و روي : أنها كانت زينب بنت الحرث زوجة سلام بن مسلم و الآكل كان بشر بن البراء بن معرور و أنه دخلت أمه على النبي (عليه السلام) عند وفاته فقال يا أم بشر ما زالت أكلة خيبر التي أكلت مع ابنك تعاودني فهذا أوان قطعت أبهري و لذلك يقال إن النبي (عليه السلام) مات شهيدا .
و عن عروة بن الزبير : أن النبي (عليه السلام) بقي بعد ذلك ثلاث سنين حتى كان وجعه الذي مات فيه و في رواية : أربع سنين . و هو الصحيح .
نصر بن المنتصر :
و من يناديه الذراع أنني *** مسمومة قد سمني القوم العدى
ابن حماد :
و أبصر الناس منه كل معجزة *** و معجب بين مراء و مستمع
مثل الذراع التي سمت ليأكلها *** فكلمته و كل العلام يعي
و له :
و كلمته الذراع إذ سم فيها *** يا رسول الإله دع عنك أكلي
تفسير الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) في قوله تعالى : ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ .
قالت اليهود : زعمت أن الأحجار ألين من قلوبنا و أطوع لله منا فاستشهد هذه الجبال على تصديقك .
فأمر (عليه السلام) : فتحرك الجبل و تزلزل و فاض منه الماء و نادى أشهد أنك رسول رب العالمين و سيد الخلق أجمعين .
ثم أمره أن ينقطع نصفين و ترتفع السفلى و تنخفض العليا .
و تباعد (عليه السلام) إلى فضاء واسع ثم نادى : أيها الجبل بحق محمد و آله الطيبين في كلام له فتزلزل الجبل
[93]
و سار كالقارح الهملاج حتى وقف بين يديه .
فقالوا : رجل مبخوت .
و فيه : إنه رمت قريش بالأحجار على محمد و علي (عليه السلام) فرأوا كل حجر منها يسلم عليهما فوجموا .
فقال عشرة من مردتهم ما هذه الأحجار تكلمهما و لكنهم رجال في حفرة و حضرة الأحجار قد خبأهم محمد تحت الأرض فتحلق عشرة أحجار و رضت رءوس المتكلمين بهذا الكلام فجاء عشائرهم يبكون و يضجون و يقولون قتل محمد أصحابنا بسحر .
فأنطق الله جنائزهم : صدق محمد و كذبتم .و اضطربت الجنائز و أسقطت من عليها و نادت ما كنا لنحمل أعداء الله .
فقال أبو جهل : إن ذلك سحر عظيم .
ثم دعيا الله تعالى فنشروا ثم نادى المحيون : إن لمحمد و علي شأن عظيم في الممالك التي كنا فيها .
و فيه في تفسير قوله تعالى : إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ .
أنه قال مالك بن الصيف : أريد أن يشهد بساطي بنبوتك .
و قال أبو لبابة بن عبد المنذر : أريد أن يشهد سوطي بها .
و قال كعب بن الأشرف : أريد أن يؤمن بك هذا الحمار .
فأنطق الله البساط فقال : أشهد أن لا إله إلا الله و أشهد أنك يا محمد عبده و رسوله و أشهد أن علي بن أبي طالب وصيك .
فقالوا : ما هذا إلا سحر مبين .
فارتفع البساط و نكس مالكا و أصحابه .
ثم نطق سوط أبي لبابة بالنبوة و الإمامة . ثم انجذب من يده و جذب أبا لبابة فخر لوجهه ثم قال لا أراك أجذبك حتى أثخنك ثم قتلك أو تسلم فأسلم أبو لبابة .
و جاء كعب يركب حماره : فشب به الحمار و صرعه على رأسه ثم قال بئس العبد أنت شاهدت آيات الله و كفرت بها .
فقال النبي (عليه السلام) حمارك خير منك قد أبى أن تركبه فلن تركبه أبدا فاشتراه منه ثابت بن قيس .
و فيه : أنه أتاه الحارث بن كلدة الثقفي و سأل معجزة و قال فادع لي تلك الشجرة .
فدعاها النبي (عليه السلام) : فجعلت تخد في الأرض أخدودا عظيما كالنهر
[94]
حتى وقفت بين يديه و نادت : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و أشهد أنك يا محمد عبده و رسوله و أشهد أن عليا ابن عمك هو أخوك في دينك . فأسلم الحارث .
تكلمة اللطائف :
إنه كان يبني مسجدا في المدينة فدعا شجرة من مكة فخدت الأرض حتى وقفت بين يديه و نطقت بالشهادة على نبوته صلوات الله و سلامه عليه .
بيت :
و من دعا الدوحة إذ قال لها ***ألا أقبلي فأقبلت لمن دعا
عبد الله بن رواحة :
لو لم تكن فيك آيات مبينة ***كانت بديهية تنبئك بالخبر
فطن بن حارثة العليمي :
رأيتك يا خير البرية كلها *** نبت نضارا في الأرومة من كعب
أغر كان البدر غرة وجهه *** إذا ما بدا للناس في حلل العصب
أقمت سبيل الحق بعد اعوجاجها *** و رشت اليتامى في السغابة و الجدب
فصل في كلام الحيوانات :
أبو هريرة و عائشة : جاء أعرابي إلى النبي (عليه السلام) و في يده ضب فقال : يا محمد لا أسلم حتى تسلم هذه الحية .
فقال النبي (عليه السلام) : من ربك ?
فقال : الذي في السماء ملكه و في الأرض سلطانه و في البحر عجائبه و في البر بدائعه و في الأرحام علمه .
ثم قال : يا ضب من أنا ?
قال : أنت رسول رب العالمين و زين الخلق يوم القيامة أجمعين و قائد الغر المحجلين قد أفلح من آمن بك و أسعد فقال الأعرابي أشهد أن لا إله إلا الله
[95]
و أشهد أن محمدا رسول الله .
ثم ضحك و قال : دخلت عليك و كنت أبغض الخلق إليّ و أخرج و أنت أحبهم إليّ .
فلما بلغ الأعرابي منزله استجمع بأصحابه و أخبرهم بما رأى فقصدوا نحو النبي (عليه السلام) بأجمعهم فاستقبلهم النبي (عليه السلام) فأنشأ الأعرابي :
ألا يا رسول الله إنك صادق *** فبوركت مهديا و بوركت هاديا
شرعت لنا دين الحنيفي بعد ما *** عبدنا كأمثال الحمير الطواغيا
فيا خير مدعو و يا خير مرسل *** إلى الإنس ثم الجن لبيك داعيا
أتيت ببرهان من الله واضح *** فأصبحت فينا صادق القول راضيا
فبوركت في الأقوام حيا و ميتا *** و بوركت مولودا و بوركت ناشيا
و روي : أن اسم الأعرابي سعد بن معاذ السلمي فسر النبي (عليه السلام) بإسلامهم و أمر الأعرابي عليهم .
زيد بن الأرقم و أنس و أم سلمة و الصادق (عليه السلام) : أنه مر بظبية مربوطة بطنب خيمة يهودي فقالت : يا رسول الله إني أم خشفين عطشانين و هذا ضرعي قد امتلأ لبنا فخلني حتى أرضعهما ثم أعود فتربطني .
فقال : أخاف ألا تعودي .
قالت : جعل الله علي عذاب العشارين إن لم أعد .
فخلى سبيلها فخرجت و حكت لخشفيها ما جرى فقالا : لا نشرب اللبن و ضامنك رسول الله في أذى منك فخرجت مع خشفيها على رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) و أثنت عليه و جعلا يمسحان رءوسهما برسول الله فبكى اليهودي و أسلم و قال قد أطلقتها و اتخذ هناك مسجدا فخنق رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في أعناقها بسلسلة و قال حرمت لحومكم على الصيادين ثم قال لو أن البهائم يعلمون من الموت ,الخبر .
و في رواية زيد : فأنا و الله رأيتها تسبح في البرية و هي تقول لا إله إلا الله محمد رسول الله .
و روي : أن الرجل اسمه أهيب بن سماع .
جابر الأنصاري و عبادة بن الصامت : قالا كان في حائط بني النجار جمل قطم لا يدخل الحائط أحد إلا شد عليه فدخل النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) الحائط و دعاه فجاءه
[96]
و وضع مشفره على الأرض و نزل بين يديه فخطمه و دفعه إلى أصحابه فقيل البهائم يعرفون نبوتك .
فقال : ما من شيء إلا و هو عارف بنبوتي سوى أبي جهل و قريش .
فقالوا : نحن أحرى بالسجود لك من البهائم .
قال : إني أموت فاسجدوا للحي الذي لا يموت .
و جاء جمل آخر يحرك شفتيه ثم أصغى إلى الجمل و ضحك ثم قال : هذا يشكو قلة العلف و ثقل الحمل .
يا جابر اذهب معه إلى صاحبه فأتني به .
قلت : و الله ما أعرف صاحبه .
قال : هو يدلك .
قال : فخرجت معه إلى بعض بني حنظلة و أتيت به إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) .
فقال : بعيرك هذا يخبرني بكذا و كذا .
قال : إنما كان ذلك لعصيانه ففعلنا به ذلك ليلين .
فواجهه رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) و قال : انطلق مع أهلك فكان يتقدمهم متذللا .
فقالوا : يا رسول الله أعتقناه لحرمتك .
فكان يدور في الأسواق و الناس يقولون هذا عتيق رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) .
نصر بن المنتصر :
و من شكا البعير ظلم أهله *** له إليه ثقل حمل و خوى
ابن حماد :
و دعاه البعيران يا رسول الله *** أشكو إليك جفوة أهلي
و في خبر : بينما هو جالس إذا هو بجمل قد أقبل له رغاء .
فقال (عليه السلام) : أ تدرون ما يقول ? يقول إني لآل فلان الحي من الخزرج استعملوني و كدوني حتى كبرت و ضعفت فلما لم يجدوا في حيلة يريدون نحري و أنا مستغيث بك منه , فأوقفه رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إذا جاء أصحابه يطلبونه .
فحكى النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) .
فقالوا فشأنك به يا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) .
قال : فسرحوه يرتع حيث شاء .
قال : فسرحوه فتباعد الجمل قليلا ثم خر لرسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ساجدا .
[97]
فقالت الصحابة هذه بهيمة سجدت لك فنحن أحق بالسجود منه .
فقال (عليه السلام) : لا ينبغي لأحد أن يسجد لأحد و لو أمرت أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها لعظم حقه عليها .
خطيب منيح :
و من قدم البعير إليه يشكو *** فآمنه شفار الجازرينا
ابن حماد :
و كالبعير الذي وافاه مشتكيا *** و الذئب و الضب و اليربوع و السبع
أمير المؤمنين (عليه السلام) : و لقد كنا معه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فإذا نحن بأعرابي قد أتى بأعرابي و قال : إنه سرق ناقتي و هو يسوقها و قد استسلم للقطع لما زور عليه الشهود .
فقالت الناقة : يا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إن فلانا مني بريء و إن الشهود شهدوا بالزور و إن سارقي فلان اليهودي .
عروة بن الزبير : أنه لما فتح خيبر كان في سهم رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أربعة أزواج ثقالا و أربعة أزواج خفافا و عشرة أواقي ذهبا و فضة و حمار أقمر فلما ركبه رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) نطق و قال : يا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنا عفير ملكني ملك اليهود و كنت عضوضا جموحا غير طائع .
فقال له : هل لك من أب قال لا . لأنه كان منا سبعون مركبا للأنبياء و الآن نسلنا منقطع لم يبق غيري و لم يبق غيرك من الأنبياء و بشرنا بذلك زكريا (عليه السلام) فكان رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يبعثه إلى باب الرجل فيأتي الباب فيقرعه برأسه فإذا خرج إليه صاحب الدار أومأ إليه أن أجب رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فلما قبض النبي (عليه السلام) أتلف نفسه
[98]
في بئر لأبي هيثم بن التيهان فصار قبره و روى أبو جعفر نحوا منه في علل الشرائع .
عبد الرحمن العنبري : خطب النبي (عليه السلام) يوم عرفة و حث على الصدقة .
فقال رجل : يا رسول الله إن إبلي هذه للفقراء فنظر النبي (عليه السلام) إليها فقال اشتروها لي فاشتريت فأتت ليلة إلى حجرة النبي (عليه السلام) و سلمت فقال النبي (عليه السلام) بارك الله فيك .
قالت : كنت حاميا فاستعرت من صاحبي فشردت منهم و كنت أرعي فكان النبات يدعوني و السباع تصيح على أنه لمحمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) .
فسألها النبي (عليه السلام) عن اسم مولاها فقالت عضباء فسماها عضباء .
قال عمر بن الخطاب : فلما حضر النبي (عليه السلام) الوفاة قالت لمن توصي بي بعدك ?
قال يا عضباء : بارك الله فيك أنت لابنتي فاطمة تركبك في الدنيا و الآخرة .
فلما قبض النبي (عليه السلام) أتت إلى فاطمة ليلا فقالت السلام عليك يا بنت رسول الله قد حان فراقي الدنيا و الله ما تهنأت بعلف و لا شراب بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) و ماتت بعد النبي (عليه السلام) بثلاثة أيام .
أنس في خبر : دخل النبي (عليه السلام) حائطا لبعض الأنصار و في الحائط عنز فسجدت لرسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) .
فقال أبو بكر : نحن أحق بالسجود لك من هذه العنز .
فقال (عليه السلام) : إنه لا ينبغي السجود لأحد . و لو كان ينبغي أن يسجد أحد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها .
محمد بن المنكدر في حديثه عن سفينة مولى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال : كنت في البحر في سفينة فانكسرت فركبت لوحا منها فطرحني في أجمة فيها الأسد فقلت يا أبا الحارث أنا مولى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فطأطأ رأسه ثم غمزني بمنكبه يسعى فما زال يغمزني حتى وضعني على الطريق ثم همهم فظننت أنه يودعني .
[99]
الخدري : كان أبو ذر في بطن مرّ يرعى غنما له فانتزع الذئب منه شاة فهجهج به حتى استنقذ منه شاته .
فأقعى الذئب مستثفرا بذنبه مقابلا له ثم قال : أ ما اتقيت الله حلت بيني و بين شاة رزقنيها الله تعالى .
فقال أبو ذر : تالله ما سمعت أعجب من ذلك .
فقال الذئب و أعجب من ذلك رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بين الحرتين في النخلات يحدث الناس بما خلا و يحدثهم بما هو آت و أنت تتبع غنمك .
فقال أبو ذر : يا لك من هوكه من يرعى غنمي حتى أخرج إليه و أومن به ?
فقال الذئب : أنا .
فجاء إلى مكة فإذا هو بحلقة مجتمعين يشتمون النبي (عليه السلام) فأقبل أبو طالب فقالوا : كفوا عنه فقد جاء عمه .
فتبعه أبو ذر فالتفت إليه فقال : ما حاجتك ?
قال :هذا النبي المبعوث فيكم ?
قال : و ما حاجتك إليه ?
قال : أومن به و أصدقه و لا يأمرني بشيء إلا أطعته .
فقال : تشهد أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله ?
قال : نعم .
فدله إلى جعفر . فلما عرف جعفر حاجته دله إلى حمزة . فلما عرف حمزة حاجته دله إلى علي . فلما عرف علي حاجته رفعه إلى بيت فيه رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) .
فلما دخل عليه , قال الرسول (عليه السلام) : ما حاجتك ?
قال : هذا النبي المبعوث فيكم ?
قال : و ما حاجتك ?
قال : أومن به و أصدقه و لا يأمرني بشيء إلا أطعته .
فقال : تشهد أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله ?
قال نعم .
قال : أنا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) .
يا أبا ذر انطلق إلى بلادك فإنك تجد ابن عم لك قد مات فخذ ماله و كن بها حتى يظهر أمري .
ثم دعاه و قال كفاك الله هم دنياك و عقباك فصار أربعين يوما ماء زمزم غسلا له فما اشتهى شيئا آخر .
و انطلق إلى بلاده فوجده كما قال .
و أتى أبو ذر إلى النبي (عليه السلام) فقال : إن لي غنيمات و أكره أن أفارق حضرتك .
فقال (عليه السلام) : إنك فيها .
فلما كان يوم السابع جاءه فقال , بينما أنا في صلاتي إذ أخذ ذئب حملا فاستقبله أسد فقطعه بنصفين و استنقذ الحمل و رده إلى القطيع و ناداني يا أبا ذر أقبل على صلاتك فإن الله قد وكلني بغنمك إلى أن تصلي فلما فرغت منها قال : امض إلى محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فأخبره بحفظي لغنمك .
تفسير الإمام (عليه السلام) : أن ذئبين كلما راعيا و حثاه على الإسلام فأتى الراعي
[100]
إلى النبي (عليه السلام) و حكى له كلامهما .
فأتى النبي (عليه السلام) إلى القطيع و قال أحيطوا بي حتى لا يراني الذئبان فأحاطوا به .
فقال للراعي : قل للذئب من محمد ?
فجاءا يتفحصان عنه حتى دخل في وسطهم فدخلا إلى النبي (عليه السلام) و قالا : السلام عليك يا رسول رب العالمين و سيد الخلق أجمعين و وضعا خدودهما على التراب و مرغاها بين يديه .
فقال النبي (عليه السلام) أحيطوا بعلي . ففعلوا فنادى (عليه السلام) أيها الذئبان : عينا على علي .
فجاءا يتخللان القوم و يتأملان الوجوه و الأقدام حتى بلغا عليا فمرغا في التراب أبدانهما و وضعا بين يديه خدودهما و قالا : السلام عليك يا حليف الندى و معدن النهى و محل الحجى و عالما بما في الصحف الأولى و وصي المصطفى .
و يقال كان اسم الراعي عمير الطائي . و يقال عقبة . فبقي له شرف يفتخرون على العرب و يقول مفتخرهم أنا ابن مكلم الذئب .
خطيب منيح :
و خبرنا بأن الذئب أمسى *** بمبعثه من المتكلمينا
غيره :
الذئب قد أخبر الراعي بمبعثه *** فجاء يشهد بالإسلام في العجل
آخر :
و منطق الذئب بالتصديق معجزة *** مع الذراع و نطق العير و الجمل
لما صار النبي (عليه السلام) إلى وادي حنين للحرب إذا بالطلائع قد رجعت و الأعلام و الألوية قد وقفت فقال لهم النبي (عليه السلام) يا قوم ما الخبر فقالوا يا رسول الله حية عظيمة قد سدت علينا الطريق كأنها جبل عظيم لا يمكننا من المسير فسار النبي (عليه السلام) حتى أشرف عليها فرفعت رأسها و نادت السلام عليك يا رسول الله أنا الهيثم بن طاح بن إبليس مؤمن بك قد سرت إليك في عشرة آلاف من أهل بيتي حتى أعينك على
[101]
حرب القوم فقال النبي (عليه السلام) انعزل عنا و سر بأهلك عن أيماننا ففعل ذلك و سار المسلمون .
محمد بن إسحاق : مرت امرأة من المشركين شديدة القول في النبي (عليه السلام) و معها صبي لها ابن شهرين .
فقال الصبي : السلام عليك يا رسول الله محمد بن عبد الله .
فأنكرت الأم ذلك من ابنها .
فقال له النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) : يا غلام من أين تعلم أني رسول الله و أني محمد بن عبد الله .
قال : أعلمني ربي رب العالمين و الروح الأمين .
فقال النبي (عليه السلام) : من الروح الأمين ?
قال : جبرئيل و ها هو قائم على رأسك ينزل إليك .
فقال له النبي (عليه السلام) : ما اسمك يا غلام ?
فقال : عبد العزى . و أنا كافر به فسمني ما شئت يا رسول الله .
قال : أنت عبد الله .
فقال : يا رسول الله ادع الله أن يجعلني من خدمك في الجنة .
فدعا له .
فقال : سعد من آمن بك *** و شقي من كفر بك ... ثم شهق شهقة فمات .
شمر بن عطية : أنه أتي النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بصبي قد شب و لم يتكلم قط .
فقال : ادن .
فدنا . فقال من أنا ?
قال : أنت رسول الله .
الواقدي عن المطلب بن عبد الله قال : بينما رسول الله جالس بالمدينة في أصحابه إذ أقبل ذئب فوقف بين يدي النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يعوي فقال النبي هذا وافد السباع إليكم فإن أحببتم أن تفرضوا له شيئا لا يعدوه إلى غيره و إن أحببتم تركتموه و أحرزتم منه و ما أخذ فهو رزقه فقالوا يا رسول الله ما تطيب أنفسنا له بشيء فأومأ النبي بأصابعه الثلاثة أي خالسهم فولى و له عسلان .
و في حكاية عمرو بن المنتشر : أنه سأل النبي (عليه السلام) أن يدفع الحية عن الوادي و يرد النخلة عن عادتها فخرج النبي (عليه السلام) فإذا الحية تجرجر و تكشكش كالبعير الهائج و تخور كما يخور الثور فلما نظرت إلى النبي قامت و سلمت عليه ثم وقف على النخلة و أمر يده عليها و قال بسم الله الذي قدر فهدى و أمات و أحيا فصارت بطول النبي و أثمرت و نبع الماء من أصلها .
[102]
و في حديث خزيم بن فاتك الأسدي : أنه وجد إبله بأبرق الغرل القصة فسمع هاتفا :
هذا رسول الله ذو الخيرات *** جاء بياسين و حاميمات
فقلت : من أنت ?
قال : أنا مالك بعثني رسول الله إلى حي نجد .
قلت : لو كان لي من يكفيني إبلي لأتيته فآمنت به .
فقال أنا .
فعلوت بعيرا منها و قصدت المدينة و الناس في صلاة الجمعة فقلت في نفسي لا أدخل حتى تنقضي صلاتهم فأنا أنيخ راحلتي إذ خرج إلي رجل قال : يقول لك رسول الله ادخل فدخلت .
فلما رآني قال : ما فعل الشيخ الذي ضمن لك أن يؤدي إبلك إلى أهلك ?
قلت :لا علم لي به .
قال : إنه أداها سالمين .
قلت : أشهد أن لا إله إلا الله و أنك رسول الله .
فصل في تكثير الطعام و الشراب :
وَ يَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً .
أبو هريرة و أبو سعيد و واثلة بن الأسقع و عبد الله بن عاصم و بلال و عمر بن الخطاب قالوا : أصاب الناس مجاعة في تبوك فقالوا إن أذنت لنا نحرنا نواضحنا .
فدعانا لنطع فبسطه ثم دعا بفضل أزوادهم فجعل الرجل يجيء بكف الذرة و الآخر بكف التمر و الآخر بالكسرة حتى اجتمع على النطع شيء من ذلك ثم دعا له بالبركة ثم قال خذوا في أوعيتكم قال فأخذوا في أوعيتهم حتى ما تركوا في العسكر وعاء إلا و ملئوه و أكلوا حتى شبعوا و فضلت فضلة فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أشهد أن لا إله إلا الله و أني رسول الله لا يقولها أحد إلا حرمه الله على النار .
و رأى (عليه السلام) عمرة بنت رواحة تذهب بتميرات إلى أبيها يوم الخندق فقال اجعليها على يدي ثم جعلها على نطع فجعل يربو حتى أكل منه ثلاثة آلاف رجل .
[103]
و منه حديث علي بن أبي طالب (عليه السلام) : و قد طبخ له ضلعا وفت معه العشيرة .
البخاري عن جابر الأنصاري في حديث حفر الخندق : فلما رأيت ضعف النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) طبخت جديا و خبزت صاع شعير و قلت : يا رسول الله تكرمني بكذا و كذا .
فقال : لا ترفع القدر من النار . و لا الخبز من التنور .
ثم قال : يا قوم قوموا إلى بيت جابر .
فأتوا و هم سبعمائة رجل و في رواية : ثمانمائة و في رواية ألف رجل : فلم يكن موضع الجلوس فكان يشير إلى الحائط و الحائط يبعد حتى تمكنوا فجعل يطعمهم بنفسه حتى شبعوا و لم يزل يأكل و يهدي إلى قومنا أجمع فلما خرجوا أتيت القدر فإذا هو مملوء و التنور محشو .
روى أنس أنه : أرسلني أبو طلحة إلى النبي (عليه السلام) لما رأى فيه أثر الجوع .
فلما رآني قال : أرسلك أبو طلحة .
قلت : نعم .
قال لمن معه : قوموا .
فقال أبو طلحة : يا أم سليم قد جاء رسول الله بالناس و ليس عندنا من الطعام ما يطعمهم .
فقال (صلّى الله عليه وآله وسلّم) : يا أم سليم هلمي بما عندك .
فجاءت بأقراص من شعير .
فأمر به ففت .
و عصرت أم سليم عكة سمن . فأخذها النبي (عليه السلام) ثم وضع يده على رأس الثريد .
و كان يدعو بعشرة عشرة فأكلوا حتى شبعوا . و كانوا سبعين أو ثمانين رجلا .