[245]
باب الإمامة
فصل في شرائطها مما يليق بهذا الكتاب :
إثباتها :
قوله إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً بدأ بالخليفة قبل الخليقة و الحكيم العليم يبدأ بالأهم دون الأعم و قوله فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْماً لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ دليل على أنه لا يخلو كل زمان من حافظ للدين إما نبي أو إمام .
الصادق (عليه السلام) : لا تخلو الأرض من عالم يفزع الناس إليه في حلالهم و حرامهم ثم فسر قوله اصْبِرُوا على دينكم وَ صابِرُوا عدوكم ممن خالفكم وَ رابِطُوا إمامكم وَ اتَّقُوا اللَّهَ فيما أمركم به و فرض عليكم .
سئل الرضا و الصادق (عليهما السلام) : تكون الأرض و لا إمام ?
قال : إذا لساخت .
قال ابن بابويه كما جاء في قصة الأنبياء : إِذا جاءَ أَمْرُنا وَ فارَ التَّنُّورُ * فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ * وَ أَعْتَزِلُكُمْ وَ ما تَدْعُونَ و قال لنبينا وَ ما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ .
عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) : في كل خلف من أمتي عدل من أهل بيتي ينفون من هذا الدين تحريف الغالين و انتحال المبطلين و تأويل الجاهلين .
أبو عبيدة سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قوله : ائْتُونِي بِكِتابٍ مِنْ قَبْلِ هذا أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ قال عنى بالكتاب التوراة و الإنجيل و بالأثارة من علم فإنما عنى بذلك علم أوصياء الأنبياء .
أمير المؤمنين (عليه السلام) : لا تخلو الأرض من قائم بحجة الله إما ظاهر مشهور و إما خائف مغمور و في رواية لا يزال في ولدي مأمور مأمور .
[246]
العوني :
و لو لا حجة في كل وقت *** لأضحى الدين مجهول الرسوم
و حار الناس في طخياء منها *** نجونا بالأهلة و النجوم
و قال الآخر :
كواكب دجن كلما انقض كوكب *** بدا و انجلت عنه الدجنة كوكب
و من ألفاظ عن الرضا (عليه السلام) : الإمام زمام الدين و نظام أمور المسلمين و عز المؤمنين و بوار الكافرين أس الإسلام و صلاح الدنيا و النجم الهادي و السراج الزاهر الماء العذب على الظماء و النور الدال على الهدى و المنجي من الردى و السحاب الماطر و الغيث الهاطل و الشمس الظليلة و الأرض البسيطة و العين الغزيرة و الأمين الرفيق و الوالد الشفيق و الأخ الشقيق و الأم البرة بالولد الصغير و أمين الله في خلقه و حجته على عباده و خليفته في بلاده الداعي إلى الله و الذاب عن حرم الله .
النبي (عليه السلام) : من مات و لم يعرف إمام زمانه فقد مات ميتة جاهلية .
الحميري :
فمن لم يكن يعرف إمام زمانه *** و مات فقد لاقى المنية بالجهل
العيون و المحاسن قال هشام بن الحكم : قلت لعمرو بن عبيد لي سؤال .
قال : هات .
قلت : أ لك عين ?
قال : نعم .
قلت : فما ترى بها ?
قال : الألوان و الأشخاص
قلت : فلك أنف ?
قال : نعم .
قلت : فما تصنع به ?
قال : أشم به الرائحة ?
قلت : فلك فم ?
قال :نعم .
قلت فما تصنع به ?
قال : أذوق به الطعم .
قلت : أ لك قلب ?
قال : نعم .
قلت : فما تصنع به ?
قال : أميز به كلما ورد على هذه الجوارح .
قلت : ليس لها غنى عن القلب ?
قال : لا .
قلت : و كيف ذاك و هي صحيحة سليمة ?
قال : يا بني الجوارح إذا شكت في شيء شمته أو رأته أو ذاقته أو سمعته ردته إلى القلب فيتقن اليقين و يبطل الشك .
قلت : فإنما أقامه الله لشك الجوارح ?
قال : نعم .
قلت : فلا بد من القلب و الا لم تستيقن الجوارح ؟
قال : نعم .
قلت : يا با مروان إن الله لم يترك جوارحك حتى جعل لها إماما يصحح لها الصحيح و يتقن لها ما شكت فيه . و يترك هذا الخلق كلهم في حيرتهم و شكهم و اختلافهم لا يقيم لهم إماما يردون إليه شكهم و حيرتهم ? و يقيم لك إماما لجوارحك يرد إليه حيرتك و شكك .
[247]
بيت :
على الملوك تصلح الجماعة *** إن صلحوا أو لا فهم كالضاعة
و قال متكلم : لا يخلو من أربعة أوجه :
أما إن علم النبي (عليه السلام) جميع أمته الأولين و الآخرين و جميع ما يحتاجون إليه في حياته حتى استغنوا بعد وفاته .
أو علمت الأمة كلها بعده أو استغنت عن مؤدب و معلم من الله .
أو رفع التكليف عن الأمة بعده كالبهائم .
و كل ذلك باطل . لأن التكليف لازم , و اللطف واجب , و الناس غير معصومين , فلا بد من حافظ شرع معصوم , ليهلك من هلك عن بينة و يحيا من حي عن بينة .
الأفوه الأودي :
لا يصلح القوم إلا في السراة لهم *** و لا سراة إذا جهالهم ساودا
البيت لا يبتني إلا بأعمدة *** و لا عماد إذا لم ترس أوتاد
فإن تجمع أوتاد و أعمدة *** و ساكن أدركوا الأمر الذي كادوا
تهدي الأمور بأهل الرأي ما صلحت *** فإن تولت فبالأشرار تنقاد
العصمة :
قوله يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَ كُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ .
أمرنا سبحانه أمرا مطلقا بالكون مع الصادقين من غير تخصيص و ذلك يقتضي عصمتهم لقبح الأمر على هذا الوجه باتباع من لا يؤمن منه القبيح و من حيث يؤدي ذلك الأمر بالقبيح و إذا ثبت ذلك في الإمامة ثبت تخصصها بأمير المؤمنين و أولاده المعصومين بالإجماع لأن أحدا من الأمة لم يقل ذلك فيها إلا خصها بهم و لأنه لم تثبت هذه الصفات لغيرهم و لا ادعيت لسواهم .
قوله وَ لَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَ إِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ .
يدل على عصمتهم لأنه أخبر أن العلم يحصل بالرد إلى أولي الأمر كما يحصل بالرد إلى الرسول و العلم لا يصح حصوله يقينا ممن ليس بمعصوم و لأنه تعالى لا يجيز أن يأمر باستفتاء من لا يؤمن منه القبيح من حيث كان في ذلك أمره تعالى بالقبيح
[248]
و إذا اقتضت الآية عصمة أولي الأمر ثبتت إمامتهم لأن أحدا لم يفرق بين الأمرين و إذا ثبت ذلك توجه الآية إلى آل محمد و قد روي أنها نزلت في الحجج الاثني عشر .
قوله إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً فقال إبراهيم من عظم خطر الإمامة عنده وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ .
و في خبر : أنه قال : و من الظالم من ولدي ?
قال : من سجد لصنم من دوني .
فقال إبراهيم : وَ اجْنُبْنِي وَ بَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ .
و قد ثبت أن النبي و الوصي (عليه السلام) ما عبدا الأصنام فانتهت الدعوة إليهما فصار محمد نبيا و علي وصيا و لما قال لايَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ صار في الصفوة وَ وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَ يَعْقُوبَ إلى قوله عابِدِينَ فلم يزل في ذريته يرثها بعض عن بعض حتى ورثها النبي (عليه السلام) فقال أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَ هذَا النَّبِيُّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا فكانت له خاصة فقلدها عليا (عليه السلام) بأمر الله على رسم ما فرضها الله فصارت في ذريته الأصفياء الذين أوتوا العلم و الإيمان قوله وَ قالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَ الْإِيمانَ فهي في ولد علي (عليه السلام) إلى يوم القيامة .
عبد الله بن عجلان عن أبي جعفر (عليه السلام) : في هذه الآية هم الأئمة و من تبعهم .
قال إبراهيم وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي و من للتبعيض ليعلم أن فيهم من يستحقها و من لا يستحقها و مستحيل أن يدعو إلا من هو مثله في الطهارة لقوله لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ و قال فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي فيجب أن يكونوا معصومين .
و لما سأل الرزق قال وَ ارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ سأل عاما و لما سأل الإمامة سأل خاصا قال وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي .
قال الصادق (عليه السلام) في قوله : وَ جَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ أي الإمامة إلى يوم القيامة .
قال السدي : عقبه آل محمد .
العوني :
فقال من فرح يا رب عهدك *** في ذريتي هل تبقيه مؤنفه
فقال ليس ينال الظالمين *** معا عهدي و وعدي فيه لست أخلفه
و الشرك ظلم عظيم و العكوف *** على الأصنام لا يلحق التأمين عكفه
فانظر إلى الرمز و الإيماء كيف أتى ***من لم يكن عبد الأصنام مصرفه
[249]
و له :
أ لم يكن في حالة نبيا *** ثم رسولا منذرا رضيا
ثم خليلا صفوة صفيا *** ثم إماما هاديا مهديا
و كان عند ربه مرضيا
فعندها قال و من ذريتي .
قال له لا لن ينال رحمتي *** و عهدي الظالم من بريتي
أبت لملكي ذاك وحدانيتي *** سبحانه لا زال وحدانيا
قوله إني مخلف فيكم الثقلين , الخبر :
يقتضي عصمة المذكورين لأنه أمر من جهة الخبر بالتمسك بهم على الإطلاق فاقتضى ذلك عصمتهم و إلا أدى إلى كونه عز و جل أمر بالقبيح .
ثم إنه قطع بأمان المتمسك بهم من الضلال . و جواز الخطإ عليهم لا يؤمن معه ضلال المتمسك بهم .
ثم إنه قرن بينهم و بين الكتاب في الحجة و وجوب التمسك .
ثم إنه أخبر أنهم لا يفارقون الكتاب , و وقوع الخطإ منهم يقتضي مفارقتهم له و ذلك ينافي نصه .
و إذا ثبتت عصمتهم ثبتت إمامتهم و أنهم المعينون بالخبر .
و قال أبو علي المحمودي لأبي الهذيل : أ ليس من دينك أن العصمة و التوفيق لا يكونان لك من الله إلا بعمل تستحقه به ?
قال : نعم .
قال : فقوله الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ .
قال : قد أكمل لنا الدين .
فقال : ما تصنع بمسألة لا تجدها في الكتاب و السنة و قول الصحابة و حيلة الفقهاء ?
قال : هات .
قال : خبرني عن عشيرة كلهم عنين وقعوا في طهر واحد بامرأة و هم مختلفو العنة فمنهم قد وصل إلى بعض حاجته و منهم من قارب بحسب الإمكان منه أفي خلق الله اليوم من يعرف حد الله في كل رجل منهم و مقدار ما ارتكب من الخطيئة فيقيم عليه الحد في الدنيا و يطهره منه في الآخرة ? فأفهم .
لو لم يكن الإمام معصوما ، لم يكن بتقديم الكل موسوما .
من خرج من غمار المأمومين دخل في جملة المعصومين .
من افتقر البشر إليه كانت العصمة ثابتة عليه .
من ظهرت معجزته ثبتت عصمته .
[250]
أمير المؤمنين (عليه السلام) قال النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) : إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا قال المودة في قلوب المؤمنين هي العصمة .
الناشي :
قد نصب الله لكم مسددا *** بالرشد و العصمة مأمون الغلط
أحاط بالعلم و لا يصلح *** أن يدعى إمام من بعلم لم يحط
من مثلكم يا آل طه و لكم *** في جنة الفردوس و الخلد خط
طحب سواكم نفل و حبكم *** فرض من الله علينا مشترط
يا طود إفضال بعيد المرتقى *** و بحر علم ما له يحويه شط
كل الولاء إلا ولاكم باطل *** و كل جرم بولاكم منحبط
النصوص :
قال الله تعالى في آدم : إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ و في موضع إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً .
و في إبراهيم : وَ لَقَدِ اصْطَفَيْناهُ فِي الدُّنْيا و في موضع إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً .
و في موسى : إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ و في موضع وَ اصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي .
و في طالوت : إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ .
و في سائر الأنبياء و الأوصياء : إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى * اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا وَ مِنَ النَّاسِ * وَ إِنَّهُمْ عِنْدَنا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيارِ * وَ لَقَدِ اخْتَرْناهُمْ عَلى عِلْمٍ عَلَى الْعالَمِينَ * وَ جَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا * مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ * يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ * وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ * وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ * وَ أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ * ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ * قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ * وَ لا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللَّهُ * شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَ الْمَلائِكَةُ وَ أُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ * وَ اللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ * وَ رَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ .
الحميري :
هبة و ما وهب المليك لعبده *** يبقى و مهما لم يهب لم يوهب
يمحو و يثبت ما يشاء و عنده *** علم الكتاب و علم ما لم يكتب
[251]
العوني :
في النص آي من الفرقان منزلة *** يقر طوعا بها من لا يحرفه
منهن رمز و إيماء و تسمية *** تلويح حق و تصريح تنقفه
الرضا و الصادق و أمير المؤمنين (عليهم السلام) و الحديث مختصر : إن آدم (عليه السلام) أوصى إلى ابنه شيث و أوصى شيث إلى شبان و شبان إلى مجلث و مجلث إلى محوق و محوق إلى عثميشا و عثميشا إلى أخنوخ و هو إدريس و إدريس إلى ناحور و ناحور إلى نوح و نوح إلى سام و سام إلى عثامر و عثامر إلى برغيشا و برغيشا إلى يافث و يافث إلى برة و برة إلى جفيسة و جفيسة إلى عمران و عمران إلى إبراهيم و إبراهيم إلى إسماعيل و إسماعيل إلى إسحاق و إسحاق إلى يعقوب و يعقوب إلى يوسف و يوسف إلى برثيا و برثيا إلى شعيب و شعيب إلى موسى و موسى إلى يوشع و يوشع إلى داود و داود إلى سليمان و سليمان إلى آصف و آصف إلى زكريا و زكريا إلى عيسى و عيسى إلى شمعون و شمعون إلى يحيى و يحيى إلى منذر و منذر إلى سلمة و سلمة إلى بردة ثم قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) و دفعها إلي بردة و أنا أدفعها إليك يا علي و أنت تدفعها إلى وصيك و يدفعها وصيك إلى أوصيائك من ولدك واحد بعد واحد حتى تدفع إلى خير أهل الأرض بعدك .
لو لم يكن الإمام نصا لم يكن بعلم الله مختصا .
من حقق إمامته بغير نص كان الناظر من غير فحص .
من ثبت النص عليه من أبيه كان مرضي ذويه .
ابن حماد :
رأيت النص يفضح جاحديه *** و يلجئهم إلى ضيق الخناق
و لو كان اجتماع القوم رشدا *** لما أدى إلى طول افتراق
الناشي :
و من لم يقل بالنص منه معاندا *** غدا غفلة بالرغم منه يحاوله
يعرفه حق الوصي و فضله على *** الخلق حتى تضمحل بواطله
البشنوي :
يا مصرف النص جهلا عن أبي حسن *** باب المدينة عن ذي الجهل مقفول
[252]
مولى الأنام علي و الولي معا *** كما تفوه عن ذي العرش جبريل
سأل حمران بن أعين يحيى بن أكثم عن قول النبي (عليه السلام) حيث أخذ بيد علي (عليه السلام) و إقامه للناس فقال من كنت مولاه فعلي مولاه . أ بأمر من الله تعالى ذلك أم برأيه فسكت عنه حتى انصرف فقيل له في ذلك فقال إن قلت برأيه نصبه للناس خالفت قول الله تعالى وَ ما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى و إن قلت بأمر الله تعالى ثبتت إقامته قال فلم خالفوه و اتخذوا وليا غيره .
العوني :
فما ترك النبي الناس شورى *** بلا هاد و لا علم مقيم
و لكن سوّل الشيطان أمرا *** فأؤدي بالسوام و بالمسيم
قال الصادق (عليه السلام) في قوله إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها يعني يوصي إمام إلى إمام عند وفاته .
النبي (عليه السلام) من مات و لم يوص مات ميتة جاهلية .
و قال (عليه السلام) الوصية حق على كل مسلم .
و قال من مات و لم يوص فقد ختم عمله بمعصية .
ابن العودي النيلي :
و كل نبي جاء قبلي وصيه *** مطاع و أنتم للوصي عصيتم
ففعلكم في الدين أضحى منافيا *** لفعلي و أمري غير ما قد أمرتم
و قلتم مضي عنا بغير وصية *** أ لم أوص لو طاوعتم و عقلتم
و قد قلت من لم يوص من قبل موته *** يمت جاهلا بل أنتم قد جهلتم
نصبت لكم بعدي إماما يدلكم *** على الله فاستكبرتم و ضللتم
و قد قلت في تقديمه و ولائه *** عليكم بما شاهدتم و سمعتم
علي غدا مني محلا و قربة *** كهارون من موسى فلم عنه حلتم
علي رسولي فاتبعوه فإنه *** وليكم بعدي إذا غبت عنكم
أبو جعفر و أبو عبد الله (عليه السلام) في قوله وَ لَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ الآية و ذلك لما أمر الله رسوله أن يقيم عليا (عليه السلام) أن لا يشرك مع علي شريكا .
[253]
الناشي :
و لو آمنوا بنبي الهدى *** و بالله ذي الطول ما خالفوكا
و لو أيقنوا بمعاد لما *** أزالوا النصوص و لا مانعوكا
و لكنهم كتموا الشك في *** أخيك النبي و أبدوه فيكا
لهم خلف نصروا قولهم *** ليبغوا عليك و ما عاينوكا
إذا صحح النص قالوا لنا *** توانى عن الخلق و استضعفوكا
فقلنا لهم نص خير الورى *** يزيل الظنون و ينفي الشكوكا
صفات الأئمة (عليه السلام) :
قد جاء في أخبار الإمامية أن لإمام الهدى خمسين علامة العصمة و النصوص و أن يكون أعلم الناس و أفصحهم و أحلمهم و أحكمهم و أتقاهم و أشجعهم و أشرفهم و أنصحهم و أوفاهم و أصبرهم و أزهدهم و أسخاهم و أعبدهم و أشفقهم عليهم و أشدهم تواضعا لله و أخذهم بما يأمر الله به و أكفهم عما ينهى عنه و أولى الناس منهم بأنفسهم و يولد مختونا و يكون مطهرا و يلي ولادته و وفاته معصوم و تكون الأموال تحت أمره و يرى من خلفه و من بين يديه للفراسة الصادقة و لا يكون له ظل لأنه مخلوق من نور الله و كل من ولد منه يكون مؤمنا و إذا وقع على الأرض من بطن أمه وقع على راحتيه رافعا صوته بالشهادتين و لا ينام قلبه و يكون محدثا و يكون دعاؤه مستجابا و لا يرى له حدث لأن الله تعالى وكل الأرض بابتلاع ما يخرج منه و لا يحتلم و لا يتثاءب و لا يتمطى و تكون رائحته أطيب من رائحة المسك و يكون صاحب الوصية الظاهرة و يكون له الدليل و المعجزة في خرق العادة و استجابة الدعوة و إخباره بالحوادث التي تظهر قبل حدوثها بعهد معهود من النبي و يكون عنده سلاح رسول الله و سيفه ذو الفقار و يستوي عليه درعه و يكون عنده صحيفة فيها أسماء شيعتهم إلى يوم القيامة و صحيفة فيها أسماء أعدائهم إلى يوم القيامة و عنده الجامعة و هي صحيفة طولها سبعون ذراعا فيها جميع ما يحتاج إليه ولد آدم إملاء رسول الله و خط أمير المؤمنين و يكون عنده الجفر الأحمر و هو وعاء فيه سلاح رسول الله و لن يخرج حتى يخرج قائمنا (عليه السلام) و الجفر الأبيض و هو وعاء فيه توراة موسى و إنجيل عيسى و زبور داود و كتب الله المنزلة و يكون له إلهام و سماع
[254]
و نقر في الأسماع و نكت في القلوب و يسمع الصوت مثل صوت السلسلة في الطشت و ربما تأتيه صورة أعظم من جبرئيل و ميكائيل و إسرافيل و ربما يعاين و يخاطب .
و قالوا من صفات الإمام : المعرفة بجميع الأحكام .
تقديم المفضول يوجب تناقض الأصول .
من ثبت انتقاصه بطل اختصاصه .
عبد المحسن الصوري :
آل النبي هم النبي و إنما *** بالوحي فرق بينهم فتفرقوا
أبت الإمامة أن تليق بغيرهم *** إن الرسالة بالإمامة أليق
و أئمتنا (عليهم السلام) خصوا بالعلوم لأنهم لم يدخلوا مكتبا و لا تعلموا من معلم و لا تلمذوا لفقيه و لا تلقنوا من راو و قد ظهرت في فرق العالمين منهم العلوم و لم يعرف إلا منهم لأنهم أخذوا عن النبي (عليه السلام) .
و كذا كان حال جدهم (عليه السلام) حين علم منشأه بين قريش لم يدخل مكتبا و لا قرأ على معلم و لا استفاد من حبر و أتى الناس بالقرآن العظيم بما فيه من أسرار الأنبياء و أخبار المتقدمين فعلم العقلاء إن ذلك من عند الله تعالى و ليس من تلقاء نفسه .
فأولاده قوم بنور الخلافة يشرقون , و بلسان النبوة ينطقون , و قد جمعوا ما رووا عنهم و سموا ذلك بالأصول , سبعمائة أصل و يزيد على ذلك , و يتضمن علوم الدين و الآداب و الحكم و المواعظ و غير ذلك .
و أما من قل منهم الروايات مثل الحسن و الحسين (عليها السلام) فلقله أيامهما .
و أما أبو الحسن و أبو محمد (عليهما السلام) فقد كانا ممنوعين محبوسين بسر من رأى .
فإذا ثبت علوم هؤلاء التي لم يأخذوها عن رجال العامة و لا رأى أحد منهم يختلف إلى متقدم من أهل العلم و أن كثيرا من فتاويهم يخالف ما عليه العامة و لم يدع مدع قط أنهم اختلفوا إلى أحد من مخالفيهم ليتعلموا منه و الموافق لهم فمعلوم حاجته إليهم دل ذلك على أن الله تعالى أفردهم ليكشف عن استحقاقهم الإمامة .
و أنهم أحق بالتقدم لحاجة الناس إليهم و غنائهم عنهم و جروا في ذلك مجرى الرسول (عليه السلام) حين أغناه الله بما علموا علمهم من أخبار سوالف الأمم و أحكام شرائع الأنبياء من غير أن لقي أحدا من علماء تلك الأديان و جعل ذلك إحدى
[255]
الدلائل على نبوته , قال الله تعالى أَ فَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى و قال قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ .