أبو تمام الطائي :
أما سأل القوم الأولى ملكا يكن *** تسد به الجلى و يطلب به الوتر
فلما رأوا طالوت عدوا سناهم عليه *** و ما يغني السناء و لا الفخر
و ما ذاك إلا أنهم كرهوا القتا *** و هجر وغى يتلوه من بعده هجر
عمى و ارتيابا أوضحت مشكلاته *** وقيعة يوم النهر إذ ورد النهر
أمير المؤمنين (عليه السلام) :
فرض الإمامة لي من بعد أحمدنا *** كالدلو علقت التكريب و الوذما
لا في نبوته كانوا ذوو ورع و لا *** رعوا بعده إلا و لا ذمما
لو كان لي جابر سرعان أمرهم *** خليت قومي فكانوا أمة أمما
و له (عليه السلام) :
أنا علي صاحب الصمصامة *** و صاحب الحوض لدى القيامة
أخو نبي الله ذي العلامة *** قد قال إذ عممني العمامة
أنت أخي و معدن الكرامة *** و من له من بعدي الإمامة
فصل في مفسداتها :
الاختيار عشرون بمشية الله تعالى يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ * يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وَ يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ * وَ يَجْعَلُ مَنْ يَشاءُ عَقِيماً * تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَ تَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ وَ تُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَ تُذِلُّ مَنْ تَشاءُ * وَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ * ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ * و يَفْعَلُ ما يَشاءُ * وَ اللَّهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ * وَ لكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ * يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ * وَ اللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ * وَ لكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ * نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ * يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ * وَ رَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَ يَخْتارُ .
[256]
نظيره اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ * وَ ما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَ لا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَ رَسُولُهُ * أَ هُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ الآية فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ إلى قوله صادِقِينَ .
الاختيار في الإمامة مدعاة إلى عدم السلامة .
لو كانت الإمامة إلى الأمة بطل التوقيف من النبوة .
لو جاز للأمة نصب إمام صح منها وضع أحكام .
مختارنا للهلك و مختاره للملك .
مختارنا للحريق و مختاره للرحيق .
مختارنا للسعير و مختاره للسرير .
مختارنا للجحيم و مختاره للنعيم .
مختارنا للملامة و مختاره للكرامة .
مختارنا للتبعيد و مختاره للتقريب .
محمد بن سنان عن الصادق (عليه السلام) في قوله : يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَ يَخْتارُ , قال : اختار محمدا و أهل بيته .
أبو هاشم بإسناده عن الباقر (عليه السلام) قال : قال الله تعالى لمحمد : إني اصطفيتك و انتجبت عليا و جعلت منكما ذرية طيبة جعلت له الخمس .
ابن بطة في الإبانة بإسناده إلى الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة و أبو صالح المؤذن في الأربعين و السمعاني في الفضائل بإسنادهما عن عبد الرزاق عن معمر عن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس و اللفظ له قال : لما زوج النبي فاطمة من علي (عليه السلام) .
قالت : زوجتني لعائل لا مال له .
فقال : يا فاطمة , أ ما ترضين أن الله تعالى اطلع على أهل الأرض و اختار منها رجلين أحدهما أبوك و الآخر بعلك .
علي بن الجعط عن شعبة عن حماد بن مسلمة عن أنس قال النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) : إن الله خلق آدم من طين كيف يشاء , ثم قال وَ يَخْتارُ , إن الله تعالى اختارني و أهل بيتي عن جميع الخلق , فانتجبنا , فجعلني الرسول , و جعل علي بن أبي طالب الوصي .
ثم قال ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ , يعني ما جعلت للعباد أن يختاروا و لكني أختار من أشاء , فأنا و أهل بيتي صفوة الله و خيرته من خلقه .
ثم قال : سُبْحانَ اللَّهِ , يعني تنزيها لله عما يشركون به كفار مكة .
ثم قال : وَ رَبُّكَ , يا محمد , يَعْلَمُ ما تُكِنُّ صُدُورُهُمْ , من بغض المنافقين لك و لأهل بيتك , وَ ما يُعْلِنُونَ , بألسنتهم من الحب لك و لأهل بيتك .
ابن حماد :
تروم فساد دليل النصوص *** و نصرا لإجماع ما قد جمع
أ لم يستمع قوله صادقا *** غداة الغدير بما ذا صدع
ألا إن هذا ولي لكم *** أطيعوا فويل لمن لم يطع
[257]
و قال له أنت مني أخي *** كهارون من صنوه فاقتنع
و قال له أنت باب إلى *** مدينة علمي لمن ينتجع
و يوم براءة نص الإله *** أنص عليه فلا تختدع
و سماه في الذكر نفس *** الرسول في يوم باهل لما خشع
ففيم تخيرتم غير من *** تخيره ربكم و اصطنع
اختار الله تعالى لموسى (عليه السلام) قوله وَ أَنَا اخْتَرْتُكَ فصار نجيا كليما وَ قَرَّبْناهُ نَجِيًّا * وَ كَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيماً * وَ اخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقاتِنا فصار اختياره واقعا على الأفسد دون الأصلح .
الصاحب :
بالنص فاعقد إن عقدت دينا *** كن باعتقاد الاجتبا رصينا
مكن لقول ربنا تمكينا *** و اختار موسى قومه سبعينا
و اجتمعت الأمة على أن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) شاور الصحابة في الأسارى فاتفقوا على قبول الفداء و استصوبه النبي و كان عند الله خطأ فنزل ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى إلى قوله عَظِيمٌ .
ابن جرير الطبري : لما كان النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يعرض نفسه على القبائل , جاء إلى بني كلاب .
فقالوا : نبايعك على أن يكون لنا الأمر بعدك .
فقال : الأمر لله , فإن شاء كان فيكم , أو في غيركم .
فمضوا فلم يبايعوه , و قالوا : لا نضرب لحربك بأسيافنا ثم تحكم علينا غيرنا .
الماوردي في أعلام النبوة : أنه قال عامر بن الطفيل للنبي (عليه السلام) و قد أراد به غيلة , يا محمد , ما لي إن أسلمت ?
فقال (عليه السلام) : لك ما للإسلام و عليك ما على الإسلام .
فقال : أ لا تجعلني الوالي من بعدك ?
قال : ليس لك ذلك , و لا لقومك , و لكن لك أعنة الخيل تغزوا في سبيل الله , القصة .
بيت :
و جملة الأمر إن الله قدمه *** و الأمر لله ليس الأمر من قبلي
آخر :
و الخير أجمع فيما اختار خالقنا *** و في اختيار سواه اللوم و الشؤم
[258]
أبو ذر عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) : من استعمل غلاما في عصابة فيها من هو أرضى لله منه فقد خان الله .
البشنوى :
قد خان من قدم المفضول خالقه *** و للإله فبالمفضول لم أخن
الوليد بن صبيح قال أبو عبد الله (عليه السلام) : إن هذا الأمر لا يدعيه غير صاحبه إلا بتر الله عمره .
و قال أبو الحسن الرفاء لابن رامين الفقيه : لما خرج النبي (عليه السلام) من المدينة ما استخلف عليها أحدا ?
قال : بلى استخلف عليا .
قال : و كيف لم يقل لأهل المدينة اختاروا فإنكم لا تجتمعون على الضلال ?
قال : خاف عليهم الخلف و الفتنة .
قال : فلو وقع بينهم فساد لأصلحه عند عودته ?
قال : هذا أوثق .
قال : أ فاستخلف أحدا بعد موته ?
قال : لا .
قال : فموته أعظم من سفره ? فكيف أمن على الأمة بعد موته ما خافه في سفره و هو حي عليهم فقطعه .
العبدي :
و قالوا رسول الله ما اختار بعده *** إماما و لكنا لأنفسنا اخترنا
أقمنا إماما أن أقام على الهدى *** أطعنا و إن ضل الهداية قومنا
فقلنا إذا أنتم إمام إمامكم *** بحمد من الرحمن تهتم و لا تهنا
و لكننا اخترنا الذي اختار ربنا *** لنا يوم خم ما اعتدينا و لا حلنا
سيجمعنا يوم القيامة ربنا فتجـ *** زون ما قلتم و نجزي الذي قلنا
هدمتم بأيديكم قواعد دينكم *** و دين على غير القواعد لا يبنى
و نحن على نور من الله واضح *** فيا رب زدنا منك نورا و ثبتنا
نهج البلاغة : لئن كانت الإمامة لا تنعقد حتى يحضرها عامة الناس ما إلى ذلك سبيل و لكن أهلها يحكمون على من غاب عنها ثم ليس للشاهد أن يرجع و لا للغائب أن يختار .
يحيى بن الوزير المغربي :
إذا كان لا يعرف الفاضلين ***إلا شبيههم في الفضيلة
فمن أين للأمة الاختيار *** و ما لعقولهم المستحيلة
ابن هانئ المغربي :
عجبت لقوم أضلوا السبيل *** و قد بين الله أين الهدى
فما عرفوا الحق لما استبان *** و لا أبصروا الرشد لما بدا
[259]
و ما خفي الرشد لكنما *** أضل الحلوم اتباع الهوى
غيره :
نور الهداية لا يخفى على أحد *** لو لا اتباع الهوى و الغي و الحسد
قد بين الله ما يرضى و يسخطه *** منا و فرق بين الغي و الرشد
بأحمد المصطفى الهادي و عترته *** من اهتدى بهداهم و استقام هدى
إن الإمامة رب العرش ينصبها *** مثل النبوة لم تنقص و لم تزد
و الله يختار من يرضاه ليس لنا *** نحن اختيار كما قد قال فاقتصد
الوصف : سئل أبو عبد الله عن قوله وَ يَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ .
قال : كل من زعم أنه إمام و ليس بإمام .
قلت : و إن كان علويا فاطميا ?
قال : و إن كان علويا فاطميا .
أبو خالد القماط أخبر أبا عبد الله (عليه السلام) : إن رجلا قال لي ما منعك أن تخرج مع زيد قلت له إن كان أحد في الأرض مفروض الطاعة فالخارج و الداخل موسع لهما .
زرارة بن أعين , قال لي زيد بن علي (عليه السلام) عند الصادق (عليه السلام) : ما تقول في رجل من آل محمد استنصرك .
فقلت : إن كان مفروض الطاعة نصرته و إن كان غير مفروض فلي أن أفعل و لي أن لا أفعل .
فقال أبو عبد الله (عليه السلام) : لما خرج زيد أخذته و الله من بين يديه و من خلفه و ما تركت له مخرجا .
أبو مالك الأحمسي قال زيد بن علي لصاحب الطاق : إنك تزعم أن في آل محمد إماما مفترض الطاعة معروفا بعينه .
قال : نعم , و كان أبوك أحدهم .
قال : ويحك فما كان يمنعه من أن يقول لي , فو الله لقد كان يؤتى بالطعام الحار فيقعدني على فخذه و يتناول المضغة فيبردها ثم يلقمنيها , أ فتراه أنه كان يشفق علي من حر الطعام و لا يشفق علي من حر النار فيقول لي إذا أنا مت فاسمع و أطع لأخيك محمد الباقر ابني فإنه الحجة عليك و لا يدعني أموت ميتة جاهلية .
فقال : كره أن يقول لك فتكفر فيجب من الله عليك الوعيد و لا يكون له فيك الشفاعة فتركك مرجيا لله فيك المشيئة و له فيك الشفاعة .
ثم قال : أنتم أفضل أم الأنبياء ?
قال : بل الأنبياء .
قال : يقول يعقوب ليوسف لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً لم لم يخبرهم حتى كانوا لا يكيدونه و لكن كتمهم . و كذا
[260]
أبوك كتمك لأنه خاف منك على محمد إن هو أخبرك بموضعه من قلبه و بما خصه الله به فتكيد له كيدا كما خاف يعقوب على يوسف من إخوته .
فبلغ الصادق (عليه السلام) مقاله , فقال : و الله ما خاف غيره .
و قال زيد بن علي ليس الإمام منا من أرخى عليه ستره إنما الإمام من اشتهر سيفه .
فقال له أبو بكر الحضرمي : يا أبا الحسن أخبرني عن علي بن أبي طالب أ كان إماما و هو مرخى عليه ستره أو لم يكن إماما حتى خرج و شهر سيفه .
فلم يجبه زيد , فردد عليه ذلك , ثانيا , و ثالثا , كل ذلك لا يجيبه بشيء .
فقال أبو بكر : إن كان علي بن أبي طالب إماما فقد يجوز أن يكون بعده إمام و هو مرخى عليه ستره و إن كان علي لم يكن إماما و هو مرخى عليه ستره فأنت ما جاء بك هاهنا ?
و سأل زيدي الشيخ المفيد و أراد الفتنة فقال : بأي شيء استجزت إنكار إمامة زيد ?
فقال : إنك قد ظننت علي ظنا باطلا . و قولي في زيد لا يخالفني فيه أحد من الزيدية .
فقال : و ما مذهبك فيه ?
قال : أثبت من إمامته ما ثبتته الزيدية و أنفي عنه من ذلك ما تنفيه و أقول كان إماما في العلم و الزهد و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر .
و أنفي عنه الإمامة الموجبة لصاحبها العصمة و النص و المعجز فهذا ما لا يخالفني عليه أحد .
ابن الحجاج :
أهلا و سهلا بالأغر *** ابن الميامين الغرر
أهلا و سهلا يا ابن *** زمزم و المشاعر و الحجر
يا ابن الذي لولاه *** ما اقتربت و لا انشق القمر
يا ابن الذي نزلت *** علـيه المحكمات من السور
يا ابن الذي هو و *** النـبي محمد خير البشر
و من استجاز خلاف ذلك *** أو رواه فقد كفر
الرضي :
إذا ذكروه للخلافة لم تزل *** تطلع من شوق رقاب المنابر
إذا عددوا المجد التليد تنحلوا *** علا تتبزي من عقود الخناصر
[261]
جريون إلا أن تهز رماحهم *** ضنينون إلا بالعلى و المفاخر
الميراث : موسى بن عبد الله بن حسن بن حسن و معتب و مصادف موليا الصادق (عليه السلام) في خبر : أنه لما دخل هشام بن الوليد المدينة أتاه بنو العباس و شكوا من الصادق (عليه السلام) أنه أخذ تركات ماهر الخصي دوننا .
فخطب أبو عبد الله فكان مما قال : إن الله تعالى لما بعث رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) و كان أبونا أبو طالب المواسي له بنفسه , و الناصر له .
و أبوكم العباس و أبو لهب يكذبانه , و يوليان عليه شياطين الكفر .
و أبوكم : يبغي له الغوائل , و يقود إليه القبائل في بدر , و كان في أول رعيلها , و صاحب خيلها , و رجلها المطعم يومئذ , و الناصب الحرب له .
ثم قال : فكان أبوكم طليقنا و عتيقنا و أسلم كارها تحت سيوفنا , لم يهاجر إلى الله و رسوله هجرة قط , فقطع الله ولايته منا بقوله : الَّذِينَ آمَنُوا وَ لَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ .
في كلام له , ثم قال هذا مولى لنا مات , فحزنا تراثه , إذ كان مولانا , و لأنا ولد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) , و أمنا فاطمة أحرزت ميراثه .
و استدل الفضل بن شاذان بقوله : وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ .
إذا أوجب الله للأقرب برسول الله الولاية و حكم بأنه أولى من غيره فإن عليا أولى بمقام النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من كل أحد لأن الإمامة فرع الرسالة فأما العباس فإن الله تعالى يذكر الأقرب به دون أن علقه بوصف فقال النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ الآية .
فشرط في الأولى به الإيمان و الهجرة و لم يكن العباس مهاجرا بالإجماع .
ثم إن أمير المؤمنين (عليه السلام) كان أقرب إلى النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من العباس , و أولى بمقامه , إن ثبت أن المقام موروث , و ذلك : أن عليا كان ابن عمه لأبيه و أمه و العباس عمه لأبيه خاصة و من يقرب بسببين كان أقرب ممن يقرب بسبب واحد .
و لو لم تكن فاطمة (عليها السلام) موجودة بعد الرسول لكان علي أحق بتركته من العباس زح>
و لو ورث مع الولد غير الأبوين و الزوج و الزوجة فكان أمير المؤمنين أحق بميراثه مع فاطمة من العباس لما قدمت من انتظام القرابة من جهتين و اختصاص العباس لها من جهة واحدة .
و قال سعيد بن جبير لابن عباس : رجل مات و خلف عمه و ابنته .
قال ابن عباس
[262]
المال بينهما نصفان .
قال سعيد : فما بال فاطمة أحرزت ميراث النبي دون العباس ?
قال : ما أحرزته دونه و قد ورثاه جميعا .
قال : فهل عندك سلاحه ؟ و لامته ؟ و سيفه ؟ و خاتمه ؟ و بغلته ؟ و قضيبه ؟ و غير ذلك من تراثه ?
قال : أما هذا فلا .
قال : فما الذي ورث العباس من رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) .
و سأل المعتصم أحمد بن حنبل : كان أبو بكر أفضل الصحابة أم علي ?
قال : أبو بكر أفضل الصحابة و و علي أفضل أهل البيت .
قال : أ ترجح ابن العم على العم ?
قال : إن حمزة و العباس قالا ذلك لرسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يوم أمر بسد الأبواب .
و سأل الشيخ المفيد عباسي بمحضر أجلتهم :
من كان الإمام بعد النبي (عليه السلام) .
قال : من دعاه العباس أن يمد يده لبيعته على حرب من حارب و سلم من سالم ?
قال : و من هذا ?
قال : علي بن أبي طالب , حيث قال له العباس في اليوم الذي قبض فيه النبي (عليه السلام) بما اتفق عليه أهل النقل ابسط يدك يا ابن أخي أبايعك فيقول الناس عم رسول الله بايع ابن عمه فلا يختلف عليك اثنان .
قال : فما كان الجواب من علي ?
قال : كان الجواب أن النبي (عليه السلام) عهد إلي أن لا أدعو أحدا حتى يأتوني , و لا أجرد سيفا حتى يبايعوني , فإنما أنا كالكعبة أقصد و لا أقصد , و مع هذا فلي برسول الله شغل .
فقال العباسي : كان العباس إذا على خطإ في دعائه إلى البيعة .
قال : لم يخطئ العباس فيما قصد , لأنه عمل على الظاهر و كان عمل أمير المؤمنين على الباطن و كلاهما أصابا الحق .
قال : فإن كان علي هو الإمام بعد النبي فقد أخطأ الشيخان و من تبعهما ?
قال : فإن استعظمت تخطئة من ذكرت فلا بد لك من تخطئة علي و العباس من قبل أنهما تأخرا عن بيعة أبي بكر و لم يرضيا بتقدمه عليهما و لا رآهما أبو بكر و لا عمر أهلا أن يشاركاهما في شيء من أمورهما و خاصة ما صنعه عمر يوم الشورى لما ذكر عليا عابه و وصفه بالدعابة تارة و بالحرص على الدنيا أخرى و أمر بقتله إن خالف عبد الرحمن و جعل الحق في خير عبد الرحمن دونه و فضله عليه و ذكر من يصلح للإمامة في الشورى و من يصلح للاختيار فلم يذكر العباس في أحد الطائفتين و قد أخذ من علي و العباس و جميع بني هاشم الخمس و جعله في السلاح و الكراع فإن كنت أيها الشريف تنشط
[263]
للطعن على علي و العباس بخلافهما للشيخين و تأخرهما عن بيعتهما و ترى من العقد ما سنه الشيخان في التأخير لهما عن شريف المنازل و الحط من أقدارهما فصر إلى ذلك فإنه الضلال .
أبو طالب المحسن الحسيني النصيبي :
و قد كان في الشورى من القوم ستة *** و لم يك للعباس ثم دخول
نفاه أبو حفص و لم يرضه لها أصاب *** أم أخطأ أي ذاك نقول
و جمع المكتفي بين هارون الشاري و أحمد القرمطي صاحب الدكة و قال تناظرا في الإمامة :
فقال الشاري : من الإمام بعد النبي (عليه السلام) ?
قال : علي .
قال : بأي حجة ? فإن كان بالوراثة فالعباس و إن كان بالإجماع فأبو بكر .
فقال القرمطي : أما أبو بكر ما اختلفوا في نزاعه و أنه بايع بعد عراك و لم يبايع هو و أصحابه إلا بعد ما خشوا الفتنة .
فأما العباس فلا يؤم الطلقاء بالمهاجرين .
فقال الشاري صدقت . إلا أنه أحدث ففرق بينهما إلى محبسهما .
نظم :
من ورث المصحف و البغلة *** و السيف جميعا و الرداء
سوى علي المرتضى فطالب *** العباس مولاي بذاك و ادعى
فاحتكما إلى عتيق فرأى *** أن الولاء لعلي فقضى
الرد على الغلاة :
قال الله تعالى لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَ لا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ .
معقل بن يسار : قال النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) رجلان من أمتي لا تنالهما شفاعتي إمام ظلوم غشوم و غال في الدين مارق منه .
الأصبغ ابن نباته : قال أمير المؤمنين (عليه السلام) اللهم إني بريء من الغلاة كبراءة عيسى ابن مريم من النصارى اللهم اخذلهم أبدا و لا تنصر منهم أحدا .
الصادق (عليه السلام) : الغلاة شر خلق الله يصغرون عظمة الله و يدعون الربوبية لعباد الله و الله إن الغلاة لشر من اليهود و النصارى و المجوس و الذين أشركوا .
[264]
و لنا :
فلا تدخلن في الأنبياء عليا *** و في الأوصياء بجهل غلوا
و لا تنسين الذي قاله *** جعلنا لكل نبي عدوا
و كان النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قد أخبر بذلك .
روى أحمد بن حنبل في المسند و أبو السعادات في فضائل العشرة : أن النبي قال : يا علي مثلك في هذه الأمة كمثل عيسى ابن مريم أحبه قوم فأفرطوا فيه و أبغضه قوم فأفرطوا فيه .
قال فنزل الوحي وَ لَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ .
أبو سعد الواعظ في شرف النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) : لو لا إني أخاف أن يقال فيك ما قالت النصارى في المسيح لقلت اليوم فيك مقالة لا تمر بملإ من المسلمين إلا أخذوا تراب نعليك و فضل وضوءك يستشفون به و لكن حسبك أن تكون مني و أنا منك ترثني و أرثك , الخبر . رواه أبو بصير عن الصادق (عليه السلام) .
الألفية :
لو لا مخافة مفتر من أمتي *** ما في ابن مريم يفتري النصراني
أظهرت فيك مناقبا في فضلها *** قلب الأديب يظل كالحيران
و لسارع الأقوام منك لأخذ ما *** وطأته منك من الثرى العقبان
متبركين بذاك ترأمة لهم *** شم المعاطس أي ما رئمان
غيره :
فلو أبصر النساك ما تحت ثوبه *** لهاموا به من طيبه و تمسحوا
أمير المؤمنين (عليه السلام) : يهلك فيّ اثنان محب غال و مبغض قال .
و عنه (عليه السلام) : يهلك في رجلان محب مفرط يقرظني بما ليس لي و مبغض يحمله شنآني على أن يبهتني .
عبد الله بن سنان : أن عبد الله بن سبأ كان يدعي النبوة و يزعم أن أمير المؤمنين هو الله فبلغ ذلك أمير المؤمنين فدعاه و سأله فأقر بذلك و قال أنت هو .
فقال له : ويلك قد سخر منك الشيطان فارجع عن هذا ثكلتك أمك و تب فلما أبى حبسه و استتابه ثلاثة أيام فأحرقه بالنار .