فقال (عليه السلام) سموا باسمي و لا تكنوا بكنيتي .
أبو هريرة : أنه قال لا تجمعوا بين اسمي و كنيتي أنا أبو القاسم الله يؤتي و أنا أقسم .
و روي : أن قريشا لما بنت البيت و أرادت وضع الحجر تشاجروا في وضعه حتى كاد القتال يقع فدخل رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقالوا يا محمد الأمين قد رضينا بك فأمر بثوب فبسط و وضع الحجر في وسطه ثم أمر كل فخذ من أفخاذ قريش أن يأخذ جانب الثوب ثم رفعوا فأخذه رسول الله بيده فوضعه .
و يروى : أنه كان يسمى الأمين قبل ذلك بكثير و هو الصحيح و في الحساب سيد النبيين (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وزنه المصطفى محمد رسول الله لأن عدد كل واحد منهما استويا في سبعمائة و أربعة عشر .
[234]
فصل
في وفاته (عليه السلام) :
ابن عباس و السدي لما نزل قوله تعالى : إِنَّكَ مَيِّتٌ وَ إِنَّهُمْ مَيِّتُونَ قال رسول الله ليتني أعلم متى يكون ذلك .
فنزلت سورة النصر فكان يسكت بين التكبير و القراءة بعد نزولها فيقول سبحان الله و بحمده أستغفر الله و أتوب إليه .
فقيل : له في ذلك .
فقال : أما إن نفسي نعيت إلي ثم بكى بكاء شديدا .
فقيل يا رسول الله أ و تبكي من الموت و قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك و ما تأخر .
قال : فأين هول المطلع ? و أين ضيقة القبر ? و ظلمة اللحد ? و أين القيامة و الأهوال ?
فعاش بعد نزول هذه السورة عاما .
الأسباب و النزول عن الواحدي أنه روي عكرمة عن ابن عباس قال : لما أقبل رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من غزوة حنين و أنزل الله سورة الفتح , قال : يا علي بن أبي طالب يا فاطمة إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَ الْفَتْحُ إلى آخر السورة .
و قال السدي و ابن عباس ثم نزلت : لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ الآية .
فعاش بعدها ستة أشهر فلما خرج إلى حجة الوداع نزلت عليه في الطريق يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ الآية فسميت آية الصيف .
ثم نزلت عليه و هو واقف بعرفة الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ فعاش بعدها أحدا و ثمانين يوما .
ثم نزلت عليه آيات الربا .
ثم نزلت بعدها وَ اتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ و هي آخر آية نزلت من السماء فعاش بعدها أحدا و عشرين يوما .
قال ابن جريح : تسع ليال . و قال ابن جبير و مقاتل : سبع ليال .
و قال الله تعالى تسلية للنبي (عليه السلام) وَ ما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ و قال وَ ما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَ فَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ .
و لما مرض النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مرضه الذي توفي فيه و ذلك يوم السبت أو يوم الأحد من صفر أخذ بيد علي (عليه السلام) و تبعه جماعة من أصحابه و توجه إلى البقيع ثم قال : السلام عليكم أهل القبور و ليهنكم ما أصبحتم فيه مما فيه الناس أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع آخرها أولها إن جبرئيل كان يعرض علي القرآن كل سنة مرة و قد عرضه
[235]
علي العام مرتين و لا أراه إلا لحضور أجلي .
ثم خرج يوم الأربعاء معصوب الرأس متكئا على علي (عليه السلام) بيمنى يديه و على الفضل باليد الأخرى فصعد المنبر فحمد الله و أثنى عليه , ثم قال : أما بعد أيها الناس فإنه قد حان مني خفوق بين أظهركم فمن كانت له عندي عدة فليأتني أعطه إياها و من كان له على دين فليخبرني به .
فقام رجل ,فقال :يا رسول الله إن لي عندك عدة إني تزوجت فوعدتني أن تعطيني ثلاثة أواقي .
فقال انحلها يا فضل , ثم نزل .
فلما كان يوم الجمعة صعد المنبر فخطب , ثم قال : معاشر أصحابي أي نبي كنت لكم أ لم أجاهد بين أظهركم ? أ لم تكسر رباعيتي ? أ لم يعفر جبيني ? أ لم تسل الدماء على حر وجهي ? أ لم أكابد الشدة و الجهد مع جهال قومي ? أ لم أربط حجر المجاعة على بطني ?
فقالوا : بلى يا رسول الله .
قال : إن ربي حكم و أقسم ألا يجوزه ظلم ظالم فأنشدكم الله أي رجل كانت له قبل محمد مظلمة إلا قام فالقصاص في دار الدنيا أحب إلي من القصاص في دار الآخرة على رءوس الملائكة و الأنبياء .
فقام إليه رجل يقال له سوادة بن قيس فقال إنك لما أقبلت من الطائف استقبلتك و أنت على ناقتك العضباء و بيدك القضيب الممشوق فرفعت القضيب و أنت تريد الراحلة فأصاب بطني .
فقال (عليه السلام) لبلال قم إلى منزل فاطمة فائتني بالقضيب الممشوق فلما مضى إليها سألت فاطمة و ما يريد به .
قال أ ما علمت أنه يودع أهل الدين و الدنيا ?
فصاحت و هي تقول : وا غماه لغمك يا أبتاه .
فلما ورد إليه , قال : أين الشيخ ?
قال : ها أنا ذا يا رسول الله بأبي أنت و أمي .
فقال فاقتص حتى ترضى .
فقال الشيخ فاكشف لي عن بطنك .
ثم قال أ تأذن لي أن أضع فمي على بطنك ?
فأذن له , فقال : أعوذ بموضع القصاص من بطن رسول الله .
فقال : اللهم اعف عن سوادة بن قيس كما عفى عن نبيك محمد .
و قال (عليه السلام) لم يمت نبي قط إلا خلف تركة و قد خلفت فيكم الثقلين كتاب الله و عترتي .
ثم دخل بيت أم سلمة قائلا : رب سلم أمة محمد من النار و يسر عليهم الحساب .
ابن بطة و الطبري و مسلم و البخاري و اللفظ له : أنه سمع ابن عباس يقول يوم الخميس و ما يوم الخميس ثم بكى حتى بل دمعه الحصى فقال اشتد برسول الله وجعه يوم الخميس فقال ائتوني بدواة و كتف أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا .
فتنازعوا , و لا ينبغي عند نبي تنازع .
فقالوا : هجر رسول الله . و في رواية مسلم و الطبري : قالوا إن رسول الله يهجر .
[236]
يونس الديلمي :
وصى النبي فقال قائلهم *** قد ظل يهجر سيد البشر
البخاري و مسلم في خبر أنه : قال عمر النبي (عليه السلام) قد غلب عليه الوجع , و عندكم القرآن , حسبنا كتاب الله . فاختلف أهل ذاك البيت و اختصموا :
منهم من يقول قربوا يكتب لكم رسول الله كتابا لن تضلوا بعده أبدا .
و منهم من يقول القول ما قال عمر .
فلما كثر اللقط و الاختلاف عند النبي فقال : قوموا .
فكان ابن عباس يقول : إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله و بين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم و لغطهم .
مسند أبي يعلى و فضائل أحمد عن أم سلمة , في خبر : و الذي تحلف به أم سلمة أنه كان آخر عهد برسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) علي (عليه السلام) و كان رسول الله بعثه في حاجة غداة قبض فكان يقول جاء علي ثلاث مرات قال فجاء قبل طلوع الشمس فخرجنا من البيت لما عرفنا أن له إليه حاجة فأكب عليه علي فكان آخر الناس به عهدا و جعل يساره و يناجيه .
الطبري في الولاية و الدارقطني في الصحيح و السمعاني في الفضائل و جماعة من رجال الشيعة عن الحسين بن علي بن الحسن بن الحسن و عبد الله بن العباس و أبي سعيد الخدري و عبد الله بن الحارث و اللفظ للصحيح : أن عائشة قالت : قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) و هو في بيتها لما حضره الموت : ادعوا لي حبيبي .
فدعوت له أبا بكر , فنظر إليه ثم وضع رأسه .
ثم قال : ادعوا لي حبيبي .
فدعوا له عمر , فلما نظر إليه , قال : ادعوا لي حبيبي .
فقلت : ويلكم لهو علي بن أبي طالب فو الله ما يريد غيره .
فلما رآه أفرج الثوب الذي كان عليه ثم أدخله فيه , و لم يزل يختضنه حتى قبض و يده عليه .
أحمد في مسنده عن ابن عباس : لما مرض رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مرضه الذي مات فيه قال ادعوا لي عليا .
قالت عائشة : ندعو لك أبا بكر .
قالت حفصة : ندعو لك عمر .
قالت أم الفضل : ندعو لك العباس .
فلما اجتمعوا رفع رأسه فلم ير عليا (عليه السلام) فسكت .
فقال عمر : قوموا عن رسول الله , الخبر .
و من طريقة أهل البيت (عليهم السلام) : أن عائشة دعت أباها فأعرض عنه . و دعت حفصة
[237]
أباها فأعرض عنه .
و دعت أم سلمة عليا , فناجاه طويلا .
ثم أغمي عليه فجاء الحسن و الحسين يصيحان و يبكيان حتى وقعا على رسول الله و أراد علي أن ينحيهما عنه فأفاق رسول الله , ثم قال : يا علي دعهما أشمهما و يشماني و أتزود منهما و يتزودان مني .
ثم جذب عليا تحت ثوبه و وضع فاه على فيه و جعل يناجيه فلما حضره الموت ,قال له : ضع رأسي يا علي في حجرك , فقد جاء أمر الله , فإذا فاضت نفسي فتناولها بيديك و امسح بها وجهك , ثم وجهني القبلة , و تول أمري , و صل عليّ أول الناس , و لا تفارقني حتى تواريني في رمسي , و استعن بالله عز و جل .
و أخذ علي برأسه فوضعه في حجره و أغمي عليه .
فبكت فاطمة فأومأ إليها بالدنو منه , فأسر إليها شيئا تهلل وجهها , القصة .
ثم قضى و مد أمير المؤمنين يده اليمنى تحت حنكه ففاضت نفسه فيها فرفعها إلى وجهه فمسحه بها . ثم وجهه و مد عليها إزاره و استقبل بالنظر في أمره .
و روي : أنه قال جبرئيل إن ملك الموت يستأذن عليك و ما استأذن أحدا قبلك و لا بعدك فأذن له فدخل و سلم عليه و قال يا أحمد إن الله تعالى بعثني إليك لأطيعك أقبض أو أرجع ? فأمره , فقبض .
الباقر (عليه السلام) : لما حضر رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) الوفاة نزل جبرئيل فقال يا رسول الله تريد الرجوع إلى الدنيا ?
قال : و قد بلغت .
ثم قال له : يا رسول الله تريد الرجوع إلى الدنيا ?
قال : لا , الرفيق الأعلى .
الصادق (عليه السلام) : قال جبرئيل يا محمد هذا آخر نزولي إلى الدنيا إنما كنت أنت حاجتي منها .
و روي : أنه أسل علي (عليه السلام) من تحت ثيابه و و قال :عظم الله أجوركم في نبيكم فقيل له ما الذي ناجاك به رسول الله تحت ثيابه .
فقال : علمني ألف باب من العلم فتح لي من كل باب ألف باب و أوصاني بما أنا به قائم إن شاء الله .
أبو عبد الله بن ماجة في السنن و أبو يعلى الموصلي في المسند قال أنس : كانت فاطمة (عليها السلام) تقول لما ثقل النبي (عليه السلام) :
جبرئيل إلينا ينعاه *** يا أبتاه من ربه ما أدناه
يا أبتاه جنة الفردوس مأواه *** يا أبتاه أجاب ربا دعاه
[238]
الكافي : اجتمعت نسوة بني هاشم و جعلن يذكرن النبي فقالت فاطمة اتركن التعداد و عليكن بالدعاء .
و قال النبي (عليه السلام) يا علي من أصيب بمصيبة فليذكر مصيبته بي فإنها من أعظم المصائب و أنشأ أمير المؤمنين (عليه السلام) :
الموت لا والدا يبقي و لا ولدا *** هذا السبيل إلى أن لا ترى أحدا
هذا النبي و لم يخلد لأمته *** لو خلد الله خلقا قبله خلدا
للموت فينا سهام غير خاطئة *** من فاته اليوم سهم لم يفته غدا
الزهراء (عليها السلام) :
إذا مات قرم قل و الله ذكره *** و ذكر أبي مذ مات و الله أزيد
تذكرت لما فرق الموت بيننا *** فعزيت نفسي بالنبي محمد
فقلت لها إن الممات سبيلنا *** و من لم يمت في يومه مات في غد
ديك الجن :
تأمل إذا الأحزان فيك تكاثرت *** أ عاش رسول الله أم ضمه القبر
إبراهيم بن المهدي :
اصبر لكل مصيبة و تجلد *** و اعلم بأن المرء غير مخلد
أ و ما ترى أن الحوادث جمة *** و ترى المنية للرجال بمرصد
فإذا ذكرت مصيبة تشجى بها *** فاذكر مصابك بالنبي محمد
و لغيره :
فلو كانت الدنيا يدوم بقاؤها *** لكان رسول الله فيها مخلدا
تاريخ الطبري و إبانة العكبري قال ابن مسعود قيل للنبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من يغسلك يا رسول الله قال أهلي الأدنى .
حلية الأولياء و تاريخ الطبري أن علي بن أبي طالب كان يغسل النبي (عليه السلام) و الفضل يصب الماء عليه و جبرئيل يعينهما و كان علي يقول ما أطيبك حيا و ميتا .
مسند الموصلي في خبر عن عائشة : ثم خلوا بينه و بين أهل بيته فغسله علي بن أبي طالب (عليه السلام) و أسامة بن زيد .
الصفواني في الإحن و المحن بإسناده عن إسماعيل بن عبد الله عن أبيه عن علي (عليه السلام):
[239]
قال : أوصاني رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إذا أنا مت فاغسلني بسبع قرب من بئري بئر غرس .
إبانة ابن بطة قال يزيد بن بلال قال علي : أوصى النبي (عليه السلام) أن لا يغسله أحد غيري فإنه لا يرى أحد عورتي إلا طمست عيناه قال فما تناولت عضوا إلا كأنما كان يقلبه معي ثلاثون رجلا حتى فرغت من غسله .
و روي : أنه لما أراد علي غسله استدعى الفضل بن عباس ليعينه و كان مشدود العينين و قد أمره علي (عليه السلام) بذلك إشفاقا عليه من العمى .
الحميري :
هذا الذي وليته عورتي *** و لو رأى عورتي سواه عمى
و له :
من ذا تشاغل بالنبي و غسله *** و رأى عن الدنيا بذاك عزاء
العبدي :
من ولى غسل النبي و من *** لففه من بعده في الكفن
السروجي :
غسله إمام صدق طاهر *** من دنس الشرك و أسباب الغير
فأورث الله عليا علمه *** و كان من بعد إليه يفتقر
غيره :
كان بغسل النبي مشتغلا *** فافتتنوا و النبي لم يقبر
و قال أبو جعفر (عليه السلام) : قال الناس كيف الصلاة عليه ?
فقال علي : إن رسول الله إمام حيا و ميتا , فدخل عليه عشرة عشرة فصلوا عليه يوم الإثنين و ليلة الثلاثاء حتى الصباح و يوم الثلاثاء حتى صلى عليه الأقرباء و الخواص و لم يحضر أهل السقيفة , و كان علي (عليه السلام) أنفذ إليهم بريدة و إنما تمت بيعتهم بعد دفنه و قال أمير المؤمنين سمعت رسول الله يقول إنما نزلت هذه الآية في الصلاة علي بعد قبض الله لي إِنَّ اللَّهَ وَ مَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ الآية .
و سئل الباقر (عليه السلام) كيف كانت الصلاة على النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقال : لما غسله أمير المؤمنين و كفنه سجاه و أدخل عليه عشرة عشرة فداروا حوله ثم وقف أمير المؤمنين في وسطهم فقال إِنَّ اللَّهَ وَ مَلائِكَتَهُ الآية . فيقول القوم مثل ما يقول حتى صلى عليه
[240]
أهل المدينة و أهل العوالي .
و اختلفوا أين يدفن ?
فقال بعضهم في البقيع .
و قال آخرون في صحن المسجد .
فقال أمير المؤمنين إن الله لم يقبض نبيه إلا في أطهر بقاع فينبغي أن يدفن في البقعة التي قبض فيها .
فاتفقت الجماعة على قوله . و دفن في حجرته .
تاريخ الطبري في حديث ابن مسعود : قلنا فمن يدخلك قبرك يا نبي الله ?
قال : أهلي .
و قال الطبري و ابن ماجة : الذي نزل في قبر رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) علي بن أبي طالب و الفضل و قثم و شقران و لهذا قال أمير المؤمنين أنا الأول أنا الآخر .
الحميري :
و كفاه تغسيله وحده أحمد *** ميتا و وضعه في اللحد
العبدي :
من كان صنو النبي غير علي *** من غسل الطهر ثم واراه
العوني :
من غسل المرسل من أنزله *** في لحده و عنه للدين قضى
و أنشأ أمير المؤمنين (عليه السلام) :
نفسي على زفراتها محبوسة *** يا ليتها خرجت مع الزفرات
لا خير بعدك في الحياة و إنما *** أخشى مخافة أن تطول حياتي
و له (عليه السلام) :
أ من بعد تكفين النبي و دفنه *** بأثوابه آسى على هالك ثوى
رزئنا رسول الله فينا فلن نرى *** بذاك عديلا ما حيينا من الورى
و كان لنا كالحصن من دون أهله *** لهم معقل حرز حريز من العدى
و كنا به شم الأنوف بنحوه *** على موضع لا يستطاع و لا يرى
[241]
فيا خير من ضم الجوانح و الحشا *** و يا خير ميت ضمه الترب و الثرى
كأن أمور الناس بعدك ضمنت *** سفينة موج البحر و البحر قد طمى
و ضاق فضاء الأرض عنهم برحبه *** لفقد رسول الله إذ فيه قد قضى
فيا حزنا إنا رأينا نبينا *** على حين تم الدين و اشتدت القوى
و كان لأولى شبهته سفر ليلة *** أضل الهدى لا نجم فيها و لا ضوى
و له (عليه السلام) عند زيارة سيد الأنام :
ما غاض دمعي عند نائبة *** إلا جعلتك للبكاء سببا
و إذا ذكرتك سامحتك به *** مني الجفون ففاض و انسكبا
إني أجل ثرى حللت به *** عن أن أرى بسواه مكتئبا
و له (عليه السلام) :
إلى الله أشكو لا إلى الناس أشتكي *** أرى الأرض تبقي و الأخلاء تذهب
أخلاي لو غير الحمام أصابكم عتبت *** و لكن ما على الموت معتب
و له (عليه السلام) :
ألا طرق الناعي بليل فراعني *** و أرقني لما استقل مناديا
فقلت له لما سمعت الذي نعى *** أ غير رسول الله إن كنت ناعيا
فخفق ما أشفقت منه فلم أجد *** و كان خليلي عزتي و جماليا
فو الله ما أنساك أحمد ما مست *** بي العيش في أرض و جاوزت واديا
[242]
و كنت متى أهبط من الأرض تلعة *** أجد أثرا منه جديدا و باليا
شجاعا تشط الخيل عنه كأنما *** يرين به ليثا عليهن عاديا
و له (عليه السلام) :
ألا يا رسول الله كنت رجائيا *** و كنت بنا برا و لم تك جافيا
كأن على قلبي لذكر محمد *** و ما جاء من بعد النبي المكاويا
أ فاطم صلى الله رب محمد *** على حدث أمسى بيثرب ثاويا
فدى لرسول الله أمي و خالتي *** و عمي و زوجي ثم نفسي و خاليا
فلو أن رب العرش أبقاك بيننا *** سعدنا و لكن أمره كان ماضيا
عليك من الله السلام تحية *** و أدخلت جنات من العدن راضيا
و قالت الزهراء (عليها السلام) :
قل للمغيب تحت أطباق الثرى *** إن كنت تسمع صرختي و ندائيا
صبت علي مصائب لو أنها صبت *** على الأيام صرن لياليا
قد كنت ذات حمى بظل محمد *** لا أخش من ضيم و كان حما ليا
فاليوم أخشع للذليل و أتقي *** ضيمي و أدفع ظالمي بردائيا
فإذا بكت قمرية في ليلها *** شجنا على غصن بكيت صباحيا
فلأجعلن الحزن بعدك مؤنسي *** و لأجعلن الدمع فيك وشاحيا
ما ذا على من شم تربة أحمد *** أن لا يشم مدى الزمان غواليا
و لها (عليها السلام) :
كنت السواد لمقلتي *** تبكي عليك الناظر
من شاء بعدك فليمت *** فعليك كنت أحاذر
و لها (عليها السلام) و قد ضمنت أبياتا و تمثلت بها :
قد كنت لي جبلا ألوذ بظله *** فاليوم تسلمني لأجرد ضاحي
[243]
قد كنت جار حميتى ما عشت لي *** و اليوم بعدك من يريش جناحي
و أغض من طرفي و أعلم أنه *** قد مات خير فوارسي و سلاحي
حضرت منيته فأسلمني العزا *** و تمكنت ريب المنون جواحي
نشر الغراب على ريش جناحه *** فظللت بين سيوفه و رماح
إني لأعجب من يروح و يغتدي *** و الموت بين بكوره و رواح
فاليوم أخضع للذليل و أتقي *** ذلي و أدفع ظالمي بالراح
و إذا بكت قمرية شجنا بها *** ليلا على غصن بكيت صباحي
فالله صبرني على ما حل بي *** مات النبي قد انطفى مصباحي
أم سلمة رضي الله عنها :
فجئنا بالنبي و كان فينا *** إمام كرامة نعم الإمام
و كان قوامنا و الرأس منا *** فنحن اليوم ليس لنا قوام
ننوح و نشتكي ما قد لقينا *** و يشكو فقدك البلد الحرام
فلا تبعد فكل فتى كريم *** سيدركه و إن كره الحمام
صفية بنت عبد المطلب :
يا عين جودي بدمع منك منحدر *** و لا تملي و بكي سيد البشر
بكي الرسول فقد هدت مصيبته *** جميع قومي و أهل البدر و الحضر
و لا تملي بكاك الدهر معولة *** عليه ما غرد القمري في السحر
سالم بن زهير المحاربي :
أ فاطم بكي و لا تسأمي *** فقد فاتك الماجد الطيب
جوى حل بين الحشا و الشغاف *** فخيم فيه فلا يذهب
فيا عين ويحك لا تهجعي *** و ما بال دمعك لا يسكب
فمن ذلك الويل بعد الرسول *** يبكي من الناس أو يندب
[244]
كعب بن مالك :
ألا أنعى النبي إلى العالمينا *** جميعا و لا سيما المسلمينا
ألا أنعى النبي لأصحابه *** و أصحاب أصحابه التابعينا
ألا أنعى النبي إلى من هدى *** من الجن ليلة إذ تسمعونا
لفقد النبي إمام الهدى *** و فقد الملائكة المنزلينا
حسان بن ثابت :
إن الرزية لا رزية مثلها *** ميت بطيبة مثله لم يفقد
ميت بطيبة أشرقت لحياته *** ظلم البلاد لمتهم أو منجد
و الكوكب الدري أصبح آفلا *** بالنور بعد تبلج و تصعد
لله ما ضمنت حفيرة قبره *** منه و ما فقدت سوادي المسجد
و له :
بطيبة رسم للرسوم و معهد *** أضحى تعفيه الرسوم و تمهد
و لا تمتحي الآيات من دار حرمة *** بها منبر الهادي الذي كان يصعد
و واضح آيات و باقي معالم*** و ربع له فيه مصلى و مسجد
عرفت بها رسم الرسول و عهده *** و قبرا بها واراه في الترب ملحد
و ما فقد الماضون مثل محمد *** و لا مثله حتى القيامة يفقد
زيارته (عليه السلام) :
عن أنس قال (عليه السلام) : من زارني بالمدينة محتسبا كنت له شفيعا أو شهيدا يوم القيامة .
تم الجزء الأول من كتاب مناقب آل أبي طالب و يتلوه الجزء الثاني في باب الإمامة إن شاء الله تعالى و الحمد لله رب العالمين و العاقبة للمتقين و لا عدوان إلا على الظالمين و الصلاة على أفضل الأنبياء و المرسلين سيدنا محمد النبي و عترته الطيبين الطاهرين صلاة تقصم ظهور الملحدين و ترغم أنوف الجاحدين صلاة دائمة إلى يوم الدين و سلم تسليما كثيرا كثيرا و حسبنا الله و نعم الوكيل نعم المولى و نعم النصير و لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم و الحمد لله رب العالمين .