[24]
أبيض فطار فبلغ المشرق و المغرب ثم رجع و سقط على بيت الكعبة فسجدت له قريش كلها فبينما الناس يتأملون إذ صار نورا بين السماء و الأرض و امتد حتى بلغ المشرق و المغرب قال فسألت كاهنة بني مخزوم فقالت ليخرجن من صلبه ولد يصير أهل المشرق و المغرب تبعا له ذكر الماوردي أن عبد المطلب رأى في منامه كأنه خرج من ظهره مسلسلة بيضاء لها أربعة أطراف طرف قد أخذ المغرب و طرف أخذ المشرق و طرف لحق بأعنان السماء و طرف لحق بثرى الأرض فبينما هو يتعجب إذ التفت الأنوار فصارت شجرة خضراء مجتمعة الأغصان متدلية الأثمار كثيرة الأوراق قد أخذ أغصانها أقطار الأرض في الطول و العرض و لها نور قد أخذ الخافقين و كأني قد جلست تحت الشجرة و بإزائي شخصان بهيان و هما نوح و إبراهيم قد استظلا به فقص ذلك على كاهن ففسره بولادة النبي (عليه السلام) .
محمد بن إسحاق : كتب كسرى إلى النعمان بن المنذر ليوجه إليه عالما فوجه إليه بعبد المسيح بن تغلبة الغساني فلما قص عليه رؤياه قال علم ذلك عند خال لي بمشارف الشام يقال له سطيح فوجهه إليه فلما أتاه وجده و قد أشرف على الموت فأنشأ أبياتا في قدومه ففتح سطيح عينه ثم قال عبد المسيح على جمل مشيح جاء إلى سطيح و قد وافى على الضريح بعثك ملك بني ساسان لارتجاس الإيوان و خمود النيران و رؤيا الموبدان يا عبد المسيح إذا كثرت التلاوة و ظهر صاحب الهراوة و فاض وادي السماوة و غاضت بحيرة ساوه و خمدت نار فارس فليس الشام لسطيح شاما
[25]
يملك منهم ملوك و ملكات على عدد الشرفات و كل ما هو آت آت ثم قضى سطيح مكانه فقدم عبد المسيح على كسرى و أخبره بما قال فقال إلي أن يملك منا أربعة عشر ملكا قد كانت أمور قال فملك منهم عشرة في أربع سنين و الباقون إلى أيام عثمان و كان سطيح ولد في سيل العرم فعاش إلى ملك ذي نواس أكثر من ثلاثين قرنا .
الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف قال : بعث الله إلى كسرى ملكا وقت الهاجرة و قال يا كسرى تسلم أو أكسر هذه العصا فقال بهل بهل فانصرف عنه فدعا حراسه و قال من أدخل هذا الرجل علي فقالوا ما رأيناه ثم أتاه في العام المقبل و وقته فكان كما كان أولا ثم أتاه في العالم الثالث فقال تسلم أو أكسر هذه العصا فقال بهل بهل فكسر العصا ثم خرج فلم يلبث أن وثب عليه ابنه فقتله .
الأجل المرتضى :
اطرحوا النهج و لم يحفلوا *** بما لكم في محكم الذكر
و استلبوا إرثكم منكم *** من غير حق بيد العسر
كسرتم الدين و لم تعلموا *** و كسره الدين بلا جبر
فيا لها مظلمة أولجت *** على رسول الله في القبر
و كان يرى النور في آباء النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) خلفا عن سلف .
لما قصد أبرهة بن الصباح لهدم الكعبة : أتاه عبد المطلب ليسترد منه إبله فقال تعلمني في مائة بعير و تترك دينك و دين آبائك و قد جئت لهدمه .
فقال عبد المطلب : أنا رب الإبل و إن للبيت ربا سيمنعه منك .
فرد إليه إبله فانصرف إلى قريش فأخبرهم الخبر , فأخذ بحلقة الباب قائلا :
يا رب لا أرجو لهم سواكا *** يا رب فامنع منهم حماكا
إن عدو البيت من عاداكا *** أمنعهم أن يخربوا قراكا
[26]
و له أيضا :
لا هم إن المرء يمنع رحله فامنع رحالك
لا يغلبن صليبهم و محالهم غدوا محالك
فانجلى نوره على الكعبة : فقال لقومه : انصرفوا فو الله ما انجلى من جبيني هذا النور إلا ظفرت ، و الآن قد انجلى عنه .
و سجد الفيل له ، فقال للفيل : يا محمود
فحرك الفيل رأسه .
فقال له : تدري لم جاءوا بك ?
فقال الفيل برأسه : لا .
فقال : جاءوا بك لتهدم بيت ربك ، أ فتراك فاعل ذلك ؟
فقال الفيل برأسه : لا .
و كانت امرأة يقال لها فاطمة بنت مرة قد قرأت الكتب فمر بها عبد الله بن عبد المطلب فقالت : أنت الذي فداك أبوك بمائة من الإبل ?
قال : نعم .
فقالت : هل لك أن تقع على مرّة و أعطيك من الإبل مائة ؟ فنظر إليها و أنشأ :
أما الحرام فالممات دونه *** و الحل لا حل فأستبينه
و كيف بالأمر الذي تبغينه
و مضى مع أبيه فزوجه أبوه آمنة فظل عندها يوما و ليلة فحملت بالنبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ثم انصرف عبد الله فمر بها فلم ير بها حرصا على ما قالت أولا فقال لها عند ذلك مختبرا .
هل لك فيما قلت لي ؟
فقالت : لا.
قالت : قد كان ذلك مرة ، فاليوم لا .
فذهبت كلمتاهما مثلا .
ثم قالت : أي شيء صنعت بعدي ?
قال : زوجني أبي آمنة فبت عندها .
فقالت : لله ما زهرية سلبت ثوبيك ما سلبت و ما تدري .
ثم قالت : رأيت في وجهك نور النبوة فأردت أن يكون فيّ و أبى الله إلا أن يضعه حيث يحب . ثم قالت :
بني هاشم قد غادرت من أخيكم *** أمينة إذ للباه يعتلجان
[27]
كما غادر المصباح بعد خبوه *** فتايل قد ميثت له بدخان
و ما كل ما يحوي الفتى من نصيبه *** بحرص و لا ما فاته بتواني
و يقال : إنه مر بها و بين عينيه غرة كغرة الفرس .
و كان عند الأحبار جبة صوف بيضاء : قد غمست في دم يحيى بن زكريا و كانوا قد قرءوا في كتبهم إذا رأيتم هذه الجبة تقطر دما فاعلموا أنه قد ولد أبو السفاك الهتاك فلما رأوا ذلك من الجبة اغتموا .
و اجتمع خلق على أن يقتلوا عبد الله فوجدوا الفرصة منه لكون عبد المطلب في الصيد فقصدوه فأدرك وهب بن عبد مناف الزهري فجاز منه فنظر إلى رجال نزلوا من السماء و كشفوهم عنه فزوج ابنته من عبد الله قال فمتن من نساء قريش مائتا امرأة غيره .
و يقال إن عبد الله كان في جبينه نور يتلألأ فلما قرب من حمل محمد لم يطق أحد رؤيته و ما مر بحجر و لا شجر إلا سجد له و سلم عليه فنقل الله منه نوره يوم عرفة وقت العصر و كان يوم الجمعة إلى آمنة .
و كانت السباع تهرب عن أبي طالب فاستقبله أسد في طريق الطائف و بصبص له و تمرغ قبله .
فقال أبو طالب : بحق خالقك أن تبين لي حالك .
فقال الأسد : إنما أنت أبو أسد الله ناصر نبي الله و مربية فازداد أبو طالب في حب النبي (عليه السلام) و الإيمان به .
و الأصل في ذلك :
أن النبي (عليه السلام) قال : خلقت أنا و علي من نور واحد نسبح الله يمنة العرش قبل أن يخلق الله آدم بألفي عام ... الخبر .
أنشد العباس في النبي (عليه السلام) :
من قبلها طبت في الظلال و *** في مستودع حيث يخصف الورق
ثم هبطت البلاد لأبشر أنت *** و لا مضغة و لا علق
بل نطفة تركب السفير و قد *** ألجم نسرا و أهله الغرق
[28]
تنقل من صالب إلى رحم *** إذا مضى عالم بذا طبق
حتى احتوى بيتك المهيمن *** من خندف علياء نحلتها النطق
و أنت لما ولدت أشرقت الأرض *** و ضاءت بنورك الأفق
فنحن في ذلك الضياء و في *** النور و سبل الرشاد نحترق
فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) :لا يفضض الله فاك .
فصل في مولده (عليه السلام) :
أبان بن عثمان رفعه بإسناده قالت آمنة رضي الله عنها لما قربت ولادة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) رأيت جناح طائر أبيض قد مسح على فؤادي فذهب الرعب عني و أتيت بشربة بيضاء و كنت عطشى فشربتها فأصابني نور عال ثم رأيت نسوة كالنخل طوالا تحدثني و سمعت كلاما لا يشبه كلام الآدميين حتى رأيت كالديباج الأبيض قد ملأ بين السماء و الأرض و قائل يقول خذوه من أعز الناس و رأيت رجالا وقوفا في الهواء بأيديهم أباريق و رأيت مشارق الأرض و مغاربها و رأيت علما من سندس على قضيب من ياقوتة قد ضرب بين السماء و الأرض في ظهر الكعبة فخرج رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) رافعا إصبعه إلى السماء و رأيت سحابة بيضاء تنزل من السماء حتى غشيته فسمعت نداء طوفوا بمحمد شرق الأرض و غربها و البحار لتعرفوه باسمه و نعته و صورته ثم انجلت عنه الغمامة فإذا أنا به في ثوب أبيض من اللبن و تحته حريرة خضراء و قد قبض على ثلاثة مفاتيح من اللؤلؤ الرطب و قائل يقول قبض محمد على مفاتيح النصرة و الريح و النبوة ثم أقبلت سحابة أخرى فغيبته عن وجهي أطول من المرة الأولى و سمعت نداء طوفوا بمحمد الشرق و الغرب و أعرضوه على روحاني الجن و الإنس و الطير و السباع و أعطوه صفا آدم و رقة نوح و خلة إبراهيم و لسان إسماعيل و كمال يوسف و بشرى يعقوب و صوت داود و زهد يحيى و كرم عيسى ثم انكشف عنه فإذا أنا به و بيده حريرة بيضاء قد طويت طيا شديدا و قد قبض عليها و قائل يقول قد قبض محمد على الدنيا كلها فلم يبق شيء إلا دخل في قبضته ثم إن ثلاثة نفر
[29]
كأن الشمس تطلع من وجوههم في يد أحدهم إبريق فضة و نافحة مسك و في يد الثاني طست من زمردة خضراء لها أربع جوانب من كل جانب لؤلؤة بيضاء و قائل يقول هذه الدنيا فاقبض عليها يا حبيب الله فقبض على وسطها و قائل يقول اقبض الكعبة و في يد الثالث حريرة بيضاء مطوية فنشرها فأخرج منها خاتما تحار أبصار الناظرين فيه فغسل بذلك الماء من الإبريق سبع مرات ثم ضرب الخاتم على كتفيه و تفل في فيه فاستنطقه فنطق فلم أفهم ما قال إلا أنه قال في أمان الله و حفظه و كلائته قد حشوت قلبك إيمانا و علما و يقينا و عقلا و شجاعة أنت خير البشر طوبى لمن اتبعك و ويل لمن تخلف عنك ثم أدخل بين أجنحتهم ساعة و كان الفاعل به هذا رضوان ثم انصرف و جعل يلتفت إليه و يقول أبشر يا عز بعز الدنيا و الآخرة و رأيت نورا يسطع من رأسه حتى بلغ السماء و رأيت قصور الشامات كأنه شعلة نار نورا و رأيت حولي من القطاة أمرا عظيما قد نشرت أجنحتها .
عبد المطلب لما انتصفت تلك الليلة إذا أنا ببيت الله قد اشتمل بجوانبه الأربعة و خر ساجدا في مقام إبراهيم ثم استوى البيت مناديا الله أكبر رب محمد المصطفى الآن قد طهرني ربي من أنجاس المشركين و أرجاس الكافرين ثم انتفضت الأصنام و خرت على وجوهها و إذا أنا بطير الأرض حاشرة إليها فإذا جبال مكة مشرفة عليها و إذا بسحابة بيضاء بإزاء حجرتها فأتيتها و قلت أنا نائم أو يقظان قالت بل يقظان قلت فأين نور جبهتك قالت قد وضعته و هذه الطير تنازعني أن أدفعه إليها فتحمله إلى أعشاشها و هذه السحاب تسألني كذلك قلت فهاتيه أنظر إليه قالت حبل بينك و بينه إلى ثلاثة أيام فسللت سيفي و قلت لتخرجنه أو لأقتلنك قالت شأنك و إياه فلما هممت أن ألج البيت بدر إلي من داخل البيت رجل و قال لي ارجع وراءك فلا سبيل لأحد من ولد آدم إلى رؤيته أو أن تنقضي زيارة الملائكة فارتعدت و خرجت .
ابن إسحاق : قالت آمنة و سمعت في الضوء نداء إنك ولدت سيد الناس فقولي أعيذه بالواحد من شر كل حاسد و سميه محمدا و أتي به عبد المطلب فوضعه في حجره ثم قال
[30]
.
الحمد لله الذي أعطاني هذا الغلام الطيب الأردانقد ساد في المهد على الغلمان عوذه الإله بالأركان
و قال فيه أشعارا كثيرة .
الصادق (عليه السلام) : أصبحت الأصنام على وجوهها و ارتجس إيوان كسرى و سقط منه أربع عشرة شرافة و غاضت بحيرة ساوه و خمدت نار فارس و لم تخمد قبل ذلك بألف عام و لم يبق سرير لملك إلا أصبح منكوسا و الملك مخرسا لا يتكلم يومه ذلك و انتزع علم الكهنة و بطل سحر السحرة و لم تبق كاهنة في العرب إلا حجبت عن صاحبها .
القيرواني :
و صرح كسرى تداعى من قواعده *** و انفاص منكسر الأوداج ذا ميل
و نار فارس لم توقد و ما خمدت *** مذ ألف عام و نهر القوم لم يسل
خرت لمبعثه الأوثان و انبعثت *** ثواقب الشهب ترمي الجن بالشعل
الصادق (عليه السلام) : و رأى المؤبدان في تلك الليلة في المنام إبلا صعابا تقود خيلا عرابا حتى عبرت دجلة و انسربت في بلادهم .
و انقصم طاق كسرى من وسطه ، و انخرقت عليه دجلة العوراء ، و انتشر في تلك الليلة نور من قبل الحجاز ثم استطال حتى بلغ المشرق .
علي بن إبراهيم بن هاشم عن رجاله : قال كان بمكة يهودي يقال له يوسف فلما رأى النجوم تقذف و تتحرك ليلة ولد النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال نجد في كتبنا أنه إذا ولد آخر الأنبياء رجمت الشياطين و حجبوا عن السماء فلما أصبح كان يتجسس عن المولود فدل على عبد المطلب فأتاه فلما نظر إلى عينيه و كشف عن كتفيه و عليها شعرات وقع مغشيا عليه فقال ذهبت النبوة عن بني إسرائيل فتعجبت منه قريش و ضحكوا منه فقال هذا نبي السيف ليتبرنكم .
[31]
الصادق (عليه السلام) : كان إبليس يخترق السماوات السبع فلما ولد عيسى حجب عن ثلاث سماوات و كان يخترق أربع سماوات فلما ولد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) حجب عن السماوات كلها و رميت الشياطين بالنجوم و قالت قريش هذا قيام الساعة الذي كنا نسمع أهل الكتب يذكرونه فقال عمرو بن أمية إن كان رمي بما تهتدون بها فهو هلاك كل شيء و إن كانت تثبت و رمي بغيرها فهو أمر حدث .
و سئل خطر بن مالك الكاهن عن علة النجوم التي ترمى بها فقال : إصابة إصابة بأمره عقابه إنه من هاشم من معشر أكارم يبعث بالمكاخم و قتل كل ظالم .
فقال فيه النبي (عليه السلام) : و إنه ليحشر أمة وحده .
كعب : بلغني أنه ما بقي يومئذ جبل إلا نادى صاحبه بالبشارة و خضعت كلها لأبي قبيس و لقد قدست الأشجار أربعين يوما بأنواع أفنائها و ثمارها و لقد ضرب بين السماء و الأرض أربعين عمودا في أنواع الأنوار و إن الكوثر اضطرب في الجنة فرمى بسبع مائة ألف قصر من قصور الدر و الياقوت نثارا له و لقد ضحكت الجنة فهي ضاحكة أبدا .
الصادق (عليه السلام) : صاح إبليس في أبالسته فاجتمعوا له فقال انظروا لقد حدث الليلة حدث ما حدث مثله منذ رفع عيسى (عليه السلام) فافترقوا ثم اجتمعوا إليه فقالوا ما وجدنا شيئا فقال إبليس أنا لهذا الأمر ثم انغمس في الدنيا فجالها حتى انتهى إلى الحرم فوجد الحرم محفوظا بالملائكة فذهب ليدخل فصاحوا به فقال له جبرئيل (عليه السلام) ما وراءك قال حرف أسألك عنه ما هذا الحدث الليلة فقال ولد محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقال هل لي فيه نصيب قال لا قال ففي أمته قال نعم قال رضيت .
وهب : و لقد ذم إبليس و غل و ألقي في الحصن أربعين يوما و غرق عرشه أربعين يوما و لقد تنكست الأصنام كلها فصاحت و ولولت و لقد سمعوا صوتا من الكعبة قال :يا قريش جاءكم النذير معه عز الأبد و الربح الأكبر و هو خاتم الأنبياء .
أمير المؤمنين (عليه السلام) : لما ولد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ألقيت الأصنام في الكعبة على وجوهها فلما أمسى سمع صيحة من السماء جاءَ الْحَقُّ وَ زَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً .
و ورد أنه أضاء تلك الليلة جميع الدنيا و ضحك كل حجر و مدر و شجر و سبح كل شيء
[32]
في السموات و الأرض لله عز و جل و انهزم الشيطان و هو يقول خير الأمم و خير الخلق و أكرم العبيد و أعظم العالم محمد .
المفضل بن عمر سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول : لما ولد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فتح لآمنة بياض فارس و قصور الشام فجاءت فاطمة بنت أسد إلى أبي طالب ضاحكة مستبشرة فأعلمته ما قالته آمنة فقال لها أبو طالب و تتعجبين من هذا إنك تحبلين و تلدين بوصيه و وزيره .
و في رواية ابن مسكان فقال أبو طالب : اصبري لي سبتا آتيك بمثله إلا النبوة و قالوا السبت ثلاثون سنة .
أبو المظفر الأبيوردي :
من دوحة بسقت لا الفرع موتشب ***منها و لا عرقها في الحي مدخول
أتى بمكة إبراهيم والده ***قرم على كرم الأخلاق مجبول
غيره :
لقد طابت الدنيا بطيب محمد *** و زيدت به الأيام حسنا على حسن
لقد فك أغلال العتاة محمد *** و أنزل أهل الخوف في كنف الأمن
فصل في منشأه (عليه السلام) :
إبانة ابن بطة قال : ولد النبي (عليه السلام) مختونا مسرورا فحكي ذلك عند جده عبد المطلب فقال ليكونن لابني هذا شأن .
كافي الكليني: الصادق (عليه السلام) : لما ولد النبي (عليه السلام) مكث أياما ليس له لبن فألقاه أبو طالب على ثدي نفسه فأنزل الله فيه لبنا فرضع منه أياما حتى وقع أبو طالب على حليمة فدفعه إليها .
ذكرت حليمة بنت أبي ذويب عبد الله بن الحرث من مضر زوجة الحرث بن عبد المضرى المضري : إن البوادي أجدبت و حملنا الجهد على دخول البلد فدخلت مكة
[33]
و نساء بني سعد قد سبقن إلى مراضعهن فسألت مرضعا فدلوني على عبد المطلب و ذكر أن له مولودا يحتاج إلى مرضع له فأتيت إليه فقال يا هذه عندي بني لي يتيم اسمه محمد فحملته ففتح عينيه لينظر إلي بهما فسطع منهما نور فشرب من ثديي الأيمن ساعة و لم يرغب في الأيسر أصلا و استعمل في رضاعه عدلا فناصف فيه شريكه و اختار اليمين و كان ابني لا يشرب حتى يشرب رسول الله فحملته على الأتان و كانت قد ضعفت عند قدومى مكة فجعلت تبادر سائر الحمر إسراعا و قوة و نشاطا و استقبلت الكعبة و سجدت لها ثلاث مرات و قالت برأت من مرضي و سلمت من غثي و علىّ سيد المرسلين و خاتم النبيين و خير الأولين و الآخرين فكان الناس يتعجبون منها و من سمني و برائي و در لبني .
فلما انتهينا إلى غار خرج رجل يتلألأ نوره إلى عنان السماء و سلم عليه و قال إن الله تعالى وكلني برعايته .
و قابلنا ظباء و قلن يا حليمة لا تعرفين من تربين هو أطيب الطيبين و أطهر الطاهرين .
و ما علونا قلعه و لا هبطنا واديا إلا سلموا عليه فعرفنا البركة و الزيادة في معاشنا و رياشنا حتى أثرينا و كثرت مواشينا و أموالنا .
و لم يحدث في ثيابه و لم تبدر عورته و لم يحتج في يوم إلا مرة و كان مسرورا مختونا و كنت أرى شابا على فراشه يعدله ثيابه فربيته خمس سنين و يومين فقال لي يوما أين يذهب إخواني كل يوم قلت يرعون غنما فقال إنني اليوم أرافقهم فلما ذهب معهم أخذه ملائكة و علوه على قلة جبل و قاموا بغسله و تنظيفه فأتاني ابني و قال أدركي محمدا فإنه قد سلب فأتيته فإذا هو بنور يسطع في السماء فقبلته و قلت ما أصابك قال لا تحزني إن الله معنا و قص عليها قصته فانتشر منه فوح مسك أذفر و قال الناس غلبت عليه الشياطين و هو يقول ما أصابني شيء و ما علي من بأس فرآه كاهن و صاح و قال هذا الذي يقهر الملوك و يفرق العرب .
و روي عن حليمة : أنه جلس محمد و هو ابن ثلاثة أشهر و لعب مع الصبيان و هو ابن تسعة و طلب مني أن يسير مع الغنم يرعى و هو ابن عشرة و ناضل الغلمان بالنبل
[34]
وهو ابن خمسة عشر و صارع الغلمان و هو ابن ثلاثين ثم أوردته إلى جده .
ابن عباس : أنه كان يقرب إلى الصبيان يصبحهم فيختلسون و يكف و يصبح الصبيان غمصا و رمصا و يصبح صقيلا دهنيا .
و نادى شيخ على الكعبة : يا عبد المطلب إن حليمة امرأة عربية و قد فقدت ابنها اسمه محمد .
فغضب عبد المطلب و كان إذا غضب خاف الناس منه .
فنادى يا بني هاشم و يا بني غالب اركبوا ... فُقِدَ محمد .
و حلف أن لا أنزل حتى أجد محمدا أو أقتل ألف أعرابي و مائة قرشي .
و كان يطوف حول الكعبة و ينشد أشعارا منها :
يا رب رد راكبي محمدا *** رد إلي و اتخذ عندي يدا
يا رب إن محمد لن يوجدا *** تصبح قريش كلهم مبددا
فسمع نداء :أن الله لا يضيع محمدا .
فقال : أين هو ?
قال : في وادي فلان ، تحت شجرة أم غيلان .
قال ابن مسعود : فأتينا الوادي فرأيناه يأكل الرطب من أم غيلان و حوله شابان .
فلما قربنا منه ذهب الشابان و كان جبرائيل و ميكائيل (عليهما السلام) .
فسألناه من أنت و ما ذا تصنع ?
قال : أنا ابن عبد الله بن عبد المطلب .
فحمله عبد المطلب على عنقه و طاف به حول الكعبة و كانت النساء اجتمعن عند آمنة على مصيبته .
فلما رآها تمسك بها و ما التفت إلى أحد .
و كان عبد المطلب أرسل رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إلى رعاية في إبل قد ندت له بجمعها فلما أبطأ عليه نفذ ورائه في كل طريق و كل شعب و أخذ بحلقة باب الكعبة و هو يقول :
يا رب إن صغوا يهلك آلك *** إن تفعل فأمر ما بدا لك
فجاء رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بالإبل فلما رآه أخذه فقبله فقال بأبي لا وجهتك بعد هذا في شيء فإني أخاف أن تغتال فتقتل .
[35]
عكرمة كان يوضع فراش لعبد المطلب في ظل الكعبة و لا يجلس عليه إلا هو أحد إجلالا له و كان بنوه يجلسون حوله حتى يخرج فكان رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يجلس عليه فيأخذه أعمامه ليؤخروه فقال لهم عبد المطلب دعوا ابني فو الله إن له لشأنا عظيما إني أرى أنه سيأتي عليكم يوم و هو سيدكم إني أرى غرته غرة تسود الناس ثم يحمله فيجلسه معه و يمسح ظهره و يقبله و يوصيه إلى أبي طالب .
القاضي المعتمد في تفسيره عن ابن عباس : أنه وقع بين أبي طالب و بين يهودي كلام و هو بالشام فقال اليهودي لم تفخر علينا و ابن أخيك بمكة يسأل الناس فغضب أبو طالب و ترك تجارته و قدم مكة فرأى غلمانا يلعبون و محمد فيهم مختل الحال فقال له يا غلام من أنت و من أبوك قال أنا محمد بن عبد الله أنا يتيم لا أب لي و لا أم فعانقه أبو طالب و قبله ثم ألبسه جبة مصرية و دهن رأسه و شد دينارا في ردائه و نشر قبله تمرا فقال يا غلمان هلموا فكلوا ثم أخذ أربع تمرات إلى أم كبشه و قص عليها فقالت فلعله أبوك أبو طالب قال لا أدري رأيت شيخا بارا إذ مر أبو طالب فقالت يا محمد كان هذا قال نعم قالت هذا أبوك أبو طالب فأسرع إليه النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) و تعلق به و قال يا أبة الحمد لله الذي أرانيك لا تخلفني في هذه البلاد فحمله أبو طالب .
الأوزاعي : كان النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في حجر عبد المطلب فلما أتى عليه اثنان و مائة سنة و رسول الله ابن ثمان سنين جمع بنيه و قال محمد يتيم فآووه و عائل فأغنوه احفظوا وصيتي فيه فقال أبو لهب أنا له فقال كف شرك عنه فقال عباس أنا له فقال أنت غضبان لعلك تؤذيه فقال أبو طالب أنا له فقال أنت له يا محمد أطع له فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يا أبة لا تحزن فإن لي ربا لا يضيعني فأمسكه أبو طالب في حجره و قام بأمره يحميه بنفسه و ماله و جاهه في صغره من اليهود المرصدة له بالعداوة و من غيرهم من بني أعمامه و من العرب قاطبة الذين يحسدونه على ما آتاه الله من النبوة .