فأنشأ الوليد بن عقبة :
يقول لنا معاوية بن حرب *** أ ما فيكم لواتركم طلوب
يشد على أبي حسن علي *** بأسمر لا تهجنه الكعوب
فقلت له أ تلعب يا ابن *** هند , فإنك بيننا رجل غريب
أ تأمرنا بحية بطن واد *** يتاح لنا به أسد مهيب
كان الخلق لما عاينوه *** خلال النقع ليس لهم قلوب
فقال عمرو : و الله ما يعير أحد بفراره من علي بن أبي طالب .
و لما نعي بقتل
[86]
أمير المؤمنين , دخل عمرو بن العاص على معاوية مبشرا , فقال : إن الأسد المفترش ذراعيه بالعراق لاقى شعوبه .
فقال معاوية :
قل للأرانب تربع حيث ما سلكت *** و للظباء بلا خوف و لا حذر
الصاحب :
أسد و لكن الكلاب *** تعاورته بالنباح
لم تعرفوا لضلالهم *** فضل الزئير على الضباح
أبو العلاء السروي :
تخاله أسدا يحمى العرين إذا *** يوم الهياج بأبطال الوغى رجفا
يظله النصر و الرعب اللذان هما *** كانا له عادة إذ سار أو وقفا
شواهد فرضت في الخلق طاعته *** برغم كل حسود مال و انحرفا
و قد أسر يزيد بن ركانة أشجع العرب و عمرو بن معديكرب حتى فتح الله به بلاد العجم و قتل بنهاوند .
السوسي :
فتى قد عمرا حين خندقهم عبر *** و ساق بن معدي بالعمامة إذ أسر
مهيار :
و تفكروا في أمر عمرو أولا *** و تفكروا في أمر عمرو ثانيا
أسدان كانا من فرائس صيده *** و لقلما هابا سواه مناديا
الناشي :
وافى علي و عمرو في وقائعه *** حتى إذا ما رآه حار و اضطربا
و استعمل الصمت حتى لامه عمر *** فقال يومئ إليه و هو قد رعبا
هذا أحاديثه من عظمها أكلت *** كل الأحاديث حتى أنه رهبا
هذا الذي ترك الألباب حائرة *** و أبلس العجم بالأقدام و العربا
في كفه كنت مأسورا فاطلقني *** فقد غدوت على شكري له حدبا
[87]
أبو السعادات في فضائل العشرة روى : أن عليا (عليه السلام) كان يحارب رجلا من المشركين .
فقال المشرك : يا ابن أبي طالب هبني سيفك .
فرماه إليه .
فقال المشرك : عجبا يا ابن أبي طالب في مثل هذا الوقت تدفع إلي سيفك ?
فقال : يا هذا إنك مددت يد المسألة إلي , و ليس من الكرم أن يرد السائل .
فرمى الكافر نفسه إلى الأرض , و قال : هذه سيرة أهل الدين فباس قدمه و أسلم .
و قال له جبرئيل لا سيف إلا ذو الفقار و لا فتى إلا علي .
و روى الخلق : أن يوم بدر لم يكن عند الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ماء فمر علي يحمل الماء إلى وسط العدو و هم على بئر بدر فيما بينهم .
و جاء إلى البئر , و نزل , و ملأ السطيحة , و وضعها على رأس البئر ; فسمع حسا و أشار لمن يقصده , فبرك في البئر .
فلما سكن صعد , فرأى الماء مصبوبا .
ثم نزل ثانيا , فكان مثل ذلك .
فنزل ثالثا , و حمل الماء , و لم يصعد به ; بل صعد به حاملا للماء .
فلما حمل إلى النبي ضحك النبي في وجهه , و قال : أنت تحدث أو أنا ?
فقال : بل أنت يا رسول الله , فكلامك أحلى .
فقص عليه , ثم قال له : كان ذلك جبرئيل يجرب و يرى الملائكة ثبات قلبك .
ابن رزيك :
ما جردت من علي ذا الفقار يد *** إلا و أغمده في هامة البطل
لم يقترب يوم حرب للكمي به *** إلا و قرب منه مدة الأجل
كم كربة لأخيه المصطفى فرجت *** به , و كان رهين الحادث الجلل
محمد بن أبي السري التميمي عن أحمد بن الفرج عن النهدي عن وبرة عن ابن عباس قال : لما خرج النبي (عليه السلام) إلى بني المصطلق نزل بقرب وادي وعر .
فلما كان آخر الليل هبط عليه جبرئيل يخبره أن كفارا من الجن قد استبطنوا الوادي يريدون كيده .
فدعا أمير المؤمنين (عليه السلام) و قال اذهب إلى هذا الوادي و نفذ معه مائة رجل من أخلاط الناس , و قال لهم كونوا معه و امتثلوا أمره .
فتوجه إلى الوادي , فلما قارب شفيره ; أمر أصحابه أن يقفوا بقرب الشفير و لا يحدثوا شيئا حتى يأذن لهم .
ثم تقدم فوقف على شفير الوادي و تعوذ بالله من أعدائه , و سماه بأحسن أسمائه , ثم أمر أصحابه أن يقربوا منه .
[88]
ثم أمر بالهبوط إلى الوادي .
فاعترضت ريح عاصف كاد القوم يقعون على وجوههم لشدتها .
فصاح أنا علي بن أبي طالب بن عبد المطلب وصي رسول الله و ابن عمه اثبتوا إن شئتم .
و ظهر أشخاص مثل الزط يخيل في أيديهم شعل النار , و قد اطمأنوا بجنبات الوادي .
فتوغل أمير المؤمنين بطن الوادي و هو يتلو القرآن , و يومئ بسيفه يمينا و شمالا فما لبث الأشخاص حتى صارت كالدخان الأسود . و كبر أمير المؤمنين , ثم صعد .
فقال : كفى الله كيدهم , و كفى المسلمين شرهم , و سيسبقني بقيتهم إلى النبي فيؤمنوا به .
قال : فلما وافى النبي , قال له : لقد سبقك يا علي إلي من أخافه الله بك فأسلم .
و هذا كما رويتم عن ابن مسعود قصة ليله الجن و تصح محاربة الجن بأسماء الله تعالى .
أبو الفتح محمد السابوري :
و في الجن فضل و في حرفهم *** أعاجيب علم لمستعلم
أبو الحسن البياضي :
من قاتل الجن غير حيدرة *** و صاح فيهم بصوت الجهور
فصوته قد علا عزيفهم إذ *** قال هات الحسام يا قنبر
فانهزموا ثم مزقت شيعا *** منه العفاريت خيفة تذعر
أبو الحسن الأسود :
من قاتل الجن الطغاة فأسلموا *** في البئر كرها يا أولي الألباب
من هز خيبر هزة فتساقطت *** أبراجها لما دحى بالباب
محمد بن إسحاق عن يحيى بن عبد الله بن الحارث عن أبيه عن ابن عباس و أبو عمرو عثمان بن أحمد عن محمد بن هارون بإسناده عن ابن عباس في خبر طويل : إنه أصاب الناس عطش شديد في الحديبية .
فقال النبي : هل من رجل يمضي مع السقاة إلى بئر ذات العلم فيأتينا بالماء ? و أضمن له على الله الجنة .
فذهب جماعة فيهم سلمة بن الأكوع , فلما دنوا من الشجرة و البئر ; سمعوا حسا و حركة شديدة و قرع
[89]
طبول و رأوا نيرانا تتقد بغير حطب .
فرجعوا خائفين.
ثم قال : هل من رجل يمضي مع السقاة فيأتينا بالماء ? أضمن له على الله الجنة .
فمضى رجل من بني سليم و هو يرتجز :
أ من عزيف ظاهر نحو السلم *** ينكل من وجهه خير الأمم
من قبل أن يبلغ آبار العلم *** فيستقي و الليل مبسوط الظلم
و يأمن الذم و توبيخ الكلم
فلما وصلوا إلى الحس رجعوا وجلين .
فقال النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) : هل من رجل يمضي مع السقاة إلى البئر ذات العلم فيأتينا بالماء ? أضمن له على الله الجنة .
فلم يقم أحد .
و اشتد بالناس العطش , و هم صيام .
ثم قال لعلي (عليه السلام) : سر مع هؤلاء السقاة حتى ترد بئر ذات العلم و تستقي و تعود إن شاء الله .
فخرج علي قائلا :
أعوذ بالرحمن أن أميلا *** من عزف جن أظهروا تأويلا
و أوقدت نيرانها تغويلا *** و قرعت مع عزفها طبولا
قال : فداخلنا الرعب , فالتفت علي إلينا , و قال : اتبعوا أثري و لا يفزعنكم ما ترون و تسمعون فليس بضائركم إن شاء الله .
ثم مضى , فلما دخلنا الشجر , فإذا بنيران تضطرم بغير حطب , و أصوات هائلة و رءوس مقطعة لها ضجة , و هو يقول : اتبعوني و لا خوف عليكم , و لا يلتفت أحد منكم يمينا و لا شمالا .
فلما جاوزنا الشجرة و وردنا الماء , فأدلى البراء بن عازب دلوة في البئر فاستقى دلوا أو دلوين .
ثم انقطع الدلو فوقع في القليب و القليب ضيق مظلم بعيد القعر .
فسمعنا من أسفل القليب قهقهة و ضحكا شديدا .
فقال علي : من يرجع إلى عسكرنا فيأتينا بدلو و رشاء ?
فقال أصحابه : لن نستطيع ذلك .
فاتزر بمئزر , و نزل في القليب , و ما تزداد القهقهة إلا علوا , و جعل ينحدر في مراقي القليب إذ زلت رجله فسقط فيه , فسمعنا وجبة شديدة و اضطرابا و غطيطا كغطيط المخنوق .
ثم نادى : الله أكبر , الله أكبر , أنا عبد الله , و أخو رسول الله , هلموا قربكم فأقعمها و أصعدها على عتقه شيئا فشيئا ; و مضى بين أيدينا فلم نر شيئا .
فسمعنا صوتا :
أي فتى ليل أخي روعات *** و أي سباق إلى الغايات
لله در الغرر السادات *** من هاشم الهامات و القامات
[90]
مثل رسول الله ذي الآيات *** أو كعلي كاشف الكربات
كذا يكون المرء في الحاجات
فارتجز أمير المؤمنين (عليه السلام) :
الليل هول يرهب المهيبا *** و يذهل المشجع اللبيبا
فإنني أهول منه ذيبا *** و لست أخشى الروع و الخطوبا
إذا هززت الصارم القضيبا *** أبصرت منه عجبا عجيبا
و انتهى إلى النبي و له زجل .
فقال رسول الله : ما ذا رأيت في طريقك يا علي ?
فأخبره بخبره كله .
فقال : إن الذي رأيته مثل ضربه الله لي و لمن حضر معي في وجهي هذا .
قال علي (عليه السلام) : اشرحه لي يا رسول الله .
فقال (صلّى الله عليه وآله وسلّم) : أما الرءوس التي رأيتهم لها ضجة و لألسنتها لجلجة فذلك مثل قوم معي يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم و لا يقبل الله منهم صرفا و لا عدلا و لا يقيم لهم يوم القيامة وزنا .
و أما النيران بغير حطب ففتنة تكون في أمتي بعدي القائم فيها و القاعد سواء لا يقبل الله لهم عملا و لا يقيم لهم يوم القيامة وزنا .
و أما الهاتف الذي هتف بك , فذاك سلقعة , و هو سملقة بن غراف الذي قتل عدو الله مسعرا شيطان الأصنام الذي كان يكلم قريشا منها و يشرع في هجاي .
عبد الله بن سالم : أن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بعث سعد بن مالك بالروايا يوم الحديبية فرجع رعبا من القوم ثم بعث عليا (عليه السلام) فاستسقى ثم أقبل بها إلى النبي فكبر و دعا له بخير .
العبدي :
من قاتل الجن في القليب ترى *** من قلع الباب ثم أدحاها
من كان في الحرب فارس بطل *** أشدهم ساعدا و أقواها
أبو الحسين بويه :
من قاتل الجن على الماء و من *** ردت له الشمس فصلى و سرى
العوني :
علي هبط الجب *** و جنح الليل كالقار
[91]
السروجي :
و البئر لما عندها محمد *** حل و للبئر لهيب قد سعر
و أدلى الوارد منها دلوة *** فعاد مقطوعا إلى حيث انحدر
و أظهرت نار فولى هاربا *** عنها و في أعقابه رمى الحجر
فعندها وافى وصي أحمد *** صلى عليه من عفا و من غفر
و مر فيها نازلا حتى إذا *** صار إلى النصف به الحبل انبتر
فطال فيها لبثه ثم ارتقى *** لسانه القرآن يقرأ و السور
فاغترف الناس و أسقى و سقى *** و الماء فيه من دم الجان عكر
و هل ثبت مثل ذلك لكرد من الفرس مثل رستم و إسفنديار و كشتاسف و بهمن أو لفرسان من العرب مثل عنتر العيسي و عامر بن الطفيل و عمرو بن عبد ود أو لمبارز من الترك مثل أفراسياب و شبهه فهو الفارس الذي يفرق العسكر كفرق الشعر و يطويهم كطي السجل الحرب دأبه و الجد آدابه و النصر طبعه و العدو غنمه جري خطار و جسور هصار ما لسيفه إلا الرقاب قراب إنه لو حضر لكفى الحذر و يقال له غالب كل غالب علي بن أبي طالب .
بيت :
و قد رويتم علي كان أشجعه *** و أشجع الجمع بالأعداد أثقفه
السروجي :
فقلت أما علي آية خلقت *** و الله أظهرها للناس في رجل
مخيفة بعلي ثم ألحقها *** بذي الفقار و فيه قبضة الأجل
ما سله و رحاء الحرب دائرة *** إلا و أغمدة في هامة البطل
ما صاح في الجيش صوتا ثم أتبعه*** أنا علي تولى الجيش منجفل
الزاهي :
هذا الذي أردى الوليد و عتبة *** و العامري و ذا الخمار و مرحبا
[92]
هذا الذي هشمت يداه فوارسا *** قسرا و لم يك خائفا مترقبا
في كل منبت شعرة من جسمه *** أسد يمد إلى الفريسة مخلبا
دعبل :
سنان محمد في كل حرب *** إذ أنهلت صدور السمهري
و أول من يجيب إلى براز *** إذا زاغ الكمي عن الكمي
مشاهد لم تفل سيوف تيم *** بهن و لا سيوف بني عدي
ابن حماد :
ذاك الفتي النجد الذي إذا بدا بمعرك ألقت له فتيانه
ليث لو الليث الجري خاله *** أطار من هيبته جنانه
ذاك الشجاع إذ بدا بمعرك *** تفرقت من خوفه شجعانه
تبكي الطلا إن ضحكت أسيافه *** و يرتوي إن عطشت سنانه
صقر و لكن صيده صيد الوغى *** ليث و لكن فرسه فرسانه
ترى سباع البيد تقفوا أثره *** لأنها يوم الوغى ضيفانه
يقرن أرواح الكمأة بالردي *** كذاك خاضت دونه أقرانه
و كم كمي قد سقاه في الوغى *** و ليس تخبو للقرى نيرانه
و من قوله :
مجلي الكرب يوم الحرب *** في بدر و في أحد
إذ الهيجاء هاج لها *** بقلب غير مرتعد
ترى الأبطال باطلة *** لخوف الفارس الأسد
فأنفسهم مودعة لها *** بتنفس الصعد
و قد خنقوا لخيفته *** فلست تحس من أحد
[93]
فلا صوت بغير البيض *** فوق البيض و الزرد
سقى عمرا منيته و *** عمرا قاد في الصفد
أمير النحل مولى الخلق*** غير الواحد الصمد
فلن تلد النساء شبها *** له كلا و لم تلد
شبيه المصطفى في الفضل *** لم ينقص و لم يزد
جرهمة الأنصارية :
صهر النبي فذاك الله أكرمه *** إذا اصطفاه و ذاك الصبر مدخر
لا يسلم القرن منه إن ألم به *** و لا يهاب و إن أعداءه كثروا
من رام صولته أفنت منيته *** لا يدفع الثكل عن أقرانه الحذر
فصل في المسابقة بالزهد و القناعة :
المعروفون من الصحابة بالورع علي و أبو بكر و عمر و ابن مسعود و أبو ذر و سلمان و عمار و المقداد و عثمان بن مظعون و ابن عمر .
و معلوم أن أبا بكر توفي و عليه لبيت مال المسلمين نيف و أربعون ألف درهم .
و عمر مات و عليه نيف و ثمانون ألف درهم .
و عثمان مات و عليه ما لا يحصى كثرة .
و علي مات و ما ترك إلا سبعمائة درهم فضلا عن عطائه أعدها لخادم .
السوسي :
من فارق الدنيا *** و ما أفاد منها درهما
و لم يكن كغيره *** مستأكلا متهما
و قد ثبت زهده أنه لم يحفل بالدنيا و لا الرئاسة فيها دون أن عكف على غسل رسول الله و تجهيزه و قول أولئك منا أمير و منكم أمير إلى أن تقمصها أبو بكر و قال الله تعالى إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ و قال تعالى لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا الآية و اجتمعت الأمة على أنه من فقراء المهاجرين و أجمعوا على أن أبا بكر كان
[94]
غنيا و كان (عليه السلام) جلي الصفحة نقي الصحيفة ناصح الجيب تقي الذيل عذب المشرب عفيف المطلب لم يتدلس بحطام و لم يتلبس بأثام و قد شهد النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بزهده .
قوله علي لا يرزأ من الدنيا و لا ترزأ الدنيا منه .
أمالي الطوسي في حديث عمار : يا علي إن الله قد زينك بزينة لم يزين العباد بزينة أحب إلى الله منها زينك بالزهد في الدنيا و جعلك لا تزرأ منها شيئا و لا تزرأ منك شيئا و وهبك حب المساكين فجعلك ترضى بهم أتباعا و يرضون بك إماما .
اللؤلؤيات قال عمر بن عبد العزيز : ما علمنا أحدا كان في هذه الأمة أزهد من علي بن أبي طالب بعد النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) .
قوت القلوب قال ابن عيينة : أزهد الصحابة علي بن أبي طالب .
سفيان بن عيينة عن الزهري عن مجاهد عن ابن عباس : فَأَمَّا مَنْ طَغى وَ آثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا هو علقمة بن الحارث بن عبد الدار وَ أَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ علي بن أبي طالب خاف فانتهى عن المعصية و نهى عن الهوى نفسه فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى خاصا لعلي و من كان على منهاجه هكذا عاما .
قتادة عن الحسن عن ابن عباس في قوله : إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفازاً هو علي بن أبي طالب سيد من اتقاه عن ارتكاب الفواحش ثم ساق التفسير إلى قوله جَزاءً مِنْ رَبِّكَ لأهل بيتك خاصا لهم و للمتقين عاما .
تفسير أبي يوسف يعقوب بن سفيان عن مجاهد و ابن عباس : إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَ عُيُونٍ من اتقى الذنوب علي بن أبي طالب و الحسن و الحسين في ظلال من الشجر و الخيام من اللؤلؤ طول كل خيمة مسيرة فرسخ في فرسخ ثم ساق الحديث إلى قوله إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ المطيعين لله أهل بيت محمد في الجنة .
و جاء في تفسير قوله تعالى : إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَ الَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ علي بن أبي طالب .
الحلية قال سالم بن الجعد : رأيت الغنم تبعر في بيت المال في زمن أمير المؤمنين (عليه السلام) .
و فيها عن الشعبي قال : كان أمير المؤمنين (عليه السلام) ينضحه و يصلي فيه .
[95]
و روى أبو عبد الله بن حمويه البصري بإسناده عن سالم الجحدري قال : شهدت علي بن أبي طالب أتي بمال عند المساء .
فقال :اقتسموا هذا المال .
فقالوا : قد أمسينا يا أمير المؤمنين , فأخره إلى غد .
فقال لهم : تقبلون لي أن أعيش إلى غد ?
قالوا : ما ذا بأيدينا .
فقال : لا تؤخروه حتى تقسموه .
و يروي : أنه كان يأتي عليه وقت لا يكون عنده قيمة ثلاثة دراهم يشتري بها إزارا و ما يحتاج إليه .
ثم يقسم كل ما في بيت المال على الناس .
ثم يصلي فيه , و يقول :الحمد لله الذي أخرجني منه كما دخلته .
و روى أبو جعفر الطوسي : أن أمير المؤمنين (عليه السلام) قيل له أعط هذه الأموال لمن يخاف عليه من الناس و فراره إلى معاوية .
فقال (عليه السلام) : أ تأمروني أن أطلب النصر بالجور ? لا و الله لا أفعل ما طلعت شمس و ما لاح في السماء نجم ; و الله لو كان مالهم لي لواسيت بينهم و كيف و إنما هي أموالهم .
و أتي إليه بمال فكوم كومة من ذهب و كومة من فضة و قال يا صفراء اصفري يا بيضاء ابيضي و غري غيري .
هذا جناي و خياره فيه *** و كل جان يده إلى فيه
العبدي :
و كان يقول يا دنياي غري *** سواي فلست من أهل الغرور
و له :
لم يشتمل قلبه الدنيا بزخرفها *** بل قال غري سواي قول محتقر
الباقر (عليه السلام) في خبر و لقد ولي خمس سنين , و ما وضع آجرة على آجرة , و لا لبنة على لبنة , و لا أقطع قطيعا , و لا أورث بيضا و لا حمرا .
ابن بطة عن سفيان الثوري أن عينا نبعت في بعض ماله فبشر بذلك فقال (عليه السلام) بشر الوارث و سماها عين ينبع .
ابن حماد :
لقد نبعت له عين فظلت *** تفور كأنها عنق البعير
فوافاه البشير بها مغذا *** فقال علي أبشر يا بشيري
[96]
فقد صيرتها وقفا مباحا *** لوجه الله ذي العز الغدير
الفائق عن الزمخشري أن عليا (عليه السلام) اشترى قميصا فقطع ما فضل عن أصابعه ثم قال للرجل حصة أي خط كفافه .
خصال الكمال عن أبي الحسن البلخي : أنه اجتاز بسوق الكوفة فتعلق به كرسي فتخرق قميصه فأخذه بيده .
ثم جاء به إلى الخياطين , فقال : خيطوا لي ذا , بارك الله فيكم .
الأشعث العبدي قال : رأيت عليا اغتسل في الفرات يوم جمعة ثم ابتاع قميصا كرابيس بثلاثة دراهم فصلى بالناس الجمعة و ما خيط جربانه بعد .
عن شبيكة قال : رأيت عليا يأتزر فوق سرته و يرفع إزاره إلى إنصاف ساقيه .
الصادق (عليه السلام) : كان علي (عليه السلام) يلبس القميص الزابي ثم يمد يده فيقطع مع أطراف أصابعه .
و في حديث عبد الله بن الهذيل : كان إذا مده بلغ الظفر و إذا أرسله كان مع نصف الذراع .
علي بن ربيعة : رأيت عليا يأتزر فرأيت عليه ثيابا, فقلت له : في ذلك .
فقال : و أي ثوب أستر منه للعورة و أنشف للعرق .
و في فضائل أحمد : رئي علي (عليه السلام) إزار غليظ اشتراه بخمسة دراهم و رئي عليه إزار مرقوع , فقيل له : في ذلك .
فقال (عليه السلام) : يقتدي به المؤمنون و يخشع له القلب و تذل به النفس و يقصد به المبالغ و في رواية : أشبه بشعار الصالحين و في رواية : أحصن لفرجي و في رواية : هذا أبعد لي من الكبر و أجدر أن يقتدي به المسلم .
مسند أحمد أنه : قال الجعدي بن نعجة الخارجي اتق الله يا علي إنك ميت .
قال : بل و الله قتلا , ضربة على هذا قضاء مقضيا و عهدا معهودا و قد خاب من افترى .
و كان كمه لا يجاوز أصابعه و يقول ليس للكمين على اليدين فضل .
و نظر (عليه السلام) إلى فقير انخرق كم ثوبه فخرق كم قميصه و ألقاه إليه .
أمير المؤمنين : ما كان لنا إلا إهاب كبش أبيت مع فاطمة بالليل و يعلف عليها الناضح .
مسند الموصلي الشعبي عن الحارث عن علي (عليه السلام) قال : ما كان ليلة أهدت لي
[97]
فاطمة شيء ينام عليه إلا جلد كبش .
و اشترى (عليه السلام) ثوبا فأعجبه فتصدق به .
الغزالي في الإحياء : كان علي بن أبي طالب يمتنع من بيت المال حتى يبيع سيفه و لا يكون له إلا قميص واحد في وقت الغسل لا يجد غيره .
و رأى عقيل بن عبد الرحمن الخولاني عليا (عليه السلام) : جالسا على بردعة حمار مبتلة , فقال لأهله : في ذلك .
فقالت : لا تلوموني فو الله ما يرى شيئا ينكره إلا أخذه و طرحه في بيت المال .
فضائل أحمد قال زيد بن محجن قال علي : من يشتري سيفي هذا فو الله لو كان عندي ثمن إزار ما بعته .