جامع الترمذي و مسند أبي يعلى و أبو سعيد الخدري قال النبي (عليه السلام) : يا علي لا يحل لأحد أن يجنب في هذا المسجد غيري و غيرك .
و في رواية : يا علي لا يحل لأحد من هذه الأمة غيري و غيرك .
و في رواية : و لا يحل أن يدخل مسجدي جنب غيري و غيره و غير ذريته فمن شاء فهنا و أشار بيده نحو الشام .
فقال المنافقون : لقد ضل و غوى في أمر ختنه , فنزل ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَ ما غَوى .
الحميري :
فيا أول من صلى و *** من زكى و من كبر
و يا جار رسول الله *** في مسجده الأكبر
حلال فيه أن تجنب *** لا تلحى و لا تؤزر
و له :
صهر النبي و جاره في مسجد *** طهر يطيبه الرسول مطيب
سيان فيه عليه غير مذمم *** ممشاه إن جنبا و إن لم يجنب
ابن الأسود :
هل أرض مسجده توطأ منهم *** من بعد ذاك سواهما جنبان
[195]
إذ ذاك أذهب كل رجس عنهم *** ربي و طهرهم من الأرزان
أ تراك في شك له من أنه *** للفضل خص بفتحه بابان
خصوصيتهما بفتح بأبيهما دليل على زيادة درجاتهما و رضي الله عنهما و جواز الاستطراق و المقام في المسجد جنبين دليل على طهارتهما و عصمتهما .
فصل في الأولاد :
المرء يشرف بأن يكون في عقبه أولاد كما شرف الله تعالى إبراهيم بأن جعل النبوة و الإمامة في عقبه إلى يوم القيامة و مثله لعلي (عليه السلام) قال الله تعالى وَ جَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ .
و روى في الحلية عن أنس و أبي برزة عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) و هي الكلمة التي ألزمتها المتقين : من أحبه أحبني و من أبغضه أبغضني يعني عليا (عليه السلام) .
و لما توفي إبراهيم بن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) هجاه عمرو بن العاص و سماه الأبتر فنزلت إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ .
و هو مبالغة في الكثرة يعني كثرة أولاده , و جعل إجماع ذريته حجة على الخلق , و أولاده هم الأئمة يصلحون لها , و في أولاده أن الصلاة واجبة عليهم في الصلوات , و قوله حجة في الدين , و كذلك قول صهره و صهرته و زوجه و ابنيه لشمول العصمة لهم في الدين , و في ولده نسل المصطفى إلى يوم التناد , و في أولاده لطيفة هما ابنا صلبه و سبطا رسول الله بالولادة , و ابناه ببني الشريعة و ابنا بنته و لا يوجد في العالم جد هو أب في الحكم و الشرع مع أنه سبط و ابن العم و ابن البنت و لولديه أن النبي أب لهما كأب الصلب .
كما قال (عليه السلام) : كل بني بنت فهو ابن أبيه , الخبر .
و افتخر جبرئيل يوم المباهلة أنه منهم و الناس يسمون أولاده بأهل البيت , و آل محمد , و عترة النبي , و أولاد الرسول , و آل طه و يس .
و يلقبونهم : بالسيد , و بالشريف , و الناس يتمنون أن يكونوا منهم حتى وضع لذلك علم الأنساب و كتب الشجرة و يجزون ذوائب المدعين احتراما لهم و لا يحكم عليهم إلا نقباؤهم مع فقرهم و عجزهم , و الأعداء يتركون أكابرهم و يتبركون بأصاغرهم و يقتلون أحياهم و يعظمون زيارة
[196]
أمواتهم , و يخربون دورهم و يزورون قبورهم كأنهم يعادونهم للدنيا و يعدونهم للآخرة .
تبرك عمر بن الخطاب بهما في الاستسقاء , و غمس أيديهما في الدعاء ; مع جهده في إطفاء نور بني هاشم .
الأصمعي لما كان عام رمادة قال عمر لأبي عبيدة : خذ هذا البعير بما عليه فأت أهل البيت فانحره بينهم و مرهم أن يقددوا اللحم و ليحملوا الشحم و ليلبسوا للغرائر و ليعدوا ماء حارا فإن احتاجوا إلى اللحم أمدوهم ثم خرج يستسقي فسقي .
و إنهم أعرف الناس نسبا و أخصهم فضلا , أ لا ترى أن العربي : من ولد يعرب بن قحطان . و القرشي : من ولد النضر بن كنانة . و الهاشمي : من ولد عبد المطلب . و الطالبي : من ولد علي و جعفر . و العلوي : من الحسن و الحسين و محمد و العباس و عمر أولاد أمير المؤمنين . و الفاطمي : أولاد الحسن و الحسين .
أنشد محمد بن أحمد بن عيسى بن زيد على قوم ذكروا الأنساب :
إن العباد تفرقوا من واحد *** فلأحمد السبق الذي هو أفضل
هل كان يرتحل البراق أبوكم *** أم كان جبريل عليه ينزل
و قد خص بالذرية التي أبى الله أن يخرجها إلا من خير أرومة خلقها ; فإن النبي قد صاهره رجال من بني عبد مناف , منهم : أبو العاص بن الربيع , و عتبة بن أبي لهب , و عثمان بن عفان , فكان هو المصطفى بكرم النجار و طيب المغرس .
ثم إن أولاده يتزوجون في الناس و لا يزوجون فيهم إلا اضطرارا .
اجتهد عمر بن الخطاب في خطبة أم كلثوم اجتهادا , و روي في ذلك أخبار .
و تزوج الحجاج ابنة عبد الله بن جعفر , فاستأجل منه سنة حتى خلص نفسه من أذاه .
و تزوج المأمون بفاطمة بنت محمد بن علي النقي (عليه السلام) .
و الكبراء يزوجونهم رغبة فيهم , كما زوج المأمون ابنته من محمد بن علي بن موسى بن جعفر (عليه السلام) .
و رغب عبد الملك بن مروان في زين العابدين فأبى ; و زوج الصاحب من شريف معدم فقيل له في ذلك فقال :
[197]
الحمد لله حمدا دائما أبدا *** إذ صار سبط رسول الله لي ولدا
و في الحساب أعلى الأنساب نسب فاطمة لأنهما استويا في العدد و هما مائتان و سبعة و أربعون و لا يوجد في أولاد الصحابة من المهاجرين و الأنصار مشهورا بالعلم أو موسوما بالملل مثل ما يوجد في أولاده مثل الرضي و المرتضى .
قال أبو الحسن بن محفوظ : الرضي أشعر الناس لأنه مجيد مكثر , و ما اجتمع في قرشي ذلك .
و المرتضى قد ألجم علماء الأمة بالحجج و الأدلة , فكيف بمثل محمد بن الحنفية أشجع أهل زمانه .
و كان النبي ذكر اسمه و كنيته فبلغ من فضله حتى قالت الكيسانية : إنه المهدي . و هو الراوي عن أبيه علوما .
و منهم أئمة الزيدية الذين لا يرون كل خارج إماما مثل زيد و يحيى و الناصر و القاسم سبعة عشر و من يرى كل خارج إماما فثلاث و عشرون و منهم خلفاء مصر نحو العاضد و الفائز و الظافر و الحافظ و المستعلي و المستنصر و الظاهر و الحاكم و العزيز و المعز و المنصور و القائم و المهدي و منهم الملوك ملوك مكة و المدينة و الجبل و بيهق .
و منهم الملوك الماضون نحو الداعي الكبير الحسن بن زيد و أخوه محمد و منهم الرؤساء و النقباء في كل مدينة , فكيف بالأئمة المعصومين مثل الحسن و الحسين و زين العابدين و الباقر و الصادق و الكاظم و الرضا و التقي و النقي و الزكي و المهدي (عليهم السلام) , الذين قد ظهرت العلوم في فرق العالمين منهم حتى أخذ من زين العابدين مثل طاوس اليماني و سعيد بن المسيب و سعيد بن جبير و ابن شهاب الزهري .
و أخذ كل نوع من العلوم من محمد بن علي (عليه السلام) حتى سمي باقر علم النبيين .
و أخذ من مشهوري أهل العلم من جعفر بن محمد (عليه السلام) أربعة آلاف إنسان : فيهم أبو حنيفة , و مالك , و محمد , و قد روى عنه : الشافعي , و أحمد , و صنف من جواباته مائة كتاب و هي معروف بكتب الأصول .
و كذلك حال موسى بن جعفر , إلى أن حبس .
و ظهر عن علي بن موسى (عليه السلام) علومه . و كذلك عن ابنه أبي جعفر , ما لا يخفى على محصل , و إنما قلت الرواية عن أبي الحسن و أبي محمد (عليهما السلام) لأنهما كانا محبوسين في عسكر السلطان , ممنوعين من الانبساط في الفتيا .
المرزكي النحوي :
أ يا لائمي في حب أولاد فاطم *** أ هل لرسول الله غيرهم عقب
[198]
هم أهل ميراث النبوة و الهدى *** و قاعدة الدين الحنيفي و القطب
أبوهم وصي المصطفى و ابن عمه *** و وارث علم الله و البطل الندب
الصاحب :
و بالحسنين المجد مد رواقه *** و لولاهما لم يبق للمجد مشهد
تفرعت الأنوار للأرض منهما *** فلله أنوار بدت تتجدد
هم الحجج الغر التي قد توضحت *** و هم سرج الله التي ليس تخمد
ابن حماد :
ألا إنني مولى لآل محمد *** فلا تحسن الفحشاء مني و لا الهزل
أولئك قوم لا يحاط بفضلهم *** و ليس لهم في الخلق شبه و لا شكل
هم أمناء الله في الأرض و السماء *** و هم عينه و الأذن و الجنب و الحبل
و هم أنجم الدين الذي صال ضوءها *** على ظلم الإشراك فهي لها تجلو
و في كتب الله القديمة نعتهم *** و قد نطقت عن عظم فضلهم الرسل
فروع رسول الله أحمد أصلها *** لقد طاب فرع و النبي له أصل
علي أمير المؤمنين أبوهم *** فهل لعلي في فضائله مثل
ابن الحجاج :
فأنتم أهل بيت كان فيه *** بأمر الله يخدم جبرئيل
و ليس على فخاركم مزيد *** و ليس إلى مرامكم سبيل
أبوك أبو أئمتنا علي *** و أمك أم سادتنا البتول
فمن يرجو مداك و كيف يلقى *** أبو السبطين فيه و الرسول
ابن دريد الأزدي :
إن البرية خيرها نسبا *** إن عد أكرمه و أمجده
نسب معظمه محمدة *** و كفاه تعظيما محمده
[199]
ليست إذا كبت الزناد فما *** تكبو إذا ما نض أزنده
و أخو النبي محمد فريد محتدة *** لم يكبه في القدح مصلده
حل البلاء به على شرف *** يتكاد الراقين صعدده
فصل في المشاهد :
ما وجدنا لعظماء الخلف و السلف في الأرض أثرا مذكورا أو خبرا مشهورا يتقرب الناس إليها ; كما لم نجد في الأمم الماضية نحو كسرى و أنوشروان و فرعون و هامان و شداد و نمرود .
و وجدنا أهل البيت (عليهم السلام) امتلأت أقطار الأرض بآثارهم , و بنوا المشاهد و المساجد بأسمائهم , و أنفق لسكان الأمصار من إجلال مشاهدهم بعد خمول شاهدهم و غر معاندهم , و قصدهم في الآفاق البعيدة تقربا إلى الله بجاه تربهم ; و كلما تطاولت الدهور زاد محلها سموا و ذكرها نموا , و يرى الناس فيها العجائب عيانا و مناما كما نجد في آثار الأنبياء و الأوصياء (عليهم السلام) مثل الحطيم , و مقام إبراهيم , و ميزاب إسماعيل , و ربوة موسى , و صخرة عيسى , و باب حطة بني إسرائيل , و عند موالدهم , و محاضرهم , و مجالسهم ; فظهر الحق و زهق الباطل .
قال الزاهي :
هل لكم مشهد يزار كما *** مشاهد التابعين متبعه
يسطع نور لها على بعد *** يطرق من زارها إذا سطعه
الحصكفي :
قوم أتى في هل أتى مدحتهم *** ما شك في ذلك إلا ملحد
قوم لهم في كل أرض مشهد *** لا بل لهم في كل قلب مشهد
غيره :
عمروا بأطراف البلاد مقابرا *** إذ خربوا من يثرب أوطانا
[200]
هذا أمير المؤمنين (عليه السلام) : أكبر مشاهده اليوم مسجد ولد في الكعبة , و ربي في دار خديجة , و هي اليوم مسجد , و مصلاهم عند باب مولد النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في شعب بني هاشم , و الموضع الذي بايع رسول الله بيعة العشيرة , و داره التي نزل فيها آية التطهير , و موضع بيعة الغدير , و مصلاه في الرقة , و موضع سكونه في صفين , و مسجد الإحرام للميقات من بنائه , و مسجد براثا في بغداد من إظهاره , و مسجد الذئب عند الفرات من آياته , و مشهد الشمس في الحلة من معجزاته , و مسجد الجمجمة في بابل من دلائله , و مشهد السمكة عند النيل من فضائله , و مشهد النار و الفرج و المنطقة في المدائن من قدرته , و مسجد السوط في السوق العتيقة في بغداد من إخباره بالغيب , و مشهد الكف بالكوفة و في تكريت و في الموصل و في رقة من إعجاز , و مشهد الشعر في بلده من عجائبه , و مسجد المجداف و عرقل و النور في رقة من براهينه , و مسجد في الموصل من حججه , و مشهد العلث بين بغداد و سامراء من بركاته , و مشهد البوق عند رحبة الشام من كراماته , و مشهد الصخرة في الشام من سلطانه , و مشهد كوثي عند بغداد , و قبلته جامع البصرة , و قتل في جامع الكوفة الذي بناه نوح , و صلى فيه ألف نبي و ألف وصي , و دفن في الغري و هو اليوم مسجد .
و منازله كلها لما توجه إلى البصرة ; مساجد النخيلة و زواطة و الشرط و مذار و مطارة و زكية و عند مشهد عزير و فوق البصرة على أربع فراسخ و عند قلعة البصرة و أيلة و بلجان و المحرزي و عبادان و دقلة و قرية عبد الله و كرخ زادو .
و من طريق العراق في المدائن و بغداد و الأنبار و تحت الحديثة و عند الجب و صندوديا و عانة و بين الرحبة و عانة و في الرحبة و زيلبيا و يلنج و رقة و صفين .
و كذلك مشاهد أولاده (عليه السلام) و مشاهد أولاده الطاهرين في المدينة و كربلاء و بغداد و سامراء و طوس .
[201]
و أما مشاهد العلويين في آفاق الأرض مثل كواكب السماء .
الناشئ :
فزوروا بالغري و كربلاء *** و بغداد و سامرا القبورا
و يثرب قد حوت منهم و طوس *** قبور أئمة تحط الزورا
المرزكي :
حفر بطيبة و الغري و كربلاء *** و بطوس و الزورا و سامراء
ما جئتهم في كربة إلا انجلت *** و تبدل الضراء بالسراء
قوم بهم غفرت خطيئة آدم *** و جرت سفينة نوح فوق الماء
غيره :
بطيبة نفسي و البقيع و كربلاء *** و طوس و سامرا و بغداد و النجف
قبور متى تلمم بها تستدم بها *** سوالف معنى مصطفاها و مؤتنف
آخر :
بطيبة و الغري و أرض طف *** و بغداد و طوس و سر من رأى
قبور أئمتي و هم هداتي *** عليهم رحمة الرحمن تترى
عضد الدولة :
سقى الله قبرا بالغري و حوله *** قبور بمثوى الطهر مشتملات
و رمسا بطوس لابنه و سميه *** سقته السحاب الغر صفو فرات
و أم القرى فيها قبور منيرة *** عليها من الرحمن خير صلات
و في أرض بغداد قبور زكية *** و في سر من رأى معدن البركات
فصل في ظلامة أهل البيت (عليه السلام) :
أبو جعفر (عليه السلام) في قوله تعالى : وَ عِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً قال هم الأوصياء من مخافة عدوهم .
خطب أمير المؤمنين (عليه السلام) , فقال : ما لنا و لقريش , و ما تنكر منا قريش , غير أنا أهل بيت , شيد الله بنيانهم ببنياننا , و أعلى الله فوق رءوسهم رءوسنا , و اختارنا الله عليهم فنقموا عليه أن
[202]
اختارنا عليهم , و سخطوا ما رضي الله و أحبوا ما كره الله .
فلما اختارنا عليهم شركناهم في حريمنا , و عرفناهم الكتاب و السنة , و علمناهم الفرائض و السنن , و حفظناهم الصدق و اللين , و ديناهم الدين و الإسلام , فوثبوا علينا و جحدوا فضلنا و منعونا حقنا و التوونا أسباب أعمالنا و أعلامنا .
اللهم فإني أستعديك على قريش , فخذ لي بحقي منها , و لا تدع مظلمتي لها , و طالبهم يا رب بحقي فإنك الحكم العدل , فإن قريشا صغرت قدري , و استحلت المحارم مني , و استخفت بعرضي و عشيرتي , و قهرتني على ميراثي من ابن عمي , و أغروا بي أعدائي , و وتروا بيني و بين العرب و العجم , و سلبوني ما مهدت لنفسي من لدن صباي بجهدي و كدي , و منعوني ما خلفه أخي و حميمي و شقيقي , و قالوا : إنك لحريص متهم .
أ ليس بنا اهتدوا من متاه الكفر و من عمي الضلالة و غي الظلماء ?
أ ليس أنقذتهم من الفتنة الظلماء و المحنة العمياء ?
ويلهم أ لم أخلصهم من نيران الطغاة و كره العتاة و سيوف البغاة و وطأة الأسد و مقارعة الصماء و مجادلة القماقمة الذين كانوا عجم العرب و غنم الحرب و قطب الأقدام و جبال القتال و سهام الخطوب و سل السيوف ?
أ ليس بي تسنموا الشرف و نالوا الحق و النصف ?
أ لست آية نبوة محمد , و دليل رسالاته , و علامة رضاه و سخطه الذي كان يقطع الدرع الدلاص و يصطلم الرجل الحراص , و بي كان يبري جماجم البهم و هام الأبطال , إلى أن فزعت تيم إلى الفرار و عدي إلى الانتكاص .
أما و إني لو أسلمت قريشا للمنايا و الحتوف و تركتها , لحصدتها سيوف الغواة , و وطئتها الأعاجم و كرات الأعادي و حملات الأعالي , و طحنتهم سنابك الصافنات و حوافر الصاهلات في مواقف الأزل و الهزل في طلاب الأعنة و بريق الأسنة ما بقوا لهضمي و لا عاشوا
[203]
لظلمي , و لما قالوا إنك لحريص متهم .
ثم قال بعد كلام : إنما أنطق لكم العجماء ذات البيان , و أفصح الخرساء ذات البرهان ; لأني فتحت الإسلام و نصرت الدين و عززت الرسول و بنيت أعلامه و أعليت مناره و أعلنت أسراره و أظهرت أثره و حاله و صفيت الدولة و وطئت الماشي و الراكب ثم قدتها صافية على أني بها مستأثر .
ثم قال بعد كلام : سبقني إليها التيمي و العدوي كسباق الفرس احتيالا و اغتيالا و خدعة و غيلة .
ثم قال بعد كلام : يا معشر المهاجرين و الأنصار أين كانت سبقة تيم و عدي إلى سقيفة بني ساعدة خوف الفتنة ? أ لا كانت يوم الأبواء ; إذ تكاثفت الصفوف و تكاثرت الحتوف و تقارعت السيوف !
أم هلا خشيا فتنة الإسلام يوم ابن عبد ود و قد نفح بسيفه و شمخ بأنفه و طمح بطرفه !?
و لم لم يشفقا على الدين و أهله يوم بواط إذ اسود لون الأفق و أعوج عظم العنق و انحل سيل الغرق !?
و لم لم يشفقا يوم رضوى إذ السهام تطير و المنايا تسير و الأسد تزأر !?
و هلا بادرا يوم العشيرة إذ الأسنان تصتك و الآذان تستك و الدروع تهتك !?
و هلا كانت مبادرتهما يوم بدر إذ الأرواح في الصعداء ترتقي و الجياد بالصناديد ترتدي و الأرض من دماء الأبطال ترتوي !?
و لم لم يشفقا على الدين يوم بدر الثانية و الدعاس ترعب و الأوداج تشخب و الصدور تخضب ! و هلا بادرا يوم ذات الليوث و قد أمج التولب و اصطلم الشوقب و ادلهم الكوكب !?
و لم لا كانت شفقتهما على الإسلام يوم الأكدر و العيون تدمع و المنية تلمع و الصفائح تنزع !?
ثم عدد وقائع النبي و قرعهما بأنهما في هذه المواقف كلها كانا مع النظارة .
ثم قال : ما هذه الدهماء و الدهياء التي وردت علينا من قريش !? أنا صاحب هذه المشاهد و أبو هذه المواقف , و أين هذه الأفعال الحميدة ... إلى آخر الخطبة .
الناشئ :
فلم لم يثوروا ببدر و قد *** تبلت من القوم إذ بارزوكا
[204]
و لم عردوا إذ شجيت العدى *** بمهراس أحد و لم نازلوكا
و لم أجمحوا يوم سلع و قد *** ثبت لعمرو و لم أسلموكا
و لم يوم خيبر لم يثبتوا *** صحابة أحمد و استركبوكا
فلاقيت مرحبا و العنكبوت *** و أسد يحامون إذا وجهوكا
فدكدكت حصنهم قاهرا و طوحت *** بالباب إذ حاجزوكا
لم يحضروا بحنين و قد *** صككت بنفسك جيشا صكوكا
فأنت المقدم في كل ذاك *** فلله درك , لم أخروكا ?
و من نهج البلاغة : اللهم إني أستعديك على قريش فإنهم قد قطعوا رحمي و كفروا آياتي و أجمعوا على منازعتي حقا , و كنت أولى به من غيري , و قالوا : ألا إن في الحق أن يأخذه و في الحق أن نمنعه ; فأصبر مغموما أو مت متأسفا .
فنظرت فإذا ليس رافد و لا ذاب و لا مساعد إلا أهل بيتي , فضننت بهم على المنية , فأغضيت على القذى , و جرعت ريقي على الشجا , و صبرت على الأذى , و طبت نفسي على كظم الغيظ , و ما هو أمرّ من العلقم و ألمّ من حر الشفار .
الشقشقية المقمصة : ... أما و الله لقد تقمصها ابن أبي قحافة , و إنه ليعلم أن محلي منها محل القطب من الرحى , ينحدر عني السيل و لا يرقى إلى الطير , فسدلت دونها ثوبا و طويت عنها كشحا , و طفقت أرتئي بين أن أصول بيد جذاء , أو أصبر على طخية عمياء , يهرم فيها الكبير و يشيب فيها الصغير و يكدح مؤمن حتى يلقى ربه ; فرأيت أن الصبر على هاتى أحجى , فصبرت و في العين قذى , و في الحلق شجى , أرى تراثي نهبا , حتى مضى الأول لسبيله فأدلى بها إلى فلان بعده , ثم تمثل بقول الأعشى :
شتان ما يومي على كورها *** و يوم حيان أخي جابر
[205]
فيا عجبا ; بينا هو يستقيلها في حياته , إذ عقدها لآخر بعد وفاته , لشد ما تشطرا ضرعيها , فصيرها في حوزة خشناء يغلظ كلمها و يخشن مسها و يكثر العثار فيها و الاعتذار منها , فصاحبها كراكب الصعبة إن أشنق لها خرم و إن أسلس لها تقحم , فمني الناس لعمر الله بخبط و شماس و تلون و اعتراض ; فصبرت على طول المدة , و شدة المحنة , حتى إذا مضى لسبيله جعلها في جماعة زعم أني أحدهم , فيا لله و للشورى , متى أعترض الريب في مع الأول منهم حتى صرت أقرن إلى هذه النظائر , و لكني أسففت إذ أسفوا و طرت إذ طاروا , فصغى رجل لضغنه , و مال الآخر لصهره , مع هن و هن ; إلى أن قام ثالث القوم , نافجا حضنيه بين نثيله و معتلفه , و قام معه بنو أبيه يخضمون مال الله خضم الإبل نبتة الربيع , إلى أن انتكث عليه فتله و أجهز عليه عمله , و انكب به بطنه , فما راعني إلا و الناس إلي كعرف الضبع ينثالون علي من كل وجه , حتى لقد وطئ الحسنان , و شق عطفاي , مجتمعين حولي كربيضة الغنم , فلما نهضت بالأمر نكثت طائفة و مرقت أخرى و قسط آخرون , و كأنهم لم يسمعوا الله سبحانه و تعالى حيث يقول تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها الآية .
بلى و الله لقد سمعوها و وعوها , و لكنهم حليت لهم الدنيا في أعينهم و راقهم زبرجها , و الذي فلق الحبة و برأ النسمة لو لا حضور الحاضر و قيام الحجة بوجود الناصر و ما أخذ الله على العلماء أن لا يقاروا على كظة ظالم و لا سغب مظلوم ; لألقيت حبلها على غاربها , و لسقيت آخرها بكأس أولها , و لألفيتم دنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عنز .
فنوول كتابا فجعل يقرأ فلما فرغ من قراءته .
قال ابن عباس : يا أمير المؤمنين لو اطردت مقالتك من حيث أفضيت .
فقال : هيهات يا ابن عباس , تلك شقشقة هدرت ثم قرت .
و دخلت أم سلمة على فاطمة (عليها السلام) , فقالت لها : كيف أصبحت عن ليلتك يا بنت رسول الله ?
قالت: أصبحت بين كمد و كرب , فقد النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) , و ظلم الوصي و الله حجبه أصبحت إمامته مقتصة على غير ما شرع الله في التنزيل , و سنها النبي في التأويل , و لكنها أحقاد بدرية و ترات أحدية كانت عليها قلوب النفاق مكتمنة
[206]
لإمكان الوشاة , فلما استهدف الأمر أرسلت علينا شآبيب الآثار من مخيلة الشقاق , فيقطع وتر الإيمان من قسي صدورها و ليس على ما وعد الله من حفظ الرسالة و كفالة المؤمنين أحرزوا عائدتهم غرور الدنيا بعد انتصار ممن فتك بآبائهم في مواطن الكروب و منازل الشهادات .
و قالت (عليها السلام) , لما تكلمت مع الأول :
معاشر المسلمة المسرعة إلى قبل الباطل , المغضية على الفعل الخاسر , أ فلا تتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها , كلا بل ران على قلوبكم , بتتابع سيئاتكم , فأخذ بسمعكم و أبصاركم , و لبئس ما تأولتم و ساء ما به أشرتم و شر ما منه اعتصمتم, لتجدن و الله محلها ثقيلا , و غيها وبيلا , إذا كشف لكم الغطاء و بان و زاد ويه الصراط و بدا لكم من ربكم ما لم تكونوا تحتسبون و خسر هنالك المبطلون .
ثم قالت للأنصار : معاشر النقباء و أعضاد البقية و أنصار الدين و الملة و حضنة الإسلام , ما هذه الغميزة في حقي و الإعراض عن ظلامتي ? أ ما كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال : المرء يحفظ في ولده , لسرعان ما أحدثتم , و عجلان ذا إهالة و بكم ما حاورت طاقة .