجات المرسلين، حيث لا يلحقه لاحق، ولا يفوقه فائق، ولا يسبقه سابق، ولا يطمع في إدراكه طامع، حتى لا يبقى ملك مقرب، ولا نبي مرسل، ولا صديق ولا شهيد، ولا عالم ولا جاهل، ولا دني ولا فاضل، ولا مؤمن صالح، ولا فاجر طالح ولا جبار عنيد، ولا شيطان مريد، ولا خلق فيما بين ذلك شهيد، إلا عرفهم جلالة أمركم، وعظم خطركم، وكبر شأنكم، وتمام نوركم، وصدق مقاعدكم، وثبات مقامكم، وشرف محلكم ومنزلتكم عنده، وكرامتكم عليه، وخاصتكم لديه، وقرب منزلتكم منه. بأبي أنتم وأمي وأهلي ومالي وأسرتي أشهد الله وأشهدكم أني مؤمن بكم وبما آمنتم به، كافر بعدوكم وبما كفرتم به، مستبصر بشأنكم وبضلالة من خالفكم، موال لكم ولأولياتكم، مبغض لأعدائكم ومعاد لهم، سلم لمن سالمكم، حرب لمن حاربكم، محقق لما حققتم مبطل لما أبطلتم، مطيع لكم، عارف بحقكم مقر بفضلكم محتمل لأمركم، مرتقب لدولتكم، آخذ بقولكم، عامل بأمركم مستجير بكم زائر لكم، عائذ بكم لائذ بقبوركم، مستشفع إلى الله عز وجل بكم ومتقرب بكم إليه، ومقدمكم أمام طلبتي وحاجتي وإرادتي في كل أحوالي وأموري، مؤمن بسركم وعلانيتكم وشاهدكم وغائبكم، وأولكم وآخركم، ومفوض في ذلك كله إليكم، ومسلم فيه معكم، وقلبي لكم مؤمن ورأيي لكم تبع، ونصرتي لكم معدة حتى يحيي الله تعالى

ص 884

دينه لكم وبردكم في أيامه، ويظهركم لعدله، ويمكنكم في أرضه. فمعكم معكم لا مع عدوكم آمنت بجدكم عليه السلام وتوليت آخركم بما توليت به أولكم، وبرئت إلى الله تعالى من أعدائكم ومن الجبت والطاغوت والشياطين وإخوانهم الظالمين لكم والجاحدين لحقكم والمارقين من ولايتكم والغاصبين لإرثكم والشاكين فيكم، والمنحرفين عنكم، ومن كل وليجة دونكم وكل مطاع سواكم، ومن الأئمة الذين يدعون إلى النار فثبتني الله أبدا ما حييت على موالاتكم ومحبتكم ودينكم، ووفقني لطاعتكم، ورزقني شفاعتكم، وجعلني من خيار مواليكم التابعين لما دعوتم إليه، وجعلني ممن يقتص آثاركم ويسلك سبيلكم ويهدتي بهداكم، ويحشر في زمرتكم ويكر في رجعتكم، ويملك في دولتكم، ويشرف في عافيتكم، ويمكن في أيامكم، وتقر عينه غدا برؤيتكم. بأبي أنتم وأمي ونفسي وأهلي ومالي من أراد الله بدأ بكم ومن وحده قبل عنكم، ومن قصده توجه إليكم. موالي لا أحصي ثناءكم، ولا أبلغ من المدح كنهكم، ومن الوصف قدركم، وأنتم نور الأخيار وهداة الأبرار، وحجج الجبار. بكم فتح الله وبكم يختم، وبكم نزل الغيث وبكم يمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه، وبكم يكشف الضر، وعندكم ما نزلت به رسله وهبطت به ملائكته إلى جدكم بعث الروح الأمين. وإن كانت الزيارة لأمير المؤمنين عليه السلام فقل: وإلى أخيك بعث الروح الأمين. آتاكم الله ما لم يؤته أحدا من العالمين طأطأ كل شريف لشرفكم، وبخع كل متكبر لطاعتكم، وخضع كل جبار لفضلكم، وذل كل شيء لكم وأشرقت الأرض بنوركم، وفاز الفائزون بولايتكم. بكم يسلك إلى الرضوان، وعلى جحد فضلكم غضب الرحمان. بأبي أنتم وأمي ونفسي ومالي وأهلي ذكركم في الذاكرين، وأسماؤكم في الأسماء، وأجسادكم في الأجساد، وأرواحكم في الأرواح، وأنفسكم في النفوس، وآثاركم في الآثار، وقبوركم في القبور. فما أحلى أسماءكم، وأكرم أنفسكم، وأعظم شأنكم، وأجل خطركم، وأوفى

ص 885

عهدكم. كلامكم نور، وأمركم رشد، ووصيتكم التقوى، وفعلكم الخير، وعبادتكم الاحسان، وسجيتكم الكرم، وشأنكم الحق والصدق والرفق وقولكم حكم وحتم ورأيكم علم وحلم وحزم. إن ذكر الخير كنتم أوله وأصله وفرعه ومعدنه ومأواه ومنتهاه. بأبي أنتم وأمي ونفسي وأهلي ومالي كيف أصف حسن ثناءكم؟ وكيف أحصي جميل بلائكم؟ وبكم أخرجنا الله من الذل، وفرج عنا غمرات الكروب، وأنقذنا من شفا جرف الهلكات، ومن النار. بأبي أنتم وأمي ونفسي بموالاتكم علمنا الله معالم ديننا، وأصلح ما كان فسد من دنيانا وبموالاتكم تمت الكلمة، وعظم النعمة، وائتلفت الفرقة، وبموالاتكم تقبل الطاعة المفترضة، ولكم المودة الواجبة، والدرجات الرفيعة، والمقام المحمود عند الله تعالى والمكان المعلوم والجاه العظيم، والشأن الكبير والشفاعة المقبولة. ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين. ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب. سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا. يا ولي الله إن بيني وبين الله عز وجل ذنوبا لا يأتي عليها إلا رضاكم، فبحق من ائتمنكم على سره، واسترعاكم أمر خلقه، وقرن طاعتكم بطاعته، لما استوهبتم ذنوبي، وكنتم شفعائي فإني لكم مطيع من أطاعكم فقد أطاع الله، ومن عصاكم فقد عصى الله ومن أحبكم فقد أحب الله ومن أبغضكم فقد أبغض الله. اللهم إني لو وجدت شفعاء أقرب إليك من محمد وأهل بيته الأخيار الأئمة الأبرار لجعلتهم شفعائي، فبحقهم الذي أوجبت لهم عليك، أسألك أن تدخلني في جملة العارفين بهم وبحقهم وفي زمرة المرحومين بشفاعتهم إنك أرحم الراحمين، وصلى الله على محمد وآله وسلم تسليما كثيرا. ثم قال الإمام علي الهادي عليه السلام وإذا أردت الانصراف فقل عند الوداع السلام عليك سلام مودع لا سئم ولا قال ورحمة الله وبركاته إنه حميد مجيد، السلام عليكم يا أهل بيت النبوة، سلام ولي غير راغب عنكم، ولا مستبدل بكم ولا

ص 886

مؤثر عليكم، ولا منحرف عنكم ولا زاهد في قربكم، ولا جعله الله آخر العهد من زيارة قبوركم وإتيان مشاهدكم. والسلام عليكم وحشرني الله في زمرتكم، وأوردني حوضكم وجعلني من حزبكم وأرضاكم عني، ومكنني في دولتكم وأحياني في رجعتكم وملكني في أيامكم، وشكر سعيي بكم وغفر ذنبي بشفاعتكم، وأقال عثرتي بحبكم، وأعلى كعبي بموالاتكم، وشرفني بطاعتكم، وأعزني بهداكم وجعلني ممن أنقلب - مفلحا منجعا غانما سالما معافا غنيا فائزا برضوان الله تعالى وفضله وكفايته - بأفضل ما ينقلب به أحد من زواركم ومواليكم ومحبيكم وشيعتكم. ورزقني الله العود ثم العود أبدا ما أبقاني ربي بنية صادقة وإيمان وتقوى وإخبات ورزق واسع حلال طيب. اللهم لا تجعله آخر العهد من زيارتهم وذكرهم والصلاة عليهم، وأوجب لي المغفرة والخير والبركة والفوز والإيمان وحسن الإجابة، كما أوجبت لأوليائك العارفين بحقهم، المؤمنين بطاعتهم والراغبين في زيارتهم، المتقربين إليك وإليهم. بأبي أنتم وأمي ونفسي وأهلي ومالي اجعلوني في همكم، وصيروني في حزبكم وأدخلوني في شفاعتكم، واذكروني عند ربكم. اللهم صل على محمد وآل محمد وأبلغ أرواحهم وأجسادهم مني السلام، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم تسليما كثيرا وحسبنا الله ونعم الوكيل، نعم المولى ونعم النصير.

ص 887

مستدرك فضائل الإمام الحادي عشر الحسن بن علي العسكري صلوات الله عليهما

مدح سيدنا الإمام العسكري عليه السلام

قاله المولى الشيخ محمد حسين الكمباني الأصفهاني قدس سره:

لقد بدا سر المليك الأكبر * في قائد الحق الزكي العسكري

سر النبي في محاسن الشيم * ومن يشابه أبه فما ظلم

بل هو في كل معانيه حسن * فإنه سر النبي المؤتمن

بل فيه سر الحق بالحق نزل * إذ هو مستودع ناموس الأزل

واصله فاتحة الوجود * وفرعه خاتمة الشهود

وقد تجلى نور وجهه الحسن * فاندك فيه الطور والنور

ولن وكيف وهو أعظم الأنوار * وكيف وهو نور وجه الباري

 أسمائه الحسنى تجلت فيه * نفسي الفدا لوجهه الوجيه

بل اسمه الأعظم قد تجلى * فيه فإنه ابن من تدلى

يمثل الواجب في صفاته * كيف وغيب الذات سر ذاته

هو الزكي في علو الشأن * عن وصمة الحدوث والامكان

ومطلق الوجود عن قيودها * وعن رسومها وعن حدودها

وذاته في مصحف الآيات * أم الكتاب في سموه الذات

ص 888

وهو أبو العقول بالكلية * وكلها في ذاته مطوية

إذ هو كاللطيفة القدسية * من الحقيقة المحمدية

ووجهه كتاب حسن ذاته * وفهرس الأسماء في صفاته

غرته شارقة الجمال * الحاظة بارقة الجلال

وجنة النعيم في وجنته * كل نعيم هو في جنته

وعينه عين عيون النور * تمثل البصير بالأمور

وعند نورها المحيط القاهر * سيان كل باطن وظاهر

يمثل الكنز الخفي صدره * فجل شأنه وعز قدره وقلبه

مشكورة نور الذات * مجردا عن التعينات

وفي تجلياته مجلاه * فما أجله وما أجلاه

والغيب في محيطه شهود * لا بل هو الشاهد والمشهود

وعنده مفاتح الغيب وفي * كتابه المبين كل الأحرف

فيه الحروف العاليات كالنقط * ولا سواه نقطة المركز قط

فإنه كالنفس الرحماني * في كلمات عالم الامكان

لطائف الأسرار في لطيفته * دقائق الأفكار في صحيفته

حيته بذر ثمار المعرفة * بها تدلى كل اسم وصفة

وفي سويداء بياض النور * يفوق نور الطور في الظهور

لسانه هو الكتاب الناطق * وتنجلي بنوره الحقائق

لسانه الناطق بالصواب * معرف السنة والكتاب

بل هو في حفظ حدود السنة * أحد من السنة الأسنة

رسومها برأيه السديد * قد أصبحت أقوى من الحديد

لا بل لسان الوحي والتنزيل * يغني سماعه عن الدليل

فهو لسان خاتم الرسالة * في النطق والبيان والدلالة

ص 889

مقامه من النبي السامي * منزلة المعنى من الكلام

له مقام لي مع الله ولا * ارفع منه في مقامات العلا

منطقه منطقة السماء * في عالم الصفات والأسماء

منطقه البليغ في المعارف * ميزان كل سالك وعارف

بل هو في بيانه الوحيد * روح الهدى ومهجة التوحيد

إذ هو سر المرتضى أبيه * ونقطة الباء تجلت فيه

فهو قوام الصحف المنزلة * ومجمل الصحائف المفصلة

لا بل تجلى الله في كلامه * فإنه النازل من مقامه

إذ ذاته مرآة غيب الذات * تحل فيه صور الصفات

منطقه كنز جواهر الكلم * والجوهر الفرد هناك ينقسم

كل كلامه أصول الحكمة * فروعها جوامع مهمة

والكل أم الكلم الطيب في * وحدته فياله من شرف

كيف وأم الكلمات ذاته * حياة كل ممكن حياته

فالمبدعات من بديع جوده * بل كل ما في الكون من وجوده

والفلك الأعلى يدور حوله * كالعبد يرجو فضله وطوله

والبدر تمثال لظل بابه * والشمس خدها على ترابه

له من المعروف والأيادي * ما هو معروف بكل نادي

بل عالم الوجود من خيراته * وكيف والخير حليف ذاته

إذ يده البيضاء بالاعطاء * حقا يد الباسط بالعطاء

وهي يد الاحسان والإنعام * بل يد ذي الجلال والاكرام

تلك يد الله فما أقواها * والأبحر السبعة من نداها

فليس فوقها يد في الجود * والجود جود واجب الوجود

له من العلوم والمعارف * ما جل عن توصيف أي واصف

ص 890

رغما لمن أنكره ولم يحط * خبرا بما رووه عنه وضبط

فكيف وهو حجة الله على * عباده فجل عن أن يجهلا

وعلمه تراثه من جده * لا إنه بكسبه وجده

وهو أمين الله في الأنام * وصدره مستودع الأحكام

وقلبه مرآة ذات الباري * في سره لطائف الأسرار

أصاب من لدنه علما جما * ولا ترى كيفا له وكما

كيف ولا حد لعلم الباري * والسرفي المجلي الأتم سار

كل علوم الأنبياء والرسل * من علمه مثل الظلال والمثل

والفرع رشح الأصل في ظهوره * ذاتا ووصفا فهو ظل نوره

ذواتها من رشحات ذاته * فما صفات الكل من صفاته

له مقام في العلوم والحكم * يجل عن حيطة لوح أو قلم

له مقام في الشهود والفنا * يمثل المشهود في إني أنا

يمثل النبي في أدناه * صورته تنبئ عن معناه

حاز من النبي كل مكرمة * فهي له فكل معنى الكلمة

فاز بأقصى رتب الولاية * ولاية الارشاد والهداية

ولاية التشريع والتكوين * أكرم بهذا العز والتمكين

وهو أبو المهدي وابن الهادي * فلا أحق منه بالارشاد

لطيفة النبي علة العلل * واسطة الفيض وإن دق وجل

ليس لفضله المبين كاتم * مبدؤه ومنتهاه الخاتم

فهو سليل خاتم الرسالة * وصاحب الرفعة والجلالة

وهو أبو الخاتم للولاية * من هو مأمول لكل غاية

قاسى عظيما في عظيم شانه * من خلفاء الجور في زمانه

حتى إذا القى في السباع * وهو ابن ليث غاية الابداع

ص 891

شبل علي أسد الله ولا * يرى لديه الأسد إلا مثلا

وكيف وهو مالك الأرواح * بأمره تحل في الأشباح

تطايرت أرواحها لهيبته * واضطربت أشباحها من خيفته

وكم رأى في عمره القصير * منهم من التوهين والتحقير

ايطب الاسراج والالجام * للبغل منه وهو الإمام

فبتر الله به أعمارهم * كما محى من بعدهم آثارهم

حتى قضى العمر بما يقاسي * فسمه المعتمد العباسي

قضى على شبابه مسموما * مضطهدا محتسبا مظلوما

فناحت الحور على شبابا * وصبت الدموع في مصابه

تضعضعت لرزئه السبع العلا * والملأ الأعلى تحييه على

وانصدعت لرزئه الجبال * كأنه الساعة والأهوال

لو لم يكن بقية الله لما * رأيت في الوجود أرضا وسما

بكته عين الحق والحقيقة * وشرعة المختار والطريقة

لرزئه اقشعرت الأظلة * بكاه كل ملة ونحلة

لقد بكاه الروح والأرواح * لما استحلوا منه واستباحوا

صبرا جميلا أيها المؤمل * والصبر في الرز الجليل أجمل واحسن

الله لك العزاء في * مصيبة ليس لها من خلف

يا حجة الله وخاتم الحجج * أغث مواليك إلى متى الفرج

مستدرك نسبه الشريف وميلاده ووفاته

تقدم ما يدل عليه عن العامة في ج 12 ص 458 وج 19 ص 619 وج 29 ص 59،

ص 892

ونستدرك هيهنا عن الكتب التي لم نرو عنها فيما مضى. رواه جماعة: فمنهم أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد ابن الجوزي المتوفى سنة 597 ه في (المنتظم في تاريخ الملوك والأمم) (ج 12 ص 158 ط دار الكتب العلمية بيروت) قال: الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر، أبو محمد العسكري. ولد سنة إحدى وثلاثين ومائتين، وكان يسكن بسر من رأى، وبها مات، وهو أحد من تعتقد فيه الشيعة الإمامة. وتوفى في ربيع الأول من هذه السنة ودفن إلى جانب أبيه. ما قيل في شأنه عليه السلام منهم العلامة عز الدين عبد الحميد ابن أبي الحديد المعتزلي في (شرح النهج) (ج 15 ص278 ط القاهرة) قال: ومن الذي يعد من قريش أو من غيرهم ما يعده الطالبيون عشرة في نسق، كل واحد منهم عالم زاهد ناسك شجاع جواد طاهر زاك، فمنهم خلفاء، ومنهم مرشحون: ابن ابن ابن ابن، هكذا إلى عشرة، وهم الحسن بن علي بن محمد بن علي ابن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي عليهم السلام، وهذا لم يتفق لبيت من بيوت العرب ولا من بيوت العجم.

ص 893

مستدرك فضائل ومناقب الإمام الثاني عشر الحجة بن الحسن العسكري صلوات الله عليه وعجل الله فرجه الشريف

لله در العلامة الكبير الحاج الشيخ محمد حسين الكمباني قدس سره قال: (في مولد الإمام المهدي بن الحسن صلوات الله عليه)

قد حاز شعبان عظيم الشرف * من معدن اللطف الجلي والخفي

فقد تجلى فيه وجه الباري * بنوره القاهر للأنوار

وأي نور هو نور النور * يندك في سناه نور الطور

أشرق نور من سماء الذات * تجلو به حقائق الصفات

نور الولاية المحمدية * في أعظم المظاهر العلية

به استنار عالم الامكان * بل نشأة الثبوت للأعيان

أشرق كالشمس ضحى النهار * من مستسر عالم الأسرار

أكرم به من غائب مشهود * بدا من الغيب إلى الشهود

ليس سواه نير مغيب * فهو عن الغيب المصون يعرب

وقال:

غرته قرة عين المعرفة * حقيقة الحق بها منكشفة

تشرق من طلعته شمس الأبد * ليس لها حد ولا لها أمد

وكيف وهو خاتم الولاية * فهل لغاية الكمال غاية

ص 894

ووجهه المضئ مصباح الهدى * يزداد نورا وضياء أبدا

والكوكب الدري في السماء * مشكوة ذاك النور والضياء

والله كل ما يشاء يهدي * بنوره والنور نور المهدي

وصدره كنز جواهر الحكم * معدن أسرار الحدوث والقدم

وقلبه مقلب القلوب * وعنده مفاتح الغيوب

وعينه مرآة عين الذات * عينا بلا تعين الصفات

لسانه ناطقة الوجود * معرف الرسوم والحدود

وكيف لا وهو لسان الباري * ينبئ عن حقائق الأسرار

واليمن كل اليمن في جبينه * والخير كل الخير في يمينه

وقال:

وهو ولي الأمر لا سواه * ومبدء الخير ومنتهاه

ومصدر الوجود في البداية * وغاية الايجاد في النهاية

كل لسان المدح عن جلاله * وأبهر العقول في جماله

بذلك الجلال والجمال * قد ختمت دائرة الكمال

وقال:

بشراك يا فاتحة الوجود * بخاتم الولاية الموعود

رب المعالي وربيب المجد * ووارث المجد أبا عن جد

روح الهدى عقل العقول الشامخة * قلب التقى نفس نفوس الباذخة

وملتقى القوسين في الوجود * ومركز المحيط في الشهود

هو المدار بل هو المدير * بأمره التقدير والتدبير

وعالم الابداع تحت أمره * ونشأة التكوين دون قدره

والقلم الأعلى لسان حاله * واللوح كالعنوان من كماله

بقية الله وصفوة الرسل * ونخبة الوجود ما شئت فقل

ص 895

لك الهنا يا سيد البرايا * بما حباك واهب العطايا

بالجوهر الفرد من الجواهر * في الحسن والكمال والمفاخر

والمقصد الأقصى من الايجاد * والغاية القصوى من المبادي

لطيفة اللطائف القدسية * صحيفة الفضائل النفسية

نتيجة النفوس والعقول * في قوسي الصعود والنزول

من جنة الأسماء أسمى شجرة * لدوحة الوجود أزكى ثمرة

تطور الوجود في أدواره * فجاء بالأكمل من أطواره

وجائت القوى في الاستكمال * بصورة جامعة كل كمال لائق

فإنها حقيقة الحقاق * جامعة كل كمال لائق

وقال:

بشراك يا أبا الأئمة الغرر * بغرة الدهر ودرة الدرر

غرته بهجة مهمة الهدى * فما أجل المنتهى والمبتدا

ناشر راية الهدى بهمته * كاسر شوكة العدى بصولته

سطوته تقضي على كل أحد * فإن هذا الشبل من ذاك الأسد

وهو معيد الملة البيضاء * مجدد الشريعة الغراء

وناظم الدين نظاما حسنا * ومن به الحق يعود بينا

وهل سواه قائم بالقسط * وباسط العدل بأوفى بسط

وليس لله يد سوى يده * ولا لجمع الكفر غير مفرده

ولا سواه جامع للشمل * والحاكم العدل بقول فصل

وقال:

بشراك أيها الزكي العسكري * بالملك المهيمن المقتدر

سلطان اقليم الوجود كله * وكل شيء هو تحت ظله

وصاحب الفتح وناشر اللوا * والملك الذي على العرش استوى

ص 896

عرش الخلافة المحمدية * بل مستوى الحقيقة الكلية

أكرم بهذا الملك المطاع * في نشأة التكوين والابداع

خليفة المبدء في الافضال * في منتهى العدل والاعتدال

والملكوت كلها طوع يده * والملك كالمملوك عند سيده

فاتح باب الجود والأيادي * وخاتم الأمجاد في الارشاد

لطيفة العلم وروح الحكمة * ومعدن الحلم وعين الرحمة

كهف الورى والغوث عند * الالتجا وفي فناء بابه كل الرجا

وقال:

يا غائبا مثاله عيانه * انهض على اسم الله جل شأنه

يا كعبة التوحيد من جور العدى * تهدمت والله أركان الهدى

يا صحب البيت ومستجاره * ألا ترى قد هتكوا أستاره

يا شرف المشاعر العظام * عطفا على شعائر الإسلام

يا غاية الآمال يا أقصى المنى * نهضا متى تحل في وادي منى

يا دوحة المجد العظيم شأنها * لهفي لها تقطعت أغصانها

متى نراها والقطوف دانية * متى نراها والثمار زاكية

يا أيها القصر المشيد السامي * كيف دهاك حادث الإمام

حتى تداعى منك ما يسمو على * سمك الضراح والسموات العلى

متى نراك بعد طول المدة * مشيدا بعدة وعدة

وقال أيضا:

الغوث أيها الكتاب الناطق * فالحرب قد بانت لها الحقائق

نهضا فقد آلت إلى الخراب * معاهد السنة والكتاب

تكاد أن تطفئ ظلمة الفتن * نور مصابيح الفروض والسنن

انشر لواك أيها الموتور * فإنك المؤيد المنصور

ص 897

وقم بعزمة تسابق القضا * وسطوة تثير في وجه الفضا

ثم املاء البيداء من عرابها * وصل بها فأنت ليث غابها

وزلزل الأرض بها زلزالها * تذكر الساعة في أهوالها

وقال أيضا:

وكم دم أراقه مهنده * وحرة أبرزها شلت يده

وكيف تسبى حرم المختار * ودائع الله على الأكوار

وحمل رأس المجد والمعالي * على العوالي أشنع الأفعال

وازداد ذلك الأساس شرا * في كل يوم وهلم جرا

أبعد هذا للغيور صبرا * وهل لذاك الكسر بعد جبر

وقال أيضا:

فيا لثارات النبي الهادي * في دينه وآله الأمجاد

يا صاحب الأمر أغث دين الهدى * فأنت منصور على من اعتدى

يا صاحب العصر لقد طال المدى * أما لسيف الله أن يجردا

يا أيها القائم بالقسط أقم * وجهك للدين الحنيف

وانتقم لدين آبائك من أعدائه * بكفك العادل في قضائه

وطهر الأرض من الأرجاس * بسطوة تزلزل الرواسي

وما جناه الجبت والطاغوت * فهل على مثلك لا يفوت

متى نرى سيفك في الرقاب * كأنه صاعقة العذاب

متى نرى بوارق السيوف * كأنها تبرق بالحتوف

متى نرى خيلك تملأ الفضا * تخالهم أمضى المواضي للقضا

متى نراك مدركا للنار * تبتر الأعمال بالبتار

تحيي به العباد والبلاد * تشفي به الصدور والأكباد

 متى نرى منهلك العذب الروي * من بعد أن طال الصدى فنرتوي

ص 898

يا رب عجل لوليك الفرج * فإننا في كل ضيق وحرج

وانصر به الدين وأهله كما * وعدته من منك أو في ذمما لله

در السيد حيدر الحلي حيث قال في شأن سيدنا الإمام المنتظر:

يا غمرة من لنا بمعبرها * موارد الموت دون مصدرها

يطفح موج البلا الخطير بها * فيغرق العقل في تصورها

وشدة عندها انتهت عظما * شدائد الدهر مع تكثرها

ضاقت ولم يأتها مفرجها * فجاشت النفس من تحيرها

 الآن رجس الضلالة استغرق * الأرض فضجت إلى مطهرها

وملة الله غيرت فغدت * تصرخ لله من مغيرها

من مخبري والنفوس فغدت * ماذا يؤدي لسان مخبرها

لم صاحب الأمر عن رعيته * أغضى فغضت بجور أكفرها

ما عذره نصب عينه أخذت * شيعته وهو بين أظهرها

يا غيرة الله لا قرار على * ركوب فحشائها ومنكرها

سيفك والضرب إن شيعتكم * قد بلغ السيف حز منحرها

مات الهدى سيدي فقم وأمت * شمس ضحاها بليل عيثرها

واترك منايا العدى بأنفسهم * تكثر في الروح من تعثرها

لم يشف من هذه الصدور سوى * كسرك صدر القنا بموغرها

وهذه الصحف محو سيفك للأ * عمار منهم امحى لأسطرها

فالنطف اليوم تشتكي وهي في الأ * رحام منها إلى مصورها

فالله يا ابن النبي في فئة * ما ذخرت غيركم لمحشرها

ماذا لأعدائها تقول إذا * لم تنجها اليوم من مدمرها

أشقة البعد دونك اعترضت * أم حجبت منك عين مبصرها

فهاك قلب قلوبنا ترها * تفطرت فيك من تنضرها

ص 899

كم سهرت أعين وليس سوى * انتظارها غوثكم بمسهرها

أين الحفيظ العليم للفئة * المضاعة الحق عند أفخرها

تغضي وأنت الأب الرحيم لها ما * هكذا الظن في ابن أطهرها

إن لم تغثها لجرم أكبرها * فارحم لها ضعف جرم أصغرها

كيف رقاب من الجحيم بكم * حررها الله في تبصرها

ترضى بأن تسترقها عصب * لم تله عن نأيها ومزهرها

إن ترض يا صاحب الزمان بها * ودام للقوم فعل منكرها

ماتت شعار الإيمان واندفنت * ما بين خمر العدى وميسرها

أبعد بها خطة تزاد لها * لا قرب الله دار مؤثرها

الموت خير من الحياة بها * لو تملك النفس من تخيرها

ما غر أعداءنا بربهم * وهو ملئ بقصم أظهرها

مهلا فلله من بريته * عوائد جل قدر أيسرها

فدعوة الناس إن تكن حجبت * لأنها ساء فعل أكثرها

فرب جرى حشى لواحدها! * شكت إلى الله في تصورها

توشك أنفاسها وقد صعدت * أن تحرق القوم في تسعرها

وله أيد الله تعالى ندبة أخرى تجري في هذا المجرى، تورث في العين قذى، وفي القلب شجى: أقائم بيت الهدى الطاهر * كم الصبر فت حشى الصابر

وكم يتظلم دين إلا * له إليك من النفر الجائر

يمد يدا تشتكي ضعفها * لطبك في نبضها الفاتر

ترى منك ناصره غائبا * وشرك العدى حاضر الناصر

فنوسع سمعك عتبا يكاد * يثيرك قبل ندا الأمر

نهزك لا مؤثرا للقعود * على وثبة الأسد الخادر

ص 900

ونوقض عزمك لإبائنا * بمقلة من ليس بالساهر

ونعلم أنك عما تروم * لم يك باعك بالقاصر

ولم تخش من قاهر حيث ما * سوى الله فوقك من قاهر

ولا بد من أن نرى الظالمين * بسيفك مقطوعة الدابر

بيوم به ليس تبقى ضباك * على دارع الشرك والحاسر

ولو كنت تملك أمر النهوض * أخذت له أهبة الثائر

وإنا إن ضرستنا الخطوب * لنعطيك جهد رضى العاذر

ولكن نرى ليس عند الإله * أكبر من جاهك الوافر

فلو نسأل الله تعجيله * ظهورك في الزمن الحاضر

لوافتك دعوته في الظهور * بأسرع من لمحة الناظر

فتقف عدلك من ديننا * قنا عجمتها يد الآطر

وسكن أمنك منا حشى * غدت بين خافقتي طائر

إلام وحتى (متى) تشكو العقام * لسيفك أم الوغى العاقر

ولم تتلظى عطاش السيوف * إلى ورد ماء الطلى الهامر

أما لقعودك من آخر * أثرها فديتك من ثائر

وقدها يميت ضحى المشرقين * بظلمة قسطلها المائر

يردن بمن لا يغير الحمام * أو درك الوتر بالصادر

وكل فتى حنيت ضلعه * على قلب ليث شرى هامر

يحدثه أسمر حاذق * بزجر عقاب الوغا الكاسر

بأن له أن يسر مستميتا * لطعن العدى أوبة الظافر

فيغدو أخف لضم الرماح * منه لضم المها العاطر

أولئك آل الوغى الملبسون * عدوهم ذلة الصاغر

هم صفوة المجد من هاشم * وخالصة الحسب الفاخر

 

الصفحة السابقة الصفحة التالية

شرح إحقاق الحق (ج33)

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب