فقال (عليه السلام) : يا سائل خذ هذه الأربعمائة دينار .
فقال صاحب المال : يا رسول الله ليس بدينار و إنما هو درهم .
فقال (عليه السلام) : لا تكذبني فإن الله صدقني , و فتح رأس الكيس فإذا هو دينار .
فعجب الرجل و حلف أنه شحنها من الدراهم .
قال : صدقت , و لكن لما جرى على لساني الدنانير جعل الله الدراهم دنانير .
و استأذن أبو ذر رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أن يكون في مزينة مع ابن أخيه .
فقال : إني أخشى أن يغير عليك خيل من العرب فتقتل ابن أخيك فتأتيني شعثا فتقوم بين يدي متكئا على عصى فتقول قتل ابن أخي و أخذ السرح . ثم أذن له .
فخرج و لم يلبث إلا قليلا حتى أغار عليه عينية بن حصن و أخذ السرح و قتل ابن أخيه و أخذت امرأته فأقبل أبو ذر لسبد حتى وقف بين يدي رسول الله و به طعنة جائفة فاعتمد على عصاه و قال صدق الله و رسوله أخذ السرح و قتل ابن أخي و قمت بين يديك على عصاي .
فصاح رسول الله في المسلمين فخرجوا بالطلب فردوا السرح .
و كتب (عليه السلام) إلى ابن جلندى و أهل عمان و قال : أما أنهم سيقبلون كتابي و
[115]
يصدقوني و يسألكم ابن جلندى هل بعث رسول الله معكم بهدية ?
فقولوا :لا .
فسيقول : لو كان رسول الله بعث معكم بهدية لكانت مثل المائدة التي نزلت على بني إسرائيل و على المسيح , فكان كما قال .
و في حديث حريز بن عبد الله البجلي و عبدة بن مسهر لما قال له : أخبرني عما أسألك و ما أحرت و ما أبصرت يريد في المنام فقال (عليه السلام) أما ما أحرت فسيفك الحسام و ابنك الهمام و فرسك عصام و رأيت في المنام في غلس الظلام أن ابنك يريد الغزل فلقيه أبو ثعل على سفح الجبل مع إحدى نساء بني ثعل فقتله نجدة بن جبل ثم أخبره بما يجري و ما يحب أن يعمل .
قال أبو شهم : مرت بي جارية بالمدينة فأخذت بكشحها .
قال : و أصبح الرسول (عليه السلام) يبايع الناس .
قال : فأتيته , فلم يبايعني .
فقال : صاحب الخبندة ?
قلت : و الله لا أعود .
قال : فبايعني .
و أمثلة ذلك كثيرة فصار مخبرات مقاله على ما أخبر به (عليه السلام) .
فصل في معجزات أفعاله (عليه السلام) :
محمد بن المنكدر سمعت جابرا يقول : جاء رسول الله (عليه السلام) يعودني و أنا مريض لا أعقل فتوضأ و صب علي من وضوئه فعقلت ... الخبرز.
و شكا إليه (عليه السلام) طفيل العامري الجذام فدعا بركوة ثم تفل فيها و أمره أن يغتسل به .
فاغتسل و عاد صحيحا .
و أتاه (عليه السلام) حسان بن عمرو الخزاعي مجذوما فدعا له بماء فتفل فيه ثم أمره فصبه على نفسه فخرج من علته فأسلم قومه .
و أتاه (عليه السلام) قيس اللخمي و به برص فتفل عليه فبرأ .
أبو بكر القفال في دلائل النبي : أن البراء ملاعب الأسنة كان به استسقاء
[116]
فبعث إليه لبيد بن ربيعة و أهدى إليه فرسين و نجائب .
فقال (عليه السلام) : لا أقبل هدية مشرك .
قال : فإنه يستشفيك من الاستسقاء .
فأخذ بيده حثوة من الأرض فتفل عليها و أعطاه . ثم قال : دفها بماء ثم اسقه إياه فلما شربها البراء برأ من مرضه .
محمد بن خاطب : انكب القدر على ساعدي في الصغر فأتت بي أمي إلى النبي (عليه السلام) .
قالت : فتفل في في و مسح على ذراعي و جعل يقول أذهب البأس رب الناس و اشف أنت الشافي لا شافي إلا أنت شفاء لا يغادر سقما , فبرأ بإذن الله .
الفائق : أن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مسح على رأس غلام و قال عش قرنا فعاش مائة .
و أن امرأة أتته بصبي لها للتبرك و كانت به عاهة فمسح يده على رأس الصبي فاستوى شعره و برء داؤه .
و روى ابن بطة أن : الصبي كان المهلب .
و بلغ ذلك أهل اليمامة , فأتت امرأة مسيلمة بصبي لها , فمسح رأسه . فصلع و بقي نسله إلى يومنا هذا .
و قطع يد أنصاري و هو عبد الله بن عتيك في حرب أحد فألزقها رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) و نفخ عليه فصار كما كان .
و نفخ (عليه السلام) في عين علي (عليه السلام) و هو أرمد يوم خيبر فصح من وقته .
أبو العباس أحمد بن عطية :
تفل النبي بمحضر يختصه في *** مقلتيه و لحظه يتطلع
فرأى البسيطة مثل راحة كفه *** حتى كان السهل منها إصبع
و فقئ في أحد عين قتادة بن ربعي أو قتادة بن النعمان الأنصاري فقال يا رسول الله الغوث الغوث فأخذها بيده فردها مكانها فكانت أصحهما و كانت تعتل الباقية و لا تعتل المردودة فلقب ذا العينين أي له عينان مكان الواحدة .
فقال الخرنق الأوسي :
و منا الذي سالت على الخد عينه *** فردت بكف المصطفى أحسن الرد
فعادت كما كانت لأحسن حالها *** فيا طيب ما عين و يا طيب ما يد
[117]
و أصيبت رجل بعض أصحابه فمسحها بيده فبرأت من حينها .
و أصاب محمد بن مسلمة يوم قتل كعب بن الأشرف مثل ذلك في عيني ركبتيه فمسحه رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بيده , فلم تبن من أختها .
و أصاب عبد الله بن أنيس مثل ذلك في عينه فمسحها فما عرفت من الأخرى .
عروة بن الزبير عن زهرة قال : أسلمت فأصيب بصرها .
فقالوا لها : أصابك اللات و العزى .
فرد (عليه السلام) عليها بصرها .
فقالت قريش : لو كان ما جاء محمد خيرا ما سبقتها إليه زهرة فنزل : وَ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كانَ خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ الآية .
و أنفذ النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عبد الله بن عتيك إلى حصن أبي رافع اليهودي فدخل فيه بغتة فإذا أبو رافع في بيت مظلم لا يدري أين هو فقال أنا رافع قال من هذا فأهوى نحو الصوت فضربه ضربة و خرج فصاح أبو رافع ثم دخل عليه فقال ما هذا الصوت يا أبا رافع فقال إن رجلا في البيت ضربني فضربه ضربة أخرى و كان ينزل فانكسر ساقه فعصبها فلما انتهى إلى النبي (عليه السلام) فحدثه قال ابسط رجلك فبسطها فمسحها فبرأت .
و كان أبي بن خلف يقول : عندي رمكة أعلفها كل يوم فرق ذرة أقتلك عليها .
فقال النبي (عليه السلام) : أنا أقتلك إن شاء الله .
فطعنه النبي (عليه السلام) يوم أحد في عنقه و خدشه خدشة فتدهدى عن فرسه و هو يخور كما يخور الثور .
فقالوا له في ذلك .
فقال : لو كان الطعنة بربيعة و مضر لقتلهم , أ ليس قال لي : أقتلك . فلو بزق على بعد تلك المقالة قتلني , فمات بعد يوم .
فقال حسان .
لقد ورث الضلالة عن أبيه *** أبي حين بارزة الرسول
أتيت إليه تحمل منه عضوا *** و توعده و أنت به جهول
و قد قتلت بنو النجار منكم *** أمية إذ يغوث يا عقيل
و في لطائف القصص : أن قوما شكوا إليه ملوحة مائهم فجاء معهم و تفل في بئرهم
[118]
فانفجرت بالماء العذب الفرات فها هي تتوارثها أهلها .
و كان مما أكد الله به صدقه , أن قوم مسيلمة سألوه [ اي سألوا مسيلمة ] مثلها , فتفل في بئر . فعادت ملحا أجاجا كبول الحمار و هي إلى اليوم بحالها معروفة المكان .
و روي : أن النبي (عليه السلام) تفل في بئر معطلة ففاضت حتى سقي منها بغير دلو و لا رشاء .
و كانت امرأة متبرزة و فيها وقاحة فرأت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يأكل فسألت لقمة من فلق فيه فأعطاها فصارت ذات حياء بعد ذلك .
و روي : أن جرهدا أتى النبي (عليه السلام) و بين يديه طبق فمد يده الشمال ليأكل و كانت اليمين مصابة فقال له النبي كل باليمين فقال يا رسول الله إنها مصابة فنفث عليها فما اشتكاها .
و روى أبو هريرة قال : انصرف النبي (عليه السلام) ليلة من العشاء فأضاءت له برقة فنظر إلى قتادة بن النعمان فعرفه فقال يا نبي الله كانت ليلة مطيرة فأحببت أن أصلي معك فأعطاه النبي عرجونا و قال خذها تستضيء به ليلتك الخبر .
و أعطى (عليه السلام) عبد الله بن طفيل الأزدي نورا في جبينه ليدعو به قومه فقال يا رسول الله هذه مثلة فجعله رسول الله في سوطه و اهتدى به أبو هريرة .
و روى أبو هريرة : أن الطفيل بن عمرو نهته قريش عن قرب النبي (عليه السلام) فدخل المسجد محشوا أذنيه بكرسف لكيلا يسمع صوته فكان يسمع فأسلم و قال :
يحذرني محمدها قريش و ما *** أنا بالهيوب لدى الخصام
فقام إلى المقام و قمت منه *** بعيدا حيث أنجو من ملام
و أسمعت الهدى و سمعت قولا *** كريما ليس من سجع الأنام
و صدقت الرسول و هان قوم *** علي رموه بالبهت العظام
ثم قال يا رسول الله إني امرؤ مطاع في قومي فادع الله أن يجعل لي آية تكون لي عونا على ما أدعوهم إلى الإسلام .
فقال (عليه السلام) : اللهم اجعل له آية فانصرف إلى قومه
[119]
إذ رأى نورا في طرف سوطه كالقنديل فأنشأ قصيدة منها :
ألا أبلغ لديك بني لوي *** على الشنئان و الغضب المرد
بأن الله رب الناس فردا *** تعالى جده عن كل جد
و أن محمدا عبد رسول *** دليل هدى و موضح كل رشد
رأيت له دلائل أنبأتني *** بأن سبيله للفضل يهدي
أبو عبد الله الحافظ قال : خط النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عام الأحزاب أربعين ذراعا بين كل عشرة فكان سلمان و حذيفة يقطعون نصيبهم فبلغوا ندبا عجزوا عنه فذكر سلمان للنبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ذلك فهبط و أخذ معوله و ضرب ثلاث ضربات في كل ضربة لمعة و هو يكبر و يكبر الناس معه فقال يا أصحابي هذا ما يبلغ الله شريعتي الأفق .
و في خبر بالأولى اليمن و بالثانية الشام و المغرب و بالثالثة المشرق فنزل لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ الآيات .
جابر بن عبد الله : اشتد علينا في حفر الخندق كدانة فشكوا إلى النبي فدعا بإناء من ماء فتفل فيه ثم دعا بما شاء الله أن يدعو ثم نضح الماء على تلك الكدانة فعادت كالكندر .
و روي : أن عكاشة انقطع سيفه يوم بدر فناوله رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) خشبة و قال قاتل بها الكفار فصارت سيفا قاطعا يقاتل به حتى قتل به طليحة في الردة .
و أعطى عبد الله بن جحش يوم أحد عسيبا من نخل فرجع في يده سيفا و روي في ذي الفقار مثله رواية و أعطى (عليه السلام) يوم أحد لأبي دجانة سعفة نخل فصارت سيفا فأنشأ أبو دجانة .
نصرنا النبي بسعف النخيل *** فصار الجريد حساما صقيلا
و ذا عجبا من أمور الإله *** و من عجب الله ثم الرسولا
[120]
و من هز الجريدة فاستحالت *** رهيف الحد لم يلق الفنونا
و أتاه قوم من عبد القيس بغنم لهم فسألوه أن يجعل لها علامة يذكر بها فغمز إصبعه في أصول آذانها فابيضت فهي إلى اليوم معروفة النسل ظاهرة الأثر .
و أكل النبي (عليه السلام) يوما رطبا كان في يمينه و كان يحفظ النوى في يساره فمرت شاة فأشار إليها بالنوى فجعلت تأكل في كفه اليسرى و هو يأكل بيمينه حتى فرغ و انصرفت الشاة .
و روي أنه (عليه السلام) قال : أعطني يا علي كفا من الحصى فرماها و هو يقول جاء الحق و زهق الباطل قال الكلبي فجعل الصنم ينكب لوجهه إذا قال ذلك و أهل مكة يقولون ما رأينا رجلا أسحر من محمد .
أبو هريرة : أن رجلا أهدى إليه قوسا عليه تمثال عقاب فوضع يده عليه فأذهبه الله و كان خباب بن الأرت في سفر فأتت بنيته إلى الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) و شكت نفاد النفقة فقال أوديني بشوية لكم فمسح يده على ضرعها فكانت تدر إلى انصراف خباب .
أمالي الطوسي عن زيد بن أرقم في خبر طويل : أن النبي (عليه السلام) أصبح طاويا فأتى فاطمة (عليه السلام) فرأى الحسن و الحسين (عليه السلام) يبكيان من الجوع و جعل يزقهما بريقه حتى شبعا و ناما .
فذهب مع علي إلى دار أبي الهيثم فقال : مرحبا برسول الله ما كنت أحب أن تأتيني و أصحابك إلا و عندي شيء و كان لي شيء ففرقته في الجيران .
فقال : أوصاني جبرئيل بالجار حتى حسبت أنه سيورثه .
قال : فنظر النبي إلى نخلة في جانب الدار .
فقال : يا أبا الهيثم , تأذن في هذه النخلة ?
فقال : يا رسول الله , إنه لفحل , و ما حمل شيئا قط , شأنك به .
فقال : يا علي ائتني بقدح ماء , فشرب منه , ثم مج فيه , ثم رش على النخلة . فتملت أعذاقا من بسر و رطب ما شئنا .
فقال : ابدءوا بالجيران . فأكلنا و شربنا ماء باردا حتى شربنا و روينا .
فقال : يا علي هذا من النعيم الذي يسألون عنه يوم القيامة .
[121]
يا علي تزود لمن وراك لفاطمة و الحسن و الحسين .
قال : فما زالت تلك النخلة عندنا نسميها نخلة الجيران حتى قطعها يزيد عام الحرة .
هند بنت الجون و حبيش بن خالد و أبو معبد الخزاعي : أن النبي (عليه السلام) عند الهجرة نزل على أم معبد الخزاعية و سألوها شيئا ليشتروه فلم يصيبوا .
فإذا شاة في كسر البيت جرباء ضعيفة فدعا بها فمسح يده على ضرعها , و قال : اللهم بارك في شأنها .
فتفاجت و درت و اجترت .
فدعا النبي بإناء لها يربض الرهط فحلبها و شرب هو و أصحابه و المرأة و أصحابها و لم يشرب حتى شربوا بجمعهم ثم قال : ساقي القوم آخرهم شربا .
ثم حلب لها عودا بعد بدء .
خطيب منيح :
و من حلب الضئيلة و هي نضو *** فأسبل درها للحالبينا
و كانت حائلا فغدت و راحت *** بيمن المصطفى الهادي لبونا
غيره :
و الشاة لما مسحت الكف منك على *** جهد الهزال بأوصال لها قحل
سحت بدرة سكر الضرع حافلة *** فروت الركب بعد النهل بالعلل
و سمع صوت :
سلوا أختكم عن شاتها و إنائها *** فإنكم إن تسألوا الناس تشهد
[122]
دعاها بشاة حائل فتحلبت *** له بصريح صرة الشاة من يد
فلما أصبح الناس أخذوا نحو المدينة حتى لحقوا به .
و مسح (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ضرع شاة حائل لا لبن لها فدرت فكان ذلك سبب إسلام ابن مسعود .
أمالي الحاكم : أن النبي (عليه السلام) كان يوما قائظا فلما انتبه من نومه دعا بماء فغسل يديه ثم مضمض ماء و مجه إلى عوسجة فأصبحوا و قد غلظت العوسجة و أثمرت و أنيعت بثمر أعظم ما يكون في لون الورس و رائحة العنبر و طعم الشهد و الله ما أكل منها جائع إلا شبع و لا ظمآن إلا روي و لا سقيم إلا برء و لا أكل من ورقها حيوان إلا در لبنها و كان الناس يستشفون من ورقها و كان يقوم مقام الطعام و الشراب و رأينا النماء و البركة في أموالنا .
فلم يزل كذلك حتى أصبحنا ذات يوم و قد تساقط ثمرها و صغر ورقها فإذا قبض النبي (عليه السلام) .
فكانت بعد ذلك تثمر دونه في الطعم و العظم و الرائحة و أقامت على ذلك ثلاثين سنة .
فأصبحنا يوما و قد ذهبت نضارة عيدانها فإذا قتل أمير المؤمنين (عليه السلام) فما أثمرت بعد ذلك قليلا و لا كثيرا فأقامت بعد ذلك مدة طويلة .
ثم أصبحنا و إذا بها قد نبع من ساقها دم عبيط و ورقها زائل يقطر ماء كماء اللحم فإذا قتل الحسين (عليه السلام) .
أجمع المفسرون و المحدثون سوى عطا و الحسين و البلخي في قوله : اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَ انْشَقَّ الْقَمَرُ أنه قد اجتمع المشركون ليلة بدر إلى النبي (عليه السلام) فقالوا : إن كنت صادقا فشق لنا القمر فرقتين .
قال : إن فعلت تؤمنون .
قالوا : نعم .
فأشار إليه بإصبعه فانشق شقتين رئي حرى بين فلقيه . و في رواية نصفا على أبي قبيس و نصفا على قعيقعان . و في رواية نصف على الصفا و نصف على المروة فقال (عليه السلام) اشهدوا اشهدوا .
فقال ناس : سحرنا محمد .
فقال رجل : إن كان سحركم فلم يسحر الناس كلهم .
و كان ذلك قبل الهجرة و بقي قدر ما بين العصر إلى الليل و هم ينظرون إليه و يقولون هذا سحر مستمر فنزل وَ إِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا الآيات .
و في رواية : أنه قدم السفار من كل وجه فما من أحد قدم إلا أخبرهم أنهم رأوا مثل ما رأوا .
نصر بن المنتصر :
[123]
و القمر البدر المنير شقه *** فقيل سحر عجب لما رأى
و غرس (عليه السلام) نوى فنبت نخلا و حملت الذهب الذي دفعه إلى سلمان و بارك فيه و وفى بكل ما كان عليه و ما نقص منه و أرطبت في وقت واحد .
فصل في معجزاته في ذاته عليه السلام :
كان النبي (عليه السلام) قبل المبعث موصوفا بعشرين خصلة من خصال الأنبياء لو انفرد واحد بأحدها لدل على جلاله فكيف من اجتمعت فيه كان نبيا أمينا صادقا حاذقا أصيلا نبيلا مكينا فصيحا عاقلا فاضلا عابدا زاهدا سخيا كميا قانعا متواضعا حليما رحيما غيورا صبورا موافقا مرافقا لم يخالط منجما و لا كاهنا و لا عيافا .
و لما قالت قريش : أنه ساحر , علمنا أنه قد أراهم ما لم يقدروا على مثله .
و قالوا : هذا مجنون لما هجم منه على شيء لم يفكر في عاقبته منهم .
و قالوا : هو كاهن : لأنه أنبأ بالغائبات .
و قالوا : معلم لأنه قد أنبأهم بما يكتمونه من أسرارهم .
فثبت صدقه من حيث قصدوا تكذيبه .
و كان فيه خصال الضعفاء و من كان فيه بعضها لا ينظم أمره كان يتيما فقيرا ضعيفا وحيدا غريبا بلا حصار و لا شوكة كثير الأعداء و مع جميع ذلك تعالى مكانه و ارتفع شأنه فدل على نبوته .
و كان الجلف البدوي يرى وجهه الكريم , فقال : و الله ما هذا وجه كذاب .
و كان (عليه السلام) : ثابتا في الشدائد و هو مطلوب و صابرا على البأساء و الضراء و هو مكروب محروب .
و كان : زاهدا في الدنيا راغبا في الآخرة فثبت له الملك .
و كان يشهد كل عضو منه على معجزة :
نوره :كان إذا يمشي في ليلة ظلماء بدا له نور كأنه قمر .
عائشة : فقدت إبرة ليلة فما كان في منزلي سراج فدخل النبي (عليه السلام) فوجدت الإبرة بنور وجهه .
حمزة بن عمر الأسلمي قال : نفرنا مع النبي في ليلة ظلماء فأضاءت أصابعه .
[124]
عرفه : جابر بن عبد الله : أنه كان لا يمر في طريق فيمر فيه إنسان بعد يومين إلا عرف أنه عبر فيه .
مسلم : كان النبي (عليه السلام) يقيل عند أم سلمة فكانت تجمع عرقه و تجعله في الطيب .
عبد الجبار بن وائل عن أبيه قال : أتي رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بدلو من ماء فشرب ثم توضأ فتمضمض ثم مج مجة في الدلو فصار مسكا أو أطيب من المسك .
ظله : لم يقع ظله على الأرض لأن الظل من الظلمة و كان إذا وقف في الشمس و القمر و المصباح نوره يغلب أنوارها .
قامته : كل ما مشى مع أحد كان أطول منه برأس و إن كان طويلا .
رأسه كان يظله سحابة من الشمس و تسير لمسيره و تركد لركوده و لا يطير الطير فوقه .
عينه :كان يبصر من ورائه كما يبصر من أمامه و يرى من خلفه كما يرى من قدامه .
أنفه :لم يشم به منذ خلقه الله تعالى رائحة كريهة .
فمه :كان يمج في الكوز و البئر فيجدون له رائحة أطيب من المسك .
لسانه :كان ينطق بلغات كثيرة .
محاسنه :كانت فيه سبع عشرة طاقة نور يتلألأ في عوارضه .
أذنه :كان يسمع في منامه كما يسمع في انتباهه و يسمع كلام جبرئيل عند الناس و لا يسمعونه .
ربيع الأبرار : أنه دخل أبو سفيان على النبي (عليه السلام) و هو نفاد فأحس بتكاثر الناس فقال في نفسه و اللات و العزى يا ابن أبي كبشة لأملأنها عليك خيلا و رجلا و أني لأرجو أن أرقى هذه الأعواد .
فقال النبي (عليه السلام) : أ و يكفينا الله شرك يا أبا سفيان .
صدره :لم يكن على وجه الأرض أعلم منه .
ظهره :كان بين كتفيه خاتم النبوة كلما أبداه علا نوره نور الشمس مكتوب عليه لا إله إلا الله وحده لا شريك له توجه حيث شئت فأنت منصور .
[125]
في حديث جابر بن سمرة : رأيت خاتمه غضروف كتفيه مثل بيض الحمامة .
و سئل الخدري عنه فقال : بضعة ناشزة .
أبو زيد الأنصاري : شعر مجتمع على كتفيه السائب بن يزيد : مثل زر الحجلة .
و لما شك في موت رسول الله (عليه السلام) وضعت أسماء بنت عميس يدها بين كتفيه فقالت : قد توفي رسول الله قد رفع الخاتم .
بطنه :كان يشد عليه الحجر من الغرث فتشبع .
قلبه :كان تنام عيناه و لا ينام قلبه .
يداه :فار الماء من بين أصابعه و سبح الحصى في كفه .
ركبه :ولد مسرورا مختونا و ما احتلم قط لأن ذلك من الشيطان و كان له شهوة أربعين نبيا .
جلوسه :
عائشة : قلت يا رسول الله إنك تدخل الخلاء فإذا خرجت دخلت علي أثرك فما أرى شيئا إلا أنى أجد رائحة المسك .
فقال : إنا معشر الأنبياء تنبت أجسادنا على أرواح الجنة فما يخرج منه شيء إلا ابتلعته الأرض .
و تبعه رجل علم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مراده .
فقال : إنا معاشر الأنبياء لا يكون منا ما يكون من البشر .
أم أيمن : أصبح رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقال يا أم أيمن قومي فاهرقي ما في الفخارة , يعني البول .
قلت : و الله شربت ما فيها , و كنت عطشى .
قالت : فضحك حتى بدت نواجذه .
ثم قال : أما إنك لا تنجع بطنك أبدا .
و منه حديث دم الفصد .
فخذه :كل دابة ركبها النبي بقيت على سنها لا يهرم قط .
رجلاه :أرسلها في بئر ماؤه أجاج فعذب .
قوته :كان لا يقاومه أحد .
إسحاق بن بشار : إن ركانة بن عبد بن زيد بن هاشم كان من أشد قريش فحلا .
فقال له النبي في وادي أصم : يا ركانة ألا تتقي الله و تقبل ما أدعوك إليه .
[126]
قال : إني لو أعلم أنه حق لاتبعتك .
فقال النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) : أ فرأيت إن صرعتك أ تعلم أن ما أقول حق .
قال : نعم .
قال : قم حتى أصارعك .
قال فقام إليه ركانة : فصارعه فلما بطش به رسول الله أضجعه .