back page fehrest page next page

فقام و صلى ركعتين فإذا هو بميكائيل و إسرافيل و مع كل واحد منهما سبعون ألف ملك فسلم عليهم فبشروه فإذا معهم دابة فوق الحمار و دون البغل خده كخد الإنسان و قوائمه كقوائم البعير و عرفه كعرف الفرس و ذنبه كذنب البقر رجلاها أطول من يديها و لها جناحان من فخذيه خطوطها مد البصر و إذا عليها لجام من ياقوتة حمراء فلما أراد أن يركب امتنعت فقال جبرئيل إنه محمد فتواضعت

[178]

حتى لصقت بالأرض فأخذ جبرئيل بلجامها و ميكائيل بركابها فركب فلما هبطت ارتفعت يداها و إذا صعدت ارتفعت رجلاها فنفرت العير من دفيف البراق ينادي رجل في آخر العير أن يا فلان إن الإبل قد نفرت و إن فلانة ألقت حملها و انكسر يدها فلما كان ببطن البلقاء عطش فإذا لهم ماء في آنية فشرب منه و ألقى الباقي فبينا هو في مسير إذ نودي عن يمين الطريق يا محمد على رسلك ثم نودي عن يساره على رسلك فإذا هو بامرأة استقبلته عليها من الحسن و الجمال ما لم ير لأحد و قالت قف مكانك حتى أخبرك ففسر له إبراهيم الخليل لما رآه جميع ذلك فقال منادي اليمين داعية اليهود فلو أجبته لهودت أمتك و منادي اليسار داعية النصارى فلو أجبته لتنصرت أمتك و المرأة المتزينة هي الدنيا تمثلت لك لو أجبتها لاختارت أمتك الدنيا على الآخرة فجاء جبرئيل إلى بيت المقدس فرفعها فأخرج من تحتها ثلاثة أقداح قدحا من لبن و قدحا من عسل و قدحا من خمر فناوله من قدح اللبن فشرب فناوله قدح العسل فشرب ثم ناوله قدح الخمر فقال قد رويت يا جبرئيل فقال أما إنك لو شربته ضلت أمتك .

ابن عباس في خبر : و هبط مع جبرئيل ملك لم يطأ الأرض قط معه مفاتيح خزائن الأرض , فقال : يا محمد إن ربك يقرئك السلام و يقول هذه مفاتيح الأرض فإن شئت فكن نبيا عبدا و إن شئت فكن نبيا ملكا .

فقال : بل أكون نبيا عبدا .

فإذا سلم من ذهب قوائمه من فضة مركب باللؤلؤ و الياقوت يتلألأ نورا و أسفله على صخرة بيت المقدس و رأسه في السماء , فقال له : اصعد يا محمد .

فلما صعد السماء رأى شيخا قاعدا تحت الشجرة و حوله أطفال فقال جبرئيل (عليه السلام) .

هذا أبوك آدم إذا رأى من يدخل الجنة من ذريته ضحك و فرح و إذا رأى من يدخل النار من ذريته حزن و بكى .

و رأى ملكا باسر الوجه و بيده لوح مكتوب بخط من النور و خط من الظلمة فقال هذا ملك الموت .

ثم رأى ملكا قاعدا على كرسي فلم ير منه من البشر ما رأى من الملائكة فقال جبرئيل هذا مالك خازن النار كان طلقا بشرا فلما اطلع على النار لم يضحك بعد فسأله أن يعرض عليه النار فرأى فيها ما رأى .

ثم دخل الجنة و رأى ما فيها و سمع صوتا آمنا برب العالمين , قال : هؤلاء سحرة فرعون .

و سمع لبيك اللهم لبيك قال : هؤلاء الحجاج .

[179]

و سمع التكبير فقال : هؤلاء الغزاة .

و سمع التسبيح قال : هؤلاء الأنبياء .

فلما بلغ إلى سدرة المنتهى فانتهى إلى الحجب .

فقال جبرئيل : تقدم يا رسول الله ليس لي أن أجوز هذا المكان و لو دنوت أنملة لاحترقت .

أبو بصير قال : سمعته يقول إن جبرئيل احتمل رسول الله حتى انتهى به إلى مكان من السماء ثم تركه , فقال له : ما وطأ نبي قط مكانك .

و روي : أنه رأى في السماء الثانية عيسى , و يحيى , و في الثالثة يوسف , و في الرابعة إدريس , و في الخامسة هارون , و في السادسة الكروبيين , و في السابعة خلقا و الملائكة .

و في حديث أبي هريرة : رأيت في السماء السادسة موسى , و في السابعة إبراهيم .

ابن عباس : و رأى ملائكة الحجب يقرءون سورة النور , و خزان الكرسي يقرءون آية الكرسي , و حملة العرش يقرءون حم المؤمن , قال فلما بلغت قاب قوسين نوديت بالقرب .

و في رواية : أنه نودي ألف مرة بالدنو و في كل مرة قضيت لي حاجة .

ثم قال لي : سل , تعط .

فقلت يا رب اتخذت إبراهيم خليلا و كلمت موسى تكليما على بساط الطور و أعطيت سليمان ملكا عظيما فما ذا أعطيتني ?

فقال : اتخذت إبراهيم خليلا و اتخذتك حبيبا .

و كلمت موسى تكليما على بساط الطور و كلمتك على بساط النور .

و أعطيت سليمان ملكا فانيا و أعطيتك ملكا باقيا في الجنة .

و روي : أنا المحمود و أنت محمد شققت اسمك من اسمي فمن وصلك وصلته و من قطعك بتلته , انزل إلى عبادي فأخبرهم بكرامتي إياك و أنى لم أبعث نبيا إلا جعلت له وزيرا و أنك رسولي و أن عليا وزيرك .

و روي : أنه لما بلغ إلى السماء السابعة نودي يا محمد إنك لتمشي في مكان ما مشى عليه بشر .

فكلمه الله تعالى فقال آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ .

فقال : نعم يا رب , وَ الْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ .

فقال الله لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً الآية .

فقال رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا السورة .

فقال : قد فعلت . ثم قال : من خلفت لأمتك من بعدك ?

فقال : الله أعلم .

قال : إن علي بن أبي طالب أمير المؤمنين .

و يقال : أعطاه الله في تلك الليلة أربعة :

رفع عنها علم الخلق فكان قاب قوسين .

و المناجاة فأوحى إلى عبده .

و السدرة إذ يغشي السدرة .

و إمامة علي (عليه السلام) .

و قالوا : المعراج خمسة أحرف :

فالميم مقام الرسول عند الملك الأعلى .

و العين عزه عند شاهد كل نجوى .

و الراء رفعته عند خالق الورى .

و الألف انبساطه مع عالم السر و أخفى .

و الجيم جاهه في ملكوت العلى .

و روي : أنه فقده أبو طالب في تلك الليلة فلم يزل يطلبه .

[180]

و وجه إلى بني هاشم و هو يقول يا لها من عظيمة إن لم أر رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إلى الفجر .

فبينا هو كذلك إذ تلقاه رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) و قد نزل من السماء على باب أم هانئ .

فقال له انطلق معي فأدخل بين يديه المسجد فدخل بنو هاشم فسل أبو طالب سيفه عند الحجر ثم قال أخرجوا ما معكم يا بني هاشم .

ثم التفت إلى قريش فقال :و الله لو لم أره ما بقيت منكم عين تطرف.

فقالت قريش : لقد ركبت منا عظيما .

و أصبح (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يحدثهم بالمعراج .

فقيل له : صف لنا بيت المقدس .

فجاء جبرئيل بصورة بيت المقدس تجاه وجهه فجعل يخبرهم بما يسألونه عنه .

فقالوا أين بيت فلان ? و مكان كذا ?

فأجابهم في كل ما سألوه .

فلم يؤمن منهم إلا قليل , و هو قوله وَ ما تُغْنِي الْآياتُ وَ النُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ .

الحسين الباخرزي :

طلبت وصاله دهرا طويلا *** فولدها القضاء وراء ضده

‏فلما غبت عنه و غاب عني *** أتاني طارقا من بعد بعده

‏مضت فقضت حوائجنا خبالا *** فسبحان الذي أسرى بعبده

غيره :

عجبت لمن أسرى الإله بعبده *** من البيت ليلا نحو بيت المقدس

آخر :

دنا فتدلى فاكتسى حلة البهاء *** فقال له سلني فأعطيك ما تشاء

الخبر زري :

قلت للبدر لا تغيب و زرني *** و اسمت الوصل بالرضا لا التجافي

‏قال إني مع العشاء سآتي *** فارتقبني و لا تخف من خلافي

‏قلت يا سيدي فهلا نهارا *** فهو أعلى لرقبة الايتلاف

‏قال لي لا أريد تغيير رسم *** إنما البدر في الظلام يوافي

[181]

فصل في هجرته (عليه السلام) :

كان النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يعرض نفسه على قبائل العرب في الموسم فلقي رهطا من الخزرج فقال أ لا تجلسون أحدثكم ?

قالوا : بلى .

فجلسوا إليه فدعاهم إلى الله و تلا عليهم القرآن .

فقال بعضهم لبعض : يا قوم تعلموا و الله إنه النبي الذي كان يوعدكم به اليهود فلا يسبقنكم إليه أحد فأجابوه و قالوا له إنا قد تركنا قومنا و لا قوم بينهم من العداوة و الشر مثل ما بينهم و عسى أن يجمع الله بينهم بك فتقدم عليهم و تدعوهم إلى أمرك و كانوا ستة نفر .

قال فلما قدموا المدينة فأخبروا قومهم بالخبر فما دار حول إلا و فيها حديث رسول الله حتى إذا كان العام المقبل أتى الموسم من الأنصار اثنا عشر رجلا فلقوا النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فبايعوه على بيعة النساء أن لا يشركوا بالله شيئا و لا يسرقوا إلى آخرها ثم انصرفوا .

و بعث معها مصعب بن عمير يصلي بهم و كان بينهم بالمدينة يسمى المقرئ فلم تبق دار في المدينة إلا و فيها رجال و نساء مسلمون إلا دار أمية و حطيمة و وائل و هم من الأوس .

ثم عاد مصعب إلى مكة و خرج من خرج من الأنصار إلى الموسم مع حجاج قومهم فاجتمعوا في الشعب عند العقبة ثلاثة و سبعون رجلا و امرأتان في أيام التشريق بالليل فقال (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أبايعكم على الإسلام .

فقال له بعضهم نريد أن تعرفنا يا رسول الله ما لله علينا و ما لك علينا و ما لنا على الله .

قال : أما لله عليكم فأن تعبدوه و لا تشركوا به شيئا . و أما ما لي عليكم فتنصرونني مثل نساءكم و أبنائكم و أن تصبروا على عض السيف و إن يقتل خياركم .

قالوا : فإذا فعلنا ذلك ما لنا على الله ?

قال : أما في الدنيا فالظهور على من عاداكم و في الآخرة الرضوان و الجنة .

فأخذ البراء بن معرور بيده ثم قال و الذي بعثك بالحق لتمنعك بما نمنع به أزرنا فبايعنا يا رسول الله فنحن و الله أهل الحروب و أهل الحلفة ورثناها كبارا عن كبار .

فقال أبو الهيثم : إن بيننا و بين الرجال حبالا و إنا إن قطعناها أو قطعوها فهل عسيت إن فعلنا ذلك ثم أظهرك الله أن ترجع إلى قومك و تدعنا .

فتبسم رسول الله ثم قال : بل الدم الدم و الهدم الهدم أحارب من حاربتم و أسالم من سالمتم ثم قال أخرجوا إلي منكم اثني عشر نقيبا فاختاروا

[182]

ثم قال أبايعكم كبيعة عيسى ابن مريم للحواريين كفلاء على قومهم بما فيهم و على أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم و أبناءكم .

فبايعوه على ذلك .

فصرخ الشيطان في العقبة : يا أهل الجباجب هل لكم في محمد و الصباة معه قد اجتمعوا على حربكم .

ثم نفر الناس من منى و فشا الخبر فخرجوا في الطلب فأدركوا سعد بن عبادة و المنذر بن عمرو فأما المنذر فأعجز القوم و أما سعد فأخذوه و ربطوه بنسع رحله و أدخلوه مكة يضربونه فبلغ خبره إلى جبير بن مطعم و الحرث بن حرب بن أمية فأتياه و خلصاه .

و كان النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لم يؤمر إلا بالدعاء و الصبر على الأذى و الصفح عن الجاهل فطالت قريش على المسلمين فلما كثر عتوهم أمر بالهجرة فقال (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إن الله قد جعل لكم دارا و إخوانا تأمنون بها فخرجوا أرسالا حتى لم يبق مع النبي إلا علي (عليه السلام) و أبو بكر فحذرت قريش خروجه و عرفوا أنه قد أجمع لحربهم فاجتمعوا في دار الندوة و هي دار قصي بن كلاب يتشاورون في أمره فتمثل إبليس في صورة شيخ من أهل نجد فقال : أنا ذو رأي حضرت لموازرتكم .

فقال عروة بن هشام : نتربص به ريب المنون .

و قال ابن البختري : أخرجوه عنكم تستريحوا من أذاه .

و قال العاص بن وائل و أمية و أبي ابنا خلف : نبنى له علما و نترك فرجا نستودعه فيه فلا يخلص من الصباة إليه أحد .

و قال عتبة و شيبة و أبو سفيان : نرحل بعيرا صعبا و نوثق محمدا عليه كتافا و شدا ثم نقصع البعير بأطراف الرماح فيوشك أن يقطعه بين الدكادك إربا إربا .

فقال أبو جهل أرى لكم أن تعمدوا إلى قبائلكم العشرة فتنتدبوا من كل قبيلة منها رجلا نجدا و يأتونه بياتا فيذهب دمه في قبائل قريش جميعا فلا يستطيع بنو هاشم و بنو المطلب مناهضة قريش فيه فيرضون في العقل .

فقال أبو مرة أصبت يا أبا الحكم هذا الرأي فلا نعدلن به رأيا فنزل وَ إِذْ يَمْكُرُ بِكَ الآية .

[183]

فجاء جبرئيل إلى النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقال له لا تبت هذه الليلة على فراشك الذي كنت تبيت عليه .

فدعا عليا (عليه السلام) و قال : إن الله تعالى أوحى إلي أن أهجر دار قومي و أن انطلق إلى غار ثور أطحل ليلتي و أنه أمرني أن آمرك بالمبيت على مضجعي و أن ألقي عليك شبهي .

فقال علي (عليه السلام) : أ و تسلم بمبيتي هناك ?

فقال (صلّى الله عليه وآله وسلّم) : نعم .

فتبسم علي ضاحكا و أهوى إلى الأرض ساجدا . فكان أول من سجد لله شكرا و أول من وضع وجهه على الأرض بعد سجدته .

فلما رفع رأسه قال له : امض لما أمرت فداك سمعي و بصري و سويداء قلبي .

قال فارقد على فراشي و اشتمل برد الحضرمي ثم إني أخبرك يا علي أن الله تعالى يمتحن أولياءه على قدر إيمانهم و منازلهم من دينه فأشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل و قد امتحنك يا ابن أم و امتحنني فيك بمثل ما امتحن به خليله إبراهيم و الذبيح إسماعيل فصبرا صبرا فإن رحمة الله قريب من المحسنين ثم ضمه إلى صدره و استتبع رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أبا بكر و هند بن أبي هالة و عبد الله بن فهيرة و دليلهم أزيقطة الليثي فأمرهم بمكان ذكره و لبث هو مع علي يوصيه ثم خرج في فحمة العشاء و الرصد من قريش قد أطافوا به ينتظرون انتصاف الليل و كان يقرأ وَ جَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا الآية .

و كانت بيده قبضة تراب فرمى بها في رءوسهم و مضى حتى انتهى إليهم فمضوا معه حتى وصلوا إلى الغار و انصرف هند و عبد الله فهجم الكفار على علي (عليه السلام) , القصة .

فركب في طلبه الصعب و الذلول و أمهل حتى إذا أعتم من الليلة القابلة انطلق هو و هند حتى دخلا على النبي في الغار فأمر النبي بأداء أمانته حتى أدى الجميع فكان مقام رسول الله فيه ثلاثا و مبيت علي على فراشه أول ليلة .

و لما ورد المدينة نزل في بني عمرو بن عوف بقبا ترصدا لعلي (عليه السلام) و كتب إليه يأمره بالمسير إليه على يدي أبي واقد الليثي فتهيأ للهجرة و أمر ضعفاء المؤمنين أن يتسللوا و يتخففوا إذا ملأ الليل بطن كل واد .

و خرج علي (عليه السلام) إلى ذي طوى بالفواطم و أيمن ابن أم أيمن

[184]

مولاة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) و غير ذلك و أبو واقد يسوق الرواحل فأعنف بهم .

فقال ارفق بالنسوة أبا واقد إنهن من الضعائف .

قال : إني أخاف أن يدركنا الطلب .

فقال : اربع عليك إن النبي (عليه السلام) , قال لي : يا علي إنهم لن يصلوا من الآن إليك بأمر تكرهه .

ثم جعل علي يسوق بهن سوقا رفيقا و يرتجز :

و ليس إلا الله فارفع ظنكا *** يكفيك رب الناس ما أهمكا

فلما شارف ضجنان أدركه الطلب بثمانية فوارس .

فأنزل النسوة و استقبلهم منتضيا سيفه .

فأقبلوا عليه فقالوا : أ ظننت يا غدار إنك ناج بالنسوة ? ارجع لا أبا لك .

قال : فإن لم أفعل , أ ترجعون راغمين .

و دنوا من النسوة , فحال بينهم و بينها .

و قتل جناحا و كان يشد على قومه شد الأسد على فريسته و هو يقول :

خلوا سبيل الجاهد المجاهد *** آليت لا أعبد غير الواحد

فانتشروا عنه فسار ظاهرا قاهرا حتى نزل ضجنان , فتلوم بها قدر يومه و ليلته .

و يروى : أنه لحق به نفر من المستضعفين فصلى ليلته تلك هو و الفواطم يذكرون الله قياما و قعودا و على جنوبهم حتى طلع الفجر فصلى بهم صلاة الفجر .

ثم سار لوجهه حتى قدم المدينة و قد نزل الوحي بما كان من شأنهم قبل قدومهم الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً إلى قوله أُنْثى .

فالذكر علي و الأنثى فاطمة بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ يقول علي من الفواطم و هن من علي , فَالَّذِينَ هاجَرُوا وَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ إلى قوله حُسْنُ الثَّوابِ .

و تلا رسول الله إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى الآية .

ثم قال : يا علي أنت أول هذه الأمة إيمانا بالله و رسوله , و أولهم هجرة إلى الله و رسوله , و آخرهم عهدا برسوله , لا يحبك و الذي نفسي بيده إلا مؤمن قد امتحن الله قلبه بالإيمان , و لا يبغضك إلا منافق أو كافر .

و روي : أنه كان أصحاب النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يستقبلونه و ينصرفون عند الظهيرة فدخلوا يوما فقدم النبي (عليه السلام) فأول من رآه رجل من اليهود فلما رآه صرخ بأعلى صوته يا بني قيلة هذا جدكم قد جاء فنزل النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم)

[185]

على كلثوم بن هدم و كان يخرج فيجلس للناس في بيت سعد بن خيثمة و كان قيام علي (عليه السلام) بعد النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ثلاث ليال ثم لحق برسول الله فنزل (صلّى الله عليه وآله وسلّم) معه على كلثوم .

و كان أبو بكر في بيت حبيب بن أساف فأقام النبي (عليه السلام) بقبا يوم الإثنين و الثلاثاء و الأربعاء و الخميس و أسس مسجده و صلى يوم الجمعة في المسجد الذي في بطن الوادي وادي رافوقا فكانت أول صلاة صلاها بالمدينة .

ثم أتاه غسان بن مالك و عباس بن عبادة في رجال من بني سالم فقالوا : يا رسول الله أقم عندنا في العدد و العدة و المنعة .

فقال خلوا سبيلها فإنها مأمورة يعني ناقته .

ثم تلقاه زياد بن لبيد و فروة بن عمرو في رجال من بني بياضة فقال كذلك .

ثم اعترضه سعد بن عبادة و المنذر بن عمرو في رجال من بني ساعدة .

ثم اعترضه سعد بن الربيع و خارجة بن زيد و عبد الله بن رواحة في رجال من بني الحارث بن الخزرج .

فانطلقت حتى إذا وازت دار بني مالك بن النجار بركت على باب مسجد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) و هو يومئذ مربد لغلامين يتيمين من بني النجار .

فلما بركت و رسول الله لم ينزل و ثبتت فسارت غير بعيد و رسول الله واضع لها زمامها لا يثنيها به , ثم التفت إلى خلفها فرجعت إلى مبركها أول مرة فبركت ثم تجلجلت و رزمت و وضعت جرانها فنزل عنها رسول الله و احتمل أبو أيوب رحله فوضعه في بيته و نزل النبي في بيت أبي أيوب .

و سأل عن المربد فأخبر أنه لسهل و سهيل يتيمين لمعاذ بن عفراء فأرضاهما معاذ .

و أمر النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ببناء المسجد و عمل فيه رسول الله بنفسه فعمل فيه المهاجرون و الأنصار و أخذ المسلمون يرتجزون و هم يعملون فقال بعضهم :

لئن قعدنا و النبي يعمل *** لذاك منا العمل المضلل

و النبي (عليه السلام) يقول :

لا عيش إلا عيش الآخرة *** اللهم ارحم الأنصار و المهاجرة

[186]

و علي بن أبي طالب (عليه السلام) يقول :

لا يستوي من يعمل المساجدا *** يدأب فيها قائما و قاعدا

و من يرى عن الغيار حائدا

ثم انتقل من بيت أبي أيوب إلى مساكنه التي بنيت له و قيل كان مدة مقامه بالمدينة إلى أن بنى المسجد و بيوته من شهر ربيع الأول إلى صفر من السنة القابلة .

فصل في غزواته (عليه السلام) :

لما كان بعد سبعة أشهر من الهجرة نزل جبرئيل بقوله أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ الآية .

و قلد في عنقه سيفا . فجاء جبرئيل و في رواية : لم يكن له غمد .

فقال له : حارب بهذا قومك حتى يقولوا لا إله إلا الله .

فجاء جبرئيل أهل السير : إن جميع ما غزا النبي (عليه السلام) بنفسه ست و عشرون غزوة على هذا النسق : البواط , العشيرة , بدر الأولى , بدر الكبرى , السويق , ذي أمرة , أحد , نجران , بنو سليم , الأسد , بنو النضير , ذات الرقاع , بدر الآخرة , دومة الجندل , و الخندق , بنو قريظة , بنو الحيان , بنو قرد , بنو المصطلق , الحديبية , خيبر , الفتح , حنين , الطائف , تبوك , و يلحق بها بنو قينقاع .

قاتل في تسع و هي : بدر الكبرى , و أحد , و الخندق , و بني قريظة , و بني المصطلق , و بني لحيان , و خيبر , و الفتح , و حنين , و الطائف .

و أما سراياه فست و ثلاثون :

أولها سرية حمزة لقي أبا جهل بسيف البحر في ثلاثين من المهاجرين .

و في ذي القعدة بعث سعد بن أبي وقاص في طلب عير .

ثم عبيدة بن الحارث بعد سبعة أشهر في ستين من المهاجرين نحو الجحفة إلى أبي سفيان فتراموا بالأحياء ابن إسحاق .

و غزا في ربيع الآخر إلى قريش و بني ضمرة و كرز بن جابر الفهري حتى بلغ بواط السنة الثانية .

في صفر غزا و دان حتى بلغ الأبواء .

و في ربيع الآخر غزوة العشيرة من بطن ينبع و وادع فيها بني مدلج و ضمرة و أغار كرز بن جابر

[187]

الفهري على سرح المدينة فاستخلف على المدينة زيد بن حارثة و خرج حتى بلغ وادي سفوان بدر الأولى و حامل لوائه علي (عليه السلام) .

ثم بعث في آخر رجب عبد الله بن جحش في أصحابه ليرصد قريشا فقتل واقد بن عبد الله التميمي لعمر بن الجموح الحضرمي و هرب الحكم بن كيسان و عثمان بن عبد الدار و أخوه و استأمن الباقون و استاقوا العير إلى النبي (عليه السلام) فقال و الله ما أمرتكم بالقتال في الشهر الحرام و ذلك تحت النخلة فسمي غزوة النخلة فنزل يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ الآية فأخذ العير و فدى الأسيرين .

ثم غزا بدر الكبرى و هو يوم الفرقان كما قوله أَخْرَجَكَ رَبُّكَ السورة . و قوله قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ .

و بدر ما بين مكة و المدينة و قال الشعبي و الثمالي : بئر منسوبة إلى بدر الغفاري و قال الواقدي : هو اسم الموضع و ذلك أن النبي (عليه السلام) خرج سابع عشر شهر رمضان و يقال ثالثه في ثلاثمائة و سبعة عشر رجلا في عدة أصحاب طالوت منهم ثمانون راكبا أو سبعون و يقال سبعة و سبعين رجلا من المهاجرين و مائتي و ثلاثين رجلا من الأنصار و كان المقداد فارسا فقط يعتقب النفر على البعير الواحد و كان بين النبي (عليه السلام) و بين أبي مرثد الغنوي بعير و يقال فرس و كان معهم من السلاح ستة أدرع و ثمانية سيوف قاصدا إلى أبي سفيان و عتبة بن أبي ربيعة في أربعين من قريش أو سبعين فأخبر بالنبي (عليه السلام) فأخذوا أعلى الساحل و استصرخوا إلى أهل مكة على لسان ضمضم بن عمرو الغفاري .

قال عروة : رأت عاتكة بنت عبد المطلب في منامها راكبا أقبل حتى وقف بالأبطح و صرخ انفروا يا آل عدي إلى مصارعكم ثم نادى على ظاهر الكعبة ثم نادى على أبي قبيس ثم أرسل صخرة فارفضت فما بقي في مكة إلا دخل منها فلذة .

قال ابن قتيبة : خرجوا تسع مائة و خمسين و يقال ألف و مائتان و خمسون و يقال ثلاثة آلاف و معهم مائتا فارس يقودونها و القيان يضربن بالدفوف و يتغنين بهجاء المسلمين و لم يكن من قريش بطن إلا خرج منهم ناس إلا من بني زهرة و بني عدي بن كعب أخرج فيهم طالب كرها فلم يوجد في القتلى و الأسرى .

و شاور النبي أصحابه في لقائهم أو الرجوع .

فقال أبو بكر و عمر كلاما , فأجلسهما .

back page fehrest page next page