[265]
و روي : أن سبعين رجلا من الزط أتوه (عليه السلام) بعد قتال أهل البصرة يدعونه إلها بلسانهم و سجدوا له .
قال لهم : ويلكم لا تفعلوا إنما أنا مخلوق مثلكم .
فأبوا عليه .
فقال : فإن لم ترجعوا عما قلتم في و تتوبوا إلى الله لأقتلنكم .
قال : فأبوا .
فخد (عليه السلام) لهم أخاديد و أوقد نارا فكان قنبر يحمل الرجل بعد الرجل على منكبه فيقذفه في النار ثم قال :
إني إذا أبصرت أمرا منكرا *** أوقدت نارا و دعوت قنبرا
ثم احتفرت حفرا فحفرا *** و قنبر يخطم خطما منكرا
السيد :
قوم غلوا في علي لا أبا لهم *** و جشموا أنفسا في حبه تعبا
قالوا هو الله جل الله خالقنا *** من أن يكون ابن أم أو يكون أبا
فمن أدار أمور الخلق بينهم *** إذ كان في المهد أو في البطن محتجبا
ثم أحيا ذلك رجل اسمه محمد بن نصير النميري البصري زعم أن الله تعالى لم يظهره إلا في هذا العصر و أنه علي وحده فالشرذمة النصيرية ينتمون إليه و هم قوم إباحية تركوا العبادات و الشرعيات و استحلوا المنهيات و المحرمات و من مقالهم أن اليهود على الحق و لسنا منهم و أن النصارى على ألحق و لسنا منهم .
و لنا :
ذل قوم بنصير انتصروا *** و عموا في أمرهم ما نظروا
أسرفوا في بغيهم و انهمكوا *** ربحوا فيما ترى أم خسروا
فأقر أن في حقهم ما قاله *** كيف يهدي الله قوما كفروا
الرد على السبعية :
اختلفت الأمة بعد النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في الإمامة بين النص و الاختيار فصح لأهل النص من طرق المخالف و المؤالف بأن الأئمة اثنا عشر .
و نبغت السبعية بعد جعفر الصادق (عليه السلام) , و ادعوا دعوى فارقوا بها الأمة بأسرها .
و كان الصادق (عليه السلام) قد نص على ابنه موسى (عليه السلام) , و أشهد على ذلك ابنيه إسحاق ,
[266]
و عليا , و المفضل بن عمر , و معاذ بن كثير , و عبد الرحمن بن الحجاج , و العيص بن المختار , و يعقوب السراج , و حمران بن أعين , و أبا بصير , و داود الرقي , و يونس بن ظبيان , و بريد بن سليط , و سليمان بن خالد , و صفوان الجمال , و الكتب بذلك شاهدة .
و كان الصادق (عليه السلام) أخبره بهذه الفتنة بعده , و أظهر موت إسماعيل , و غسله , و تجهيزه , و دفنه , و تشيع في جنازته بلا حذاء , و أمر بالحج عنه بعد وفاته .
أنفذ أبو جعفر الباقر (عليه السلام) لعكاشة بن محصن الأسدي بصرّه إلى دار ميمون بشراء جارية من صفتها كذا للصادق (عليه السلام) .
فلما أتى النخاس و قال : لا أبيعها إلا بسبعين .
فجعل يفتح الصرة . فقال : لا تفتح . لا تكون حبة أقل منه .
فلما فتح كان كذلك .
قال : فأورد بالجارية إلى الصادق (عليه السلام) , فقال : ما اسمك ?
قالت حميدة .
فقال : حميدة في الدنيا و محمودة في الآخرة . حميدة مصفاة من الأدناس كسبيكة الذهب ما زالت الملائكة تحرسها حتى أديت إلى كرامة من الله لي و للحجة من بعدي .
ثم سألها : أ بكر أنت أم ثيب ?
قالت : بكر .
قال : و أنى تكونين من أيدي النخاسين ?
قالت : لما كان هم بي يأتيه شيخ و ما زال يلطمه على حر وجهه حتى يتركني .
و لما اشتراها النخاس رأتها امرأة من أهل الكتاب و قالت : سيولد منك أعز الخلق على الأرض .
ابن بابويه بالإسناد عن منصور بن حازم قال : كنت جالسا مع أبي عبد الله (عليه السلام) على الباب و معه إسماعيل إذ مر علينا موسى و هو غلام فقال إسماعيل سبق بالخير ابن الأمة .
ابن بابويه بالإسناد عن الوليد بن صبيح قال : رأيت إسماعيل بن جعفر في قوم يشربون فخرجت مغموما فجئت الحجر فإذا إسماعيل متعلق بالبيت يبكي قد بل أستار الكعبة بدموعه فرجعت أسير فإذا إسماعيل جالس مع القوم فرجعت فإذا هو آخذ بأستار الكعبة قد بلها بدموعه قال فذكرت ذلك لأبي عبد الله (عليه السلام) فقال : لقد ابتلي ابني بشيطان يتمثل في صورته . و قد روي : أن الشيطان لا يتمثل في صورة نبي و لا في صورة وصي .
زرارة بن أعين قال : دعا الصادق (عليه السلام) داود بن كثير الرقي و حمران بن أعين و أبا بصير و دخل عليه المفضل بن عمر و أتي بجماعة حتى صاروا ثلاثين رجلا .
فقال : يا داود اكشف عن وجه إسماعيل .
فكشف عن وجهه .
فقال : تأمله يا داود فانظره أ حي هو أم ميت ?
فقال : بل هو ميت .
فجعل يعرض على رجل رجل حتى أتى على آخرهم .
فقال (عليه السلام) اللهم اشهد . ثم أمر بغسله و تجهيزه .
[267]
ثم قال يا مفضل احسر عن وجهه .
فحسر عن وجهه .
فقال : أ حي هو أم ميت انظروه أجمعكم .
فقال : بل يا سيدنا ميت .
فقال : شهدتم بذلك و تحققتموه .
قالوا : نعم .
و قد تعجبوا من فعله .
فقال : اللهم اشهد عليهم .
ثم حمل إلى قبره فلما وضع في لحده .
قال : يا مفضل اكشف عن وجهه .
فكشف .
فقال للجماعة : انظروا أ حي هو أم ميت ?
فقالوا : بل ميت يا ولي الله .
فقال : اللهم اشهد . فإنه سيرتاب المبطلون يريدون ليطفئوا نور الله .
ثم أومأ إلى موسى (عليه السلام) و قال وَ اللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ .
ثم حثوا عليه التراب .
ثم أعاد علينا القول , فقال : الميت المكفن المحنط المدفون في هذا اللحد من هو ?
قلنا : إسماعيل ولدك .
فقال : اللهم اشهد .
ثم أخذ بيد موسى فقال : هو حق و الحق معه و منه إلى أن يرث الله الأرض و من عليها .
عنبسة العابد قال : لما توفي إسماعيل بن جعفر قال الصادق (عليه السلام) : أيها الناس إن هذه الدنيا دار فراق و دار النواء لا دار استواء , في كلام له . ثم تمثل بقول أبي خراش :
فلا تحسبن أني تناسيت عهده *** و لكن صبري يا أميم جميل
ثم قال يا مفضل احسر عن
كهمس في حديثه : حضرت موت إسماعيل و أبو عبد الله (عليه السلام) جالس عنده ثم قال بعد كلام كتب على حاشية الكفن إسماعيل يشهد أن لا إله إلا الله .
و روي عن الصادق (عليه السلام) أنه : استدعى بعض شيعته و أعطاه دراهم و أمره أن يحج بها عن ابنه إسماعيل و قال له إنك إذا حججت عنه لك تسعة أسهم من الثواب و لإسماعيل سهم واحد .
أنشد داود بن القاسم الجعفري :
لما انبرى لي سائلا لأجيبه *** موسى أحق بها أم إسماعيل
قلت الدليل معي عليك و ما *** على ما تدعيه للإمام دليل
موسى أطيل له البقاء فحازها *** إرثا و نصا و الرواة تقول
إن الإمام الصادق بن محمد *** عزى بإسماعيل و هو جديل
و أتى الصلاة عليه يمشي راجلا *** أ فجعفر في وقته معزول
غيره :
سألنا ملحدا إثبات دين *** فعاندنا و مجمج في دليله
[268]
و أرعد ثم أبرق ثم ولى *** و بادر بالمقال إلى خليله
حكمت عليهم بالكفر حقا *** لقد كفروا و صدوا عن سبيله
الرد على الخوارج :
في حلية الأنبياء قال أبو مجلز : قال علي بن أبي طالب عابوا عليّ بحكم الحكمين و و قد حكم الله في طائر حكمين .
إبانة ابن أبي عبد الله بن بطة : ناظر ابن عباس جماعة الحرورية .
فقال : ما ذا نقمتم على أمير المؤمنين .
قالوا : ثلاثا , أنه حكم الرجال في دين الله فكفر .
و أنه قاتل و لم يغنم و لم يسب .
و محا اسمه من إمرة المؤمنين .
فقال : إن الله حكم رجالا في أمر الله مثل قتل صيد فقال يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ .
و في الإصلاح بين زوجين قال وَ إِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَ حَكَماً مِنْ أَهْلِها .
و أما أنه قاتل و لم يغنم : أ فتسبون أمكم عائشة ? ثم تستحلون منها ما يستحل من غيرها ? فلئن فعلتم لقد كفرتم , و هي أمكم , و إن قلتم ليست بأمنا , فقد كذبتم لقوله و أزواجه أمهاتكم .
و أما أنه محا اسمه من إمرة المؤمنين : لقد سمعتم بأن النبي أتاه سهيل بن عمرو و أبو سفيان للصلح يوم الحديبية , فقال اكتب : هذا ما صالح عليه محمد رسول الله , القصة .
وو الله لرسول الله خير من علي و و ما خرج من النبوة بذلك .
فقال بعضهم هذا من الذين قال الله تعالى بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ و قال وَ تُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا احتجاج قريش عليهم قال و رجع منهم خلق كثير .
و ناظر عبد الله بن إباض هشام بن الحكم قبل الرشيد :
فقال هشام : إنه لا مسألة للخوارج علينا .
فقال الإباضي : كيف ذاك ?
قال : لأنكم قوم قد اجتمعتم معنا على ولاية رجل و تعديله و الإقامة بإمامته و فضله ثم فارقتمونا في عداوته و البراءة منه فنحن على إجماعنا و شهادتكم لنا و خلافكم لنا غير قادح في مذهبنا و دعواكم غير مقبولة علينا إذ الاختلاف لا يقابل بالاتفاق و شهادة الخصم لخصمه مقبولة و شهادته عليه مردودة غير مقبولة .
فقال يحيى بن خالد : قد قربت قطعه و لكن جازه شيئا .
فقال هشام : ربما انتهى الكلام إلى حد يغمض و يدق على الأفهام و الإنصاف
[269]
بالواسطة و الواسطة إن كان من أصحابي لم يؤمن عليه العصبية لي و إن كان من أصحابك لم أجبه في الحكم علي و إن كان مخالفا لنا جميعا لم يكن مأمونا علي و لا عليك و لكن يكون رجلا من أصحابي و رجلا من أصحابك فينظران فيما بيننا .
قال : نعم .
فقال هشام : لم يبق معه شيء . ثم قال : إن هؤلاء القوم لم يزالوا معنا على ولاية أمير المؤمنين حتى كان من أمر الحكمين ما كان فأكفروه بالتحكيم و ضللوه بذلك و هذا الشيخ قد حكم رجلين مختلفين في مذهبهما أحدهما يكفره و الآخر يعدله فإن كان مصيبا في ذلك فأمير المؤمنين أولى بالصواب و إن كان مخطئا فقد أراحنا من نفسه بشهادته بالكفر عليها و النظر في كفره و إيمانه أولى من النظر في إكفاره عليا (عليه السلام) فاستحسن الرشيد ذلك و أمر له بجائزة .
قال الطاقي للضحاك الشاري لما خرج من الكوفة محكما و يسمى بإمرة المؤمنين : لم تبرأتم من علي بن أبي طالب و استحللتم قتاله ?
قال : لأنه حكم في دين الله .
قال : و كل من حكم في دين الله استحللتم قتله ?
قال : نعم .
قال : فأخبرني عن الدين الذي جئت به أناظرك عليه لأدخل فيه معك إن علت حجتك حجتي?
قال : فمن يشهد للمصيب بصوابه . لا بد لنا من عالم يحكم بيننا .
قال : لقد حكمت يا هذا في الدين الذي جئت به أناظرك فيه .
قال : نعم .
فأقبل الطاقي على أصحابه فقال : إن هذا صاحبكم قد حكم في دين الله فشأنكم به .
فضربوا الضحاك بأسيافهم .
و قال القاضي التنوخي في جواب ابن المعتز :
و عبت عليا في الحكومة بينه *** و بين ابن حرب في الطعام الأشائب
و قد حكم المبعوث يوم قريظة *** و لا عيب في فعل الرسل لعائب
ابن العودي :
و قالوا علي كان في الحكم ظالما *** ليكثر بالدعوى عليه التظلم
و قالوا دماء الناس ظلما أراقها *** و قد كان في القتلى بريء و مجرم
[270]
فصل في مسائل و أجوبة :
سئل الباقر (عليه السلام) لأي علة ترك أمير المؤمنين (عليه السلام) فدك لما ولى الناس فقال : للإقتداء برسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لما فتح مكة و قد باع عقيل داره فقيل أ لا ترجع إلى دارك فقال و هل ترك عقيل لنا دارا إنا أهل بيت لا نسترجع شيئا يؤخذ منا ظلما .
و في خبر : لأن الظالم و المظلومة قد كانا قدما على رسول الله و أثاب الله المظلومة و عاقب الظالم .
و قال ضرار لهشام بن الحكم : أ لا دعا علي الناس عند وفاة النبي إلى الائتمام به إن كان وصيا ?
قال : لم يكن واجبا عليه لأنه قد دعاهم إلى موالاته و الائتمام به النبي يوم الغدير و يوم تبوك و غيرهما فلم يقبلوا منه و لو كان ذلك جائزا لجاز على آدم أن يدعو إبليس إلى السجود له بعد إذ دعاه ربه إلى ذلك .
ثم إنه صبر كما صبر أولو العزم من الرسل .
و سأل أبو حنيفة الطاقي فقال : لم لم يطلب علي بحقه بعد وفاة الرسول إن كان له حق ?
قال : خاف أن يقتله الجن كما قتلوا سعد بن عبادة بسهم المغيرة بن شعبة .
و قيل لعلي بن ميثم : لم قعد عن قتالهم ?
قال : كما قعد هارون عن السامري و قد عبدوا العجل .
قيل : فكان ضعيفا .
قال : كان كهارون حيث يقول يا ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي .
و كنوح إذ قال أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ .
و كلوط إذ قال لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ .
و كموسى و هارون إذ قال موسى رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَ أَخِي . و هذا المعنى قد أخذه من قول أمير المؤمنين لما اتصل به الخبر أنه لم ينازع الأولين .
فقال (عليه السلام) : لي بستة من الأنبياء أسوة أولهم خليل الرحمن إذ قال وَ أَعْتَزِلُكُمْ وَ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فإن قلتم إنه اعتزلهم من غير مكروه فقد كفرتم و إن قلتم إنه اعتزلهم لما رأى المكروه منهم فالوصي أعذر .
و بلوط إذ قال لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ فإن قلتم إن لوطا كانت له بهم قوة فقد كفرتم و إن قلتم لم يكن له بهم قوة فالوصي أعذر .
و بيوسف إذ قال رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ فإن قلتم طالب بالسجن بغير مكروه يسخط الله فقد كفرتم و إن قلتم إنه دعي إلى ما يسخط الله فالوصي أعذر .
و بموسى إذ قال فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فإن قلتم إنه
[271]
فر من غير خوف فقد كفرتم و إن قلتم فر منهم لسوء أرادوه به فالوصي أعذر .
و بهارون إذ قال لأخيه يا ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَ كادُوا يَقْتُلُونَنِي فإن قلتم لم يستضعفوه و لم يشرفوا على قتله فقد كفرتم و إن قلتم استضعفوه و أشرفوا على قتله فلذلك سكت عنهم فالوصي أعذر .
و بمحمد إذ هرب إلى الغار و خلفني على فراشه و وهبت مهجتي لله فإن قلتم إنه هرب من غير خوف أخافوه فقد كفرتم و إن قلتم إنهم أخافوه فلم يسعه إلا الهرب إلى الغار فالوصي أعذر .
فقال الناس صدقت يا أمير المؤمنين .
العوني :
كم من نبي غدا مستضعفا و له *** ربّ السماوات بالأملاك يردفه
لله في الأرض مكر ليس يأمنه *** إلا كفور شقي الجد مقرفه
و في نهج البلاغة : فنظرت فإذا ليس لي معين إلا أهل بيتي فضننت بهم عن الموت فأغضيت على القذى و شربت على الشجا و صبرت على أخذ الكظم و على أمر من طعم العلقم .
و في الخصال في آداب الملوك أنه قال (عليه السلام) : و لي في موسى أسوة و في خليلي قدوة و في كتاب الله عبرة و فيما أودعني رسول الله برهان و فيما عرفت تبصرة إن تكذبوني فقد كذبوا الحق من قبلي و إن أبتلي به فتلك سربي المحجة البيضاء و السبيل المقضية لمن لزمها من النجاة لم أزل عليها لا ناكلا و لا مبدلا لن أضيع بين كتاب الله و عهد ابن عمي به في كلام له ثم قال :
لن أطلب العذر في قومي و قد جهلوا *** فرض الكتاب و نالوا كلما حرما
حبل الإمامة لي من بعد أحمدنا ..... الأبيات .
و من كلام له (عليه السلام) رواه محمد بن سلام : فنزل بي من وفاة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ما لم تكن الجبال لو حملته لحملته و رأيت أهل بيته بين جازع لا يملك جزعه و لا يضبط نفسه
[272]
و لا يقوى على حمل ما نزل به قد أذهب الجزع صبره و أذهل عقله و حال بينه و بين الفهم و الإفهام و بين القول و الاستماع .
ثم قال : بعد كلام , و حملت نفسي على الصبر عند وفاته و لزمت الصمت و الأخذ فيما أمرني به من تجهيزه , الخبر .
قوله تعالى فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ كان قتل واحدا على وجه الدفع فأصبح في المدينة خائفا فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً * فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ * رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ * رَبِّ إِنِّي أَخافُ فكيف لا يخاف علي و قد وترهم بالنهب و أفناهم بالحصيد و استأسرهم فلم يدع قبيلة من أعلاها إلى أدناها إلا و قد قتل صناديدهم .
مهيار :
تركت أمرا و لو طالبته لدرت *** معاطس راغمته كيف تجتدع
صبرت تحفظ أمر الله ما أطرحوا *** ذبا عن الدين فاستيقظت إذ هجعوا
ليشرقن بحلو اليوم مراغد إذا *** حصدت لهم في الحشر ما زرعوا
قيل لأمير المؤمنين في جلوسه عنهم قال : إني ذكرت قول النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إن القوم نقضوا أمرك و استبدوا بها دونك و عصوني فيك فعليك بالصبر حتى ينزل الأمر فإنهم سيغدرون بك و أنت تعيش على ملتي و تقتل على سنتي من أحبك أحبني و من أبغضك أبغضني و أن هذه ستخضب من هذا .
و سئل الصادق : ما منع عليا أن يدفع أو يمتنع فقال منع عليا من ذلك آية من كتاب الله تعالى لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً أنه كان لله ودائع مؤمنين في أصلاب قوم كفار و منافقين فلم يكن علي ليقتل حتى تخرج الودائع فإذا خرج ظهر على من ظهر و قتله .
ابن حماد :
أ غرك إمهال الإمام لمن بغى عليه *** و من شأن الإمام الرضي المهل
و لو شاء إرسال العذاب إليهم لما *** صده عن ذاك خيل و لا رجل
و لكنه أبقى عليهم لعترة و لو*** هلك الآباء لانقطع النسل
زرارة بن أعين : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) ما منع أمير المؤمنين (عليه السلام) أن
[273]
يدعو الناس إلى نفسه و يجرد في عدوه سفيه فقال لخوف أن يرتدوا فلا يشهدوا أن محمدا رسول الله .
الناشي :
إن الذي قبل الوصية ما أتى *** غير الذي يرضى الإله و ما اعتدى
أصلحت حال الدين بالأمر الذي *** أضحى لحالك في الرئاسة مفسدا
و علمت أنك إن أردت قتالهم *** ولوا عن الإسلام خوفك شردا
فجمعت شملهم بترك خلافهم *** و إن اغتديت من الخلافة مبعدا
لتتم دينا قد أمرت بحفظه *** و جمعت شملا كاد أن يتبددا
و سأل صدقة بن مسلم عمر بن قيس الماصر عن جلوس علي في الدار فقال : إن عليا في هذه الأمة كان فريضة من فرائض الله أداها نبي الله إلى قومه مثل الصلاة و الزكاة و الصوم و الحج و ليس على الفرائض أن تدعوهم إلى شيء إنما عليهم أن يجيبوا الفرائض .
و كان علي أعذر من هارون لما ذهب موسى إلى الميقات فقال لهارون اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَ أَصْلِحْ وَ لا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ فجعله رقيبا عليهم و أن نبي الله نصب عليا لهذه الأمة علما و دعاهم عليه فعلي في غدرهما جلس في بيته و هم في حرج حتى يخرجوه فيضعوه في الموضع الذي وضعه فيه رسول الله فاستحسن منه جعفر الصادق (عليه السلام) .
العوني :
تقول لم لم يقاتلهم هناك على *** حق ليدفع عنه الضيم مرهفه
أم كيف أمهل من لو سل صارمه *** في وجهه لرأيت الطير تخطفه
فقلت من ثبتت في العقل حكمته *** فلا اعتراض عليه حين ينصفه
لم عمر الله إبليسا و سلطه *** على ابن آدم في الآفات يقرفه
لم يمهل الله فرعونا يقول لهم *** إني أنا الله محيي الخلق متلفه
في مجلس لو أراد الله كان به *** و بالأولى نصروه كان يخسفه
أملى لهم فتمادوا في غوايتهم *** إن الغوي كذا الدنيا تسوفه
و هل خلا حجة لله ويحك من *** جبار سوء على البأساء يعطفه
و من كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) و قد سئل عن أمرهما : و كنت كرجل له على الناس
[274]
حق , فإن عجلوا له ما له , أخذه و حمدهم , و إن أخروه أخذه غير محمودين , و كنت كرجل يأخذ بالسهولة و هو عند الناس مخون الهدى بقلة من يأخذه من الناس فإذا سكت فاعفوني .
و قال (عليه السلام) لعبد الرحمن بن عوف يوم الشورى : إن لنا حقا إن أعطيناه أخذنا و إن منعناه ركبنا أعجاز الإبل و إن طال بنا السرى .
و سئل متكلم لم لم يقاتل الأولين على حقه و قاتل الآخرين فقال : لم لم يقاتل رسول الله على إبلاغ الرسالة في حال الغار و مدة الشعب و قاتل بعدهما .
و قال أبان بن تغلب لعبد الله بن شريك لما هزمهم أمير المؤمنين (عليه السلام) يوم الجمل قال : لا تتبعوا مدبرا و لا تجيزوا على جريح و من أغلق بابه فهو آمن فلما كان يوم صفين قتل المدبر و أجاز على الجريح هذه سيرتان مختلفتان .
فقال : إن أهل الجمل قتل طلحة و الزبير و إن معاوية كان قائما بعينه و هو قائدهم .
أبو بكر الحضرمي قال الصادق (عليه السلام) : لسيرة علي بن أبي طالب في أهل البصرة كانت خيرا لشيعته مما طلعت عليه الشمس أنه علم أن للقوم دولة فلو سباهم سبيت شيعته .
و قال بعض النواصب لصاحب الطاق : كان علي يسلم على الشيخين بإمرة المؤمنين أ فصدق أم كذب ?
قال : أخبرني أنت عن الملكين الذين دخلا على داود , فقال أحدهما إن هذا أخي له تسع و تسعون نعجة و لي نعجة واحدة كذب أم صدق ?
فانقطع الناصبي .
و سأل سليمان بن حريز : يا هشام بن الحكم أخبرني عن قول علي لأبي بكر يا خليفة رسول الله أ كان صادقا أم كاذبا ?
فقال هشام : و ما الدليل على أنه قال ? ثم قال : و إن كان قاله فهو كقول إبراهيم إِنِّي سَقِيمٌ .
و كقوله بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ .
و كقول يوسف أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ .
و قال أبو عبيدة المعتزلي لهشام بن الحكم : الدليل على صحة معتقدنا و بطلان معتقدكم كثرتنا و قلتكم مع كثرة أولاد علي و ادعائهم .
فقال هشام : لست إيانا أردت بهذا القول إنما أردت الطعن على نوح حيث لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما يدعوهم إلى النجاة ليلا و نهارا و ما آمن معه إلا قليلا .