قال : إن لنا فيه حقا , فإذا أعطيتناه رددناه .
قال : فداك أبوك , و إن كان لك فيه حق فليس لك أن تنتفع بحقك قبل أن ينتفع بحقوقهم , لو لا إني رأيت رسول الله يقبل ثنيتك لأوجعتك ضربا .
ثم دفع إلى قنبر درهما , و قال اشتر به أجود عسل تقدر عليه .
قال الراوي فكأني أنظر إلى يدي علي (عليه السلام) على فم الزق و قنبر يقلب العسل فيه ثم شده , و يقول : اللهم اغفرها للحسن فإنه لا يعرف .
[108]
التهذيب : قال علي بن رافع و كان علي مال أمير المؤمنين (عليه السلام) : أخذت مني ابنته عقد لؤلؤ عارية مضمونة مردودة بعد ثلاثة أيام في أيام الأضحى فرآه عليها , فعرفه .
و قال لي : أ تخون المسلمين ?
فقصصت عليه , و قلت قد ضمنته من مالي .
فقال : رده من يومك هذا , و إياك أن تعود لمثل هذا فتنالك عقوبتي , ثم قال لو كانت ابنتي أخذت هذا العقد على غير عارية مضمونة لكانت إذا أول هاشمية قطعت يدها على سرقة .
فقالت ابنته في ذلك مقالا .
فقال : يا بنت علي بن أبي طالب , لا تذهبن بنفسك عن الحق , أ كل نساء المهاجرين تتزين في هذا العيد بمثل هذا .
فضائل أحمد : أم كلثوم يا أبا صالح لو رأيت أمير المؤمنين و أتي بأترج فذهب الحسن و الحسين (عليه السلام) يتناول أترجة فنزعها من يده ثم أمر به فقسم بين الناس .
إن رجلا من خثعم رأى الحسن و الحسين (عليه السلام) يأكلان خبزا و بقلا و خلا فقال لهما أ تأكلان من هذا و في الرحبة ما فيها ?
فقالا : ما أغفلك عن أمير المؤمنين .
عن زاذان : أن قنبرا قدم إلى أمير المؤمنين جامات من ذهب و فضة في الرحبة , و قال إنك لا تترك شيئا إلا قسمته فخبأت لك هذا فسل سيفه و قال ويحك لقد أحببت أن تدخل بيتي نارا ثم استعرضها بسيفه فضربها حتى انتثرت من بين إناء مقطوع بضعة و ثلاثين و قال علي بالعرفاء فجاءوا فقال هذا بالحصص و هو يقول :
هذا جناي و خياره فيه *** و كل جان يده إلى فيه
جمل أنساب الأشراف إنه أعطته الخادمة في بعض الليالي قطيفة فأنكر دفاها .
فقال : ما هذه ?>
قال : أصردتمونا بقية ليلتنا .
و قدم عليه عقيل فقال للحسن اكس عمك .
فكساه قميصا من قميصه و رداء من أرديته .
فلما حضر العشاء فإذا هو خبز و ملح .
فقال عقيل : ليس ما أرى .
فقال : أ و ليس هذا من نعمة الله , فله الحمد كثيرا .
فقال : أعطني ما أقضي به ديني , و عجل سراحي حتى أرحل عنك .
قال : فكم دينك يا أبا يزيد ?
قال : مائة ألف درهم .
قال : و الله ما هي عندي , و لا أملكها , و لكن أصبر حتى يخرج عطاي فأواسيكه و لو لا أنه لا بد للعيال من شيء لأعطيتك كله .
فقال عقيل : بيت المال في يدك , و أنت تسوفني إلى عطائك ; و كم عطاؤك ?
[109]
و ما عسى يكون , و لو أعطيتنيه كله .
فقال : ما أنا و أنت فيه إلا بمنزلة رجل من المسلمين .
و كانا يتكلمان فوق قصر الإمارة مشرفين على صناديق أهل السوق , فقال له علي (عليه السلام) : إن أبيت يا أبا يزيد ما أقول فانزل إلى بعض هذه الصناديق فاكسر أقفاله و خذ ما فيه .
فقال : و ما في هذه الصناديق ?
قال : فيها أموال التجار .
قال : أ تأمرني أن أكسر صناديق قوم قد توكلوا على الله و جعلوا فيها أموالهم ?
فقال أمير المؤمنين : أ تأمرني أن أفتح بيت مال المسلمين فأعطيك أموالهم و قد توكلوا على الله و أقفلوا عليها .
و إن شئت أخذت سيفك و أخذت سيفي و خرجنا جميعا إلى الحيرة فإن بها تجارا مياسير فدخلنا على بعضهم فأخذنا ماله .
فقال : أ و سارق جئت ?
قال : تسرق من واحد خير من أن تسرق من المسلمين جميعا .
قال له : أ فتأذن لي أن أخرج إلى معاوية .
فقال له : قد أذنت لك .
قال : فأعني على سفري هذا .
قال : يا حسن أعط عمك أربعمائة درهم .
فخرج عقيل و هو يقول :
سيغنيني الذي أغناك عني *** و يقضي ديننا رب قريب
و ذكر عمرو بن العاص أن عقيلا لما سأل عطاه من بيت المال .
قال له أمير المؤمنين : تقيم إلي يوم الجمعة فأقام .
فلما صلى أمير المؤمنين الجمعة قال لعقيل ما تقول فيمن خان هؤلاء أجمعين .
قال : بئس الرجل ذاك .
قال : فأنت تأمرني أن أخون هؤلاء و أعطيك .
و من خطبة له (عليه السلام) : و لقد رأيت عقيلا و قد أملق حتى استماحني من بركم صاعا و عاودني عشر وسق من شعيركم يقضمه جياعه و كاد يطوي ثالث أيامه خامصا ما استطاعه , و لقد رأيت أطفاله شعث الألوان من صرهم كأنما اشمأزت وجوههم من قرهم , فلما عاودني في قوله و كره أصغيت إليه سمعي فغره و ظنني أوتغ ديني و أتبع ما أسره , أحميت له حديدة لينزجر إذ لا يستطيع مسها و لا يصبر .
ثم أدنيتها من جسمه فضج من ألمه ضجيج دنف يئن من سقمه و كاد يسبني سفها من كظمه و لحرقه في لظى أدنى له من عدمه .
فقلت له : ثكلتك الثواكل يا عقيل , أ تئن من أذى و لا أئن من لظى .
و عن أم عثمان أم ولد علي قالت : جئت عليا و بين يديه قرنفل مكتوب في الرحبة , فقلت : يا أمير المؤمنين هب لابنتي من هذا القرنفل قلادة .
فقال : هاك ذا , و نفذ بيده إلي درهما .
فإنما هذا للمسلمين أولا فاصبري حتى يأتينا حظنا منه فنهب لابنتك قلادة .
[110]
و سأله عبد الله بن زمعة مالا .
فقال إن هذا المال ليس لي و لا لك , و إنما هو للمسلمين و جلب أسيافهم , فإن شركتهم في حربهم كان لك مثل حظهم , و إلا فجناة أيديهم لا تكون لغير أفواههم .
و جاء إليه عاصم بن ميثم و هو يقسم مالا , فقال : يا أمير المؤمنين إني شيخ كبير مثقل .
قال : و الله ما هو بكد يدي و لا بتراثي عن والدي , و لكنها أماني أوعيتها .
ثم قال : رحم الله من أعان شيخا كبيرا مثقلا .
تاريخ الطبري و فضائل أمير المؤمنين عن ابن مردويه أنه : لما أقبل من اليمن تعجل إلى النبي و استخلف على جنده الذين معه رجلا من أصحابه فعمد ذلك الرجل فكسا كل رجل من القوم حلة من البز الذي كان مع علي فلما دنا جيشه خرج علي ليتلقاهم فإذا هم عليهم الحلل .
فقال : ويلك ما هذا ?
قال : كسوتهم ليجملوا به إذا قدموا في الناس .
قال : ويلك من قبل أن تنتهي إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) .
قال : فانتزع الحلل من الناس و ردها في البز و أظهر الجيش شكاية لما صنع بهم .
ثم روى عن الخدري أنه قال : شكا الناس عليا (عليه السلام) فقام رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) خطيبا , فقال : أيها الناس لا تشكوا عليا فو الله إنه لخشن في ذات الله .
و سمعت مذاكرة أنه دخل عليه عمرو بن العاص ليلة و هو في بيت المال فطفئ السراج و جلس في ضوء القمر و لم يستحل أن يجلس في الضوء من غير استحقاق .
و من كلام له فيما رده على المسلمين من قطائع عثمان : و الله لو وجدته قد تزوج به النساء و ملك به الإماء لرددته فإن في العدل سعة , و من ضاق عليه العدل فالجور عليه أضيق .
و من كلام له لما أراده الناس على البيعة بعد قتل عثمان : دعوني و التمسوا غيري فإنا مستقبلون أمرا له وجوه و ألوان لا يقوم لها القلوب و لا يثبت عليه العقول و إن الآفاق قد أغامت و المحجة قد تنكرت , و اعلموا أني إن أجبتكم ركبت بكم ما أعلم و لم أصغ إلى قول القائل و عتب العاتب .
و في رواية عن أبي الهيثم بن التيهان و عبد الله بن أبي رافع : أن طلحة و الزبير جاءا
[111]
إلى أمير المؤمنين , و قالا ليس كذلك كان يعطينا عمر .
قال : فما كان يعطيكما رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ?
فسكتا .
قال : أ ليس كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يقسم بالسوية بين المسلمين ?
قالا : نعم .
قال : فسنة رسول الله أولى باتباع عندكم أم سنة عمر ?
قالا : سنة رسول الله يا أمير المؤمنين , لنا سابقة و عناء و قرابة .
قال : سابقتكما أقرب , أم سابقتي ?
قالا : سابقتك .
قال : فقرابتكما أم قرابتي ?
قالا : قرابتك .
قال : فعناؤكما أعظم من عناي ?
قالا : عناؤك .
قال : فو الله ما أنا و أجيري هذا إلا بمنزلة واحدة , و أومى بيده إلى الأجير .
كتاب ابن الحاشر بإسناده إلى مالك بن أوس بن الحدثان في خبر طويل أنه : قام سهل بن حنيف فأخذ بيد عبده فقال يا أمير المؤمنين قد أعتقت هذا الغلام فأعطاه ثلاثة دنانير مثل ما أعطى سهل بن حنيف .
و سأله (عليه السلام) بعض مواليه مالا .
فقال : يخرج عطاي فأقاسمكم .
فقال : لا أكتفي , و خرج إلى معاوية ; فوصله .
فكتب إلى أمير المؤمنين يخبره بما أصاب من المال .
فكتب إليه أمير المؤمنين : أما بعد فإن ما في يدك من المال قد كان له أهل قبلك و هو صائر إلى أهل من بعدك فإنما لك ما مهدت لنفسك , فآثر نفسك على أحوج ولدك فإنما أنت جامع لأحد رجلين إما رجل عمل فيه بطاعة الله فسعد بما شقيت و إما رجل عمل فيه بمعصية الله فشقي بما جمعت له و ليس من هذين أحد باهل أن تؤثره على نفسك و لا تبرد له على ظهرك , فارج لمن مضى رحمة الله , و ثق لمن بقي برزق الله .
حكيم بن أوس : كان علي (عليه السلام) يبعث إلينا بزقاق العسل فيقسم فينا ثم يأمر أن يلعقوه و أتي إليه بأحمال فاكهة فأمر ببيعها و أن يطرح ثمنها في بيت المال .
سعيد بن المسيب : رأيت عليا بنى للضوال مربدا فكان يعلفها علفا لا يسمنها و لا يهزلها من بيت المال فمن أقام عليها بينة أخذه و إلا أقرها على حالها .
عاصم بن ميثم إنه : أهدي إلى علي سلال خبيص له خاصة فدعا بسفرة فنثره عليه ثم جلسوا حلقتين يأكلون .
أبو حريز : إن المجوس أهدوا إليه يوم النيروز جامات من فضة فيها سكر فقسم السكر بين أصحابه و حسبها من جزيتهم .
[112]
و بعث إليه دهقان بثوب منسوج بالذهب فابتاعه منه عمرو بن حريث بأربعة آلاف درهم إلى العطاء .
الحلية و فضائل أحمد عاصم بن كليب عن أبيه أنه قال : أتي علي بمال من أصفهان و كان أهل الكوفة أسباعا فقسمه سبعة أسباع فوجد فيه رغيفا فكسره بسبعة كسر ثم جعل على كل جزء كسره ثم دعا أمراء الأسباع فأقرع بينهم .
فضائل أحمد إنه : رأى حبلا في بيت المال فقال أعطوه الناس فأخذه بعضهم .
مجالس ابن مهدي إنه : تخاير غلامان في خطيهما إلى الحسن (عليه السلام) فقال (عليه السلام) انظر ما تقول فإنه حكم و كان (عليه السلام) قوالا للحق قواما بالقسط إذا رضي لم يقل غير الصدق و إن سخط لم يتجاوز جانب الحق .
مهيار :
بنفسي من كانت مع الله نفسه *** إذا قل يوم الخلق من لم يحارف
أبا حسن إن أنكر القوم فضله *** على أنه و الله إنكار عارف
إذا ما عزوا دينا فأول عابد *** و إن أقسموا دنيا فأول عائف
و أعزى بك الحساد أنك لم تكن *** على صنم فيما رووه بعاكف
أسر لمن والاك حب موافق *** و أبدى لمن عاداك سب مخالف
فصل في حلمه و شفقته :
مختار الثمار عن أبي مطر البصري : إن أمير المؤمنين (عليه السلام) مر بأصحاب التمر فإذا هو بجارية تبكي .
فقال , يا جارية : ما يبكيك ?
فقالت : بعثني مولاي بدرهم فابتعت من هذا تمرا , فأتيتهم به فلم يرضوه , فلما أتيته به , أبى أن يقبله .
قال , يا عبد الله : إنها خادم و ليس لها أمر , فاردد إليها درهمها و خذ التمر .
فقام إليه الرجل : فلكزه .
فقال الناس : هذا أمير المؤمنين , فربا الرجل و اصفر و أخذ التمر و رد إليها درهمها .
ثم قال : يا أمير المؤمنين ارض عني .
فقال : ما أرضاني عنك إن أصلحت أمرك و في فضائل أحمد : إذا
[113]
وفيت الناس حقوقهم .
و دعا (عليه السلام) غلاما له مرارا فلم يجبه , فخرج فوجده على باب البيت .
فقال : ما حملك على ترك إجابتي ?
قال : كسلت عن إجابتك , و أمنت عقوبتك .
فقال : الحمد لله الذي جعلني ممن تأمنه خلقه , امض فأنت حر لوجه الله .
و أنشد الأشجع :
و لست بخائف لأبي حسين *** و من خاف الإله فلن يخافا
أبو بواس :
قد كنت خفتك ثم آمنني *** من إن أخافك خوفك اللاها
غيره :
آمنني منه و من خوفه *** خيفته من خشية الباري
و كان علي (عليه السلام) في صلاة الصبح فقال ابن الكواء من خلفه وَ لَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَ إِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ فأنصت علي تعظيما للقرآن حتى فرغ من الآية .
ثم عاد في قراءته .
ثم أعاد ابن الكواء الآية , فأنصت علي أيضا .
ثم قرأ , ثم أعاد ابن الكواء فأنصت علي (عليه السلام) .
ثم قال فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَ لا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ .
ثم أتم السورة , و ركع .
و بعث أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى لبيد بن العطارد التيمي في كلام بلغه فمر به أمير المؤمنين في بني أسد , فقام إليه نعيم بن دجاجة الأسدي فأفلته '; فبعث إليه أمير المؤمنين (عليه السلام) فأتوه به , و أمر به أن يضرب .
فقال له : نعم و الله , إن المقام معك لذل , و إن فراقك لكفر .
فلما سمع ذلك منه , قال : قد عفونا عنك إن الله عز و جل يقول ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ .
أما قولك إن المقام معك لذل , فسيئة اكتسبتها ; و أما قولك إن فراقك لكفر فحسنة اكتسبتها فهذه بهذه .
مرت امرأة جميلة فرمقها القوم بأبصارهم .
فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : إن أبصار هذه الفحول طوامح و إن ذلك سبب هناتها , فإذا نظر أحدكم إلى امرأة تعجبه فليلمس أهله فإنما هي امرأة كامرأة .
فقال رجل من الخوارج : قاتله الله كافرا , ما أفقهه !!
فوثب القوم ليقتلوه , فقال علي : رويدا إنما هو سب بسب أو عفو عن ذنب .
[114]
و جاءه أبو هريرة و كان يكلم فيه و أسمعه في اليوم الماضي , و سأله حوائجه فقضاها ; فعاتبه أصحابه على ذلك , فقال : إني لأستحيي أن يغلب جهله علمي و ذنبه عفوي و مسألته جودي .
و من كلامه (عليه السلام) إلى كم أغضي الجفون على القذى و أسحب ذيل على الأذى و أقول لعل و عسى .
العقد و نزهة الأبصار قال قنبر : دخلت مع أمير المؤمنين على عثمان فأحب الخلوة فأومى إلي بالتنحي فتنحيت غير بعيد فجعل عثمان يعاتبه و هو مطرق رأسه , و أقبل إليه عثمان , فقال : ما لك لا تقول .
فقال (عليه السلام) : ليس جوابك إلا ما تكره و ليس لك عندي إلا ما تحب ثم خرج قائلا :
و لو أنني جاوبته لأمضه *** نواقد قولي و احتضار جوابي
و لكنني أغضي على مضض الحشا *** و لو شئت إقداما لأنشب نابي
و أسر مالك الأشتر يوم الجمل مروان بن الحكم فعاتبه (عليه السلام) و أطلقه .
و قالت عائشة يوم الجمل : ملكت فأسجح .
فجهزها أحسن الجهاز , و بعث معها بتسعين امرأة أو سبعين و استأمنت لعبد الله بن الزبير على لسان محمد بن أبي بكر ; فآمنه , و آمن معه سائر الناس .
و جيء بموسى بن طلحة بن عبيد الله فقال له : قل أستغفر الله و أتوب إليه ثلاث مرات , و خلى سبيله ; و قال اذهب حيث شئت و ما وجدت لك في عسكرنا من سلاح أو كراع فخذه و اتق الله فيما تستقبله من أمرك و اجلس في بيتك .
ابن بطة العكبري و أبو داود السجستاني عن محمد بن إسحاق عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : كان علي (عليه السلام) إذا أخذ أسيرا في حروب الشام أخذ سلاحه و دابته و استحلفه أن لا يعين عليه .
ابن بطة بإسناده عن عرفجة عن أبيه قالا : لما قتل علي أصحاب النهر جاء بما كان في عسكرهم فمن كان يعرف شيئا أخذه حتى بقيت قدرا ثم رأيتها بعد قد أخذت .
الطبري : لما ضرب علي طلحة العبدري بركه فكبر رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) و قال
[115]
لعلي , ما منعك أن تجهز عليه ?
قال : إن ابن عمي ناشدني الله و الرحم حين انكشفت عورته فاستحييته .
و لما أدرك عمرو بن عبد ود لم يضربه فوقعوا في علي (عليه السلام) فرد عنه حذيفة فقال النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مه يا حذيفة فإن عليا سيذكر سبب وقفته ثم إنه ضربه فلما جاء سأله النبي عن ذلك .
فقال : قد كان شتم أمي و تفل في وجهي فخشيت أن أضربه لحظ نفسي , فتركته حتى سكن ما بي : ثم قتلته في الله .
و إنه (عليه السلام) لما امتنع من البيعة جرت من الأسباب ما هو معروف فأحتمل و صبر .
و روي أنه : لما طالبوه بالبيعة , قال له الأول : بايع .
قال : فإن لم أفعل ?
قال : و الله الذي لا إله إلا هو نضرب عنقك .
قال : فالتفت علي إلى القبر , فقال يا ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَ كادُوا يَقْتُلُونَنِي .
الجاحظ في البيان و التبيين إن : أول خطبه خطبها أمير المؤمنين قوله قد مضت أمور لم تكونوا فيها بمحمودي الرأي أما لو أشاء أن أقول لقلت و لكن عفا الله عما سلف , سبق الرجلان , و قام الثالث كالغراب همته بطنه ; يا ويله لو قص جناحه و قطع رأسه لكان خيرا له .
و قد روى الكافة عنه : اللهم إني أستعديك على قريش فإنهم ظلموني في الحجر و المدر .
إبراهيم الثقفي عن عثمان بن أبي شيبة و الفضل بن دكين بإسنادهما : قال علي ما زلت مظلوما منذ قبض الله نبيه (عليه السلام) إلى يومي هذا .
و روى إبراهيم بإسناده عن المسيب بن نجية قال : بينما علي يخطب و أعرابي يقول وا مظلمتاه .
فقال (عليه السلام) : ادن .
فدنا .
فقال : لقد ظلمت عدد المدر و المطر و الوبر و في رواية كثير بن اليمان : و ما لا يحصى .
أبو نعيم الفضل بن دكين بإسناده عن حريث قال : إن عليا لم يقم مرة على المنبر إلا قال في آخر كلامه قبل أن ينزل : ما زلت مظلوما منذ قبض الله نبيه (عليه السلام) .
و كان (عليه السلام) بشره دائم و ثغرة باسم غيث لمن رغب و غياث لمن وهب مئال الآمل و ثمال الأرامل يتعطف على رعيته و يتصرف على مشيته و يكلؤه بحجته و يكفيه بمهجته .
و نظر علي إلى امرأة على كتفها قربة ماء فأخذ منها القربة فحملها إلى موضعها و سألها عن حالها .
فقالت : بعث علي بن أبي طالب صاحبي إلى بعض الثغور فقتل , و
[116]
ترك علي صبيانا يتامى و ليس عندي شيء فقد ألجأتني الضرورة إلى خدمة الناس فانصرف , و بات ليلته قلقا .
فلما أصبح , حمل زنبيلا فيه طعام , فقال بعضهم أعطني أحمله عنك .
فقال : من يحمل وزري عني يوم القيامة ?
فأتى و قرع الباب .
فقالت : من هذا ?
قال : أنا ذلك العبد الذي حمل معك القربة , فافتحي ; فإن معي شيئا للصبيان .
فقالت : رضي الله عنك و حكم بيني و بين علي بن أبي طالب .
فدخل , و قال إني أحببت اكتساب الثواب فاختاري بين أن تعجنين و تخبزين و بين أن تعللين الصبيان لأخبز أنا .
فقالت : أنا بالخبز أبصر و عليه أقدر , و لكن شأنك و الصبيان .
فعللهم حتى أفرغ من الخبز , فعمدت إلى الدقيق فعجنته و عمد علي (عليه السلام) إلى اللحم فطبخه و جعل يلقم الصبيان من اللحم و التمر و غيره فكلما ناول الصبيان من ذلك شيئا , قال له : يا بني اجعل علي بن أبي طالب في حل مما مر في أمرك .
فلما اختمر العجين , قالت : يا عبد الله ; سجر التنور .
فبادر لسجره , فلما أشعله و لفح في وجهه , جعل يقول : ذق يا علي هذا جزاء من ضيع الأرامل و اليتامى .
فرأته امرأة تعرفه , فقالت : ويحك هذا أمير المؤمنين ?!
قال : فبادرت المرأة و هي تقول , وا حياي منك يا أمير المؤمنين .
فقال : بل وا حياي منك يا أمة الله فيما قصرت في أمرك .
الناشئ :
يا هالكا هلك الرشاد بهلكه *** فلقد يئسنا بعده أن يوجدا
هتكت جيوب الصالحات فيا بها *** أضحى لأجلك مذ نأيت مسودا
فصل في المسابقة بالهيبة و الهمة :
أبو الجارود عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله : أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ الآية , قال علي بن أبي طالب (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لم يسبقه أحد .
و روي عن ابن عباس قال : كان أمير المؤمنين إذا أطرق هبنا أن نبتديه بالكلام .
و قيل لأمير المؤمنين : بم غلبت الأقران ?
قال : بتمكن هيبتي في قلوبهم .
النطنزي في الخصائص عن سفيان بن عيينة عن شقيق بن سلمة قال : كان عمر
[117]
يمشي , فالتفت إلى ورائه , و عدا .
فسألته عن ذلك ?
فقال : ويحك ! أ ما ترى الهزبر بن الهزبر , القثم بن القثم , الفلاق للبهم , الضارب على هامة من طغى و ظلم , ذا السيفين ; ورائي .
فقلت : هذا علي بن أبي طالب .
فقال : ثكلتك أمك , إنك تحقره ; بايعنا رسول الله يوم أحد : أن من فر منا فهو ضال , و من قتل فهو شهيد , و رسول الله يضمن له الجنة .
فلما التقى الجمعان هزمونا , و هذا كان يحاربهم وحيدا ; حتى انسل نفس رسول الله و جبرئيل .
ثم قال : عاهدتموه و خالفتموه , و رمى بقبضة رمل , و قال : شاهت الوجوه ; فو الله ما كان منا إلا و أصابت عينه رملة .
فرجعنا نمسح وجوهنا قائلين : الله الله يا أبا الحسن , أقلنا أقالك الله ; فالكر و الفر عادة العرب , فاصفح . و قل ما أراه وحيدا إلا خفت منه .
و قال النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من قتل قتيلا فله سلبه .
و كان أمير المؤمنين يتورع عن ذلك و إنه لم يتبع منهزما و تأخر عمن استغاث و لم يكن يجهز على جريح .
بعض السادة :
لم يهتك العورة يبغي سلبا *** و لا خطا متبعا لمنهزم
و لا قضى يوما على جريحه *** و لا استباح محرما و لا ظلم
غيره :
إمام لا يراه الله يوما *** يحيف على اليتيمة و اليتيم
و لا ولى على عقب غداة *** الجلاد , و لا أجاز على كليم
و لا عرف العبادة مع قريش *** لغير الواحد الصمد القديم
و لما أردى (عليه السلام) عمرا , قال عمرو : يا ابن عم ; إن لي إليك حاجة , لا تكشف سوءة ابن عمك , و لا تسلبه سلبه .