و سأل رجل أمير المؤمنين عن الولد ما باله تارة يشبه أباه و أمه و تارة يشبه خاله و عمه .
فقال للحسن ,أجبه .
فقال (عليه السلام) : أما الولد فإن الرجل إذا أتى أهله بنفس ساكنة و جوارح غير مضطربة اعتلجت النطفتان كاعتلاج المتنازعين فإن علت نطفة الرجل نطفة المرأة جاء الولد يشبه أباه و إذا علت نطفة المرأة نطفة الرجل شبه أمه .
و إذا أتاها بنفس منزعجة و جوارح مضطربة غير ساكنة اضطربت النطفتان فسقطتا عن يمنة الرحم و يسرته فإن سقطت عن يمنة الرحم سقطت على عروق الأعمام و العمات فشبه أعمامه و عماته و إن سقطت عن يسرة الرحم سقطت على عروق الأخوال و الخالات فشبه أخواله و خالاته .
فقام الرجل و هو يقول : الله أعلم حيث يجعل رسالته . و روي أنه كان الخضر (عليه السلام) .
و سئل النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كيف تؤنث المرأة و كيف يذكر الرجل ?
قال : يلتقي الماءان فإذا علا ماء المرأة ماء الرجل أنثت و إن علا ماء الرجل ماء المرأة أذكرت .
[54]
و منهم من تكلم في علم المعاملة على طريق السوقية و هم يعترفون أنه الأصل في علومهم و لا يوجد لغيره إلا اليسير حتى قال مشايخهم لو تفرغ إلى إظهار ما علم من علومنا لأغنى في هذا الباب .
و من فرط حكمته : ما روي عن أسامة بن زيد و أبي رافع في خبر : أن جبرئيل نزل على النبي فقال يا محمد أ لا أبشرك بخبيئة لذريتك فحدثه بشأن التوراة و قد وجدها رهط من أهل اليمن بين حجرين أسودين و سماهم له .
فلما قدموا على رسول الله , قال لهم : كما أنتم حتى أخبركم بأسمائكم و أسماء آبائكم و أنتم وجدتم التوراة و قد جئتم بهما معكم .
فدفعوها له و أسلموا .
فوضعها النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عند رأسه ثم دعا الله باسمه فأصبحت عربية ففتحها و نظر فيها ثم رفعها إلى علي بن أبي طالب , و قال هذا ذكر لك و لذريتك من بعدي .
أمير المؤمنين (عليه السلام) في قوله : وَ رُسُلًا قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ.. . .. وَ رُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ بعث الله نبيا أسود لم يقص علينا قصته .
و كتب معاوية إلى أبي أيوب الأنصاري : أما بعد , فحاجيتك بما لا تنسى شيباء .
فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : أخبره أنه من قتلة عثمان , و أن من قتل عنده مثل الشيباء فإن الشيباء لا تنسى قاتل بكرها و لا أبا عذرها أبدا .
و من وفور علمه (عليه السلام) أنه عبر منطق الطير و الوحوش و الدواب .
زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام) : قال أمير المؤمنين علمنا منطق الطير كما علمه سليمان بن داود و كل دابة في بر أو بحر .
[55]
ابن عباس قال : قال علي (عليه السلام) نقيق الديك اذكروا الله يا غافلين , و صهيل الفرس اللهم انصر عبادك المؤمنين على عبادك الكافرين , و نهيق الحمار أن يعلن العشارين و ينهق في عين الشيطان , و نقيق الضفدع سبحان ربي المعبود المسبح في لجج البحار , و أنيق القبرة اللهم العن مبغضي آل محمد .
العبدي :
و علمك الذي علم البرايا *** و ألهمك الذي لا يعلمونا
فزادك في الورى شرفا و عزا *** و مجدا فوق وصف الواصفينا
و روى سعيد بن طريف عن الصادق و روى أبو أمامة الباهلي كلاهما عن النبي في خبر طويل و اللفظ لأبي أمامة : إن الناس دخلوا على النبي و هنوه بمولوده .
ثم قام رجل في وسط الناس , فقال : بأبي أنت و أمي يا رسول الله رأينا من علي عجبا في هذا اليوم .
قال : و ما رأيتم ?
قال : أتيناك لنسلم عليك و نهنيك بمولودك الحسين (عليه السلام) , فحجبنا عنك , و أعلمنا أنه هبط عليك مائة ألف ملك و أربعة و عشرون ألف ملك , فعجبنا من إحصائه و عده الملائكة .
فقال النبي : و أقبل بوجهه إليه متبسما , ما علمك أنه هبط علي مائة و أربعة و عشرون ألف ملك ?
قال : بأبي أنت و أمي يا رسول الله , سمعت مائة ألف لغة و أربعة و عشرين ألف لغة , فعلمت أنهم مائة و أربعة و عشرون ألف ملك .
قال : زادك الله علما و حلما يا أبا الحسن .
الفائق عن الزمخشري : أنه سئل شريح عن امرأة طلقت فذكرت أنها حاضت ثلاث حيضات في شهر واحد فقال شريح إن شهدت ثلاث نسوة من بطانة أهلها أنها كانت تحيض قبل أن طلقت في كل شهر فالقول قولها .
فقال (عليه السلام) : قالون , أي أصبت بالرومية . و هذا إذا اتهمت المرأة .
بصائر الدرجات عن سعد القمي : أن أمير المؤمنين (عليه السلام) حين أتى أهل النهر نزل قطقطا فاجتمع إليه أهل بادوريا فشكوا ثقل خراجهم و كلموه بالنبطية
[56]
و أن لهم جيرانا أوسع أرضا منهم و أقل خراجا فأجابهم بالنبطية : زعر أوطائه من زعر أرباه ; معناه دخن صغير خير من دخن كبير .
و روى أنه قال (عليه السلام) لابنة يزدجرد : ما اسمك ?
قالت : جهانبانويه .
فقال : بل شهربانويه , و أجابها بالعجمية .
و أنه (عليه السلام) قد فسر صوت الناقوس . ذكره صاحب مصباح الواعظ و جمهور أصحابنا عن الحارث الأعور و زيد و صعصعة ابنا صوحان و البراء بن سيره و الأصبغ بن نباتة و جابر بن شرحبيل و محمود بن الكواء أنه قال (عليه السلام) : يقول سبحان الله حقا حقا , إن المولى صمد يبقى , يحلم عنا رفقا رفقا , لو لا حلمه كنا نشقى , حقا حقا صدقا صدقا , إن المولى يسائلنا , و يوافقنا و يحاسبنا , يا مولانا لا تهلكنا , و تداركنا و استخدمنا و استخلصنا , حلمك عنا قد جرأنا , عفوك عنا إن الدنيا قد غرتنا , و اشتغلتنا و استهوتنا و استلهتنا و استفوتنا , يا ابن الدنيا جمعا جمعا , يا ابن الدنيا مهلا مهلا , يا ابن الدنيا دقا دقا , تفنى الدنيا قرنا قرنا , ما من يوم يمضي عنا , إلا يهوي منا ركنا , قد ضيعنا دارا تبقى , و استوطنا دارا تفنى , تفنى الدنيا قرنا قرنا , كلا موتا كلا موتا كلا موتا , كلا دفنا كلا فيها موتا كلا فناء , كلا فيها موتا نقلا نقلا , دفنا دفنا يا ابن الدنيا , مهلا مهلا زن ما يأتي وزنا وزنا , لو لا جهلي ما إن كانت عندي الدنيا إلا سجنا , خيرا خيرا شرا شرا شيئا شيئا , حزنا حزنا ما ذا من ذا كم ذا أم ذا , هذا أسنا ترجو تنجو تخشى تردى , عجل قبل الموت الوزنا , ما من يوم يمضي عنا إلا أوهن منا ركنا , إن المولى قد أنذرنا أنا نحشر عزلا بهما . قال ثم انقطع صوت الناقوس .
فسمع الديراني ذلك و أسلم , و قال إني وجدت في الكتاب أن في آخر الأنبياء من يفسر ما يقول الناقوس .
أجمعوا : على أن خيرة الله من خلقه هم المتقون لقوله إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ ثم أجمعوا على أن خيرة المتقين الخاشعون لقوله وَ أُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ إلى قوله مُنِيبٍ ثم أجمعوا على أن أعظم الناس خشية العلماء لقوله إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ و أجمعوا على أن أعلم الناس أهداهم إلى الحق و أحقهم أن يكون متبعا و لا يكون تابعا لقوله أَ فَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى .
[57]
و أجمعوا : على أن أعلم الناس بالعدل أدلهم عليه و أحقهم أن يكون متبعا و لا يكون تابعا لقوله يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ فدل كتاب الله و سنة نبيه و إجماع الأمة على أن أفضل هذه الأمة بعد نبيها علي (عليه السلام) .
فصل في المسابقة إلى الهجرة :
للصحابة الهجرة ; و أولها :إلى الشعب , و هو شعب أبي طالب و عبد المطلب و الإجماع أنهم كانوا بني هاشم و قال الله تعالى فيهم وَ السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَ الْأَنْصارِ .
و ثانيها هجرة الحبشة : في معرفة النسوي قال : أمرنا رسول الله أن ننطلق مع جعفر إلى أرض النجاشي فخرج في اثنين و ثمانين رجلا .
الواحدي نزل فيهم : إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ حين لم يتركوا دينهم و لما اشتد عليهم الأمر صبروا و هاجروا .
ثالثها للأنصار الأولين : و هم العقبيون بإجماع أهل الأثر و كانوا سبعين رجلا و أول من بايع فيه أبو الهيثم بن التيهان .
و رابعها للمهاجرين إلى المدينة : و السابق فيه مصعب بن عمير و عمار بن ياسر و أبو سلمة المخزومي و عامر بن ربيعة و عبد الله بن جحش و ابن أم مكتوم و بلال و سعد ثم ساروا إرسالا .
قال ابن عباس نزل فيهم : وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ هاجَرُوا وَ جاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَ الَّذِينَ آوَوْا وَ نَصَرُوا أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَ رِزْقٌ كَرِيمٌ وَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَ هاجَرُوا وَ جاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولئِكَ مِنْكُمْ وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ .
ذكر المؤمنين , ثم المهاجرين , ثم المجاهدين , و فضل عليهم كلهم ; فقال وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فعلي (عليه السلام) سبقهم بالإيمان ثم بالهجرة إلى الشعب ثم بالجهاد ثم سبقهم بعد هذه الثلاثة الرتب بكونه من ذوي الأرحام فأما أبو بكر فقد هاجر إلى المدينة إلا أن لعلي مزايا فيها عليه و ذلك أن النبي أخرجه مع نفسه أو خرج هو لعله و ترك عليا للمبيت باذلا مهجته فبذل النفس أعظم من الاتقاء على النفس في الهرب إلى الغار .
و قد روى أبو المفضل الشيباني بإسناده عن مجاهد قال : فخرت
[58]
عائشة بأبيها و مكانه مع رسول الله في الغار فقال عبد الله بن شداد بن الهاد فأين أنت من علي بن أبي طالب حيث نام في مكانه و هو يرى أنه يقتل فسكتت و لم تحر جوابا .
و شتان بين قوله وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ و بين قوله لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا و كان النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) معه يقوى قلبه و لم يكن مع علي و هو لم يصبه وجع و علي يرمى بالحجارة و هو مختف في الغار و علي ظاهر للكفار .
و استخلفه الرسول لرد الودائع لأنه كان أمينا فلما أداها قام على الكعبة فنادى بصوت رفيع يا أيها الناس هل من صاحب أمانة هل من صاحب وصية هل من صاحب عدة له قبل رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ?
فلما لم يأت أحد , لحق بالنبي و كان في ذلك دلالة على خلافته و أمانته و شجاعته .
و حمل نساء الرسول (عليه السلام) خلفه بعد ثلاثة أيام , و فيهن عائشة , فله المنة على أبي بكر بحفظ ولده و لعلي (عليه السلام) المنة عليه في هجرته .
و علي ذو الهجرتين , و الشجاع البائت بين أربعمائة سيف , و إنما أباته على فراشه ثقة بنجدته فكانوا محدقين به إلى طلوع الفجر ليقتلوه ظاهرا فيذهب دمه بمشاهدة بني هاشم قاتليه من جميع القبائل .
قال ابن عباس : فكان من بني عبد شمس عتبة و شيبة ابنا ربيعة بن هشام و أبو سفيان و من بني نوفل طعمة بن عبدي و جبير بن معطم و الحارث بن عمر و من بني عبد الدار النضر بن الحارث و من بني أسد أبو البختري و زمعة بن الأسود و حكيم بن حزام و من بني مخزوم أبو جهل و من بني سهم نبيه و منبه ابنا الحجاج و من بني جمح أمية بن خلف ممن لا يعد من قريش .
و وصى إليه في ماله و أهله و ولده فأنامه و أقامه مقامه و هذا دليل على أنه وصيه .
تاريخ الخطيب و الطبري و تفسير الثعلبي و القزويني في قوله : وَ إِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا و القصة مشهورة , جاء جبرئيل إلى النبي (عليه السلام) فقال له لا تبت هذه الليلة على فراشك الذي كنت تبيت عليه .
فلما كان العتمة اجتمعوا على بابه يرصدونه .
فقال لعلي : نم على فراشي و اتشح ببردي الحضرمي الأخضر , و خرج النبي .
قالوا : فلما دنوا من علي عرفوه .
فقالوا : أين صاحبك ?
فقال : لا أدري , أو رقيب كنت عليه ? أمرتموه
[59]
بالخروج فخرج .
أبي رافع أن النبي (عليه السلام) قال : يا علي إن الله قد أذن لي بالهجرة و إني آمرك أن تبيت على فراشي و إن قريشا إذا رأوك لم يعلموا بخروجي .
الطبري و الخطيب و القزويني و الثعلبي : و نجا الله رسوله من مكرهم و كان مكر الله تعالى بيات علي على فراشه .
عمار و أبو رافع و هند بن أبي هاله : أن أمير المؤمنين (عليه السلام) وثب و شد عليهم بسيفه فانجازوا عنه .
محمد بن سلام في حديث طويل عن أمير المؤمنين : و مضى رسول الله و اضطجعت في مضجعه أنتظر مجيء القوم إليّ حتى دخلوا عليّ , فلما استوى بي و بهم البيت , نهضت إليهم بسيفي , فدفعتهم عن نفسي بما قد علمه الناس .
فلما أصبح (عليه السلام) امتنع ببأسه و له عشرون سنة و أقام بمكة وحده مراغما لأهلها حتى أدى إلى كل ذي حق حقه .
محمد الواقدي و أبو الفرج النجدي و أبو الحسن البكري و إسحاق الطبراني : أن عليا (عليه السلام) لما عزم على الهجرة , قال له العباس إن محمدا ما خرج إلا خفيا و قد طلبته قريش أشد طلب و أنت تخرج جهارا في إناث و هوادج و مال و رجال و نساء و تقطع بهم السباسب و الشعاب من بين قبائل قريش ? ما أرى لك أن تمضي إلا في خفارة خزاعة .
فقال علي (عليه السلام) :
إن المنية شربة مورودة *** لا تنزعن و شد للترحيل
إن ابن آمنة النبي محمدا *** رجل صدوق قال عن جبرئيل
أرخ الزمام و لا تخف من عائق *** فالله يرديهم عن التنكيل
إني بربي واثق و بأحمد *** و سبيله متلاحق بسبيلي
قالوا : فكمن مهلع غلام حنظلة بن أبي سفيان في طريقه بالليل .
فلما رآه
[60]
سل سيفه و نهض إليه , فصاح علي صيحة خر على وجه , و جلله بسيفه .
فلما أصبح , توجه نحو المدينة .
فلما شارف ضجنان أدركه الطلب بثمانية فوارس .
و قالوا : يا غدر أ ظننت أنك ناج بالنسوة .
و كان الله تعالى قد فرض على الصحابة الهجرة , و على علي المبيت , ثم الهجرة .
ثم إنه تعالى قد كان امتحنه بمثل ما امتحن به إبراهيم بإسماعيل و عبد المطلب بعبد الله .
ثم إن التفدية كانت دابة في الشعب فإن كان بات أبو بكر في الغار ثلاث ليال فإن عليا بات على فراش النبي في الشعب ثلاث سنين و في رواية أربع سنين .
العكبري في فضائل الصحابة و الفنجكردي في سلوة الشيعة : أن عليا قال :
وقيت بنفسي خير من وطأ الحصى *** و من طاف بالبيت العتيق و بالحجر
محمد لما خاف أن يمكروا به *** فوقاه ربي ذو الجلال عن المكر
و بت أراعيهم و ما يثبتونني *** و قد صبرت نفسي على القتل و الأسر
و بات رسول الله في الغار آمنا *** و ذلك في حفظ الإله و في ستر
أردت به نصر الإله تبتلا *** و أضمرته حتى أوسد في قبر
الحميري :
و من ذا الذي قد بات فوق فراشه *** و أدنى وساد المصطفى فتوسدا
و خمر منه وجهه بلحافه *** ليدفع عند كيد من كان أكيدا
فلما بدا صبح يلوح تكشفت *** له قطع من حالك اللون أسودا
و دارت به أحراسهم يطلبونه *** و بالأمس ما سب النبي و أوعدا
أتوا طاهرا و الطيب الطهر قد مضى *** إلى الغار يخشى فيه أن يتوردا
فهموا به أن يقتلوه و قد سطوا *** بأيديهم ضربا مقيما و مقعدا
و له :
و ليلة كاد المشركون محمدا *** شرى نفسه لله إذ بت لا تشري
فبات مبيتا لم يكن لمبيته *** ضعيف عمود القلب منتفح السحر
[61]
و له :
باتوا و بات على الفراش ملفقا *** فيرون أن محمدا لم يذهب
حتى إذا طلع الشميط كأنه *** في الليل صفحة خدادهم معرب
ثاروا لإحداج الفراش فصادفت *** غير الذي طلبت أكف الخيب
فوقاه بادرة الحتوف بنفسه *** حذرا عليه من العدو المجلب
حتى تغيب عنهم في مدخل *** صلى الإله عليه من متغيب
و له :
و سرى النبي و خاف أن يسطى به *** عند انقطاع مواثق و معاهد
و أتى النبي فبات فوق فراشه *** متدثرا بدثاره كالراقد
و ذكت عيون المشركين و نطقوا *** أبيات آل محمد بمراصد
حتى إذا ما الصبح لاح كأنه *** سيف تخرق عنه غمد الغامد
ثاروا و ظنوا أنهم ظفروا به *** فتعاوروه و خاب كيد الكائد
فوقاه بادرة الحتوف بنفسه *** و لقد تنول رأسه بجلامد
و له :
و بات على فراش أخيه فردا *** يقيه من العتاة الظالمينا
و قد كمنت رجال من قريش *** بأسياف يلحن إذا انتضينا
فلما أن أضاه الصبح جاءت *** عداتهم جميعا مخلفينا
فلما أبصروه تجنبوه *** و ما زالوا له متجنبينا
ابن علوية :
أ من شرى لله مهجة نفسه *** دون النبي عليه ذا تكلان
هل جاد غير أخيه ثم بنفسه *** فوق الفراش يغط كالنعسان
الصاحب :
هل مثل فعلك في ليل الفراش و قد *** فديت بالروح ختام النبيينا
[62]
المرزكي :
و نام على الفراش له فداء *** و أنتم في مضاجعكم رقود
ابن طوطي :
و لما سرى الهادي النبي مهاجرا *** و قد مكر الأعداء و الله أمكر
و نام علي في الفراش بنفسه *** و بات ربيط الجأش ما كان يذعر
فوافوا بياتا و الدجى متقوض *** و قد لاح معروف من الصبح أشقر
فألفوا أبا شبلين شاكي سلاحه *** له ظفر من صائك الدم أحمر
فصال علي بالحسام عليهم كما *** صال في العريس ليث غضنفر
فولوا سراعا نافرين كأنما *** هم حمر من قسور الغاب تنفر
فكان مكان المكر حيدرة الرضا *** من الله لما كان بالقوم يمكر
الزاهي :
بات على فرش النبي آمنا *** و الليل قد طافت به أحراسه
حتى إذا ما هجم القوم على *** مستيقظ ينصله أشماسه
ثار إليهم فتولوا مزقا *** يمنعهم عن قربه حماسه
الناشي :
وقى النبي بنفس كان يبذلها *** دون النبي قرير العين محتسبا
حتى إذا ما أتاه القوم عاجلهم *** بقلب ليث يعاف الرشد ما وجبا
فسائلوه عن الهادي فشاجرهم *** فخوفوه فلما خافهم وثبا
ابن دريد الأسدي :
أ و لم يبت عنه أبو حسن *** و المشركون هناك ترصده
[63]
متلففا ليرد كيدهم *** و مهاد خير الناس ممهده
فوقى النبي ببذل مهجته *** و بأعين الكفار منجدة
دعبل :
و هو المقيم على فراش محمد *** حتى وقاه كائدا و مكيدا
و هو المقدم عند حومات الندى *** ما ليس ينكر طارفا و تليدا
مهيار :
و أحق بالتمييز عند محمد *** من كان منهم منكبيه راقيا
من بات عنه موقيا حوباؤه *** حذر العدا فوق الفراش و فاديا
العبدي :
ما لعلي سوى أخيه محمد *** في الورى نظير
فداه إذ أقبلت قريش *** عليه في فرشه الأمير
وافاه في خم و ارتضاه *** خليفة بعده وزير
الأجل المرتضى :
و هو الذي ما كان دين ظاهر *** في الناس لو لا رمحه و حسامه
و هو الذي لا يقتضي في موقف *** إقدامه نكص به أقدامه
و وقى الرسول على الفراش بنفسه *** لما أراد حمامه أقوامه
ثانية في كل الأمور و حصنه *** في البائنات و ركنه و دعامه
لله در بلائه و دفاعه *** فاليوم يغشى الدالعين قتامه
و كأنما أجم العوالي غيلة *** و كأنما هو بينه ضرغامه
طلبوا مداه ففاتهم سبقا إلى *** أمد يشق على الرجال مذامه
[64]
العوني :
أبن لي من كان المقدم في الوغى *** بمهجته عن وجه أحمد دافعا
أبن لي من في القوم جدل مرحبا *** و كان لباب الحصن بالكف قالعا
و من باع منهم نفسه واقيا بها *** نبي الهدى في الفرش أفديه يافعا
و قد وقفوا طرا بجنب مبيته *** قريش تهز المرهفات القواطعا
و مولاي يقظان يرى كل فعلهم *** فما كان مجزاعا من القوم فازعا
شاعر :
و ليلته في الفرش إذ صمدت له *** عصائب لا نالوا عليه انهجامها
فلما تراءوا ذا الفقار بكفه *** أطار بها خوف الردى و أهامها
و كم كربة عن وجه أحمد لم يزل *** يفرجها قدما و ينفي اهتمامها
كلما كانت المحنة أغلظ كان الأجر أعظم و أدل على شدة الإخلاص و قوة البصيرة و الفارس يمكنه الكر و الفر و الروغان و الجولان و الراجل قد ارتبط روحه و أوثق نفسه و الحج بدنه محتسبا صابرا على مكروه الجراح و فراق المحبوب فكيف النائم على الفراش بين الثياب و الرياش .
نزل قوله وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ في علي (عليه السلام) حين بات على فراش رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) رواه إبراهيم الثقفي و الفلكي الطوسي بالإسناد عن الحكم عن السدي و عن أبي مالك عن ابن عباس و رواه أبو المفضل الشيباني بإسناده عن زين العابدين (عليه السلام) و عن الحسن البصري عن أنس و عن أبي زيد الأنصاري عن أبي عمرو بن العلاء و رواه الثعلبي عن ابن عباس و السدي و معبد : أنها نزلت في علي (عليه السلام) بين مكة و المدينة لما بات على فراش رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) .
فضائل الصحابة عن عبد الملك العكبري و عن أبي المظفر السمعاني بإسنادهم عن علي بن الحسين (عليه السلام) قال : أول من شرى نفسه لله علي بن أبي طالب كان المشركون يطلبون رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقام من فراشه و انطلق هو و أبو بكر و اضطجع علي على فراش رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فجاء المشركون فوجدوا عليا و لم يجدوا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) .
الثعلبي في تقسيره و ابن عقب في ملحمته و أبو السعادات في فضائل العشرة
[65]
و الغزالي في الأحياء و في كيمياء السعادة أيضا برواياتهم عن أبي اليقظان و جماعة من أصحابنا و من ينتمي إلينا نحو ابن بابويه و ابن شاذان و الكليني و الطوسي و ابن عقدة و البرقي و ابن فياض و العبدلي و الصفواني و الثقفي بأسانيدهم عن ابن عباس و أبي رافع و هند بن أبي هاله أنه قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) : أوحى الله إلى جبرئيل و ميكائيل إني آخيت بينكما و جعلت عمر أحدكما أطول من عمر صاحبه فأيكما يؤثر أخاه ?