فقال : يا خديجة , إني لأجد بردا .
فدثرت عليه فنام فنودي يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ الآية .
فقام و جعل إصبعه في أذنه و قال : الله أكبر الله أكبر .
فكان كل موجود يسمعه يوافقه .
و روي : أنه لما نزل قوله وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ صعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ذات يوم الصفا فقال : يا صباحاه .
فاجتمعت إليه قريش فقالوا : ما لك ?
قال : أ رأيتكم إن أخبرتكم أن العدو مصبحكم أو ممسيكم ما كنتم تصدقونني .
قالوا : بلى .
قال : فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد .
فقال أبو لهب : تبا لك أ لهذا دعوتنا ?
فنزلت سورة تبت .
قتادة : إنه خطب ثم قال أيها الناس إن الرائد لا يكذب أهله و لو كنت كاذبا لما كذبتكم و الله الذي لا إله إلا هو إني رسول الله إليكم حقا خاصة و إلى الناس عامة و الله لتموتون كما تنامون و لتبعثون كما تستيقظون و لتحاسبون كما تعملون و لتجزون بالإحسان
[47]
إحسانا و بالسوء سوء و إنها الجنة أبدا و النار أبدا و إنكم أول من أنذرتم.
ثم فتر الوحي فجزع لذلك النبي (عليه السلام) جزعا شديدا .
فقالت له خديجة : لقد قلاك ربك .
فنزل سورة الضحى .
فقال لجبرئيل : ما يمنعك أن تزورنا في كل يوم فنزل وَ ما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ إلى قوله نَسِيًّا .
ابن جبير : توجه النبي (عليه السلام) تلقاء مكة و قام بنخلة في جوف الليل يصلي فمر به نفر من الجن فوجدوه يصلي صلاة الغداة و يتلو القرآن فاستمعوا إليه .
و قال آخرون : أمر رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أن ينذر الجن فصرف الله إليه نفرا من الجن من نينوى قوله وَ إِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ .
و كان بات في وادي الجن و هو على ميل من المدينة .
فقال (عليه السلام) : إني أمرت أن أقرأ على الجن الليلة فأيكم يتبعني فاتبعه ابن مسعود .
فلما دخل شعب الحجون من مكة خط لي خطا ثم أمرني أن أجلس فيه و قال : لا تخرج منه حتى أعود إليك .
ثم انطلق حتى قام فافتتح القرآن فغشيته أسودة كثيرة حتى حالت بيني و بينه حتى لم أسمع صوته .
ثم انطلقوا , ثم طفقوا يتقطعون مثل قطع السحاب .
و فرغ النبي (عليه السلام) مع الفجر .
فقال لي : هل رأيت شيئا فوصفتهم .
فقال : أولئك جن نصيبين .
الكلبي قال ابن مسعود : لم أكن مع النبي (عليه السلام) ليلة الجن و وددت أني كنت معه . و هو الصحيح .
و روي عن ابن عباس : أنهم كانوا سبعة نفر من جن نصيبين فجعلهم رسول الله رسلا إلى قومهم .
و قال زر بن حبيش : كانوا سبعة منهم زوبعة و قال غيره و هم مسار و بسار و بشار و لارد و خميع .
محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال : لما قرأ النبي (عليه السلام) سورة الرحمن على الناس سكتوا فلم يقولوا شيئا فقال (عليه السلام) للجن كانوا أحسن جوابا منكم لما قرأت عليهم فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ قالوا لا بشيء من آلائك ربنا نكذب .
علي بن إبراهيم : فجاءوا إلى النبي (عليه السلام) فآمنوا به و علمهم النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) شرائع الإسلام و أنزل قُلْ أُوحِيَ إلى آخر السورة و كانوا يفدون إلى النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في كل وقت و مكان .
[48]
قال خزيمة بن حكيم النهدي :
و يعلو أمره حتى تراه *** يشير إليه أعظم ما مشير
و هذا عمه سيذب عنه و *** ينصره بمشحوذ تبور
و تخرجه قريش بعد هذا *** إذا ما العم صار إلى القبور
و ينصره بيثرب كل قوم *** بنو أوس و خزرج الأثير
سيقتل من قريش كل قوم *** و كبشهم سينحر كالجزور
و هو الذي قال له النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) :مرحبا بالمهاجر الأول .
فصل فيما لاقى من الكفار في رسالته :
الفائق إنه لما اعترض أبو لهب على رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عند إظهار الدعوة قال له أبو طالب يا أعور ما أنت و هذا قال الأخفش الأعور الذي خيب و قيل يا ردي و منه الكلمة العوراء و قال أين الأعرابي الذي ليس له أخ من أبيه و أمه .
ابن عباس إن الوليد بن المغيرة أتى قريشا فقال : إن الناس يجتمعون غدا بالموسم و قد فشا أمر هذا الرجل في الناس و هم يسألونكم عنه فما تقولون فقال أبو جهل أقول إنه مجنون و قال أبو لهب أقول إنه شاعر و قال عقبة بن أبي معيط أقول إنه كاهن فقال الوليد بل أقول هو ساحر يفرق الرجل و المرأة و بين الرجل و أخيه و أبيه فأنزل الله تعالى ن وَ الْقَلَمِ الآية و قوله وَ ما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ الآية .
و كان النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يقرأ القرآن فقال أبو سفيان و الوليد و عتبة و شيبة للنضر بن الحرث ما يقول محمد فقال أساطير الأولين مثل ما كنت أحدثكم عن القرون الماضية فنزل وَ مِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَ جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً الآية .
الكلبي قال النضر بن الحرث و عبد الله بن أمية : يا محمد لن نؤمن بك حتى تأتينا بكتاب من عند الله و معه أربعة أملاك يشهدون عليه أنه من عند الله و إنك رسوله فنزل :
[49]
وَ لَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ و قال قريش مكة أو يهود المدينة إن هذه الأرض ليست بأرض الأنبياء و إنما أرض الأنبياء الشام فأت الشام فنزل وَ إِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ و قال أهل مكة تركت ملة قومك و قد علمنا أنه لا يحملك على ذلك إلا الفقر فإنا نجمع لك من أموالنا حتى تكون من أغنانا فنزل قُلْ أَ غَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا و كان المشركون إذا قيل لهم ما ذا أنزل ربكم على محمد قالوا أساطير الأولين فنزل وَ إِذا قِيلَ لَهُمْ ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ الآية .
ابن عباس : قالت قريش إن القرآن ليس من عند الله و إنما يعلمه بلعام و كان قينا بمكة روميا نصرانيا .
و قال الضحاك : أرادوا به سلمان و قال مجاهد : عبد النبي الحضرمي يقال له يعيش فنزل وَ لَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ الآية و قوله وَ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذا إِلَّا إِفْكٌ افْتَراهُ محمد و اختلقه من تلقاء نفسه و أعانه عليه قوم آخرون يعنون عداسا مولى خويطب و يسار غلام العلاء بن الحضرمي و حميرا مولى عامر و كانوا أهل الكتاب فكذبهم الله تعالى فقال فَقَدْ جاؤُ ظُلْماً وَ زُوراً الآيات .
قال علم الهدى : و الناصر للحق في رواياتهم أن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لما بلغ إلى قوله أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَ الْعُزَّى وَ مَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى ألقى الشيطان في تلاوته تلك الغرانيق العلى و إن شفاعتهن لترتجى فسر بذلك المشركون فلما انتهى إلى السجدة سجد المسلمون و المشركون معا .
إن صح هذا الخبر فمحمول على أنه كان يتلو القرآن فلما بلغ إلى هذا الموضع قال بعض المشركين ذلك فألقى في تلاوته فأضافه الله إلى الشيطان لأنه إنما حصل بإغرائه و وسوسته و هو الصحيح لأن المفسرين رووا في قوله وَ ما كانَ
[50]
صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكاءً كان النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في المسجد الحرام فقام الرجلان من عبد الدار عن يمينه يصفران و رجلان عن يساره يصفقان بأيديهما فيخلطان عليه صلاته فقتلهم الله جميعا ببدر قوله فَذُوقُوا الْعَذابَ .
و روي في قوله : وَ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أي قال رؤساؤهم من قريش لأتباعهم لما عجزوا عن معارضة القرآن أن لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَ الْغَوْا فِيهِ أي عارضوه باللغو و الباطل و المكاء و رفع الصوت بالشعر لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ باللغو فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا .
البختري :
و أقمت الصلاة في غلف *** لا يعرفون الصلاة إلا مكاء
الكلبي : أتى أهل مكة النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقالوا ما وجد الله رسولا غيرك ما نرى أحدا يصدقك فيما تقول و لقد سألنا عنك اليهود و النصارى فزعموا أنه ليس لك عندهم ذكر فأرنا من يشهد إنك رسول الله كما تزعم فنزل قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً الآية .
و قالوا : العجب أن الله تعالى لم يجد رسولا يرسله إلى الناس إلا يتيم أبي طالب فنزل الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ أَ كانَ لِلنَّاسِ الآيات .
و قال الوليد بن المغيرة : و الله لو كانت النبوة حقا لكنت أولى بها منك لأنني أكبر منك سنا و أكثر منك مالا .
و قال جماعة : لم لم يرسل رسولا من مكة أو من الطائف عظيما يعني أبا جهل و عبد نائل فنزل وَ قالُوا لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ .
و قال أبو جهل : زاحمنا بنو عبد مناف في الشرف حتى إذا صرنا كفرسي رهان قالوا منا نبي يوحى إليه و الله لا نؤمن به و لا نتبعه أبدا إلا أن يأتينا وحي كما يأتيه فنزل
[51]
وَ إِذا جاءَتْهُمْ آيَةٌ قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتى الآية .
و قال الحرث بن نوفل بن عبد مناف : إنا لنعلم أن قولك حق و لكن يمنعنا أن نتبع الذي معك و نؤمن بك مخافة أن يتخطفنا العرب من أرضنا و لا طاقة لنا بها فنزلت وَ قالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا فقال الله تعالى رادا عليهم أَ وَ لَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً .
الزجاج في المعاني و الثعلبي في الكشف و الزمخشري في الفائق و الواحدي في أسباب نزول القرآن و الثمالي في تفسيره و اللفظ له أنه قال عثمان لابن سلام : نزل على محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ فكيف هذه قال يعرف نبي الله بالنعت الذي نعته الله إذا رأيناه فيكم كما يعرف أحدنا ابنه إذا رآه بين الغلمان و ايم الله لأنا بمحمد أشد معرفة مني بابني لأني عرفته بما نعته الله في كتابنا و أما ابني فإني لا أدري ما أحدثت أمه .
ابن عباس قال : كانت اليهود يستنصرون على الأوس و الخزرج برسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قبل مبعثه فلما بعثه الله تعالى من العرب دون بني إسرائيل كفروا به فقال لهم بشر بن معرور و معاذ بن جبل اتقوا الله و أسلموا فقد كنتم تستفتحون علينا بمحمد و نحن أهل الشرك و تذكرون أنه مبعوث فقال سلام بن مسلم أخو بني النظير ما جاءنا بشيء نعرفه و ما هو بالذي كنا نذكركم فنزل وَ لَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ قالوا في قوله وَ كانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ الآية .
و كانت اليهود إذا أصابتهم شدة من الكفار يقولون اللهم انصرنا بالنبي المبعوث في آخر الزمان الذي نجد نعته في التوراة فلما قرب خروجه (عليه السلام) قالوا قد أظل زمان نبي يخرج بتصديق ما قلنا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين و هو المروي عن الصادق (عليه السلام) .
[52]
و كان الأحبار من اليهود يعرفونه فحرفوا صفة النبي (عليه السلام) في التوراة من الممادح إلى المقابح , فلما قالت عامة اليهود كان محمد هو المبعوث في آخر الزمان .
قالت الأحبار : كلا و حاشا و هذه صفته في التوراة .
و أسلم عبد الله بن سلام , و قال : يا رسول الله سل اليهود عني , فإنهم يقولون هو أعلمنا .
فإذا قالوا ذلك , قلت لهم : إن التوراة دالة على نبوتك و إن صفاتك فيها واضحة .
فلما سألهم قالوا : كذلك .
فحينئذ أظهر ابن سلام إيمانه فكذبوه فنزل قُلْ أَ رَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَ كَفَرْتُمْ بِهِ وَ شَهِدَ شاهِدٌ الآية .
الكلبي قال كعب بن الأشرف و مالك بن الضيف و وهب بن يهودا و فنحاص بن عازورا : يا محمد إن الله عهد إلينا في التوراة أن لا نؤمن لرسول حتى يأتينا بقربان تأكله النار فإن زعمت أن الله بعثك إلينا فجئنا به نصدقك فنزلت وَ لَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الآية و قوله قُلْ قَدْ جاءَكُمْ أراد زكريا و يحيى و جميع من قتلهم اليهود .
الكلبي : كان النضر بن الحرث يتجر فيخرج إلى فارس فيشري أخبار الأعاجم و يحدث بها قريشا و يقول لهم إن محمدا يحدثكم بحديث عاد و ثمود و أنا أحدثكم بحديث إسفنديار و رستم فيستملحون حديثه و يتركون استماع القرآن فنزل وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ .
القشيري : إن بعض المسلمين كتبوا شيئا من كتب أهل الكتاب فنزل أَ وَ لَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ و قال النبي (عليه السلام) جئتكم بها بيضاء نقية .
السدي : إنه قيل للوليد بن المغيرة ما هذا الذي يقرأ محمد سحر أم كهانة أم خطب فاستظهرهم و قال للنبي (عليه السلام) اقرأ علي.
فقرأ : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ .
فقال : تدعوا إلى رجل باليمامة يسمى الرحمن ?
قال : لا . و لكني أدعوا إلى الله و هو الرحمن الرحيم .
[53]
ثم افتتح حم السجدة , فلما بلغ فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَ ثَمُودَ اقشعر جلده و قامت كل شعرة عليه و حلفه أن يكف ثم مضى إلى داره .
فقيل له : قد صبا إلى دين محمد .
فقال : لا , و لكني سمعت كلاما صعبا تقشعر منه الجلود .
قال : قولوا هو سحر فإنه آخذ بقلوب الناس فنزل ذَرْنِي وَ مَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً إلى قوله تِسْعَةَ عَشَرَ .
عكرمة : إنه سمع الوليد بن المغيرة من النبي (عليه السلام) قوله إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الْإِحْسانِ الآية فقال و الله إن له لحلاوة و إن عليه لطلاوة و إن أعلاه لمشمر و إن أسفله لمغدق و ما يقول هذا بشر .
ابن عباس و مجاهد : في قوله وَ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً كما أنزلت التوراة و الإنجيل فقال الله تعالى كَذلِكَ متفرقا لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ و ذلك أنه كان يوحى إليه في كل حادثة و لأنها نزلت على أنبياء يكتبون و يقرءون و القرآن نزل على نبي أمي و لأن فيه ناسخا و منسوخا و فيه ما هو جواب لمن سأله عن أمور و فيه ما هو إنكار لما كان و فيه ما هو حكاية شيء جرى و لم يزل (عليه السلام) يريهم الآيات و يخبرهم بالمغيبات فنزل وَ لا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ الآية و معناه لا تعجل بقراءته عليهم حتى أنزل عليك التفسير في أوقاته كما أنزل عليك التلاوة .
باع خباب بن الأرت سيوفا من العاص بن وائل فجاءه يتقاضاه .
فقال : أ ليس يزعم محمد أن في الجنة ما ابتغى أهلها من ذهب و فضة و ثياب و خدم .
قال : بلى .
قال : فأنظرني أقضك هناك حقك فو الله لا تكون هنالك و أصحابك عند الله آثر مني .
فنزل أَ فَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا إلى قوله فَرْداً .
[54]
و تكلم النضر بن الحارث مع النبي (عليه السلام) فكلمه رسول الله حتى أفحمه , ثم قال : إِنَّكُمْ وَ ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ الآية .
فلما خرج النبي (عليه السلام) .
قال ابن الزبعري : أما و الله لو وجدته في المجلس لخصمته فاسألوا محمدا أ كل ما يعبد من دون الله في جهنم مع من عبده فنحن نعبد الملائكة و اليهود تعبد عزيرا و النصارى تعبد عيسى (عليه السلام) .
فأخبر النبي (عليه السلام) , فقال : يا ويلمه أ ما علم أن (ما) لما لا يعقل , و (من) لمن يعقل , فنزلت : إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ الآية .
و قالت اليهود : أ لست لم تزل نبيا ?
قال : بلى .
قالت : فلم لم تنطق في المهد كما نطق عيسى (عليه السلام) ?
فقال : إن الله عز و جل خلق عيسى من غير فحل فلو لا أنه نطق في المهد لما كان لمريم عذر إذ أخذت بما يؤخذ به مثلها و أنا ولدت بين أبوين .
و اجتمعت إليه قريش فقالوا : إلى ما تدعونا يا محمد ?
قال : إلى شهادة أن لا إله إلا الله و خلع الأنداد كلها .
قالوا : ندع ثلاثمائة و ستين إلها و تعبد إلها واحدا فنزل وَ عَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ إلى قوله عَذابِ .
نزل أبو سفيان و عكرمة و أبو الأعور السلمي على عبد الله بن أبي و عبد الله بن أبي سرح فقالوا : يا محمد ارفض ذكر آلهتنا و قل إن لها شفاعة لمن عبدها و ندعك و ربك .
فشق ذلك على النبي (عليه السلام) فأمر و أخرجوا من المدينة و نزل وَ لا تُطِعِ الْكافِرِينَ من أهل مكة وَ الْمُنافِقِينَ من أهل المدينة .
ابن عباس : عيّروا النبي (عليه السلام) بكثرة التزوج و قالوا لو كان نبيا لشغلته النبوة عن تزوج النساء فنزل وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ .
ابن عباس و الأصم : كان النبي (عليه السلام) يصلي عند المقام فمر به أبو جهل فقال يا محمد أ لم أنهك عن هذا ? و توعده .
فأغلظ له رسول الله و انتهره .
فقال : يا محمد بأي شيء تتهددني , أما و الله إني لأكبر هذا الوادي ناديا فنزل أَ رَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى إلى قوله
[55]
فَلْيَدْعُ نادِيَهُ سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ فقال ابن عباس : لو نادى لأخذته الزبانية بالعذاب مكانه .
القرطي : قالت قريش يا محمد شتمت الآلهة و سفهت الأحلام و فرقت الجماعة فإن طلبت مالا أعطيناك أو الشرف سودناك أو كان بك علة داويناك .
فقال (عليه السلام) : ليس شيء من ذلك , بل بعثني الله إليكم رسولا و أنزل كتابا فإن قبلتم ما جئت به فهو حظكم في الدنيا و الآخرة و إن تردوه أصبر حتى يحكم الله بيننا .
قالوا : فسل ربك أن يبعث ملكا يصدقك و يجعل لنا كنوزا و جنانا و قصورا من ذهب أو يسقط علينا السماء كما زعمت أو تأتي بالله و الملائكة قبيلا .
فقال عبد الله بن أمية المخزومي : و الله لا أؤمن بك حتى تتخذ سلما إلى السماء ثم ترقى فيه و أنا أنظر .
فقال أبو جهل : إنه أبى إلا سب الآلهة و شتم الآباء و إني أعاهد الله لأحملن حجرا فإذا سجد ضربت به رأسه .
فانصرف النبي (عليه السلام) حزينا فنزل وَ قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا الآيات .
الكلبي : قالت قريش : يا محمد تخبرنا عن موسى و عيسى و عاد و ثمود فأت بآية حتى نصدقك .
فقال (عليه السلام) : أي شيء تحبون أن آتيكم به ?
قالوا : اجعل لنا الصفا ذهبا و ابعث لنا بعض موتانا حتى نسألهم عنك و أرنا الملائكة يشهدون لك أو ائتنا بالله و الملائكة قبيلا .
فقال (عليه السلام) : فإن فعلت بعض ما تقولون , أ تصدقونني ?
قالوا : و الله لو فعلت لنتبعنك أجمعين .
فقام (عليه السلام) يدعو أن يجعل الصفا ذهبا .
فجاء جبرئيل (عليه السلام) فقال : إن شئت أصبح الصفا ذهبا و لكن إن لم يصدقوا عذبتهم , و إن شئت تركتهم حتى يتوب تائبهم .
فقال (عليه السلام) : بل يتوب تائبهم , فنزل وَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَهُمْ نَذِيرٌ .
و روي : أن قريشا كانوا يلعنون اليهود و النصارى بتكذيبهم الأنبياء و لو أتاهم نبي لنصروه فلما بعث الله النبي كذبوه فنزلت هذه الآية . و كانوا يشيرون إليه بالأصابع بما حكى الله عنهم وَ إِذا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً يقول بعضهم لبعض أَ هذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ و ذلك قوله إنها جماد لا تنفع و لا تضر وَ هُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمنِ هُمْ كافِرُونَ .
[56]
و مشش أبي بن خلف بعظم رميم ففته في يده , ثم نفخه , فقال : أ تزعم أن ربك يحيي هذا بعد ما ترى فنزل : وَ ضَرَبَ لَنا مَثَلًا السورة .
و ذكروا : أنه كان إذا قدم على النبي (عليه السلام) وفد ليعلموا علمه انطلقوا بأبي لهب إليهم و قالوا له : أخبر عن ابن أخيك .
فكان يطعن في النبي (عليه السلام) , و قال : الباطل . و قال : إنا لم نزل نعالجه من الجنون . فيرجع القوم و لا يلقونه .
طارق المحاربي : رأيت النبي (عليه السلام) في سويقة ذي المجاز عليه حلة حمراء و هو يقول : يا أيها الناس , قولوا لا إله إلا الله تفلحوا .
و أبو لهب يتبعه و يرميه بالحجارة , و قد أدمى كعبيه , و عرقوبيه , و هو يقول : يا أيها الناس لا تطيعوه فإنه كذاب .