back page fehrest page next page

و أما أسانيد كتب أبي جعفر بن بابويه عن محمد و علي ابني علي بن عبد الصمد عن أبيهما عن أبي البركات علي بن الحسين الحسيني الجوري عنه و كذلك من روايات أبي جعفر الطوسي .

و أما أسانيد كتب ابن شاذان و ابن فضال و ابن الوليد و ابن الحاشر و علي بن إبراهيم و الحسن بن حمزة و الكليني و الصفواني و العبدكي و الفلكي و غيرهم فهو على ما نص عليها أبو جعفر الطوسي في الفهرست و حدثني الفتال بالتنوير في معاني التفسير و بكتاب روضة الواعظين و بصيرة المتعظين و أنبأني الطبرسي بمجمع البيان لعلوم القرآن و بكتاب إعلام الورى بأعلام الهدى و أجاز لي أبو الفتوح رواية روض الجنان و روح الجنان في تفسير القرآن و ناولني أبو الحسن البيهقي حلية الأشراف و قد أذن لي الآمدي في رواية غرر الحكم و وجدت بخط أبي طالب الطبرسي كتاب الاحتجاج و ذلك مما يكثر تعداده و لا يحتاج إلى ذكره لاجتماعهم عليه و ما هذا إلا جزء من كل و لا أنا علم الله تعالى إلا معترف بالعجز و التقصير كما قال أبو الجوائز :

رويت و ما رويت من الرواية و كيف و ما انتهيت إلى نهايةو للأعمال غايات تناهي و إن طالت و ما للعلم غاية

و قد قصدت في هذا الكتاب من الاختصار على متون الأخبار و عدلت

[13]

عن الإطالة و الإكثار و الاحتجاج من الظواهر و الاستدلال على فحواها و معناها و حذفت أسانيدها لشهرتها و لإشارتي إلى رواتها و طرقها و الكتب المنتزعة منها لتخرج بذلك عن حد المراسيل و تلحق بباب المسندات و ربما تتداخل الأخبار بعضها في بعض أو نختصر منها موضع الحاجة أو نختار ما هو أقل لفظا أو جاءت غريبة من مظان بعيدة أو وردت مفردة محتاجة إلى التأويل فمنها ما وافقه القرآن و منها ما رواه خلق كثير حتى صار علما ضروريا يلزمهم العمل به و منها ما بقيت آثارها رؤية أو سمعا و منها ما نطقت به الشعراء و الشعرورة لتبذلها فظهرت مناقب أهل البيت (عليه السلام) بإجماع موافقيهم و إجماعهم حجة على ما ذكر في غير موضع و اشتهرت على ألسنة مخالفيهم على وجه الاضطرار و لا يقدرون على الإنكار على ما أنطق الله به رواتهم و أجراها على أفواه ثقاتهم مع تواتر الشيعة بها و ذلك خرق العادة و عظة لمن تذكر فصارت الشيعة موافقة لما نقلته ميسرة و الناصبية مخيبة فيما حملته مسخرة لنقل هذه الفرقة ما هو دليل لها في دينها و حمل تلك ما هو حجة لخصمها دونها و هذا كاف لمن ألقى السمع و هو شهيد و إن هذا لهو البلاء المبين و تذكرة للمتذكرين و لطف من الله تعالى للعالمين .

ثم وشحت هذه الأخبار بشواهد الأشعار و توجتها بالآيات فرحم الله امرأ اعتبر و أحسن لنفسه النظر فالرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل و لأن تكون تابعا في الخير خير من أن تكون متبوعا للشر و خير العمل ما أصلحت به رشادك و شره ما أفسدت به معادك و افتتحت ذلك بذكر سيد الأنبياء و المرسلين ثم بذكر الأئمة الصادقين و ختمته بذكر الصحابة و التابعين و سميته بمناقب آل أبي طالب و نظمته للمعاد لا للمعاش و ادخرته للدين لا للدنيا فأسأل الله تعالى أن يجعله سبب نجاتي و حط سيئاتي و رفع درجاتي إنه سميع مجيب .

باب ذكر سيدنا

رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)

فصل في البشائر بنبوته :

منها بشائر موسى في السفر الأول و بشائر إبراهيم

[14]

في السفر الثاني و في السفر الخامس عشر و في الثالث و الخمسين من مزامير داود و منها بشائر عويبنا و حيقوق و حزقيل و دانيال و شعيا .

وقال داود في زبوره اللهم ابعث مقيم السنة بعد الفترة .

وقال عيسى في الإنجيل إن البر ذاهب و البارقليطا جاء من بعده و هو يخفف الآصار و يفسر كلم كل شي‏ء و يشهد لي كما شهدت له ، أنا جئتكم بالأمثال و هو يأتيكم بالتأويل .

و كان كعب بن لوي بن غالب يجتمع إليه الناس في كل جمعة و كانوا يسمونها عروبة فسماه كعب يوم الجمعة و كان يخطب فيه الناس و يذكر فيه خبر النبي آخر خطبته كلما خطب . و بين موته و الفيل خمسمائة و عشرون سنة فقال أم و الله لو كنت فيها ذا سمع و بصر و يد و رجل لتنصبت فيها تنصب الجمل و لأرقلت فيها إرقال الفحل ثم قال :

يا ليتني شاهد فحواي دعوته *** حين العسيرة تبغي الحق خذلانا

خبر زيد بن عمرو بن نفيل :

محمد بن إسحاق : إن زيد بن عمرو بن نفيل ضرب في الأرض يطلب الدين الحنيف فقال له راهب بالشام إنك لتسأل عن دين ذهب من كان يعرفه و لكنك قد أظلك خروج نبي يأتي ملة إبراهيم الحنيفية و هذا زمانه فخرج سريعا حتى إذا كان بأرض لخم عندوا عليه فقتلوه .

و قال النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) زيد بن عمرو يبعث أمة وحده .

و رثاه ورقة بن نوفل :

رشدت و أنعمت ابن عمرو و إنما *** تجنبت تنورا من الله حاميا

[15]

بدينك ربا ليس رب كمثله *** و تركك أوثان الطواغي كما هيأ

و قد تدرك الإنسان رحمة ربه *** و لو كان تحت الأرض ستين واديا

تبع الأول :

و كان تبع الأول من الخمسة التي كانت لهم الدنيا بأسرها فسار في الآفاق و كان يختار من كل بلدة عشرة أنفس من حكمائهم فلما وصل إلى مكة كان معه أربعة آلاف رجل من العلماء فلم يعظمه أهل مكة فغضب عليهم و قال لوزيره عمياريسا في ذلك فقال الوزير إنهم جاهلون و يعجبون بهذا البيت فعزم الملك في نفسه أن يخربها و يقتل أهلها فأخذه الله بالصدام و فتح من عينيه و أذنيه و أنفه و فمه ماء منتنا عجزت الأطباء عنه و قالوا هذا أمر سماوي و تفرقوا .

فلما أمسى جاء عالم إلى وزيره و أسر إليه إن صدق الأمير بنيته عالجته فاستأذن الوزير له فلما خلا به قال له هل أنت نويت في هذا البيت أمرا ؟

قال كذى و كذى .

فقال العالم : تب من ذلك و لك خير الدنيا و الآخرة .

فقال : قد تبت مما كنت نويت .

فعوفي في الساعة ، فآمن بالله و بإبراهيم الخليل ، و خلع على الكعبة سبعة أثواب و هو أول من كسا الكعبة ، و خرج إلى يثرب و يثرب هي أرض فيها عين ماء فاعتزل من بين أربعة آلاف رجل عالم أربعمائة رجل عالم على أنهم يسكنون فيها و جاءوا إلى باب الملك و قالوا إنا خرجنا من بلداننا و طفنا مع الملك زمانا و جئنا إلى هذا المكان نريد المقام إلى أن نموت فيه فقال الوزير ما الحكمة في ذلك قالوا اعلم أيها الوزير أن شرف هذا البيت بشرف محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) صاحب القرآن و القبلة و اللواء و المنبر مولده بمكة و هجرته إلى هاهنا و إنا على رجاء أن ندركه أو يدركه أولادنا فلما سمع الملك ذلك تفكر أن يقيم معهم سنة رجاء أن يدرك محمدا و أمر أن يبنوا أربعمائة دار لكل واحد دارا و زوج كل واحد منهم بجارية معتقة و أعطى لكل واحد منهم مالا جزيلا .

ابن بابويه في كتاب النبوة أنه قال أبو عبد الله (عليه السلام) إن تبعا قال للأوس و الخزرج كونوا هاهنا حتى يخرج هذا النبي أما أنا لو أدركته لخدمته و لخرجت معه .

و روي أنه قال :

قالوا بمكة بيت مال داثر *** و كنوزه من لؤلؤ و زبرجد

[16]

بادرت أمرا حال ربي دونه *** و الله يدفع عن خراب المسجد

فتركت فيه من رجالي عصبته *** نجبا ذوي حسب و رب محمد

و كتب كتابا إلى النبي (عليه السلام) يذكر فيه إيمانه و إسلامه و أنه من أمته فليجعله تحت شفاعته و عنوان الكتاب إلى محمد بن عبد الله خاتم النبيين و رسول رب العالمين من تبع الأول و دفع الكتاب إلى العالم الذي نصح له ثم خرج منه و سار حتى مات بغلسان بلد من بلاد الهند و كان بين موته و مولد النبي (عليه السلام) ألف سنة .

ثم إن النبي (عليه السلام) لما بعث و آمن به أكثر أهل المدينة أنفذوا الكتاب إليه على يد أبي ليلى فوجد النبي (عليه السلام) في قبيلة بني سليم فعرفه رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقال له أنت أبو ليلى قال نعم قال و معك كتاب تبع الأول فتحير الرجل فقال هات الكتاب فأخرجه و دفعه إلى رسول الله فدفعه النبي إلى علي بن أبي طالب فقرأه عليه فلما سمع النبي (عليه السلام) كلام تبع قال مرحبا بالأخ الصالح ثلاث مرات و أمر أبا ليلى بالرجوع إلى المدينة .

أمر سلمان :

إكمال الدين عن ابن بابويه و روضة الواعظين عن محمد الفتال : إنه كان عند تربة النبي (عليه السلام) جماعة فسأل أمير المؤمنين (عليه السلام) سلمان عن مبدأ أمره .

فقال :كنت من أبناء الدهاقين بشيراز و كنت عزيزا على والدي فبينا أنا سائر مع أبي في عيد لهم إذا أنا بصومعة و إذا فيها رجل ينادي أشهد أن لا إله إلا الله و أن عيسى روح الله و أن محمدا حبيب الله فرصف حب محمد في لحمى و دمي فلما انصرفت إلى منزلي إذا أنا بكتاب معلق من السقف فسألت أمي عنه فقالت لا تقربه فإنه يقتلك أبوك فلما جن الليل أخذت الكتاب فإذا فيه بسم الله الرحمن الرحيم هذا عهد من الله إلى آدم أنه خالق من صلبه نبيا يقال له محمد يأمر بمكارم الأخلاق و ينهى عن عبادة الأوثان يا روزبه ايت أنت وصي عيسى فآمن و اترك المجوسية .

قال : فصعقت صعقة فأخذني أبي و أمي و جعلاني في بئر عميقة و قالا : إن رجعت و إلا قتلناك و ضيقوا علي الأكل و الشرب .

فلما طال أمري دعوت الله بحق محمد و وصيه أن يريحني مما أنا فيه .

فأتاني آت عليه ثياب بيض فقال : قم يا روزبه فأخذ بيدي و أتى بي الصومعة .

فقلت : أشهد أن لا إله إلا الله و أن عيسى روح الله و أن محمدا حبيب الله .

فقال الديراني :

[17]

يا روزبه اصعد .

فصعدت إليه , فخدمته حولين .

فقال : إني ميت أوصيك براهب أنطاكية فاقرأه مني السلام و ادفع إليه هذا اللوح , و ناولني لوحا .

فلما فرغت من دفنه , أتيت الصومعة و قلت : أشهد أن لا إله إلا الله و أن عيسى روح الله و أن محمدا حبيب الله .

فقال : يا روزبه اصعد .

فصعدت إليه , فخدمته حولين .

فقال : إني ميت أوصيك براهب إسكندرية فاقرأه مني السلام , و ادفع إليه هذا اللوح .

فلما فرغت منه , أتيت الصومعة قائلا : أشهد أن لا إله إلا الله و أشهد أن عيسى روح الله و أن محمدا حبيب الله .

فقال اصعد يا روزبه .

فصعدت إليه , فخدمته حولين .

فقال : إني ميت .

قلت : على من تخلفني ?

فقال : لا أعرف أحدا يقول بمقالتي هذه في الدنيا . و إن ولادة محمد قد حانت , فإذا أتيته فاقرأه مني السلام و ادفع إليه هذا اللوح .

فلما فرغت من دفنه , صحبت قوما , لما أرادوا أن يأكلوا : شدوا على شاة فقتلوها بالضرب . ثم جعلوا بعضها كبابا و بعضها شواء . فامتنعت من الأكل .

فقالوا : كل فقلت إني غلام ديراني و إن الديرانيين لا يأكلون اللحم .

فضربوني , و كادوا يقتلونني .

فقال بعضهم : أمسكوا عنه حتى يأتيكم شرابكم فإنه لا يشرب .

فلما أتوا بالشراب قالوا : تشرب ?

فقلت : مثل ذلك .

فضربوني , و كادوا يقتلونني . فأقررت لواحد منهم بالعبودية .

فأخرجني و باعني بثلاثمائة درهم من رجل يهودي .

فسألني عن قصتي : فأخبرته . و قلت له ليس لي ذنب سوى حبي محمدا و وصيه .

فقال اليهودي : و إني لأبغضك و أبغض محمدا , ثم أخرجني إلى باب خارج داره و إذا رمل كثير فقال : و الله لئن أصبحت و لم تنقل هذا الرمل كله من هذا الموضع لأقتلنك .

قال : فجعلت أحمل طول ليلي , فلما أجهدني التعب . سألت الله تعالى الراحة منه , فبعث الله ريحا فقلعت ذلك الرمل .

فلما أصبح نظر إلى الرمل فقال : أنت ساحر قد خفت منك .

فباعني من امرأة سلمية لها حائط .

فقالت : أفعل بهذا الحائط ما شئت .

فكنت فيه فإذ أنا بسبعة رهط تظلهم غمامة فلما دخلوا كان رسول الله و أمير المؤمنين (عليه السلام) و أبو ذر و المقداد و عقيل و حمزة و زيد .

فأوردتهم طبقا من رطب , فقلت هذه صدقة .

فقال النبي (عليه السلام) : كلوا , و أمسك رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) و أمير المؤمنين (عليه السلام) .

فقلت : هذه علامة .

و وضعت طبقا آخر , فقلت هذه هدية .

فمد يده , و قال بسم الله كلوا .

فقلت في نفسي بدت ثلاث علامات .

و كنت أدور خلفه , إذا التفت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقال يا روزبه تطلب خاتم النبوة .

و كشف عن كتفيه , فإذا أنا بخاتم النبوة معجون بين كتفيه عليه شعرات .

فسقطت على قدميه

[18]

أقبلها .

فقال لي : أدخل على هذه المرأة و قل لها : يقول لك محمد بن عبد الله تبيعينا هذا الغلام ?

فلما أخبرتها . قالت : قل له لا أبيعكه إلا بأربعمائة نخلة , مائتي نخلة صفرا , و مائتي نخلة حمراء .

فأخبرته بذلك .

فقال : ما أهون ما سألت .

قم يا علي و اجمع هذا النوى كله .

فأخذه و غرسه . ثم قال اسقه .

فسقاه . فلما بلغ آخره خرج النخل و لحق بعضه بعضا .

فقال : قل لها خذي شيئك و ادفعي إلينا شيئنا .

فخرجت فقالت : و الله لا أبيعكه إلا بأربعمائة نخلة كلها صفراء .

فهبط جبرئيل فمسح جناحه على النخل فصار كله أصفر .

فنظرت و قالت : نخلة من هذه أحب إلي من محمد و منك .

فقلت لها : و الله إن يوما من محمد أحب إليّ منك و من كل شي‏ء أنت فيه ز فأعتقني رسول الله و سماني سلمان .

نصر بن المنتصر :

من غرس النخل فجاءت يانعا *** مرضية لبوسها من النوى

و أيضا :

و من غرس النوى فأتت بنخل *** لذيذ طعمها للذائقينا

سيف بن ذي يزن :

ابن بابويه في تمام النعمة و الثعلبي في نزهة القلوب : عن ابن العباس لما ظفر سيف بن ذي يزن بالحبشة و استرجع ملك أبيه و قومه و ذلك بعد مولد النبي (عليه السلام) بسنتين أتته وفد العرب و أشرافها بالتهنئة و فيهم عبد المطلب فقال : أيها الملك إن الله تعالى قد أحلك محلا رفيعا صعبا منيعا باذخا شامخا و أنبتك منبتا طابت أرومته و عزت جرثومته ثبت أصله و بسق فرعه في أكرم معدن و أطيب موطن فأنت أبيت اللعن ملك العرب الذي له تنقاد و عمودها الذي عليه العماد و معقلها الذي يلجأ إليه العباد سلفك خير

[19]

سلف و أنت لنا منهم أفضل خلف فلن يجهل من أنت سلفه و لن يهلك من أنت خلفه و نحن أيها الملك أهل حرم الله و سدنة بيته أشخصنا إليك الذي أبهجنا من كشف الكرب الذي فدحنا فنحن وفد التهنئة لا وفد المرزئة .

قال سيف :و أيهم أنت أيها المتكلم ؟

قال : أنا عبد المطلب بن هاشم .

قال : ابن أختنا .

قال :نعم .

فأدناه و قرب مجلسه ثم أقبل عليه و على القوم فقال : مرحبا و أهلا و ناقة و رحلا و مستناخا سهلا و ملكا و نحلا يعطي عطاء جزيلا قد سمع الملك مقالتكم و عرف قرابتكم و قبل وسيلتكم فأنتم أهل الليل و أهل النهار لكم الكرامة ما أقمتم و الحباء إذا ظعنتم .

ثم انتهضوا إلى دار الضيافة فأقاموا شهرا .

ثم أرسل إلى عبد المطلب ليلا فأخلاه و قال : إني مفوض إليك من سر علمي فليكن عندك مطويا حتى يأذن الله فيه فإن الله بالغ أمره .

فقال عبد المطلب : مثلك أيها الملك من سر و بر . فما هو فداك أهل الوبر زمرا بعد زمر .

فقال :إذا ولد بتهامة غلام بين كتفيه شامة كانت له الإمامة و لكم به الزعامة إلى يوم القيامة .

فقال : أيها الملك قد أبت بخير ما آب بمثله وافد و لو لا هيبة الملك و إجلاله لسألته عن مساره إياي ما أزداد به سرورا .

قال : هذا حينه الذي يولد فيه أو قد ولد اسمه محمد يموت أبوه و أمه و يكفله جده و عمه و قد ولد سرارا و الله باعثه جهارا و جاعل له منا أنصارا . إلى آخر كلام له .

فقال عبد المطلب : أيها الملك دام ملكك و علا كعبك فهل الملك ساري بإفصاح فقد أوضح لي بعض الإيضاح .

فقال سيف : و البيت ذي الحجب و العلامات على النصب

[20]

إنك يا عبد المطلب لجده غير كذب . فخر عبد المطلب ساجدا .

ثم إنه أعطى القوم و أعطى عبد المطلب بعشرة أضعاف ذلك فكان عبد المطلب كثيرا ما يقول : يا معشر قريش لا يغبطني أحد بجزيل عطاء الملك و إن كثر فإنه إلى نفاد و لكن يغبطني بما يبقى لي و لعقبي من بعدي ذكره و فخره و شرفه .

فإذا قيل له : ما ذاك ?

يقول : ستعلمن نبأه بعد حين .

ابن رزيك :

محمد خاتم الرسل الذي سبقت *** به بشارة قس و ابن ذي يزن

‏و أنذر النطقاء الصادقون بما *** يكون من أمره و الطهر لم يكن

‏الكامل الوصف في حلم و في كرم *** و الطاهر الأصل من دام و من درن

‏ظل الإله و مفتاح النجاة و *** ينبوع الحياة و غيث الفارض الهتن

‏فاجعله ذخرك في الدارين معتصما *** به و بالمرتضى الهادي أبي الحسن

و تصور لعبد المطلب أن ذبح الولد أفضل قربة لما علم من حال إسماعيل فنذر أنه متى رزق عشرة أولاد ذكور أن ينحر أحدهم للكعبة شكرا لربه فلما وجدهم عشرة قال لهم يا بني ما تقولون في نذري فقالوا الأمر إليك و نحن بين يديك فقال لينطلق كل واحد منكم إلى قدحه و ليكتب عليه اسمه ففعلوا و أتوه بالقداح فأخذها و قال :

عاهدته و الآن أوفي عهده *** إذ كان مولاي و كنت عبده

‏نذرت نذرا لا أحب رده و *** لا أحب أن أعيش بعده

فقدمهم ثم تعلق بأستار الكعبة و نادى اللهم رب البيت الحرام و الركن و المقام و رب المشاعر العظام و الملائكة الكرام اللهم أنت خلقت الخلق لطاعتك و أمرتهم بعبادتك

[21]

لا حاجة منك . (في كلام له ) .

ثم أمر بضرب القداح و قال : اللهم إليك أسلمتهم و لك أعطيتهم فخذ من أحببت منهم فإني راض بما حكمت و هب لي أصغرهم سنا فإنه أضعفهم ركنا .

ثم أنشأ يقول :

يا رب لا تخرج عليه قدحي *** و اجعل له واقية من ذبحي

فخرج السهم على عبد الله .

فأخذ الشفرة و أتى عبد الله حتى أضجعه في الكعبة و قال .

هذا بني قد أريد نحره *** و الله لا يقدر شي‏ء قدره

‏فإن تؤخره تقبل عذره

و هم بذبحه فأمسك أبو طالب يده و قال :

كلا و رب البيت ذي الأنصاب *** ما ذبح عبد الله بالتلعاب

ثم قال اللهم اجعلني فديته و هب لي ذبحته ثم قال .

خذها إليك هدية يا خالقي *** روحي و أنت مليك هذا الخافق

و عاونه أخواله من بني مخزوم و قال بعضهم :

يا عجبا من فعل عبد المطلب *** و ذبحه ابنا كتمثال الذهب

فأشاروا عليه بكاهنة بني سعد فخرج في ثمانمائة رجل و هو يقول :

تغادرني أمر فضقت به ذرعا *** و لم أستطع مما تجللني دفعا

نذرت و نذر المرء دين ملازم *** و ما للفتى مما قضى ربه منعا

و عاهدته عشرا إذا ما تكلموا *** أقرر منهم واحدا ما له رجعا

فأكملهم عشرا فلما هممت أن أفي *** بذاك النذر ثار له جمعا

يصدونني عن أمر ربي و إنني *** سأرضيه مشكورا ليلبسني نفعا

فلما دخلوا عليها قال :

يا رب إني فاعل لما تود *** إن شئت ألهمت الصواب و الرشد

فقالت : كم دية الرجل عندكم ?

قالوا : عشرة من الإبل .

قالت : و اضربوا على الغلام و على الإبل القداح فإن خرج القداح على الإبل فانحروها و إن خرج عليه فزيدوا في الإبل عشرة عشرة حتى يرضى ربكم .

و كانوا يضربون القداح على عبد الله و على عشرة فيخرج السهم على عبد الله إلى أن جعلها مائة و ضرب فخرج القدح على الإبل .

فكبر عبد المطلب و كبرت قريش و وقع

[22]

عبد المطلب مغشيا عليه .

و تواثبت بنو مخزوم فحملوه على أكتافهم فلما أفاق من غشيته .

قالوا : قد قبل الله منك فداء ولدك .

فبيناهم كذلك فإذا بهاتف يهتف في داخل البيت و هو يقول : قبل الفداء و نفذ القضاء و آن ظهور محمد المصطفى (صلّى الله عليه وآله وسلّم)

فقال عبد المطلب القداح تخطئ و تصيب حتى أضرب ثلاثا .

فلما ضربها خرج على الإبل فارتجز يقول :

دعوت ربي مخلصا و جهرا *** يا رب لا تنحر بني نحرا

فنحرها كلها فجرت السنة في الدية بمائة من الإبل .

أبو بكر البيهقي في دلائل النبوة أنه قال راهب لطلحة في سوق بصرى هل ظهر أحمد فهذا شهره الذي يظهر فيه (في كلام له) .

و قال عفكلان الحميري لعبد الرحمن بن عوف : أ لا أبشرك ببشارة و هي خير لك من التجارة أنبئك بالمعجبة و أبشرك بالمزعنة إن الله قد بعث في الشهر الأول من قومك نبيا ارتضاه و صفيا أنزل عليه كتابا جعل له ثوابا ينهى عن الأصنام و يدعو إلى الإسلام أخف الوقفة و عجل الرجعة .

و كتب إلى النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أشهد بالله رب موسى أنك أرسلت بالبطاح فكن شفيعي إلى مليك يدعو البرايا إلى الفلاح فلما دخل على النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال حملت إلي وديعة أم أرسلك إلي مرسل برسالة فهاتها .

و رأت كاهنة عثمان فقالت : يا عثمان لك الحجج لك البيان هو أن في الرهبان أرسله بحق الديان و جاءها بالتنزيل و الفرقان .

فتعاهد مع أبي بكر : لو زوج مني رقية لأسلمت .

و بشر أوس بن حارث بن ثعلبة قبل مبعثه بثلاثمائة عام و أوصى أهله باتباعه في حديث طويل و هو القائل :

[23]

إذا بعث المبعوث من آل غالب *** بمكة فيما بين زمزم و الحجر

هنالك فاشروا نصره ببلادكم *** بني غامر إن السعادة في النصر

و فيه يقول النبي (عليه السلام) : رحم الله أوسا مات في الحنيفية و حث على نصرتنا في الجاهلية .

و بشر قس بن ساعدة الأيادي به و بأولاده و كلام عبد المطلب و أبي طالب رضي الله عنهما لا يحصى في الإخبار عن النبي (عليه السلام) و الحث على نصرته و أبو طالب قد بين في قصيدته اللامية من سيرته منها .

تطاع به الأعداء ودوا لو أننا *** يسد بنا أبواب ترك و كابل

ترك : مدينة خرج منها أول الأتراك .

و منها :

كذبتم و بيت الله إن حل ما نرى *** لتلتبسن أسيافنا بالأماثل

و قوله (عليه السلام) لما استسقى و قال حوالينا و لا علينا : لله در أبي طالب لو كان حيا لقرت عيناه من ينشدنا شعره يريد قوله :

و أبيض يستسقى الغمام بوجهه *** ربيع اليتامى عصمة للأرامل

فصل في المنامات و الآيات :

الخركوشي في شرف النبي : إن أبا طالب قال رأى عبد المطلب في منامه شجرة نبتت على ظهره قد نال رأسها السماء و ضربت أغصانها الشرق و الغرب و نورا يزهر بينها أعظم من نور الشمس سبعين ضعفا و العرب و العجم ساجدة لها و هي كل يوم تزداد عظما و نورا و رأى رهطا من قريش يريدون قطعها فإذا دنوا منها أخذهم شاب من أحسن الناس وجها و أنظفهم ثيابا فيأخذهم و يكسر ظهورهم و يقلع أعينهم فقص ذلك على كاهنة قريش قالت لئن صدقت ليخرجن من صلبك ولد يملك الشرق و الغرب و يتنبأ في الناس .

و قال عباس بن عبد المطلب : رأيت في منامي عبد الله كأنه خرج من منخره طائر

back page fehrest page next page