قال : فعد .
فعاد : فصرعه .
فقال : إن ذا لعجب يا قوم إن صاحبكم أسحر أهل الأرض .
حرمته :كان القمر يحرك مهده في حال صباه و كان لا يمر على شجرة إلا سلمت عليه و لم يجلس عليه الذباب و لم تدن منه هامة و لا سامة .
مشيه :كان إذا مشى على الأرض السهلة لا يبين لقدمه أثر و إذا مشى على الصلبة بان أثرها .
هيبته :كان عظيما مهيبا في النفوس حتى ارتاعت رسل كسرى مع أنه كان بالتواضع موصوفا و كان محبوبا في القلوب حتى لا يقليه مصاحب و لا يتباعد عنه مقارب .
قال السدي قوله : سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ .
لما ارتحل أبو سفيان و المشركين يوم أحد متوجهين إلى مكة قالوا : ما صنعنا قتلناهم حتى لم يبق منهم إلا الشريد و تركناهم إذ هموا .
و قالوا : ارجعوا فاستأصلوهم فلما عزموا على ذلك ألقى الله في قلوبهم الرعب حتى رجعوا عما هموا .
و روي : أن الكفار دخلوا مكة كالمنهزمين مخافة أن يكون له الكرة عليهم .
و قال (صلّى الله عليه وآله وسلّم) : نصرت بالرعب مسيرة شهر .
قوله تعالى وَ كَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ .
و ذلك أن النبي (عليه السلام) لما قصد خيبر و حاصر أهلها همت قبائل من أسد و غطفان أن يغيروا على أهل المدينة .
فكف الله عنهم بإلقاء الرعب في قلوبهم .
قوله تعالى هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ .
و قال (عليه السلام) لم نخل في ظفر أما في ابتداء الأمر و أما في انتهائه .
و كان جميل بن معمر الفهري حفيظا لما يسمع و يقول إن في جوفي لقلبين أعقل بكل واحد منها أفضل من عقل محمد فكانت قريش تسميه ذا القلبين .
فتلقاه أبو سفيان يوم بدر و هو آخذ بيده إحدى نعليه و الأخرى في رجله , فقال : له يا با معمر ما الخبر ?
قال : انهزموا .
قال : فما حال نعليك .
قال : ما شعرت إلا أنها في رجلي لهيبة محمد .
فنزل ما جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ .
أمير المؤمنين (عليه السلام) :
و ينصر الله من لاقاه إن له *** نصرا يمثل بالكفار ما عندوا
[127]
و من أوضح الدلالات على نبوته (عليه السلام) استيقان كافتهم بحدوده و تمكن موجباتها في غوامض صدورهم حتى أنهم يشتمون بالفسوق من خرج عن حد من حدوده و بالجهل من لم يعرفه و بالكفر من أعرض عنه و يقيمون الحدود و يحكمون بالقتل و الضرب و الأسر لمن خرج عن شريعته و يتبرأ الأقارب بعضهم من بعض في محبته و أنه بقي في نبوته نيفا و عشرين سنة بين ظهراني قوم ما يملك من الأرض إلا جزيرة العرب فاتسقت دعوته برا و بحرا منذ خمسمائة و سبعين سنة مقرونا باسم ربه ينادى بأقصى الصين و الهند و الترك و الخزر و الصقالبة و الشرق و الغرب و الجنوب و الشمال في كل يوم خمس مرات بالشهادتين بأعلى صوت بلا أجرة و خضعت الجبابرة لها و لا تبقى لملك نوبته بعد موته و على ذلك فسر .
الحسن و مجاهد قوله تعالى : وَ رَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ ما يقول المؤذنون على المنائر و الخطباء على المنابر .
قال الشاعر :
و ضم الإله اسم النبي إلى اسمه *** إذ قال في الخمس المؤذن أشهد
و من تمام قوته أنها تجذب العالم من أدنى الأرض و أقصى أطرافها في كل عام إلى الحج حتى تخرج العذراء من خدرها و العجوز في ضعفها و من حضرته وفاته يوصي بأدائه و قد نرى الصائم في شهر رمضان يتلهب عطشا حتى يخوض الماء إلى حلقه و لا يستطيع أن يجرع منه جرعة و كل يوم خمس مرات يسجدون خوفا و تضرعا و كذلك أكثر الشرائع و قد تحزب الناس في محبته حتى يقول كل واحد أنا على الحق و أنت لست على دينه .
الفرزدق :
جعلت لأهل العدل عدلا و رحمة *** و برء لآثار الجروح الكواتم
كما بعث الله النبي محمدا *** على فترة و الناس مثل البهائم
البيناري :
الله قد أيد بالوحي *** محمدا ذا الأمر و النهي
يأمر بالعدل و ينهى عن *** الفحشاء و المنكر و البغي
فصل في إعجازه (عليه السلام) :
علي بن إبراهيم بن هاشم : ما زال أبو كرز الخزاعي يقفو أثر النبي (عليه السلام) فوقف على
[128]
باب الحجر يعني الغار فقال هذه قدم محمد و الله أخت القدم التي في المقام و قال هذه قدم أبي قحافة أو ابنه و قال ما جاوزوا هذا المكان إما أن يكونوا صعدوا في السماء أو دخلوا في الأرض .
و جاء فارس من الملائكة في صورة الإنس فوقف على باب الغار و هو يقول لهم اطلبوه في هذه الشعاب فليس هاهنا و تبعه القوم فعمي الله أثره و هو نصب أعينهم و صدهم عنه و هم دهاة العرب و كان الغار ضيق الرأس فلما وصل إليه النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) اتسع بابه فدخل بالناقة فعاد الباب و ضاق ما كان في الأول .
الواقدي : لما خرج النبي (عليه السلام) إلى الغار فبلغ الجبل وجده مصمتا فانفرج حتى دخل رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) الغار .
زيد بن أرقم و أنس و المغيرة : أمر الله شجرة صغيرة فنبتت في وجه الغار و أمر العنكبوت فنسجت في وجهه و أمر حمامتين وحشيتين فوقفتا بفم الغار و روي أنه أنبت الله تعالى على باب الغار ثمامة و هي شجرة صغيرة .
الزهري : و لما قربوا من الغار بقدر أربعين ذراعا تعجل بعضهم لينظر من فيه فرجع إلى أصحابه .
فقالوا له : ما لك لا تنظر في الغار .
قال : رأيت حمامتين بفم الغار فعلمت أن ليس فيه أحد .
و سمع النبي (عليه السلام) ما قال , فدعا لهن و فرض جزاهن فاتخذن في الحرم .
و رأى أبو بكر واحدا يبول قبلهم .
فقال : قد أبصرونا .
فقال النبي (عليه السلام) : لو أبصرونا لما استقبلونا بعوراتهم .
الحميري :
حتى إذا قصدوا لباب مغارة *** ألقوا عليه نسج غزل العنكب
صنع الإله فقال فريقهم *** ما في المغار لطالب من مطلب
ميلوا فصدهم المليك و من يرد *** عنه الدفاع مليكه لم يعطب
و له :
فصدهم عن غاره عنكب له *** على بابه سدى و وشي فجودا
فقال زعيم القوم ما فيه مطلب *** و لم يظفر الرحمن منهم به يدا
[129]
القيرواني :
حمت لديك حمام الوحش جاثمة *** كيدا بكل غوى القلب مختبل
و العنكبوت أجادت حوك حلتها *** فما تخاف خلال النسج من خلل
قالوا و جاءت إليه سرحة سترت *** وجه النبي بأغصان لها هدل
و في خطبة القاصعة عن أمير المؤمنين (عليه السلام) : أن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال : أيتها الشجرة إن كنت تؤمنين بالله و اليوم الآخر و تعلمين أنى رسول الله فانقلعي بعروقك حتى تقفي بين يدي بإذن الله .
فو الذي بعثه بالحق لانقلعت بعروقها و جاءت و لها دوي شديد و قصف كقصف أجنحة الطير حتى وقف بين يدي رسول الله مرفرفة و ألقت بغصنها الأعلى على رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) و ببعض أغصانها على منكبي و كنت عن يمينه .
فلما نظر القوم إلى ذلك , قالوا علوا و استكبارا : فمرها فليأتك نصفها .
فأمرها بذلك .
فأقبل إليه نصفها بأعجب إقبال و أشده دويا فكانت تلتف برسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) .
فقالوا كفرا و عتوا : فمر هذا النصف فليرجع إلى نصفه .
فأمره (صلّى الله عليه وآله وسلّم) , فرجع .
فقال القوم : ساحر كذاب عجيب السحر خفيف فيه .
ابن عباس عن أبيه : قال أبو طالب للنبي (عليه السلام) يا ابن أخ , الله أرسلك ?
قال : نعم .
قال : فأرني آية , ادع لي تلك الشجرة .
فدعاها حتى سجدت بين يديه , ثم انصرفت .
فقال أبو طالب : أشهد أنك صادق رسول . يا علي صل جناح ابن عمك .
ابن عباس : جاء أعرابي إلى النبي (عليه السلام) و سأله آية .
فدعا النبي العذق فجاء العذق ينزل من النخلة حتى سقط في الأرض فجعل يبقر حتى أتى النبي (عليه السلام) .
فقال له : عد إلى مكانك .
فعاد إلى مكانه .
فأسلم الأعرابي .
و في رواية : فدعا العذق فلم يزل يأتي و يسجد حتى انتهى إلى النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يتكلم :
و في دعائك بالأشجار حين أتت *** تمشي بأمرك في أغصانها الدلل
و قلت عودي فعادت في منابتها *** تلك العروق بإذن الله لم تمل
و كان أبو جهل يقول ليت لمحمد إلي حاجة فأسخر منه و أرده إذ اشترى
[130]
أبو جهل من رجل طائي بمكة إبلا فلواه بحقه فأتى نادى قريش مستجيرا بهم فأحالوه إلى النبي (عليه السلام) استهزاء به لقلة منعته عندهم فأتى الرجل مستجيرا به فمضى (عليه السلام) معه و قال قم يا أبا جهل و أد إلى الرجل حقه و إنما كني أبا جهل ذلك اليوم و كان اسمه عمرو بن هشام فقام مسرعا و أدى حقه فقال بعض أصحابه فعل ذلك فرقا من محمد قال ويحكم اعذروني إنه لما أقبل رأيت عن يمينه رجالا بأيديهم حراب تتلألأ و عن يساره ثعبانان تصك أسنانهما و تلمع النيران من أبصارهما لو امتنعت لم آمن أن يبعجوا بالحراب بطني و يقضمني الثعبانان .
ابن مسعود : لما دخل النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) الطائف رأى عتبة و شيبة جالسين على سرير فقالا هو يقوم قبلنا فلما قرب النبي منهما خر السرير و وقعا على الأرض فقالا عجز سحرك عن أهل مكة فأتيت الطائف .
بيت :
و السرح بالشام لما جئته سجدت *** شم الذوائب من أفنانها الخضل
و كان النبي (عليه السلام) يخبر بالسرائر و كان المنافقون لا يخوضون في شيء من أمره إلا أطلعه الله عليه حتى كان بعضهم يقول لصاحبه اسكت و كف فو الله لو لم يكن عنده إلا الحجارة لأخبرته حجارة البطحاء .
و قال أبو سفيان في فراشه مع هند : العجب يرسل يتيم أبي طالب و لا أرسل .
فقص عليه النبي (عليه السلام) من غده .
فهم أبو سفيان بعقوبة هند لإفشاء سره .
فأخبره النبي (عليه السلام) بعزمه في عقوبتها . فتحير أبو سفيان .
قتادة قال أبي بن خلف الجمحي و في رواية غيره صفوان بن أمية المخزومي لعمير بن وهب الجمحي : عليّ نفقاتك و نفقات عيالك ما دمت حيا إن سرت إلى المدينة و قتلت محمدا في نومه . فنزل جبرئيل بقوله : سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ الآية .
فلما رآه رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال : لم جئت ?
فقال : لفداء أسري عندكم .
قال : و ما بال السيف ?
[131]
قال : قبحها الله , و هل أغنت عن شيء ?
قال : فما ذا شرطت لصفوان بن أمية في الحجر .
قال : و ما ذا شرطت ?
قال : تحملت له بقتلي على أن يقضي دينك و يعول عيالك . و الله حائل بيني و بينك .
فأسلم الرجل ثم لحق بمكة و أسلم معه بشر .
و حلف صفوان أن لا يكلمه أبدا .
و ضلت ناقته في توجه تبوك فتفرق الناس في طلبها .
فقال زيد بن اللصيب : إنه ينبئنا بخبر السماء و هو لا يدري أين ناقته ?
فقال (عليه السلام) : و الله إني لا أعلم إلا ما علمني ربي , و قد أخبرني أنها في وادي كذا متعلق زمامها بشجرة . فكان كما قال .
بيت :
و أخبر الناس عما في ضمائرهم *** مفصل بجواب غير محتمل
الصادق (عليه السلام) في خبر أنه ذكر قوة اللحم عند رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقال ما ذقته منذ كذا فتقرب إليه فقير بجدي كان له فشواه و أنفد إليه فقال النبي (عليه السلام) كلوه و لا تكسروا عظامه فلما فرغوا أشار إليه و قال انهض بإذن الله فأحياه فكان يمر عند صاحبه كما يساق .
و أتى أبو أيوب بشاة إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في عرس فاطمة (عليها السلام) فنهاه جبرئيل عن ذبحها فشق ذلك عليه فأمر (عليه السلام) لزيد بن جبير الأنصاري فذبحها بعد يومين .
فلما طبخ أمر ألا يأكلوا إلا باسم الله و أن لا يكسروا عظامها .
ثم قال : إن أبا أيوب رجل فقير إلهي أنت خلقتها و أنت أفنيتها و أنك قادر على إعادتها فأحيها يا حي لا إله إلا أنت .
فأحياها الله و جعل فيها بركة لأبي أيوب و شفاء المرضى في لبنها فسماها أهل المدينة : المبعوثة .
و فيها قال عبد الرحمن بن عوف أبياتا منها :
أ لم ينظروا شاة ابن زيد و حالها *** و في أمرها للطالبين مزيد
و قد ذبحت ثم استجزاها بها *** و فضلها فيما هناك يزيد
و انضج منها اللحم و العظم و الكلى *** فهلهله بالنار و هو هريد
فأحيا له ذو العرش و الله قادر *** فعادت بحال ما يشاء يعود
و في خبر عن سلمان : أنه لما نزل (عليه السلام) دار أبي أيوب لم يكن له سوى جدي و صاع من شعير فذبح له الجدي و شواه و طحن الشعير و عجنه و خبزه و قدم بين يدي النبي (عليه السلام) .
فأمر بأن ينادي ألا من أراد الزاد فليأت دار أبي أيوب فجعل أبو أيوب
[132]
ينادي و الناس يهرعون كالسيل حتى امتلأت الدار فأكل الناس بأجمعهم و الطعام لم يتغير .
فقال النبي (عليه السلام) : اجمعوا العظام فجمعوها .
فوضعها في إهابها , ثم قال : قومي بإذن الله تعالى .
فقام الجدي , فضج الناس بالشهادتين .
أمير المؤمنين (عليه السلام) قال : لما غزونا خيبر معنا من يهود فدك جماعة فلما أشرفنا على القاع إذا نحن بالوادي و الماء يقلع الشجر و يدهده الجبال .
قال فقدرنا الماء , فإذا هو أربع عشرة قامة .
فقال بعض الناس : يا رسول الله العدو من ورائنا و الوادي قدامنا .
فنزل النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فسجد و دعا .
ثم قال سيروا على اسم الله .
قال : فعبرت الخيل و الإبل و الرجال .
عن الحسين : أن رجلا جاء إلى النبي (عليه السلام) فقال يا رسول الله إني قدمت من سفر لي فبينما بنية خماسية تدرج حولي في حليها فأخذت بيدها و انطلقت بها إلى وادي فلان فطرحتها فيه .
فقال النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) : انطلق معي فأرني الوادي .
فانطلق معه فأراه الوادي .
فقال النبي (عليه السلام) لأمها : ما كان اسمها ?
قالت : فلانة .
فقال (عليه السلام) : يا فلانة أجيبيني بإذن الله .
فخرجت الصبية و هي تقول : لبيك يا رسول الله و سعديك .
فقال لها : إن أبويك قد أساءا فإن أحببت أن أردك عليهما .
فقالت : يا رسول الله لا حاجة لي فيهما , وجدت الله خيرا لي منهما .
و قالت قريش لأبي لهب : إن أبا طالب هو الحائل بيننا و بين محمد و لو قتلته لم ينكر أبو طالب و أنت بريء من دمه و نحن نؤدي الدية و تسود قومك .
قال : فإني أكفيكموه . فنزل أبو لهب إليه و تسلقت امرأته الحائط حتى وقفت على رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فصاح به أبو لهب فلم يلتفت إليه و هما كانا لا ينقلان قدما و لا يقدران على شيء حتى انفجر الصبح و فرغ النبي (عليه السلام) من الصلاة .
فقال أبو لهب : يا محمد أطلقنا .
قال : لا أطلق عنكما أو تضمنا لي أنكما لا تؤذياني .
قالا : قد فعلنا فدعا ربه فرجعا .
جابر : خرج النبي (عليه السلام) إلى المسلمين و قال جدوا في الحفر فجدوا و اجتهدوا و لم يزالوا يحفرون حتى فرغ الحفر و التراب حول الخندق تل عال , فأخبرته بذلك .
فقال : لا تفزع يا جابر فسوف ترى عجبا من التراب .
قال و أقبل الليل و وجدت عند التراب
[133]
جلبة و ضجة عظيمة و قائل يقول :
انتسفوا التراب و الصعيدا *** و استودعوه بلدا بعيدا
و عاونوا محمد الرشيدا *** قد جعل الله له عميدا
أخاه و ابن عمه الصنديدا
فلما أصبحت لم أجد من التراب كفا واحدا .
أمير المؤمنين (عليه السلام) :
إن الذي قد اصطفى محمدا *** و أظهر الأمر به و أيدا
و سر من والى و أكبى الحسدا *** و أحسن الذخر له و مهدا
و جاء بالنور المضيء المحمدا *** و ناصح الله و خاف الموعدا
فصل فيما ظهر من الحيوانات و الجمادات :
سلمان قال : لما قدم النبي (عليه السلام) إلى المدينة تعلق الناس بزمام الناقة .
فقال النبي (عليه السلام) : يا قوم دعوا الناقة فهي مأمورة فعلى باب من بركت فأنا عنده .
فأطلقوا زمامها و هي تهف في السير حتى دخلت المدينة فبركت على باب أبي أيوب الأنصاري و لم يكن في المدينة أفقر منه فانطلقت قلوب الناس حسرة على مفارقة النبي (عليه السلام) .
فنادى أبو أيوب : يا أماه افتحي الباب فقد قدم سيد البشر و أكرم ربيعة و مضر محمد المصطفى و الرسول المجتبى .
فخرجت و فتحت الباب و كانت عمياء فقالت : وا حسرتى ليت كان لي عين أبصر بها إلى وجه سيدي رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) .
فكان أول معجزة النبي (عليه السلام) في المدينة أنه وضع كفه على وجه أم أبي أيوب فانفتحت عيناها .
محمد بن إسحاق في خبر طويل عن كثير بن عامر : أنه طلع من الأبطح راكب و من ورائه سبع عشرة ناقة محملة ثياب ديباج على كل ناقة عبد أسود يطلب النبي الكريم ليدفعها إليه بوصية أبيه فأومأ ابن أبي البختري إلى أبي جهل و قال هذا صاحبك .
فلما دنا منه قال : ما أنت بصاحبي .
فما زال يدور حتى رأى النبي (عليه السلام) فسعى إليه و قبل يديه و رجليه .
فقال له النبي : أ ليس أنت ملجأ ناجي بن المنذر السكاكي ?
قال : بلى يا رسول الله .
قال : فأين السبع عشرة ناقة محملة ذهبا و فضة و درا و ياقوتا و جواهرا و وشيا
[134]
و ملحما و غير ذلك ?
قال : هي وراي مقبلة .
فقال : هي سبع عشرة ناقة على كل ناقة عبد أسود عليهم أقبية الديباج و مناطيق الذهب و أسماؤهم محرز و منعم و بدر و شهاب و منهاج و فلان و فلان .
قال : بلى يا رسول الله .
قال : سلم المال . و أنا محمد بن عبد الله .
فأورد المال بجملته إلى النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) .
فقال أبو جهل : يا آل غالب إن لم تنصفوني و تنصروني عليه لأضعن سيفي في صدري و هذا المال كله للكعبة و ركب فرسه و جرد سيفه و نفرت مكة أقصاها و أدناها حتى أجابت أبا جهل سبعون ألف مقاتل .
و ركب أبو طالب في بني هاشم و بني عبد المطلب و أحاطوا بالنبي (عليه السلام) ثم قال أبو طالب : ما الذي تريدون ?
قال أبو جهل : إن ابن أخيك قد جنى علينا جنايات عظيمة و يحق للعرب أن تغضب و تسفك الدماء و تسبي النساء .
قال أبو طالب : و ما ذاك ?
فذكر قصة الغلام و أن محمدا سحره و رده إلى دينه و أخذ منه المال و هو شيء مبعوث للكعبة .
فقال : قف حتى أمضي إليه و أسأله عن ذلك .
فلما أتى النبي (عليه السلام) و سأله .
رد ذلك و قال : لا أعطيه حبة واحدة .
قال : خذ عشرة و أعطه سبعة .
فأبى . ثم أمر (عليه السلام) أن توقف الهدية بين يديه و تناديها سبع مرات فإن كلمتها فالهدية هديتها .
و إن كلمتها أنا و أجابتني فالهدية هديتي .
فأتى أبو طالب و قال : إن ابن أخي قد أجابك إلى النصفة و ذكر مقال النبي (عليه السلام) . و الميعاد غدا عند طلوع الشمس .
فأتى أبو جهل إلى الكعبة و سجد لهبل و رفع رأسه و ذكر القصة ثم قال : أسألك أن تجعل النوق تخاطبني و لا يشمت بي محمد و أنا أعبدك من أربعين سنة و ما سألتك حاجة فإن أجبتني هذه لأضعن لك قبة من لؤلؤ أبيض و سوارين من الذهب و خلخالين من الفضة و تاجا مكللا بالجوهر و قلادة من العقيان .
ثم إن النبي (عليه السلام) حضر و كان منه المعجزات أجابه كل ناقة سبع مرات و شهد بنبوته بعد عجز أتى أبي جهل فأخذ المال .
يعلى بن سبابة قال : كنت مع النبي (عليه السلام) في مسيرة فأراد أن يقضي حاجته فأمر نخلتين أن تنضم إحداهما إلى الأخرى ثم أمرهما بعد انقضاء حاجته أن يرجعا إلى منبتهما فرجعتا و مر (عليه السلام) في غزوة الطائف في كثير من طلح و سدر فمشى و هو وسن من النوم فاعترضه سدرة فانفجرت له بنصفين فمر بين نصفها و بقيت منفجرة على ساقين إلى
[135]
زماننا هذا يتبرك بها كل مار و يسمونها سدرة النبي (عليه السلام) و صيد سمكة فوجد على إحدى أذنيها لا إله إلا الله و على الأخرى محمد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) .
كتاب شرف المصطفى أنه : أتي بسخلة منقشة فنظرت إلى بياض شحمة أذنيها فإذا في إحداهما لا إله إلا الله محمد رسول الله .
و طعن (عليه السلام) أبيا في جرمان الدرع بغنزة في يوم أحد فاعتنق فرسه فانتهى إلى عسكره و هو يخور خوار الثور .
فقال أبو سفيان : ويلك ما أجزعك إنما هو خدش ليس بشيء .
فقال : طعنني ابن أبي كبشة و كان يقول أقتلك , فكان يخور الملعون حتى صار إلى النار .
و كان بلال إذا قال : أشهد أن محمدا رسول الله .
كان منافق يقول كل مرة حرق الكاذب يعني النبي (عليه السلام) .
فقام المنافق ليلة ليصلح السراج : فوقعت النار في سبابته فلم يقدر على إطفائها حتى أخذت كفه , ثم مرفقه , ثم عضده , حتى احترق كله .
البخاري : أن النبي (عليه السلام) قال لمديون مر عليه و الديان يطلبونه بالديون : ضف تمرك كل شيء على حدته .
ثم جاء فقعد عليه , و كال لكل رجل حتى استوفى . و بقي التمر كما هو كأن لم يمس .
و استند النبي (عليه السلام) على شجرة يابسة فأورقت و أثمرت .
و نزل النبي (عليه السلام) بالجحفة تحت شجرة قليلة الظل و نزل أصحابه حوله فتداخله شيء من ذلك فأذن الله تعالى لتلك الشجرة الصغيرة حتى ارتفعت و ظللت الجميع فأنزل الله تعالى ذكره : أَ لَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَ لَوْ شاءَ لَجَعَلَهُ ساكِناً .
و قال أعرابي للنبي (عليه السلام) : يا محمد إنني كنت و أخ لي خلف هذا الجبل نحتطب حطبا فرأينا الجموع قد زحف بعضها إلى بعض فقلت لأخي اقعد حتى ننظر لمن تكون الغلبة و على من تدور الدائرة .
فإذا قد كشف الله عن أبصارنا فرأينا خيولا قد نزلت من السماء إلى الأرض أرجلها في الأرض و أعناقها في السماء و عليها قوم جبارين و معهم
[136]
الراية قد سدت ما بين الخافقين فأما أخي فإنه انشقت مرارته فمات من وقته و ساعته .
و أما أنا فقد جئتك , ثم أسلم .
و مثل الملائكة الذين ظهروا على الخيل البلق بالثياب البيض يوم بدر يقدمهم جبرئيل على فرس يقال له حيزوم .
معرض بن عبد الله عن أبيه عن جده يتقدمهم معي : أتي بصبي في خرقة إلى النبي (عليه السلام) في حجة الوداع فوضعه في كفه ثم قال له من أنا يا صبي ?